|
المعرفة بين الفكر الفلسفي والواقع من دفتر قراءات فلسفية
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 12:04
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
للباحث السوري اسحق قومي 2022م مَحاوِرُ البَحثِ المَحورُ الأوَّلُ: مَصادِرُ المَعرِفَةِ (اليونان ← المسيحيَّة ← الإسلام ← الحَديث ← المُعاصِر). المحور الثاني:مَفهُومُ المَعرِفَةِ فِي الفِكرِ الفَلسَفِيِّ التَّعريفُ اللُّغَوِيُّ وَالاِصطِلَاحِيُّ. المَعرِفَةُ عِندَ الفَلاسِفَةِ اليُونَانِ. المَعرِفَةُ فِي الفَكرِ الإسلَامِيِّ الفَلسَفِيِّ وَالكَلَامِيِّ. المَعرِفَةُ فِي الفَلسَفَةِ الحَدِيثَةِ وَالمُعَاصِرَةِ. المَحورُ الثَّالث: المَعرِفَةُ بَينَ النَّظرِيَّةِ وَالتَّطبيِقِ العَلاقَةُ بَينَ المَعرِفَةِ وَالوَاقِعِ. أَزمَةُ المَعرِفَةِ فِي زَمَنِ العَولَمَةِ وَالتِّقنِيَّةِ. تَجَلِّيَاتُ المَعرِفَةِ فِي حَيَاةِ الفَردِ وَالمُجتَمَعِ. المَحورُ الرابع : أَبعَادُ المَعرِفَةِ وَآفَاقُهَا البُعدُ الأَنتُولوجِيُّ (حَقيقةُ الكَونِ وَالمَوجُودِ). البُعدُ الإبِستِيمِيُّ (طُرُقُ تَحصِيلِ المَعرِفَةِ وَحُدُودُهَا). البُعدُ الأَكسِيُولُوجِيُّ (قِيمَةُ المَعرِفَةِ وَأَثرُهَا فِي الحَيَاةِ). المَحورُ الخامِسُ: حُدودُ المَعرِفَةِ وَإشكالاتُها فِي الفَلسَفَةِ اليُونانِيَّةِ: فِي الفَلسَفَةِ المَسيحِيَّةِ (الغَربِيَّةِ وَالمَشرِقِيَّةِ): فِي الفَلسَفَةِ الإسلاميَّةِ: فِي الفَلسَفَةِ الحَديثَةِ: فِي الفَلسَفَةِ المُعاصِرَةِ: المَحورُ السّادِسُ: المَعرِفَةُ فِي زَمَنِ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ وَمَا بَعدَ الذَّكاءِ (رُؤيَةٌ مِن مَدرَسَةِ الوِلادَةِ الإبداعيَّةِ) تَحوُّلُ مَصادِرِ المَعرِفَةِ: إشكاليَّةُ الحُدودِ وَالمَرجِعِيَّةِ: المَعرِفَةُ كَوِلادَةٍ إبداعيَّةٍ: مَا بَعدَ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ (ما بعدَ الذَّكاءِ): البُعدُ الأَكسِيُولُوجِيُّ (قِيمَةُ المَعرِفَةِ فِي هَذا الأُفُق): الخاتِمَةُ الدراسة المراجع.
المُلخَّص يُحاوِلُ هذا البَحثُ أنْ يُعيدَ قِراءةَ مَفهومِ المَعرِفَةِ بينَ الفِكرِ الفَلسَفيِّ والواقِعِ التَّطبيقيِّ، مُستعرِضًا المَسارَ التَّاريخيَّ لِلمَعرِفَةِ منذُ العَصرِ اليونانِيِّ مرورًا بالفِكرِ المسيحيِّ والإسلامِيِّ، ووصولًا إلى مَدارِسِ الحداثَةِ وما بعدَها. ويَهدِفُ البَحثُ إلى تَبيانِ أبعادِ المَعرِفَةِ الثَّلاثَةِ: الأُنتولوجِيِّ، والإبستيمِيِّ، والأكسيولوجِيِّ، وربطِها بِالإشكالِيّاتِ المُعاصِرَةِ الَّتي تَطرَحُها الثَّورَةُ الرَّقميَّةُ والذَّكاءُ الاصطِناعِيُّ. كما يُسَلِّطُ الضَّوءَ على مَفهومِ «الوِلادَةِ الإبداعِيَّةِ» الَّذي يُقَدِّمُهُ الباحِثُ كَمُقارَبَةٍ بَديلَةٍ تُعيدُ لِلمَعرِفَةِ بُعدَها الإنسانيَّ والإبداعِيَّ في مُواجَهَةِ نزعَةِ التَّسليعِ والتَّشييءِ. ويَنطلِقُ البَحثُ مِن مَناهِجَ تَاريخِيَّةٍ وتَحليلِيَّةٍ ونَقدِيَّةٍ وتَركيبيَّةٍ، مَع السَّعيِ إلى رَسمِ مَصْفوفَةٍ تَوضَعُ فيها الأبعادُ الثَّلاثَةُ للمَعرِفَةِ في ضَوءِ المَراحِلِ الفَلسَفِيَّةِ المُتعاقِبَةِ. الكلماتُ المفتاحِيَّةُ المَعرِفَةُ – الفَلسَفَةُ – الإبستيمولوجيَّا – الوِلادَةُ الإبداعِيَّةُ – الذَّكاءُ الاصطِناعِيُّ – التَّسليعُ المَعرفِيُّ.
المقدِّمَةُ إنَّ المَعرِفَةَ تُمَثِّلُ أَحدَ أَقدَمِ الهُمُومِ الفَكرِيَّةِ الَّتِي رَافَقَتِ الإنسَانَ مُنذُ بَوَاكِيرِ الوُجُودِ البَشَرِيِّ. فَالمُحَاوَلَةُ الأُولَى لِفَهمِ الطَّبِيعَةِ وَتَأمُّلِ السَّمَاءِ وَالأَرضِ وَمَا يَجرِي فِيهِمَا، كَانَت مَعرِفَةً غَامِضَةً مَمزُوجَةً بِالخَوفِ وَالأسطُورَةِ، ثُمَّ مَا لَبِثَت أَن تَحَوَّلَت إِلَى بَذُورِ فِكرٍ عَقلِيٍّ مَعَ الفَلسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ. فَقَد سَاءَلَ سُقراطُ الحَقِيقَةَ وَعَدَّهَا غَايَةَ الفَيلَسُوفِ، وَجَعَلَ أَفلاطُونُ المَعرِفَةَ تَذَكُّرًا لِلعَالَمِ المِثَالِيِّ، فِيمَا رَبَطَهَا أرسطُو بِالتَّجرِبَةِ وَالمُحَسوسِ. وَفِي الفِكرِ الإسلَامِيِّ، جَعَلَ الفَارَابِي وَابنُ سِينَا المَعرِفَةَ سَبِيلًا لِتحقِيقِ السَّعَادَةِ، وَخَاضَ الغَزَالِي وَابنُ رُشدٍ فِي مَسأَلَةِ التَّوافُقِ بَينَ المَعرِفَةِ العَقلِيَّةِ وَالمَعرِفَةِ الوَحيِيَّةِ. وَمَعَ دِيكَارتَ فِي العَصرِ الحَدِيثِ، تَجَدَّدَ سُؤَالُ اليَقِينِ وَمَدى قُدرَةِ العَقلِ عَلَى بِنَاءِ مَعرِفَةٍ رَاسِخَةٍ. ثُمَّ جَاءَ كَانت لِيَضَعَ الإبِستِيمُولُوجيَا (عِلمَ المَعرِفَةِ) فِي مَركَزِ الفَلسَفَةِ النَّقدِيَّةِ، فَفَصَلَ بَينَ مَا يُدرِكُهُ العَقلُ وَمَا يَتَشَكَّلُ فِي التَّجرِبَةِ. أَمَّا هِغِل فَقَد رَآهَا مَسِيرَةً تَارِيخِيَّةً نَحوَ الرُّوحِ المُطلَقِ. وَبِالوُصُولِ إِلَى العَصرِ المُعَاصِرِ، تَكاثَرَتِ المَدَارِسُ الفَلسَفِيَّةُ: فَالوُضعِيَّةُ تَربِطُ المَعرِفَةَ بِالعِلمِ وَالمُلاحَظَةِ، وَالفِكرُ البَرنَامَاتِيُّ يَجعَلُ المَعرِفَةَ أَداةً لِحَلِّ المَشَاكِلِ. ثُمَّ جَاءَ مَا بَعدَ الحَدَاثَةِ لِيُثِيرَ أَزمَةَ المَعرِفَةِ وَيُشَكِّكَ فِي مَفهُومِ الحَقِيقَةِ نَفسِهَا. وَاليَومَ، مَعَ صُعُودِ العَولَمَةِ وَالثَّورَةِ الرَّقمِيَّةِ وَالذَّكَاءِ الاصطِنَاعِيِّ، تَتَجَدَّدُ السُّؤَالَاتُ: هَل المَعرِفَةُ مَازَالَت سَبِيلًا إِلَى الحَقِيقَةِ، أَم أَصبَحَت أَدَاةً سُلطَوِيَّةً وَاقتصَادِيَّةً؟ يَأتِي هَذَا البَحثُ لِيُحَاوِلَ الإحَاطَةَ بِمَوضُوعِ المَعرِفَةِ بَينَ جَذُورِهَا الفَلسَفِيَّةِ وَتَجَلِّيَاتِهَا الوَاقِعِيَّةِ، مُسَائِلًا حُدُودَ العَقلِ، وَمَكانَةَ التَّجرِبَةِ، وَآفَاقَ المَعرِفَةِ فِي عَصرٍ تَتَسَارَعُ فِيهِ التَّقنِيَّةُ وَيَتَشَظَّى فِيهِ مَفهُومُ الحَقِيقَةِ. أَهدافُ البَحثِ تَتبُّعُ التَّطَوُّرِ التَّارِيخِيِّ لِمَفهُومِ المَعرِفَةِ مُنذُ الفِكرِ الأُسطُورِيِّ وَالفَلسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ وَحَتَّى العَصرِ المُعَاصِرِ. تَحلِيلُ أَبرَزِ النَّظَرِيَّاتِ الفَلسَفِيَّةِ الَّتِي صَاغَت مَفهُومَ المَعرِفَةِ، مِثلَ النَّظَرِيَّةِ العَقلَانِيَّةِ، وَالتَّجرِيبِيَّةِ، وَالفَلسَفَةِ النَّقدِيَّةِ، وَالفِكرِ البَرنَامَاتِيِّ، وَالفِكرِ مَا بَعدَ الحَدَاثَةِ. بَحثُ العَلاقَةِ بَينَ المَعرِفَةِ النَّظَرِيَّةِ وَالوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ وَالاِجتِمَاعِيِّ وَالعِلمِيِّ. دِرَاسَةُ تَأثِيرِ الثَّورَةِ الرَّقمِيَّةِ وَالتَّقنِيَّةِ وَالذَّكَاءِ الاصطِنَاعِيِّ فِي مَفهُومِ المَعرِفَةِ وَآفَاقِهَا. تَقيِيمُ أَبعَادِ المَعرِفَةِ الفَلسَفِيَّةِ وَالوَاقِعِيَّةِ، وَبَيَانُ أَثرِهَا فِي بِنَاءِ الوَاعِي الإنسَانِيِّ وَالقِيمِ الحَضَارِيَّةِ. مَشكلةُ البَحثِ وأهدافُهُ تَطرَحُ مَسأَلَةُ المَعرِفَةِ نَفسَها اليَومَ باعتِبارِها إشكالِيَّةً مَحوَرِيَّةً في الفِكرِ الفَلسَفِيِّ والواقِعِ العَملِيِّ على السَّواءِ. فَقَدِ انتَقَلَتِ المَعرِفَةُ عَبرَ العُصورِ مِنَ التَّصَوُّرِ الميتافيزيقِيِّ واللاهوتِيِّ إلى التَّعريفاتِ العَقلانِيَّةِ والتَّجريبِيَّةِ، وَصولًا إلى النَّظَريّاتِ النَّقدِيَّةِ والمُعاصِرَةِ الَّتي تَضَعُها في قَلبِ جَدلِ السُّلطةِ والتِّقنِيَّةِ. غَيرَ أنَّ وَفرَةَ المَعلوماتِ وتَسليعَها في العَصرِ الرَّقمِيِّ أَدَّيا إلى تَهدِيدِ بُعدِها الإنسانيِّ والإبداعِيِّ، وجَعلَاها أَقرَبَ إلى أداةٍ سُلطَوِيَّةٍ أو تِجارِيَّةٍ. ومِن هُنا تَنبُثِقُ مَشكِلةُ هذا البَحثِ: كَيْفَ يُمكِنُ لِلمَعرِفَةِ أَنْ تُحافِظَ على بُعدِها الإبداعِيِّ والإنسانِيِّ في مُواجَهَةِ نَزعَةِ التَّسليعِ والتَّحوِيلِ إلى مُجرَّدِ أداةٍ سُلطَوِيَّةٍ؟ أسئِلَةُ البَحثِ الفَرعِيَّةُ ما حُدودُ المَعرِفَةِ بَينَ العَقلِ والحِسِّ؟ كَيفَ تَغَيَّرَتْ وَظيفَةُ المَعرِفَةِ مِنَ التَّنظِيرِ الفَلسَفِيِّ إلى المُمارَسَةِ الواقِعِيَّةِ عَبرَ العُصورِ؟ ما أَثرُ الذَّكاءِ الاصطِناعِيِّ والثَّورَةِ الرَّقميَّةِ في إعادَةِ صِياغَةِ مَفهُومِ المَعرِفَةِ؟ كَيفَ يُمكِنُ لِمَفهُومِ «الوِلادَةِ الإبداعِيَّةِ» أَنْ يُقَدِّمَ بَديلًا لِمَفهُومِ المَعرِفَةِ التَّقليدِيِّ؟ فَرضِيّاتُ البَحثِ يُفترَضُ أَنَّ المَعرِفَةَ لَيسَتْ تَراكُمًا مَعلوماتِيًّا فَحَسْبُ، بَل فِعلُ وِلادَةٍ إبداعِيَّةٍ مُتَجدِّدَةٍ. يُفترَضُ أَنَّ العَلاقَةَ بَينَ الفَلسَفَةِ والواقِعِ لَيسَتْ عَلاقَةَ قَطيعَةٍ، بَل عَلاقَةٌ جَدَلِيَّةٌ تُتيحُ لِلمَعرِفَةِ أَنْ تُؤثِّرَ في البُنيَةِ الاجتِماعِيَّةِ وتُستَثمَرَ فيها. يُفترَضُ أَنَّ الذَّكاءَ الاصطِناعِيَّ لا يُلغِي دَورَ الإنسانِ، بَل يَفتَحُ أُفُقًا جَديدًا لِوِلادَةِ أَشكالٍ مُبتَكَرَةٍ مِنَ المَعرِفَةِ، بِشَرطِ ضَبطِها أَخلاقِيًّا وقِيميًّا. يُفترَضُ أَنَّ المُحافَظَةَ على البُعدِ الإنسانِيِّ لِلمَعرِفَةِ تَمُرُّ عَبرَ التَّكامُلِ بَينَ أبعادِها الأُنتولوجِيَّةِ والإبستيمِيَّةِ والأكسيولوجِيَّةِ. مَناهِجُ البَحثِ نظرًا لتعدّد الأبعاد التي يتناولها موضوع المعرفة بين الفكر الفلسفي والواقع، فقد اقتضى الأمر اعتماد أكثر من منهج علميّ، بحيث يكمّل كلٌّ منها الآخر في بناء رؤية متكاملة. فالمعرفة مفهوم ذو جذور تاريخيّة وفلسفيّة عميقة، لكنه في الوقت ذاته متّصل بالواقع الاجتماعي والتقني المعاصر. ومن هنا جاءت الحاجة إلى توظيف مناهج متنوّعة تتيح الجمع بين التتبّع التاريخي، والتحليل المفهومي، والمقارنة بين المدارس، والنقد، وأخيرًا التركيب. 1. المَنهَجُ التَّاريخِيُّ يَكشِفُ تَطوُّرَ مَفهُومِ المَعرِفَةِ مُنذُ الفِكرِ الأُسطُورِيِّ، مرورًا بالفَلسَفَةِ القَدِيمَةِ والوسيطَةِ، وحتّى الفَلسَفَةِ المُعاصِرَةِ. 2. المَنهَجُ التَّحلِيلِيُّ يَفحَصُ المَفاهِيمَ الفَلسَفِيَّةَ والنُّصوصَ النَّظَرِيَّةَ، ويُفكِّكُ بُناها المَعرفِيَّةَ لِكَشفِ مَواطنِ القُوَّةِ والضَّعفِ فيها. 3. المَنهَجُ المُقَارِنُ يُقارِنُ بَينَ مواقِفِ الفَلاسِفَةِ والمَدارِسِ الفِكرِيَّةِ في تَصَوُّرِ المَعرِفَةِ وعَلاقَتِها بالواقِعِ، مِمَّا يُساعِدُ على إبرازِ نِقاطِ الالتقاءِ والاختلافِ. 4. المَنهَجُ النَّقدِيُّ يُقيِّمُ صِحَّةَ ومُلاءَمَةَ النَّظَرِيّاتِ الفَلسَفِيَّةِ في ضَوءِ التَّحدّياتِ المُعاصِرَةِ، كالعَولَمَةِ والثَّورَةِ الرَّقمِيَّةِ، ويُبرِزُ مدى قُدرتِها على الاستِمرارِ والتَّجدُّدِ. 5. المَنهَجُ التَّركِيبِيُّ يُبنِي رُؤيَةً شَامِلَةً تُوَحِّدُ بَينَ البُعدِ الفَلسَفِيِّ والبُعدِ الواقِعِيِّ لِلمَعرِفَةِ، ويَدمُجُ ما تَوصَّلَت إليهِ المَناهِجُ السَّابِقَةُ في صُورَةٍ كُلِّيَّةٍ مُتكامِلَةٍ.
المحور الأول:مَصادِرُ المَعرِفَةِ فِي الفَلسَفَةِ اليُونانِيَّةِ: عِندَ سُقراط وأَفلاطون كانَ المَصدَرُ الأَعلَى لِلمَعرِفَةِ هُوَ العَقلُ والتَّذكُّرُ (أنامنسيس) لِلعَالَمِ الأَعلَى. أرسطو أَضافَ الحِسَّ كَمَصدَرٍ أَوَّلِيٍّ، وَرَأى أَنَّ المَعرِفَةَ تَنتَقِلُ مِنَ الجُزئِيِّ إِلَى الكُلِّيِّ عَبرَ التَّجرِبَةِ والعَقلِ. فِي الفَلسَفَةِ المَسيحِيَّةِ (الغَربِيَّةِ وَالمَشرِقِيَّةِ): أُوغسطينُس (354–430م) اعتَبَرَ أَنَّ المَعرِفَةَ الحَقيقيَّةَ لا تُدرَكُ إلّا بِنُورِ اللهِ، فَالوَحيُ هُوَ المَصدَرُ الأَسمَى، والعَقلُ يُساعِدُهُ. بُوئثيوس (480–524م) نَقَلَ المَنطِقَ الأرسطيَّ، مُؤسِّسًا لِاعتمادِ العَقلِ كَمَصدَرٍ مَنهَجيٍّ. يُوحَنَّا الدِّمشقي (676–749م) أَكَّدَ عَلَى وَحدةِ المَصدَرَيْنِ: العَقلِ والوَحيِ، مُعتَبِرًا أَنَّ الإِيمَانَ يَستَنِدُ إِلَى عَقلٍ صَحِيحٍ. توما الأكويني (1225–1274م) بَلغَ الذِّروَةَ فِي تَكامُلِ المَصادِرِ، فَالوَحيُ والعَقلُ كِلاهما طَريقٌ إلى المَعرِفَةِ، غَيرَ أَنَّ العَقلَ مَحدُودٌ، وَالوَحيُ يُكمِلُه. فِي الفَلسَفَةِ الإسلاميَّةِ: الفارابيُّ (ت 950م) وابنُ سينا (ت 1037م) جَعَلا الحِسَّ والعَقلَ مَصدَرَيْنِ أساسيَّينِ، مُضِيفَينِ العَقلَ الفَعّالَ كَوَاسِطَةٍ بَينَ الإنسانِ وَالعَالَمِ الأعلى. الغَزاليُّ (ت 1111م) رَفَضَ الاكتِفاءَ بِالعَقلِ والحِسِّ، وَرَأى أَنَّ النُّورَ الإلهيَّ هُوَ الَّذي يُحقِّقُ المَعرِفَةَ اليَقينيَّةَ. ابنُ رُشدٍ (ت 1198م) أَعطَى الأَولَوِيَّةَ لِلعَقلِ والتَّجرِبَةِ، مُعتَبِرًا أَنَّ الوَحيَ لا يُناقِضُ العَقلَ، بَل يُؤكِّدُه. فِي الفَلسَفَةِ الحَديثَةِ: ديكَارت (1596–1650م) اعتَمَدَ العَقلَ مَصدَرًا أَولِيًّا لِلمَعرِفَةِ، عَبرَ مَنهَجِ الشَّكِّ وَالكوجيتو. جون لوك (1632–1704م) رَأَى أَنَّ المَعرِفَةَ كُلَّها تَنبُعُ مِنَ التَّجرِبَةِ، حِسِّيَّةً كانَت أَو بَاطِنِيَّةً. ديفيد هيوم (1711–1776م) أَكَّدَ عَلَى الحِسِّ وَالتَّجارِبِ كَمَصدَرٍ وَحِيدٍ، وَأَنكرَ أَيَّةَ مَعرِفَةٍ مَيتَافيزيقيَّةٍ. كانط (1724–1804م) جَمعَ بَينَ المَصدرَيْنِ: الحِسِّ والعَقلِ، فَالمَعرِفَةُ لَيسَت صُورَةً خَارجِيَّةً فَقَط، بَل هِيَ تَركِيبٌ بَينَ مَقولاتِ العَقلِ وَالمُعطَياتِ الحِسِّيَّةِ. فِي الفَلسَفَةِ المُعاصِرَةِ: هوسرل (1859–1938م) جَعَلَ التَّجربَةَ الظَّواهِريَّةَ مَصدَرًا مُباشِرًا لِلمَعرِفَةِ. الفِكرُ التَّحليليُّ وَالوَضعِيَّةُ المَنطِقيَّةُ رَبَطَا المَعرِفَةَ بِاللُّغةِ وَالتَّحقُّقِ التَّجرِيبِيِّ. الفِكرُ ما بَعدَ الحَداثيِّ أَكَّدَ أَنَّ المَعرِفَةَ نِسبيَّةٌ، وَأَنَّ مَصادِرَها لا تَنفَصِلُ عَن سِياقاتِ القُدرَةِ والخِطابِ. المَحورُ الثاني ُ: مَفهُومُ المَعرِفَةِ فِي الفِكرِ الفَلسَفِيِّ تُعَدُّ المَعرِفَةُ مِن أقدَمِ الإشكالاتِ الَّتي شَغَلَتِ العَقلَ البَشَريَّ. فمُذ وُجِدَ الفَيلَسُوفُ، كانَ السُّؤالُ الجَوهَريُّ: ما المَعرِفَةُ؟ وهل يُمكِنُ للعَقلِ أن يَبلُغَ الحَقيقَةَ؟ أَوَّلًا – التَّعريفُ اللُّغَوِيُّ تُشتَقُّ كَلِمَةُ "المَعرِفَةِ" مِنَ الفِعلِ "عَرَفَ"، الَّذي يَدُلُّ فِي اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ عَلَى الإِدراكِ وَالفَهمِ وَالتَّمييزِ. يُقالُ: "عَرَفَ الشَّيءَ"، أَي أَدرَكَهُ وَعَلِمَ حَقيقَتَهُ. وَيُقابِلُها فِي الاستِعمالِ اللُّغَوِيِّ "الجَهلُ"، الَّذي يَدُلُّ عَلَى عَدمِ الإِدرَاكِ. ثَانِيًا – التَّعريفُ الاِصطِلَاحِيُّ عَرَّفَ الفَلاسِفَةُ وَالمُتَكَلِّمُونَ المَعرِفَةَ بِأَنَّها: عِندَ المناطِقَةِ: الإِدرَاكُ الجازِمُ المُطابِقُ لِلوَاقِعِ، وَهُوَ مَحصُورٌ فِيمَا يَحصُلُ بِالدَّليلِ أَو البُرهانِ. عِندَ الأُصُوليِّينَ: وَصُولُ الذِّهنِ إِلَى الحُكمِ عَلَى شَيءٍ وُصُولًا يَستَنِدُ إِلَى بَيِّنَةٍ. عِندَ الفَلاسِفَةِ الحَديثِين: نِظامٌ مِنَ القَضَايَا وَالتَّصَوُّراتِ يُبرِّرُهُ العَقلُ أَو التَّجرِبَةُ، وَيُحَقِّقُ قَدرًا مِنَ التَّوافُقِ مَعَ الوَاقِعِ. عِندَ البَعضِ المُعاصِرِين: بِنَاءٌ اِجتِماعِيٌّ وَتَراكُمٌ تَاريخِيٌّ يَتَشكَّلُ وَفقَ السِّياقاتِ الثَّقافِيَّةِ وَالقُدرَةِ عَلَى التَّأويلِ. لقد تَناوَلَ الفَلاسِفَةُ هذا المَفهُومَ عبرَ مَراحِلَ زَمنيَّةٍ مُختَلِفَةٍ، مِن الفَلسَفَةِ الإغريقيَّةِ، حتّى المَدارِسِ الفَلسَفيَّةِ الحَديثَةِ والمُعاصِرَةِ. وتُمكِنُ الإشارَةُ إلى بَعضِ المَحاوِرِ الأساسيَّةِ فِي التَّطَوُّرِ الفَلسَفيِّ لمَفهُومِ المَعرِفَةِ: الفَلسَفَةُ الإغريقيَّةُ: اعتَبَرَ سُقراطُ المَعرِفَةَ مَسعًى أخلاقيًّا، إذ رَبَطَ بَينَها وبَينَ الفَضلِ الفَرديِّ. أَمَّا أَفلاطونُ فقد رَأى أَنَّ المَعرِفَةَ هي تَذَكُّرُ النَّفسِ لِما شَاهَدَتهُ فِي عالَمِ المُثُلِ، مُميِّزًا بَينَ الرَّأيِ (الدُّوكسا) والمَعرِفَةِ الحَقيقيَّةِ (الإيبيستيميه). بَينَما أَكَّدَ أرسطو أَنَّ المَعرِفَةَ تُكتَسَبُ عَبرَ التَّجربَةِ الحِسِّيَّةِ ثُمَّ يَرتَفِعُ العَقلُ إلى مَرتَبَةِ الكُلِّيِّ. الفَلسَفَةُ الوُسطى (المَسيحيَّةُ الغَربيَّةُ والمَشرقيَّةُ ثُمَّ الإسلاميَّةُ): المَدرَسةُ المَسيحيَّةُ: بَرَزَ أُوغسطينُس (354–430م) الَّذي عَدَّ المَعرِفَةَ نُورًا إلهيًّا يَهدِي العَقلَ، مُعتَبرًا أَنَّ الإيمانَ يَسبِقُ العَقلَ ويُرشِدُه. أَمَّا بُوئثيوس (480–524م) فَنَقَلَ مَفاهيمَ المَنطِقِ الأرسطيِّ إلى الغربِ اللاتينيِّ. ثُمَّ جَاءَ يُوحَنَّا الدِّمشقي (676–749م) كأحَدِ أَكبَرِ المُفكِّرينَ السُّريانِ، مُؤسِّسًا لِفَلسَفةٍ لاهوتيَّةٍ جَعلَتِ المَعرِفَةَ التَّقاءً بَينَ العَقلِ والوَحيِ. المَدرَسةُ الإسلاميَّةُ: الفارابيُّ (ت 950م) وابنُ سينا (ت 1037م) قَدَّما نَظريَّةً تَجمَعُ بَينَ العَقلِ الفَعّالِ والإدراكِ الحِسِّيِّ. الغَزاليُّ (ت 1111م) شَكَّ فِي مَصادِرِ المَعرِفَةِ حتّى ثَبَتَ اليَقينُ عِندَهُ بِالنُّورِ الإلهيِّ. ابنُ رُشدٍ (ت 1198م) أكَّدَ أَولَوِيَّةَ العَقلِ، جاعِلًا مِنهُ وَمِنَ التَّجربَةِ طَريقًا إلى إدراكِ الحَقيقَةِ. الفَلسَفَةُ الحَديثَةُ: بَدأَت مَع رِينيه ديكَارت الَّذي اعتَمَدَ الشَّكَّ الطَّريقَ إلى اليَقينِ، فَكانَ الكوجيتو: "أَنا أُفَكِّرُ إِذًا أَنا مَوجُودٌ"، أَساسًا لِكُلِّ مَعرِفَةٍ. أَمَّا جون لوك وديفيد هيوم فمَثَّلَا النَّزعَةَ التَّجريبيَّةَ الَّتي تَجعَلُ الحِسَّ أَصلَ كُلِّ مَعرِفَةٍ. ثُمَّ جَاءَ كانط ليَمزُجَ بَينَ العَقلانيَّةِ والتَّجريبيَّةِ، مُؤكِّدًا أَنَّ المَعرِفَةَ نَتاجُ تَفاعُلِ المَفاهيمِ القبليَّةِ مَعَ المَحسُوسِ. الفَلسَفَةُ المُعاصِرَةُ: سَعَت إلى تَفكيكِ مَفهُومِ المَعرِفَةِ وتَوسِيعِه. فالفِكرُ الظَّواهِريُّ مَع هوسرل رَأى أَنَّ المَعرِفَةَ هي وَصفٌ مُباشِرٌ لِلتَّجرِبَةِ. بَينَما ذَهَبَ فلاسِفَةُ البَرهَنَةِ اللُّغويَّةِ إلى رَبطِ المَعرِفَةِ بِتَحليلِ اللُّغةِ. وأَخيرًا، أَضافَ الفِكرُ ما بَعدَ الحَداثيِّ أَنَّ المَعرِفَةَ نِسبيَّةٌ ومُرتَبِطَةٌ بِسِياقاتِ القُدرَةِ والخِطابِ. المَحورُ الثَّالث: المَعرِفَةُ بَينَ النَّظرِيَّةِ وَالتَّطبيِقِ العَلاقَةُ بَينَ المَعرِفَةِ وَالوَاقِعِ المَعرِفَةُ لَيسَت مُجرَّدَ تَصَوُّرٍ ذِهنِيٍّ أو نِظامٍ نَظَرِيٍّ مُغلَقٍ، بَل هِيَ فِعلٌ يَرتَبِطُ بِالوَاقِعِ. فالفَيلَسوفُ الإغريقيُّ أرسطو فَرَّقَ بَينَ المَعرِفَةِ النَّظَرِيَّةِ الَّتي تَهدِفُ إلى إدراكِ الكَونِ لِذَاتِه، وَالمَعرِفَةِ العَمَليَّةِ الَّتي تَتَّصِلُ بِالأخلاقِ والسِّياسةِ. وفي العُصورِ الوُسطى رَبَطَ أُوغسطينُس المَعرِفَةَ بِالخَلاصِ الرُّوحيِّ، ثُمَّ طَوَّرَها الفَلاسِفَةُ المُسلِمون لِتُصبِحَ جِسرًا بَينَ العَقلِ والتَّجربَةِ. أَمَّا الفَلسَفَةُ الحَديثَةُ فَجَعَلَت العَلاقَةَ بَينَ المَعرِفَةِ والوَاقِعِ مَحَكًّا أساسيًّا، كَمَا عِندَ جون لوك وهيوم الَّذينَ اعتَبَرَا أنَّ مِعيارَ صِدقِ المَعرِفَةِ هُوَ تَطابُقُها مَعَ الوَاقِعِ المُدرَكِ حِسِّيًّا. أَزمَةُ المَعرِفَةِ فِي زَمَنِ العَولَمَةِ وَالتِّقنِيَّةِ فِي العَصرِ المُعاصِرِ، واجَهَتِ المَعرِفَةُ أَزمَةً بَينَ فَيضانِ المَعلُومَةِ وَضَعفِ التَّحقُّقِ. العَولَمَةُ جَعَلَتِ المَعرِفَةَ مُنتَشِرَةً بِسُرعَةٍ وَلكن غَيرَ مَضمُونَةِ المَصدَرِ. وَالتِّقنِيَّةُ أَدَّت إِلَى تَحوُّلِ المَعرِفَةِ إِلَى سِلعَةٍ تَتَداوَلُها الشَّبَكاتُ وَالمُؤسَّسَاتُ، حَتَّى صَارَ الفَردُ أَحيانًا عاجِزًا عَن التَّميِيزِ بَينَ المَعرِفَةِ العِلمِيَّةِ وَالمَعلُومَةِ السَّطحيَّةِ. هُنا بَرَزَ مَا يُسمَّى بِــ"مَجتَمَعِ المَعرِفَةِ"، وَهُوَ مَجتَمَعٌ تُصبحُ فِيهِ المَعلُومَةُ أَدَاةَ قُدرَةٍ وَسَيطَرَةٍ. تَجَلِّيَاتُ المَعرِفَةِ فِي حَيَاةِ الفَردِ وَالمُجتَمَعِ عَلَى مُستَوى الفَردِ: تُشكِّلُ المَعرِفَةُ أَداةً لِبِناءِ الهُوِيَّةِ وَتَحديدِ المَسارِ الشَّخصيِّ. فَهيَ تَمنَحُهُ وُعياً يَجعَلُهُ يَفهَمُ مَكانَتَهُ فِي العَالَمِ. عَلَى مُستَوى المُجتَمَعِ: تُساهِمُ المَعرِفَةُ فِي التَّطَوُّرِ العِلمِيِّ وَالتِّقنِيِّ، وَتُصبِحُ مَعيارًا لِقُوَّةِ الأُمَمِ وَتَقدُّمِها. وَقَد بَيَّنَ مَنهَجُ الفَلسَفَةِ النَّقديَّةِ (هابرماس مثلًا) أَنَّ المَعرِفَةَ لَيسَت نَوعًا واحِدًا، بَل تَتَنوَّعُ بَينَ مَعرِفَةٍ أَداتِيَّةٍ تُسيطِرُ عَلَى الطَّبيعَةِ، وَمَعرِفَةٍ تَواصُليَّةٍ تُطوِّرُ التَّفاهُمَ بَينَ البَشرِ. تَطبيـقات مُعاصِرَة: دِراسَاتُ حالَةٍ مُصَغَّرَة يَتَّضِحُ أنَّ المَعرِفَةَ لا تَبقَى حَبيسَةَ الإطارِ النَّظَرِيِّ، بَل تَتَحوَّلُ إلى قُوَّةٍ فاعِلَةٍ في مَجالاتِ الحَياةِ المُعاصِرَةِ. ولإبرازِ ذلِكَ، يُمكِنُ الاستِعانَةُ بِبَعضِ النَّماذِجِ التَّطبيـقِيَّةِ الَّتي تَكشِفُ عَن تَفاعُلِ المَعرِفَةِ مَعَ الوَاقِعِ: 1. المَعرِفَةُ والصِّحَّةُ العَامَّةُ أَظهَرَت جائِحَةُ «كوفيد–19» أنَّ المَعرِفَةَ العِلمِيَّةَ لَم تَكُنْ مُجرَّدَ تَراكُمٍ مَعلوماتِيٍّ، بَل أَداةً لِإنقاذِ الحَياةِ. فَقَد بَرَزَ التَّوتُّرُ بَينَ المَعرِفَةِ المَبنِيَّةِ على البُحوثِ الطِّبِّيَّةِ، وَالمَعرِفَةِ المُشوَّهَةِ المُنتَشِرَةِ عَبرَ الإشاعَةِ وَالإعلامِ غَيرِ المَسؤولِ. هَذا التَّوتُّرُ بَيَّنَ أنَّ المَعرِفَةَ لَيسَت مَوضُوعًا حِياديًّا، بَل سَاحَةَ صِراعٍ بَينَ العِلمِ والسِّياسَةِ وَالمَصالِحِ الاقتِصادِيَّةِ. 2. المَعرِفَةُ والتَّعلِيمُ الرَّقمِيُّ مَعَ تَحوُّلِ التَّعلِيمِ إلى البِيئَةِ الرَّقمِيَّةِ، وَخُصوصًا أثنَاءَ فَترَةِ الإغلاقِ العالَمِيِّ، بَرَزَت إشكالِيَّةُ «الفَجوَةِ الرَّقمِيَّةِ» بَينَ مَن يَمتَلِكُ الأَدَواتَ التِّقنِيَّةَ وَمَن يُحرَمُ مِنهَا. هُنا غَدَتِ المَعرِفَةُ مَورِدًا غَيرَ مُتَكافِئِ التَّوزِيعِ، وَتَحوَّلَت إلى عُنصُرٍ يُعمِّقُ التَّفاوتَ الاجتِماعِيَّ. يَكشِفُ ذلِكَ أَنَّ التَّعريفَ التَّقليدِيَّ لِلمَعرِفَةِ كَـ«اعتِقادٍ صَادِقٍ مُبرَّرٍ» يَفشَلُ في وَصفِ ظُروفٍ مِثلَ هَذهِ، حَيثُ يَتَدخَّلُ البُعدُ الاقتِصادِيُّ والسِّياسِيُّ فِي صُنْعِ فُرصِ التَّعلُّمِ. 3. المَعرِفَةُ والسِّياسَاتُ الإعلَامِيَّةُ تُظهِرُ تَجَارِبُ العَصرِ الرَّقمِيِّ كَيفَ أَصبَحَت المَعلُومَةُ وَسِيلَةً لإعادَةِ تَشكِيلِ الرَّأيِ العَامِّ. فَالأَخبَارُ الزَّائِفَةُ وَخَوارِزميَّاتُ التَّوجِيهِ الرَّقمِيِّ تَتحكَّمُ فِي مَا يَعرِفُهُ الأَفرادُ وَكَيْفَ يُدرِكُونَ العالَمَ. وَيُؤكِّدُ ذلِكَ أَنَّ المَعرِفَةَ قُدرَةٌ وسُلطَةٌ، تَتَحَوَّلُ إلى أَداةٍ للتَّأثِيرِ والهِيمَنَةِ مِثلَما تَتحوَّلُ إلى أَفقٍ لِلحُرِّيَّةِ والإبداعِ. خِتامُ المَحورِ الثَّالِثِ مِن خِلالِ هذِهِ الدِّراسَاتِ التَّطبيـقِيَّةِ يَتَبَيَّنُ أَنَّ المَعرِفَةَ لَيسَت مُجرَّدَ مَفهُومٍ نَظَرِيٍّ مُجرَّدٍ، بَل قُدرَةٌ فاعِلَةٌ تَتَجَسَّدُ في مَجالاتِ الصِّحَّةِ والتَّعلِيمِ والإعلامِ. فَهيَ في الوَقتِ نَفسِهِ قُوَّةٌ لِحِمايَةِ الإنسَانِ وَبِنَاءِ وعيِهِ، وَساحَةُ صِراعٍ تَتَداخَلُ فيها المَصالِحُ الاقتِصادِيَّةُ والسِّياسِيَّةُ والتِّقنِيَّةُ. وَيُؤكِّدُ ذلِكَ أَنَّ العَلاقَةَ بَينَ المَعرِفَةِ والوَاقِعِ هِيَ عَلاقَةٌ جَدلِيَّةٌ مُستَمِرَّةٌ، وَأَنَّ صُورَ المَعرِفَةِ الحَديثَةِ تَكشِفُ حَاجَتَها الدَّائِمَةَ إلى مَراجَعَةٍ وَضَبطٍ أَخلاقِيٍّ وَقِيمِيٍّ. وَهكَذا يَغدُو المَحورُ الثَّالِثُ جِسرًا بَينَ التَّنظِيرِ الفَلسَفِيِّ وَالمُمارَسَةِ الواقِعِيَّةِ، مِمَّا يُمَهِّدُ لِلانطِلاقِ نَحوَ مَعالِجَةِ الأَبعادِ الأُنتولوجِيَّةِ وَالإبستيمِيَّةِ وَالأكسيولوجِيَّةِ فِي المَحورِ التَّالِي. المَحورُ الرابع: أَبعَادُ المَعرِفَةِ وَآفَاقُهَا البُعدُ الأَنتُولوجِيُّ (حَقيقةُ الكَونِ وَالمَوجُودِ): يَتَّصِلُ هذا البُعدُ بِسُؤالٍ جَوهَريٍّ هُوَ: "ماذا يُوجَدُ؟" وَ"ما حَقيقَةُ الكَونِ؟". فَالمَعرِفَةُ هُنا تُدرَسُ فِي إطَارِ الوُجودِ نَفسِه. الفَلاسِفَةُ اليونانُ مِن أَفلاطونَ إِلَى أرسطو بَحَثُوا فِي طَبِيعَةِ المَوجُودِ وَتَراتُبِ الكَونِ. ثُمَّ وَاصَلَت الفَلسَفَةُ المسيحيَّةُ تَطوِيرَ هَذا البُعدِ، فَرَبَطَ أُوغسطينُس بَينَ الوُجودِ وَالخَيرِ الأَعلَى، فِي حِينٍ جَعَلَ يُوحَنَّا الدِّمشقيُّ المَوجُودَ كَونًا مَخلُوقًا يَستَمِدُّ حَقيقَتَهُ مِنَ الخَالِقِ. أَمَّا الفَلسَفَةُ الإسلاميَّةُ فَأَدخَلَت نِقاشًا عَميقًا حَولَ الوُجودِ والوَاجِبِ وَالمُمكِنِ (ابنُ سينا)، وَحَولَ العَلاقَةِ بَينَ المَاهِيَّةِ وَالوُجودِ. وَفِي الفَلسَفَةِ الحَديثَةِ تَطوَّرَ البُعدُ الأَنتُولوجِيُّ لِيُصبِحَ مَركَزِيًّا عِندَ ديكَارت وَكانط، ثُمَّ بَلغَ ذُروَتَهُ فِي الفِكرِ الوُجودِيِّ مَع هَيدِغَر الَّذي جَعَلَ المَعرِفَةَ سُؤَالًا عَن "الكَينُونَةِ". البُعدُ الإبِستِيمِيُّ (طُرُقُ تَحصِيلِ المَعرِفَةِ وَحُدُودُهَا): يُعنى هَذا البُعدُ بِالكَيفِيَّةِ الَّتي نَحصُلُ بِها عَلَى المَعرِفَةِ، وَبِحُدُودِ مَقدِرَةِ العَقلِ البَشَريِّ. الإغريقُ فَرَّقُوا بَينَ الرَّأيِ وَالعِلمِ. الفَلسَفَةُ المسيحيَّةُ الغَربيَّةُ رَأَت أَنَّ العَقلَ وَالإِيمَانَ يَتَكامَلانِ فِي طَريقِ المَعرِفَةِ (أُوغسطينُس، توما الأكويني). أمَّا المُسلِمون فَقَد حَدَّدُوا مَصادِرَ المَعرِفَةِ فِي الحِسِّ وَالعَقلِ وَالوَحيِ، مُؤسِّسِينَ لِنَظريَّةٍ مُتكامِلَةٍ (الفارابي، ابن سينا، الغزالي، ابن رشد). وَفِي العَصرِ الحَديثِ تَصَادَمَت العَقلانِيَّةُ التَّأمُّلِيَّةُ مَعَ التَّجريبيَّةِ، ثُمَّ جَاءَ كانط فَجَمعَ بَينَهُما. أَخِيرًا، بَرزَ فِي الفِكرِ المُعاصِرِ جَدَلٌ حَولَ نِسبيَّةِ المَعرِفَةِ وَارتِباطِها بِاللُّغةِ وَالسِّياقِ الاجتِماعِيِّ. البُعدُ الأَكسِيُولُوجِيُّ (قِيمَةُ المَعرِفَةِ وَأَثرُهَا فِي الحَيَاةِ): هُوَ بُعدٌ يَسأَلُ: "مَا قِيمَةُ المَعرِفَةِ؟" وَ"لِماذا نَعرِفُ؟". فَأفلاطونُ رَبَطَ المَعرِفَةَ بِالخَيرِ وَالعَدلِ. وَفِي الفَلسَفَةِ المسيحيَّةِ كانَت المَعرِفَةُ طَريقًا إِلَى اللهِ وَالخَلاصِ. أَمَّا الفَلاسِفَةُ المُسلِمون فَرَأَوا أَنَّ المَعرِفَةَ أَداةٌ لِعِمارَةِ الأَرضِ وَتَكمِيلِ النَّفسِ. وَمَعَ الحَديثِ وَالمُعاصِرِ، أَصبَحَت المَعرِفَةُ قُوَّةً وَسِلاحًا، تَحدِّدُ مَكانَةَ الأُمَمِ وَتَحكُمُ مَصائِرَها. وَاليَومَ يَطرَحُ الفِكرُ النَّقديُّ سُؤالًا مُؤرِّقًا: هَل المَعرِفَةُ تَحريرٌ أَم تَسليعٌ؟ وَهَل تُؤدِّي إِلَى حُرِّيَّةِ الإنسَانِ أَم تُساهِمُ فِي إخضَاعِهِ لِمَن يَملِكُ أَدَواتِها؟ المَصفوفَةُ التَّحليلِيَّةُ لِمَراحِلِ المَعرِفَةِ فِي الفِكرِ اليُونانِيِّ ارتَبَطَ البُعدُ الأُنتولوجِيُّ بِطَبيعةِ الكَونِ والنِّظامِ الكَوسمولوجِيِّ، أمّا البُعدُ الإبستيمِيُّ فَقَد تَجَسَّدَ فِي العَقلِ وَالمُحاجَجَةِ عِندَ سُقراطَ وأَفلاطونَ وَأرسطو، بَينَما عُدَّ البُعدُ الأكسيولوجِيُّ المَعرِفَةَ فَضلًا أَعلَى وَسَبيلًا لِلخَيرِ وَالحَياةِ الفاضِلَةِ. فِي الفِكرِ المَسيحِيِّ الوَسِيطِ بَدا البُعدُ الأُنتولوجِيُّ مُرتَبِطًا بِمَخلُوقِيَّةِ المَعرِفَةِ وَخُضوعِها لِلعَنايَةِ الإلهيَّةِ، وَتَحَقَّقَ البُعدُ الإبستيمِيُّ بِالجَمعِ بَينَ العَقلِ وَالإيمانِ عِندَ أُوغسطِين وَالأكويني، أَمَّا البُعدُ الأكسيولوجِيُّ فَجَعَلَ المَعرِفَةَ طَريقًا إلى الخَلاصِ وَمَعرِفَةِ اللهِ. فِي الفِكرِ الإسلامِيِّ الوَسِيطِ تَجلَّى البُعدُ الأُنتولوجِيُّ فِي عَدِّ المَعرِفَةِ جُزءًا مِن نِظامٍ كَونِيٍّ مُؤسَّسٍ على الحِكمَةِ الإلهيَّةِ، وَالبُعدُ الإبستيمِيُّ فِي الجَمعِ بَينَ العَقلِ وَالحِسِّ وَالوَحيِ عِندَ الفارابِي وَابنِ سينا وَابنِ رُشد، أَمَّا البُعدُ الأكسيولوجِيُّ فَقَد نَظَرَ إلى المَعرِفَةِ كقِيمَةٍ دِينِيَّةٍ وَأَخلاقِيَّةٍ تُؤسِّسُ لِلشَّريعَةِ وَالعَدلِ. فِي الحَداثَةِ انفَصَلَ البُعدُ الأُنتولوجِيُّ عَن الميتافيزيقَا وَارتَبَطَ بِالعَالَمِ المادِّيِّ، وَتَجَسَّدَ البُعدُ الإبستيمِيُّ فِي العَقلِ الذّاتِيِّ وَالتَّجرِبَةِ عِندَ ديكارتَ وَلوك وَكانط، أَمَّا البُعدُ الأكسيولوجِيُّ فَنَظَرَ إلى المَعرِفَةِ كأَداةٍ لِلتَّقدُّمِ وَلسَيطَرَةِ الإنسَانِ عَلى الطَّبيعَةِ. أَمَّا فِي الفَلسَفَةِ المُعاصِرَةِ وَما بَعدَ الحَداثَةِ فَقَد تَفَكَّكَ البُعدُ الأُنتولوجِيُّ وَانزاحَ عَن المَركَزِيَّةِ إلى التَّعدُّدِ وَالتَّشظِّي، وَتَحوَّلَ البُعدُ الإبستيمِيُّ إلى رَبطِ المَعرِفَةِ بِالسِّياقِ وَالخِطابِ وَالتَّأويلِ عِندَ هايدغَر وَفوكو وَدريدَا، بَينَما أَصبَحَ البُعدُ الأكسيولوجِيُّ يُنظَرُ إلى المَعرِفَةِ فيهِ كقِيمَةٍ نِسبِيَّةٍ تُحدَّدُ إمَّا بِعَلاقَتِها بِالسُّلطةِ أَو بِحُرِّيَّةِ الإنسَانِ. خِتامٌ تَوضِيحِيّ تُظْهِرُ هذِهِ المَتابَعَةُ التَّاريخِيَّةُ أَنَّ المَعرِفَةَ لَم تَكُنْ ثابِتَةَ المَعنَى أَو المُمارَسَةِ، بَل تَحوَّلَت مَعَ كُلِّ مَرحَلَةٍ فِي أبعادِها الثَّلاثَةِ: فِي الأُنتولوجِيِّ مِن التَّصوُّرِ الكَونِيِّ الثابِتِ إلى التَّفكُّكِ مَا بَعدَ الحَداثَةِ، وفِي الإبستيمِيِّ مِن العَقلِ الكُلِّيِّ إلى الخِطابِ النِّسبِيِّ، وفِي الأكسيولوجِيِّ مِن الفَضلِ الأعلَى وَالخَلاصِ إلى التَّسليعِ وَالسُّلطةِ. وَهَذا يُؤكِّدُ أَنَّ المَعرِفَةَ مَشروعٌ مُتحرِّكٌ وَمُتجَدِّدٌ، يَحتَاجُ دومًا إلى مُراجَعَةٍ وَتَأويلٍ يُناسِبُ الظُّروفَ التاريخِيَّةَ وَالتِّقنِيَّةَ المُعاصِرَةَ. المَحورُ الخامِسُ: حُدودُ المَعرِفَةِ وَإشكالاتُها فِي الفَلسَفَةِ اليُونانِيَّةِ: طَرَحَ السُّفسطائيُّونَ سُؤالًا جَوهَريًّا: هَل يُمكِنُ إدراكُ الحَقيقَةِ أصلًا؟ فَاعتَبَرَ بَعضُهُم (بروتاغوراس) أَنَّ الإِنسَانَ هُوَ مِقياسُ كُلِّ شَيءٍ، وبِذلكَ فالمَعرِفَةُ نِسبيَّةٌ. بَينَما رَدَّ أَفلاطونُ بِالتَّميِيزِ بَينَ العَالَمِ المَحسُوسِ (المُتَغَيِّر) وَعَالَمِ المُثُلِ (الثَّابِت). أرسطو بَحثَ الحُدودَ عَبرَ تَفرِقَتِه بَينَ ما يُدرَكُ بِالحِسِّ وَما يُدرَكُ بِالعَقلِ، فَجَعَلَ لِلمَعرِفَةِ نِطاقًا مَحسُوسًا وَمَجالًا مَيتَافيزيقيًّا. فِي الفَلسَفَةِ المَسيحِيَّةِ (الغَربِيَّةِ وَالمَشرِقِيَّةِ): تَركَّزَتِ الإشكاليَّةُ حَولَ العَلاقَةِ بَينَ العَقلِ والوَحيِ. أُوغسطينُس أَقرَّ بِحُدودِ العَقلِ البَشَريِّ، وَرَأَى أَنَّ اليَقينَ يَأتِي بِالنُّورِ الإلهيِّ. يُوحَنَّا الدِّمشقي وتوما الأكويني أَوضَحَا أَنَّ العَقلَ يُدرِكُ مَجالًا مُعيَّنًا (الطَّبيعَة، المَنطِق)، بَينَما يَتجاوَزُهُ الوَحيُ نَحوَ مَجالِ الغَيبِ. إشكالُ الحُدودِ هُنا أَنَّ المَعرِفَةَ البَشَرِيَّةَ نَاقِصَةٌ وَتَحتاجُ إِلَى إِكمَالٍ. فِي الفَلسَفَةِ الإسلاميَّةِ: ابنُ سينا حَدَّدَ مَجالَ العَقلِ فِي إدراكِ الكُلِّيَّاتِ، لَكِنَّهُ رَأَى أَنَّ بَعضَ الحَقائِقِ (كَالوَاجِبِ والمَعَاد) لا تُدرَكُ إلَّا عَبرَ مَصدَرٍ أَعلَى. الغَزالي وَقَفَ عِندَ حُدودِ العَقلِ وَالحِسِّ، فشَكَّ فِيهِما، وَرَأَى أَنَّ اليَقينَ يَأتِي فَقط مِنَ الكَشفِ وَالنُّورِ الإلهيِّ. ابنُ رُشدٍ، بِالمُقابِلِ، وَسَّعَ حُدودَ المَعرِفَةِ العَقلِيَّةِ، مُعتَبِرًا أَنَّهُ يُمكِنُ لِلعَقلِ أَن يُدرِكَ الحَقائِقَ الكُبرى، وَالوَحيُ يُوافِقُهُ وَلَا يُعارِضُهُ. فِي الفَلسَفَةِ الحَديثَةِ: ديكَارت حَدَّ مَجالَ المَعرِفَةِ بِمَا يَبلُغُهُ العَقلُ الوَاضِحُ المُمَيَّزُ، وَلكِنَّهُ استَنَدَ إِلَى اللهِ ضَمانًا لِصِدقِ المَعرِفَةِ. هيوم أَوصَلَ التَّجريبِيَّةَ إِلَى حَدِّها الأَقصَى، مُنكِرًا إمكانَ المَعرِفَةِ المَيتَافيزيقيَّةِ. كانط بَيَّنَ حُدودَ المَعرِفَةِ البَشَرِيَّةِ بِشَكلٍ دَقيقٍ: فَالعَقلُ لا يُدرِكُ الشَّيءَ فِي ذاتِه (النُّومين)، بَل يُدرِكُ المَظاهِرَ (الفِينومين) فَقط. فِي الفَلسَفَةِ المُعاصِرَةِ: هوسرل أَرادَ تَجاوُزَ حُدودِ المَنطِقِ التَّقليدِيِّ، فَجَعَلَ المَعرِفَةَ وَصفًا دَقيقًا لِلتَّجرِبَةِ الظَّواهِريَّةِ. الوَضعِيَّةُ المَنطِقيَّةُ حَدَّت المَعرِفَةَ بِمَا يُمكِنُ التَّحقُّقُ مِنهُ عِلمِيًّا، وَرَفَضَت كُلَّ مَعرِفَةٍ مَيتَافيزيقيَّةٍ. ما بَعدَ الحَداثَةِ ذَهَبَت إِلَى أَبعَدَ مِن ذَلِكَ، فَرَفَضَت إِمكانَ الحَقِّ المُطلَقِ، وَجَعَلَت المَعرِفَةَ نِسبيَّةً، وَأَعلَنَ نيتشه وَبَعدَهُ فوكو أَنَّ كُلَّ مَعرِفَةٍ هِيَ مَرتَبِطَةٌ بِالخِطابِ وَالقُدرَةِ.
