أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - إسقاط النظام السابق في العراق: ذروة الهيمنة الأميركية… ومنح إيران تفويضًا غير معلَن لوراثة الدولة














المزيد.....

إسقاط النظام السابق في العراق: ذروة الهيمنة الأميركية… ومنح إيران تفويضًا غير معلَن لوراثة الدولة


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8555 - 2025 / 12 / 13 - 12:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


إن الخطوة الأولى التي خطاها النظام الدولي ذو القطب الواحد — وهي في جوهرها الخطوة الأخيرة التي اكتمل بها هذا النظام قبل أن يبدأ بالتآكل — كانت إسقاط النظام العراقي السابق. لم يكن ذلك مجرد حرب لإسقاط سلطة سياسية، بل لحظة تأسيسية أعادت تعريف طبيعة القوة، وحدود السيادة، وآليات التدخل في عالم ما بعد الحرب الباردة. في بغداد، أعلنت الولايات المتحدة نفسها قطبًا أوحد بالفعل لا بالخطاب، لكنها في الوقت ذاته دشّنت مسار الانحدار الهادئ لهذا التفرد.

إسقاط العراق بوصفه شرط اكتمال الأحادية

بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت الهيمنة الأميركية ناقصة؛ قوة بلا اختبار شامل، ونظام بلا صدمة تؤكد استقراره. فجاء العراق ليكون هذا الاختبار. دولة مركزية في الشرق الأوسط، ذات تاريخ صدامي مع الغرب، وموقع جيوسياسي بالغ الحساسية. إسقاطها كان بمثابة إعلان أن الولايات المتحدة قادرة على إعادة تشكيل الدول بالقوة، متجاوزة القانون الدولي ومجلس الأمن، دون رادع حقيقي.

بهذا المعنى، لم تكن حرب العراق حدثًا استثنائيًا، بل كانت الذروة العملية للنظام الدولي أحادي القطب.

من إسقاط الدولة إلى تسليمها: العراق بوابة النفوذ الإيراني

لكن ما يميّز الحالة العراقية أن الولايات المتحدة لم تكتفِ بإسقاط الدولة، بل أعادت تركيبها بطريقة فتحت المجال واسعًا أمام إيران. القرارات الأولى للاحتلال لم تكن ارتجالية: حلّ الجيش، تفكيك مؤسسات الدولة، اجتثاث النخبة الإدارية والسياسية، وإعادة بناء النظام السياسي عبر قوى كان معظمها مرتبطًا بإيران تنظيمًا أو إقامة أو عقيدة.

تراكُم هذه الخطوات لا يمكن فهمه إلا بوصفه سياسة متعمّدة، لا خطأ تقدير. لقد جرى تفريغ العراق من عناصر المناعة السيادية، وتركه مفتوحًا أمام النفوذ الإيراني، تحت عين الاحتلال الأميركي ورعايته الضمنية.

لماذا احتاجت واشنطن إيران في العراق؟

الولايات المتحدة كانت تدرك أن العراق لا يمكن تركه بلا “ضابط”. دولة بهذا الحجم، إن تُركت للفوضى المطلقة، ستنتج تهديدات غير محسوبة. فكان الحل هو تفويض قوة إقليمية محددة للعب دور الوكيل المحلي.

إيران كانت الأنسب:

قوة توسعية إقليميًا، لكنها غير قادرة على تهديد النظام الدولي.

تمتلك شبكات اجتماعية وسياسية جاهزة داخل العراق.

معادية للنظام السابق، ما يمنحها شرعية انتقامية وسياسية.

قابلة للضبط بالعقوبات والضغط غير المباشر.


هكذا تحوّلت إيران إلى قوة ضبط لا قوة سيادة.

إيران كشريك وظيفي: صراع معلن وتفاهم فعلي

رغم العداء الخطابي، حافظت واشنطن على إيران كشريك وظيفي داخل العراق. لم يكن الهدف إسقاط النظام الإيراني، بل إبقاءه قويًا بما يكفي لأداء دوره، ومحاصرًا بما يكفي لمنع تحوله إلى خطر دولي.

العقوبات لم تكن أداة إسقاط، بل أداة ضبط.
التصعيد لم يكن تمهيدًا للحرب، بل وسيلة تعديل سلوك.
والاشتباكات كانت محسوبة بدقة، تمنع الانفجار الشامل.

في العراق تحديدًا، تشكّلت معادلة ثابتة:
واشنطن تُمسك بالسقف السياسي العام، وطهران تُدير الأرض وتفاصيلها.

المفارقة الكبرى: إيران التي صُنعت لتخدم الأحادية ساهمت في تآكلها

النفوذ الإيراني الذي سُمح له بالتمدد داخل العراق ارتدّ لاحقًا على النظام الذي أنتجه. توسّع إقليمي، صراعات ممتدة، قوى مسلحة خارج السيطرة، واستنزاف أميركي طويل الأمد. العراق، الذي كان ذروة الهيمنة الأميركية، تحوّل إلى أحد أسباب إنهاكها، وفتح الباب أمام عودة روسيا وصعود الصين كلاعبين كابحين.

