أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - غزة بين الفراغ الأمني واقتصاد الغاز: قراءة في منطق الثروة المؤجَّلة














المزيد.....

غزة بين الفراغ الأمني واقتصاد الغاز: قراءة في منطق الثروة المؤجَّلة


ليث الجادر

الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 15:57
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لا يمكن قراءة ما يجري في غزة بوصفه صراعًا عسكريًا محضًا، ولا باعتباره أزمة إنسانية منفصلة عن سياقها الجيو-اقتصادي الأوسع. فالحرب، والفوضى، وغياب الأفق السياسي ليست سوى السطح المرئي لبنية أعمق تُدار بمنطق الاقتصاد السياسي للطاقة، حيث تتحول الجغرافيا إلى مخزن ثروة، والإنسان إلى عنصر تعطيل مؤقت في معادلة مؤجَّلة.
في هذا السياق، لا تبدو غزة أرضًا متنازعًا عليها بقدر ما تبدو حيزًا معطَّل السيادة فوق احتياطي غازي استثنائي، يُقدَّر بنحو تريليون متر مكعب، وهو رقم كافٍ وحده لإعادة تفسير كل ما يُسمّى «فشلًا أمنيًا» أو «انسدادًا سياسيًا».

أولًا: الغاز كمرجعية خفية للصراع

يمثل حقل غزة البحري أحد أكبر الاحتياطيات غير المستغلة في شرق المتوسط. غير أن هذا المعطى، بدل أن يتحول إلى رافعة سيادية أو اقتصادية للفلسطينيين، جرى تحويله إلى سبب ضمني لتعليق السيادة ذاتها.
منذ مطلع الألفية، أُعيد رسم المجال البحري الفلسطيني فعليًا، ليس عبر اتفاقيات معلنة، بل عبر وقائع أمنية وقانونية فرضتها إسرائيل، بالتوازي مع تطويرها لحقولها الخاصة مثل «تمار» و«ليفياثان». وبهذا المعنى، لم تُصادر غزة بحرها مرة واحدة، بل جرى تفريغه سياسيًا قبل أن يُستثمر اقتصاديًا.
المعادلة التي تحكم هذا المسار بسيطة وقاسية:
الغاز موجود، لكن استخراجه مؤجل؛
والسيادة مؤجلة، لأن الغاز موجود.

ثانيًا: الفراغ السيادي كأداة اقتصادية

ما يُوصَف عادة بـ«الفوضى الأمنية» في غزة لا يعمل ضد المصالح الإسرائيلية كما يُشاع، بل يُعيد إنتاجها في صيغة أكثر كفاءة. فالفراغ السيادي يمنع نشوء أي طرف فلسطيني قادر على التفاوض، ويُبقي ملف الغاز خارج أي إطار تعاقدي ملزم.
في الوقت ذاته، يؤدي هذا الفراغ إلى تعطيل مشاريع الإعمار الكبرى، خصوصًا تلك التي تقودها دول خليجية مثل السعودية والإمارات. فغياب الاستقرار لا يؤجل الإعمار فحسب، بل يمنع إنشاء بنية تحتية بحرية—موانئ، خطوط تصدير، محطات تسييل—قد تمنح غزة، ولو نظريًا، هامشًا من الاستقلال الاقتصادي.
بهذا المعنى، تتحول الفصائل، عن قصد أو بدونه، إلى حارس غير مباشر لاقتصاد غازي لا تملكه، لكنها تمنع الآخرين من الاقتراب منه.

ثالثًا: الإعمار كواجهة لصراع النفوذ

تُقدَّر كلفة إعادة إعمار غزة بنحو تسعين مليار دولار، وهو رقم يُقدَّم إعلاميًا باعتباره التحدي الأكبر. غير أن هذا الرقم يبدو متواضعًا حين يُقارَن بالقيمة السوقية المحتملة لغاز غزة، التي قد تتجاوز خمسمئة مليار دولار.
هنا، لا يعود الإعمار فعلًا إنسانيًا صرفًا، بل مدخلًا للسيطرة الاقتصادية المستقبلية. فكل طرف يسعى للإعمار يفعل ذلك بوصفه استثمارًا مؤجل العائد، مرتبطًا بإمكانية الوصول لاحقًا إلى الطاقة.
ولهذا تحديدًا، تُواجَه المبادرات الإماراتية بالتعطيل، وتُدفع الصين إلى الواجهة بوصفها «بديلًا محايدًا»، رغم أن حضورها لا يتم إلا ضمن شروط أمنية إسرائيلية صارمة، تجعل من نفوذها الاقتصادي امتدادًا غير مباشر للترتيب القائم.

