أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - بين الفلسفة والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر














المزيد.....

بين الفلسفة والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 19:20
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


المقدمة:

الفلسفة منذ فجر الحضارة لم تكن مجرد أفكار مكتوبة، بل كانت مرآة حيّة للإنسان وتجربته في فهم ذاته والعالم من حوله. من سقراط، الذي بحث عن الفضيلة المطلقة عبر الحوار، إلى أفلاطون الذي صاغ عالم المثل، ثم أرسطو الذي أنزل الفكر إلى أرض الواقع بالتجربة والملاحظة، رسم القدماء خريطة أولى للإنسان والوجود، كلٌ بحسب رؤيته للعالم.

في العصور الوسطى والعصر الإسلامي، دخلت الفلسفة في حوار مع الدين والعقل، فصاغ الفارابي وابن سينا وابن رشد تصورات متكاملة للإنسان، محاولين التوفيق بين المعرفة العقلية والحدس الروحي، وصقل الشخصية الإنسانية بين النظرية والتجربة.

مع العصر الحديث، تحوّل الاهتمام إلى العقل الفردي والتجربة العلمية، فبرز ديكارت وكانط ونيتشه، يعيدون تعريف الإنسان ككائن مسؤول عن خلق ذاته ومعانيه الخاصة، متصالحًا مع حدود معرفته.

واليوم، في عصر الرقمية المتسارعة، تتدفق التجارب والمعلومات بوتيرة لم تعرفها البشرية من قبل، ويتغير الإدراك بفعل التكنولوجيا ووسائل الاتصال المستمرة. ما كان مستحيلًا أو غير منطقي في الماضي قد يصبح ممكنًا، فتظل الفلسفة حية، متغيرة، قادرة على تفسير الإنسان وتجربته في كل لحظة جديدة.


تكوين الشخصية والفكر والصفات:

تتشكل الشخصية والفكر والصفات من تفاعل ثلاثة عناصر رئيسية:
1. الفلسفة: إطار الفكر الذي يمنح الإنسان أدوات التأمل والنقد، لكنه مرن ويتطور مع كل تجربة ومعرفة جديدة. ما كان منطقيًا أو مقبولًا في عصر قديم قد يُعاد تفسيره في عصر لاحق، حسب تطور التجربة والوعي.
2. الصفات الشخصية: مجموعة الميول والقيم والعواطف التي تميز الفرد. الصفات ليست ثابتة؛ فالمثالية قد تتحول إلى نرجسية، والشجاعة إلى حذر، والتواضع قد ينقلب إلى كبرياء مع مرور التجارب أو مواجهة الأزمات.
3. الإدراك: الفلتر الذي يربط بين الفلسفة والصفات والتجارب الواقعية، ويقرر ما يُستوعب من أفكار وصفات، وكيف تتطور الشخصية والفكر عبر الزمن. الإدراك يمنح الإنسان القدرة على التوازن بين النظرية والتطبيق، بين ما هو ذاتي وموضوعي، بين الماضي والحاضر.

من خلال هذا التفاعل، يصبح الفكر والفلسفة مرآة متغيرة للإنسان: التجارب تكشف ما كان مخفيًا، والضغوط تبرز أبعادًا جديدة للشخصية، والإدراك يوازن بين القديم والجديد. النتيجة أن الشخصية والفكر والصفات ليست ثوابت، بل مسارات ديناميكية تتشكل باستمرار، تجعل الإنسان والفلسفة كائنين حيّين ومتغيرين.


خريطة تكوين الشخصية والفكر والصفات:

يمكن تصور تكوين الشخصية والفكر والصفات على شكل مسارات متداخلة تتفاعل مع بعضها:

*الفلسفة: تشكل الإطار الذي يوجه الفكر، وتمنح أدوات للتأمل والنقد، وترسم المبادئ التي يستند إليها الإنسان لفهم ذاته والعالم.

*الإدراك: يعمل كفلتر بين الفلسفة والصفات والتجربة الواقعية، ويحدد ما يُستوعب وما يُعدل، مانحًا الإنسان القدرة على التوازن بين النظرية والواقع.

*الصفات الشخصية: القيم، الميول، العواطف، والاتجاهات التي تميز الفرد، وتتغير مع كل تجربة أو نجاح أو فشل أو أزمة.

*الفكر: ثمرة التفاعل بين الفلسفة، الإدراك، والصفات، يعكس فهم الإنسان للعالم ولنفسه، ويعيد تشكيل شخصيته.

*الشخصية: الكيان النهائي المتطور، الذي يختبر التجارب ويستجيب للمتغيرات، ويظل ديناميكيًا ومتجددًا مع كل لحظة.


مسارات تكوين الشخصية والفكر :

يمكن رؤية هذا التفاعل في مثال شاب يتمتع بـصفات المثالية المفرطة والاستقلالية الفكرية، وينطلق من فلسفة وجودية تؤمن بأن المعنى يُصنع بالجهد الفردي. عندما نشر أفكاره على منصات التواصل وواجه التجاهل والسخرية، عمل إدراكه كفلتر مزدوج، ففسّر التجربة على أنها فشل لقيمه الفكرية. هذه الصدمة الرقمية حوّلت صفته المثالية إلى براغماتية متشككة، لتصبح شخصيته مثالاً حيًا على النمو عبر الصراع بين الفلسفة الفردية والواقع الرقمي.

