أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الاستباحة تغطي صراعاً في سوريا















المزيد.....

الاستباحة تغطي صراعاً في سوريا


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 10:09
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أبرز ما شهدته الشهور الستة الأولى من حكم الفصائل الإسلامية المتحالفة التي كنست نظام الأسد من سوريا، هو الإجراءات المتلاحقة لاحتكار الدولة لصالح الفصائل نفسها، ثم أحداث العنف الطائفية المستمرة التي كان أبرزها إقدام بعض الفصائل على ارتكاب مجازر في الساحل بحق علويين عزل، دون محاولة من "الدولة" لحماية من يفترض أنهم رعاياها، ومحاسبة المرتكبين. ولا غرو في ذلك حين تكون الفصائل المعتدية مشاركة في احتكار الدولة وتشكل جزءاً من "جيش الدولة"، وعليه بات جزء من الأهالي يرون فيما يفترض أنه جيشهم، عدواً يتربص بهم، وذلك على غرار الصورة التي سبق أن أنتجها نظام الأسد خلال مسعاه المديد لسحق الثورة السورية باستخدام كل مقدرات الدولة وعلى رأسها الجيش.
إذا وضعنا جانباً السوريين الذين يناصرون أو يعادون الإدارة الجديدة من مواقع نفسيه أكثر منها عقلية، نلاحظ أن المتابعين الجديين ينقسمون في الموقف حيال ما تعيشه سوريا منذ ستة شهور إلى اليوم، ويتبادلون تصنيفات تشبه التهم. هناك من يبدي تساهلاً مع إجراءات احتكار الدولة، كما مع المجازر والانتهاكات، ويرد "المظاهر السلبية" إلى الظروف الصعبة التي ورثها ويعمل ضمنها الحكم الجديد، أكثر مما يردها إلى طبيعة القوى التي سيطرت على الدولة. يتناول هؤلاء التطورات من منظور السلطة، فيلتمسون لها الأعذار ويرون أنها بحاجة إلى الوقت كي تغدو أفضل، ويغلب على حملة هذا الموقف تفاؤل غيبي الطابع. يُصنف هؤلاء تلقائياً، من جانب مخالفيهم، في خانة الموالاة الجديدة. والموالاة كلمة سيئة السمعة في سوريا، لأنها تحيل إلى القطاع من الشعب السوري الذي كان موالياً لنظام الأسد وصامتاً، ومنه من كان مشجعاً، حيال بطشه وإجرامه بحق الشعب السوري، وبصورة خاصة بعد 2011. فضلاً عن أن هذا التصنيف سيء بوجه خاص حين يشمل مثقفي الشأن العام، فالدور الأساسي للمثقف المحترم هو النقد وملاحقة الأخطاء، وليس "الولاء".
ومن ناحية أخرى، هناك من يركز على الطبيعة غير المدنية للقوى الجديدة، وعلى رفضها المشاركة، كما يركزون على المجازر الطائفية وعلى الانتهاكات المستمرة، هؤلاء يحملون الحكم الجديد المسؤولية، وخصوصاً أن الممارسات الفصائلية الطائفية لم تتوقف طوال الشهور الستة المنصرمة، ولم يصدر عن السلطات المسؤولة اعتراف صريح بها، أو صوت مسؤول يوضح ما يجري ويطمئن الأهالي، كما لم يُحاسَب المرتكبون، نقول إن من يركز على هذا الجانب، فإنه سوف يصنف، من قبل مخالفيه، في خانة المعادين للحكم الجديد، بما ينطوي عليه هذا التصنيف من تضمينات مقصودة، مثل النسب إلى جمهور نظام الأسد المنهار، ومثل الاتهام بالطائفية إذا صدف أن الشخص يتحدر من منبت علوي.
إلى جانب هذين الموقفين، يوجد موقف جذري يرفض أي اعتراف أو تعامل مع الإدارة الجديدة، على اعتبار أن القوى المسيطرة فيها طائفية الصميم وتحمل فكراً يناقض السعي إلى بناء دولة وطنية أصلاً. ولا يبخل الواقع السوري بعناصر تساند أصحاب هذا الموقف.
رغم حدة الجدالات بين هذه المواقف الكلامية، إلا أنها في الحقيقة تشكل طبقة رقيقة من الصراع، ولا تأثير مهماً لها فيه. الصراع الحقيقي في سوريا اليوم هو صراع بين انغلاق السلطة الحالية ونزوعها الاحتكاري من جهة وسعي المجتمع إلى كسر هذا الانغلاق والاحتكار، السعي الذي كان في أصل الثورة السورية. الصراع اليوم هو حول شكل الحكم وحول تحديد علاقة السلطة بالمجتمع.
المفارقة البارزة في سوريا خلال الشهور الستة المنصرمة، هي أن العنف يبرز حيث لا يوجد صراع حقيقي. عنف مستمر ضد فئة (العلويين) لم تبد أي مقاومة (إذا استثنينا الأعمال العسكرية الإجرامية التي خطط لها ونفذها بعض بقايا النظام في السادس من آذار/مارس ضد دوريات وحواجز الأمن العام)، ولا تشكل أي تهديد فعلي، والأبرز هو أنها لا تحمل أي مطالب سياسية، بعد أن أُفرغت سياسياً وبات سقف ما تريد، عقب التحطيم المادي والمعنوي الذي تتعرض له منذ سيطرة الفصائل الإسلامية، هو الاطمئنان على الحياة، وهو ما دفع البعض منها للمطالبة بحماية خارجية، على خلفية غياب أي حماية أكانت ذاتية أو من جانب الدولة.
العنف الطائفي المتواصل لا يعبر عن صراع لأنه وحيد الجانب، إنه بالأحرى استباحة تتعرض لها فئة لا تبدي أي مقاومة، ولا تبدي حتى دفاعاً عن النفس. ولكن لهذا العنف وظيفة تتجاوز كونه وسيلة إشباع ميول انتقامية تشد جمهور حول السلطة الجديدة، وإشباع حاجة المقاتلين وغير المقاتلين إلى الغنائم، إلى كونه وسيلة لتهميش الصراع الحقيقي والمجدي، وللتغطية على الخلل العميق الذي تتم صناعته وترسيخه في بناء الدولة. على سبيل المثال بات من المألوف اعتبار التوقف عن سؤال العابرين عن هويتهم الطائفية، أو تراجع نسبة القتل والاعتداءات الطائفية، أو اعتقال أحد المعتدين ... الخ، إنجازاً يستدعي التفاؤل بتطور السلطة "عفوياً" نحو حكم مدني. على المستوى الشعبي يمكن ملاحظة فاعلية العنف المذكور من الارتياح الذي يعبر عنه الناس لمجرد أن الحواجز لا تعترض طريقهم ولا تزعجهم. هذا مؤشر على فاعلية العنف الكيفي في استهلاك طاقة الجمهور بدل تكريسها لإنتاج شكل حكم متوازن.
من الملاحظ أن السلطة الحاكمة في دمشق اليوم لا تعمل على وضع حد للعنف الطائفي المتنقل والمستمر بوتيرة منخفضة. يكفي أن يبقى العنف دون حدود المجازر التي يمكن أن تثير الرأي العام العالمي، طالما أن المجتمع السوري تعود على قبول هذا العنف. ويتماشى مع ذلك غياب الإعلام الرسمي، ذلك أن غموض موقف السلطات مما يجري من عنف يزيد من فاعليته في النفوس، ويحرر السلطات من العبء، ولاسيما أن هناك جيش من "الإعلاميين" غير الرسميين يتولون رواية السلطة، دون أن يتحملوا أي مسؤولية ودون أن تكون السلطة ملزمة بما يقولون، ومن ضمن هؤلاء من ينشر تهديدات وتحريضاً طائفياً لا تتبناه السلطة، كيلا تتحمل مسؤوليته، ولا تمنعه، كيلا تخسر تأثيره، بل تتركه يفعل ترهيباً في النفوس، ويدفع الناس للنظر إلى السلطات الصامتة بوصفها الملاذ من "جمهور" متطرف. هذا يشير إلى أن العنف "غير الرسمي" المنخفض الشدة الجاري في سوريا، ليس أمراً عارضاً إنما هو نمط الحكم الذي تجيده، دون غيره، الفصائل، وأن هذا العنف قابل للتنقل من منطقة إلى أخرى، وقابل لتغيير الجماعات المستهدفة، بحسب ضرورات إدامة السيطرة على المجتمع.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حدث سياسي فاصل وانعكاسات نفسية متحركة
- رفع العقوبات و-الممانعة- الجديدة في سوريا
- التصورات الطائفية تدمر الدولة السورية
- لماذا يتراجع الوطنيون السوريون؟
- نجاة سوريا في التضامن الأهلي
- سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية
- مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري
- إدمان على الاستبداد
- الحقيقة ليست مزاراً، عن جدوى النقاش
- سورية ملونة وليست ألواناً
- الخطر الجاري الذي يهدد مستقبل سوريا
- درس علوي في سورية يجدر تأمله
- مخاطر الانتقال إلى سوريا جديدة
- عن مظاهرات السوريين العلويين
- هل انتصرت الثورة في سوريا؟
- الموالون وتلاشي نظام الأسد
- عن سورية والتطورات الأخيرة
- نزوع الضحية إلى السيطرة
- انتصارات إسرائيل الخاسرة
- عن اللوثة الطائفية في سوريا


