أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - تعيين مبعوث خاص إلى العراق: قراءة في الدلالات السياسية والبروتوكولية















المزيد.....

تعيين مبعوث خاص إلى العراق: قراءة في الدلالات السياسية والبروتوكولية


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8507 - 2025 / 10 / 26 - 01:49
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


يثير تعيين الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ«ماك سافايا» مبعوثًا خاصًا إلى العراق تساؤلات سياسية وبروتوكولية عميقة، لاسيما أن الولايات المتحدة تمتلك في بغداد واحدة من أكبر سفاراتها في العالم، يقودها سفير رسمي معتمد وفق اتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية لعام 1961.
في الظاهر، يبدو هذا التعيين خروجًا عن السياقات المتعارف عليها في العمل الدبلوماسي، لكنه في جوهره يعكس توجهاً سياسياً متعمداً يتجاوز الإطار البروتوكولي إلى مقاصد استراتيجية تتعلق بطبيعة إدارة واشنطن لملف العراق.

أولاً: الإطار الدبلوماسي والقانوني

في الأعراف الدولية، وجود سفير يعني أن التواصل الرسمي بين الدولتين مؤسس ومستقر، وأن كل ما يتعلق بالعلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية يمر عبر السفارة وهيئتها الدبلوماسية.
غير أن الدول تلجأ أحياناً إلى تعيين «مبعوثين خاصين» في ظروف استثنائية، كوجود ملف حساس يتطلب معالجة خارج القنوات التقليدية، أو عندما ترغب القيادة السياسية في تجاوز بيروقراطية وزارة الخارجية والتعامل المباشر مع الملف من موقع القرار الرئاسي.

ثانياً: متى ولماذا يُعيَّن مبعوث خاص؟

عادةً ما يُرسَل مبعوث خاص في الحالات التالية:

1. عند وجود ملف سياسي أو أمني معقّد يتجاوز الدور الدبلوماسي الاعتيادي للسفارة.

2. حين تكون القيادة السياسية غير راضية عن أداء السفير أو الخارجية وتريد السيطرة المباشرة على الملف.

3. في حالة الانقسام أو الاضطراب داخل الدولة المستقبِلة، عندما تحتاج الدولة المرسِلة إلى قنوات اتصال غير رسمية مع أطراف متعددة.

4. لإيصال رسالة سياسية أو رمزية بأن العلاقة ليست علاقة دولة بدولة فحسب، بل ملف استثنائي له أولوية استراتيجية.

ثالثاً: السوابق الأميركية

تاريخ السياسة الخارجية الأميركية حافل بأمثلة مشابهة:

لبنان (1982): أرسل الرئيس ريغان المبعوث فيليب حبيب رغم وجود سفير، لمعالجة الملف العسكري الإسرائيلي.

أفغانستان (بعد 2001): تم تعيين مبعوث خاص لإدارة الحرب والتنسيق الأمني، رغم وجود سفير دائم في كابول.

السودان: وُجد مبعوث خاص لمعالجة ملف دارفور والتفاوض مع الحركات المسلحة، إلى جانب السفير الرسمي.

ليبيا: بعد 2011، احتفظت واشنطن بمبعوث خاص لتعاملها مع قوى محلية غير حكومية.

سوريا: رغم غياب العلاقات الدبلوماسية، استخدمت واشنطن صيغة المبعوث الخاص كقناة اتصال سياسية بديلة.

في كل هذه الحالات، لم يكن الهدف تحسين العلاقات الثنائية، بل التحكم المباشر بالملفات الأمنية والسياسية بعيداً عن التمثيل الدبلوماسي التقليدي.

رابعاً: الحالة العراقية

يأتي تعيين “ماك سافايا” ضمن هذا السياق السياسي ذاته، لكنه أكثر إثارة للجدل، لأن العراق ليس دولة مقطوعة العلاقات مع واشنطن، بل يحوي بعثة دبلوماسية ضخمة وسفيراً فاعلاً.
لذلك، فإن التعيين يُقرأ بوصفه إشارة إلى أن الملف العراقي لم يعد في نظر ترامب شأناً دبلوماسياً خالصاً، بل قضية أمنية واستراتيجية ذات صلة مباشرة بإيران، وبالوجود العسكري الأميركي، وبموازين النفوذ في المنطقة.

