أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - مقاطعة الدم: لماذا يجب أن تقاطع النساء صناديق القتلة














المزيد.....

مقاطعة الدم: لماذا يجب أن تقاطع النساء صناديق القتلة


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8511 - 2025 / 10 / 30 - 01:28
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


إنّ الدولة التي تطلب من النساء أن يصوّتن، هي ذاتها التي تُشرّع القوانين التي تسلبهنّ إرادتهنّ وكرامتهنّ، وتحوّل وجودهنّ إلى وظيفةٍ شكلية في مشهدٍ سياسيٍ ذكوريٍ مكتمل الأركان.
في العراق، تتكرّر الجرائم بحق النساء بوتيرةٍ تُفقد الفاجعة معناها، حتى غدت أخبار القتل والذبح والحرق والانتحار المزعوم تفاصيل عابرة في نشرات الأخبار. لم تعد الجريمة حدثاً صادماً، بل طقساً اجتماعياً مألوفاً، تتبدّل فيه الأسماء وتبقى الأسباب واحدة: “الشرف”، “الخلاف العائلي”، “الغيرة”، أو أي تسمية أخرى تُخفي الجريمة الحقيقية — وهي وجود منظومة تشرعن سفك الدم الأنثوي وتمنحه غطاء العادات والدين.

آخر هذه الجرائم مقتل الطبيبة زياد طارق على يد شقيقها، جريمة كشفت بوضوح أن الدم الأنثوي في هذا البلد يُهدر ضمن هندسة اجتماعية–سياسية متكاملة تبدأ من البيت، مروراً بالعشيرة، وانتهاءً بالمحكمة. القاتل لا يختبئ، والدولة لا تبحث، لأن النظام بأكمله يعرف القاتل مسبقاً، ويميز بين دمٍ مباحٍ ودمٍ محرّم.

فالدولة التي تدّعي المدنية، هي ذاتها التي أقرّت قانون الأحوال الشخصية الجعفري، قانونٌ لم يهبط من فراغ، بل كُتب في أروقة المرجعيات الدينية التي قررت أن تحتكر تعريف المرأة، وتعيد إنتاجها ككائنٍ ناقص الولاية، محدود الوعي، مؤتمنٍ على الطاعة فقط.
القانون الجعفري يختزل المرأة إلى “موضوع فقه”، ويحوّل الولاء والطاعة إلى قاعدة إلزامية، ويبيح زواج الطفلة ويحد من حقوقها في الحضانة والميراث، ويجعل العدالة مرهونة بالولي لا بالضمير أو بالعقل. هذا القانون ليس مجرد نصٍّ تشريعي، بل هو بيانُ ولاءٍ رسمي من الدولة للهيمنة الذكورية الدينية، وإعلانٌ واضحٌ أن السلطة لا ترى في النساء مواطناتٍ بل “رعايا” في مملكة الذكور.

وفي القرى والأرياف، حيث يتقاطع الدين مع العشيرة، تُجبر النساء على المشاركة في الانتخابات بأوامر الأزواج والشيوخ، لا حباً بالوطن ولا إيماناً بالسياسة، بل خضوعاً لأمرٍ فوقيّ يتزيّن بعبارات “الواجب” و“الانتماء”.
المشاركة هنا ليست اختياراً بل طقساً من طقوس الطاعة، تُقاد فيه النساء كما تُقاد القوافل إلى صناديق الاقتراع، لتجميل العملية الانتخابية كما يُجمَّل وجه الدين بورعٍ مزيف. الدولة تعرف هذا جيداً، وتحتاجه، لأن حضور النساء في الصور أسهل من حضورهن في القرار.

في بلدٍ كهذا، لا تُقاس مدنية الدولة بوجود دستور، بل بقدرتها على حماية المرأة من التشريع الذي يقتلها ببطء، ومن المجتمع الذي يرفع شعار الشرف ليُبرّر الاغتيال، ومن الدين الذي حُوِّل إلى وثيقة إذعان جماعي.
إنّ مقاطعة النساء للانتخابات ليست فعلاً سلبياً أو انسحابياً، بل إعلاناً وجودياً ضدّ المنظومة كلها: ضدّ الدولة التي تطبّق إرادة المرجعيات، وضدّ المجتمع الذي يصفّق لذكورته، وضدّ القوانين التي تصادر الجسد والقرار.

