أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - إعادة تدوير حماس: من مشروع التصفية إلى استراتيجية الاستيعاب















المزيد.....

إعادة تدوير حماس: من مشروع التصفية إلى استراتيجية الاستيعاب


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 21:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لم تعد “خطة السلام لغزة” المطروحة بعد الحرب الأخيرة مشروعًا فعليًا لإنهاء وجود حماس، بقدر ما باتت إطارًا دوليًا–إقليميًا لإعادة ضبطها واستيعابها ضمن قالب جديد. فبين الفشل الإسرائيلي في تحقيق الإزالة الكاملة، والخشية الغربية من الفراغ والفوضى، تشكّل مسار غير معلن يمكن توصيفه بدقة بأنه استراتيجية الالتقاء على حماس، لا القضاء عليها.

من منطق الإنهاء إلى منطق الإدارة

الخطط المتداولة – الأمريكية والعربية والمصرية – تركز على وقف النار، والإدارة المدنية، والإعمار المشروط بالهدوء، لكنها تتجنب السؤال الجوهري: من يملك السلاح ومن يفرض الأمن؟
هذا التجاهل البنيوي لا يُقصي حماس، بل يعيد تموضعها: من فاعل هجومي مكشوف إلى قوة ضابطة خلف الستار، تمسك بالأرض دون أن تتحمل كلفة الحكم العلني.

فالإعمار غير المرتبط بتفكيك البنية العسكرية، والإدارة المدنية بلا قوة أمنية مستقلة، يعنيان عمليًا أن حماس تبقى المرجعية الواقعية لغزة، حتى وإن جرى تحييدها سياسيًا في الخطاب.

إسرائيل بين ما تريده وما تقبله

إسرائيل دخلت الحرب على قاعدة:

نزع سلاح حماس

تفكيك الأنفاق

إنهاء حكمها جذريًا

لكنها انتهت، تحت ضغط الواقع العسكري والسياسي، إلى القبول بـ:

ردع مؤقت بدل الإنهاء

احتواء أمني بدل التفكيك

إدارة مدنية شكلية دون سيطرة فعلية

وهكذا تحولت حماس من “هدف للإزالة” إلى “مشكلة قابلة للإدارة”.
وهذا التحول، رغم كونه دون السقف الإسرائيلي المعلن، شكّل مكسبًا استراتيجيًا لحماس: البقاء المنظم بعد حرب وجودية.

أوروبا: إدارة الأزمة بدل حسمها

الموقف الأوروبي من حماس يتسم بالتردد البنيوي. أوروبا لا تسعى إلى شرعنة الحركة، لكنها لا تدفع أيضًا باتجاه تصفيتها. فهي تنظر إلى حماس بوصفها معطى واقعيًا غير مرغوب، لكن لا يمكن شطبه دون كلفة كبرى.

هذا الموقف تحكمه ثلاثة اعتبارات رئيسية:

1. الهاجس الإنساني–القانوني المرتبط بانهيار غزة ومسؤولياته.

2. الخوف من الفراغ السيادي وما قد ينتج عنه من فوضى أو قوى أشد تطرفًا.

3. تحول الرأي العام الأوروبي، خصوصًا بين الشباب، باتجاه قراءة ترى حماس نتاجًا لبنية الصراع لا مجرد تنظيم معزول.

بناءً عليه، تميل أوروبا إلى إدارة الأزمة وضبطها لا إلى حسمها، وإلى استيعاب حماس ضمن سقف اشتباك منخفض طويل الأمد.

بريطانيا: من التبرير الظاهري إلى الدافع البنيوي

هنا يبرز الفارق الحاسم.
فبينما تتردد أوروبا، تتخذ بريطانيا موقفًا أكثر صلابة ضد فكرة القضاء النهائي على حماس. وغالبًا ما يُقدَّم هذا الموقف عبر ذرائع إنسانية أو أمنية: الخشية من الفراغ، استحالة الإنهاء، كلفة التصعيد. غير أن هذه الأسباب، على أهميتها، تبقى تبريرية أكثر منها تفسيرية.

التفسير الأعمق يكمن في أن حماس، في الرؤية البريطانية، ليست مجرد تنظيم فلسطيني مسلح، بل جزء عضوي من البنية الأوسع للحركة الإخوانية؛ وهي بنية تعاملت معها السياسة البريطانية، تاريخيًا وعلى مستوى الدولة العميقة، بوصفها أداة ضبط وتوازن داخل العالم الإسلامي لا خطرًا يجب استئصاله.

بريطانيا لا تنظر إلى الإسلام السياسي الإخواني من زاوية أيديولوجية صِرفة، بل من زاوية الوظيفة السياسية:
حركات متجذرة اجتماعيًا، قادرة على التعبئة، قابلة للاحتواء، ويمكن إدماجها أو تحييدها ضمن ترتيبات غير مباشرة. ومن هذا المنطلق، فإن القضاء النهائي على حماس يعني، في الحساب البريطاني، كسر أحد أهم أذرع الإسلام السياسي “المنضبط نسبيًا”، وفتح المجال أمام قوى أكثر فوضوية وأقل قابلية للإدارة.

وهنا يمكن فهم سبب اقتراب الموقف البريطاني، في محطات مفصلية، من حالة الافتراق مع الرؤية الإسرائيلية؛ فبينما ترى إسرائيل في حماس تهديدًا وجوديًا يجب إزالته، تراها بريطانيا جزءًا من منظومة توازن غير معلنة داخل الإقليم، ينبغي إعادة ضبطها لا تحطيمها.