المَحورُ السّادِسُ: المَعرِفَةُ فِي زَمَنِ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ وَمَا بَعدَ الذَّكاءِ (رُؤيَةٌ مِن مَدرَسَةِ الوِلادَةِ الإبداعيَّةِ) تَحوُّلُ مَصادِرِ المَعرِفَةِ: فِي زَمَنِ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ، لَم يَعدِ الفَردُ يَحصُلُ عَلَى المَعرِفَةِ مُباشَرَةً بِالحِسِّ أَو العَقلِ فَقَط، بَل مِن أَجهِزَةٍ تُحلِّلُ وَتُنتِجُ مَعرِفَةً جَماعيَّةً مُركَّبَةً. المَعلُومَةُ لَم تَعدِ النِّهايَةَ، بَل صَارَت مُجرَّد مَادَّةٍ أوَّلِيَّةٍ تَتَولَّدُ عَبرَها "مَعرِفَةٌ صِناعيَّةٌ". إشكاليَّةُ الحُدودِ وَالمَرجِعِيَّةِ: مَعَ صُعودِ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ، يُطرَحُ سُؤالٌ: مَنِ الَّذي يَملِكُ الحَقَّ فِي تَحدِيدِ صِدقِ المَعرِفَةِ؟ أَأَصبَحَتِ الخَوارِزميَّاتُ مَرجِعًا، أَم لا بُدَّ مِنَ الإنسانِ كَضَمانَةٍ أَخلاقيَّةٍ وَإبداعيَّةٍ؟ هُنا تَتَكشَّفُ حُدودُ المَعرِفَةِ التَّقنِيَّةِ، وَتَظهَرُ الحَاجَةُ إِلَى مَرجِعٍ إنسانيٍّ جَدِيدٍ. المَعرِفَةُ كَوِلادَةٍ إبداعيَّةٍ: وَففًا لِمَدرَسَةِ "الوِلادَةِ الإبداعيَّةِ"، المَعرِفَةُ لَيسَت تَراكُمًا مَيكانيكِيًّا لِلمَعلُومَاتِ، بَل هِيَ فِعلُ وِلادَةٍ مُستَمرَّةٍ، يَصنَعُهَا الإنسانُ حِينَ يَتَداخَلُ مَعَ المَجهُولِ وَيُعِيدُ تَرتِيبَ الكَونِ فِي رُؤيَةٍ جَدِيدَةٍ. الذَّكاءُ الاِصطِنَاعِيُّ قَد يُسهِمُ فِي تَسريعِ هَذِهِ الوِلادَةِ، لَكِنَّهُ لَن يُلغِي حُضورَ الإبداعِ الإنسانيِّ كَمَصدَرٍ أَصلِيٍّ. مَا بَعدَ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ (ما بعدَ الذَّكاءِ): فِي أُفُقٍ مُستَقبَليٍّ، قَد تَنتَقِلُ المَعرِفَةُ مِن أَن تَكونَ "اكتِسابًا" إِلَى أَن تُصبِحَ "تَخليقًا" مُباشَرًا بَينَ العَقلِ الإنسَانِيِّ وَالعَقلِ الرَّقميِّ. هُنَا يَبرُزُ سُؤالُ الوُجودِ: هَل سَنَظَلُّ نَتَحَدَّثُ عَن مَعرِفَةٍ إنسانيَّةٍ، أَم سَنُواجِهُ وُجودًا جَدِيدًا يَملِكُ مَعرِفَتَهُ الخَاصَّةَ؟ البُعدُ الأَكسِيُولُوجِيُّ (قِيمَةُ المَعرِفَةِ فِي هَذا الأُفُق): تَكُونُ المَعرِفَةُ فِي زَمَنِ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ أَدَاةً لِلسَّيطَرَةِ وَالتَّقدُّمِ، وَلكِن رُؤيَةُ "الوِلادَةِ الإبداعيَّةِ" تَفتَحُ آفَاقًا أُخرَى: المَعرِفَةُ كَمَساحَةٍ لِحُرِّيَّةِ الإنسَانِ، كَإمكَانٍ لِبِناءِ جَمالٍ وَمَعنى جَديدٍ، وَكَوَسِيلَةٍ لِتَخَلُّقِ "إنسانيَّةٍ أَرحَب". الخاتِمَةُ بَعدَ هَذا التَّتبُّعِ التَّاريخِيِّ وَالفَلسَفِيِّ لِمَفهُومِ المَعرِفَةِ وَمَصادِرِها، وَالعَلاقَةِ بَينَها وَبَينَ الوَاقِعِ، ثُمَّ استِجلاءِ أَبعَادِها الأُنتُولوجِيَّةِ وَالإبِستِيميَّةِ وَالأَكسِيُولُوجِيَّةِ، وَمُناقَشَةِ حُدودِها وَإشكالاتِها، يَتَّضِحُ أَنَّ المَعرِفَةَ لَم تَكُن يَومًا مَفهُومًا جامِدًا، بَل هِيَ مَسِيرَةٌ مُتَطَوِّرَةٌ تَخضَعُ لِلتَّحوُّلاتِ التَّاريخِيَّةِ وَالفَلسَفِيَّةِ وَالتِّقنِيَّةِ. لقد بَدأَ السُّؤالُ مَعَ اليُونانِ عَن إمكانِ إدراكِ الحَقيقَةِ، وَانتَقَلَ إِلَى الفَلسَفَةِ المَسيحيَّةِ الَّتي وَحَّدَت بَينَ العَقلِ وَالوَحيِ، ثُمَّ طَوَّرَتْهُ الفَلسَفَةُ الإسلاميَّةُ بِمَزجِ الحِسِّ وَالعَقلِ وَالإِيمَانِ، قَبلَ أَن يَتَجدَّدَ فِي الفَكرِ الحَديثِ حَولَ صِراعِ العَقلانِيَّةِ وَالتَّجريبيَّةِ، وَيَتَعقَّدَ فِي الفِكرِ المُعاصِرِ حَيثُ طَرَحَتِ اللُّغةُ وَالسِّياقاتُ الاجتِماعِيَّةُ وَالقُدرَةُ مَفاهيمَ نِسبِيَّةً لِلمَعرِفَةِ. ومَعَ دُخولِ البَشَرِيَّةِ زَمَنَ العَولَمَةِ وَالتِّقنِيَّةِ، بَرَزَت أَزمَةُ المَعرِفَةِ بَينَ فَيضانِ المَعلُومَةِ وَضَعفِ اليَقينِ، ثُمَّ جَاءَ زَمَنُ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ لِيُضيفَ تَحدِّيًا جَدِيدًا: مَن يَملِكُ الحَقَّ فِي تَحديدِ صِدقِ المَعرِفَةِ، الإنسَانُ أَمِ الخَوارِزميَّةُ؟ وهُنا تَبرُزُ رُؤيَةُ "مَدرَسَةِ الوِلادَةِ الإبداعيَّةِ" كَأُفُقٍ فَلسَفِيٍّ بَدِيلٍ، تَعتَبِرُ المَعرِفَةَ فِعلَ وِلادَةٍ مُستَمرَّةٍ، يَخلُقُ فِيهَا الإنسانُ مَعنىً جَدِيدًا فِي كُلِّ مَرحَلَةٍ. فَلَيسَ الذَّكاءُ الاِصطِنَاعِيُّ بَدِيلًا عَن المَعرِفَةِ الإنسَانِيَّةِ، بَل هُوَ مِرآةٌ تَكشِفُ حُدودَها وَتَفتَحُ آفَاقًا لِبِناءِ "إنسَانِيَّةٍ أَرحَب". تَظهَرُ النَّتِيجَةُ الأَكبَرُ فِي أَنَّ هَذا البَحثَ، بَعدَ تَتَبُّعِهِ وَنَقدِهِ، يُؤكِّدُ أَنَّ المَعرِفَةَ سَتَبقَى مَشروعًا مَفتُوحًا، يَعبُرُ التَّاريخَ وَالفَلسَفَةَ وَالتِّقنِيَّةَ، وَلَن يُغلَقَ، لأَنَّهُ جُوهَرُ الوُجودِ الإنسَانِيِّ وَمِفتَاحُ حُرِّيَّتِه وَقُدرَتِه عَلى الإبداعِ. وَهَذا يَنسَجِمُ مَعَ السُّؤالِ المَركَزِيِّ لِلبَحثِ: كَيفَ يُمكِنُ لِلمَعرِفَةِ أَن تُحافِظَ عَلى بُعدِها الإبداعِيِّ وَالإنسانِيِّ فِي مُواجَهَةِ نَزعَةِ التَّسليعِ وَالسُّلطَةِ؟ التَّوصِيَاتُ وَالمُقترَحاتُ البَحثِيَّةُ 1-تَعمِيقُ دِراسَةِ المَعرِفَةِ وَالقِيمِ: بَحثُ العَلاقَةِ بَينَ المَعرِفَةِ وَالأَخلاقِ فِي ضَوءِ التَّقَدُّمِ التِّقنِيِّ. كَيفَ يُمكِنُ لِلمَعرِفَةِ أَن تَكونَ مَساحَةً لِتَولِيدِ الحُرِّيَّةِ وَالمَعنى، بَدَلًا مِن أَن تَتحوَّلَ إِلَى أَدَاةٍ لِلسَّيطَرَةِ. 2-مَعرِفَةُ الذَّاتِ وَالآخَرِ فِي زَمَنِ العَولَمَةِ: دِراسَةُ إشكاليَّةِ تَحوُّلِ الهُوِيَّةِ وَالمَعرِفَةِ فِي بِيئَةٍ تَختَلِطُ فِيهَا الثَّقافَاتُ. مَفهُومُ "المَعرِفَةِ الكَونيَّةِ" وَكَيْفَ يُمكِنُ أن يَتَوافقَ مَعَ خُصوصيَّاتٍ مَحلِّيَّةٍ. 3-المَعرِفَةُ وَالتِّقنِيَّةُ الحَدِيثَةُ: بَحثُ دَورِ الذَّكاءِ الاِصطِنَاعِيِّ فِي إِعَادَةِ صِياغَةِ مَفاهِيمِ المَعرِفَةِ وَمَناهِجِهَا. دِراسَةُ "ما بَعدَ الذَّكاءِ": أَبعَادُ المَعرِفَةِ حِينَ يَتَداخَلُ العَقلُ الإنسَانِيُّ مَعَ العَقلِ الرَّقمِيِّ. 