أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - الفيروسات البشرية..من وباء الى تشخيص














المزيد.....

الفيروسات البشرية..من وباء الى تشخيص


بشار مرشد
كاتب وباحث

(Bashar Murshid)


الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 19:26
المحور: الفساد الإداري والمالي
    


مقدمة:
حين لا تكون المؤسسة هي المشكلة،كثيرًا ما يُوجَّه الاتهام إلى «المؤسسة» بوصفها كيانًا فاسدًا أو عاجزًا، وكأنها كائن مستقل يفسد من تلقاء نفسه. هذا التوصيف مريح، لكنه مضلل. المؤسسات لا تُنتج الفساد تلقائيًا؛ بل البشر هم من يفعلون، وبالأخص أولئك الذين قبلوا — أو روّجوا — لجعل التملّق سياسة صعود دائمة، لا استثناءً عابرًا.

عندما يصبح التملّق آلية تعين وترقية:
حين يُكافَأ القرب الشخصي بدل الكفاءة، تتحول السلالم الوظيفية إلى مسارات مغلقة أمام أصحاب الخبرة، ومفتوحة أمام من يتقن قراءة مزاج السلطة. في هذه البيئة الهيكلية، لا يُعدّ الفشل حادثًا طارئًا، بل نتيجة منطقية لضعف نظام الحوكمة. فالقرارات تُتخذ لإرضاء الأعلى، لا لتحقيق الهدف، والنجاح يُقاس بدرجة الولاء لا بجودة الإنجاز.

لماذا يهاجم بعض أبناء القمة المؤسسة لاحقًا؟
نرى أحيانًا أشد المنتقدين لمؤسسة ما هم من شغلوا مواقع متقدمة فيها. المشكلة ليست في النقد ذاته، بل في شكله. حين يأتي النقد عامًا بلا تفصيل، وبلا اعتراف بالدور الشخصي، وبلا تشخيص للآليات التي سمحت بالفساد، يصبح النقد إعادة تموضع شخصي وانتهازية لا مراجعة صادقة. التعميم هنا وسيلة للاختباء داخل الجملة.
النقد البنّاء يبدأ من تسمية الأسباب: كيف تُتخذ القرارات؟ كيف تُملأ المناصب؟ ما الذي يُكافَأ فعليًا؟ ومن صمت حين كان يملك القدرة على الاعتراض؟ من دون هذا التفكيك، يبقى الهجوم خطابًا سهلًا لا يغيّر شيئًا.

الانتهازية المتنقلة:
الأخطر هو انتقال بعض هؤلاء من مؤسسة إلى أخرى — حتى المتنافسة أو المتعارضة — حاملين النهج نفسه. من بنى مسيرته على التملّق لا يملك بديلًا مهنيًا حقيقيًا، فينقل السلوك حيثما وجد سلطة أو منفعة أو مصلحة. هنا تتضح الحقيقة القاسية: المشكلة لم تكن المؤسسة، بل نمط الأشخاص الذين يرون في أي كيان سُلّمًا لا مشروعًا.

العدوى التنظيمية:
عندما يرى العاملون أن الترقية لا تأتي عبر العمل بل عبر الولاء، تحدث واحدة من ثلاث: إما تقليد السلوك نفسه، أو الانسحاب الصامت، أو الإقصاء. في ظل غياب آليات فاعلة لحماية مُبلِغي المخالفات، تخسر المؤسسة في الحالات الثلاث. الفساد هنا مُعدٍ، لأنه يعيد تعريف النجاح تعريفًا سامًا.

ما الذي يعنيه الإصلاح فعلًا؟
الإصلاح ليس شعارات ولا خطابات غاضبة أو تفريغ أحقاد دفينة. بل هو قرارات عملية تبدأ بسؤال بسيط وخطير: من نُكافئ ولماذا؟ ومن نحاسب وكيف؟
اعتماد معايير شفافة للتعيين والترقية.
فصل التقييم المهني عن العلاقات الشخصية.
توفير حماية فاعلة للكفاءات وأصحاب الرأي المخالف، لحمايتهم من العقاب غير المعلن.
الاعتراف الصريح بالأدوار السابقة عند ممارسة النقد.
هذه خطوات غير شعبية، لكنها الوحيدة القادرة على كسر الحلقة.

المتسلقون لا المؤسسات:
من الضروري قول ما يُتجنَّب قوله عادة: كثير ممن تصدّروا المشهد داخل هذه المؤسسات لم يصلوا بالكفاءة أصلًا، بل بالمحسوبية، والتملق، والحظ، والصدفة. لم يأتوا لبناء شيء، بل لملء الجيوب والبطون، والتعامل مع المؤسسة كمزرعة مؤقتة لا كمشروع عام. وجودهم في القمة لم يكن عرضًا جانبيًا للفساد، بل كان أحد أسبابه المباشرة.
هؤلاء لم يفسدوا المؤسسة فقط أثناء وجودهم، بل يواصلون الهدم بعد خروجهم منها. يفعلون ذلك عبر خطاب عام غاضب يخفي أدوارهم، وعبر استعداد دائم للانتقال إلى أي كيان آخر بالمنهج نفسه. هم لا يعترفون بأن صعودهم غير المشروع هو جزء من العطب، لأن هذا الاعتراف ينسف شرعيتهم كاملة.

