العلم والمستقبل

محسن عزالدين البكري

الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 20:34
المحور: الطب , والعلوم
    

العلم والمستقبل...
..
بعد ثلاثين سنة، أو أربعين سنة قد لا نحتاج إلى العمل إلا كهواية، مثل هواية الصيد في البرية لشخص غير جائع أساساً أو أنه لا يجد ما يأكله بل يمارس الصيد كهواية وليس كحاجة ضرورية مثل أسلافنا، لأن الروبوتات والذكاء الاصطناعي ستؤدي معظم المهام. التكنولوجيا تتطور بشكل تراكمِي، تبدأ صغيرة ثم تتضاعف وتنتشر. مثلًا، الكمبيوتر في بداياته كان للأغنياء فقط، واليوم أصبح في جيب كل شخص على شكل هاتف، تمامًا كما حدث مع السيارات والطائرات والأجهزة المنزلية، التي بدأت محدودة ومكلفة ثم أصبحت متاحة للجميع.
يمكن تصور ذلك عبر مثال القالب: قطعة معدنية مصنوعة بإتقان بدأت بصنعها قالب واحد صغير، ومن صنع القالب؟ ومن صنع الأدوات التي صنعت القالب؟ وهكذا تتراكم العمليات الصناعية والتقنية، كل خطوة تعتمد على ما سبقها. نفس المنطق ينطبق على الذاكرة الإلكترونية: كل خلية (Memory Cell) تحفظ بتًا واحدًا فقط، لكنها تُصنع عبر القوالب الميكروسكوبية، بحيث يمكن لطباعة واحدة أن تنتج ملايين أو مليارات الخلايا في لحظة. مع كل جيل، تصبح الخلايا أصغر وأدق، ويزداد عددها على نفس المساحة، وهذا يفسر قانون مور وتضخم الترانزستورات المستمر، الذي جعل الكمبيوتر ينتقل من غرفة كاملة إلى جهاز في يد كل إنسان.
هنا يكمن سر التحول السريع المقدر خلال العقود القليلة القادمة، وهو الانتقال على منحنى النمو الأُسّي. فالجهود التي احتاجت لآلاف السنين وقروناً في العصور القديمة كانت تمثل البدايات الأُسّية البطيئة، حيث تكون النتيجة بسيطة كـ (اثنان أس اثنين) أو (اثنان أس ثلاثة)، وهي نواتج صغيرة رغم أن طبيعة النمو أُسّية. أما اليوم، فقد تجاوزنا نقطة الانعطاف ودخلنا في المراحل المتأخرة من هذا النمو الأُسّي، حيث يضاعف كل تقدم صغير القدرة السابقة، وتكون النتيجة هائلة ومفاجئة. وهذا ما يجعل التغير الجذري الذي احتاج لآلاف السنين في العصور القديمة لا يتطلب سوى عقود قليلة اليوم.
هذه العملية التراكمية نفسها تنطبق على الروبوتات والذكاء الاصطناعي: كل تقدم صغير يفتح المجال لتقدم أكبر، وتنتقل القدرة الإنتاجية من طبقة قليلة من الأغنياء إلى شيء منتشر لكل الناس. معظم الأعمال الروتينية ستؤتمت، وسيصبح دور الإنسان إبداعيًا وهواياتيًا، كما توقع علماء مثل آرثر كلارك، ريموند كورزويل، ويوفال نوح حراري، وإيلون ماسك، وبيل غيتس. المستقبل الذي يبدو بعيدًا اليوم سيصبح ممكنًا ومنطقيًا، وسيكون العمل اختيارًا، وليس حاجة اقتصادية، تمامًا كما أصبح الكمبيوتر والأجهزة الحديثة متاحة لكل البشر.
في الأخير فإن الناس الأكثر ذكاء هم من سيكونون الأكثر بروزاً بين البشر لأن هؤلاء العمال العاديين الذين كانوا يمثلون عصب الاقتصاد وربما يصبحون أكثر ثراء عبر العمل سيزاح مكانهم للأكثر ذكاء الذين كانوا في نسبة منهم مختفين من المشهد... وهذا وفق قانون التطور وقاعدة الإقصاء التنافسي.
...
..
تحياتي: ا/ محسن عزالدين البكري

#محسن_عزالدين_البكري (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل