أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - عيد الشارع














المزيد.....

عيد الشارع


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 15:42
المحور: الادب والفن
    


ثمة في بلجيكا عيد لا موعد محدداً له، ليس إحياء لذكرى دينية أو دنيوية، فهو لا يحمل اسم قديس ولا اسم حدث ديني خارق أو مهم، ولا يلتزم بتاريخ انتصار دنيوي ما. كما أنه لا يستعيد طقوساً قديمة ولا يحفل بالطقوس أساساً. إنه لا يحفل بشيء خارج حياة الناس العادية في هذه اللحظة وفي هذا المكان. إنه حياة الناس العادية وقد توهجت تواصلاً ولهواً وكثافة في الود. حتى اسمه "عيد الشارع"، مليء بالعادية التي غالباً ما ندير الظهر لها بحثاً عن "خوارق".
يستمد هذا العيد قيمته من فرح الناس ومتعة اجتماعهم وخروجهم على الروتين اليومي. هو عيد الناس الذين يعيشون هنا ويرغبون في الاحتفال بهناء عيشهم. ليس عيداً محدداً سلفاً فيفرض تاريخه على الناس، بل يختار الناس موعده وفق ما يلائم أجندة أعمالهم، وهو لذلك ليس عيداً على مستوى وطني، إنه عيد أهالي "الشارع"، يختارون الوقت الذي يناسبهم ويشتركون معاً في إعطاء هذا الوقت معنى عادياً جميلاً. يشتركون في إعداد المكان وتأمين مستلزمات المأكل والمشرب واللهو. ومن جانبها تشجع البلديات هذا النشاط الاجتماعي التواصلي. فتعطي لأهل الحي الحق في إغلاق شارع الحي بوجه السيارات، وتتبرع للأهالي أيضاً بمبلغ من المال يضيفونه إلى ما يجمعونه من بعضهم البعض لشراء مستلزمات العيد.
في عيد الشارع يتحول شارع السيارات إلى ملعب آمن للأطفال والكبار معاً. يتحول الشارع من مكان عام قد لا يراعي ضعف الطفل وخراقاته، إلى مساحة آمنة بعد أن تمنع السيارات من المرور باستخدام حواجز معدنية مخصصة لقطع الطرقات توزعها البلدية. يصبح الشارع العام ملكاً خاصاً مؤقتاً لأهل الشارع، فيجعلونه شارعاً مناسباً لسيارات الأطفال الكهربائية ولآلياتهم المختلفة وللهوهم ولعبهم وطيشهم. يرسمون بالطباشير أشكال وحدود ملاعبهم. تراقبهم فترى كيف تفور طاقتهم وتتسرب على هيئة ضحك صاخب وحركات فائضة. في الشارع ينصبون الشباك للعب بالريشة الطائرة، وينصبون سلة عالية للتنافس في مهارات كرة السلة، وينصبون في مكان آخر عموداً معدنياً يرتبط به من ثلثه العلوي خيط مطاطي ينتهي بطابة تنس بشكل يسمح للمرء أن يلعب التنس بمفرده، يضرب الطابة بالمضرب فترتد له الطابة من حيث لا يتوقع فيختبر بذلك سرعة انتباهه وردود أفعاله. إلى جانب هذه الرياضات المعهودة يمتلئ المكان بالعاب ومنافسات مبتكرة: المرور تحت خيط مشدود بالانحناء إلى الخلف بدلاً من الانحناء إلى الأمام، القدرة على إخراج الماء من الفم على شكل نافورة وأنت في وضعية الاستلقاء، من هو الطفل الذي يستطيع الاستمرار لفترة أطول في تقليد الدجاجة بأن يصدر صوت الدجاجة مع رفرفة يديه المثنيتين إلى الصدر على شكل جناحين، من هو الطفل الأسرع في تعليق ورقة الإجابة الخاصة به على حبل بملقط غسيل بعد أن ينتهي من جمع وطرح الأعداد ..الخ.
يعج الشارع بالحركة، وتعج طاولة الكبار بالأحاديث. أحاديث مرتجلة ومبعثرة، كان لسورية ومأساتها نصيب فيها. رجل كبير في السبعين من العمر، يبدو أن لديه بعض الاطلاع، يقول: إن ما يجري في سوريا اليوم وما جرى في فلسطين من قبل يجعلني أشك بوجود إله رحيم. آخرون قالوا إنهم لا يعرفون ما يجري في الخارج، لكنهم مستعدون للمساعدة. امرأة عجوز كانت تستمع طوال الوقت، أضافت: الإنسان أخو الإنسان أينما كان.
