أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - الوصاية المائية التركية: اتفاقية التعاون أم شرعنة الخضوع؟














المزيد.....

الوصاية المائية التركية: اتفاقية التعاون أم شرعنة الخضوع؟


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8518 - 2025 / 11 / 6 - 10:12
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في خطوة وُصفت رسميًا بأنها “اختراق دبلوماسي” نحو معالجة أزمة المياه، أُعلن مؤخرًا عن توقيع اتفاقية مائية جديدة بين العراق وتركيا. غير أنّ القراءة الدقيقة لمضمون الاتفاقية، وسياقها السياسي، تكشف أنّ ما جرى ليس حلاً للأزمة بقدر ما هو تثبيت لوصاية تركية مقنّعة على موارد العراق المائية، وإعادة إنتاجٍ لعلاقة مختلة تحت غطاء “التعاون الفني”.

فبحسب ما صرّح به النائب السابق فوزي أكرم ترزي، فإن الاتفاقية تتضمن خمس نقاط “إيجابية استراتيجية”، أبرزها: إدخال التقنيات التركية الحديثة لإدارة الموارد المائية، إحياء أكثر من عشرين مشروعًا في مجال حصاد الأمطار، إدخال أنظمة ريّ متطورة، ومعالجة الهدر المائي، والتحول نحو الزراعة الاقتصادية عالية الجدوى.
كل ذلك يبدو، في ظاهره، برنامجًا إصلاحيًا متقدمًا. لكنه، في الجوهر، ينقل مركز القرار الفني إلى أنقرة، ويُدخل العراق في مدار التبعية التقنية والإدارية، حيث يصبح “المستفيد” تابعًا للجهة المانحة للتكنولوجيا والقرار.

الجوهر السياسي للاتفاق

تركيا لم تعترف يومًا بأن نهري دجلة والفرات نهران دوليان، بل تصرّ على اعتبارهما “عابرين للحدود”، أي تحت السيادة التركية الكاملة في المنبع.
وبذلك، فهي تحتفظ بحقها في التحكم بالإطلاقات المائية وفقًا لحاجاتها الزراعية والاقتصادية، وليس وفقًا لاتفاقات ملزمة.
الاتفاقية الجديدة لا تتضمن بندًا واحدًا يحدد حصة العراق بدقة أو يُلزم تركيا بتصريف سنوي أدنى. إنها تتحدث عن التعاون، لا عن الالتزام؛ عن التقنيات، لا عن الحقوق.

وصاية مغلّفة بالتعاون

نقل التقنيات التركية وإشراف الخبراء الأتراك على مشاريع إدارة المياه في العراق يعني عمليًا نقل السيادة المائية إلى يد أنقرة. فبدلاً من أن يُعيد العراق بناء مؤسساته المائية المستقلة، أصبح مدخل الإصلاح بيد الطرف الذي يملك المنبع.
بهذا المعنى، تتحول “الشراكة الفنية” إلى أداة تحكم سياسي طويل الأمد، تمنح تركيا قدرة غير مباشرة على إدارة الأمن المائي والغذائي العراقيين.

شرعنة الوضع القائم

الاتفاقية، بصيغتها الحالية، لا تغيّر شيئًا من واقع الحصة المائية المنخفضة، بل تكرّسها.
أنقرة نجحت في تحويل الوضع القائم – الذي كانت بغداد تعتبره مجحفًا – إلى اتفاق ثنائي رسمي، وبذلك شرعنت استمرار الحصة الحالية باعتبارها “نتيجة تفاهم مشترك”.
إنها صيغة ذكية من الوصاية: تُمنح صفة التعاون، لكنها تؤدي إلى تثبيت التبعية.

الماء مقابل الهدوء

المعادلة التي تسعى إليها تركيا واضحة:
الماء مقابل الهدوء السياسي والاقتصادي.
أي أن استمرار الإطلاقات المائية سيُربط مستقبلاً بمستوى العلاقات الاقتصادية، وبمدى التزام بغداد بعدم الانخراط في سياسات إقليمية تمسّ مصالح أنقرة.
وهكذا يصبح الماء أداة ضغطٍ دائمة، وسلاحًا صامتًا لكنه بالغ الفعالية في رسم حدود الدور العراقي داخل الإقليم.

النفط مقابل الماء: نحو معادلة سيادية جديدة

إذا كانت الاتفاقية المائية الجديدة بين بغداد وأنقرة قد أسست لوصاية تركية ناعمة على الموارد المائية العراقية، فإن الخروج من هذه المعادلة لا يكون عبر التصعيد الخطابي أو الشكوى إلى المنظمات الدولية – فهذه المسارات أثبتت عجزها لعقود – بل عبر تأسيس معادلة تبادلية كبرى تحفظ المصالح المشتركة وتعيد السيادة المائية للعراق.

المعادلة المقترحة هنا هي: النفط مقابل الماء.
وهي ليست شعارًا عاطفيًا، بل تصور إستراتيجي يمكن أن يفتح صفحة جديدة في العلاقة بين البلدين على قاعدة التوازن لا التبعية.

جوهر المقايضة

تمتلك تركيا المنبع، ويمتلك العراق الثروة النفطية والموقع الجيواقتصادي الحيوي الذي تحتاجه أنقرة لتصريف طاقتها الصناعية ولعبور صادراتها نحو الخليج.
إنّ تحويل هذا الواقع إلى صيغة تبادلية عادلة يعني أن يحصل العراق على حصته المائية الكاملة والمستقرة سنويًا، مقابل منح تركيا امتيازات حصرية في تصدير النفط الخام أو مشتقاته عبر أراضيها، مع إشراكها في مشاريع صناعية بتروكيميائية مشتركة داخل الأراضي العراقية.