رابعًا: تعدد اللاعبين… ووحدة السقف

في مشهد يبدو متشعبًا، تتوزع الأدوار بوضوح:
إسرائيل تحتفظ بالسيطرة البحرية، وتُراكم الوقت بانتظار لحظة «الاستقرار الكامل»، أي لحظة انتفاء الشريك الفلسطيني.
الإمارات تحاول الدخول عبر بوابة الإعمار والطاقة، لكنها تصطدم بجدار الفوضى.
الصين ترى في غزة نقطة ارتكاز بحرية ضمن مشروعها العالمي، لكنها تقبل اللعب داخل الهامش المرسوم.
قطر تُستبعد من ملف الغاز، فتُعوِّض ذلك بدور سياسي-تفاوضي، يحفظ لها نفوذًا دون صدام مباشر مع إسرائيل.
ورغم هذا التعدد، يبقى السقف واحدًا: لا غاز فلسطيني خارج السيطرة الإسرائيلية.

خاتمة: غزة كنموذج لرأسمالية التعليق

ما يجري في غزة ليس صراعًا على الأرض فقط، بل على زمن الثروة. فالثروة موجودة، لكن استخراجها مؤجل؛ والإعمار ممكن، لكنه معلق؛ والسيادة مطلوبة، لكنها مؤجلة إلى أجل غير مسمى.
هكذا تتحول غزة إلى نموذج مكتمل لما يمكن تسميته «رأسمالية التعليق»:
اقتصاد ضخم معطَّل،
وسيادة مؤجلة،
وحرب تؤدي وظيفة اقتصادية بقدر ما تؤدي وظيفة أمنية.
السؤال، إذن، لم يعد إن كانت غزة ستُعمَّر، بل لصالح من سيُرفع عنها التعليق عندما يحين الوقت:
هل تصبح رافعة طاقة في شرق المتوسط،
أم تبقى أرضًا محروقة تحرس ثروة لا يُسمح لها بامتلاكها؟



#ليث_الجادر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قطر وفصائل الفراغ: الفوضى كسلاح إقليمي ضد الخليج
- السلطة الفلسطينية والخليج: من صراع الشرعية إلى تقاسم غزة الض ...
- مصالح الدول في حماس: من أداة توازن قبل طوفان الأقصى إلى عنصر ...
- إعادة تدوير حماس: من مشروع التصفية إلى استراتيجية الاستيعاب
- إسقاط النظام السابق في العراق: ذروة الهيمنة الأميركية… ومنح ...
- العراق بين الكاتونات الإقليمية وجزر الفراغ السيادي: في الجغر ...
- الاستراتيجية الأمريكية: نزع الولاء لإيران، لا نزع سلاح الفصا ...
- لا تحوّل استراتيجي في إيران: تكتيكات تعبويّة لا أكثر
- بريطانيا: ملاذ الإخوان وسط تباين غربي يهدد التحالف الأنجلو-أ ...
- هل بدأ ينفذ صبر اليهود الإسرائيليين في الهرم السياسي الأمريك ...
- انتفاضة التقدميين: بيرني ساندرز ونادي القتال يقودان التمرد ا ...
- نسبه المعوزين للطعام في الولايات المتحده تتخطى ١٢، ...
- إيران تستعد لليوم الأسود: الرسالة التي لا تريد تل أبيب سماعه ...
- نداء إلى الشيوعيين العراقيين..استفيقوا ..أنها مجرد كبوه
- تعافي اقتصاد إسرائيل وانكماش الاقتصاد الإيراني: مقارنة بين ق ...
- اليمين الأمريكي كوابح اليمين الإسرائيلي: الإسلام السياسي وال ...
- اقتصاد الأنقاض: كيف تعيد حماس إنتاج نفوذها من باطن رخام غزة
- اليسار في الكيانات الكونفدرالية العراقية: مواطن القوة واسترا ...
- الاقتصاد الرقمي وحملة الإنفاق العسكري: حين تتحوّل التكنولوجي ...
- حين تصير الذاكرة صلاةً


المزيد.....




- السعودية.. الشيخ السديس يعلق على إلقاء شخص لنفسه من صحن المط ...
- العاهل السعودي ومحمد بن سلمان يبعثان برقيتي عزاء بمقتل رئيس ...
- اليابان: إصابة 14 شخصًا في هجوم بسكين ومادة سائلة داخل مصنع ...
- حمص.. تفاصيل التفجير في مسجد الإمام علي بن أبي طالب في سوريا ...
- قتلى في انفجار بمسجد علوي في حمص وتنديد رسمي وعربي واسع
- عشرات بين قتيل وجريح في انفجار داخل مسجد في ثاني أكبر حاضنة ...
- ثمانية قتلى بتفجير داخل مسجد في حي ذي غالبية علوية بحمص و-سر ...
- الاحتلال يسيطر على 80% من غزة ويواصل الحصار ومنع المساعدات
- نتنياهو يعلن الاعتراف بجمهورية أرض الصومال
- الانتقالي الجنوبي يتحدث عن قصف سعودي بحضرموت ويؤكد التزامه ب ...


المزيد.....

- الانتخابات العراقية وإعادة إنتاج السلطة والأزمة الداخلية للح ... / علي طبله
- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ليث الجادر - غزة بين الفراغ الأمني واقتصاد الغاز: قراءة في منطق الثروة المؤجَّلة