إنه بمثابة إعلان غير معلن بأن البيت الأبيض يريد الإمساك بالملف العراقي مباشرةً، دون المرور بوزارة الخارجية أو بسفيرها في بغداد. وهذا النمط من التعيين يشير ضمناً إلى عدم الثقة في القنوات الدبلوماسية القائمة، وإلى رغبة سياسية في التعامل مع أطراف عراقية خارج الإطار الرسمي.

خامساً: الموقف العراقي الممكن

من الناحية القانونية، للعراق كامل الحق في قبول أو رفض أي مبعوث، لكن القرار الفعلي يتوقف على حسابات السياسة لا على نصوص البروتوكول.
وبالنظر إلى طبيعة العلاقة المعقّدة مع الولايات المتحدة، يمكن لبغداد أن تختار واحداً من ثلاثة مسارات:

1. القبول الصامت: تتعامل مؤسسات معينة مع المبعوث من دون اعتراف رسمي، لتجنب التصعيد مع واشنطن.

2. التحفظ البروتوكولي: تسجيل اعتراض أو طلب توضيح رسمي من السفارة الأميركية، مع إبقاء الباب مفتوحاً للتواصل.

3. الرفض العلني: تقييد عمل المبعوث وحصر التواصل مع الخارجية، وهو خيار سيادي لكنه عالي الكلفة السياسية.

الراجح أن بغداد ستختار القبول الصامت، كما فعلت دول أخرى في مواقف مشابهة، حفاظاً على التوازن بين النفوذين الأميركي والإيراني، وتجنباً لأي أزمة مباشرة مع واشنطن.


سادساً: مغزى الخطوة في ميزان السيادة

قبول مثل هذا المبعوث دون صفة رسمية يعكس عملياً اختلال ميزان الندية بين الدولتين، إذ تتحول العلاقة من إطار دبلوماسي متكافئ إلى علاقة ملفّات تخضع للإدارة المباشرة من واشنطن.
أما رفض المبعوث، وإن كان تعبيراً عن سيادة الدولة، فقد يفتح باب التوتر السياسي والعقوبات الضمنية أو تقليص الدعم الأمني والاقتصادي.

خاتمة

في واقع الأمر، لا يمكن قراءة تعيين مبعوث أميركي خاص إلى العراق بمعزل عن طبيعة النظام السياسي القائم فيه. فالدولة العراقية، منذ 2003، لم تتشكل على قاعدة سيادة وطنية مستقلة بقدر ما تبلورت بوصفها نتاجًا لتقاطع الإرادات الإقليمية والدولية. إن بنيتها الدستورية، ودوائرها التنفيذية، وحتى معادلاتها الانتخابية، جميعها تتحرك ضمن فضاء مرسوم من الخارج وتحت سقف تفاهمات لا عراقية المنشأ.

وعليه، فإن خطوة واشنطن بتعيين مبعوث خاص ليست خرقًا لبروتوكول سيادي، بل تعبيرًا صريحًا عن طبيعة النظام نفسه: نظام مولود من رحم الاحتلال، قائم على التمويل والشرعية الخارجيتين، ولا يمتلك آليات حقيقية لرفض أي تدخل يأتي من الجهة التي أسست بنيته ووفّرت له بقاءه.

من هنا، لا يمكن للعراق الرسمي أن يحتج على تجاوزٍ هو في الأصل جزء من بنية وجوده السياسي. فقبول المبعوث الأميركي لا يُعد تراجعًا عن السيادة، لأن مفهوم السيادة ذاته لم يُكتمل بعد في دولة ما زالت تعيش على إيقاع التوازن بين واشنطن وطهران، وتستمد استقرارها من تواطؤ الخارج أكثر مما تستمده من انسجام الداخل.

إن التعيين الأميركي لا يفتح أزمة جديدة بقدر ما يكشف هشاشة الوهم القديم: وهم الدولة المستقلة في منظومة قامت منذ بدايتها على التبعية المقنّعة، وتستمر اليوم في إعادة إنتاجها بأشكال أكثر لياقة دبلوماسية.

