امير وائل المرعب
ماجستير هندسة كهرباء جامعة بغداد ومهتم بالادب والشعر والفلسفة والعلوم والرياضيات
(Amir Wael Abdulamir Murib)
الحوار المتمدن-العدد: 8565 - 2025 / 12 / 23 - 08:44
المحور:
قضايا ثقافية
وائل المرعب: سيمفونية اللون والكلمة.. جدلية الواقع المتخيل وأطياف التعبيرية العراقية المعاصرة
مقدمة: ظاهرة التفرد في التشكيل العراقي
يشكل الفنان التشكيلي والناقد والأديب العراقي وائل المرعب حالة فنية شديدة الخصوصية والتعقيد في آنٍ واحد، مما يجعله عصياً على التصنيف السهل ضمن "الخانات" المدرسية التقليدية لتاريخ الفن العراقي المعاصر. إنه ليس مجرد رسام يلون الأسطح، بل هو "مايسترو" يعيد هندسة الفراغ، ومثقف شمولي يزاوج بين صرامة الخط العربي، وانسيابية الموسيقى البحتة، وعنفوان التعبيرية، وهدوء الواقعية. إن طلب فهم "ظاهرة" وائل المرعب يستدعي تفكيكاً دقيقاً لمعادلته البصرية التي وصفت بأنها "السهل الممتنع"، تلك المعادلة التي جمعت أقطاباً تبدو متنافرة: التكعيبية الخفيفة، والتعبيرية المشخصة، والواقعية الحالمة، والتجريد الموسيقي.1
تكتسب تجربة المرعب أهميتها ليس فقط من نتاجه الغزير والمتنوع، بل من قدرته على الصمود والابتكار وسط عواصف السياسة والمنفى. من طفولته في الحلة، مروراً بصدمات الإقصاء السياسي في بغداد، وصولاً إلى عزلة المهجر البارد في كندا، استطاع المرعب أن يحول "مشاعره إلى مرآة" في لوحاته، رافضاً النقل الفوتوغرافي الجامد، ومنتصراً للخيال المحض. هذا التقرير البحثي يسعى لتقديم قراءة استقصائية شاملة لحياة وفن وأدب وائل المرعب، مستنداً إلى الوثائق والمقابلات والشهادات النقدية، ليضيء على تجربته الفريدة التي لم يستطع أحد تناولها بنفس الطريقة واللون.2
________________________________________الفصل الأول: التكوين والجذور.. من بابل إلى بغداد
1.1 البيئة الأولى وبوادر النبوغ المبكر
ولد وائل المرعب في مدينة الحلة (محافظة بابل) عام 1947، في بيئة مشبعة بالتاريخ والجماليات الفطرية.3 الحلة، الوريثة الشرعية لحضارة بابل، منحت المرعب ذاكرة بصرية غنية، امتزجت فيها ألوان الطين والنخيل والفرات. بدت ملامح قدرته الفنية للظهور في مرحلة طفولته الأولى، حيث كانت معلمته في الصف الأول الابتدائي هي أول من التقطت إشارات هذه الموهبة، فسعت إلى تشجيعه وحثه على مزاولة الرسم بشكل مستمر، مما غرس فيه الثقة الأولى.4
لم تكن موهبة المرعب عابرة، بل كانت تنمو باطراد مذهل. يذكر تاريخه الفني حادثة مفصلية عام 1962، حين كان في الصف الثاني المتوسط. في تلك السنة، قرر مدرس الرسم، الفنان الرائد سعد الطائي، إشراكه في المعرض السنوي العام لثانويات بغداد.4 كانت هذه الخطوة استثنائية بكل المقاييس، إذ تمت المشاركة "خارج شروط المسابقة" نظراً لصغر سنه، حيث شارك بثلاثة أعمال تخطيطية (Sketches). المفاجأة التي صدمت لجان التحكيم والوسط الفني حينها كانت حصول هذا الطالب الصغير على الجائزتين الأولى والثانية معاً، متفوقاً على طلاب المراحل المتقدمة.4 هذا الحدث لم يكن مجرد فوز بجائزة، بل كان إعلاناً عن ولادة "خطاط ورسام" يمتلك يداً مطواعة وقدرة مبكرة على تطويع الخط والكتلة.
1.2 رعاية العمالقة: فرج عبو وشاكر حسن آل سعيد
من النادر أن يحظى فنان في بداياته بهذا الكم من الرعاية والاهتمام من قبل "آباء" الفن العراقي الحديث. بعد اكتشافه من قبل سعد الطائي، لفتت أعمال المرعب في الصف الثالث المتوسط نظر الفنان الكبير الراحل فرج عبو. بلغ إعجاب عبو بموهبة المرعب حداً جعله يطلب منه التقديم لمعهد الفنون الجميلة، عارضاً عليه "تزكية" شخصية تعفيه من الخضوع للاختبار التقليدي.4 كان هذا العرض بمثابة "جواز مرور" ذهبي إلى عالم الاحتراف، إلا أن الإرادة العائلية وقفت حائلاً دون ذلك. كانت والدة المرعب تحلم بأن ترى ابنها مهندساً معمارياً، معتبرة الفن مساراً لا يضمن المستقبل، وهو صراع اجتماعي كلاسيكي عاشه معظم مبدعي ذلك الجيل.4
رغم عدم دخوله المعهد في تلك المرحلة، إلا أن القدر ساقه ليتلمذ في المرحلة الثانوية على يد فيلسوف الفن العراقي شاكر حسن آل سعيد. يؤكد المرعب أن هذه المرحلة كانت "المختبر الحقيقي" لوعيه الفني. من آل سعيد، لم يتعلم المرعب تقنيات الرسم فحسب، بل تعلم "الفكر" الذي يقف خلف اللوحة. تعرف لأول مرة على مفاهيم الحداثة (Modernism) والمعاصرة، وأدرك المعنى العميق لـ "التجريد" (Abstraction) وكيفية تجاوز الواقع المرئي من خلال إعادة تكوينه وفق رؤية الفنان الداخلية.4 هذه الدروس "الآل سعيديه" زرعت في داخله البذور الأولى لأسلوبه المستقبلي الذي يرفض المحاكاة العمياء للواقع، ويميل إلى "التجريد الخفيف" والبحث عن الجوهر.
1.3 الصدمات السياسية ومحنة الإقصاء
لم يكن طريق المرعب مفروشاً بالورود، بل اعترضته عواصف السياسة العراقية المتقلبة. بعد انقلاب شباط الأسود عام 1963، دخل العراق في نفق مظلم من الصراعات السياسية التي انعكست مباشرة على حياة المرعب.4 انقطع عن الرسم لفترة طويلة، واضطر لدخول كلية الزراعة، وهو تخصص بعيد عن شغفه. ومع ذلك، لم يستطع كبت روحه الفنية، فأسس نادياً ثقافياً في الكلية وأقام أول معرض جماعي، مما أثار جدلاً واسعاً. نشاطه الثقافي والسياسي (ضمن القوائم اليسارية) أدى إلى فصله من الكلية بعد إلغاء الانتخابات الطلابية التي فاز فيها تياره.4
انتقل بعدها إلى كلية الإدارة والاقتصاد في الجامعة المستنصرية، وتخرج منها عام 1970 ليتم تعيينه في وزارة التجارة. ورغم استقراره الوظيفي، عاد حلم الدراسة الأكاديمية للفن ليراوده عام 1974. قدم إلى القسم المسائي في معهد الفنون، وحصل على المركز الأول في الاختبار العملي والمقابلة. لكن المفارقة المؤلمة تكررت: شُطب اسمه لأن القبول كان محصوراً بـ "أتباع حزب السلطة" (البعث)، كونه لم يكن حزبياً.4 هذا الإقصاء الممنهج دفعه ليعتمد على نفسه كلياً، صاقلاً موهبته بالبحث والتجريب، ليصبح فناناً "عصامياً" بمستوى أكاديمي رفيع.
________________________________________الفصل الثاني: تحليل الأسلوب.. كيمياء المدارس الأربعة
2.1 نظرية المزج المبتكر: تفكيك المعادلة البصرية
يستند أسلوب وائل المرعب، كما يصفه النقاد والمتلقون بدقة، إلى خلطة معقدة ونادرة تجمع بين أربع مدارس فنية كبرى، ولكن بـ "نكهات" مخففة تجعلها تذوب في نسيج واحد. هذه القدرة على المزج هي ما يمنح أعماله بصمتها الفريدة التي "لم يستطع أحد تناولها بنفس الطريقة".2
أ. التكعيبية الخفيفة (Soft Cubism)
لا يتبنى المرعب التكعيبية في صورتها "التكسيرية" الحادة التي عرفت عند بيكاسو أو براك، والتي تقوم على تهشيم الشكل وإعادة بنائه هندسياً بشكل صارم. بدلاً من ذلك، يلجأ إلى "تكعيبية خفيفة" تمنح اللوحة هيكلها العظمي المتين [User Query].
