محسن عزالدين البكري
الحوار المتمدن-العدد: 8377 - 2025 / 6 / 18 - 16:16
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
نحن لا نؤمن بالنظرية العلمية، بل نقبل الأدلة الساحقة التي تؤكدها.
حين نسمع بكلمة "نظرية" يتبادر إلى الذهن شيء هش، غير مؤكد، فكرة في رأس أحدهم تخمينات بل حتى مؤامرات في عقول البعض..
لكن في قاموس العلم، النظرية هي:
إطار ضخم، متكامل أو على الأقل أكثر اكتمالًا، متماسك، يربط آلاف الملاحظات والتجارب، ويُنتج قوانين يمكن التحقق منها، ويتنبأ بأشياء لم نرها بعد – لكنها تظهر، بعد سنوات، تمامًا كما وعدتنا النظرية. ويربط بين هذا كله ويقدم تفسيرًا قابلاً للفحص والتحقق والاختبار، ويخضع لمراجعة الأقران بحيث يستطيع أي باحث إجراء تجارب تتحقق من تلك التفسيرات التي تقدمها تلك النظرية، بل هناك ما يسمى بقابلية الدحض، وهو أن يحاول الآخرون القيام بأي تجارب تهدف إلى إظهار أن النظرية خطأ، ولكن عندما تنتهي التجربة التي تحاول تكذيبها تتحول إلى تأكيد جديد إضافي.
النظرية ليست تخمينًا.
بل هي صرح، لا يُبنى إلا بعد أن تكون الحجارة قد جُرِّبت، وشُذّبت، وتكدّست بدقة مرعبة.
العلم لا يعتمد على من قال، بل على ما قاله وكيف أثبته.
هو لا يُصوّت بالأغلبية، ولا يتأثر بأن يكون فلان "من أقارب فلان"، أو أن اسمه متلألئ في الشاشات.
الحقيقة العلمية لا تُمنح ولا تُمنع.
هي تُستخرج من قلب الواقع
لا جنسية لها، ولا دين، ولا انتماء سياسي.
ولذلك يمكن إثباتها من أي مكان على وجه الأرض… بل حتى في أي مكان من الكون.
من يحدد أن شيئًا ما "حقيقي"؟
المجتمع العلمي لا يعمل بطريقة رجال الدين أو الزعماء.
لا وجود لكلمة "نثق به لأنه خبير".
القاعدة الذهبية هي:
"أرِنا الدليل. وإذا لم نقتنع به… فكل كلامك مجرد ادعاء."
العلم لا يقول "صدقني"... بل يقول: "جرّب مثلي".
قد تجد من يقول أن الأرض ثابتة لأنهم "شاهدوا القمر يتحرك بينما الأرض لا تتحرك".
لكن هؤلاء لا يعرفون كيف نفكر علميًا.
العلم ليس استنتاجًا بالعين فقط، بل اختبار، وتجربة، وقياس.
ومتى ما ثبت خطأ فكرة ما، فإن أفضل العقول تتخلى عنها… وتفرح!
لأنها اقتربت أكثر من الحقيقة.
ولهذا بدأنا من هنا…
قبل أن نتحدث عن عمر الأرض، أو الضوء، أو اللغة، أو الذرات…
علينا أن نفهم "بوصلة الحقيقة".
فبدون هذه البوصلة، سنظل نحوم في الظلام، ونُصدّق كل من يرفع صوته أكثر من غيره.
وهكذا، حين نخرج من صومعتنا، نعرف إلى أين نتجه.
لا لأن أحدهم قال لنا، بل لأننا عرفنا كيف نسير في الطريق الصحيح
آلية الإدراك
الحواس البشرية مدهشة – لكنها محدودة.
لا نسمع الموجات فوق صوتية، ولا نرى الأشعة تحت الحمراء، .
لكننا عرفنا كيف "نُمدّد" حواسنا.
بالمجاهر، بالمقاييس، بالتلسكوبات، وبالرياضيات.
نحن نرى الكون الآن بعين أوسع من العين.
