أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ والدَّمِ والمُستقبلِ (بحثٌ فلسفيٌّ – اجتماعيٌّ – تأمُّليٌّ)















المزيد.....



المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ والدَّمِ والمُستقبلِ (بحثٌ فلسفيٌّ – اجتماعيٌّ – تأمُّليٌّ)


اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)


الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 15:34
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


إعدادُ: الباحث السُّوري إسحق قومي
التاريخ: ٢٥ / ٥ / ٢٠٢٥م

مُلخَّصُ البَحْثِ
يَسْتَكْشِفُ هٰذا البَحْثُ إِشْكَالِيَّةَ العَلَاقَةِ بَيْنَ المَوروثِ الدِّينِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ وَسُلوكِ الإِنْسَانِ المَشرِقِيِّ، فِي سِيَاقٍ يُهَيْمِنُ عَلَيهِ الخَوْفُ، وَتُشَرْعَنُ فِيهِ الطَّاعَةُ، وَتُجَرَّمُ فِيهِ الحُرِّيَّةُ. وَيَرْصُدُ مَشَاهِدَ العُنْفِ الَّتِي يَتَكَرَّسُ فِيهَا الدَّمُ كَمُكَوِّنٍ هُوِيَّاتِيٍّ وَطَقْسٍ جَمْعِيٍّ، وَيُقَدِّمُ قِرَاءَةً فِي أَسْبَابِ ذٰلِكَ وَمُكَوِّنَاتِهِ التَّرَاثِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ.
يَقْتَرِحُ البَاحِثُ مَنْهَجًا تَفْكِيكِيًّا – تَأَمُّلِيًّا يُعِيدُ صِيَاغَةَ مَفْهُومِ الحُرِّيَّةِ، وَيَدْعُو إِلَى قَطِيعَةٍ مَعَ "الـمُقَدَّسِ الدَّامِي"، وَتَأْسِيسِ تَّرْبِيَةٍ نَقْدِيَّةٍ مُبَكِّرَةٍ، وَدَعْمِ دَوْرِ الفَنِّ وَالسَّرْدِ وَالفَلْسَفَةِ فِي تَشْكِيلِ الوَعْيِ الجَمْعِيِّ.
يَخْتِمُ البَحْثُ بِرُؤْيَةٍ تَفَاؤُلِيَّةٍ لِمُسْتَقْبَلِ الحُرِّيَّةِ فِي المَشْرِقِ، مُعَوِّلًا عَلَى مَشْرُوعِ نُخْبَةٍ ثَقَافِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، وَعَلَى إِعَادَةِ صِيَاغَةِ الإِنْسَانِ بَعِيدًا عَن خِطَابِ الطَّاعَةِ وَالهُوِيَّةِ القَاتِلَةِ.

الـمُقَدِّمَة
لَمْ يَعْرِفِ الـمَشْرِقُ العَرَبِيُّ سِوَى ثِقَلِ الـمَاضِي وَسُلْطَةِ الـمُقَدَّسِ، إِذْ كَانَتِ الأَفْكَارُ الَّتِي وُلِدَتْ قَبْلَ آلَافِ السِّنِينَ تَحْكُمُ عُقُولَ الأَحْيَاءِ فِي القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ. وَبَيْنَ مَوْرُوثٍ يُقَدَّسُ دُونَ مُسَاءَلَةٍ، وَحُرِّيَّةٍ مَغْدُورَةٍ تُتَّهَمُ بِالإِلْحَادِ وَالخِيَانَةِ، يَعِيشُ الإِنْسَانُ الـمَشْرِقِيُّ حَالَةَ اغْتِرَابٍ وُجُودِيٍّ وَفِكْرِيٍّ وَسُلُوكِيٍّ.
إِنَّ مَشْهَدَ الدَّمِ، وَالاقْتِتَالِ عَلَى الهُوِيَّاتِ، وَالخَرَابِ النَّفْسِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ، مَا هُوَ إِلَّا انْعِكَاسٌ لِأَزْمَةٍ أَعْمَقَ: أَزْمَةِ العَقْلِ الجَمْعِيِّ الَّذِي لَمْ يُنْجِزْ قَطِيعَتَهُ مَعَ الـمَوْرُوثِ العَنِيفِ، وَلَمْ يَسْتَوْلِدْ بَعْدُ وَعْيًا حُرًّا.
فِي هَذَا البَحْثِ، نُحَاوِلُ سَبْرَ أَغْوَارِ هَذِهِ الإِشْكَالِيَّةِ، وَطَرْحَ سُبُلٍ لِفَهْمِ أَسْبَابِهَا، وَفَتْحِ أُفُقٍ جَدِيدٍ يُعِيدُ لِلإِنْسَانِ الـمَشْرِقِيِّ حَقَّهُ فِي الحُرِّيَّةِ وَالكَرَامَةِ وَالـمَعْنَى.
وَقَبْلَ الشُّرُوعِ فِي تَحْلِيلِ الأَسْبَابِ الـمُبَاشِرَةِ لِلْعُنْفِ وَالتَّخَلُّفِ فِي خِطَابِنَا الـمَشْرِقِيِّ، لَا بُدَّ مِنَ الإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ عَوَامِلَ أَعْمَقَ تُعِيقُ إِنْتَاجَ مَشْرُوعٍ بَدِيلٍ وَمُضَادٍّ لِلْخَرَابِ، مِنْ أَبْرَزِهَا: الانْقِسَامَاتُ الـمَذْهَبِيَّةُ، وَتَعَدُّدُ الـمَدَارِسِ الدِّينِيَّةِ الـمُتَنَاحِرَةِ، وَالطَّبِيعَةُ القَبَلِيَّةُ وَالرِّيفِيَّةُ الَّتِي مَا زَالَتْ تَحْكُمُ وَعْيَ الجَمَاعَاتِ، إِلَى جَانِبِ الفَجَوَاتِ بَيْنَ الـمَدِينَةِ وَالهَامِشِ، وَكُلُّهَا تُسْهِمُ فِي تَشْتِيتِ أَيِّ وَعْيٍ جَمْعِيٍّ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتِجَ بَدِيلًا حَضَارِيًّا لِمُوَاجَهَةِ التَّخَلُّفِ وَالعُنْفِ.
وَإِذْ نَفْتَحُ هَذَا الأُفُقَ الجَدِيدَ، لَا بُدَّ مِنَ التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ التَّدَيُّنَ، فِي أَصْلِهِ، حَالَةٌ صِحِّيَّةٌ، مَتَى مَا اقْتَرَنَ بِالتَّجْدِيدِ، وَارْتَبَطَ بِالسُّلُوكِ الإِنْسَانِيِّ اليَوْمِيِّ لَا بِالطُّقُوسِ الجَافَّةِ. فَالدِّينُ الـمُعْتَدِلُ يُسْهِمُ فِي تَطْبِيبِ النَّفْسِ فِي زَمَنٍ تَسُودُ فِيهِ الحَيَاةُ الآلِيَّةُ وَتَفْقِدُ القِيَمُ مَعْنَاهَا. غَيْرَ أَنَّ التَّدَيُّنَ حِينَ يَتَحَوَّلُ إِلَى عَصَبِيَّةٍ قَاتِلَةٍ تُشْرْعِنُ القَتْلَ وَتُحَرِّضُ عَلَى الإِقْصَاءِ، فَإِنَّهُ يُنَاقِضُ جَوْهَرَ الفَلْسَفَةِ الَّتِي أُؤْمِنُ بِهَا – فَلْسَفَةِ «الوِلادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ» – الَّتِي تَرَى فِي الإِنْسَانِ كَيْنُونَةً حُرَّةً، وَتَدْعُو إِلَى إِيمَانٍ مُتَصَالِحٍ مَعَ الحَيَاةِ، لَا مُعَادٍ لَهَا.
أهدافُ البحثِ:
تحليلُ العلاقةِ بينَ المَوروثِ الدينيِّ والاجتماعيِّ وسُلوكِ الإنسانِ المشرقيِّ.
الكشفُ عن أسبابِ العُنفِ المرتبطِ بالهُويّاتِ القوميَّةِ والدينيَّةِ والمذهبيَّةِ.
دراسةُ تأثيرِ التَّنشئةِ التربويَّةِ على تَكوينِ الوعيِّ الجمعيِّ.
اقتراحُ سُبُلٍ عمليَّةٍ وتربويَّةٍ وثقافيَّةٍ لتَجاوُزِ المأزقِ المَشرقيِّ.
تقديمُ تأمُّلٍ مستقبليٍّ لفِكرٍ مشرقيٍّ جديدٍ قادِرٍ على التَّجاوزِ والإبداع.
وفي مواجهةِ هذهِ الإشكاليَّةِ المركَّبةِ – التي تتقاطعُ فيها الأبعادُ التاريخيَّةُ والدينيَّةُ والفكريَّةُ والنفسيَّةُ – لم يكن ممكنًا الاقتصارُ على منهجٍ واحدٍ في التحليل. بل اقتضت طبيعةُ الموضوعِ الاستعانةَ بمناهجَ متعدّدةٍ تتكاملُ فيما بينها، وتسمحُ بفهمٍ أعمقَ وأشملَ لجذورِ الأزمةِ وتجلياتِها.
تَمْهِيدٌ لِلْمَنَاهِجِ
وَفِي مُوَاجَهَةِ هَذِهِ الإِشْكَالِيَّةِ الـمُرَكَّبَةِ – الَّتِي تَتَقَاطَعُ فِيهَا الأَبْعَادُ التَّارِيخِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ وَالفِكْرِيَّةُ وَالنَّفْسِيَّةُ وَالاجْتِمَاعِيَّةُ – لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا الاِقْتِصَارُ عَلَى مَنْهَجٍ وَاحِدٍ فِي التَّحْلِيلِ، بَلِ اقْتَضَتْ طَبِيعَةُ الـمَوْضُوعِ الاِسْتِعَانَةَ بِمَنَاهِجَ مُتَعَدِّدَةٍ تَتَكَامَلُ فِيمَا بَيْنَهَا، وَتَسْمَحُ بِفَهْمٍ أَعْمَقَ وَأَشْمَلَ لِجُذُورِ الأَزْمَةِ وَتَجَلِّيَاتِهَا.
مَنَاهِجُ البَحْثِ
يَعْتَمِدُ البَحْثُ عَلَى مَنْهَجٍ تَكَامُلِيٍّ، يَمْزُجُ بَيْنَ:
الـمَنْهَجِ التَّارِيخِيِّ: لِتَتَبُّعِ تَطَوُّرِ الـمَوْرُوثِ فِي الـمِنْطَقَةِ، خَاصَّةً فِي الفَصْلِ الأَوَّلِ الَّذِي يَتَنَاوَلُ الـمُعْتَقَدَاتِ القَدِيمَةَ حَوْلَ الـمَوْتِ، وَفِي الفُصُولِ الَّتِي تَرْصُدُ أَثَرَ الـمُقَدَّسِ عَبْرَ العُصُورِ.
الـمَنْهَجِ النَّقْدِيِّ – التَّفْكِيكِيِّ: لِتَفْكِيكِ البِنَى النَّصِّيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ الـمُؤَسِّسَةِ لِلْعُنْفِ، كَمَا فِي تَحْلِيلِنَا لِلنُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ ذَاتِ النَّزْعَةِ الإِقْصَائِيَّةِ، وَفِي مُقَارَبَةِ خِطَابِ مَا بَعْدَ الحَدَاثَةِ فِي الفَصْلِ الرَّابِعِ.
الـمَنْهَجِ السُّوسْيُولُوجِيِّ: لِدِرَاسَةِ سُلُوكِ الجَمَاعَةِ وَتَأْثِيرِ الـمَوْرُوثِ عَلَى اللَّا وَعْيِ الجَمْعِيِّ، وَهُوَ مَا نَرَاهُ فِي تَحْلِيلِ الطُّقُوسِ الجَنَائِزِيَّةِ، وَفِي تَتَبُّعِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الخَوْفِ مِنَ الـمَوْتِ وَبُنْيَةِ السُّلْطَةِ الـمُجْتَمَعِيَّةِ.
الـمَنْهَجِ الفَلْسَفِيِّ – التَّأَمُّلِيِّ: لِطَرْحِ الأَسْئِلَةِ الكُبْرَى حَوْلَ الإِنْسَانِ وَالـمَعْنَى وَالـمُسْتَقْبَلِ، وَيَبْرُزُ هَذَا الـمَنْهَجُ فِي فُصُولِ البَحْثِ الأَخِيرَةِ الَّتِي تَقْتَرِحُ إِعَادَةَ صَوْغِ مَفْهُومِ الـمَوْتِ وَبِنَاءَ أَبْجَدِيَّةٍ إِنْسَانِيَّةٍ جَدِيدَةٍ لَهُ.
المحورُ الأوّلُ: المَوروثُ كمُحرِّكٍ للسُّلوكِ الجَمعيِّ
لا يُمكنُ أن نَفهَمَ الإنسانَ المَشرقيَّ إلّا إذا وَضعناهُ في ظِلِّ مَوروثِهِ. هذا المَوروثُ، الذي لا يَقتصرُ على الدِّينِ والرِّواياتِ الميثولوجيَّةِ، بل يَمتدُّ إلى اللُّغةِ، والمَقولاتِ المُقدَّسةِ، والأمثالِ الشعبيَّةِ، والعاداتِ، وأشكالِ الحياءِ والخوفِ والثَّوابِ والعِقابِ.
المَوروثُ المَشرقيُّ لا يُقَدَّمُ للإنسانِ على أنَّهُ اجتِهادٌ تاريخيٌّ بَشريٌّ، بل يُفرَضُ عليهِ كقدرٍ أبديٍّ لا مَناصَ منه، وكأنَّ الأحياءَ وُجِدوا ليُطبِّقوا وصايا الموتى.
ولأنَّ هذا المَوروثَ مُحمَّلٌ بهالةِ القُدسيَّةِ، ومُرتَبِطٌ برُعبِ المُحاكَمةِ الأُخرويَّةِ، فإنَّ الإنسانَ يَخضعُ له لا بوَعيِه، بل بِنَواتِهِ السُّلوكيَّةِ الدَّاخليَّةِ، التي زُرِعَت فيه منذ الطُّفولةِ، في مَدارسَ تَلقينيَّةٍ، وفي بيوتٍ لا تَقبَلُ الجَوابَ إلّا إذا كانَ صَدىً للسُّؤالِ.
في المَشرقِ، لا يُسمَحُ للمُختلفِ أن يَنجو، لأنَّ الاختلافَ خيانةٌ للموروثِ، والخيانةُ تَستدعي التَّطهير. هكذا تَشكَّلَ العُنفُ الجمعيُّ: لا كمُجَرَّدِ رَدِّ فِعلٍ، بل كفَرضٍ دينيٍّ أو قِيَميٍّ أو شَرفيٍّ، تُمارِسُه الجماعةُ وكأنَّها تُقيمُ عَدلًا إلهيًّا.
إنَّ المَوروثَ في جوهرِهِ ليسَ مجرَّدَ معلومةٍ نُرَدِّدُها، بل هو شِفرةٌ تَتحكَّمُ في نظرتِنا للآخَرِ، وفي خوفِنا من السؤالِ، وفي طريقتِنا في الحُكمِ والعِقابِ والحُبِّ والموتِ.
المُشكلةُ أنَّ المَوروثَ لم يَعُد يُراجَع، بل أصبحَ يَراجِعُ النَّاسَ أنفسَهم، ويُحاكمُ نَواياهم. والمُجتمعُ الذي يُؤمِنُ بأنَّ نَصوصَ الأمواتِ أهمُّ مِن حاجاتِ الأحياءِ، يَفقدُ قدرتَه على الخَلاصِ، ويُنتِجُ أجيالًا تَعيشُ بلا سؤالٍ، وتَموتُ بلا خَيارٍ.
ولهذا، فإنَّ أيَّ تَغييرٍ في سُلوكِ الجَماعةِ المَشرقيَّةِ، لا يُمكنُ أن يتحقَّقَ دونَ مَسَاءلَةٍ جَذرِيَّةٍ للمَوروثِ، لا على طَريقةِ الحَقدِ عليه، بل على طَريقةِ فَهمِه وتَفكيكِه ونَزعِ سُلطتِه.
المَوروثُ ليسَ عَدوًّا إنْ كانَ حيًّا وقابِلًا للتَّحَوُّلِ، لكنَّه يَغدو خَطرًا إذا أصبحَ دِينًا بَعيدًا عن أيِّ ضَوءٍ عَقلانيٍّ. ومَتى ما خَضعَ الإنسانُ للعَتمةِ دونَ أن يَراها، أصبحَ يَخافُ من النُّورِ ذاته.
فهل نَجرؤ على ضَبطِ المَوروثِ في مَكانِه الصَّحيحِ، بدلَ أن يَضبطَنا في مَكانٍ واحدٍ لا نَتحرَّكُ عنه؟ وهل يُمكنُ أن نُحَوِّلَهُ إلى مادَّةٍ للنَّقدِ لا للبَيانِ والتهليلِ؟
ذلك ما سنَسعى لفَتحِه في المَحاورِ القادمةِ.
التَّعريفُ بالمَوروثِ (الدينيِّ، العُرفيِّ، القَبَليِّ...)
المَوروثُ، في جوهرِهِ، هو كُلُّ ما يَنتقِلُ من جِيلٍ إلى جيلٍ، لا بوصفِه مادَّةً للتَّفكيرِ، بل كقَدرٍ للفِعلِ.
وهو يَشمَلُ النُّصوصَ، والأحكامَ، والعاداتِ، والأمثالَ، والمَحظوراتِ، والصُّوَرَ المُتخيَّلةَ للهُويَّةِ والآخَرِ والمُقدَّسِ.
يُقسَّمُ المَوروثُ – في هذا السياقِ – إلى ثلاثِ دوائرَ رئيسيَّةٍ مُتداخِلَةٍ:
المَوروثُ الدِّينيُّ: ويَشملُ التَّفاسيرَ، والفتاوَى، والعقائدَ، والرُّؤى المتوارَثةَ حولَ اللهِ والآخِرةِ والنجاةِ، وهو مَوروثٌ يُقدَّمُ بوصفِه حقيقةً مُطلقةً لا تَحتملُ النِّقاشَ.
المَوروثُ العُرفيُّ – الاجتماعيُّ: وهو ما يتعلَّقُ بالسُّلوكِ اليوميِّ، كدَورِ المرأةِ، ومَكانةِ الشَّيخِ، وشَرفِ العائلةِ، وطَريقةِ اللِّباسِ والخِطابِ، ويَكتسبُ قُدسيَّتَه من تكرارِهِ لا من عَقلانيتِه.
المَوروثُ القَبَليُّ – الهُويَّاتيُّ: وهو مَرتبطٌ بالانتماءِ إلى جماعةٍ بيولوجيَّةٍ أو تاريخيَّةٍ، ويَمنحُ للفردِ هُويَّةً جاهزةً يَنبغي أن يَفديَها بالدَّمِ إن اقتضى الأمرُ، ويُنتِجُ مناخًا ثأريًّا قائمًا على العِصبيَّةِ.
هذا الثُّلاثيُّ: الدِّينُ، والعُرفُ، والعِرقُ، لا يُعامَلُ بوصفِه مَوروثًا يُمكِنُ نقدُه، بل كجُزءٍ من «النَّقاءِ» الجمعيِّ، ومِن «العِزَّةِ» الرُّوحيَّةِ، ما يجعلُ الخروجَ عليهِ ضربًا من الكُفرِ أو الخيانةِ أو الفُجورِ.
لذا، فإنَّ المَوروثَ لا يعيشُ في المتاحِفِ، بل في العُقولِ والسُّلوكِ والذَّاكِرةِ اليوميَّةِ، ويُعيدُ إنتاجَ نفسِه عبرَ كلِّ مَرحلةٍ مِن مراحلِ العُمرِ، حتى يَصيرَ الإنسانُ المَشرقيُّ ابنًا لِما ماتَ، لا لِما يُولَدُ.
آليَّاتُ تَقديسِ المَوروثِ وتَكريسِهِ
لا يُصبحُ المَوروثُ مُقدَّسًا بطَبيعتِه، بل يُصبِحُ كذلك حينَ تُمارَسُ عليهِ عِدَّةُ آليَّاتٍ ذِهنيَّةٍ وثقافيَّةٍ تُحوِّلُه من حَقيقةٍ نِسبيَّةٍ إلى حقيقةٍ مُطلقةٍ.
أوَّلُ تلكَ الآليّاتِ: الرِّبطُ بالعِقابِ والثَّوابِ، حيث يُقدَّمُ المَوروثُ كوسيلةٍ للنَّجاةِ، والخروجُ عليهِ كمدخلٍ إلى العَذابِ أو الفَشلِ أو النَّبذِ.
ثانيها: المُحاكاةُ المُبكرةُ، حيثُ يُلقَّنُ الطفلُ حِزمةً من القيمِ والعقائدِ والمُسلَّماتِ، قبل أن يَملكَ أداةَ الفَهمِ أو الحُكمِ، فيَكبرُ داخلَ قوقعةٍ فكريَّةٍ لا يَشكُّ في أسلاكِها، بل يُدافعُ عنها كجزءٍ من ذاتِه.
ثالثها: العُزلةُ النّصِّيَّة، حينَ يُحرَمُ الإنسانُ من التَّعرُّفِ على أيِّ سرديّةٍ بديلةٍ، أو تأويلٍ مُغايرٍ، فلا يَعودُ يرى في العالَمِ سِوى صَوتِ أسلافِه.
ورابعها: الهالةُ الروحيَّةُ والإرهابُ المعنويُّ، حيث يُهدَّدُ مَن يُفكِّرُ، لا بالعقابِ المادِّيِّ فحسب، بل بالخروجِ من الملّةِ، أو الكُفرِ، أو التَّجريمِ باسمِ «الإجماعِ»، ما يُغلقُ بابَ النَّقدِ قبلَ أن يُفتَحَ أصلًا.
بهذهِ الطُّرقِ، يتحوَّلُ المَوروثُ من تجربةٍ تاريخيَّةٍ قابلةٍ للتَّخطّي، إلى مِعوَلٍ يُعيدُ حَفرَ نفسِ القبورِ، وزرعَ نفسِ الأشواكِ في الطُّرقِ القادمةِ.
كيفَ يتحوَّلُ المَوروثُ إلى وِعاءٍ للعُنفِ والهُويَّةِ القاتِلةِ؟
حينَ يَغدو المَوروثُ أساسًا للهُويَّةِ، يُصبحُ أيُّ اختلافٍ عنه تهديدًا للذَّاتِ، لا فَقط للفِكرة. ومن هُنا يبدأُ العُنفُ.
فالعُنفُ المشرقيُّ، في غالبه، ليسَ وليدَ الحاجةِ أو الفَقرِ أو الغَضبِ فقط، بل هو فعلٌ دينيٌّ – قِيميٌّ – هُويّاتيٌّ مُقنَّعٌ، يَستمدُّ مشروعيَّته من «حقِّ الجماعةِ» في الحِفاظِ على نَقاءِ ميراثِها، ولو على جُثثِ الآخَرين.
يَتحوَّلُ المَوروثُ هنا إلى أداةِ تَكفيرٍ، تَخوينٍ، تَفجيرٍ، وإقصاءٍ، لأنّهُ يَفصِلُ النَّاسَ إلى فِئَتين: "أبناءِ النُّورِ" و"أعداءِ الإيمانِ".
وهكذا يُصبحُ السُّؤالُ خيانةً، ويُصبِحُ الحِوارُ انحِرافًا، ويُصبحُ الاختلافُ جريمةَ حربٍ في ساحةِ الأفكارِ.
المَوروثُ القاتِلُ لا يَقتُلُ بيده، بل بعُقولِ ضحاياهُ الذينَ يَقتَلونَ باسمهِ، ثمَّ يَصلّونَ عليهِ بعدَ الموتِ.
خاتمةُ المحورِ الأوّلِ:
إنَّ المَوروثَ في المَشرقِ لا يزالُ يَجلِسُ على العَرشِ، لا لأنَّه أحقُّ به، بل لأنَّ العُقولَ التي وُلدت بعدَهُ، لم تُدرَّب على زَحزحَته، ولا على النَّظرِ إليه من خارجهِ.
فمَا دامَ الإنسانُ يُسَلِّمُ عقلَهُ، وإرادتَهُ، ومَصيرَهُ، لوَصايا لم يُساهِم في صِياغتِها، فإنَّهُ سيظلُّ يُقاتِلُ من أجلِها، ويَقتلُ باسمِها، دونَ أن يَدرِي أحيانًا لِمَ يفعلُ ذلك.
المَوروثُ، حينَ لا يُراجَع، يَتحوَّلُ إلى سُلطةٍ صامِتَةٍ، تُعيدُ إنتاجَ الخوفِ، والتَّكفيرِ، والعُنفِ، باسمِ الانتماءِ.
ولذا، فإنَّ فَهمَ المَوروثِ لا يعني مُعاداته، بَل فَتحَ العَينِ عليه، ونَزعَ هَالتِهِ القُدسيَّةِ التي تَمنعُ السُّؤالَ، وتُجرِّمُ الحُرِّيَّةَ.
إنَّ بدايةَ التحرُّرِ في المَشرقِ، لا تبدأُ من الخارجِ، ولا من القُوَّةِ، بل من هُنا: من تَفكيكِ هذا الإرثِ الكامنِ في النُّفوسِ، والعَقولِ، والذّاكرةِ، والمُخيِّلَةِ.
وما لم يُعادُ النَّظرُ في هذا الإرثِ، فإنَّ الإنسانَ المَشرقيَّ سيَظلُّ يَعيشُ في زمانٍ لم يَخترْهُ، ويَحيا بجُملٍ لم يَكتُبْها، ويَموتُ في معاركَ لا تُشبِهُه.
المحورُ الثَّاني: الإنسانُ المشرقيُّ بينَ الطَّاعةِ والحُرِّيَّةِ
الإنسانُ المَشرقيُّ لم يُمنَح فُرصةَ الحُرِّيَّةِ بوصفِها وُجودًا، بل مُنِحَ الطَّاعةَ بوصفِها فَضلًا، وكأنَّ الخُضوعَ هو الأصلُ، والاستقلالَ شذوذٌ ينبغي تصحيحه. فمنذ الولادةِ، يُربَّى الطفلُ على أن يُطيعَ: الأبَ، والأُمَّ، والمُعلِّمَ، ورجلَ الدِّينِ، والماضي، والرّمز، والراية، والاسمَ، والنَّصَّ، وكلَّ شيءٍ سِوى صوتِه.
ليست الطاعةُ في المَشرقِ مجرَّدَ استجابةٍ نَفسيَّةٍ أو سُلوكيَّةٍ، بل هي نَمطُ بقاءٍ. إن لم تَخضَعْ، فأنتَ مَلعونٌ، مارقٌ، شاذٌّ، وربّما خَطرٌ على الاستقرارِ العامِّ. ولأنَّ هذا النَّمطَ راسخٌ في كلِّ دوائرِ التَّنشئةِ، فإنَّ الإنسانَ لا يَشعرُ بأنَّه فاقدٌ لحُرِّيَّتِه، بل يَرى الطَّاعةَ نفسها حُرِّيَّةً، لأنَّه لم يَجرِّب غيرَها.
المؤسَّساتُ التعليميَّةُ، والدِّينيَّةُ، والإعلاميَّةُ، لا تُعلِّمُ الحُرِّيَّةَ، بل تُعلِّمُ الانضباطَ والانصياعَ والخوفَ من النَّقدِ، وتَجعلُ من التَّفكيرِ الفرديِّ طَيشًا، ومن التَّمرُّدِ رِذيلةً. أمَّا الطَّاعةُ، فهي طِفلُ الفضائلِ، تُلبَسُ لباسَ الأدبِ، والتَّقوى، والاحترامِ، والخُلُقِ.
بهذا المعنى، لا يُدرِكُ الإنسانُ المَشرقيُّ الحُرِّيَّةَ كحقٍّ، بل كخَطر. ولهذا، حينَ يَراها تَنتَشِرُ في مجتمعاتٍ أخرى، يَخلِطُ بينها وبين الفوضى، ويَستنكرُها إن خرجَت من داخلِ بيتِه، ويَتغزَّلُ بها حينَ تكونُ على شاشةٍ بعيدةٍ لا تُهدِّدُ نظامَه الدَّاخليَّ.
هُنا تكمُنُ الإشكاليَّةُ الجوهريَّةُ: الإنسانُ الذي لا يُدرَّبُ على الحُرِّيَّةِ، لا يُطالِبُ بها. بل وقد يُقاتِلُ ضدَّها إن اعتبرَها خيانةً لِما نشأَ عليه. وهكذا يُصبحُ الحِفاظُ على الطَّاعةِ نوعًا من الواجبِ الأخلاقيِّ، ويَغدو الحُرُّ غريبًا، مَسخًا، مَرفوضًا، حتى في عُيونِ أقرَبِ النّاسِ إليه.
المَأساةُ الكبرى أنّ هذه الحالةَ ليست مؤقَّتةً، بل هي مُمَأسَسَةٌ ومُنتَجةٌ باستمرارٍ، ما يَجعلُ الإنسانَ المشرقيَّ يَستنسِخُ القَيدَ ويُعلِّمه لِمَن بعدَه، وهو يَظنُّ أنّه يُربِّيهم على الفَضلِ والرُّشدِ.
ولذلك، فإنَّ سؤالَ الحُرِّيَّةِ في المَشرقِ ليس سؤالًا فلسفيًّا مجرَّدًا، بل هو سؤالُ وجودٍ، وتَغييرِ وِجهَةٍ، وإعادةِ خَلقٍ للإنسانِ مِن جديدٍ، على ضوءِ التَّفكيرِ لا على ظِلِّ الطَّاعةِ.

التَّنشئةُ الطفوليَّةُ في مَجتمعاتِنا ليست فعلًا عفويًّا، بل هي نظامٌ مُحكَمٌ يُرسِّخُ الطَّاعةَ منذ اللَّحظةِ الأولى. الطِّفلُ لا يُعامَلُ ككائنٍ قابلٍ للتَّشكُّلِ والحُرِّيَّةِ، بل كصَفحةٍ يجبُ ملؤُها بما كُتِبَ من قَبل. تَبدأُ العمليَّةُ في البيتِ، حيثُ الأبوَّةُ تَتجلَّى كسلطةٍ، لا كحوارٍ، وتَمتدُّ في المدرسةِ التي تَغذِّي الخضوعَ باسمِ "الانضباطِ"، ثمّ تَتعزَّزُ في المسجدِ أو الكنيسةِ حيثُ تُعلَّمُ الطَّاعةُ للهِ من خلالِ الطَّاعةِ للمُفسِّرينَ والرُّواةِ والشُّيوخِ.
هكذا، تُصبحُ كلُّ مؤسَّسةٍ تُحيطُ بالطفلِ أداةً لإعادةِ إنتاجِ العُبوديَّةِ الفكريَّةِ والنفسيَّة. لا يُسألُ الطِّفلُ عمَّا يُفكِّرُ، بل يُمتحَنُ فيما حفِظَ. ولا يُطلَبُ منه أن يُناقِشَ، بل أن يُكرِّرَ بأمانةٍ، دونَ أدنى رغبةٍ في الانحرافِ عن الإجماعِ.
الأخطرُ من ذلك أنَّ هذهِ المؤسَّساتِ تُحوِّلُ الخُضوعَ إلى فَضيلةٍ، وتَحشُدُ له أسماءً برّاقةً: الأدب، الطّاعة، الإيمان، الاحترام، بَركَة الأهل، برّ الوالدين، رضا الربّ...، في حينِ تُوصفُ الحُرِّيَّةُ بالتمرُّدِ، وقِلّةِ الأدبِ، والانحرافِ، وضعفِ الإيمانِ.
بهذا التَّشكيلِ المبكرِ، لا يُمنَحُ الطفلُ فُرصةَ أن يُدرِكَ ذاتَهُ، بل يُدفَعُ ليلتحقَ بجماعةٍ فكريَّةٍ موروثةٍ، يرى الخروجَ عنها كأنَّه موتٌ معنويٌّ. وهذا ما يُفسِّرُ لماذا يُدافِعُ الكَثيرونَ عن سلاسِلِهم، ويَرفُضونَ كُلَّ مفتاحٍ يُقَدَّمُ لهم.
في هذا السياقِ، لا تَكفي الحُرِّيَّةُ أن تُطرَحَ شِعارًا أو مادَّةً دراسيَّة، بل لا بُدَّ أن تَكونَ جُزءًا من عمليَّةِ نَشأةٍ جديدةٍ تُعيدُ بناءَ الطفلِ ككائنٍ فاعلٍ، سائلٍ، راغبٍ في الفَهمِ، لا في الاستسلامِ.
الحُرِّيَّةُ في المجتمعاتِ المَشرقيَّةِ لا تُقابَلُ بالحُلمِ أو الاحتضانِ، بل تُقابَلُ بالتَّوجُّسِ، والتَّخوينِ، وأحيانًا بالتَّجريمِ. إنَّها لا تُرى كحقٍّ طبيعيٍّ، بل كقنبلةٍ داخليَّةٍ قد تُربِكُ النِّظامَ وتُهدِّدُ بقاءَه. ولهذا، تُعامَلُ الحُرِّيَّةُ لا بوصفِها إمكانًا للترقّي، بل كعَدوٍّ خفيٍّ يَنبغي السَّيطرةُ عليه، وتَأطيرُه، وتحجيمُه إن لم يُمكِن كَتمُه.
الخوفُ من الحُرِّيَّةِ نابعٌ من بنيةٍ اجتماعيَّةٍ ترى في الاستقلالِ خروجًا عن القطيعِ، وفي الاختلافِ نُذُرَ انقسامٍ، وفي السُّؤالِ إشارةَ تمرُّدٍ. ولأنَّ البُنيةَ لا تحتملُ التشقّقَ، فإنَّها تُجنِّدُ كلَّ قُواها لتُعيدَ ضبطَ الفردِ ضمن الإطارِ العامِّ، وتُلقِّنه أنَّ الأمانَ لا يكونُ في الحُرِّيَّةِ، بل في التَّطابُقِ والطَّاعةِ.
إنَّ أخطرَ ما في الأمرِ أنَّ الفردَ، وقد نَشأ في هذه البنية، يَبدأُ بمُعاداةِ الحُرِّيَّةِ داخليًّا، حتى دونَ أن يُدرِكَ ذلك. فيرى الحُرّ في عينيه صورةَ التَّهديدِ، لا صورةَ الإمكانِ. ويَشمُّ في أنفاسِ الاستقلالِ رائحةَ الشكِّ والخرابِ، لا رائحةَ الولادةِ الجديدةِ.

وهكذا تَغدو الحُرِّيَّةُ – لا القَمعُ – هي موضِعَ الرَّيبةِ. ويَتحوَّلُ النظامُ الاجتماعيُّ إلى كيانٍ مَنيعيٍّ يُحارِبُ الإنسانَ الذي يُفكِّر، ويُكافئُ الإنسانَ الذي يُطيع، دون أن يُدرِكَ أنّه يَخسرُ بذلك مَستقبله، وحُضورَه، واحتمالَ نُهوضِه.
خاتمةُ المحورِ الثَّاني:
حينَ يُسألُ الإنسانُ المَشرقيُّ: لماذا تُطيع؟ فإنَّهُ غالبًا لا يَملكُ جوابًا، لأنَّه لم يُدرَّب على السُّؤالِ أصلًا. فالسُّلوكُ الطّاعِنُ في الطَّاعةِ مُترسِّخٌ في اللاوعيِ، ومُغذًّى من المنظومةِ التربويَّةِ والدِّينيَّةِ والاجتماعيَّةِ، حتّى غدا الطَّغيانُ مقبولًا إن جاءَ باسمِ "الحقِّ"، وغدا التَّمرُّدُ مرفوضًا إن جاءَ باسمِ الحُرِّيَّةِ.
لقد رُبِّيَ هذا الإنسانُ لا ليَكونَ ذاتًا تُفكِّر، بل ليَكونَ صَدىً لما سُمِّي "الحقيقةَ المُطلقةَ"، ولو على حسابِ عقلِه، وصوتِه، ووجودِه. ولهذا، فإنَّ مَشروعَ الحُرِّيَّةِ ليسَ مَشروعًا سياسيًّا فَقط، بل هو مَشروعُ خَلقِ إنسانٍ جديدٍ، يُربّى على أن يكونَ مسؤولًا عن اختياراتِه، لا أداةً في يدِ ماضٍ لم يَخترْه.
الحُرِّيَّةُ في المَشرقِ لا تزالُ مَنفيَّةً، لا لأنَّها مستحيلةٌ، بل لأنَّها مَمنوعةٌ. وما لم يُعادُ النَّظرُ في بُنيةِ الطَّاعةِ المُتجذِّرةِ، فلن يُولَدَ الإنسانُ الحُرُّ، بل سيبقى المشروعُ مؤجَّلًا، يُحارَبُ من الداخلِ أكثرَ من الخارجِ.