● الوظيفة: تعمل هذه التكعيبية على ضبط "الكتل" داخل اللوحة. الأجساد والأشياء لا تظهر بليونة واقعية مفرطة، بل تمتلك حوافاً وخطوطاً هندسية خفية تمنحها القوة والرسوخ.
● التطبيق: نرى ذلك في طريقة معالجته للخلفيات والملابس، حيث تتحول الثنيات والظلال إلى مساحات هندسية متداخلة، لكنها تحافظ على انسيابية المشهد العام دون أن تصدم عين المتلقي بحدة الزوايا.
ب. التعبيرية (Expressionism)
إذا كانت التكعيبية هي "الهيكل"، فإن التعبيرية هي "الروح" والدم الذي يجري في عروق لوحات المرعب. يعلن المرعب صراحة انتمائه إلى "التعبيرية التشخيصية".1
● الانفعال: لا يرسم المرعب الوجوه والأجساد لتوثيق ملامحها، بل لتوثيق "انفعالها". الخطوط في لوحاته مشحونة بالعاطفة، والألوان تعكس الحالة النفسية لا الحالة الفيزيائية.
● التشخيص: يؤمن المرعب بأن "الإنسان هو أعلى قيمة في الوجود"، ولذلك فإن التعبيرية عنده مرتبطة حتماً بالتشخيص (Figurative). اللوحة الخالية من الإنسان، برأيه، خالية من الهم الإبداعي.1
ج. الواقعية الخفيفة (Soft Realism)
رغم نزوعه نحو الحداثة، تظل لوحات المرعب "مقروءة" وقريبة من المتلقي، وهنا يأتي دور "الواقعية الخفيفة".
● الخيال المحض: الميزة الحاسمة هنا هي أن واقعية المرعب "متخيلة". هو لا يرسم عن "موديل" ولا ينقل عن صورة فوتوغرافية.2 إنه يستحضر الواقع من مخزون الذاكرة والخيال. هذا يجعل واقعيته "منقحة" من شوائب اليومي، ومركزة على الجوهر الجمالي.
● النكهة: هي واقعية بطعم الحلم. نرى النخيل، والقباب، والنساء، والآلات الموسيقية، لكنها تبدو وكأنها مرسومة بذاكرة الحنين، لا بذاكرة الكاميرا.
د. التجريد الخفيف (Soft Abstraction)
تعلم المرعب من شاكر حسن آل سعيد أن الفن "حذف". يظهر "التجريد الخفيف" في معالجته للخلفيات والفضاءات المحيطة بالشخوص.4
● الموسيقى البحتة: يتحول الفضاء حول الشخصيات إلى مساحات لونية مجردة تتناغم وتتداخل مثل النغمات الموسيقية. هذا التجريد هو الذي يمنح اللوحة "موسيقاها"، ويجعل العين تنتقل بسلاسة بين الكتل.5
2.2 الخيال المحض: المشاعر كمرآة
إن نقطة الارتكاز في تجربة المرعب هي اعتماده الكلي على "الخيال المحض" [User Query]. عندما يرسم الفنان من خياله، فإنه لا محالة يرسم "نفسه" في كل الوجوه.
● المرآة النفسية: صارت مشاعره "مرآة في لوحاته". الحزن، الغربة، الفرح، الانتظار.. كل هذه المشاعر تتسرب من اللاوعي لتشكل ملامح الشخوص. لذلك، نجد في وجوه نسائه ورجاله مسحة من الشجن العراقي المقيم، ومسحة من التطلع الصوفي نحو الضوء.1
● رفض النقل: هذا الأسلوب يضعه في تضاد مع المدارس "الكلاسيكية" أو الواقعية التسجيلية (مثل جماعة "كلاسيك" في بابل المذكورة في 7) التي تركز على الدقة الحرفية. المرعب يضحي بالدقة التشريحية الصارمة من أجل "الصدق التعبيري".
2.3 سيمفونية اللون والموسيقى
تشكل العلاقة بين "الرسم والموسيقى" ركيزة أساسية في عالمه.5
● الموسيقى البحتة والرسم البحت: يسعى المرعب للوصول إلى حالة من "الرسم البحت" (Pure Painting) الذي يؤثر في النفس مباشرة كما تؤثر "الموسيقى البحتة" (Pure Music)، دون الحاجة إلى وسيط أدبي أو حكاية.
