أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - أزمة الحكم الطائفي في سوريا















المزيد.....

أزمة الحكم الطائفي في سوريا


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8561 - 2025 / 12 / 19 - 11:33
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تحولت الطائفية غير المعلنة التي استندت إليها سلطة الأسد في الحكم، إلى طائفية صريحة في ظل سلطة ما بعد الأسد. اليوم باتت الطائفية مسموعة على مستوى الشارع ومرئية على مستوى السلطة، وباتت تمارس على الأرض بصورة لا سابق لها من قبل. لا يعكس هذا التحول فارقاً بين السلطتين لا من حيث آلية العمل ولا من حيث العلاقة مع المجتمع، بل يعكس الفارق في المستند الطائفي لكل منهما. صحيح أننا اليوم أمام سلطة جديدة العهد في حكم سوريا، ولكنها ليست جديدة تماماً على الحكم، فقد حكمت نخبتها منطقة واسعة من سوريا لحوالي عقد من الزمن، قبل أن تنقل آليات سلطتها إلى دمشق. في العمق السلطة هي السلطة، وصف السلطة بالطائفية لا يعني مجاهرتها بالطائفية، ولا حرصها على مصالح أبناء طائفة معينة أكثر من غيرهم، ولا يعني أنها "تحب" طائفة وتكره غيرها، بل يعني أنها تؤسس لنفسها على الانقسامات الطائفية المتاحة لتمكين ذاتها، ويكون ذلك في الواقع ضد كل الطوائف. وهو ما فعلته سلطة الأمس دون مجاهرة وتفعله سلطة اليوم وتجهر به. هذا يعني أن الانقسام الطائفي هو بيئة مناسبة لهذا النوع من السلطة، وأن المسار إلى وحدة الشعب السوري يسير بعكس ما يناسب أي منهما، ومن الوهم الاعتقاد أن تجاوز الانقسام الطائفي شأن يندرج في سياسات أو توجهات سلطة غير مقيدة، العكس هو الصحيح.
القلة العددية النسبية للطائفة العلوية التي استند إليها الأسد، وحاجته لكسب ود المسلمين السنة بوصفهم الأكثرية التي لا يمكنه الحكم دون رضاهم العام، جعل اعتماد لغة قومية وعلمانية، ضرورة حيوية لسلطة الأسد التي خدمها حينها أن تلك اللغة كانت ترتبط بتوجهات سياسية لها شيوع وثقل. حظرت سلطة الأسد اللغة الطائفية وجرمتها على أنها لغة رجعية وضارة بالمصلحة الوطنية، وفي الوقت نفسه مارست، على طول الخط، تمييزاً طائفياً في الدولة ولاسيما في أجهزة القوة، وثابرت على تمرير تعبئة طائفية مستورة في دوائر الجمهور العلوي القريب من السلطة. على هذا المستوى كان يجري دغدغة مشاعر تميز طائفي لدى العلويين من نوع "الحكم لنا"، دون السماح بخروج مثل هذا القول إلى العلن، لأن من شأن ذلك أن يحرك شعوراً مضاداً لدى الأكثرية السنية يزعزع حكم الأسد. وقد كان لهذه التعبئة فاعلية قوية لدى العلويين، أساسها الشعور العام بالأمان تجاه الدولة، وإن لم تنعكس تحسناً في حياتهم المعيشية. موضوع الأمان مركزي في حياة الأقليات، ونعتقد أن سنوات البطش الأسدي خلال حوالي عقد ونصف أدخلت هذا القلق في نفوس الأكثرية أيضاً وهو ما يساهم في تفسير الالتفاف السني الواسع حول سلطة الشرع اليوم، وهو مشابه في آليته النفسية للالتفاف العلوي السابق حول سلطة الأسد.
المعضلة المتأصلة في نظام الأسد كانت أنه بحاجة إلى رضا شعبي سني، وبحاجة، في الوقت نفسه، إلى ما يعارض ذلك وهو تغذية عصبية علوية حول الحكم. ويمكن القول إن تاريخ نظام الأسد هو تاريخ معالجة هذه المعضلة التي تفاقمت إلى حد اضطر النظام، من أجل استمراره، إلى الاعتماد على ميليشيات شيعية من أصقاع العالم، كاشفاً طبيعة طائفية سعى دائماً إلى إنكارها.
في 1981 قامت طالبات إحدى دورات المظليين التابعة لسرايا الدفاع حينها، بإجبار النساء على خلع الحجاب في بعض شوارع دمشق، وعملن على مد الحجابات على الأرض كي يعبر فوقها "القائد". كان لهذا السلوك المشين ذا البطانة الطائفية المستورة بلغة تقدمية كاذبة، أثر الصدمة في المجتمع، ولم يكن ذاك السلوك مفصولاً عن صراع النظام حينها ضد تنظيم الإخوان المسلمين. عقب ذلك ظهر حافظ الأسد على التلفزيون بلباس عسكري، للدلالة على جلل الأمر، وتكلم بلغة اعتذارية "أقبّل رأس كل أم وأخت وابنة" أرغمت على ذلك، معتبراً أن ما جرى كان مجرد اندفاع شباب مرفوض ولا يعبر عن سياسة الدولة، محاولاً احتواء ارتدادات الحدث الذي لم يتكرر. كان واضحاً حرص الأسد على الاتساق مع التقليد السني السوري، واهتمامه بعدم إثارة المشاعر الشعبية السنية، وبتحييد هذه الكتلة عن الجماعة السنية المعارضة لحكمه والتي واجهها بالحديد والنار. يمكن القول إن حرص نظام الأسد على مراعاة التقليد السني ما استطاع، يشبه استهتار الشرع وجماعته اليوم بمشاعر غير السنة، كلاهما ينطلق من حسابات السلطة وليس من حسابات المجتمع.
مع سلطة الشرع التي تعي نفسها على أنها سلطة إسلامية سنية (سبق للرئيس السوري الحالي، قبل أن يصل إلى القصر، أن قال في 2022 إن مشروعه هو بناء كيان إسلامي سني) لم يعد الكلام الطائفي مصدر تهديد للسلطة، صار بالأحرى مصدر قوة، فمن مصلحة السلطة أن تعزز لدى الأكثرية السنية وعياً ذاتياً طائفياً، مستفيدة من شعور المسلمين السنة بتمييز سلبي طالما مارس فعله في النفوس طوال عقود مضت، ومن بطش رهيب طال أهالي المناطق الخارجة عن سيطرة الأسد، وهي في غالبيتها الغالبة من المسلمين السنة. يمكن لهذا أن يفسر سكوت سلطة اليوم عن ممارسات تمييز طائفي صريحة تصل إلى مستوى الاستباحة بحق سوريين من غير السنة، وبصورة خاصة العلويين. من مصلحة سلطة الشرع اليوم أن تبث في المجتمع السوري الشعور بأن حكمها يعني حكم المسلمين السنة، وأن يجري النظر إليها على أنها تمثل الأكثرية، هذا يعطيها أحقية حكم دائمة بوصفها تمثل أكثرية دائمة. من الطبيعي والحال كذلك أن الكلام عن أكثرية سياسية متغيرة، يغيظ هذه السلطة لأنه يهدد نزوعها إلى الأبدية، النزوع المتأصل في كل السلطات. على هذا يكون لدى سلطة الشرع اليوم رفضاً مزدوجاً للديموقراطية، الأول سياسي غير ديني لأن فكرة الأكثرية السياسية تهدد سيطرتها اليوم أو غداً، والثاني ديني يقوم على فكرة أن "الحاكمية لله". هذا يقول إن وحدة الشعب السوري، الوحدة التي لا تتحقق إلا بسيادة آليات مستقرة لإنتاج شرعية سياسية عامة، ليست مما تسعى إليه سلطة الشرع، وإن الانقسام الطائفي المعلن والصريح يعمل لصالح سلطة اليوم، وأن من مصلحتها العمل على تكريسه.
ولكن تغذية مشاعر "طائفية" لدى الأكثرية السنية، بغرض الاستناد إليها في الحكم، تنطوي على عنصر مضاد، ذلك لأن هذا المسعى لا يستطيع تفادي تحريض العصب الجهادي الكامن، وهو ما لا يمكن ضبطه والسيطرة عليه، ما سيجعل الحكم الحالي الساعي وراء مقبولية عالمية، مرفوضاً في عيون الخارج الشديد الحساسية تجاه "الجهادية". نعتقد أن هذه معضلة لا يملك الحكم الحالي سبيلاً للخروج منها سوى عبر خروجه من طبيعته الذاتية، أي عبر الانفتاح على المجتمع السوري، والنظر إلى السوريين بوصفهم أبناء شعب لا أبناء مكونات.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الواقع السوري الهجين
- دور الوعي العام في نبذ العنف من المجتمع
- دور الوعي في نبذ العنف من المجتمع 2
- التناقض بين الدين والإيمان
- عن الفكرة الانتصارية المنتشرة في سوريا
- المجزرة ترضي الجمهور
- سوريا، شعب طيب ومسؤولون أشرار
- عيد الشارع
- الاستباحة تغطي صراعاً في سوريا
- حدث سياسي فاصل وانعكاسات نفسية متحركة
- رفع العقوبات و-الممانعة- الجديدة في سوريا
- التصورات الطائفية تدمر الدولة السورية
- لماذا يتراجع الوطنيون السوريون؟
- نجاة سوريا في التضامن الأهلي
- سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية
- مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري
- إدمان على الاستبداد
- الحقيقة ليست مزاراً، عن جدوى النقاش
- سورية ملونة وليست ألواناً
- الخطر الجاري الذي يهدد مستقبل سوريا