حين يضعف الزرع:
لا توجد مؤسسة فاسدة بطبيعتها، بل بيئات أُنهكت حين سُمِح للمتسلقين أن يتكاثروا. كأي زرع تُرِك بلا رعاية، يضعف حين تتغذى عليه الطفيليات. المشكلة ليست في الأرض، بل في من استباحها، ثم صرخ لاحقًا متهمًا التربة بالعقم.

تحالف الهدم عند تلاقي المصالح:
المفارقة المضحكة المبكية أن بعض أبناء المؤسسة السابقين لا يترددون في التساوق مع المنافس، أو العدو، أو الكاره لوجود المؤسسة أصلًا، بل حتى مع المفسد وعدو الإصلاح. ليس لأنهم اختلفوا فجأة أيديولوجيًا، بل لأن المصالح حين تتلاقى تُسقط كل ادعاء أخلاقي. يصبح الهدف المشترك هو هدم المؤسسة ككل، لا إصلاحها، لأن الإصلاح الحقيقي يفضح أدوارهم السابقة ويُنهي قدرتهم على المناورة.
في هذا التحالف الهجين، تُستخدم لغة النقد والإصلاح كغطاء، بينما النتيجة العملية واحدة: تقويض الثقة، تعطيل العمل، وتشويه أي محاولة جادة للتصحيح. الضحية هنا ليست الإدارة العليا فقط، بل العاملون الذين لم يتورطوا، والمستفيدون من خدمات ومنتجات المؤسسة، وكل من يدفع ثمن صراع لا علاقة له بالمصلحة العامة.

الخلاصة:
المؤسسات لا تنهار لأن أسماءها فاسدة، بل لأن بعض الانتهازين مُنحوا مفاتيحها . التملّق حين يصبح وسيلة صعود، يتحول حتمًا إلى أداة تخريب. النقد البنّاء يبدأ بالاعتراف، ويستمر بالتفكيك، ولا يكتمل إلا بإقصاء المتسلقين عن مواقع القرار. من دون ذلك، سيتغير الاسم والشعار، ويبقى الخراب نفسه.



#بشار__مرشد (هاشتاغ)       Bashar_Murshid#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تسطيح العقول.. كيف تُدار السذاجة والشيطنة؟
- الصهيونية.. من مخلفات الحروب العالمية إلى مشروع الاحتلال وال ...
- عروض الأزياء السياسية.. والقضية الفلسطينية
- دول الكومبارس..المتناقضات كأدوار في السياسة والاعلام
- -اغتنام العجلة”.. بناء العقل والمعرفة بدل الترف الزائل
- التنافر المعرفي .. تقديس ما كان يُرفض بالأمس
- المطبخ السياسي... طريقة التحضير وأنواع الطهاة
- المطبخ العربي للسياسة… تَمَنٍ دون إعداد
- ياسر عرفات... الزعيم الذي صاغ الذاكرة الفلسطينية
- القوة في الحق والحرية... والضعف في العبودية والبطش
- أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض
- نبض الصبر الفلسطيني.. صمود الموظفين والعمال رغم كل شيء
- سياسة الترف بعد الفقر.. هندسة الوعي وتغيّر الغايات
- الدفة وتعدد القباطنة... والعواصف المستمرة
- الشك الهيكلي الجماعي... وباء الاستبداد والاضطهاد
- الأمة التي تصرّ على اختراع العجلة السياسية والتنموية
- الاحتواء السياسي ومشتقاته...انتداب ووصاية جديدة
- الطريق الأقصر إلى الحضارة والتقدُّم... حين يصبح العقل هو الث ...
- وراثة الأحزاب… موت الفكرة وخلود الكرسي
- فلسطين... طائر الفينيق والبراق


المزيد.....




- بينها دول عربية.. ترامب يوقع أمراً تنفيذياً لـ-تشديد القيود- ...
- بعد نزاع الأجور.. محكمة باريس تُلزم سان جيرمان بدفع أكثر من ...
- دهس مشجعي ليفربول: المحكمة تصف ما جرى بـ-رعب غير مسبوق- وتحك ...
- -الحكم سيصدر قريبًا-.. طهران تحاكم مواطنًا يحمل الجنسية السو ...
- ألمانيا ترحب بتراجع المفوضية الأوروبية عن الحظر الكلي لمحركا ...
- إسرائيل: لماذا القيود على المنظمات الإنسانية؟
- لبنان: مقتل شخصين وإصابة خمسة آخرين في غارات إسرائيلية جنوب ...
- وعود ترامب للشرق الأوسط.. عصر ذهبي أم خدعة جديدة؟
- لماذا تصمت واشنطن على المأساة الإنسانية في غزة؟
- ترامب يوسّع حظر السفر إلى الولايات المتحدة ليشمل سوريا وفلسط ...


المزيد.....

- The Political Economy of Corruption in Iran / مجدى عبد الهادى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفساد الإداري والمالي - بشار مرشد - الفيروسات البشرية..من وباء الى تشخيص