● اللوحة كمدونة موسيقية: يتعامل مع السطح التصويري كأنه نوتة موسيقية. الألوان الحارة (الأحمر، الأوكر) تمثل الإيقاعات العالية، والألوان الباردة (الأزرق، الأخضر المعتم) تمثل الخلفيات والقرارات الموسيقية الهادئة. في معرضه بتورونتو، كانت "ثيمة الموسيقى" هي الطاغية، مما يؤكد تلازم هذين الفنين في وجدانه.5
________________________________________الفصل الثالث: المرعب خطاطاً وأديباً.. وحدة الفنون
لا يمكن عزل وائل المرعب "الرسام" عن وائل "الخطاط" و"الأديب". هذه المواهب ليست جزر منعزلة، بل هي أوانٍ مستطرقة يغذّي بعضها بعضاً.
3.1 الخطاط من الطراز الفريد
يشير التقرير إلى كونه "خطاطاً من طراز فريد" [User Query]. هذه المهارة ليست مجرد إجادة لقواعد الخط العربي، بل هي "بنية تحتية" لفنه التشكيلي.
● هندسة الخط: ممارسته للخط العربي منحته قدرة استثنائية على التحكم في "الخط" (Line) داخل اللوحة. خطوط المرعب في الرسم تمتاز بالانسيابية والثقة (Surity)، وهي صفات يكتسبها الخطاط من تمرسه بالقصبة والحبر.
● الحروفية: مر المرعب بمرحلة "الحروفية" (Letterism)، حيث وظف الحرف العربي كعنصر تشكيلي وجمالي داخل اللوحة، قبل أن يستقر في أسلوبه التعبيري الحالي.1 تظل روح الخطاط حاضرة في رشاقة الأجساد وتناغم التكوينات.
3.2 الرواية: "المتعبون بلا مسيح"
في مجال السرد، أنجز المرعب رواية بعنوان "المتعبون بلا مسيح".5
● دلالة العنوان: يحمل العنوان شحنة رمزية عالية، تحيل إلى العذابات المستمرة للإنسان العراقي والعربي الذي يحمل صليبه (عذابه) دون أن يجد "مسيحاً" (مخلصاً) يفتديه.
● اللغة الملونة: لغة المرعب الروائية هي لغة "رسام". يقتبس أحد القراء جملة من الرواية: "شكراً لألوانك التي شذّبت رؤاي وعلمتني أن الحياة لا زال فيها ما يستحق أن نحياه".7 هذا التداخل بين السرد واللون يجعل نصوصه الأدبية امتداداً للوحاته.
3.3 النقد وكتاب "مرايا الروح"
يمتلك المرعب حساً نقدياً رفيعاً، تجلى في كتاباته الصحفية (في مجلات فنون، ألف باء، آفاق عربية) وفي كتبه.5
● "مرايا الروح": كتاب طور الطبع (كما ورد في الطلب) يحكي بطريقة نقدية وبلغة وجدانية عن "رموز العراق والوطن العربي".3 هذا الكتاب يمثل وثيقة ثقافية هامة، حيث يمزج فيه المرعب بين التحليل النقدي الموضوعي وبين الانطباع الوجداني الذاتي، محاولاً استحضار أرواح المبدعين والرموز الذين شكلوا وعي المنطقة.
● "المستشرقون والخيول العربية": كتاب صدر عام 1986، يكشف عن جانب آخر من اهتماماته: التوثيق والتراث، والبحث في نظرة الآخر (الاستشراق) لجماليات البيئة العربية.3
3.4 الشعر: "ضربة فرشاة"
أصدر ديوان شعر بعنوان "ضربة فرشاة" (ومضات شعرية).3 العنوان يختزل فلسفته في وحدة الفنون. القصيدة عنده هي "ضربة فرشاة" لغوية، واللوحة هي "قصيدة" بصرية. يتميز شعره بالتكثيف والصور البلاغية التي تحاكي التكوين البصري.
________________________________________الفصل الرابع: جغرافيا العرض.. 12 معرضاً حول العالم
أقام وائل المرعب 12 معرضاً شخصياً، راسماً خارطة طريق إبداعية امتدت من ضفاف دجلة إلى ضفاف التايمز وبحيرة أونتاريو. هذه المعارض لم تكن مجرد عروض فنية، بل كانت محطات توثق تحولات أسلوبه وتفاعل بيئات مختلفة معه.1
جدول المعارض الشخصية وأماكنها (استناداً للمصادر والطلب)
التسلسل المدينة الدولة السنة/ملاحظات السياق الفني
1 بيروت لبنان 1974 البداية الخارجية في عاصمة الثقافة العربية آنذاك.
