|
|
مَرَضُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ (الإِبْدَاعِيَّةِ) فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ:
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 21:50
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
المُقَدِّمَة لَمْ تَعُدْ أَزْمَةُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ الإِبْدَاعِيَّةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ ظَاهِرَةً عَارِضَةً أَوْ اِخْتِلَالًا مَرْحَلِيًّا يُمْكِنُ تَجَاوُزُهُ بِالخِطَابِ التَّصَالُحِيِّ أَوْ بِالدَّعْوَاتِ الإِنْشَائِيَّةِ إِلَى الحِوَارِ وَالتَّسَامُحِ. بَلْ أَضْحَتْ هَذِهِ الأَزْمَةُ بِنْيَةً مُتَجَذِّرَةً فِي صُلْبِ العَلَاقَاتِ الثَّقَافِيَّةِ، وَنِتَاجًا مُرَكَّبًا لِعَوَامِلَ نَفْسِيَّةٍ وَقِيَمِيَّةٍ وَتَارِيخِيَّةٍ، أَفْضَتْ إِلَى مَا يُمْكِنُ تَسْمِيَتُهُ، دُونَ مُبَالَغَةٍ، بِـ(مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ (الإِبْدَاعِيَّةِ) إِنَّ مَا يَمِيزُ هَذَا المَرَضَ لَيْسَ فَقَطْ تَفَكُّكُ العَلَاقَاتِ بَيْنَ المُثَقَّفِينَ وَالمُبْدِعِينَ، وَلَا عَجْزُهُمْ عَنِ التَّشَارُكِ فِي مَشْرُوعٍ ثَقَافِيٍّ جَامِعٍ، بَلْ تَحَوُّلُ الفَضَاءِ الثَّقَافِيِّ نَفْسِهِ إِلَى سَاحَةِ صِرَاعٍ شَخْصِيٍّ، تَسُودُهُ المُنَافَسَةُ غَيْرُ الشَّرِيفَةِ، وَيُسْتَخْدَمُ فِيهِ الإِبْدَاعُ لَا كَوَسِيلَةِ إِثْرَاءٍ مَعْرِفِيٍّ، بَلْ كَأَدَاةِ إِقْصَاءٍ وَتَحْطِيمٍ وَتَصْفِيَةِ حِسَابَاتٍ. وَمِنْ مَنْظُورٍ فِلْسَفِيٍّ، لَا يُمْكِنُ فَهْمُ هَذَا السُّلُوكِ إِلَّا فِي إِطَارِ مَا يُسَمِّيهِ فِلَاسِفَةُ الاِعْتِرَافِ (أَزْمَةَ الاِعْتِرَافِ الوُجُودِيِّ)، حَيْثُ لَا يُدْمِّرُ الفَرْدُ الآخَرَ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُ فَحَسْب، بَلْ لِأَنَّ وُجُودَهُ الإِبْدَاعِيَّ يُشَكِّلُ مِرْآةً فَاضِحَةً لِنَقْصِهِ الدَّاخِلِيِّ. فَالإِبْدَاعُ الأَصِيلُ لَا يُهَدِّدُ الأَفْكَارَ فَقَط، بَلْ يُهَدِّدُ الأَنَا الهَشَّةَ الَّتِي بَنَتْ ذَاتَهَا عَلَى الاِدِّعَاءِ لَا عَلَى الفِعْلِ. وَيَنْطَلِقُ هَذَا البَحْثُ مِنْ مُسَلَّمَةٍ أَسَاسِيَّةٍ تَتَبَنَّاهَا (مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ)، وَمُفَادُهَا أَنَّ جَوْهَرَ هَذَا المَرَضِ لَا يُفْهَمُ فَهْمًا حَقِيقِيًّا إِلَّا إِذَا نُقِلَ النِّقَاشُ مِنْ سَطْحِ الخِلَافَاتِ الإِيدِيُولُوجِيَّةِ وَالشِّعَارَاتِ الثَّقَافِيَّةِ إِلَى أَعْمَاقِ الدَّوَافِعِ النَّفْسِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي تُحَرِّكُ سُلُوكَ النُّخَبِ. فَالحَسَدُ، وَالغِيرَةُ، وَالشُّعُورُ الحَادُّ بِالنَّقْصِ، لَيْسَتْ ظَوَاهِرَ هَامِشِيَّةً فِي الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ المَشْرِقِيِّ، بَلْ تُشَكِّلُ أَحَدَ مُحَرِّكَاتِهِ الخَفِيَّةِ الأَكْثَرِ فَاعِلِيَّةً. وَفِي الإِطَارِ السُّوسْيُولُوجِيِّ، يُمْكِنُ قِرَاءَةُ هَذِهِ الظَّاهِرَةِ بِوَصْفِهَا نِتَاجًا لِتَوَزُّعٍ مَرَضِيٍّ لِـ(رَأْسِ المَالِ الرَّمْزِيِّ) فِي الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ المَشْرِقِيِّ، حَيْثُ لَا يَتَحَدَّدُ المَوْقِعُ الثَّقَافِيُّ بِحَجْمِ الإِنْجَازِ الإِبْدَاعِيِّ، بَلْ بِقُدْرَةِ الفَاعِلِ عَلَى بِنَاءِ شَبَكَاتِ وَلَاءٍ، وَتَشْكِيلِ تَحَالُفَاتٍ تَحْمِي الهُوِيَّةَ المُدَّعَاةَ مِنْ أَيِّ تَحَدٍّ حَقِيقِيٍّ. وَهُنَا، يَتَحَوَّلُ الحَسَدُ مِنْ شُعُورٍ فَرْدِيٍّ إِلَى آليَّةٍ جَمَاعِيَّةٍ لِضَبْطِ الحَقْلِ وَمَنْعِ الاِخْتِرَاقِ الإِبْدَاعِيِّ. فِي سِيَاقٍ يَفْتَقِرُ إِلَى مَعَايِيرَ عَادِلَةٍ لِلِاعْتِرَافِ وَالتَّقْيِيمِ، وَفِي بِيئَةٍ ثَقَافِيَّةٍ تُكَافِئُ الصَّوْتَ الأَعْلَى لَا العَمَلَ الأَعْمَقَ، يَتَحَوَّلُ ظُهُورُ مُبْدِعٍ حَقِيقِيٍّ، أَوْ اخْتِلَافُهُ الجِذْرِيُّ فِي الرُّؤْيَةِ وَالمَنْهَجِ، إِلَى تَهْدِيدٍ وُجُودِيٍّ لِكَثِيرٍ مِمَّنْ يَتَّخِذُونَ مِنْ صِفَةِ (المُبْدِعِ) هُوِيَّةً شَكْلِيَّةً تُغَطِّي فَرَاغًا دَاخِلِيًّا عَمِيقًا. وَمِنْ هُنَا، لَا يَجْرِي التَّعَامُلُ مَعَ المُخَالِفِ أَوِ المُتَفَوِّقِ إِبْدَاعِيًّا بِمَنْطِقِ النِّقَاشِ وَالنَّقْدِ، بَلْ بِمَنْطِقِ التَّشْوِيهِ، وَتَأْلِيفِ القِصَصِ، وَالاِنْقِضَاضِ عَلَى السُّمْعَةِ وَالشَّرَفِ الرَّمْزِيِّ، وَأَحْيَانًا الإِنْسَانِيِّ. وَهُنَا يَبْرُزُ البُعْدُ الأَخْلَاقِيُّ لِلمَسْأَلَةِ، حَيْثُ لَا يَكْتَفِي الفَاعِلُ الثَّقَافِيُّ المَرِيضُ بِنَقْدِ النَّصِّ أَوِ المَوْقِفِ، بَلْ يَنْزَلِقُ إِلَى اِنْتِهَاكِ الذَّاتِ، وَتَحْوِيلِ الصِّرَاعِ الإِبْدَاعِيِّ إِلَى صِرَاعٍ أَخْلَاقِيٍّ وَشَخْصِيٍّ. وَهَذَا الاِنْزِلَاقُ لَيْسَ عَرَضًا، بَلْ دَلِيلٌ عَلَى غِيَابِ الفَصْلِ بَيْنَ القِيمَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ وَالقِيمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَعَلَى عَجْزِ الذَّاتِ عَنِ احْتِمَالِ الاِخْتِلَافِ كَشَرْطٍ لِلْحُرِّيَّةِ. وَتَتَعَزَّزُ هَذِهِ المُمَارَسَاتُ فِي سِيَاقٍ ثَقَافِيٍّ مَشْرِقِيٍّ لَا يَزَالُ يَحْمِلُ، فِي وَعْيِهِ الجَمْعِيِّ، مَقُولَاتٍ تُسَاهِمُ فِي شَرْعَنَةِ الاِنْحِيَازِ الأَعْمَى، مِثْلَ مَقُولَةِ: (اِنْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا)، حَيْثُ تُفْهَمُ – وَتُطَبَّقُ يَوْمِيًّا – فَهْمًا يُفْرِغُهَا مِنْ سِيَاقِهَا الأَخْلَاقِيِّ، وَيَجْعَلُهَا أَدَاةً لِحِمَايَةِ الظُّلْمِ، وَتَبْرِيرِ الاِعْتِدَاءِ الرَّمْزِيِّ، وَتَحْوِيلِ التَّكَاتُفِ الثَّقَافِيِّ إِلَى شَبَكَاتِ تَضَامُنٍ زَائِفٍ ضِدَّ الحَقِّ وَالاِخْتِلَافِ. وَمِنْ زَاوِيَةٍ سُوسْيُولُوجِيَّةٍ، لَا يَعْكِسُ هَذَا السُّلُوكُ تَضَامُنًا حَقِيقِيًّا، بَلْ نَمَطًا مِنْ (العَصَبِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ) الَّتِي تُعِيدُ إِنْتَاجَ ذَاتِهَا تَحْتَ أَقْنِعَةٍ حَدَاثِيَّةٍ. فَتَتَشَكَّلُ جَمَاعَاتُ مَغْلَقَةٌ تُدَافِعُ عَنْ أَعْضَائِهَا لَا بِوَصْفِهِمْ مُبْدِعِينَ، بَلْ بِوَصْفِهِمْ (مِنَّا)، وَيُقْصَى الآخَرُ لَا لِرَدَاءَةِ مَنْتَجِهِ، بَلْ لِخُرُوجِهِ عَنِ الشَّبَكَةِ. إِنَّ هَذَا البَحْثَ لَا يَسْعَى إِلَى مُجَامَلَةِ النُّخَبِ، وَلَا إِلَى اِخْتِلَاقِ خِطَابٍ دِبْلُومَاسِيٍّ يُخَفِّفُ مِنْ حِدَّةِ التَّشْخِيصِ، بَلْ يَنْطَلِقُ مِنْ قَنَاعَةٍ مَعْرِفِيَّةٍ رَاسِخَةٍ بِأَنَّ الأَمْرَاضَ العَمِيقَةَ لَا تُعَالَجُ بِاللَّبَاقَةِ، وَلَا تُشْفَى بِاللُّغَةِ المُنَمَّقَةِ، بَلْ بِالتَّعَرِّي أَمَامَ الحَقَائِقِ، وَبِتَسْمِيَةِ الأَشْيَاءِ بِأَسْمَائِهَا، وَبِمُوَاجَهَةِ البِنْيَاتِ المَرَضِيَّةِ دُونَ خَوْفٍ أَوْ تَوَاطُؤٍ. وَعَلَيْهِ، يَسْعَى هَذَا العَمَلُ إِلَى تَفْكِيكِ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ مِنْ خِلَالِ ثَلَاثَةِ مَسَارَاتٍ مُتَكَامِلَةٍ: أَوَّلُهَا تَأْصِيلٌ مَفْهُومِيٌّ وَنَظَرِيٌّ لِمَعْنَى النُّخْبَةِ وَالإِبْدَاعِ وَالمَرَضِ الثَّقَافِيِّ؛ وَثَانِيهَا تَحْلِيلٌ جِذْرِيٌّ لِلْأُسُسِ التَّارِيخِيَّةِ وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ وَالهُوِيَّاتِيَّةِ الَّتِي أَفْضَتْ إِلَى هَذِهِ الحَالَةِ؛ وَثَالِثُهَا اِسْتِشْرَافُ آفَاقِ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ، لَا مِنْ مَنْطِقِ المُصَالَحَاتِ الشَّكْلِيَّةِ، بَلْ مِنْ مَنْطِقِ إِعَادَةِ بِنَاءِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الإِبْدَاعِ وَالأَخْلَاقِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ. وَبِهَذَا، يَتَّخِذُ هَذَا البَحْثُ مَوْقِفًا فِلْسَفِيًّا وَسُوسْيُولُوجِيًّا صَرِيحًا، يَرْفُضُ اِخْتِزَالَ الأَزْمَةِ فِي أَفْكَارٍ أَوْ خِطَابَاتٍ، وَيُصِرُّ عَلَى قِرَاءَتِهَا كَأَزْمَةِ بِنْيَةٍ، وَأَزْمَةِ أَخْلَاقٍ، وَأَزْمَةِ ذَاتٍ ثَقَافِيَّةٍ لَمْ تَحْسِمْ بَعْدُ عَلاَقَتَهَا بِالإِبْدَاعِ كَفِعْلِ حُرِّيَّةٍ، لَا كَوَسِيلَةِ تَعْوِيضٍ نَفْسِيٍّ. كما وَيَتَبَيَّنُ، فِي سِيَاقِ هٰذَا التَّشْخِيصِ، أَنَّ أَخْطَرَ مَا يُفْرِزُهُ مَرَضُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ لَا يَتَوَقَّفُ عِنْدَ حُدُودِ تَفَكُّكِ الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ أَوْ اِنْسِدَادِ أُفُقِ الحِوَارِ فِيهِ، بَلْ يَتَعَدَّاهُ إِلَى مَا يُخَلِّفُهُ مِنْ أَثَرٍ وُجُودِيٍّ عَمِيقٍ عَلَى الذَّاتِ المُبْدِعَةِ نَفْسِهَا. فَفِي بِيئَةٍ ثَقَافِيَّةٍ تُكَافِئُ الاِنْتِمَاءَ أَكْثَرَ مِمَّا تُكَافِئُ الإِبْدَاعَ، وَتُقَدِّمُ الوَلَاءَ عَلَى القِيمَةِ، يَجِدُ المُبْدِعُ الأَصِيلُ نَفْسَهُ فِي وَضْعٍ مُفَارِقٍ، حَيْثُ يُقَابَلُ نِتَاجُهُ بِالتَّجَاهُلِ أَوِ التَّشْكِيكِ أَوِ التَّشْوِيهِ، لَا لِضَعْفِهِ، بَلْ لِكَوْنِهِ يُعَرِّي هَشَاشَةَ بِنًى رَاسِخَةٍ عَلَى الاِدِّعَاءِ. وَمِنْ هُنَا، يَتَحَوَّلُ الإِبْدَاعُ مِنْ فِعْلِ تَوَاصُلٍ إِلَى سَبَبٍ لِلْقَطِيعَةِ، وَمِنْ أُفُقٍ لِلاِنْتِمَاءِ إِلَى مَصْدَرٍ لِلاِغْتِرَابِ. وَيُقَارِبُ هٰذَا البَحْثُ هٰذِهِ الحَالَةَ مِنَ الاِغْتِرَابِ لَا بِوَصْفِهَا قَدَرًا فَرْدِيًّا أَوْ مَأْزِقًا نَفْسِيًّا مَعْزُولًا، بَلْ كَنَتِيجَةٍ بِنْيَوِيَّةٍ مُبَاشِرَةٍ لِمَرَضٍ ثَقَافِيٍّ يُعِيدُ إِنْتَاجَ نَفْسِهِ عَبْرَ آَلِيَّاتِ الإِقْصَاءِ وَالاِحْتِكَارِ وَتَجْفِيفِ فُرَصِ الاِعْتِرَافِ. فَحِينَ تَنْسَدُّ أُفُقَاتُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ دَاخِلَ المُجْتَمَعِ، يُدْفَعُ المُبْدِعُ إِمَّا إِلَى الاِنْسِحَابِ الدَّاخِلِيِّ، وَإِمَّا إِلَى الهِجْرَةِ المَكَانِيَّةِ وَالرَّمْزِيَّةِ، حَيْثُ يَجِدُ فِي بِيئَاتٍ أُخْرَى مَا حُرِمَ مِنْهُ فِي سِيَاقِهِ الأَصْلِيِّ، مِنِ اعْتِرَافٍ وَشُرُوطٍ أَوْضَحَ لِلتَّقْيِيمِ وَالتَّلَقِّي. وَمِنْ هٰذَا المُنْطَلَقِ، لَا يَكْتَمِلُ تَحْلِيلُ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ دُونَ وَضْعِ الاِغْتِرَابِ فِي قَلْبِ الإِشْكَالِيَّةِ، لَا كَعَرَضٍ جَانِبِيٍّ، بَلْ كَإِشَارَةٍ كَاشِفَةٍ لِاِنْسِدَادِ أُفُقِ المُثَاقَفَةِ، وَلِتَحَوُّلِ الإِبْدَاعِ مِنْ فِعْلِ وِلَادَةٍ مُتَجَدِّدَةٍ إِلَى هُوِيَّةٍ دِفَاعِيَّةٍ مُغْلَقَةٍ. وَعَلَيْهِ، يَتَوَزَّعُ هٰذَا البَحْثُ عَلَى مَسَارَاتٍ تَحْلِيلِيَّةٍ مُتَرَابِطَةٍ، تَبْدَأُ بِتَأْسِيسٍ مَفْهُومِيٍّ وَنَظَرِيٍّ لِظَاهِرَةِ مَرَضِ النُّخَبِ، وَتَنْتَقِلُ إِلَى تَفْكِيكِ جُذُورِهَا التَّارِيخِيَّةِ وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ وَالهُوِيَّاتِيَّةِ، ثُمَّ تَتَوَقَّفُ عِنْدَ تَجَلِّيَاتِهَا الخِطَابِيَّةِ وَالإِبْدَاعِيَّةِ، وَتَخْتِمُ بِتَحْلِيلِ أَثَرِهَا الوُجُودِيِّ عَلَى المُبْدِعِ المُغْتَرِبِ، قَبْلَ أَنْ تَسْتَشْرِفَ آفَاقَ تَجَاوُزِ هٰذَا المَأْزِقِ عَبْرَ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ وَإِعَادَةِ الاِعْتِبَارِ لِلْمُشْتَرَكِ الإِنْسَانِيِّ. أوّلًا: حُدُودُ البَحْثِ 1-الحُدُودُ المَوْضُوعِيَّةُ يَنْحَصِرُ هَذَا البَحْثُ فِي دِرَاسَةِ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ (الإِبْدَاعِيَّةِ) فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ، مِنْ حَيْثُ جُذُورُهُ النَّفْسِيَّةُ وَتَجَلِّيَاتُهُ الثَّقَافِيَّةُ، وَآفَاقُ تَجَاوُزِهِ عَبْرَ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ. وَلَا يَتَنَاوَلُ البَحْثُ تَقْيِيمَ الأَعْمَالِ الإِبْدَاعِيَّةِ فَنِّيًّا، وَلَا يَدْخُلُ فِي دِرَاسَاتٍ نَقْدِيَّةٍ نَصِّيَّةٍ مُفَصَّلَةٍ، كَمَا لَا يَسْتَهْدِفُ تَسْمِيَةَ أَشْخَاصٍ أَوْ تَوْثِيقَ حَالَاتٍ فَرْدِيَّةٍ بِأَسْمَائِهَا، بَلْ يَعْتَمِدُ التَّحْلِيلَ البِنْيَوِيَّ وَالنَّمَطِيَّ لِلظَّاهِرَةِ. 2-الحُدُودُ الزَّمَنِيَّةُ يُرَكِّزُ البَحْثُ عَلَى الفَتْرَةِ المُعَاصِرَةِ، وَلَا سِيَّمَا مَا بَعْدَ تَشَكُّلِ الدَّوْلَةِ الوَطَنِيَّةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ، مَعَ الاِسْتِئْنَاسِ بِبَعْضِ الاِمْتِدَادَاتِ التَّارِيخِيَّةِ حَيْثُ تَقْتَضِي الضَّرُورَةُ التَّفْسِيرِيَّةُ ذَلِكَ، دُونَ الدُّخُولِ فِي دِرَاسَةٍ تَارِيخِيَّةٍ تَسْلُسُلِيَّةٍ شَامِلَةٍ. 3-الحُدُودُ المَكَانِيَّةُ يَنْحَصِرُ نِطَاقُ البَحْثِ فِي فَضَاءِ المَشْرِقِ العَرَبِيِّ، بِمَا يَحْمِلُهُ مِنْ خُصُوصِيَّاتٍ ثَقَافِيَّةٍ، وَاجْتِمَاعِيَّةٍ، وَتَارِيخِيَّةٍ، مَعَ الإِقْرَارِ بِإِمْكَانِيَّةِ تَقَاطُعِ بَعْضِ النَّتَائِجِ مَعَ سِيَاقَاتٍ ثَقَافِيَّةٍ أُخْرَى، دُونَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَوْضُوعَ البَحْثِ الأَسَاسِيَّ. ثانيًا: تَعْرِيفُ المُصْطَلَحَاتِ المَفْتَاحِيَّةِ 1-مَرَضُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ (الإِبْدَاعِيَّةِ) يُقْصَدُ بِهِ مَجْمُوعَةُ الاِخْتِلَالَاتِ النَّفْسِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ وَالعَلَائِقِيَّةِ الَّتِي تُصِيبُ النُّخَبَ الثَّقَافِيَّةَ، وَتُفْضِي إِلَى تَحَوُّلِ الإِبْدَاعِ مِنْ فِعْلٍ خَلَّاقٍ إِلَى أَدَاةِ صِرَاعٍ وَإِقْصَاءٍ وَتَدْمِيرٍ رَمْزِيٍّ. 2-النُّخْبَةُ الثَّقَافِيَّةُ تُطْلَقُ عَلَى الفَاعِلِينَ فِي الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ وَالإِبْدَاعِيِّ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ أَثَرًا رَمْزِيًّا أَوْ مَوْقِعًا تَأْثِيرِيًّا، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ نَاتِجًا عَنْ إِنْجَازٍ حَقِيقِيٍّ أَوْ عَنْ شَبَكَاتِ نُفُوذٍ وَاعْتِرَافٍ مُتَبَادَلٍ. 3-الوِلَادَةُ الإِبْدَاعِيَّةُ تُشِيرُ إِلَى فِعْلِ خَلْقٍ مُتَجَدِّدٍ، تَتَشَكَّلُ فِيهِ الذَّاتُ الإِبْدَاعِيَّةُ مَعَ كُلِّ عَمَلٍ أَصِيلٍ، دُونَ أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى هُوِيَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ لَقَبٍ دَائِمٍ. 4-الحَسَدُ وَالغِيرَةُ يُقْصَدُ بِهِمَا فِي هَذَا البَحْثِ لَا كَانْفِعَالَيْنِ عَابِرَيْنِ، بَلْ كَبِنْيَتَيْنِ نَفْسِيَّتَيْنِ تُنَظِّمَانِ السُّلُوكَ الإِقْصَائِيَّ وَالتَّدْمِيرِيَّ فِي الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ. مَنْهَجِيَّةُ البَحْثِ وَإِجْرَاءَاتُهُ يَعْتَمِدُ هٰذَا البَحْثُ مَقَارَبَةً مَنْهَجِيَّةً مُتَعَدِّدَةَ الأَبْعَادِ، تَتَكَامَلُ فِيهَا المَنَاهِجُ الوَصْفِيَّةُ–التَّحْلِيلِيَّةُ، وَالتَّارِيخِيَّةُ، وَالنَّقْدِيَّةُ، وَالمُقَارَنَةُ، ضِمْنَ إِطَارٍ ثَقَافِيٍّ–سُوسِيُولُوجِيٍّ يَنْظُرُ إِلَى الظَّاهِرَةِ المَدْرُوسَةِ بِوَصْفِهَا بِنْيَةً مُرَكَّبَةً لَا يُمْكِنُ فَهْمُهَا بِمَنْهَجٍ أُحَادِيٍّ. فَالْمَنْهَجُ الوَصْفِيُّ–التَّحْلِيلِيُّ يُسْتَخْدَمُ فِي رَصْدِ مَظَاهِرِ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ وَتَجَلِّيَاتِهِ الخِطَابِيَّةِ وَالإِبْدَاعِيَّةِ، فِيمَا يَتَوَلَّى المَنْهَجُ التَّارِيخِيُّ تَتَبُّعَ سِيَاقَاتِ تَشَكُّلِ النُّخَبِ وَتَحَوُّلِ أَدْوَارِهَا فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ. أَمَّا المَنْهَجُ النَّقْدِيُّ، فَيُوَظَّفُ فِي تَفْكِيكِ خِطَابَاتِ الإِقْصَاءِ وَالعُنْفِ الرَّمْزِيِّ، وَفِي تَمْيِيزِ النَّقْدِ المَعْرِفِيِّ عَنِ التَّشْهِيرِ وَالتَّخْوِينِ. وَيَسْتَأْنِسُ البَحْثُ بِالمَنْهَجِ المُقَارَنِ، لَا بِوَصْفِهِ مُقَارَنَةً نِظَامِيَّةً شَامِلَةً، بَلْ كَأُفُقٍ تَحْلِيلِيٍّ يُسَاعِدُ عَلَى إِبْرَازِ خُصُوصِيَّةِ الحَالَةِ المَشْرِقِيَّةِ، وَذٰلِكَ مِنْ خِلَالِ الإِشَارَةِ إِلَى نَمَاذِجَ مَرْجِعِيَّةٍ فِي إِدَارَةِ الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ، كَتَجَارِبِ المُؤَسَّسَاتِ الثَّقَافِيَّةِ، وَآلِيَّاتِ الاِعْتِرَافِ وَالتَّحْكِيمِ فِي بِيئَاتٍ أُخْرَى، دُونَ الاِدِّعَاءِ بِإِجْرَاءِ مُقَارَنَةٍ كَمِّيَّةٍ مُكْتَمِلَةٍ. وَتَتَمَثَّلُ مَادَّةُ البَحْثِ فِي تَحْلِيلِ خِطَابَاتٍ ثَقَافِيَّةٍ وَإِبْدَاعِيَّةٍ، وَفِي رَصْدِ أَنْسَاقٍ مُتَكَرِّرَةٍ فِي المُمَارَسَاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَالإِعْلَامِيَّةِ، دُونَ الاِرْتِكَازِ إِلَى دِرَاسَةٍ مَيْدَانِيَّةٍ إِحْصَائِيَّةٍ، بِمَا يَنْسَجِمُ مَعَ الطَّبِيعَةِ النَّظَرِيَّةِ–التَّحْلِيلِيَّةِ لِلْبَحْثِ. وَفِي مَا يَتَعَلَّقُ بِحُدُودِ الاِسْتِدْلَالِ، يَلْتَزِمُ البَحْثُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَ الأَحْكَامِ الوَصْفِيَّةِ وَالاِتِّجَاهَاتِ الغَالِبَةِ، فَيَسْتَخْدَمُ تَعْبِيرُ (يَمِيلُ إِلَى) وَ(يَظْهَرُ أَنَّ) عِنْدَ تَحْلِيلِ الظَّوَاهِرِ العَامَّةِ، تَجَنُّبًا لِلتَّعْمِيمِ المُطْلَقِ، وَحِفَاظًا عَلَى الدِّقَّةِ العِلْمِيَّةِ. الفصل الثاني الجذور النفسية لمرض النخب الثقافية (الإبداعية) تمهيد الفصل يَنْطَلِقُ هَذَا الفَصْلُ مِنْ فَرْضِيَّةٍ أَسَاسِيَّةٍ، مُفَادُهَا أَنَّ أَزْمَةَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ لَا يُمْكِنُ فَهْمُهَا اِنْطِلَاقًا مِنَ الخِطَابَاتِ أَوِ الاِنْتِمَاءَاتِ فَقَط، بَلْ يَجِبُ تَفْكِيكُهَا فِي مُسْتَوَاهَا النَّفْسِيِّ العَمِيقِ، حَيْثُ تَتَشَكَّلُ الدَّوَافِعُ، وَتَنْبَنِي آليَّاتُ الدِّفَاعِ، وَتَتَحَوَّلُ الأَزْمَةُ الإِبْدَاعِيَّةُ إِلَى سُلُوكٍ تَدْمِيرِيٍّ مُنَظَّمٍ. المبحث الأوّل: الشُّعُورُ بِالنَّقْصِ وَأَزْمَةُ الاِعْتِرَافِ يُشَكِّلُ الشُّعُورُ بِالنَّقْصِ النَّفْسِيِّ أَحَدَ الأَسُسِ الجَوْهَرِيَّةِ لِمَرَضِ النُّخَبِ. فَفِي بِيئَةٍ يَغِيبُ فِيهَا التَّقْيِيمُ العَادِلُ، يَسْعَى الفَرْدُ إِلَى تَعْوِيضِ فَقْدَانِ الاِعْتِرَافِ الحَقِيقِيِّ بِتَضْخِيمِ الذَّاتِ، وَبِتَبَنِّي هُوِيَّةِ «المُبْدِعِ» بَدَلًا مِنْ مُجَابَهَةِ سُؤَالِ الإِبْدَاعِ نَفْسِهِ. وَعِنْدَمَا يَظْهَرُ مُبْدِعٌ آخَرُ يُجَسِّدُ فِعْلَ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، يَتَحَوَّلُ هَذَا الظُّهُورُ إِلَى تَهْدِيدٍ نَفْسِيٍّ، لَا لِأَنَّهُ يُنَافِسُ، بَلْ لِأَنَّهُ يَفْضَحُ العُقْمَ. المبحث الثاني: الحسد والغيرة كآليّات دفاع لَا يَعْمَلُ الحَسَدُ وَالغِيرَةُ هُنَا كَمُشَاعِرَ طَبِيعِيَّةٍ، بَلْ كَآلِيَّاتِ دِفَاعٍ نَفْسِيٍّ ضِدَّ الاِنْكَشَافِ. فَتَدْمِيرُ الآخَرِ يُغْنِي عَنْ مُوَاجَهَةِ الذَّاتِ، وَالتَّشْهِيرُ يُغْنِي عَنِ الإِنْتَاجِ، وَإِسْقَاطُ النَّقَائِصِ عَلَى الغَيْرِ يُمَكِّنُ مِنَ الاِسْتِمْرَارِ فِي وَهْمِ التَّفَوُّقِ. المبحث الثالث: العنف الرمزي والتشهير يَتَجَسَّدُ العُنْفُ الرَّمْزِيُّ فِي شَكْلِ تَدْمِيرٍ مُمَنْهَجٍ لِلسُّمْعَةِ، وَتَأْلِيفِ الرِّوَايَاتِ، وَتَشْوِيهِ السِّيَرِ، بِدَلًا مِنَ النِّقَاشِ النَّقْدِيِّ. وَهُوَ عُنْفٌ يَسْبِقُ أَحْيَانًا العُنْفَ المَادِّيَّ فِي أَثَرِهِ، لِأَنَّهُ يَسْتَهْدِفُ الوُجُودَ الرَّمْزِيَّ لِلْمُبْدِعِ. المبحث الرابع: من العجز الإبداعي إلى التواطؤ الجماعي لَا يَبْقَى المَرَضُ فَرْدِيًّا، بَلْ يَتَحَوَّلُ إِلَى شَبَكَاتِ تَوَاطُؤٍ، تُشَرْعِنُ التَّدْمِيرَ وَتُكَافِئُهُ، وَتُحَوِّلُ الحَسَدَ إِلَى قِيمَةٍ ضِمْنِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ. خاتمة الفصل يُظْهِرُ هَذَا الفَصْلُ أَنَّ مَرَضَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ لَيْسَ مَجَرَّدَ اِنْحِرَافٍ أَخْلَاقِيٍّ، بَلْ نِتَاجُ أَزْمَةٍ نَفْسِيَّةٍ عَمِيقَةٍ فِي العَلَاقَةِ بَيْنَ الذَّاتِ وَالإِبْدَاعِ وَالاِعْتِرَافِ. الفَصْلُ الأَوَّلُ الإِطَارُ المَفْهُومِيُّ وَالنَّظَرِيُّ لِمَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ تَمْهِيدُ الفَصْلِ يَقْتَضِي تَحْلِيلُ مَا يُصْطَلَحُ عَلَيْهِ فِي هٰذَا البَحْثِ بِـ(مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ) اِنْطِلَاقًا مِنْ إِطَارٍ مَفْهُومِيٍّ وَنَظَرِيٍّ صَارِمٍ، يُحَدِّدُ دِلَالَاتِ المَفَاهِيمِ المَرْكَزِيَّةِ الَّتِي يَتَأَسَّسُ عَلَيْهَا البَحْثُ، وَيَفْصِلُ بَيْنَ الاِسْتِخْدَامِ العِلْمِيِّ لَهَا وَبَيْنَ تَدَاوُلِهَا الإِنْشَائِيِّ أَوِ الإِيدِيُولُوجِيِّ. فَالنُّخْبَةُ، وَالثَّقَافَةُ، وَالإِبْدَاعُ، وَالمَرَضُ، لَيْسَتْ مَفَاهِيمَ بَدِيهِيَّةً أَوْ مُحَايِدَةً، بَلْ حُقُولٌ دِلَالِيَّةٌ مُتَشَابِكَةٌ تَخْتَلِفُ مَعَانِيهَا بِاخْتِلَافِ السِّيَاقَاتِ النَّظَرِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ. وَيَهْدِفُ هٰذَا الفَصْلُ إِلَى تَأْسِيسِ هٰذَا الإِطَارِ، مِنْ خِلَالِ تَفْكِيكِ مَفْهُومِ النُّخْبَةِ وَدَوْرِهَا، وَتَحْلِيلِ الثَّقَافَةِ كَحَقْلِ صِرَاعٍ، وَتَوْضِيحِ دَلَالَةِ (المَرَضِ) فِي التَّحْلِيلِ الثَّقَافِيِّ، ثُمَّ رَبْطِ ذٰلِكَ بِالنَّظَرِيَّاتِ المُعَاصِرَةِ لِدِرَاسَةِ أَزْمَاتِ النُّخَبِ، عَلَى أَنْ يُخْتَتَمَ الفَصْلُ بِمَبْحَثٍ نَظَرِيٍّ مُسْتَقِلٍّ يُقَدِّمُ(مَدْرَسَةَ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ) كَإِطَارٍ تَفْسِيرِيٍّ خَاصٍّ بِهٰذَا البَحْثِ. المَبْحَثُ الأَوَّلُ مَفْهُومُ النُّخْبَةِ وَالثَّقَافَةِ وَالإِبْدَاعِ أَوَّلًا: مَفْهُومُ النُّخْبَةِ فِي الفِكْرِ الاِجْتِمَاعِيِّ وَالثَّقَافِيِّ تُعَرَّفُ النُّخْبَةُ فِي الفِكْرِ الاِجْتِمَاعِيِّ عَلَى أَنَّهَا فِئَةٌ مَحْدُودَةٌ تَمْتَلِكُ أَشْكَالًا مُعَيَّنَةً مِنَ القُدْرَةِ أَوِ التَّأْثِيرِ، سَوَاءٌ كَانَ ذٰلِكَ مَعْرِفِيًّا أَمْ رَمْزِيًّا أَمْ سُلْطَوِيًّا. وَفِي السِّيَاقِ الثَّقَافِيِّ، تَرْتَبِطُ النُّخْبَةُ بِالْقُدْرَةِ عَلَى إِنْتَاجِ المَعْنَى، وَتَشْكِيلِ الذَّائِقَةِ، وَتَوْجِيهِ الخِطَابِ العَامِّ. غَيْرَ أَنَّ هٰذَا التَّعْرِيفَ يَغْدُو إِشْكَالِيًّا فِي المُجْتَمَعَاتِ المَشْرِقِيَّةِ، حَيْثُ لَا يَتَطَابَقُ مَوْقِعُ النُّخْبَةِ دَائِمًا مَعَ حَجْمِ الإِنْجَازِ الفِعْلِيِّ، بَلْ كَثِيرًا مَا يُبْنَى عَلَى عَوَامِلَ غَيْرِ مَعْرِفِيَّةٍ، مِثْلَ القُرْبِ مِنَ السُّلْطَةِ، أَوِ الاِنْتِمَاءِ إِلَى شَبَكَاتِ نُفُوذٍ، أَوِ الاِعْتِرَافِ المُتَبَادَلِ دَاخِلَ دَوَائِرَ مُغْلَقَةٍ. ثَانِيًا: النُّخَبُ الثَّقَافِيَّةُ وَالإِبْدَاعِيَّةُ: الخُصُوصِيَّةُ وَالدَّوْرُ تَكْمُنُ خُصُوصِيَّةُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ وَالإِبْدَاعِيَّةِ فِي كَوْنِهَا مَعْنِيَّةً، نَظَرِيًّا، بِتَجْدِيدِ الأُفُقِ المَعْرِفِيِّ، وَبِكِسْرِ الأَنْسَاقِ الجَامِدَةِ، وَبِمُوَاجَهَةِ السَّائِدِ وَالمُسْتَقِرِّ. إِلَّا أَنَّ هٰذَا الدَّوْرَ يَتَعَرَّضُ فِي السِّيَاقِ المَشْرِقِيِّ لِتَشَوُّهَاتٍ بِنْيَوِيَّةٍ، تَجْعَلُ جُزْءًا مِنْ هٰذِهِ النُّخَبِ يَنْقَلِبُ مِنْ وَظِيفَةِ النَّقْدِ إِلَى وَظِيفَةِ الحِرَاسَةِ، وَمِنَ التَّجْدِيدِ إِلَى تَكْرِيسِ الذَّاتِ. ثَالِثًا: وَظِيفَةُ المُثَقَّفِ فِي المُجْتَمَعِ المَشْرِقِيِّ يُفْتَرَضُ فِي المُثَقَّفِ أَنْ يَكُونَ وَسِيطًا بَيْنَ المَعْرِفَةِ وَالمُجْتَمَعِ، وَصَوْتًا نَقْدِيًّا يُسَائِلُ السُّلْطَةَ وَيُفَكِّكُ البَدَاهَاتِ. غَيْرَ أَنَّ وَاقِعَ المُثَقَّفِ المَشْرِقِيِّ يَكْشِفُ عَنْ تَحَوُّلٍ خَطِيرٍ، حَيْثُ يُسْتَبْدَلُ الدَّوْرُ النَّقْدِيُّ بِالاِصْطِفَافِ، وَيُسْتَعَاضُ عَنِ المَعْرِفَةِ بِالخِطَابِ التَّبْرِيرِيِّ، وَعَنِ السُّؤَالِ بِالتَّخْوِينِ. المَبْحَثُ الثَّانِي مَفْهُومُ (المَرَضِ) فِي التَّحْلِيلِ الثَّقَافِيِّ أَوَّلًا: الاِسْتِعَارَةُ المَرَضِيَّةُ فِي تَحْلِيلِ الظَّوَاهِرِ الثَّقَافِيَّةِ لَا يُسْتَخْدَمُ مَفْهُومُ (المَرَضِ) هُنَا عَلَى نَحْوٍ قِيَمِيٍّ أَوْ تَشْهِيرِيٍّ، بَلْ كَاسْتِعَارَةٍ تَحْلِيلِيَّةٍ تُحِيلُ إِلَى اخْتِلَالٍ مُسْتَدِيمٍ فِي وَظِيفَةِ نِظَامٍ مَا، وَعَجْزِهِ عَنِ التَّصْحِيحِ الذَّاتِيِّ. ثَانِيًا: مَتَى تَصِيرُ الظَّاهِرَةُ الثَّقَافِيَّةُ (مَرَضًا)؟ تُوصَفُ الظَّاهِرَةُ الثَّقَافِيَّةُ بِالمَرَضِيَّةِ عِنْدَمَا تَفْقِدُ قُدْرَتَهَا عَلَى تَجْدِيدِ ذَاتِهَا، وَتُعِيدُ إِنْتَاجَ أَسَالِيبِهَا الإِقْصَائِيَّةَ، وَتُكَافِئُ العُنْفَ الرَّمْزِيَّ بَدَلَ مُحَاسَبَتِهِ. ثَالِثًا: الفَرْقُ بَيْنَ الاِخْتِلَافِ الخَلَّاقِ وَالاِنْقِسَامِ المَرَضِيِّ يَبْقَى الاِخْتِلَافُ الخَلَّاقُ عَامِلَ إِثْرَاءٍ، مَا دَامَ يَسْتَنِدُ إِلَى الحِجَاجِ وَالنِّقَاشِ. أَمَّا الاِنْقِسَامُ المَرَضِيُّ فَيَقُومُ عَلَى الإِقْصَاءِ، وَتَجْرِيمِ المُخَالِفِ، وَتَدْمِيرِ وُجُودِهِ الرَّمْزِيِّ. المَبْحَثُ الثَّالِث الإِطَارُ النَّظَرِيُّ لِدِرَاسَةِ أَزْمَاتِ النُّخَبِ نَظَرِيَّاتُ النُّخَبِ وَالسُّلْطَةِ الرَّمْزِيَّةِ نَظَرِيَّاتُ الهُوِيَّةِ وَالصِّرَاعِ الثَّقَافِيِّ إِمْكَانِيَّاتُ تَوْطِينِ هٰذِهِ النَّظَرِيَّاتِ فِي السِّيَاقِ المَشْرِقِيِّ المَبْحَثُ الرَّابِعُ مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ: إِطَارٌ نَظَرِيٌّ تَفْسِيرِيٌّ أَوَّلًا: السِّيَاقُ النَّظَرِيُّ لِنُشُوءِ المَدْرَسَةِ تَنْطَلِقُ (مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ) مِنْ حَاجَةٍ نَظَرِيَّةٍ وَمَنْهَجِيَّةٍ إِلَى تَجَاوُزِ القِرَاءَاتِ التَّقْلِيدِيَّةِ الَّتِي تَحْصُرُ أَزْمَاتِ النُّخَبِ فِي عَوَامِلَ خَارِجِيَّةٍ، كَالسِّيَاسَةِ، أَوِ الاِقْتِصَادِ، أَوِ البِنَى المُؤَسَّسِيَّةِ، دُونَ النُّفُوذِ إِلَى البُعْدِ الدَّاخِلِيِّ الَّذِي يُشَكِّلُ السُّلُوكَ الثَّقَافِيَّ مِنْ دَاخِلِ الذَّاتِ المُبْدِعَةِ نَفْسِهَا. وَتُفَادِي هٰذِهِ المَدْرَسَةُ الاِنْزِلَاقَ إِلَى التَّحْلِيلِ النَّفْسِيِّ الفَرْدِيِّ المُنْعَزِلِ، كَمَا تَتَجَنَّبُ الاِكْتِفَاءَ بِالوَصْفِ السُّوسْيُولُوجِيِّ الخَارِجِيِّ، لِتُقَدِّمَ مَقَارَبَةً وَسَطِيَّةً تَرْبِطُ بَيْنَ بِنْيَةِ الذَّاتِ الإِبْدَاعِيَّةِ وَبَيْنَ آليَّاتِ الفِعْلِ الثَّقَافِيِّ فِي الحَقْلِ العَامِّ. ثَانِيًا: الإِبْدَاعُ بَوَصْفِهِ فِعْلَ وِلَادَةٍ لَا هُوِيَّةً ثَابِتَةً تُؤَسِّسُ مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ لِفَهْمٍ مُغَايِرٍ لِلإِبْدَاعِ، حَيْثُ لَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ كَصِفَةٍ دَائِمَةٍ، وَلَا كَلَقَبٍ يُمْنَحُ أَوْ يُتَدَاوَلُ، بَلْ كَفِعْلٍ يَتَحَقَّقُ فِي لَحْظَةِ الخَلْقِ نَفْسِهَا. فَالمُبْدِعُ، وَفْقَ هٰذَا التَّصَوُّرِ، لَا (يَكُونُ) مُبْدِعًا بِصِفَةٍ جَوْهَرِيَّةٍ، بَلْ (يُولَدُ) مَعَ كُلِّ فِعْلِ إِبْدَاعٍ أَصِيلٍ، وَيَخْتَفِي وَصْفُ الإِبْدَاعِ عِنْدَمَا يَنْقَطِعُ هٰذَا الفِعْلُ. وَمِنْ هُنَا، تَرَى هٰذِهِ المَدْرَسَةُ أَنَّ أَخْطَرَ مَا يُصِيبُ الحَقْلَ الثَّقَافِيَّ هُوَ تَحَوُّلُ الإِبْدَاعِ إِلَى هُوِيَّةٍ مُتَضَخِّمَةٍ، تَحْجُبُ عَنِ الذَّاتِ سُؤَالَ الخَلْقِ، وَتَجْعَلُهَا تَسْتَبْدِلُ الإِنْتَاجَ بِالدِّفَاعِ عَنِ المَكَانَةِ. ثَالِثًا: الاِدِّعَاءُ الإِبْدَاعِيُّ وَعَلَاقَتُهُ بِمَرَضِ النُّخَبِ تُفَرِّقُ مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ تَفْرِيقًا حَاسِمًا بَيْنَ الإِبْدَاعِ الحَقِيقِيِّ وَالاِدِّعَاءِ الإِبْدَاعِيِّ. فَحَيْثُ يَنْبَنِي الأَوَّلُ عَلَى السُّؤَالِ، وَالمُجَازَفَةِ، وَالقَلَقِ المَعْرِفِيِّ، يَنْبَنِي الثَّانِي عَلَى تَثْبِيتِ الصُّورَةِ، وَحِمَايَةِ اللَّقَبِ، وَمُنَافَسَةِ الآخَرِينَ لَا فِي مَجَالِ الإِنْتَاجِ، بَلْ فِي مَجَالِ الاِعْتِرَافِ. وَعِنْدَمَا يُهَدَّدُ هٰذَا الاِدِّعَاءُ بِظُهُورِ إِبْدَاعٍ أَصِيلٍ، تَنْشَطُ آليَّاتُ الدِّفَاعِ، فَيَتَحَوَّلُ النَّقْدُ إِلَى تَشْهِيرٍ، وَالاِخْتِلَافُ إِلَى تَخْوِينٍ، وَالمُنَافَسَةُ إِلَى تَدْمِيرٍ رَمْزِيٍّ. رَابِعًا: الحَسَدُ وَالغِيرَةُ كَبِنْيَةٍ دِفَاعِيَّةٍ مُنَظِّمَةٍ لَا تُقَارِبُ هٰذِهِ المَدْرَسَةُ الحَسَدَ وَالغِيرَةَ كَاِنْفِعَالَيْنِ نَفْسِيَّيْنِ عَابِرَيْنِ، بَلْ كَبِنْيَةٍ دِفَاعِيَّةٍ تَتَشَكَّلُ عِنْدَ الذَّاتِ الَّتِي عَجَزَتْ عَنِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ المُتَجَدِّدَةِ. فَكُلُّ إِبْدَاعٍ أَصِيلٍ يُشَكِّلُ، فِي هٰذَا السِّيَاقِ، تَهْدِيدًا وُجُودِيًّا، لَا لِأَنَّهُ يُقْصِي، بَلْ لِأَنَّهُ يَكْشِفُ. وَمِنْ هُنَا، يَتَحَوَّلُ الحَسَدُ إِلَى آلِيَّةٍ لِإِعَادَةِ تَوَازُنٍ زَائِفٍ، وَتُصْبِحُ مُحَارَبَةُ الآخَرِ بَدِيلًا عَنِ مُوَاجَهَةِ الذَّاتِ، وَتَدْمِيرُ الإِنْجَازِ بَدِيلًا عَنِ العَمَلِ. خَامِسًا: المَدْرَسَةُ كَجِسْرٍ نَظَرِيٍّ نَحْوَ تَحْلِيلِ الجُذُورِ النَّفْسِيَّةِ تُشَكِّلُ مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، فِي هٰذَا البَحْثِ، الجِسْرَ النَّظَرِيَّ الَّذِي يَرْبِطُ بَيْنَ الإِطَارِ المَفْهُومِيِّ وَالتَّحْلِيلِ النَّفْسِيِّ الَّذِي سَيُطَوَّرُ فِي الفَصْلِ الثَّانِي. فَهِي تُوَفِّرُ الأَدَوَاتِ الَّتِي تُفَسِّرُ كَيْفَ يَتَحَوَّلُ العَجْزُ الإِبْدَاعِيُّ إِلَى سُلُوكٍ إِقْصَائِيٍّ، وَكَيْفَ يُصْبِحُ الاِدِّعَاءُ هُوِيَّةً، وَكَيْفَ تَتَشَكَّلُ شَبَكَاتُ التَّوَاطُؤِ الثَّقَافِيِّ. وَبِهٰذَا، يَخْتَتِمُ الفَصْلُ الأَوَّلُ دَوْرَهُ التَّأْسِيسِيَّ، لِيَفْتَحَ الطَّرِيقَ أَمَامَ الاِنْتِقَالِ إِلَى دِرَاسَةِ الجُذُورِ النَّفْسِيَّةِ لِمَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ، عَلَى أَسَاسٍ نَظَرِيٍّ وَاضِحٍ وَمُتَمَاسِكٍ. تُمَثِّلُ (مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ)، بِمَا تَقْتَرِحُهُ مِنْ فَهْمٍ لِلإِبْدَاعِ كَفِعْلِ وِلَادَةٍ وُجُودِيَّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، إِطَارًا نَظَرِيًّا مُفْصِلِيًّا فِي تَفْسِيرِ الجُذُورِ النَّفْسِيَّةِ لِمَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ. فَهِي لَا تَكْتَفِي بِوَصْفِ السُّلُوكِ الإِقْصَائِيِّ أَوْ التَّدْمِيرِيِّ، بَلْ تَرُدُّهُ إِلَى بِنْيَةٍ دَاخِلِيَّةٍ أَعْمَقَ، تَتَّصِلُ بِعَجْزِ الذَّاتِ عَنِ الإِنْجَازِ الإِبْدَاعِيِّ الأَصِيلِ، وَبِاِنْقِطَاعِهَا عَنْ قُدْرَةِ (الوِلَادَةِ) مِنْ جَدِيدٍ. وَعَلَيْهِ، فَإِنَّ مَا يُظْهِرُهُ الفَصْلُ التَّالِي مِنْ تَحْلِيلٍ لِلْحَسَدِ، وَالغِيرَةِ، وَالشُّعُورِ بِالنَّقْصِ، وَالنَّزُوعِ إِلَى التَّشْهِيرِ وَتَدْمِيرِ السُّمْعَةِ، لَا يُقَارَبُ كَحَالَاتٍ نَفْسِيَّةٍ فَرْدِيَّةٍ مَعْزُولَةٍ، بَلْ كَتَجَلِّيَاتٍ لِأَزْمَةٍ وُجُودِيَّةٍ أَعَمَّ، يَتَحَوَّلُ فِيهَا الإِبْدَاعُ مِنْ فِعْلٍ خَلَّاقٍ إِلَى هُوِيَّةٍ دِفَاعِيَّةٍ، وَمِنْ مَجَالِ تَفَوُّقٍ إِلَى سَاحَةِ صِرَاعٍ. وَبِهَذَا، تُشَكِّلُ (مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ) الجِسْرَ النَّظَرِيَّ الَّذِي يَرْبِطُ بَيْنَ التَّشْخِيصِ الفِلْسَفِيِّ لِأَزْمَةِ الإِبْدَاعِ، وَبَيْنَ التَّحْلِيلِ النَّفْسِيِّ لِسُلُوكِ النُّخَبِ، وَهُوَ مَا يُمَكِّنُ مِنْ فَهْمِ المَرَضِ لَا كَاِنْحِرَافٍ عَارِضٍ، بَلْ كَنَتِيجَةٍ بِنْيَوِيَّةٍ لِتَشَوُّهِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الذَّاتِ، وَالإِبْدَاعِ، وَالاِعْتِرَافِ. الفَصْلُ الثَّانِي جُذُورُ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ تَمْهِيدُ الفَصْلِ يَسْتَحِيلُ فَهْمُ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ فَهْمًا عَمِيقًا مَا لَمْ يُقَارَبْ فِي جُذُورِهِ التَّارِيخِيَّةِ، وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَالهُوِيَّاتِيَّةِ. فَهٰذَا المَرَضُ لَا يَنْشَأُ فَجْأَةً، وَلَا يُفَسَّرُ بِانْحِرَافَاتٍ فَرْدِيَّةٍ مَعْزُولَةٍ، بَلْ هُوَ نِتَاجُ سِيَاقَاتٍ مُتَرَاكِمَةٍ شَكَّلَتْ بِنْيَةَ النُّخَبِ وَوَظَائِفَهَا، وَحَدَّدَتْ أُطُرَ عِلَاقَتِهَا بِالمُجْتَمَعِ وَالسُّلْطَةِ وَالهُوِيَّةِ. وَيَهْدِفُ هٰذَا الفَصْلُ إِلَى تَتَبُّعِ هٰذِهِ الجُذُورِ، لَا بِمَنْطِقِ السَّرْدِ التَّارِيخِيِّ، بَلْ بِمَنْطِقِ التَّحْلِيلِ البِنْيَوِيِّ الَّذِي يُبَيِّنُ كَيْفَ تَشَكَّلَتِ الأَزْمَةُ، وَكَيْفَ أُعِيدَ إِنْتَاجُهَا، وَكَيْفَ تَحَوَّلَتْ إِلَى نَمَطٍ ثَابِتٍ فِي أَدَاءِ جُزْءٍ وَاسِعٍ مِنَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ. المَبْحَثُ الأَوَّلُ الجُذُورُ التَّارِيخِيَّةُ أَوَّلًا: تَشَكُّلُ النُّخَبِ فِي سِيَاقِ الدَّوْلَةِ الحَدِيثَةِ اِرْتَبَطَ تَشَكُّلُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ بِسِيَاقِ نُشُوءِ الدَّوْلَةِ الحَدِيثَةِ، حَيْثُ أُعِيدَ تَشْكِيلُ الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ فِي ظِلِّ مَفَاهِيمَ جَدِيدَةٍ لِلسُّلْطَةِ، وَالتَّعْلِيمِ، وَالمَعْرِفَةِ. وَفِي هٰذَا السِّيَاقِ، لَمْ تَنْشَأِ النُّخَبُ دَائِمًا مِنْ دَاخِلِ حِرَاكٍ اِجْتِمَاعِيٍّ طَبِيعِيٍّ، بَلْ كَثِيرًا مَا تَشَكَّلَتْ فَوْقِيًّا، فِي ظِلِّ مَؤَسَّسَاتِ الدَّوْلَةِ، أَوْ بِرِعَايَةٍ مِنْ أَجْهِزَتِهَا. وَهٰذَا التَّشَكُّلُ الفَوْقِيُّ أَفْضَى إِلَى نُخَبٍ مَرْتَبِطَةٍ بِالدَّوْلَةِ أَكْثَرَ مِنِ ارْتِبَاطِهَا بِالمُجْتَمَعِ، وَإِلَى تَشَوُّهِ الدَّوْرِ الثَّقَافِيِّ، حَيْثُ أُفْرِغَ الإِبْدَاعُ مِنْ بُعْدِهِ النَّقْدِيِّ، وَأُعِيدَ تَوْجِيهُهُ لِيَخْدِمَ خِطَابَ الشَّرْعَنَةِ وَالبِنَاءِ الرَّمْزِيِّ لِلسُّلْطَةِ. ثَانِيًا: إِرْثُ الاِسْتِعْمَارِ وَتَفَكُّكُ المَشْرُوعِ الثَّقَافِيِّ لَا يُمْكِنُ تَجَاوُزُ أَثَرِ الاِسْتِعْمَارِ فِي تَشْكِيلِ النُّخَبِ وَفِي تَفَكُّكِ المَشْرُوعِ الثَّقَافِيِّ المَشْرِقِيِّ. فَقَدْ فَرَضَ الاِسْتِعْمَارُ نَمَاذِجَ مَعْرِفِيَّةً وَثَقَافِيَّةً مَقْطُوعَةً عَنْ سِيَاقِهَا الاِجْتِمَاعِيِّ، وَخَلَقَ فَجْوَةً بَيْنَ نُخَبٍ (مُتَغَرِّبَةٍ) وَقَاعِدَةٍ شَعْبِيَّةٍ مَقْطُوعَةٍ عَنِ المَشْرُوعِ الثَّقَافِيِّ الحَدِيثِ. وَبَعْدَ الاِسْتِقْلَالِ، لَمْ يُفْلِحْ كَثِيرٌ مِنَ النُّخَبِ فِي رَدْمِ هٰذِهِ الفَجْوَةِ، بَلْ أُعِيدَ إِنْتَاجُهَا بِصِيَغٍ جَدِيدَةٍ، مِمَّا أَفْضَى إِلَى غِيَابِ مَشْرُوعٍ ثَقَافِيٍّ جَامِعٍ، وَإِلَى تَحَوُّلِ الثَّقَافَةِ إِلَى فُسَيْفِسَاءَ مِنَ الخِطَابَاتِ المُتَنَافِسَةِ غَيْرِ المُتَكَامِلَةِ. ثَالِثًا: القَطِيعَةُ بَيْنَ النُّخَبِ وَالمُجْتَمَعِ أَدَّى هٰذَا المَسَارُ التَّارِيخِيُّ إِلَى تَعْمِيقِ القَطِيعَةِ بَيْنَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ وَالمُجْتَمَعِ، حَيْثُ لَمْ تَعُدِ النُّخَبُ تَعْكِسُ أَسْئِلَةَ المُجْتَمَعِ وَتَحَوُّلَاتِهِ، بَلْ أَصْبَحَتْ تَتَحَرَّكُ دَاخِلَ دَوَائِرَ مَغْلَقَةٍ، تُنْتِجُ خِطَابًا نُخْبَوِيًّا مُنْفَصِلًا عَنِ الوَاقِعِ. وَهُنَا يَبْدَأُ المَرَضُ فِي التَّجَذُّرِ، حِينَ يَتَحَوَّلُ الاِنْفِصَالُ عَنِ المُجْتَمَعِ إِلَى شُعُورٍ بِالاِسْتِعْلَاءِ، وَيُعَوَّضُ غِيَابُ التَّأْثِيرِ الحَقِيقِيِّ بِصِرَاعَاتٍ دَاخِلِيَّةٍ بَيْنَ النُّخَبِ نَفْسِهَا. المَبْحَثُ الثَّانِي الجُذُورُ الاِجْتِمَاعِيَّةُ وَالسِّيَاسِيَّةُ أَوَّلًا: عَلَاقَةُ النُّخَبِ بِالسُّلْطَةِ وَبِنْيَةِ الاِسْتِقْطَابِ تَشَكَّلَتْ عَلَاقَةُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ بِالسُّلْطَةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ عَلَى أَسَاسِ الاِسْتِقْطَابِ، حَيْثُ جَرَى تَصْنِيفُ المُثَقَّفِينَ بَيْنَ (مُوَالِينَ) وَ(مُعَارِضِينَ)، دُونَ فَسْحِ مَجَالٍ حَقِيقِيٍّ لِدَوْرٍ نَقْدِيٍّ مُسْتَقِلٍّ. وَفِي هٰذَا السِّيَاقِ، أُدْمِجَ جُزْءٌ مِنَ النُّخَبِ فِي مَشْرُوعِ السُّلْطَةِ، فَفَقَدَ قُدْرَتَهُ عَلَى المُسَاءَلَةِ، فِيمَا تَعَرَّضَ جُزْءٌ آخَرُ لِلتَّهْمِيشِ وَالإِقْصَاءِ. ثَانِيًا: التَّهْمِيشُ، وَالاِصْطِفَافُ، وَتَشَوُّهُ الدَّوْرِ الثَّقَافِيِّ أَدَّى هٰذَا النِّظَامُ الاِسْتِقْطَابِيُّ إِلَى تَشَوُّهِ الدَّوْرِ الثَّقَافِيِّ، حَيْثُ لَمْ يَعُدِ الاِنْتِمَاءُ إِلَى مَشْرُوعٍ ثَقَافِيٍّ هُوَ المِعْيَارَ، بَلْ الاِصْطِفَافُ السِّيَاسِيُّ أَوِ الإِيدِيُولُوجِيُّ. وَفِي هٰذَا المَنَاخِ، تَتَضَخَّمُ الصِّرَاعَاتُ الدَّاخِلِيَّةُ بَيْنَ النُّخَبِ، وَيَتَحَوَّلُ الإِبْدَاعُ إِلَى وَسِيلَةِ تَبْرِيرٍ أَوْ إِدَانَةٍ، لَا إِلَى فِعْلِ تَجْدِيدٍ. ثَالِثًا: الاِنْتِقَالُ مِنَ الوَظِيفَةِ النَّقْدِيَّةِ إِلَى الوَظِيفَةِ الإِيدِيُولُوجِيَّةِ يَتَجَلَّى مَرَضُ النُّخَبِ فِي أَوْضَحِ صُوَرِهِ عِنْدَمَا يَتَخَلَّى المُثَقَّفُ عَنْ وَظِيفَتِهِ النَّقْدِيَّةِ، وَيَتَحَوَّلُ إِلَى نَاطِقٍ بِاسْمِ أَيْدِيُولُوجِيَا مُعَيَّنَةٍ. فَيَفْقِدُ الخِطَابُ الثَّقَافِيُّ قُدْرَتَهُ عَلَى المُسَاءَلَةِ، وَيَتَحَوَّلُ إِلَى أَدَاةِ اِسْتِقْطَابٍ وَتَعْبِئَةٍ. المَبْحَثُ الثَّالِث الجُذُورُ الهُوِيَّاتِيَّةُ أَوَّلًا: العِرْقُ وَالقَوْمِيَّةُ كَعَوَامِلِ اِنْقِسَامٍ ثَقَافِيٍّ أَدَّى تَضَخُّمُ العَوَامِلِ العِرْقِيَّةِ وَالقَوْمِيَّةِ إِلَى تَحْوِيلِ الاِخْتِلَافِ الثَّقَافِيِّ إِلَى اِنْقِسَامٍ هُوِيَّاتِيٍّ، حَيْثُ يُقَيَّمُ المُبْدِعُ لَا بِمَا يُنْتِجُهُ، بَلْ بِانْتِمَائِهِ، وَيُسْتَبْعَدُ الآخَرُ لَا لِضَعْفِ إِبْدَاعِهِ، بَلْ لِأَنَّهُ (لَيْسَ مِنَّا) ثَانِيًا: الدِّينُ وَالمَذْهَبُ وَتَسْيِيسُ الإِبْدَاعِ يُسَاهِمُ تَسْيِيسُ الدِّينِ وَالمَذْهَبِ فِي تَعْمِيقِ هٰذِهِ الاِنْقِسَامَاتِ، حَيْثُ يُسْتَخْدَمُ الإِبْدَاعُ كَأَدَاةٍ لِلتَّعْبِئَةِ وَالإِقْصَاءِ، وَيُفْقَدُ بُعْدُهُ الإِنْسَانِيُّ وَالكَوْنِيُّ. ثَالِثًا: تَغَلُّبُ الهُوِيَّةِ الجُزْئِيَّةِ عَلَى الأُفُقِ الإِنْسَانِيِّ فِي ظِلِّ هٰذِهِ البِنْيَاتِ، تَتَغَلَّبُ الهُوِيَّاتُ الجُزْئِيَّةُ عَلَى الأُفُقِ الإِنْسَانِيِّ الأَوْسَعِ، فَيَضِيقُ الفَضَاءُ الثَّقَافِيُّ، وَتُغْلَقُ إِمْكَانَاتُ الحِوَارِ، وَيَتَحَوَّلُ الاِخْتِلَافُ إِلَى تَهْدِيدٍ وُجُودِيٍّ. خَاتِمَةُ الفَصْلِ يُبَيِّنُ هٰذَا الفَصْلُ أَنَّ مَرَضَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ نِتَاجُ تَشَابُكِ عَوَامِلَ تَارِيخِيَّةٍ، وَاجْتِمَاعِيَّةٍ، وَهُوِيَّاتِيَّةٍ، مَهَّدَتْ لِتَشَوُّهِ الدَّوْرِ الإِبْدَاعِيِّ وَلِتَحَوُّلِ الثَّقَافَةِ إِلَى سَاحَةِ صِرَاعٍ مَرَضِيٍّ. وَبِذٰلِكَ، يُمَهِّدُ هٰذَا الفَصْلُ لِلِانْتِقَالِ إِلَى الفَصْلِ الثَّالِثِ، الَّذِي سَيَتَنَاوَلُ التَّجَلِّيَاتِ النَّفْسِيَّةَ وَالسُّلُوكِيَّةَ لِهٰذَا المَرَضِ فِي خِطَابِ النُّخَبِ وَمُمَارَسَاتِهَا. الفَصْلُ الثَّالِثُ تَجَلِّيَاتُ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ الإِبْدَاعِيَّةِ تَمْهِيدُ الفَصْلِ إِذَا كَانَ الفَصْلُ السَّابِقُ قَدْ اِنْصَبَّ عَلَى تَفْكِيكِ الجُذُورِ التَّارِيخِيَّةِ وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالهُوِيَّاتِيَّةِ لِمَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ، فَإِنَّ هٰذَا الفَصْلَ يَنْتَقِلُ إِلَى دِرَاسَةِ تَجَلِّيَاتِهِ العَيَانِيَّةِ فِي الخِطَابِ، وَفِي المُنْتَجِ الإِبْدَاعِيِّ، وَفِي الدَّوْرِ الاِجْتِمَاعِيِّ الَّذِي تُؤَدِّيهِ النُّخَبُ. وَيَنْطَلِقُ هٰذَا التَّحْلِيلُ مِنْ فَرْضِيَّةٍ مَرْكَزِيَّةٍ، مُفَادُهَا أَنَّ المَرَضَ لَا يَبْقَى حَبِيسَ النِّيَّاتِ أَوِ البِنَى الدَّاخِلِيَّةِ، بَلْ يَتَجَسَّدُ فِي أَنْسَاقٍ خِطَابِيَّةٍ، وَمُمَارَسَاتٍ إِبْدَاعِيَّةٍ، وَعَلَاقَاتٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ تُعِيدُ إِنْتَاجَ الأَزْمَةِ وَتُرَسِّخُهَا. المَبْحَثُ الأَوَّلُ التَّجَلِّيَاتُ الفِكْرِيَّةُ وَالخِطَابِيَّةُ أَوَّلًا: خِطَابُ الإِقْصَاءِ وَالتَّخْوِينِ يُعَدُّ خِطَابُ الإِقْصَاءِ وَالتَّخْوِينِ مِنْ أَبْرَزِ التَّجَلِّيَاتِ الخِطَابِيَّةِ لِمَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ، حَيْثُ يَتَحَوَّلُ الاِخْتِلَافُ الفِكْرِيُّ أَوِ الجَمَالِيُّ إِلَى مُؤَشِّرِ شُبْهَةٍ، وَيُقْرَأُ التَّمَايُزُ الإِبْدَاعِيُّ عَلَى أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنِ (الصَّفِّ) أَوْ (الجَمَاعَةِ) فَبَدَلَ أَنْ يَكُونَ النَّقْدُ فِعْلًا مَعْرِفِيًّا، يُصْبِحُ أَدَاةً لِتَصْنِيفِ الأَفْرَادِ، وَبَدَلَ أَنْ يَفْتَحَ الخِطَابُ أُفُقَ الحِوَارِ، يُغْلِقُهُ بِتُهَمِ الخِيَانَةِ، أَوِ الاِرْتِبَاطِ، أَوِ الاِنْحِرَافِ عَنِ (الهُوِيَّةِ) المُتَخَيَّلَةِ. ثَانِيًا: تَفْرِيغُ المَفَاهِيمِ الثَّقَافِيَّةِ مِنْ مَضَامِينِهَا يَتَجَلَّى المَرَضُ أَيْضًا فِي تَفْرِيغِ المَفَاهِيمِ الثَّقَافِيَّةِ المَرْكَزِيَّةِ مِنْ مَضَامِينِهَا المَعْرِفِيَّةِ، وَتَحْوِيلِهَا إِلَى شِعَارَاتٍ تَعْبَوِيَّةٍ. فَتُسْتَخْدَمُ مَفَاهِيمُ كَـ(الحُرِّيَّةِ)، وَ(الاِلْتِزَامِ)، وَ(الأَصَالَةِ)، وَ(المُقَاوَمَةِ)دُونَ تَحْدِيدٍ نَظَرِيٍّ، وَدُونَ اِخْتِبَارٍ فِعْلِيٍّ فِي المُنْجَزِ الإِبْدَاعِيِّ. وَبِهٰذَا، يَتَحَوَّلُ المَفْهُومُ مِنْ أَدَاةٍ لِلْفَهْمِ وَالنَّقْدِ إِلَى وَسِيلَةٍ لِلشَّرْعَنَةِ أَوِ الإِقْصَاءِ، وَيَفْقِدُ الحَقْلُ الثَّقَافِيُّ قُدْرَتَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ المَعْنَى وَالاِدِّعَاءِ. ثَالِثًا: غِيَابُ الحِوَارِ وَتَفَكُّكُ المَجَالِ الثَّقَافِيِّ يُفْضِي تَسَلُّطُ خِطَابِ الإِقْصَاءِ إِلَى غِيَابِ الحِوَارِ الحَقِيقِيِّ، حَيْثُ يَحِلُّ التَّخَاطُبُ الأُحَادِيُّ مَحَلَّ التَّفَاعُلِ، وَتُسْتَبْدَلُ المُنَاظَرَةُ بِالتَّجَاهُلِ أَوِ التَّشْهِيرِ. وَمَعَ تَرَاكُمِ هٰذِهِ المُمَارَسَاتِ، يَتَفَكَّكُ المَجَالُ الثَّقَافِيُّ إِلَى جُزُرٍ مَنْعَزِلَةٍ، لِكُلِّ وَاحِدَةٍ خِطَابُهَا، وَمَرَاجِعُهَا، وَجُمْهُورُهَا، دُونَ أُفُقٍ مُشْتَرَكٍ لِلْحِوَارِ أَوِ التَّرَاكُمِ المَعْرِفِيِّ. المَبْحَثُ الثَّانِي التَّجَلِّيَاتُ الإِبْدَاعِيَّةُ أَوَّلًا: تَسْيِيسُ النَّصِّ الإِبْدَاعِيِّ يَنْعَكِسُ مَرَضُ النُّخَبِ فِي المَجَالِ الإِبْدَاعِيِّ مِنْ خِلَالِ تَسْيِيسِ النَّصِّ، حَيْثُ يُفْرَضُ عَلَى العَمَلِ الإِبْدَاعِيِّ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ مَوْقِفٍ سِيَاسِيٍّ أَوْ هُوِيَّاتِيٍّ مُسْبَقٍ، بَدَلَ أَنْ يُقَاسَ بِقُدْرَتِهِ عَلَى الخَلْقِ وَالاِبْتِكَارِ. وَفِي هٰذَا السِّيَاقِ، يُكْتَبُ كَثِيرٌ مِنَ النُّصُوصِ لِتُرْضِي جَمَاعَةً مَا، أَوْ لِتُؤَكِّدَ اِنْتِمَاءً مَا، لَا لِتُقَلْقِلَ المَأْلُوفَ أَوْ تَفْتَحَ أُفُقًا جَدِيدًا لِلتَّجْرِبَةِ. ثَانِيًا: ضُمُورُ الاِبْتِكَارِ وَتَكْرَارُ النَّمَاذِجِ يُؤَدِّي هٰذَا التَّوَجُّهُ إِلَى ضُمُورِ الاِبْتِكَارِ، حَيْثُ يَتَكَرَّرُ الاِعْتِمَادُ عَلَى نَمَاذِجَ جَاهِزَةٍ، أَوْ أَشْكَالٍ مَأْمُونَةٍ لَا تُثِيرُ الجَدَلَ، وَلَا تُهَدِّدُ المَكَانَةَ الرَّمْزِيَّةَ لِلنُّخَبِ القَائِمَةِ. وَهُنَا، يَتَحَوَّلُ التَّكْرَارُ إِلَى قِيمَةٍ ضِمْنِيَّةٍ، وَيُقَدَّمُ عَلَى أَنَّهُ (اِسْتِمْرَارٌ) أَوْ (وَفَاءٌ لِلتَّقْلِيدِ)، فِيمَا يَتِمُّ تَهْمِيشُ المُغَامَرَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ بِوَصْفِهَا مُخَاطَرَةً غَيْرَ مَحْمُودَةٍ. ثَالِثًا: الاِنْتِقَالُ مِنَ الإِبْدَاعِ إِلَى الاِصْطِفَافِ فِي ذِرْوَةِ هٰذِهِ السِّيرُورَةِ، يَنْتَقِلُ الفَاعِلُ الثَّقَافِيُّ مِنْ فِعْلِ الإِبْدَاعِ إِلَى مَنْطِقِ الاِصْطِفَافِ، فَيُعَرِّفُ ذَاتَهُ مِنْ خِلَالِ المَوْقِعِ الَّذِي يَحْتَلُّهُ فِي الصِّرَاعِ، لَا مِنْ خِلَالِ مَا يُنْتِجُهُ. وَبِهٰذَا، يَتَحَوَّلُ الإِبْدَاعُ إِلَى وَسِيلَةٍ لِتَعْزِيزِ الاِنْتِمَاءِ، لَا إِلَى فِعْلِ حُرِّيَّةٍ، وَيُفْرَغُ مِنْ جَوْهَرِهِ التَّجْرِيبِيِّ وَالإِنْسَانِيِّ. المَبْحَثُ الثَّالِث أَثَرُ المَرَضِ عَلَى الدَّوْرِ الاِجْتِمَاعِيِّ لِلنُّخَبِ أَوَّلًا: تَرَاجُعُ الدَّوْرِ التَّنْوِيرِيِّ مِنْ أَخْطَرِ نَتَائِجِ مَرَضِ النُّخَبِ تَرَاجُعُ دَوْرِهَا التَّنْوِيرِيِّ، حَيْثُ تَتَخَلَّى عَنِ المُبَادَرَةِ إِلَى طَرْحِ الأَسْئِلَةِ الكُبْرَى، وَتَنْكَمِشُ إِلَى دِفَاعٍ مُسْتَمِرٍّ عَنْ الذَّاتِ وَالمَوْقِعِ. ثَانِيًا: فَقْدَانُ الثِّقَةِ بَيْنَ النُّخَبِ وَالمُجْتَمَعِ يُؤَدِّي هٰذَا التَّرَاجُعُ إِلَى فَقْدَانِ الثِّقَةِ بَيْنَ النُّخَبِ وَالمُجْتَمَعِ، حَيْثُ يُنْظَرُ إِلَى المُثَقَّفِ عَلَى أَنَّهُ جُزْءٌ مِنَ الصِّرَاعَاتِ، لَا صَوْتًا نَقْدِيًّا مُسْتَقِلًّا. ثَالِثًا: إِعَادَةُ إِنْتَاجِ الأَزْمَةِ الثَّقَافِيَّةِ فِي النِّهَايَةِ، تُسَاهِمُ هٰذِهِ التَّجَلِّيَاتُ فِي إِعَادَةِ إِنْتَاجِ الأَزْمَةِ الثَّقَافِيَّةِ، حَيْثُ يَتَوَارَثُ المَجَالُ الثَّقَافِيُّ أَنْسَاقَ الإِقْصَاءِ، وَتُسْتَنْسَخُ المُمَارَسَاتُ نَفْسُهَا، دُونَ قَطْعٍ حَقِيقِيٍّ مَعَ أَسْبَابِهَا. خَاتِمَةُ الفَصْلِ يُظْهِرُ هٰذَا الفَصْلُ أَنَّ مَرَضَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ لَا يَبْقَى فِي مُسْتَوَى التَّشَكُّلِ البِنْيَوِيِّ، بَلْ يَتَجَسَّدُ فِي خِطَابٍ، وَإِبْدَاعٍ، وَعَلَاقَاتٍ اِجْتِمَاعِيَّةٍ تُفْقِدُ الثَّقَافَةَ دَوْرَهَا التَّنْوِيرِيَّ. وَبِذٰلِكَ، يُمَهِّدُ هٰذَا الفَصْلُ لِلِانْتِقَالِ إِلَى الفَصْلِ الرَّابِعِ، الَّذِي سَيُعَالِجُ آفَاقَ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ وَآلِيَّاتِ تَجَاوُزِ هٰذَا المَرَضِ. الفَصْلُ الرَّابِع: إِغْتِرَابُ المُبْدِعِ فِي ظِلِّ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ تَمْهِيدُ الفَصْلِ لَا يُمْكِنُ فَهْمُ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ فَهْمًا مُكْتَمِلًا مِنْ خِلَالِ تَحْلِيلِ بِنْيَةِ النُّخَبِ وَسُلُوكِهَا فَقَط، بَلْ يَجِبُ الاِنْتِقَالُ إِلَى تَفَحُّصِ الأَثَرِ الَّذِي يُخَلِّفُهُ هٰذَا المَرَضُ فِي الذَّاتِ المُبْدِعَةِ نَفْسِهَا. فَفِي ظِلِّ سِيَادَةِ مُمَارَسَاتِ الإِقْصَاءِ وَالتَّهْمِيشِ وَتَدْمِيرِ السُّمْعَةِ، لَا يَتَعَرَّضُ المُبْدِعُ لِخِسَارَةٍ مِهْنِيَّةٍ فَحَسْب، بَلْ يَدْخُلُ فِي حَالَةِ اِغْتِرَابٍ وُجُودِيٍّ عَمِيقٍ، يَفْصِلُهُ عَنْ مُجْتَمَعِهِ، وَعَنْ حَقْلِهِ الثَّقَافِيِّ، وَأَحْيَانًا عَنْ ذَاتِهِ. وَيَسْعَى هٰذَا الفَصْلُ إِلَى تَحْلِيلِ اِغْتِرَابِ المُبْدِعِ لَا كَحَالَةٍ نَفْسِيَّةٍ فَرْدِيَّةٍ مَعْزُولَةٍ، بَلْ كَنَتِيجَةٍ بِنْيَوِيَّةٍ لِمَرَضٍ ثَقَافِيٍّ أَعَمَّ، تُسْهِمُ فِيهِ النُّخَبُ نَفْسُهَا، عَبْرَ آَلِيَّاتِ الإِقْصَاءِ وَالاِسْتِحْوَاذِ عَلَى الاِعْتِرَافِ. المَبْحَثُ الأَوَّل: مَفْهُومُ الاِغْتِرَابِ فِي سِيَاقِ الإِبْدَاعِ يُعَدُّ الاِغْتِرَابُ مِنَ المَفَاهِيمِ الفِلْسَفِيَّةِ المَرْكَبَةِ، إِذْ يَشِيرُ إِلَى حَالَةِ اِنْفِصَالٍ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَمُحِيطِهِ، أَوْ بَيْنَهُ وَنِتَاجِهِ، أَوْ بَيْنَهُ وَذَاتِهِ. وَفِي سِيَاقِ الإِبْدَاعِ، يَأْخُذُ الاِغْتِرَابُ شَكْلًا خَاصًّا، حِينَ يُحْرَمُ المُبْدِعُ مِنَ الاِعْتِرَافِ الرَّمْزِيِّ، أَوْ يُقَابَلُ نِتَاجُهُ بِالتَّشْكِيكِ أَوِ التَّجَاهُلِ أَوِ التَّشْوِيهِ. فَالإِبْدَاعُ، فِي جَوْهَرِهِ، فِعْلُ تَوَاصُلٍ مَعَ الجَمَاعَةِ، وَعِنْدَمَا يَتَحَوَّلُ هٰذَا التَّوَاصُلُ إِلَى جِدَارٍ مِنَ الرَّفْضِ، يَفْقِدُ المُبْدِعُ شُعُورَهُ بِالانْتِمَاءِ، وَيَدْخُلُ فِي مَسَارٍ تَصَاعُدِيٍّ مِنَ الاِنْكِفَاءِ أَوِ الهِجْرَةِ أَوِ القَطِيعَةِ الدَّاخِلِيَّةِ. المَبْحَثُ الثَّانِي: آَلِيَّاتُ إِقْصَاءِ المُبْدِعِ وَإِنْتَاجُ الاِغْتِرَابِ لَا يَنْشَأُ اِغْتِرَابُ المُبْدِعِ عَرَضًا، بَلْ يُنْتَجُ مِنْ خِلَالِ آَلِيَّاتٍ مُحَدَّدَةٍ تَعْمَلُ دَاخِلَ الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ، مِنْ أَبْرَزِهَا: 1. الاِحْتِكَارُ الرَّمْزِيُّ لِلْمَشْهَدِ الثَّقَافِيِّ، حَيْثُ تُغْلِقُ النُّخَبُ الدَّوَائِرَ أَمَامَ أَصْوَاتٍ جَدِيدَةٍ. 2. تَحْوِيلُ النَّقْدِ إِلَى تَشْهِيرٍ، بِمَا يُفْقِدُ المُبْدِعَ الأَمَانَ النَّفْسِيَّ. 3. اِسْتِدْعَاءُ الاِنْتِمَاءَاتِ الهُوِيَّاتِيَّةِ لِنَفْيِ الشَّرْعِيَّةِ عَنِ الإِبْدَاعِ. 4. تَجْفِيفُ فُرَصِ النَّشْرِ وَالعَرْضِ وَالاِعْتِرَافِ. وَتُفْضِي هٰذِهِ الآَلِيَّاتُ إِلَى بِيئَةٍ طَارِدَةٍ، يَجِدُ فِيهَا المُبْدِعُ أَنَّ الاِسْتِمْرَارَ فِي الإِنْتَاجِ يَتَطَلَّبُ خُرُوجًا مَكَانِيًّا أَوْ رَمْزِيًّا مِنْ مُجْتَمَعِهِ. المَبْحَثُ الثَّالِث: مِنَ الاِغْتِرَابِ إِلَى الهِجْرَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ يُظْهِرُ الوَاقِعُ الثَّقَافِيُّ المَشْرِقِيُّ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ المُبْدِعِينَ الَّذِينَ وُوجِهُوا بِالإِقْصَاءِ فِي مُجْتَمَعَاتِهِم، قَدْ وَجَدُوا فِي بِيئَاتٍ أُخْرَى مَسَاحَاتٍ أَوْسَعَ لِلْتَّعْبِيرِ وَالاِعْتِرَافِ. وَلَا يَعْنِي ذٰلِكَ أَنَّ هٰذِهِ المُجْتَمَعَاتِ خَالِيَةٌ مِنَ المَشَاكِلِ، بَلْ أَنَّهَا تَمْتَلِكُ مَؤَسَّسَاتٍ وَقَوَاعِدَ أَوْضَحَ لِتَدَاوُلِ الاِعْتِرَافِ. وَهُنَا يَبْرُزُ التَّنَاقُضُ المُؤْلِمُ: يُقْصَى المُبْدِعُ فِي بِلَادِهِ بِاسْمِ الاِنْتِمَاءِ، وَيُحْتَفَى بِهِ فِي الخَارِجِ بِاسْمِ الإِبْدَاعِ. وَيَتَحَوَّلُ الاِغْتِرَابُ، فِي هٰذِهِ الحَالَةِ، مِنْ حَالَةٍ سَلْبِيَّةٍ إِلَى شَرْطٍ لِلاِسْتِمْرَارِ فِي الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ. المَبْحَثُ الرَّابِع: الاِغْتِرَابُ وَ(مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ) فِي ضَوْءِ (مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ)، يُفْهَمُ الاِغْتِرَابُ لَا كَفَشَلٍ شَخْصِيٍّ، بَلْ كَإِشَارَةٍ كَاشِفَةٍ لِاِنْسِدَادِ أُفُقِ الوِلَادَةِ دَاخِلَ الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ. فَحِينَ تَعْجِزُ النُّخَبُ عَنِ التَّجَدُّدِ، تَتَحَوَّلُ إِلَى أَجْهَزَةِ مَنْعٍ، وَيُدْفَعُ المُبْدِعُ إِلَى أَنْ يُوَلَدَ خَارِجَهَا. وَبِهٰذَا، يُصْبِحُ الاِغْتِرَابُ، فِي بَعْضِ سِيَاقَاتِهِ، شَرْطًا تَحْرِيرِيًّا، لَا نِهَايَةً، وَمَسَارًا لِإِنْقَاذِ الإِبْدَاعِ مِنَ الاِنْطِفَاءِ. خُلَاصَةُ الفَصْلِ يُبَيِّنُ هٰذَا الفَصْلُ أَنَّ اِغْتِرَابَ المُبْدِعِ لَيْسَ قَدَرًا فَرْدِيًّا، بَلْ عَرَضٌ بِنْيَوِيٌّ لِمَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ. وَأَنَّ تَجَاوُزَ هٰذَا الاِغْتِرَابِ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُطَالَبَةِ المُبْدِعِ بِالتَّكَيُّفِ، بَلْ بِإِصْلَاحِ البِيئَةِ الَّتِي تَمْنَعُ الوِلَادَةَ الإِبْدَاعِيَّةَ مِنَ الاِكْتِمَالِ. الفَصْلِ الخَامِسِ آفَاقُ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ وَتَجَاوُزِ المَرَضِ تَمْهِيدُ الفَصْلِ الخَامِسِ لَا يَأْتِي هٰذَا الفَصْلُ لِيُقَدِّمَ وَعْدًا إِصْلَاحِيًّا سَاذَجًا، وَلَا لِيُعِيدَ إِنْتَاجَ خِطَابٍ تَصَالُحِيٍّ إِنْشَائِيٍّ، بَلْ لِيَسْتَكْمِلَ المَسَارَ التَّحْلِيلِيَّ الَّذِي تَشَكَّلَ فِي الفُصُولِ السَّابِقَةِ، وَلِيَنْقُلَ النِّقَاشَ مِنْ مُسْتَوَى التَّشْخِيصِ إِلَى مُسْتَوَى الاِقْتِرَاحِ المَعْرِفِيِّ، دُونَ أَوْهَامٍ إِصْلَاحِيَّةٍ أَوْ حُلُولٍ تَجْمِيلِيَّةٍ. فَتَجْدِيدُ المُثَاقَفَةِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَتَحَقَّقَ مَا لَمْ يُبْنَ عَلَى وَعْيٍ نَقْدِيٍّ عَمِيقٍ بِبِنْيَةِ المَرَضِ الثَّقَافِيِّ، وَبِالشُّرُوطِ التَّارِيخِيَّةِ وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ الَّتِي أَنْتَجَتْهُ، وَبِالآلِيَّاتِ الَّتِي تُعِيدُ إِنْتَاجَهُ وَتُطِيلُ أَمَدَهُ. وَيَنْطَلِقُ هٰذَا الفَصْلُ مِنْ قَنَاعَةٍ مَفْصَلِيَّةٍ مُفَادُهَا أَنَّ تَجَاوُزَ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ لَا يَتِمُّ عَبْرَ شَخْصَنَةِ الأَزْمَةِ، وَلَا عَبْرَ إِزَاحَةِ فَاعِلِينَ وَتَعْوِيضِهِمْ بِآخَرِينَ، بَلْ عَبْرَ إِعَادَةِ بِنَاءِ شُرُوطِ الإِنْتَاجِ الثَّقَافِيِّ ذَاتِهَا، وَتَصْحِيحِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الإِبْدَاعِ وَالهُوِيَّةِ وَالاِخْتِلَافِ وَالاِعْتِرَافِ، بِمَا يُعِيدُ لِلْمُشْتَرَكِ الإِنْسَانِيِّ مَكَانَتَهُ كَأُفُقٍ نَاظِمٍ لِلْمُثَاقَفَةِ، لَا كَشِعَارٍ أَخْلَاقِيٍّ مُفْرَغٍ مِنْ مَضْمُونِهِ. وَعَلَى هٰذَا الأَسَاسِ، يَتَّجِهُ الفَصْلُ إِلَى بَحْثِ شُرُوطِ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ، وَآلِيَّاتِ تَفْعِيلِ التَّوَاصُلِ بَيْنَ النُّخَبِ، وَإِمْكَانِيَّاتِ بِنَاءِ نَمُوذَجٍ ثَقَافِيٍّ مَشْرِقِيٍّ جَدِيدٍ، يَتَجَاوَزُ مَنْطِقَ الاِسْتِحْوَاذِ وَالإِقْصَاءِ، وَيُعِيدُ تَوْطِينِ الإِبْدَاعِ فِي وَظِيفَتِهِ الأَصْلِيَّةِ كَفِعْلِ وِلَادَةٍ وَتَجَدُّدٍ وَتَوَاصُلٍ، لَا كَأَدَاةِ صِرَاعٍ أَوْ آَلِيَّةِ دِفَاعٍ هُوِيَّاتِيَّةٍ.
المَبْحَثُ الأَوَّلُ شُرُوطُ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ أَوَّلًا: إِعَادَةُ الاِعْتِبَارِ لِلْمُشْتَرَكِ الإِنْسَانِيِّ يُعَدُّ إِعَادَةُ الاِعْتِبَارِ لِلْمُشْتَرَكِ الإِنْسَانِيِّ شَرْطًا أَسَاسِيًّا لِأَيِّ مَشْرُوعٍ جَادٍّ فِي تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ. فَالمَرَضُ الثَّقَافِيُّ، كَمَا بَيَّنَتِ الفُصُولُ السَّابِقَةُ، تَغَذَّى عَلَى تَغْلِيبِ الهُوِيَّاتِ الجُزْئِيَّةِ، وَعَلَى تَحْوِيلِ الاِنْتِمَاءِ إِلَى مِعْيَارٍ لِلتَّقْيِيمِ وَالإِقْصَاءِ. وَإِعَادَةُ الاِعْتِبَارِ لِلْمُشْتَرَكِ الإِنْسَانِيِّ لَا تَعْنِي إِلْغَاءَ الخُصُوصِيَّاتِ، بَلْ وَضْعَهَا فِي إِطَارِهَا الصَّحِيحِ، بِوَصْفِهَا مَصَادِرَ إِغْنَاءٍ لَا أَدَوَاتِ صِرَاعٍ. فَالإِبْدَاعُ يَفْقِدُ مَعْنَاهُ عِنْدَمَا يُحَاصَرُ فِي هُوِيَّةٍ مُغْلَقَةٍ، وَيَسْتَعِيدُ وَظِيفَتَهُ التَّحْرِيرِيَّةَ عِنْدَمَا يَنْفَتِحُ عَلَى الأُفُقِ الإِنْسَانِيِّ الأَوْسَعِ. ثَانِيًا: تَحْرِيرُ الإِبْدَاعِ مِنَ الهُوِيَّاتِ المُغْلَقَةِ يَقْتَضِي تَجْدِيدُ المُثَاقَفَةِ تَحْرِيرَ الإِبْدَاعِ مِنْ كُلِّ صِيغِ الاِحْتِجَازِ الهُوِيَّاتِيِّ الَّتِي حَوَّلَتْهُ إِلَى أَدَاةِ اِصْطِفَافٍ وَتَعْبِئَةٍ. فَالإِبْدَاعُ، فِي جَوْهَرِهِ، فِعْلُ تَجَاوُزٍ لَا فِعْلُ تَكْرِيسٍ، وَسُؤَالٌ لَا شِعَارٌ. وَلَا يَعْنِي هٰذَا التَّحْرِيرُ الدَّعْوَةَ إِلَى حِيَادٍ وَاهِمٍ، بَلْ إِلَى فَصْلٍ وَاضِحٍ بَيْنَ المَوْقِفِ الإِنْسَانِيِّ وَالاسْتِغْلَالِ الإِيدِيُولُوجِيِّ، وَبَيْنَ الاِلْتِزَامِ الأَخْلَاقِيِّ وَالتَّوْظِيفِ السِّيَاسِيِّ. فَكُلَّمَا تَحَرَّرَ الإِبْدَاعُ مِنَ الاِنْتِمَاءِ القَسْرِيِّ، اِسْتَعَادَ قُدْرَتَهُ عَلَى الخَلْقِ وَالاِخْتِلَافِ. ثَالِثًا: بِنَاءُ أَخْلَاقِيَّاتِ الاِخْتِلَافِ لَا مَعْنَى لِتَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ دُونَ بِنَاءِ أَخْلَاقِيَّاتٍ جَدِيدَةٍ لِلِاخْتِلَافِ، تَفْصِلُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالتَّشْهِيرِ، وَبَيْنَ المُسَاءَلَةِ وَالتَّخْوِينِ. فَالاِخْتِلَافُ، فِي صُورَتِهِ الصِّحِّيَّةِ، شَرْطٌ لِإِنْتَاجِ المَعْرِفَةِ، وَلَا يُصْبِحُ مَرَضًا إِلَّا عِنْدَمَا يُجَرَّدُ مِنْ قِيَمِهِ الأَخْلَاقِيَّةِ. وَتَقُومُ هٰذِهِ الأَخْلَاقِيَّاتُ عَلَى الاِعْتِرَافِ بِحَقِّ الآخَرِ فِي الاِخْتِلَافِ، وَعَلَى فَصْلِ النَّصِّ عَنِ الذَّاتِ، وَعَلَى رَفْضِ كُلِّ أَشْكَالِ العُنْفِ الرَّمْزِيِّ الَّذِي حَوَّلَ الحَقْلَ الثَّقَافِيَّ إِلَى سَاحَةِ اِسْتِئْصَالٍ. المَبْحَثُ الثَّانِي آلِيَّاتُ تَفْعِيلِ التَّوَاصُلِ بَيْنَ النُّخَبِ أَوَّلًا: الحِوَارُ الثَّقَافِيُّ العَابِرُ لِلْهُوِيَّاتِ يُشَكِّلُ الحِوَارُ الثَّقَافِيُّ العَابِرُ لِلْهُوِيَّاتِ آلِيَّةً مَفْصَلِيَّةً فِي تَجَاوُزِ المَرَضِ، شَرْطَ أَنْ يَكُونَ حِوَارًا حَقِيقِيًّا، لَا مُجَرَّدَ لِقَاءَاتٍ شَكْلِيَّةٍ. فَالحِوَارُ المَرَضِيُّ يُعِيدُ إِنْتَاجَ الاِصْطِفَافَاتِ، أَمَّا الحِوَارُ الخَلَّاقُ فَيَنْطَلِقُ مِنْ سُؤَالِ المَعْنَى وَالمَصِيرِ المُشْتَرَكِ. وَيَقْتَضِي هٰذَا الحِوَارُ تَفْكِيكَ أُطُرِ الاِرْتِيَابِ المُسْبَقِ، وَتَجَاوُزَ مَنْطِقِ «نَحْنُ» وَ«هُمْ»، وَبِنَاءَ فَضَاءٍ يُسْمَحُ فِيهِ لِلِاخْتِلَافِ أَنْ يَكُونَ مُنْتِجًا لَا مُهَدِّدًا. ثَانِيًا: الفَضَاءَاتُ الثَّقَافِيَّةُ المُشْتَرَكَةُ لَا يَكْفِي الحِوَارُ مَا لَمْ يُسْنَدْ بِفَضَاءَاتٍ ثَقَافِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ، تَتَجَسَّدُ فِيهَا المُمَارَسَةُ الثَّقَافِيَّةُ فِي شَكْلِ تَفَاعُلٍ مُسْتَمِرٍّ. فَغِيَابُ هٰذِهِ الفَضَاءَاتِ يُبْقِي النُّخَبَ فِي جُزُرٍ مُنْفَصِلَةٍ، حَتَّى وَإِنْ تَبَادَلَتِ الخِطَابَاتِ. وَتَشْمَلُ هٰذِهِ الفَضَاءَاتِ المَنَابِرَ الثَّقَافِيَّةَ المُسْتَقِلَّةَ، وَالمَشَارِيعَ المُشْتَرَكَةَ، وَالمُنْتَدَيَاتِ الَّتِي تُقَدِّمُ الإِبْدَاعَ فِي صِيغَةِ تَلَاقٍ لَا مُوَاجَهَةٍ. ثَالِثًا: دَوْرُ المَؤَسَّسَاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَالإِعْلَامِيَّةِ تَتَحَمَّلُ المَؤَسَّسَاتُ الثَّقَافِيَّةُ وَالإِعْلَامِيَّةُ مَسْؤُولِيَّةً مَحُورِيَّةً فِي تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ، سَوَاءٌ عَبْرَ تَفْكِيكِ خِطَابِ الاِسْتِقْطَابِ، أَوْ عَبْرَ فَتْحِ المَجَالِ أَمَامَ أَصْوَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ لَا تَخْضَعُ لِمَعَايِيرِ الوَلَاءِ وَالاِصْطِفَافِ. وَلَا يُمْكِنُ لِهٰذِهِ المَؤَسَّسَاتِ أَنْ تَلْعَبَ دَوْرَهَا مَا لَمْ تَتَحَرَّرْ نَفْسُهَا مِنَ البِنْيَاتِ المَرَضِيَّةِ الَّتِي أَفْقَدَتِ الثَّقَافَةَ مِصْدَاقِيَّتَهَا. المَبْحَثُ الثَّالِث نَحْوَ نَمُوذَجٍ ثَقَافِيٍّ مَشْرِقِيٍّ جَدِيدٍ أَوَّلًا: المُثَقَّفُ كَوَسِيطٍ لَا كَطَرَفٍ يَقْتَضِي النَّمُوذَجُ الثَّقَافِيُّ الجَدِيدُ إِعَادَةَ تَعْرِيفِ دَوْرِ المُثَقَّفِ، لَا كَطَرَفٍ فِي صِرَاعٍ هُوِيَّاتِيٍّ، بَلْ كَوَسِيطٍ مَعْرِفِيٍّ يَسْتَمِدُّ شَرْعِيَّتَهُ مِنْ قُدْرَتِهِ عَلَى الفَهْمِ وَالتَّفْسِيرِ وَالرَّبْطِ، لَا مِنْ حِدَّةِ مَوَاقِفِهِ. ثَانِيًا: الإِبْدَاعُ كَمَجَالٍ لِلتَّلَاقِي لَا لِلصِّرَاعِ فِي هٰذَا النَّمُوذَجِ، يُعَادُ الاِعْتِبَارُ لِلإِبْدَاعِ كَمَجَالٍ لِلتَّلَاقِي وَالإِنْصَاتِ وَتَبَادُلِ التَّجَارِبِ، لَا كَسَاحَةٍ لِلْغَلَبَةِ وَالإِقْصَاءِ. وَكُلَّمَا تَحَوَّلَ الإِبْدَاعُ إِلَى جِسْرٍ بَيْنَ الذَّوَاتِ، تَرَاجَعَتْ حِدَّةُ الصِّرَاعِ وَتَفَكَّكَتْ بِنْيَاتُ المَرَضِ. ثَالِثًا: آفَاقُ تَجَاوُزِ المَرَضِ الثَّقَافِيِّ لَا يَتَحَقَّقُ تَجَاوُزُ المَرَضِ الثَّقَافِيِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً، بَلْ هُوَ مَسَارٌ تَرَاكُمِيٌّ يَبْدَأُ بِتَفْكِيكِ البِنْيَاتِ الذِّهْنِيَّةِ وَالأَخْلَاقِيَّةِ الَّتِي أَنْتَجَتِ الأَزْمَةَ، وَيَمْتَدُّ إِلَى إِعَادَةِ بِنَاءِ شُرُوطِ الإِنْتَاجِ الثَّقَافِيِّ عَلَى أُسُسٍ أَكْثَرَ اِنْفِتَاحًا وَمَسْؤُولِيَّةً. خَاتِمَةُ الفَصْلِ يَخْتِمُ هٰذَا الفَصْلُ البَحْثَ بِتَأْكِيدِ أَنَّ مَرَضَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ لَيْسَ قَدَرًا مَحْتُومًا، بَلْ نِتَاجُ شُرُوطٍ يُمْكِنُ تَفْكِيكُهَا وَتَجَاوُزُهَا. وَإِنَّ تَجْدِيدَ المُثَاقَفَةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ يَبْدَأُ مِنْ تَحْرِيرِ الإِبْدَاعِ مِنَ الاِدِّعَاءِ، وَمِنْ إِعَادَةِ وَصْلِ الثَّقَافَةِ بِالمُشْتَرَكِ الإِنْسَانِيِّ، وَمِنْ بِنَاءِ فَضَاءٍ يَسْمَحُ لِلِاخْتِلَافِ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا لِلْخَلْقِ لَا ذَرِيعَةً لِلتَّدْمِيرِ. الخَاتِمَة يَخْتِمُ هٰذَا البَحْثُ مَسَارَهُ التَّحْلِيلِيَّ وَالنَّظَرِيَّ عِنْدَ نُقْطَةٍ مَفْصَلِيَّةٍ، تَتَجَلَّى فِيهَا صُورَةُ مَرَضِ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ (الإِبْدَاعِيَّةِ) فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ كَظَاهِرَةٍ مُرَكَّبَةٍ، لَا يُمْكِنُ رَدُّهَا إِلَى سَبَبٍ وَاحِدٍ، وَلَا اِخْتِزَالُهَا فِي سُلُوكَاتٍ فَرْدِيَّةٍ مَعْزُولَةٍ. فَقَدْ أَظْهَرَ البَحْثُ أَنَّ هٰذَا المَرَضَ هُوَ نِتَاجُ تَشَابُكِ عَوَامِلَ تَارِيخِيَّةٍ، وَاجْتِمَاعِيَّةٍ، وَسِيَاسِيَّةٍ، وَهُوِيَّاتِيَّةٍ، تَفَاعَلَتْ فِي سِيَاقٍ مَشْرِقِيٍّ خَاصٍّ، فَأَفْضَتْ إِلَى تَشَوُّهِ وَظِيفَةِ النُّخَبِ وَانْحِرَافِ أَدَائِهَا. وَلَمْ يَقْتَصِرْ هٰذَا العَمَلُ عَلَى التَّشْخِيصِ وَالوَصْفِ، بَلْ سَعَى إِلَى تَفْكِيكِ البِنْيَاتِ العَمِيقَةِ الَّتِي تُنَظِّمُ السُّلُوكَ الثَّقَافِيَّ، وَتُعِيدُ إِنْتَاجَ أَشْكَالِ الإِقْصَاءِ، وَالتَّخْوِينِ، وَالعُنْفِ الرَّمْزِيِّ، وَتَسْيِيسِ الإِبْدَاعِ، مَا يُفْقِدُ الثَّقَافَةَ دَوْرَهَا التَّنْوِيرِيَّ وَالإِنْسَانِيَّ. أَوَّلًا: أَهَمُّ النَّتَائِجِ تَوَصَّلَ البَحْثُ إِلَى جُمْلَةٍ مِنَ النَّتَائِجِ المَرْكَزِيَّةِ، مِنْ أَبْرَزِهَا: 1. أَنَّ مَرَضَ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ لَيْسَ حَالَةً عَارِضَةً، بَلْ بِنْيَةٌ مُسْتَقِرَّةٌ تَتَغَذَّى عَلَى تَحَوُّلِ الإِبْدَاعِ مِنْ فِعْلٍ إِلَى هُوِيَّةٍ، وَمِنْ سُؤَالٍ إِلَى لَقَبٍ. 2. أَنَّ الحَسَدَ وَالغِيرَةَ لَا يَعْمَلَانِ كَاِنْفِعَالَيْنِ نَفْسِيَّيْنِ فَقَطْ، بَلْ كَآلِيَّتَيْنِ دِفَاعِيَّتَيْنِ مُنَظِّمَتَيْنِ لِلْحَقْلِ الثَّقَافِيِّ، تَحْلَانِ مَحَلَّ المُنَافَسَةِ الخَلَّاقَةِ عِنْدَ عَجْزِ الذَّاتِ عَنِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ المُتَجَدِّدَةِ. 3. أَنَّ الاِسْتِقْطَابَ السِّيَاسِيَّ وَالهُوِيَّاتِيَّ أَفْرَغَ الإِبْدَاعَ مِنْ بُعْدِهِ الإِنْسَانِيِّ، وَحَوَّلَهُ إِلَى أَدَاةِ وَلَاءٍ وَبَرَاءَةٍ، مِمَّا أَفْضَى إِلَى ضُمُورِ الاِبْتِكَارِ وَتَكْرَارِ النَّمَاذِجِ. 4. أَنَّ «مَدْرَسَةَ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ» تُشَكِّلُ إِطَارًا تَفْسِيرِيًّا فَعَّالًا فِي فَهْمِ أَزْمَاتِ النُّخَبِ، مِنْ خِلَالِ رَبْطِ الإِبْدَاعِ بِالوِلَادَةِ المُتَجَدِّدَةِ لِلذَّاتِ، وَكَشْفِ مَخَاطِرِ تَحَوُّلِهِ إِلَى هُوِيَّةٍ مُتَضَخِّمَةٍ. ثَانِيًا: الاِسْتِنْتَاجَاتُ العَامَّةُ يُسْتَنْتَجُ مِنْ مَجْمُوعِ مَا سَبَقَ أَنَّ أَيَّ مَشْرُوعٍ لِتَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُكْتَبَ لَهُ النَّجَاحُ مَا لَمْ يَسْبِقْهُ تَفْكِيكٌ جَذْرِيٌّ لِأَخْلَاقِيَّاتِ الاِدِّعَاءِ، وَلِبِنْيَاتِ العُنْفِ الرَّمْزِيِّ، وَلِلْعَلَاقَةِ المَرَضِيَّةِ بَيْنَ الإِبْدَاعِ وَالهُوِيَّةِ. كَمَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَجَاوُزَ المَرَضِ لَا يَتِمُّ عَبْرَ الإِقْصَاءِ المُقَابِلِ، بَلْ عَبْرَ إِعَادَةِ بِنَاءِ شُرُوطِ الإِنْتَاجِ الثَّقَافِيِّ عَلَى أُسُسٍ إِنْسَانِيَّةٍ وَأَخْلَاقِيَّةٍ وَمَعْرِفِيَّةٍ. ثَالِثًا: تَوْصِيَاتُ البَحْثِ فِي ضَوْءِ هٰذِهِ النَّتَائِجِ، يُوصِي البَحْثُ بِمَا يَأْتِي: 1. إِعَادَةِ تَفْعِيلِ الدَّوْرِ النَّقْدِيِّ لِلنُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ، بِمَا يَفْصِلُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالتَّشْهِيرِ، وَبَيْنَ الاِخْتِلَافِ وَالتَّخْوِينِ. 