حين نريد معرفة ما هو واقع، لدينا ثلاث طرق رئيسية نستخدمها. الطريقة الأولى تعتمد على استخدام حواسنا الخمس مباشرة: البصر، السمع، اللمس، الشم، والتذوق. من خلالها نلاحظ العالم من حولنا ونختبر وجود الأشياء.
لكن حواسنا لها حدود واضحة. لا نستطيع أن نرى النجوم البعيدة بالعين المجردة، ولا نرى الكائنات الدقيقة مثل البكتيريا بدون أجهزة خاصة. هنا تأتي الطريقة الثانية، التي تعتمد على دعم الحواس بأدوات وتقنيات مثل الميكروسكوبات والتلسكوبات، التي توسع نطاق إدراكنا.
هذه الأدوات لا تلغي أو تحل محل الحواس، بل هي امتداد عملي لها، تُحوّل الإشارات التي لا تستطيع الحواس استقبالها إلى إشارات مفهومة لنا. فمثلاً، التلسكوب يحول ضوء النجوم البعيدة إلى صورة يمكن لعيني الإنسان رؤيتها، والميكروسكوب يعرض تفاصيل صغيرة جدًا أمام العين المجردة.
بهذه الصورة، نستخدم الأدوات العلمية لتوسيع حدود إدراكنا للعالم، دون الانفصال عن الواقع أو اللجوء إلى تأويلات غامضة. فهي وسيلة علمية رصينة تزيد من دقة ملاحظاتنا وتعمّق فهمنا، ما يجعلنا نصل إلى حقائق لا يمكن ملاحظتها بالحواس المجردة.
أما الطريقة الثالثة، فهي استخدام النماذج العقلية أو الحسابية التي نبتكرها في أذهاننا أو عبر أجهزة الحاسوب، لنفهم أو نتنبأ بما يحدث في الواقع، خاصة في المجالات التي يصعب فيها الرصد المباشر.
مثلاً، العالم جريجور مندل لم يرَ الجينات، لكنه صنع نموذجًا منطقيًا يساعدنا في فهم كيفية انتقال الصفات الوراثية، وتحقق هذا النموذج حين تنبأ بنتائج يمكن ملاحظتها عمليًا في البازلاء. وفي عصرنا الحديث، صمم العلماء مثل جيمس واطسون وفرانسيس كريك نماذج تركيبية لـ DNA بناءً على دراسات غير مباشرة، ثم أثبتت التجارب صحة هذه النماذج.
إذن، معرفتنا بالواقع تتقدم بتكامل هذه الطرق الثلاث: ملاحظة الحواس، دعمها بالأدوات العلمية، وبناء نماذج تنبؤية تستند إلى المنطق والتجربة. وكلها مبنية على أساس علمي واضح لا غموض فيه، فتمنحنا نافذة أوسع لفهم العالم الذي نعيش فيه.
ولكن هل كل ما ندركه هو فقط ما نراه بحواسنا المباشرة، أو ما توسعناه بها عبر الأدوات والنماذج؟ وماذا عن مشاعرنا الإنسانية كالبهجة، الحب، والغيرة؟ هذه المشاعر ليست مجرد أفكار أو خيالات، بل هي واقع متجذر في عقولنا وعقول الكائنات الأخرى التي تمتلك وعيًا. فهي وجود حقيقي، لكنه قائم على الإدراك العقلي، ولا يمكن اختباره بالحواس الحسية بشكل مباشر.
لذلك، لا ننسى أن الواقع متعدد الأبعاد، بعضها محسوس بالعين، وبعضه الآخر مرتبط بالوعي والعقل، وكل ذلك يشكل معًا الصورة الكاملة التي نسعى لفهمها
أسس ومبادئ المنهج العلمي
العلم هو الطريقة المنهجية التي يستخدمها الإنسان لفهم الواقع من حوله، وهو مبني على قواعد صارمة تضمن موضوعية النتائج ودقتها. إليك سردًا شاملاً لأهم أسس ومبادئ المنهج العلمي:
1. الملاحظة الدقيقة
تبدأ الرحلة العلمية بملاحظة ظاهرة طبيعية أو مشكلة محددة بتمعن وموضوعية، بعيدًا عن أي تحيز أو افتراضات مسبقة. الملاحظة تفتح باب الفضول العلمي وتسهل طرح الأسئلة اللازمة.