المقاطعة النسوية هنا هي رفض المشاركة في تمثيلٍ زائف، ورفض التصويت لمن يعتبر المرأة مكمّلاً لا مواطنة. هي فعل سياسي من نوع آخر، فعل يبدأ من الوعي بالاستعباد، ويمتد ليكشف تناقض الدولة التي تقتل المرأة باسم القانون، ثم تطلب منها أن تُشرعن وجودها بالتصويت.
إنها مقاطعة الدم — لا احتجاجاً على مرشحٍ أو حزبٍ، بل على نظامٍ يرى في المرأة وسيلةَ دعايةٍ انتخابية، لا شريكاً في الوجود.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العودة إلى الواقع — التنظيم المباشر كأساس للثورة
- تعيين مبعوث خاص إلى العراق: قراءة في الدلالات السياسية والبر ...
- الرقمنة بين سلطة العنف وسلطة الجماهير – مفارقة التوظيف التقن ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- بين التفاؤل اليساري والصرامة الماركسية قراءة في احتجاجات جيل ...
- ملاحظة تحليلية حول مقال بن درور يميني: تقاطع في القراءة أم ا ...
- الحزب الشيوعي العراقي بين المشاركة العقيمة والمقاطعة المثمرة ...
- الاحتجاجات العراقية ودور الحزب الشيوعي العراقي: نقد الأداء و ...
- النتوء الرأسمالي – الاقتصاد الرقمي داخل جسد الرأسمالية وعلاق ...
- العلاقة الأمريكية – الإسرائيلية: اختلاف تكتيك أم خلاف استرات ...
- -غزة: دورة المأساة بين الهيمنة الدولية والسلطة المحلية والأي ...
- سلامٌ ؟ في يوم ذكرى تأسيس البحريه الأمريكيه… وفي الخلفية حما ...
- البلوب والنتؤ الرأسمالي: قراءة مكملة في الذكاء البنيوي لمجتم ...
- آلية التفكير الطبقي: من الذكاء بلا عقل إلى البلوب الأمريكي
- لعبة الاستغفال ...لماذا يطالب حزب الله بالاستسلام ..وتلهث دو ...
- ثورة من خلف الشاشات: جيل Z المغربي بين المطلبية والغموض القي ...
- الناخب كفاعل مضاد للمصلحة العامة: قراءة في تشوّه الوعي الانت ...
- كوبا: اشتراكية الصمود وتناقضات الواقع الاجتماعي
- في معنى اتخاذ 3 تشرين ..اليوم الوطني للعراق
- تشرين: منتفضون بلا انتفاضة


المزيد.....




- خمسون عنصراً من أصل 300 مقاتل بحزب العمال دخلوا العراق بإشرا ...
- البلاغ الختامي للاجتماع الموسع الرابع للجنة المركزية
- وقفة احتجاجية بالرباط بمناسبة اليوم الوطني للمختطف 29 أكتوبر ...
- بلاغ صحفي مشترك للحزبين الشيوعي العمالي العراقي والحزب الشيو ...
- The Powerful Who Stand with Israel
-  بيان الحزب الشيوعي السوداني حول مجازر مليشيات الدعم السريع ...
- بيان الحزب الشيوعي السوداني حول مجازر مليشيات الدعم السريع ف ...
- هولندا ـ انتخابات مبكرة في اختبار حاسم لفيلدرز واليمين المتط ...
- إضراب عمال “رباط السفن” احتجاجًا على تقليص الحوافز 
- الولايات المنقسمة العربية


المزيد.....

- كراسات شيوعية(الفرد والنظرة الماركسية للتاريخ) بقلم آدم بوث2 ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (العالم إنقلب رأسًا على عقب – النظام في أزمة)ق ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الرؤية الرأسمالية للذكاء الاصطناعي: الربح، السلطة، والسيطرة / رزكار عقراوي
- كتاب الإقتصاد السياسي الماويّ / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(النمو السلبي: مبدأ يزعم أنه يحرك المجتمع إلى ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (من مايوت إلى كاليدونيا الجديدة، الإمبريالية ا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كراسات شيوعية (المغرب العربي: الشعوب هى من تواجه الإمبريالية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علم الاعصاب الكمي: الماركسية (المبتذلة) والحرية! / طلال الربيعي
- مقال (الاستجواب الدائم لكورنيليوس كاستورياديس) بقلم: خوان ما ... / عبدالرؤوف بطيخ
- الإمبريالية والاستعمار الاستيطاني الأبيض في النظرية الماركسي ... / مسعد عربيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - ليث الجادر - مقاطعة الدم: لماذا يجب أن تقاطع النساء صناديق القتلة