المزيد.....




- -كوشنر سيحضرها-.. مصدر يكشف لـCNN تفاصيل جديدة عن محادثات مي ...
- العدل الدولية تنظر في قضية الإبادة الجماعية بميانمار في يناي ...
- العقوبات على الجنائية الدولية.. هل تجهز واشنطن على القانون ا ...
- 3 شهداء وعدة مصابين في قصف مدفعي إسرائيلي على مبنى يؤوي نازح ...
- خبير عسكري: إسرائيل تعيق قدرة الجيش اللبناني على نزع السلاح ...
- لماذا توصف المرحلة الثانية من اتفاق غزة بأنها الأكثر تعقيدا؟ ...
- الحب وترامب والغرب و3 ملايين سؤال.. عرض لوقائع وكواليس مؤتمر ...
- ساحل جزيرة هرمز الإيرانية يتحول إلى اللون القرمزي الداكن.. ش ...
- -من فوق جبل قاسيون-.. من هم القادة الذين شكرهم أحمد الشرع بع ...
- رئيس الوزراء المصري في بيروت.. القاهرة تدين الانتهاكات الإسر ...


المزيد.....

- الوثيقة التصحيحية المنهجية التأسيسية في النهج التشكيكي النقد ... / علي طبله
- الطبقة، الطائفة، والتبعية قراءة تحليلية منهجية في بلاغ المجل ... / علي طبله
- قراءة في تاريخ الاسلام المبكر / محمد جعفر ال عيسى
- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - أزمة الحكم الطائفي في سوريا