بهذه الصيغة، يتحول الماء من أداة ابتزاز إلى عنصر في شراكة اقتصادية كبرى، ويغدو النفط – للمرة الأولى – أداة سيادية للمساومة لا للتنازل.

الفائدة المتبادلة

من الجانب التركي، تضمن هذه المعادلة تدفقًا مستقرًا للنفط الخام عبر أراضيها، مع فرص استثمار في الصناعات البتروكيميائية التي تحتاجها لاقتصادها الصناعي الصاعد.
ومن الجانب العراقي، تتحقق ثلاثة مكاسب استراتيجية كبرى:

1. أمن مائي طويل الأمد بحصص محددة وملزمة قانونيًا.


2. تحول اقتصادي صناعي عبر شراكات استثمارية ذات مردود إنتاجي حقيقي.


3. استعادة للقرار السيادي عبر نقل العلاقة مع أنقرة من موقع التبعية إلى موقع التفاوض الندّي.

من الدبلوماسية الدفاعية إلى الدبلوماسية التبادلية

لقد ظل العراق طوال العقود الماضية يعتمد دبلوماسية دفاعية تجاه تركيا: يطالب بحقوقه، يشكو من السدود، وينتظر الإطلاقات.
أما “النفط مقابل الماء” فهي دبلوماسية تبادلية هجومية تُعيد تعريف النفوذ من خلال المصالح المتبادلة لا المناشدات.
فالماء لا يُستعاد بالاحتجاج، بل بالتوازن في أوراق الضغط.
وما لم يربط العراق موارده النفطية بملفّه المائي، فسيبقى الأخير ساحة ابتزازٍ مستمرة.

خاتمة

إنّ الأزمة المائية بين العراق وتركيا ليست أزمة طبيعة بل أزمة سياسة.
وما لم تُدار بمنطق “المعادلة الاستراتيجية” لا “المناشدة الفنية”، فسيبقى العراق يعيش تحت رحمة السدود التركية.
أما حين تتحول العلاقة إلى نفط مقابل ماء، فإن بغداد لن تكون المتلقي الضعيف، بل الطرف الندّي الذي يفاوض من موقع القوة.
ذلك وحده كفيل بإنهاء الوصاية، وتحويل الجفاف إلى شراكة إنتاجية تحفظ للعراق ماءه، ولتركيا مصالحها، وللمنطقة توازنها المفقود.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين الفدرالية المشوهة والكونفدرالية الممكنة (امتداد ل ...
- حين يصبح الكيان سجنًا للوطن: دعوة إلى الكونفدرالية العراقية
- انتخابات على ضفاف دجلة... ودجلة يحتضر
- مقاطعة الدم: لماذا يجب أن تقاطع النساء صناديق القتلة
- العودة إلى الواقع — التنظيم المباشر كأساس للثورة
- تعيين مبعوث خاص إلى العراق: قراءة في الدلالات السياسية والبر ...
- الرقمنة بين سلطة العنف وسلطة الجماهير – مفارقة التوظيف التقن ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- ملاحظة تحليلية حول مقال بن درور يميني: تقاطع في القراءة أم ا ...
- الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة ...
- الاحتجاجات العراقية ودور الحزب الشيوعي العراقي: نقد الأداء و ...
- النتوء الرأسمالي – الاقتصاد الرقمي داخل جسد الرأسمالية وعلاق ...
- العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استرات ...
- -غزة: دورة المأساة بين الهيمنة الدولية والسلطة المحلية والأي ...
- سلامٌ ؟ في يوم ذكرى تأسيس البحريه الأمريكيه… وفي الخلفية حما ...
- البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتم ...
- آلية التفكير الطبقي: من الذكاء بلا عقل إلى البلوب الأمريكي
- لعبة الاستغفال ...لماذا يطالب حزب الله بالاستسلام ..وتلهث دو ...
- ثورة من خلف الشاشات: جيل Z المغربي بين المطلبية والغموض القي ...


المزيد.....




- القصة الداخلية لزهران ممداني.. اجتماع سري مع -حزب العائلات- ...
- ممازحًا الأميرة السعودية ريما بنت بندر.. ترامب: لديها مال كث ...
- كيف تفرق بين مقاطع الفيديو الحقيقية ومقاطع الذكاء الاصطناعي؟ ...
- ترامب يتحدث بإيجابية عن -إتفاق غزة- وسط تصاعد التطورات الميد ...
- مشروع قرار أميركي في مجلس الأمن لدعم -خطة غزة-.. وأنفاق رفح ...
- واشنطن تهدد جوبا والخرطوم بعدم التجديد للقوة الأممية في أبيي ...
- استشهاد طفل بالضفة وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال بالقدس
- عائلات أميركية تلجأ إلى بنوك الطعام مع توقف إعانات الغذاء
- قرقاش: الإمارات تلعب دورا مؤثرا إقليميا ودوليا
- صعوبات ميدانية.. إسرائيل تواجه معضلة مقاتلي -الخط الأصفر-


المزيد.....

- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - الوصاية المائية التركية: اتفاقية التعاون أم شرعنة الخضوع؟