تراقب هؤلاء الناس الذين دعوك إلى "عيدهم" وتبدأ صورة الأوروبي الفعلي تتشكل في ذهنك على حساب الصورة الافتراضية. ما يتم تداوله على أنه انعزالية وأنانية وفوقية هو في الواقع فضاء للحرية الشخصية لا أكثر. وما يتم تداوله على أنه عدم اكتراث بالآخر، هو في الحقيقة جهل بالآخر. المفارقة أن الأوروبي معزول إعلامياً بشكل شبه تام. لا يكاد يرى الأوروبي إعلاماً آخر سوى إعلام بلاده. يثق به ويكتفي به، وبالتالي يجعل نفسه عرضة لإعلام واحد. من هذه الناحية ترى المواطن العربي أكثر انفتاحاً. العربي تدفعه شكوكه بالإعلام المحلي للبحث عن إعلام آخر توفره له تكنولوجيا الاتصالات.
تتغير الأحاديث الجماعية، وبعد قليل تتبعثر الجماعة إلى مجموعات صغيرة، ثم تتبعثر الأحاديث وتتجاور. ضجة الشارع تملأ المكان. بعد حين، تصل السيارة التي هي بمثابة مطبخ متنقل، وتوزع على المحتفلين ما يطلبونه من طعام يُضاف إلى ما سبق للمحتفلين أن أعدوه.
ينتهي عيد الشارع في المساء. ترفع الحواجز المعدنية والألعاب، ويستعيد الشارع وظيفته الأولى كجزء من شبكة الطرق. تبقى آثار الطبشور على الشارع تدل على العيد المنقضي الذي سوف يتكرر غداً أو بعد غد في شارع آخر أو شوارع أخرى. وتبقى الهاوية بين شوارع الموت في سوريا وبين هذه الشوارع قبراً مفتوحاً لفرح السوريين.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستباحة تغطي صراعاً في سوريا
- حدث سياسي فاصل وانعكاسات نفسية متحركة
- رفع العقوبات و-الممانعة- الجديدة في سوريا
- التصورات الطائفية تدمر الدولة السورية
- لماذا يتراجع الوطنيون السوريون؟
- نجاة سوريا في التضامن الأهلي
- سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية
- مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري
- إدمان على الاستبداد
- الحقيقة ليست مزاراً، عن جدوى النقاش
- سورية ملونة وليست ألواناً
- الخطر الجاري الذي يهدد مستقبل سوريا
- درس علوي في سورية يجدر تأمله
- مخاطر الانتقال إلى سوريا جديدة
- عن مظاهرات السوريين العلويين
- هل انتصرت الثورة في سوريا؟
- الموالون وتلاشي نظام الأسد
- عن سورية والتطورات الأخيرة
- نزوع الضحية إلى السيطرة
- انتصارات إسرائيل الخاسرة


المزيد.....




- مصر.. وفاة الفنان بهاء الخطيب خلال مباراة والعثور على -تيك ت ...
- فيلم -درويش-.. سينما مصرية تغازل الماضي بصريا وتتعثّر دراميا ...
- شهدت سينما السيارات شعبية كبيرة خلال جائحة كورونا ولكن هل يز ...
- ثقافة الحوار واختلاف وجهات النظر
- جمعية البستان سلوان تنفذ مسابقة س/ج الثقافية الشبابية
- مهرجان الجونة 2025 يكشف عن قائمة أفلامه العالمية في برنامجه ...
- بيت المدى يحتفي بمئوية نزار سليم .. الرسام والقاص وأبرز روا ...
- الرواية الملوَّثة التي تسيطر على الغرب
- تركيا تعتمد برنامجا شاملا لتعليم اللغة التركية للطلاب الأجان ...
- مسرحية -طعم الجدران مالح-.. الألم السوري بين توثيق الحكايات ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - راتب شعبو - عيد الشارع