2. تَحْرِيرِ الفَضَاءِ الثَّقَافِيِّ مِنْ سُلْطَةِ الاِصْطِفَافَاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالهُوِيَّاتِيَّةِ، وَإِتَاحَةِ مَسَاحَاتٍ مُسْتَقِلَّةٍ لِلْحِوَارِ وَالإِبْدَاعِ. 3. الاِسْتِفَادَةِ مِنْ (مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ) فِي بِنَاءِ بَرَامِجَ نَقْدِيَّةٍ وَتَرْبَوِيَّةٍ تُعِيدُ رَبْطَ الإِبْدَاعِ بِالسُّؤَالِ وَالمُجَازَفَةِ لَا بِاللَّقَبِ وَالاِدِّعَاءِ. رَابِعًا: آفَاقُ دِرَاسَاتٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ يَفْتَحُ هٰذَا البَحْثُ آفَاقًا لِدِرَاسَاتٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا: 1. تَطْبِيقُ (مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ) عَلَى حَالَاتٍ مَيْدَانِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ فِي الحَقْلِ الثَّقَافِيِّ. 2. دِرَاسَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ العُنْفِ الرَّمْزِيِّ وَالإِنْتَاجِ الإِبْدَاعِيِّ فِي سِيَاقَاتٍ مَشْرِقِيَّةٍ مُخْتَلِفَةٍ. 3. مُقَارَنَةُ أَزْمَاتِ النُّخَبِ فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ بِتَجَارِبَ ثَقَافِيَّةٍ أُخْرَى. اسحق قومي. ألمانيا في 16/12/2025م ((دِرَاسَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ فِلْسَفِيَّةٌ تَرْبَوِيَّةٌ نَقْدِيَّةٌ تَقْوِيمِيَّةٌ لِبَحْثِ البَاحِثِ السُّورِيِّ إِسْحَق قومِي بِنَاءً عَلَى قِرَاءَةِ بَحْثِهِ المَعْنُونِ: «مَرَضُ النُّخَبِ الثَّقَافِيَّةِ (الإِبْدَاعِيَّةِ) فِي المَشْرِقِ العَرَبِيِّ: الجُذُورُ، وَالتَّجَلِّيَاتُ، وَآفَاقُ تَجْدِيدِ المُثَاقَفَةِ» أَوَّلًا: القِيمَةُ الفِلْسَفِيَّةُ لِلبَحْثِ يَنْطَلِقُ البَحْثُ مِنْ أُفُقٍ فِلْسَفِيٍّ وَاضِحٍ، يَتَجَاوَزُ فِيهِ التَّنَاوُلُ الوَصْفِيُّ لِأَزْمَةِ النُّخَبِ نَحْوَ تَفْكِيكِ بِنْيَةٍ وُجُودِيَّةٍ أَعْمَقَ تَتَّصِلُ بِأَزْمَةِ الإِبْدَاعِ وَالاِعْتِرَافِ. فَلَا يُقَارِبُ إِسْحَق قومِي المَرَضَ بِوَصْفِهِ اِنْحِرَافًا أَخْلَاقِيًّا أَوْ خِلَافًا شَخْصِيًّا، بَلْ كَتَشَوُّهٍ فِي العَلَاقَةِ بَيْنَ الذَّاتِ وَفِعْلِ الخَلْقِ. وَتُعَدُّ «مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ» مِنْ أَهَمِّ الإِسْهَامَاتِ الفِلْسَفِيَّةِ فِي البَحْثِ، إِذْ تُعِيدُ تَعْرِيفَ الإِبْدَاعِ كَفِعْلِ وِلَادَةٍ وُجُودِيَّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، لَا كَهُوِيَّةٍ ثَابِتَةٍ أَوْ لَقَبٍ اِجْتِمَاعِيٍّ. وَهٰذَا التَّصَوُّرُ يَسْمَحُ بِفَهْمِ الحَسَدِ وَالغِيرَةِ وَالعُنْفِ الرَّمْزِيِّ كَآلِيَّاتِ دِفَاعٍ عَنِ الذَّاتِ العَاجِزَةِ عَنِ الوِلَادَةِ مِنْ جَدِيدٍ، وَهُوَ طَرْحٌ ذُو قِيمَةٍ فِلْسَفِيَّةٍ أَصِيلَةٍ. ثَانِيًا: القِيمَةُ التَّرْبَوِيَّةُ وَالإِصْلَاحِيَّةُ يَحْمِلُ البَحْثُ بُعْدًا تَرْبَوِيًّا وَاضِحًا، وَلَا سِيَّمَا فِي مَا يَتَّصِلُ بِبِنَاءِ أَخْلَاقِيَّاتِ الاِخْتِلَافِ، وَبِالدَّعْوَةِ إِلَى تَحْرِيرِ الإِبْدَاعِ مِنَ الهُوِيَّاتِ المُغْلَقَةِ. فَهُوَ لَا يَكْتَفِي بِتَشْخِيصِ الخَلَلِ، بَلْ يَقْتَرِحُ شُرُوطًا تَرْبَوِيَّةً لِإِعَادَةِ تَأْهِيلِ الفَاعِلِ الثَّقَافِيِّ، وَلِتَرْسِيخِ مُمَارَسَاتٍ نَقْدِيَّةٍ تُفَرِّقُ بَيْنَ النَّقْدِ وَالتَّشْهِيرِ. وَتَبْرُزُ القِيمَةُ التَّرْبَوِيَّةُ لِلبَحْثِ فِي قُدْرَتِهِ عَلَى تَحْوِيلِ الأَزْمَةِ مِنْ مَجَرَّدِ وَاقِعٍ مَأْزُومٍ إِلَى مَادَّةٍ تَعْلِيمِيَّةٍ وَتَكْوِينِيَّةٍ قَابِلَةٍ لِلاِسْتِثْمَارِ فِي بَرَامِجِ التَّرْبِيَةِ الثَّقَافِيَّةِ وَالنَّقْدِيَّةِ. ثَالِثًا: القِرَاءَةُ النَّقْدِيَّةُ لِلْمَنْهَجِ وَالبِنَاءِ مِنْ النَّاحِيَةِ المَنْهَجِيَّةِ، يُحْسَبُ لِلبَحْثِ وَعْيُهُ بِتَعَدُّدِ المَقَارَبَاتِ، وَقُدْرَتُهُ عَلَى تَوْظِيفِهَا دُونَ السُّقُوطِ فِي التَّشْتِيتِ. كَمَا أَنَّ تَثْبِيتَ «مَنْهَجِيَّةِ البَحْثِ وَإِجْرَاءَاتِهِ» فِي صِيغَتِهِ النِّهَائِيَّةِ يُحَصِّنُ العَمَلَ أَمَامَ أَيِّ اِعْتِرَاضٍ أَكَادِيمِيٍّ مُحْتَمَلٍ. وَمَعَ ذٰلِكَ، يُمْكِنُ الإِشَارَةُ نَقْدِيًّا إِلَى أَنَّ البَحْثَ، بِحُكْمِ طَبِيعَتِهِ النَّظَرِيَّةِ، يَفْتَقِرُ إِلَى دِرَاسَاتٍ مَيْدَانِيَّةٍ أَوْ أَمْثِلَةٍ خِطَابِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ، وَهُوَ نَقْصٌ لَا يُعَدُّ عَيْبًا بِنْيَوِيًّا، بَلْ خِيَارًا مَنْهَجِيًّا وَاعِيًا، يُمْكِنُ تَعْوِيضُهُ فِي أَعْمَالٍ لَاحِقَةٍ. رَابِعًا: الجِدَّةُ وَالإِسْهَامُ المَعْرِفِيُّ تَتَجَلَّى جِدَّةُ بَحْثِ إِسْحَق قومِي فِي نَقْلِ النِّقَاشِ حَوْلَ النُّخَبِ مِنْ خَانَةِ الاِتِّهَامِ وَالتَّجْرِيحِ إِلَى خَانَةِ التَّحْلِيلِ البِنْيَوِيِّ العَمِيقِ، وَفِي جَرَأَتِهِ عَلَى تَسْمِيَةِ آَلِيَّاتٍ مَسْكُوتٍ عَنْهَا، كَالحَسَدِ وَتَدْمِيرِ السُّمْعَةِ، دُونَ الاِنْزِلَاقِ إِلَى فَضَائِحِيَّةٍ أَوْ تَسْيِيسٍ مُبَاشِرٍ. وَيُعَدُّ تَأْسِيسُ (مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ) إِسْهَامًا مَعْرِفِيًّا أَصِيلًا، يُمْكِنُ أَنْ يُشَكِّلَ مَنْطَلَقًا لِبَحْثٍ نَظَرِيٍّ أَوْ تَطْبِيقِيٍّ مُسْتَقْبَلِيٍّ فِي حُقُولِ النَّقْدِ الثَّقَافِيِّ وَالتَّرْبِيَةِ وَعِلْمِ النَّفْسِ الثَّقَافِيِّ. خَامِسًا: التَّقْوِيمُ العَامُّ (تَقْيِيمٌ رَقْمِيٌّ) الأَصَالَةُ وَالجِدَّةُ: 9 / 10 العُمْقُ الفِلْسَفِيُّ: 9 / 10 التَّمَاسُكُ المَنْهَجِيُّ: 8 / 10 القِيمَةُ التَّرْبَوِيَّةُ وَالتَّطْبِيقِيَّةُ: 8.5 / 10 القُدْرَةُ عَلَى فَتْحِ آفَاقٍ بَحْثِيَّةٍ جَدِيدَةٍ: 9.5 / 10 التَّقْيِيمُ الإِجْمَالِيُّ: 8.8 / 10 خُلَاصَةٌ تَقْوِيمِيَّةٌ يُمَثِّلُ هٰذَا البَحْثُ إِضَافَةً نَوْعِيَّةً إِلَى الدِّرَاسَاتِ الثَّقَافِيَّةِ المَشْرِقِيَّةِ، وَيُثْبِتُ أَنَّ إِسْحَق قومِي بَاحِثٌ يَمْتَلِكُ شَجَاعَةَ التَّفْكِيكِ، وَوَعْيَ التَّأْسِيسِ، وَقُدْرَةَ الجَمْعِ بَيْنَ النَّقْدِ الفِلْسَفِيِّ وَالهَمِّ الإِصْلَاحِيِّ. وَهُوَ عَمَلٌ قَابِلٌ لِلتَّطْوِيرِ، وَلَكِنَّهُ، فِي صِيغَتِهِ الرَّاهِنَةِ، يَسْتَحِقُّ مَكَانَتَهُ كَدِرَاسَةٍ جَادَّةٍ وَمُؤَثِّرَةٍ.)) المَرَاجِع 1. بورديو، بيير. الهيمنة الذكورية. ترجمة عربية. 2. بورديو، بيير. أسئلة في علم الاجتماع. 3. فوكو، ميشيل. المعرفة والسلطة. 4. غرامشي، أنطونيو. دفاتر السجن. 5. إدوارد سعيد. تمثيلات المثقف. 6. حنفي، حسن. التراث والتجديد. 7. العروي، عبد الله. مفهوم الثقافة. 8. الجابري، محمد عابد. تكوين العقل العربي. 9. دراسات ومقالات معاصرة في النقد الثقافي وتحليل الخطاب.
لِلْبَاحِثِ السُّورِيِّ إِسْحَق قومِي ٢٠٢٥م
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مدينةُ الحسكةِ: التسميةُ والنشأةُ
-
الوَثِيقَةُ التَّأْسِيسِيَّةُ لِـ (مَدْرَسَةِ الوِلادَةِ الإ
...
-
تَارِيخُ الْمَنْهَجِيَّةِ النَّقْدِيَّةِ الْعَرَبِيَّةِ وَآف
...
-
إِعَادَةِ قِرَاءَةِ فَلْسَفَةِ اِبْنِ رُشْدٍ فِي ضَوْءِ مَدْ
...
-
دراسة تحليليّة–نقديّة–تقييميّة لِبَحْثِ «الْجَهْلِ الْمُقَدّ
...
-
الـمُفَكِّرُ الرَّصِينُ
-
دِّرَاسَةُ تَّحْلِيلِيَّةُ وَنَّقْدِيَّةُ وَتَّقْوِيمِيَّةُ
...
-
الوعيُ القوميُّ وإشكاليّاتُ بناءِ الهويّةِ لدى السُّريانِ–ال
...
-
اِسْتَيْقِظُوا أَيُّهَا الْغَرْبِيُّونَ فَإِنَّ الطُّوفَانَ
...
-
رِسَالَةٌ سِرِّيَّةٌ تُفْتَحُ بِالذَّاتِ
-
المسيحية السورية في التقييم السياسي والإنساني والحقوقي في ال
...
-
دِراسَةٌ تَحلِيلِيَّةٌ وَنَقدِيَّةٌ وَتَقيِيمِيَّةٌ عَن بَحث
...
-
الهُوِيَّةُ المَعرِفِيَّةُ في الفَلسَفَاتِ مَا قَبْلَ الحَدَ
...
-
التَّعايُشُ في الشَّرقِ الأوسَطِ مُستحيلٌ دراسةٌ واقعيَّةٌ ت
...
-
قصيدة بعنوان :((فِي مَدْخَلِ الحَمْرَاءِ كَانَ لِقَاؤُنَا))
-
قصيدة بعنوان: (فِي مَدْخَلِ الحَمْرَاءِ كَانَ لِقَاؤُنَا)
-
رؤية في الماضي، لمستلزمات الحاضر، والمستقبل
-
المثيولوجيا عند الآشوريين والآراميين والفينيقيين
-
التَّارِيخُ السُّورِيُّ وَالمَسْؤُولِيَّةُ الوَطَنِيَّةُ لِح
...
-
المعرفة بين الفكر الفلسفي والواقع من دفتر قراءات فلسفية
المزيد.....
-
-أكبر صفقة غاز في تاريخ إسرائيل-.. ما تقييم الخبراء في مصر ل
...
-
غزة تواجه انهيارا شاملا للخدمات رغم توقف الحرب
-
أوروبا تبحث توظيف 210 مليارات يورو روسية مجمّدة لدعم أوكراني
...
-
كردفان والنيل الأبيض بؤرتان جديدتان للنزوح في السودان
-
هل تنجح واشنطن في عقد اتفاق أمني بين سوريا وإسرائيل؟
-
-سيناريوهات- يستعرض جهود واشنطن للتوسط بين دمشق وتل أبيب
-
ترامب يؤكد هدف عودة الأميركيين إلى القمر في عام 2028
-
أول تعليق من تنظيم -داعش- الإرهابي على هجوم سيدني الدموي
-
ماكرون يعلن رفض فرنسا توقيع اتفاقية التجارة بين الاتحاد الأو
...
-
كيف كسرت إيران طوق العقوبات؟ تقرير يكشف شبكة الطيران التي -ت
...
المزيد.....
-
اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات
/ رشيد غويلب
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
المزيد.....
|