أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محسن عزالدين البكري - أنيسة مثنّى اليافعي: سيرة نجاح تهزم الخرافة الاجتماعية














المزيد.....

أنيسة مثنّى اليافعي: سيرة نجاح تهزم الخرافة الاجتماعية


محسن عزالدين البكري

الحوار المتمدن-العدد: 8568 - 2025 / 12 / 26 - 12:08
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


في حديقة التواهي بمدينة عدن، وفي لحظة عابرة لا تحمل أي ترتيب أو معرفة مسبقة، كنت بين الحاضرين ولا أزال أحتفظ بتصوير من هاتفي للمشهد. كانت توزّع البالونات على الأطفال، تبتسم، وتتحرك بينهم بعفوية خفيفة، كأنها واحدة من الأمهات أو الجدّات اللواتي جئن فقط ليصنعن فرحًا صغيرًا في يوم عادي. خلال دقائق، امتلأت الحديقة بالضحك، وتحولت المساحة إلى مشهد بسيط من البهجة الإنسانية الصافية.
لم تكن تعرف من أنا في البداية، وتبادلنا حديثًا قصيرًا عندما سألتنا من أين نحن. قلت لها: "من يافع"، فذكرت هي منطقتها أيضًا، وبعد قليل من الحوار تأكدت أنها هي، وكان مشهد الحديقة والبالونات قد نُشر أيضًا في صفحتها الرئيسية لاحقًا.
لا شيء في حضورها أو سلوكها يوحي بأنها شخصية عامة أو سيدة أعمال معروفة. بساطتها، تواضعها، وحسّها الإنساني جعل كل من حولها يشعر براحة غير مصطنعة. من المستحيل أن تتوقع، وأنت تراها في هذا المشهد، أنها نفسها صاحبة الطاقة المتدفقة بالعفوية والبساطة، وأنها المرأة التي أثنى عليها الرئيس الأمريكي جو بايدن، والتي تقف خلف مسيرة صناعية واقتصادية لافتة في الولايات المتحدة.
تنتمي أنيسة مثنّى اليافعي إلى جبال يافع في اليمن، منطقة مجتمعها قبلي محافظ، حيث غالبًا ما يُقصي المرأة من المجال العام ويحاصرها في أدوار اجتماعية جاهزة، لا علاقة لها بالكفاءة أو القدرة. مجتمع لا زال يعتمد دليل رعاة الماعز من العصر البرونزي، حيث تُقدم الأعراف التقليدية على الطموح والإبداع. من هذا السياق الاجتماعي الصعب، خرجت قصة تنقض عمليًا كثيرًا من الخرافات الاجتماعية التي ما زالت تُقدَّم وكأنها حقائق أزلية، ولا يزال بعضهم يردد خرافة أن المرأة ناقصة عقل وأقل كفاءة، لكنها أثبتت عمليًا أن كل تلك الترهات لا أساس لها من الصحة.
وُلدت أنيسة عام 1969 في مدينة شيكاغو لأبوين يمنيين من مديرية يافع. بدأت العمل منذ صغرها في مصنع والدها، من أعمال بسيطة وصولًا إلى تشغيل المكائن الصناعية. غير أن مسيرتها لم تكن سهلة؛ فقد غادرت مصنع العائلة عام 1993 بسبب التمييز الذي واجهته كامرأة، وانتقلت للعمل مع خالها، مشترطة أن يكون لها دور إداري فعلي وكلمة مسموعة في اتخاذ القرار.
رغم صعوبة السوق والمنافسة الشرسة، نجحت في تطوير المصنع وتوسيعه. وفي عام 2012، ومع انتقال جزء كبير من الصناعات إلى الصين والهند، واجه المصنع تحديًا حقيقيًا. لكن بدل الانسحاب، استثمرت أنيسة أكثر من ستة ملايين دولار في تحديث المكائن، والتحول من التشغيل اليدوي إلى أنظمة تعتمد على البرمجة، الحاسوب، والروبوتات الصناعية.
هذا التحول مكّن المصنع من التعاقد مع شركات كبرى في مجالات السيارات والطيران والفضاء، من بينها تسلا وناسا. وخلال جائحة كوفيد-19، ساهم المصنع في تصنيع تجهيزات حديدية استُخدمت في المستشفيات الأمريكية، وهو ما دفع جو بايدن، قبل توليه الرئاسة، إلى الإشادة بدور المصنع والعاملين فيه.
حصلت أنيسة مثنّى على عدة جوائز، من أبرزها Woman Business Award عام 2017 وBusiness Awards عام 2019. ومع ذلك، فإن أكثر ما يلفت في قصتها ليس الأرقام ولا العقود، بل التناقض الجميل بين قوة الإنجاز وبساطة الروح، بين الصناعة الثقيلة وحسّ الخير الإنساني الذي يتجلّى في مشهد بسيط كمنح بالون لطفل في حديقة عامة.
قصة أنيسة مثنّى اليافعي ليست مجرد حكاية نجاح فردي، بل دليل واقعي على هشاشة الخرافة الاجتماعية التي ما زالت تحاول إقناعنا بأن المرأة أقل عقلًا أو قدرة. إنها سيرة تهزم هذه الخرافة بالفعل، لا بالشعارات، وتؤكد أن الإنسان يُقاس بما ينجزه، لا بما يُفرض عليه من قيود اجتماعية موروثة.
روحها المتواضعة، وعفويتها، وحسها العميق بالخير والإنسانية، تجعلها تفيض بالعاطفة تجاه الآخرين دون تكلّف. من المستحيل أن تتوقع أنها نفسها صاحبة الطاقة المتدفقة بالعفوية والبساطة، والتي صقلت التحديات لتصبح إنجازاتها باهرة، من مصانع الحديد إلى التعاقدات مع شركات عالمية مثل تسلا وناسا، لتظل مثالًا حيًا للقوة التي تتألق في بساطة الروح ودفء القلب.