أصل المساومات: الرؤية البريطانية كمرتكز

من هذا المنظور، لا تبدأ المساومات الدولية مع حماس من واشنطن، بل ترتكز بنيويًا على الرؤية البريطانية.
فالولايات المتحدة انتقلت إلى خيار الاحتواء بعد تعثر الحسم،
أما بريطانيا فكانت منذ البداية ترى أن إنهاء وجود حماس ليس خيارًا عمليًا ولا مرغوبًا استراتيجيًا.

ومع مرور الوقت:

تحولت الرؤية البريطانية إلى أرضية أوروبية أوسع

ثم إلى خيار مقبول أمريكيًا

وأخيرًا إلى واقع إسرائيلي اضطراري


القالب الجديد لحماس

في هذا السياق، يُعاد تعريف حماس لا بوصفها منتصرة ولا مهزومة، بل:

سلطة محلية منزوعة المبادرة الاستراتيجية

فاعل أمني مضبوط لا لاعب إقليمي

قوة واقعية تُدار ولا تُحسم

وهو نموذج سبق اختباره مع حزب الله بعد 2006، ومع طالبان بعد 2021:
فاعل غير مرغوب، لكنه مُستوعَب لأن البديل أكثر خطورة.

الخلاصة

ما يُطرح كخطة سلام لغزة ليس إلا إدارةً للأزمة عبر إعادة تدوير حماس.
لا تصفية حاسمة، ولا شرعنة كاملة، بل إدخال الحركة في نظام ضبط دولي طويل الأمد، أُسِّس فكريًا على الرؤية البريطانية، وتبنّته أوروبا، وقبلته واشنطن، واضطرت إليه إسرائيل.

ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الإرادة الإسرائيلية مسلوبة بالكامل، ولا أن إسرائيل تخلّت نهائيًا عن هدف تحييد نوعية سلاح حماس وبنيتها القتالية النوعية. فإسرائيل، حتى ضمن مسار الاحتواء، تحتفظ بهامش قرار مستقل يتيح لها استهداف القدرات النوعية التي تراها تهديدًا استراتيجيًا، سواء عبر عمليات مباشرة أو أدوات غير معلنة.

ومن هذا المنطلق، يبقى واردًا أن تتجاوز إسرائيل، عند نقطة معيّنة، أي إرادة أمريكية أو أوروبية إذا ما تعارضت مع سعيها لتقييد أو تفكيك عناصر السلاح النوعي لدى حماس، حتى وإن جرى ذلك خارج إطار الخطة المعلنة أو التفاهمات الدولية.

إنه مسار مزدوج:
احتواء سياسي طويل الأمد من جهة،
ومعركة مفتوحة – وإن كانت منخفضة الوتيرة – على جوهر القوة العسكرية من جهة أخرى.

وهو مسار يؤجل الانفجار…لكنه لا يُنهي شروطه



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إسقاط النظام السابق في العراق: ذروة الهيمنة الأميركية… ومنح ...
- العراق بين الكاتونات الإقليمية وجزر الفراغ السيادي: في الجغر ...
- الاستراتيجية الأمريكية: نزع الولاء لإيران، لا نزع سلاح الفصا ...
- لا تحوّل استراتيجي في إيران: تكتيكات تعبويّة لا أكثر
- بريطانيا: ملاذ الإخوان وسط تباين غربي يهدد التحالف الأنجلو-أ ...
- هل بدأ ينفذ صبر اليهود الإسرائيليين في الهرم السياسي الأمريك ...
- انتفاضة التقدميين: بيرني ساندرز ونادي القتال يقودان التمرد ا ...
- نسبه المعوزين للطعام في الولايات المتحده تتخطى ١٢، ...
- إيران تستعد لليوم الأسود: الرسالة التي لا تريد تل أبيب سماعه ...
- نداء إلى الشيوعيين العراقيين..استفيقوا ..أنها مجرد كبوه
- تعافي اقتصاد إسرائيل وانكماش الاقتصاد الإيراني: مقارنة بين ق ...
- اليمين الأمريكي كوابح اليمين الإسرائيلي: الإسلام السياسي وال ...
- اقتصاد الأنقاض: كيف تعيد حماس إنتاج نفوذها من باطن رخام غزة
- اليسار في الكيانات الكونفدرالية العراقية: مواطن القوة واسترا ...
- الاقتصاد الرقمي وحملة الإنفاق العسكري: حين تتحوّل التكنولوجي ...
- حين تصير الذاكرة صلاةً
- الوصاية المائية التركية: اتفاقية التعاون أم شرعنة الخضوع؟
- العراق بين الفدرالية المشوهة والكونفدرالية الممكنة (امتداد ل ...
- حين يصبح الكيان سجنًا للوطن: دعوة إلى الكونفدرالية العراقية
- انتخابات على ضفاف دجلة... ودجلة يحتضر


المزيد.....




- ماكرون يعلن رفض فرنسا توقيع اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأو ...
- كيف كسرت إيران طوق العقوبات؟ تقرير يكشف شبكة الطيران التي -ت ...
- وسط تحذيرات من -حرب أخوية-.. البرازيل والمكسيك تعرضان الوساط ...
- الاتفاق بين دمشق والأكراد.. ماذا عن التفاصل والآثار المحتملة ...
- عواصف الدوحة تتسبب في إلغاء مباراة تحديد المركز الثالث بكأس ...
- الوقت ينفد .. دمشق وسوريا الديمقراطية في سباق أخير لإنقاذ ات ...
- صلاحيات أوسع للاستخبارات الألمانية.. ماهي ولماذا؟
- الضباط الشباب وعاصفة الانقلابات في أفريقيا
- أمير قطر: كأس العرب جسّدت مشاعر الأخوّة والاحترام
- خبير عسكري: منظومة دفاعية أميركية لتايوان لجعل الغزو الصيني ...


المزيد.....

- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - إعادة تدوير حماس: من مشروع التصفية إلى استراتيجية الاستيعاب