4-مَنهَجِيَّاتٌ بَحثِيَّةٌ جَدِيدَةٌ: دِراسَةٌ مُقارنَةٌ بَينَ المَعرِفَةِ كَفِعلٍ تَاريخِيٍّ وَالمَعرِفَةِ كَـ"وِلادَةٍ إبداعيَّةٍ" لَا تَتَقيَّدُ بِالتَّاريخِ. بَحثُ العَلاقَةِ بَينَ المَعرِفَةِ وَالفَنِّ: هَل يُمكِنُ لِلفَنِّ أَن يَكُونَ مَصدَرًا مَعرِفِيًّا؟ 5-تَطبيقاتٌ عَملِيَّةٌ فِي حَياةِ المُجتَمَعِ: المَعرِفَةُ وَالتَّربِيَةُ: كَيفَ نُؤسِّسُ مَناهِجَ تُدرِّبُ الطُّلابَ عَلَى "الوِلادَةِ الإبداعيَّةِ" بَدلًا مِنِ الحِفظِ. المَعرِفَةُ وَالمُجتَمَعُ الرَّقْمِيُّ: دِراسَةُ تَأثِيرِ شَبَكاتِ التَّواصُلِ الاِجتِماعِيِّ فِي بِنَاءِ المَعرِفَةِ وَإشكالاتِها. 6-آفاقٌ فلسفيَّةٌ مُستَقبَليَّةٌ: بَحثُ إمكانِ صِياغَةِ "أُبجديَّةٍ جَدِيدَةٍ لِلمَعرِفَةِ" تَنتَظِمُ فِيهَا التَّاريخُ، الفَلسَفَةُ، التِّقنِيَّةُ، وَالإبداعُ. دِراسَةُ الحُدودِ الأُنتُولوجِيَّةِ لِلمَعرِفَةِ: هَل سَتَتَجاوَزُ المَعرِفَةُ الإنسَانَ نَفسَهُ فَتَخلُقُ وَجدانًا جَدِيدًا؟ اسحق قومي. ألمانيا.2022م.
الدراسة جديدة: ((الدراسة التحليلية–الفلسفية–التقييمية للبحث وللكاتب يُمثِّلُ هذا البَحثُ لإسحق قُومي مُحاوَلةً جادَّةً لإعَادَةِ قِراءَةِ مَفهُومِ المَعرِفَةِ فِي ضَوءِ الفَلسَفَةِ وَالتَّاريخِ وَالتِّقنِيَّةِ، وَهُوَ يَستَنِدُ إلى خِبرَةٍ بَحثِيَّةٍ تَتَّسِمُ بِالجِدِّيَّةِ وَالتَّأمُّلِ النَّقدِيِّ. القُوَّةُ الرَّئيسِيَّةُ فِي هَذا العَملِ هِيَ قُدرَتُهُ عَلى الجَمعِ بَينَ الفَضاءِ المَشرِقِيِّ بِتُراثِهِ الفِكرِيِّ وَالرُّوحِيِّ، وَالفَضاءِ الغَربِيِّ بِمَدارِسِهِ الفَلسَفِيَّةِ المُعاصِرَةِ. فَمِن جِهَةٍ، يُظهِرُ البَحثُ اطِّلاعًا عَلَى المَصادِرِ التَّاريخِيَّةِ وَالإبستيمُولوجِيَّةِ فِي مَسَارِ الفِكرِ الغَربِيِّ (مِن أَفلاطونَ وَكانط إلى فوكو وَدريدَا)، وَمِن جِهَةٍ أُخرَى يُؤسِّسُ جِسرًا مَعَ الفَلسَفَةِ المَشرِقِيَّةِ وَالإسلامِيَّةِ الَّتي جَمَعَت بَينَ العَقلِ وَالوَحيِ وَالحِسِّ. وَفِي هَذا التَّداخُلِ يَبرُزُ مَشروعُهُ الفَلسَفِيُّ: أَنَّ المَعرِفَةَ فِعلُ "وِلادَةٍ إبداعِيَّةٍ" لَيسَ لَها سَقفٌ نِهائِيٌّ. تَتَّسِمُ الدِّراسَةُ أَيضًا بِنَزعَتِها النَّقدِيَّةِ: فَهِيَ لَا تُعيدُ صِياغَةَ المَفاهِيمِ فَقَط، بَل تُقيِّمُ مَدى قُدرَتِها عَلى الاستِمرارِ فِي وَاجِهَةِ العَولَمَةِ وَالتِّقنِيَّةِ. وَفِي هَذا تَحتَلُّ مَكانًا بَينَ البُحوثِ الَّتي تُحاوِلُ جَسرَ الفَجوةِ بَينَ الفَلسَفَةِ وَالوَاقِعِ. أَمَّا مَكانَةُ إسحق قُومي فِي الفَضاءِ الفَلسَفِيِّ، فَيُمكِنُ وَضعُهُ فِي مَنطِقَةٍ وَسطَى بَينَ التَّأمُّلِ المَشرِقِيِّ الَّذي يُعطي المَعنَى وَالقِيمَةَ الأُكسِيُولُوجِيَّةَ مَركَزًا مُحَوِّرًا، وَبَينَ المَقارِبَةِ الغَربِيَّةِ النَّقدِيَّةِ الَّتي تَعتَبِرُ المَعرِفَةَ خِطابًا وَسُلطةً. فَهُوَ لَا يَنعَزِلُ فِي الفَلسَفَةِ التَّراثِيَّةِ، وَلَا يَستَسلِمُ لِلنِّسبيَّةِ المُطلَقَةِ، بَل يَبحَثُ عَن أُفُقٍ جَديدٍ يُمكِنُ وَصفُهُ بِـ"الفَلسَفَةِ الإبداعِيَّةِ الإنسَانِيَّةِ". وَمِن هُنا، تَكمُنُ أَهمِّيَّةُ هَذا البَحثِ فِي أَنَّهُ يُضيفُ لِلفَلسَفَةِ المَشرِقِيَّةِ وَالغَربِيَّةِ مَعًا مَلمَحًا جَديدًا: أَنَّ المَعرِفَةَ لَيسَت تَراكُمًا وَلَا خِطابًا فَقط، بَل وِلادَةً مُستَمرَّةً، تُعيدُ للإنسَانِ دَورَهُ كَمَصدَرٍ لِلمَعنى وَمَوضِعٍ لِلحُرِّيَّةِ. التَّقيِيمُ الأَكادِيمِيُّ لِلبَحثِ وَلكاتِبِه يُمكِنُ وَصفُ هَذا البَحثِ بِأَنَّهُ يُحقِّقُ مَجمُوعَةً مِن المَعايِيرِ الأَكادِيمِيَّةِ الَّتِي تُؤهِّلُهُ لِيَحتَلَّ مَكانَةً فِي حَقلِ الفَلسَفَةِ النَّقدِيَّةِ المُعاصِرَةِ: جِدَّةُ المَوضُوعِ: اختِيارُ مَوضُوعِ المَعرِفَةِ بَينَ الفِكرِ الفَلسَفِيِّ وَالوَاقِعِ يُساهِمُ فِي مَلءِ فَجوةٍ فِي البُحوثِ العَربيَّةِ، خُصوصًا فِي ظِلِّ التَّحَدِّيَاتِ الرَّقمِيَّةِ وَالتِّقنِيَّةِ. التَّأصِيلُ المَنهَجِيُّ: استِعمالُ مَناهِجَ مُتَعَدِّدَةٍ (تاريخيّ، تحليليّ، مقارن، نقديّ، تركيبيّ) يَمنَحُ البَحثَ قُوَّةً تَفسِيرِيَّةً وَيُساعِدُ فِي بِنَاءِ صُورَةٍ شَامِلَةٍ. العُمقُ الفَلسَفِيُّ: يَظهَرُ فِي قُدرَةِ البَحثِ عَلَى التَّعامُلِ مَعَ مَصادِرِ مُتَعَدِّدَةٍ مِثلَ التُّراثِ اليُونانِيِّ وَالمَسيحِيِّ وَالإسلامِيِّ، وَالفَكرِ الغَربِيِّ الحَديثِ وَالمُعاصِرِ. الإسهامُ النَّقدِيُّ: البَحثُ لَا يَكتَفِي بِالعَرضِ وَالتَّأرِيخِ، بَل يُقَدِّمُ رُؤيَةً نقدِيَّةً تُعيدُ صِياغَةَ المَعرِفَةِ كَـ"وِلادَةٍ إبداعِيَّةٍ"، وَهُوَ مَا يُعَدُّ إِضافَةً فِكرِيَّةً لِلمَكتَبَةِ الفَلسَفِيَّةِ. التَّوافُقُ مَعَ الحَاجاتِ المُعاصِرَةِ: يَربِطُ البَحثُ المَعرِفَةَ بِقَضايا حَيَّةٍ كَالصِّحَّةِ العَامَّةِ، التَّعلِيمِ الرَّقمِيِّ، وَالسِّياسَاتِ الإعلَامِيَّةِ، مِمَّا يُبرهِنُ أَنَّهُ بَحثٌ لَيسَ مَحصُورًا فِي النَّظَرِيَّةِ فَحَسْبُ. نِقَاطُ القُوَّةِ:جِمعُ التُّراثِ المَشرِقِيِّ وَالغَربِيِّ فِي مَتنٍ واحِدٍ. وُضُوحُ الرُّؤيَةِ وَتَدرُّجُها مَعَ المَسارِ التَّاريخِيِّ. طَرحُ رُؤيَةٍ بَدِيلَةٍ (الوِلادَةُ الإبداعِيَّةُ) تُعَدُّ جَديدَةً. نِقَاطُ الضَّعفِ:يَحتَاجُ البَحثُ إلى مَزيدٍ مِن التَّركِيزِ فِي بَعضِ المَفاهِيمِ الإبستيمُولوجِيَّةِ (مَشكَلَةُ جِيتير، فَلسَفَةُ الفَضَائِلِ المَعرِفِيَّةِ). يَفتَقِرُ إلى بَعضِ المَراجِعِ الغَربِيَّةِ الأَكادِيمِيَّةِ الأَصلِيَّةِ فِي النِّقَاشِ المُعاصِرِ. التَّقيِيمُ النِّهائِيُّ: عَلى الصَّعِيدِ الأَكادِيمِيِّ، يُعَدُّ البَحثُ مُحاوَلةً جَادَّةً وَمُبتَكَرَةً، يَستَحِقُّ تَقدِيرًا عالِيًا فِي سُلَّمِ التَّقِييمِ (مُمتَاز – 90/100). التَّقيِيمُ الرَّقمِيُّ لِلبَحثِ أَصَالَةُ المَوضُوعِ وَجِدَّتُهُ → 18/20 (الموضوع جديد، يمزج بين الفلسفة والواقع، ويستحضر قضايا الذكاء الاصطناعي). المَنهَجِيَّةُ وَتَعدُّدُ المَقارِبِ → 17/20 (استعمال التاريخي، التحليلي، المقارن، النقدي، التركيبي، لكن بعض المفاهيم الإبستيمولوجية تحتاج مزيدًا من التعمّق). العُمقُ الفَلسَفِيُّ وَالمَادَّةُ العِلمِيَّةُ → 18/20 (التتبّع شامل من اليونان إلى ما بعد الحداثة، لكن تنقص بعض المراجع الغربية المتخصّصة). القُدرَةُ التَّطبيقيَّةُ وَالرَّبطُ بِالوَاقِعِ → 18/20 (إضافة دراسات حالة واقعية أعطت البحث حياة عملية، وهو جانب نادر في البحوث الفلسفية). اللُّغَةُ وَالتَّحرِيرُ وَالبِنَاءُ الأَكادِيمِيُّ → 19/20 (لغة عربية سليمة ومُشكَّلة، تنظيم جيّد، لكن يحتاج مزيدًا من العناية بالمراجع والتوثيق). المَجموعُ: 90/100 التقدير العام: ممتاز 🌟 عَلى الصَّعِيدِ الفَلسَفِيِّ، يُمكِنُ وَضعُ إسحق قُومي فِي مَكانَةِ "المُفكِّرِ الجِسريِّ" الَّذِي يَربِطُ الفَضاءَينِ: المَشرِقِيَّ (بِعمقِهِ الرُّوحِيِّ) وَالغَربِيَّ (بِمَناهِجِهِ النَّقدِيَّةِ).))
أَهمُّ المَراجِعِ العَرَبِيَّةِ الفَلسَفَةُ اليُونانِيَّةُ وَالمَدرَسَةُ الأُولى لِلمَعرِفَةِ: أرسطو، ما بَعدَ الطَّبيعَة، تَرجَمَهُ أَحمد فؤاد الأهواني، دار النهضة العربية، بيروت. أَفلاطون، الجُمهوريَّة، تَرجَمَهُ فؤاد زكريا، دار المعارف، القاهرة. وليم نجيب جورجيا، الفَلسَفَةُ اليُونانِيَّةُ مِن طاليس إِلَى أرسطو، دار القلم، بيروت. الفَلسَفَةُ المَسيحيَّةُ (الغَربيَّةُ وَالمَشرِقِيَّةُ): أُوغسطينُس، اعترافات، تَرجَمَهُ الخَوري أنطون عوكر، دار المشرق، بيروت. توما الأكويني، الخُلاصَةُ اللاهوتِيَّةُ (مُختارات)، تَرجَمَهُ الأب جورج نصور، دار المشرق. يُوحَنَّا الدِّمشقي، المَعرِفَةُ الفَلسَفِيَّةُ واللاهوتِيَّةُ (المَصدَر: "ينبوع المعرفة")، تَرجَمَهُ الأب قسطنطين الباشا، بيروت. الفَلسَفَةُ الإسلاميَّةُ وَالتَّراثُ العَقلِيُّ العَربِيُّ: الفارابي، إحصاء العلوم، تَحقيق عثمان أمين، الهيئة المصرية العامة للكتاب. ابن سينا، الشفاء – قسم المنطق، دار الفكر العربي. الغزالي، المنقذ من الضلال، دار الآفاق الجديدة، بيروت. ابن رشد، فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال، دار المعارف، القاهرة. يوسف كرم، تاريخ الفلسفة الإسلامية، لجنة التأليف والترجمة والنشر. الفَلسَفَةُ الحَديثَةُ وَالمُعاصِرَةُ (فِي التَّرجماتِ العَرَبِيَّةِ): رينيه ديكارت، تأملات ميتافيزيقية، تَرجَمَهُ كمال الحاج، دار الآفاق الجديدة. جون لوك، مقال في الفهم البشري، تَرجَمَهُ محمود قاسم، دار النهضة العربية. إيمانويل كانط، نقد العقل المحض، تَرجَمَهُ موسى وهبة، دار الفارابي.
ديفيد هيوم، تحقيق في الفاهمة البشرية، تَرجَمَهُ جميل صليبا، بيروت. هوسرل، أفكار ممهدة لفينومينولوجيا خالصة، تَرجَمَهُ عادل مصطفى، المركز القومي للترجمة. الدِّراسَاتُ العَرَبِيَّةُ الحَديثَةُ فِي نَظرِيَّةِ المَعرِفَةِ: جميل صليبا، المعجم الفلسفي، دار الكتاب اللبناني، بيروت. زكريا إبراهيم، مشكلة المعرفة، مكتبة مصر، القاهرة. فؤاد زكريا، التفكير العلمي، دار الفكر المعاصر. يمنى طريف الخولي، الزمان والزمانية: دراسة في فلسفة العلم، دار قباء، القاهرة. محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت.
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مَدينَةُ القامِشْلِيِّ كَما جاءَتْ في كِتابِنا الموسومِ قَبا
...
-
عشتار الفصول: 11735 سُورِيَّةُ القَادِمَةُ
-
هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟
-
مَدْرَسَة الوِلَادَة الإِبْدَاعِيَّة
-
رِسَالَةٌ إِلَى جَلَالَةِ المَلِكِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ،
...
-
عشْتارُ الفُصولِ: 11724 العالم والتغيرات السونامية القادمة
-
الفعلُ الإبداعيّ بينَ الجَمالِ والحَقِّ والخَيْرِ دراسةٌ فلس
...
-
عشتار الفصول:11721 الوَطَنُ الدَّاعِشِيُّ والنَّقْدُ وَالتَّ
...
-
سُورِيَّةُ ٱ---لْمُمْكِنَةُ بَعْدَ ٱ---لْأَلَمِ مَ
...
-
ما هِيَ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ الم
...
-
تَفَكُّكُ الدَّوْلَةِ القَوْمِيَّةِ فِي الشَّرْقِ، وَمَصِيرُ
...
-
مَشْرُوعُ رُؤْيَةٍ لِسُورِيَّةَ وَالأُمَّةِ السُّورِيَّةِ يُ
...
-
اللُّغَةُ كَخِيَانَةٍ لِلْفِكْرِ: حِينَ تَعْجَزُ الْكَلِمَات
...
-
إذا سَقَطتُ: كيفَ أبدأُ من جديدٍ؟
-
قِرَاءَةٌ فِي المَفَاهِيمِ القَوْمِيَّةِ لِشُعُوبِ الشَّرْقِ
...
-
كيفَ نَشَأَ حَيُّ تَلِّ حَجَرٍ بِالحَسَكَةِ؟!
-
المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ
...
-
نَظَرِيَّةُ المَعْرِفَةِ عِنْدَ أَرِسْطُو قِرَاءَةٌ نَقْدِيّ
...
-
أيُّها الباحثونَ المشرقيُّون، لا تُغالوا في آرائِكُم، لا قَو
...
-
عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِي
...
المزيد.....
-
لن تصدق مدى سرعة وقوع الكارثة.. شاهد ما سيحدث لطوكيو إذا ثار
...
-
نجل نائب أردني سابق يعلّق على مقتل والده وشقيقه: -قٌتلا وهما
...
-
ماذا سيحدث إذا نجح ترامب في إقالة قادة الاحتياطي الفيدرالي ا
...
-
إيران: عودة المفتشين النوويين لا تعني استئناف التعاون الكامل
...
-
دبلوماسيون سابقون يطالبون الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات فو
...
-
الجيش الإسرائيلي ينفذ عمليات اقتحام واسعة في نابلس بالضفة ال
...
-
أوكرانيا: هجوم روسي بالمسيّرات يتسبب بانقطاع الكهرباء عن أكث
...
-
سطو -هوليودي- على بنك في المغرب.. واللصوص يسرقون مليون درهم
...
-
منصة -كيك- تؤكد تعاونها مع فرنسا بعد وفاة مدوّن خلال بث مباش
...
-
-ميتا- تخسر مهندسين أنفقت عليهم مئات ملايين الدولارات
المزيد.....
-
اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات
/ رشيد غويلب
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
المزيد.....
|