2. طرح سؤال أو تحديد مشكلة
بعد الملاحظة، تأتي مرحلة صياغة سؤال علمي واضح ومحدد أو تحديد المشكلة التي تحتاج إلى تفسير. يجب أن يكون السؤال قابلاً للاختبار والبحث.
3. بناء فرضية قابلة للاختبار
الفرضية هي تفسير مبدئي أو تخمين منطقي يفسر الظاهرة أو يحل المشكلة. يجب أن تكون الفرضية قابلة للتجريب والاختبار، وليست مجرد رأي شخصي.
4. التصميم التجريبي والتنفيذ
يتم تصميم تجربة أو مجموعة تجارب منهجية لاختبار صحة الفرضية. يجب أن تكون هذه التجارب قابلة للتكرار تحت نفس الظروف للحصول على نتائج متسقة.
5. جمع وتحليل البيانات
تُسجل الملاحظات والبيانات الناتجة عن التجارب بدقة وتنظيم. ثم يتم تحليلها باستخدام أساليب كمية أو نوعية لفهم مدى توافق النتائج مع الفرضية.
6. الاستنتاج
بناءً على تحليل النتائج، يتم قبول الفرضية أو رفضها. قد تؤدي النتائج إلى تعديل الفرضية أو صياغة فرضيات جديدة.
7. النشر والمراجعة العلمية
تُعرض النتائج للباحثين الآخرين للمراجعة والنقد، وهذه الخطوة تضمن صحة البحث ودقته، كما تسمح بتكرار التجارب للتحقق من النتائج.
8. التكرار والتحقق المستقل
تُكرر التجارب من قِبل باحثين مستقلين للتحقق من صحة النتائج، مما يقلل احتمالية الخطأ أو التحيز.
9. تطوير النظريات العلمية
عندما تتكرر نتائج متسقة تدعم فرضيات معينة، يمكن بناء نظرية علمية شاملة تفسر مجموعة من الظواهر. النظرية تمثل إطارًا متكاملًا مبنيًا على أدلة قوية.
10. الانفتاح على الدحض
العلم يتقبل الأفكار الجديدة التي قد تدحض أو تعدل النظريات السابقة. قابلية الدحض والتعديل هي جوهر المنهج العلمي.
مبادئ وأدوات التفكير العلمي الداعمة للمنهج
الاستقراء (Induction)
هو تعميم النتائج من حالات خاصة إلى قوانين عامة، مثل ملاحظة أن الشمس تشرق كل صباح والاستنتاج بأن الشمس ستشرق غدًا أيضًا.
الاستنتاج (Deduction)
هو استنتاج نتائج خاصة من مبادئ أو قوانين عامة، مثال: إذا كانت كل الكائنات الحية تحتاج للماء، فهذا النبات يحتاج للماء أيضًا.
القياس والتحكم في المتغيرات
القياس الدقيق للظواهر ضروري لفهم العلاقات بينها. التحكم في المتغيرات يتيح عزل سبب الظاهرة بدقة، حيث يتم تغيير متغير واحد فقط في التجربة مع ثبات الباقي.
التجريب القابل للتكرار
التجربة العلمية يجب أن تكون قابلة للتكرار من قبل أي باحث تحت نفس الظروف، لضمان صحة النتائج وعدم الاعتماد على الصدفة.
التحليل النقدي والتفكير المنطقي
يجب أن يتسم الباحث بالموضوعية، ويتجنب التحيز، وأن يستخدم المنطق في تفسير النتائج ومراجعة الفرضيات.
بناء النماذج العلمية
النماذج هي تمثيلات مبسطة للواقع تساعد في فهم الظواهر المعقدة، وغالبًا ما تكون حسابية أو بصرية، مثل نماذج الجينات أو تركيب الحمض النووي. وغيرها
#محسن_عزالدين_البكري (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