خاتمة: إيران بوصفها وكيلًا ضامنًا وموازنًا في تسوية دولية غير مُعلنة

إن منح إيران حرية الحركة داخل العراق لم يكن أمرًا اضطراريًا فرضته الفوضى، بل كان تعبيرًا عن توافق دولي غير مُعلن شاركت فيه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون من جهة، وروسيا والصين من جهة أخرى، في رسم موازين القوى في مرحلة انتقالية من النظام الدولي.

روسيا والصين، غير القادرتين آنذاك على كسر الهيمنة الأميركية مباشرة، وجدتا في الدور الإيراني حلًا انتقاليًا عقلانيًا: قوة إقليمية توسعية، لكنها غير مرشحة للتحول إلى قطب دولي، قادرة على تعطيل الاستقرار الأميركي دون إسقاطه. أما الولايات المتحدة، فرأت في إيران وكيلًا يضبط الفوضى، ويمنع عودة دولة عراقية قوية ومستقلة، ويبرّر استمرار الحضور العسكري والسياسي في المنطقة.

بهذا المعنى، لم تكن إيران خارج النظام الدولي، بل أداة داخله.
وكيلًا ضامنًا لاستقرار هش، وموازنًا يمنع اختلال المعادلة لصالح أي طرف واحد.

هكذا تشكّلت معادلة صامتة:
أميركا تُدير السقف، روسيا والصين تقبلان بالوكيل، وإيران تُنفّذ الدور.

ولذلك، فإن العراق لم يكن ساحة صراع أقطاب متناحرة بقدر ما كان مختبر تسوية دولية خشنة، أُعيد فيه توزيع النفوذ لا كسره. وفي هذا المختبر، كانت إيران أحد أهم الأدوات… لا الاستثناء.



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العراق بين الكاتونات الإقليمية وجزر الفراغ السيادي: في الجغر ...
- الاستراتيجية الأمريكية: نزع الولاء لإيران، لا نزع سلاح الفصا ...
- لا تحوّل استراتيجي في إيران: تكتيكات تعبويّة لا أكثر
- بريطانيا: ملاذ الإخوان وسط تباين غربي يهدد التحالف الأنجلو-أ ...
- هل بدأ ينفذ صبر اليهود الإسرائيليين في الهرم السياسي الأمريك ...
- انتفاضة التقدميين: بيرني ساندرز ونادي القتال يقودان التمرد ا ...
- نسبه المعوزين للطعام في الولايات المتحده تتخطى ١٢، ...
- إيران تستعد لليوم الأسود: الرسالة التي لا تريد تل أبيب سماعه ...
- نداء إلى الشيوعيين العراقيين..استفيقوا ..أنها مجرد كبوه
- تعافي اقتصاد إسرائيل وانكماش الاقتصاد الإيراني: مقارنة بين ق ...
- اليمين الأمريكي كوابح اليمين الإسرائيلي: الإسلام السياسي وال ...
- اقتصاد الأنقاض: كيف تعيد حماس إنتاج نفوذها من باطن رخام غزة
- اليسار في الكيانات الكونفدرالية العراقية: مواطن القوة واسترا ...
- الاقتصاد الرقمي وحملة الإنفاق العسكري: حين تتحوّل التكنولوجي ...
- حين تصير الذاكرة صلاةً
- الوصاية المائية التركية: اتفاقية التعاون أم شرعنة الخضوع؟
- العراق بين الفدرالية المشوهة والكونفدرالية الممكنة (امتداد ل ...
- حين يصبح الكيان سجنًا للوطن: دعوة إلى الكونفدرالية العراقية
- انتخابات على ضفاف دجلة... ودجلة يحتضر
- مقاطعة الدم: لماذا يجب أن تقاطع النساء صناديق القتلة


المزيد.....




- بناه السلطان لخياطه الموثوق.. مبنى فريد في إسطنبول يعود إلى ...
- بيوم لقاء بوتين وأردوغان.. أول تعليق من تركيا على هجوم روسي ...
- تضرر 3 سفن تركية بهجوم روسي على ميناء أوكراني.. وكاميرا توثق ...
- مصر.. فيديو لشخصين يقيدان رجلاً مسناً بعامود إنارة والداخلية ...
- كيم جونغ أون يستقبل جنودًا كوريين شماليين عادوا بعد القتال إ ...
- غزة بلا وقود: أزمة الغاز تتحول إلى كارثة إنسانية.. ونازحون ي ...
- استمرار القتال بين تايلاند وكمبوديا رغم إعلان ترامب وقف إطلا ...
- حكومة غزة: ربع مليون نازح بالقطاع تضرروا من تداعيات منخفض -ب ...
- إيران تحتجز ناقلة -وقود مهرب- في خليج عمان وتعتقل طاقمها
- 6 آليات عسكرية إسرائيلية تنتهك القنيطرة جنوبي سوريا


المزيد.....

- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - إسقاط النظام السابق في العراق: ذروة الهيمنة الأميركية… ومنح إيران تفويضًا غير معلَن لوراثة الدولة