المزيد.....




- تحويلات المصريين بالخارج تقترب من 30 مليار دولار خلال 10 أشه ...
- ربما تم إنشاؤه بالذكاء الاصطناعي.. ما حقيقة فيديو قصف إسرائي ...
- تراث أصفهان الفارسي والمواجهة بين إيران وإسرائيل
- غضب في مدينة البندقية على حفل زفاف جيف بيزوس ولورين سانشيز
- يسمع ضجيج القنابل قبل صوت أمه.. عن طفل رضيع في مستشفيات غزة ...
- -فائقو الثراء- في ألمانيا يمتلكون أكثر من ربع إجمالي الأصول ...
- صحيفة روسية: هل هناك من يستطيع تزويد طهران بالقنبلة النووية؟ ...
- ترامب: يمكن للصين مواصلة شراء النفط الإيراني
- فيتنام تحاكم 41 متهما في قضية فساد بقيمة 45 مليون دولار
- صحف إسرائيلية: هدنة ترامب تريح طهران وتنعش مفاوضات غزة


المزيد.....

- كذبة الناسخ والمنسوخ _حبر الامة وبداية التحريف / اكرم طربوش
- كذبة الناسخ والمنسوخ / اكرم طربوش
- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - الاستباحة تغطي صراعاً في سوريا