وما لم نَربِّ الأجيالَ القادمةَ على أنَّ السؤالَ ليسَ تمرُّدًا، بل حياةٌ، فإنَّ العُبوديَّةَ ستبقى تُنتَجُ بأيدينا، وتُستَنسَخُ في بيوتِنا، ونُصفِّقُ لها ونحنُ نظنُّ أنَّنا نحيا.
المحورُ الثَّالث: الدَّمُ والهُويَّةُ: قراءةٌ في مَشهديَّةِ العُنفِ المَشرقيِّ
في المَشرقِ، الدَّمُ ليس طارئًا، بل هو جزءٌ من المشهدِ اليوميِّ، من التَّاريخِ، من الخِطابِ، من النَّشيدِ، ومن الدُّعاءِ أحيانًا. لا نَقتُلُ لأنَّنا وُحوشٌ، بل لأنَّنا تعلَّمنا أنَّ القتلَ هو دَربُ النجاةِ، وأنَّ الشهادةَ تأتي من فَوقِ الجُثثِ، وأنَّ اللهَ يُحبُّ الغيورينَ على هُويَّاتهم، ولو سفكوا الأنهارَ من الدِّماءِ.
نَقتلُ باسمِ اللهِ، لا لأنَّنا نُحِبُّه، بل لأنَّ صورتَهُ في أذهانِنا قد رُسِمَت بشكلٍ يُشبهُنا: غاضبًا، مُنتقِمًا، قَبَليًّا، لا يحتملُ المُخالِفَ ولا الغَريبَ. نَقتلُ باسمِ الطائفةِ، لأنَّ الطائفةَ أصبحت أمًّا بديلةً، تَمنحُ الأمانَ لمن يُطيعُها، وتَخلعُ الغفرانَ عمَّن يَخرجُ عنها، فنَراها أقدسَ من الوطنِ، وأقربَ من اللهِ.
نَقتلُ باسمِ العِرقِ، لأنَّ الخوفَ من الذَّوبانِ يُربّي فينا غريزةَ الحِفاظِ على "النَّقاءِ"، فنَمنعُ الآخرَ من أن يَتنفَّسَ، ونَحرِمُه من الحضورِ، لأنَّ وجودَه تَذكارٌ حيٌّ على أنّنا لسنا وحدَنا، ولسنا الأفضل.
وفي سورية، كما في العراق، كما في لبنان، تَكرَّر المشهدُ دونَ كبيرِ اختلافٍ. كانت الشِّعاراتُ مُتباينةً، لكنَّ النَّتيجةَ واحدةٌ: أخٌ يَقتُلُ أخاهُ، وجارٌ يُذبحُ في محرابِ الطائفةِ، وطفلٌ يُورَثُ الحِقدَ قبل أن يَلفظَ اسمَ أمِّه.
في سورية، امتزجَ السِّلاحُ بالمذهبِ، والدَّينُ بالخَوفِ، والوطنُ بالذِّكرى، وصارت الحُرِّيَّةُ تُفسَّرُ على أنّها كُفرٌ، والثَّورةُ على أنّها فِتنةٌ.
في العراق، لم تُجفَّ الدِّماءُ بعد سقوطِ الطَّاغيةِ، لأنَّ الطُّغيانَ تَحوَّلَ إلى طوائفَ صغيرةٍ تتقاتلُ على الميراثِ، لا على المستقبلِ.
وفي لبنان، تَحكمُ الطوائفُ نَفسَها، وتَعيشُ على جراحِ الآخرينَ، وتَفترشُ ذاكرةَ الحربِ الأهليَّةِ كأنَّها بُطولةٌ لا خِزي.
في كلِّ هذه البلادِ، لا يموتُ الناسُ فقط، بل يُقتَلُ المعنى معهم، وتَتحوَّلُ الهُويَّةُ إلى خُوذةٍ تُرتَدى للحربِ، لا إلى نافذةٍ على العالَمِ.
العُنفُ في المَشرقِ ليس انفعالًا لحظيًّا، بل طَقسٌ جمعيٌّ مَوروثٌ، تُحييه الجماعاتُ كما تُحيي أعيادَها. فيه تُنشدُ الشِّعاراتُ، وتُرفَعُ الرّاياتُ، وتُوزَّعُ البركاتُ، وكأنَّ الموتَ على الهُويَّةِ مَجدٌ، لا سقوطٌ.
لقد تحوَّل العُنفُ إلى طَقسٍ لأنَّه صار جزءًا من تشكيلِ الوعيِّ، ومن إحياءِ المَوروثِ، ومن تَقديسِ الحِصارِ الدّاخليِّ باسمِ الدفاعِ عن الذّاتِ.
فهل نَستطيعُ أن نُفكِّكَ هذا الطَّقسَ، ونَكشِفَ عُريَه، ونَسألَ: هل الهُويَّةُ بحاجةٍ إلى دِماءٍ كي تَبقى؟ أم أنَّ القاتلَ هو من يَخافُ أن يُعرِّفَ ذاتَه من دونِ سيفٍ؟
خاتمةُ المحورِ الثَّالث:
العُنفُ في المَشرقِ ليس حَادثةً، بل بُنيةٌ مَحفوظةٌ في الذّاكرةِ، مُطعَّمةٌ بالمقدَّسِ، ومُباركةٌ أحيانًا من فوقِ المنابرِ. لا يَقتُلُ الإنسانُ لأنَّهُ شِريرٌ، بل لأنَّهُ يَعتقدُ أنَّه يُدافِعُ عن اللهِ، أو عن تاريخٍ، أو عن طائفةٍ خائفةٍ من الزَّوالِ. وحينَ تَلتقي الهُويَّةُ بالخوفِ، ويَحتضنُهما النَّصُّ المُقدَّسُ دونَ تفكيرٍ، يتحوَّلُ كلُّ فردٍ إلى قُنبلةٍ مَوقوتةٍ، يُفجِّرُ ذاتَه حينَ يُناديهِ صوتُ الجماعةِ.
ما لم نُعِد تعريفَ الهُويَّةِ بوصفِها فُسحةَ تعارفٍ، لا متراسًا للحربِ، وما لم نُنقِّ دِماءَنا من ذاكرةِ القتلِ، سيظلُّ المَشرقُ يُكرِّرُ مشاهدَه، ويُعيدُ كتابةَ نكباتِه، ويُفنِّنُ في تسميةِ المقابرِ، ويَنسى أنَّ الإنسانَ وُجِدَ ليَعيشَ، لا ليَموتَ من أجلِ فكرةٍ لم يُناقِشها.