2 أثينا اليونان 1979 أول احتكاك مباشر بالجمهور الأوروبي الغربي.
3 بغداد العراق 1985 معرض في ذروة الحرب العراقية الإيرانية.
4 بغداد العراق 1988 مرحلة النضج وتوثيق "الواقعية" للبيئة العراقية.
5 بغداد العراق 1990 معرض ما قبل الحصار، ترسيخ الاسم محلياً.
6 بغداد العراق (غير محدد) المعرض الرابع في بغداد.5
7 عمان الأردن 1992 محطة ما بعد حرب الخليج، بداية الشتات العراقي.
8 الدوحة قطر 2002 الانفتاح على الخليج العربي.
9 أبو ظبي الإمارات 2009 مرحلة الإقامة في الإمارات والنضج اللوني.
10 أبو ظبي الإمارات 2010 استمرار التجربة الإماراتية.
11 لندن بريطانيا (تاريخ غير محدد) التواصل مع الجالية العراقية والعربية في لندن [User Query].
12 تورونتو كندا (المهجر) معرض "الموسيقية" وتحدي العزلة.5
4.2 تجربة المهجر الكندي: بين العزلة والحنين
انتقل المرعب للعيش في تورونتو بكندا، وهي تجربة شكلت تحدياً وجودياً وفنياً.
● العزلة الثقافية: يصف المرعب الوسط الكندي بأنه ذو "طبيعة فلاحية" (بالمعنى المجازي للاهتمام بالأرض والعمل المادي) وأن النشاط الثقافي "متواضع جداً" مقارنة بالحراك العراقي.5 واجه صعوبة في التواصل مع الفنانين الكنديين، فاقتصر تواصله غالباً على النخبة العراقية المثقفة المهاجرة.
● فن الحنين (Nostalgia): في كندا، تحول فنه إلى جسر للعودة. عندما نشر لوحة واقعية للريف العراقي (من أعمال 1988)، أثارت موجة عارمة من الحنين لدى العراقيين في المهجر والداخل.5 أصبحت لوحاته في كندا ملاذاً للروح المغتربة، تستحضر شمس العراق ودروب بغداد القديمة لتدفئة صقيع الغربة.
● أسلوب المهجر: في كندا، مال أسلوبه أكثر نحو "التعبيرية المعاصرة" وثيمة "الموسيقى"، ربما كتعويض عن غياب "الضجيج" الحميم للحياة الشرقية، ولجوءاً إلى لغة عالمية (الموسيقى) تتجاوز حواجز اللغة والمكان.5
________________________________________الفصل الخامس: خلاصة نقدية.. المرعب كمرآة للروح
في الختام، يمكن القول إن وائل المرعب يمثل نموذجاً للفنان الشامل الذي لا يرى حدوداً فاصلة بين الكلمة واللون، وبين النغم والخط. إن طريقته المبتكرة في مزج المدارس الفنية (التكعيبية، التعبيرية، الواقعية، التجريد) ليست استعراضاً تقنياً، بل هي ضرورة تعبيرية فرضتها رغبته في قول "كل شيء" في آن واحد: صلابة الواقع وهشاشة الروح، هندسة العقل وفوضى الشعور.
أبرز سمات "المدرسة المرعبية":
1. المزج الهارموني: صهر التكعيبية والتعبيرية والواقعية والتجريد في بوتقة "النعومة" (Softness) التي تجعل اللوحة انسيابية وموسيقية.
2. الخيال كمصدر وحيد: رفض النقل المباشر، وجعل الذاكرة والمشاعر هي المصدر الحصري للصورة، مما حول لوحاته إلى "مرايا نفسية".
3. وحدة الفنون: استثمار مهاراته كخطاط وشاعر وروائي وناقد في بناء اللوحة، مما منحها عمقاً ثقافياً وأدبياً نادراً.
4. اللون كهوية: استخدام "باليتة" لونية ترابية وحارة تعكس البيئة العراقية، ممزوجة بظلال صوفية تعكس غربة الروح.
وائل المرعب، برواياته ولوحاته وكتاباته، يظل حارساً للذاكرة الجمالية العراقية، وفناناً استطاع أن يبتكر لغة بصرية تليق بوجع وأمل الإنسان العربي المعاصر، لغة تفهمها العين، ويطرب لها السمع، ويقرؤها العقل، في آنٍ معاً.
#امير_وائل_المرعب (هاشتاغ)
Amir_Wael_Abdulamir_Murib#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