استدراك

ولكي لا يُخلط بين ما هو توصيف دبلوماسي موضوعي وبين ما هو تحليل استراتيجي خاص، نورد الاستدراك الآتي:

إن كل ما ورد في هذا المقال تم الالتزام فيه بالمنهج الموضوعي وبما هو معلن ومتفق عليه من معطيات رسمية ومؤشرات واقعية.
لكن رؤيتنا الخاصة، التي سبق أن عبّرنا عنها في سلسلة مقالاتنا (قوى عود البريكست.. فنطق السستاني) والمقالات التي تتبعت أحداث تشرين وما بعدها، تشير إلى أن العراق يشهد تزاحمًا خفيًّا بين الحليفين الأميركي والبريطاني على مساحات النفوذ والتأثير.

وقد رأينا في حينه أن مجيء مصطفى الكاظمي إلى رئاسة الوزراء كان يمثل خطوة لصالح بريطانيا في هذا التزاحم، مقابل ميل واشنطن إلى إعادة هيكلة حضورها عبر أدوات أمنية واقتصادية مباشرة.
واليوم، ومع توقيت تعيين المبعوث الأميركي الجديد تزامنًا مع الانتخابات العراقية، وتزايد المؤشرات على قرب نيل محمد شياع السوداني ولاية ثانية، فإننا نستشرف تصاعدًا في هذا التزاحم الأنغلو–أميركي على الساحة العراقية.

وما يدعم هذا الاستنتاج ما يتداول من تسريبات حول تحركات السفير البريطاني شملت لقاءات مع شخصيات سياسية بارزة، إلى جانب أنباء غير رسمية عن دخول طائرات حربية بريطانية الأجواء العراقية رغم التحذيرات التي أُبلغت بها بأنها غير مخوّلة بذلك.

إن هذه المؤشرات، وإن لم تُعلن رسميًا، تفتح الباب أمام قراءة جديدة ترى في المشهد العراقي تجددًا لصراع الإرادات بين لندن وواشنطن، لا بوصفه تنافسًا على النفوذ فحسب، بل كجزء من إعادة توزيع القوة داخل المنظومة الغربية نفسها في مرحلة ما بعد البريكست، حيث يسعى كل طرف إلى تثبيت موقعه في الجغرافيا السياسية الأكثر هشاشة في المنطقة: العراق.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرقمنة بين سلطة العنف وسلطة الجماهير – مفارقة التوظيف التقن ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- ملاحظة تحليلية حول مقال بن درور يميني: تقاطع في القراءة أم ا ...
- الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة ...
- الاحتجاجات العراقية ودور الحزب الشيوعي العراقي: نقد الأداء و ...
- النتوء الرأسمالي – الاقتصاد الرقمي داخل جسد الرأسمالية وعلاق ...
- العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استرات ...
- -غزة: دورة المأساة بين الهيمنة الدولية والسلطة المحلية والأي ...
- سلامٌ ؟ في يوم ذكرى تأسيس البحريه الأمريكيه… وفي الخلفية حما ...
- البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتم ...
- آلية التفكير الطبقي: من الذكاء بلا عقل إلى البلوب الأمريكي
- لعبة الاستغفال ...لماذا يطالب حزب الله بالاستسلام ..وتلهث دو ...
- ثورة من خلف الشاشات: جيل Z المغربي بين المطلبية والغموض القي ...
- الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانت ...
- كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي
- في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق
- تشرين: منتفضون بلا انتفاضة
- هل انتهت فترة إسكات النيران بين إيران وإسرائيل وأمريكا؟
- غزة بين حماس الوظيفية وترامب الوسيط الجلاد


المزيد.....




- شباب -جيل زد- بالمغرب يجددون مطالبهم بالإصلاح وإطلاق سراح ال ...
- سوريا.. قوات إسرائيلية تتوغل بالقنيطرة وتطلق قنابل مضيئة
- روبيو: لا مصلحة لإسرائيل في احتلال قطاع غزة
- مقتل شخصين في غارات إسرائيلية جنوب لبنان
- غزة بوابة التحولات الكبرى.. الشرق الأوسط يعيد رسم خرائطه
- غزة.. قراءة في واقع الإدارة والصراع الداخلي
- -رد اعتبار-.. احتفاء بمشاركة محمد سلّام في احتفالية -وطن الس ...
- قبل اجتماعه مع شي.. ترامب يأمل في -اتفاق شامل- مع الصين
- سموتريتش: ترامب سيغير رأيه بشأن ضم الضفة الغربية
- عشية قمة آسيان.. ماليزيا تؤكد غياب أي نقاش حول الخلاف التجا ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - تعيين مبعوث خاص إلى العراق: قراءة في الدلالات السياسية والبروتوكولية