وفي المقابل، شخص آخر تتسم صفاته بـالتواضع والواقعية، وفلسفته قائمة على النفعية والبحث عن الرضا العام. إذا نشر محتوى وحقق تفاعلًا هائلًا وثناءً مستمرًا، فإن إدراكه قد يربط هذا النجاح مباشرة بـ"استحقاقه الشخصي" المطلق، فتتحول صفاته إلى نرجسية متضخمة، وفلسفته إلى نفعية ذاتية تركز على إشباع "الأنا" الرقمي. هنا، يصبح مسار الشخصية ذوبانًا في متطلبات البيئة الرقمية بدلاً من نمو حقيقي.


الخاتمة:

في العصر الرقمي، لم يعد الإنسان يعيش في عزلة عن المعلومات والتجارب؛ بل هو محاط بتيارات متدفقة من البيانات، وسائل التواصل، والتكنولوجيا التي تغير الإدراك بوتيرة متسارعة. هذا التدفق يعيد تشكيل الشخصية والفكر والصفات باستمرار.

ما كان مستحيلًا في الماضي قد يصبح اليوم ممكنًا، سواء في طرق التفكير أو فهم الذات والآخرين. الصفات التي قد تتسم بالنرجسية أو التكبر يمكن أن تتحول إلى وعي وتواضع بفعل التجارب الرقمية والاجتماعية الجديدة. الفكر لم يعد محصورًا في حدود الفلسفة التقليدية، بل يتفاعل مع المعلومات، الذكاء الاصطناعي، والثقافة الرقمية، لتولد رؤى جديدة للإنسان ولوجوده.

الفلسفة، بهذا المعنى، تظل أداة حية لفهم الإنسان، لكنها اليوم تتكيف مع إدراك متغير وبيئة رقمية ديناميكية. الشخصية والفكر والصفات ليست ثوابت، بل كيانات تتشكل في كل لحظة، مستجيبة لتقاطع الفلسفة والإدراك والتجارب الواقعية المتسارعة. فتظل الشخصية والفكر والفلسفة كائنات حية، تتنفس مع تدفق التجارب، تتكيف مع التغير، وتتأمل في عالم يرفض الثبات ويحتفي بالتطور.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفيروسات البشرية..من وباء الى تشخيص
- تسطيح العقول.. كيف تُدار السذاجة والشيطنة؟
- الصهيونية.. من مخلفات الحروب العالمية إلى مشروع الاحتلال وال ...
- عروض الأزياء السياسية.. والقضية الفلسطينية
- دول الكومبارس..المتناقضات كأدوار في السياسة والاعلام
- -اغتنام العجلة”.. بناء العقل والمعرفة بدل الترف الزائل
- التنافر المعرفي .. تقديس ما كان يُرفض بالأمس
- المطبخ السياسي... طريقة التحضير وأنواع الطهاة
- المطبخ العربي للسياسة… تَمَنٍ دون إعداد
- ياسر عرفات... الزعيم الذي صاغ الذاكرة الفلسطينية
- القوة في الحق والحرية... والضعف في العبودية والبطش
- أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض
- نبض الصبر الفلسطيني.. صمود الموظفين والعمال رغم كل شيء
- سياسة الترف بعد الفقر.. هندسة الوعي وتغيّر الغايات
- الدفة وتعدد القباطنة... والعواصف المستمرة
- الشك الهيكلي الجماعي... وباء الاستبداد والاضطهاد
- الأمة التي تصرّ على اختراع العجلة السياسية والتنموية
- الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة
- الطريق الأقصر إلى الحضارة والتقدُّم... حين يصبح العقل هو الث ...
- وراثة الأحزاب… موت الفكرة وخلود الكرسي


المزيد.....




- -كوشنر سيحضرها-.. مصدر يكشف لـCNN تفاصيل جديدة عن محادثات مي ...
- العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية بميانمار في يناي ...
- العقوبات على الجنائية الدولية.. هل تجهز واشنطن على القانون ا ...
- 3 شهداء وعدة مصابين في قصف مدفعي إسرائيلي على مبنى يؤوي نازح ...
- خبير عسكري: إسرائيل تعيق قدرة الجيش اللبناني على نزع السلاح ...
- لماذا توصف المرحلة الثانية من اتفاق غزة بأنها الأكثر تعقيدا؟ ...
- الحب وترامب والغرب و3 ملايين سؤال.. عرض لوقائع وكواليس مؤتمر ...
- ساحل جزيرة هرمز الإيرانية يتحول إلى اللون القرمزي الداكن.. ش ...
- -من فوق جبل قاسيون-.. من هم القادة الذين شكرهم أحمد الشرع بع ...
- رئيس الوزراء المصري في بيروت.. القاهرة تدين الانتهاكات الإسر ...


المزيد.....

- العقل العربي بين النهضة والردة قراءة ابستمولوجية في مأزق الو ... / حسام الدين فياض
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - بشار مرشد - بين الفلسفة والإدراك... مسارات تكوين الشخصية والفكر