أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن الفكرة الانتصارية المنتشرة في سوريا














المزيد.....

عن الفكرة الانتصارية المنتشرة في سوريا


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 8512 - 2025 / 10 / 31 - 12:01
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


تنتشر في النقاشات السورية اليوم فكرة قديمة وسطحية ولكنها لا تموت، تقول إن الانتصار دليل على صواب المنتصر. تظهر هذه الفكرة اليوم لدى جمهور يريد أن يقول إن انتصار هيئة تحرير الشام ومحيطها الفصائلي في سوريا هو دليل على صحة نهجها، ويعيدون النظر في كل انتقاد سابق على ضوء هذا الانتصار. يجتمع كثيرون على تنزيه المنتصر في كل زمان، الانتهازيون وطلاب السلطة والمتملقون والجبناء والموالون للقوي ... الخ. لكن المقلق أن قطاع واسع من الشعب السوري، يشارك هؤلاء نظرتهم، بعد أن توصل، بفعل الإجرام المديد لنظام الأسد، إلى اختصار الصواب بفعل واحد هو إسقاط النظام دون أي شيء آخر. مصدر القلق هو أن نشوة الخلاص من نظام الأسد، تعيق الكثير من الناس عن ملاحظة العمل الحثيث لأهل السلطة الجديدة على تأسيس نظام شبيه، سيجدون نفسهم ضحيته، ولكن حين يغدو من العسير عليهم إصلاحه.
عند بعض المهتمين بالشأن العام السوري، ممن يعبرون عن أفكارهم السياسية للعموم بطرق مختلفة، تتحول هذه الفكرة الانتصارية إلى مدخل لتبخيس أفكار وتصورات الوطنيين السلميين والديموقراطيين السوريين الذين "فشلوا" لأنهم لا يجيدون لغة الخنادق، ولأنه تبين أن طريقهم لا يصل بأصحابه إلى القصر الرئاسي، وهكذا فإن عليهم اليوم أن لا "يعارضوا" المنتصرين بل عليهم أن يتعلموا منهم بالأحرى.
يذكر هذا الميل الانتصاري المنتشر بالقصة التالية: في يوم صيفي حار وقف رجلان على مفرق الطريق المؤدي إلى قريتهم. الأول فلاح فقير، والثاني رجل متعلم له منصب في الدولة ولكنه نزيه في عمله فلم يستغل منصبه للاغتناء واقتناء سيارة خاصة تحميه من مشقة انتظار سيارة عابرة تنقله إلى قريته. وسط ثقل الانتظار تحت شمس حارقة توجه الفلاح إلى رفيق انتظاره وقال: أعلم أنك رجل نزيه ولم تنخرط في الفساد كغيرك، ولكني أقول لك بكل قناعة، إن مرور أحد الفاسدين بسيارته الخاصة الآن وتوقفه لإنقاذنا من هذا الحريق، أفضل عندي من كل نزاهتك.
هذا الفلاح صادق مع نفسه فيما يقول، ولكن لا شك أنه لم يدر في خلده أن الفاسد الذي يمكن أن ينقذه من الحريق، هو السبب في مشكلته. لولا الفساد، لتوفرت وسائل نقل عامة كافية لنقل الأهالي من وإلى قراهم، وهكذا يصبح، في ذهن الفلاح، سبب المشكلة هو الحل. هكذا تختلط الأمور لدى الانتصاريين، فتبدو لهم أفكار المعارضة السلمية الديموقراطية التي لم تستطع إسقاط النظام، هي المشكلة ويبدو الحل في القوى التي تشبهت بالنظام وانتهت إلى الحكم، وعلينا، بمعية انتصارها، أن نرحب بأفكارها ونهجها.
على الرغم من سطحية القول الانتصاري وتبعاته السيئة، إلا أنه لا يخلو، مع ذلك، من وجاهة، ذلك أن إسقاط نظام من نمط نظام الأسد يكاد يكون مستحيلاً دون قوة عسكرية مضادة، وأن توفر هذه القوة القادرة على الوقوف في وجه نظام كهذا، يتطلب توفر عنصرين، الأول هو عصبية قادرة على التعبئة والحشد من أجل قتال مكلف وطويل الأمد ويتطلب تضحيات كبيرة، والثاني هو الدعم الخارجي. وقد كشف الواقع السوري بعد 2011 أن القوتين الأساسيتين اللتين صمدتا خلال سنوات الصراع الطويلة توفر لهما هذان العنصران. قوات سوريا الديموقراطية ذات العصب القومي، وهيئة تحرير الشام ذات العصب الديني، وقد توفر لكل منهما دعم خارجي مهم، في الجوانب السياسية والمالية والعسكرية.
هذه الحقيقة ليست من حسن حظ السوريين، ولا أمثالهم في العالم، لأن القوة التي يمكنها إزاحة نظام تسلطي وعنيف وفاسد، تحتاج إلى أن تكون مثله متسلطة وعنيفة وفاسدة، ذلك لأنه من المتعذر على قوة تحترم القيم الوطنية وقيم العدل والإنسانية أن تصمد في صراع يختار فيه النظام القائم عدم الاستسلام، بل المواجهة بكل ما لديه من وسائل، كما فعل نظام الأسد. على هذا يصح القول إن الانتصار في مثل هذه الصراعات هو دليل على "سوء" المنتصر بالأحرى، لأن ما قاده إلى النصر هو، في الواقع، تشابهه مع المهزوم في آليات التعبئة وفي العنف والتجاوز على الحقوق وعلى القيم. مع ذلك يبقى في مثل هذا النصر جانبين مضيئين يحسن استثمارهما، الأول هو سقوط النظام القديم وما يفتح ذلك من احتمالات جيدة لصالح البلاد، والثاني هو غضاضة عود المنتصرين في الحكم، وهو ما يسمح بمعالجة عيوبهم، قبل أن يترسخ "نظامهم" ويمارسون تشابههم مع النظام السابق من موقع النظام هذه المرة وليس من موقع مواجهة النظام. هذا يقتضي العمل على تصحيح عيوب المنتصرين، قبل أن تتصلب مع الزمن وتصبح بحاجة إلى مواجهات عنيفة تشبه المواجهات مع النظام السابق، مواجهات لن يصمد فيها، كما قلنا، إلا قوى مشابهة تستند أيضاً إلى العصبية وإلى الدعم الخارجي، مع رجوح غلبة الميل الانعزالي في الحال السوري المستجد، كما يبدو جلياً في جنوب وشمال وغرب سوريا.
الانتقال الجدي من زمن إسقاط النظام إلى زمن بناء الدولة الجديدة، يقتضي من النخبة السورية الوطنية، المتحررة من العصبيات غير الوطنية ومن الولاءات الخارجية، الدخول الشجاع في الصراع المستجد على شكل الحكم، والعمل على الحد من حرية السلطات في تهشيم القيم الوطنية، والعمل على تحرير السياسة من أشكال العصبيات المنتعشة اليوم، من مذهبية ودينية وعرقية وعشائرية.
بعد أن كان الصراع العنيف خلال العقد المنصرم قد أدى إلى تهميش النخبة الوطنية السورية، يأتي اليوم الوقت الذي تلعب فيه هذه النخبة دوراً أساسياً في معارضة خطوات السيطرة الكاملة للمنتصرين على مفاصل الدولة، وفي حماية البلاد من الدخول في مسار انقسامي وتسلطي جديد. لا ينبغي المضي في تثمين فعل إسقاط النظام السابق إلى حدود التغاضي عن بناء نظام مشابه، سوف يدفع البلاد، في الظروف الجديدة، إلى التشظي. لا ينبغي أن يقود تثميننا للنصر، إلى التخلي عما نريد (دولة قانون وطنية) لصالح ما يريده المنتصر (دولة غلبة مذهبية)، وإلا فإننا نجعل من "الانتصار" بوابة لكارثة تالية.



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المجزرة ترضي الجمهور
- سوريا، شعب طيب ومسؤولون أشرار
- عيد الشارع
- الاستباحة تغطي صراعاً في سوريا
- حدث سياسي فاصل وانعكاسات نفسية متحركة
- رفع العقوبات و-الممانعة- الجديدة في سوريا
- التصورات الطائفية تدمر الدولة السورية
- لماذا يتراجع الوطنيون السوريون؟
- نجاة سوريا في التضامن الأهلي
- سوريا، أوقات مسحورة ولكنها واقعية
- مسؤوليتنا في أحداث الساحل السوري
- إدمان على الاستبداد
- الحقيقة ليست مزاراً، عن جدوى النقاش
- سورية ملونة وليست ألواناً
- الخطر الجاري الذي يهدد مستقبل سوريا
- درس علوي في سورية يجدر تأمله
- مخاطر الانتقال إلى سوريا جديدة
- عن مظاهرات السوريين العلويين
- هل انتصرت الثورة في سوريا؟
- الموالون وتلاشي نظام الأسد


المزيد.....




- مصر.. شمس البارودي عاشت أسبوعًا -قاسيًا- بالتزامن مع ذكرى رح ...
- ماذا تناول ترامب خلال رحلته الآسيوية؟.. ونظرة على عادات طعام ...
- تعقيدات عميقة ومخاطر دبلوماسية.. ترامب يأمر باستئناف التجارب ...
- -نزوح واسع من الأبيض بعد سيطرة الدعم السريع على الفاشر-.. ما ...
- تصعيد إسرائيلي في جنوب لبنان: قتيل في كونين وعون يطالب المجت ...
- ألمانيا تدعو لنزع سلاح حزب الله ولاحترام إسرائيل سيادة لبنان ...
- الولايات المتحدة.. لوحة فنية تفاعلية على خط سريع في كاليفورن ...
- إسرائيل تعيد جثامين 30 فلسطينيا إلى غزة ومقتل ثلاثة أشخاص في ...
- اليمن: ما الخيارات المتبقية أمام جماعة الحوثيين بعد تراجع ال ...
- هل تعالج ضريبة زوكمان أزمة ديون فرنسا البالغة أكثرمن 3000 مل ...


المزيد.....

- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - راتب شعبو - عن الفكرة الانتصارية المنتشرة في سوريا