#محسن_عزالدين_البكري (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصعيد وغزوة الحمار
- أدلة التطور- التفاف الوعاء الناقل للمني
- الإقصاء التنافسي.. وأنواع الهومو
- التطور وجسد الإنسان العاري من الشعر..
- كيف تتشكل الطوائف والجماعات الخطيرة
- همجية وبدائية الأعراف القبلية
- العلم والمستقبل
- أزمة سد النهضة
- جسدك أكبر متحف يشهد على التطور
- الصراع في السودان
- الماسونية ونظريات المؤامرة
- الاستنساخ: الحقيقة العلمية
- فرضية شخصية: الطاقة المنتهية للانفجار العظيم والانتقاء الكون ...
- فرضية شخصية: الطاقة المنتهية للانفجار العظيم والانتقاء الكون ...
- ما الحرارة
- أدلة التطور .. من تشريح الدماغ
- كيف نرى الألوان
- فرضية خاصة بي : مضاد الزمكان.. محاولة جديدة لفهم البنية الكم ...
- الانحياز التأكيدي: بين ما نؤمن به وما نثبته — قصة قصيرة في ا ...
- رأيي الخاص في ترجيح منشأ العائلة الأفروآسيوية في منطقة الهلا ...


المزيد.....




- كالة -تاس-: الأمن الفيدرالي الروسي يحتجز امرأة كانت تخطط لهج ...
- الشرطة السويدية تقتل رجلاً وتجد جثة امرأة بعد استدعائها لمنز ...
- أطباء السودان: الدعم السريع تحتجز 73 امرأة و29 طفلة
- شبكة أطباء السودان تتهم الدعم السريع باحتجاز 73 امرأة و29 طف ...
- نتصرف ازاي لو متخانقين؟
- الصحة حق لا امتياز: ورقة حقائق جديدة عن أوضاع النساء والصحة ...
- بلاغ ضد الداعية المزعوم عبد الله رشدي لتحريضه على الكراهية و ...
- فخر فلسطين: المعلمة مها أبو منشار ضمن أفضل 50 معلمًا/ة عالمي ...
- “غريتا ثونبرغ” حرة بعد اعتقالها فى مظاهرة داعمة لفلسطين
- مصر: ضرب فتاة وتجريدها من ملابسها بسبب الميراث


المزيد.....

- الحقو ق و المساواة و تمكين النساء و الفتيات في العرا ق / نادية محمود
- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - محسن عزالدين البكري - أنيسة مثنّى اليافعي: سيرة نجاح تهزم الخرافة الاجتماعية