المَخرجُ من هذا الطَّقسِ الدَّامي لا يَكمنُ في السِّلاحِ، ولا في الحُكمِ، بل في الكلمةِ، في السُّؤالِ، في شجاعةِ أن نَقِفَ أمامَ تاريخِنا لا لِنُمجِّدَه، بل لِنَسألَه: ماذا فعلتَ بنا؟
المحورُ الرّابع: الخُروجُ مِن الجُحرِ: نحوَ تَأمُّلٍ حُرٍّ ومَنهجٍ جديدٍ
الخُروجُ من الجُحرِ لا يعني النَّجاةَ فحسب، بل يعني أوّلًا: الاعترافَ بأنّنا كُنّا داخلهُ، وأنَّ العتمةَ التي ألفناها لم تكن ضوءًا. إنَّ المَشرقَ، وقد تَورَّطَ في دِماءِ هُويَّته، وأَسْرِ مَوروثِه، لا يَستطيعُ أن يُعيدَ إنتاجَ الحَياةِ بالآليَّاتِ نفسِها التي أنتجَت المَوتَ. لا بدَّ من تَفكيرٍ جديدٍ، لا يَبدأُ من خُطبٍ ومؤتمراتٍ، بل من تَأمُّلٍ هادئٍ، يُعيدُ للإنسانِ صوتَه، وللعقلِ مَكانتَه، وللحرِّيَّةِ ضوءَها.
المَناهجُ التقليديَّةُ فَشلت، لأنّها لم تَطرَح سؤالَ الإنسانِ، بل سؤالَ الجماعةِ، ولم تُرَبِّ على النَّقدِ، بل على التَّكرارِ، ولم تَسمَح للحُرِّيَّةِ أن تَدخلَ الصفوفَ، بل أبقتها في زوايا الشُّبهةِ والتَّهوينِ. ولهذا، فإنَّ التَّغييرَ لا يبدأُ من إعادةِ تَزيينِ البِنيةِ القديمةِ، بل من تَفكيكِها، ونَقدِها، والجرأةِ على الخُروجِ عنها دونَ شعورٍ بالخطيئةِ.
نحنُ لا نَحتاجُ إلى دُعاةٍ، بل إلى مُعلِّمينَ للفَهمِ، لا إلى نُسّاكٍ، بل إلى فلاسفةٍ، لا إلى دُروسٍ في الطّاعةِ، بل إلى مُختبراتٍ في السُّؤالِ. الحُرِّيَّةُ لا تُعلَّمُ على مَنابرَ الخَوفِ، بل تُنشَأ في مناخِ ثقةٍ واحترامٍ وحقٍّ في أن يقولَ الإنسانُ "لا" دونَ أن يُتهمَ بالكُفرِ أو بالخيانةِ أو بالانحلالِ.
والتَّأمُّلُ الحُرُّ هو البداية. ليس لأنَّه يُعطي أجوبةً، بل لأنَّه يَفتحُ نوافذَ في الجُدرانِ المُغلقةِ. وحينَ يُصبحُ السُّؤالُ عادةً، يُصبحُ العقلُ هو المرجعَ، لا الموروثَ وحدَه، وتَصبحُ الحُرِّيَّةُ هي القاعدةَ، لا الاستثناءَ.
أمّا المنهجُ الجديدُ، فهو الذي لا يَخجلُ من الحُرِّيَّةِ، ولا يَخافُ من النَّقدِ، ولا يُقدِّسُ الأفكارَ لأنّها قديمةٌ، بل يَزنُها بميزانِ العقلِ والمصلحةِ الإنسانيَّةِ. منهجٌ يرى الإنسانَ لا بوصفِه عبدًا، بل مشروعًا قيدَ الخَلقِ، يَحقُّ له أن يُعيدَ تشكيلَ ذاتِه في كلِّ لحظةٍ.
الخُروجُ من الجُحرِ، إذًا، ليسَ إعلانَ حربٍ على التَّاريخِ، بل إعلانُ سلامٍ مع المستقبلِ.
فَلسفةُ القطيعةِ مع المُقدَّسِ الدّامِي
القطيعةُ ليست خيانةً، بل نُضجٌ. وما من أُمَّةٍ نَهَضَت إلّا حينَ قطعت الحبلَ السرِّيَّ بينها وبين تَقديسِ العُنفِ. والمُقدَّسُ، حينَ يتحوَّلُ إلى سلاحٍ، يفقدُ معنى القُدسيَّةِ، ويَغدو مجرَّد أداةِ سَيطرةٍ وتَخويفٍ.
فَلسفةُ القطيعةِ لا تدعو إلى محوِ الموروثِ، بل إلى إعادةِ تعريفِهِ. القطيعةُ لا تُنكرُ التاريخَ، بل تَرفُضُ أن تَعيشَ فيه. تَطرحُ السُّؤالَ البَدهيَّ: هل ما ورثتُهُ حقيقيٌّ لأنّهُ صامدٌ، أم صامدٌ لأنّي لم أَجرؤ على خلخلتِه؟
القطيعةُ مع المُقدَّسِ الدّامي هي بدايةُ التَّطهيرِ النّفسيِّ والجمعيِّ. هي وقفةُ العقلِ أمامَ المرآةِ، حيث لا تُجدي الشِّعاراتُ، ولا يُفيدُ الاحتماءُ بالماضي، بل يُصبِحُ الصَّمتُ جُبنًا، والسُّكوتُ اشتراكًا غيرَ مباشرٍ في سَفكِ المعنَى.
تَربيةُ الفِكرِ النقديِّ منذ الطُّفولة
لا يولدُ الطفلُ ناقدًا، لكنَّه يولدُ سائلًا. وإن حَظيَ بمن يُصغي إلى سُؤالِه، ينمو ناقدًا، حُرًّا، سويًّا. أمَّا إذا أُخرِسَ مبكرًا، وتعلَّمَ أن لا يسألَ، أو أن لا يُناقِشَ الكبارَ، أو أن لا يُراجِعَ نصًّا أو شيخًا أو سُلطةً، فإنَّهُ يَنشأُ طائعًا، لا لأنَّهُ صالحٌ، بل لأنَّه خائف.
تَربيةُ الفِكرِ النقديِّ لا تَبدأُ من الجامعةِ، بل من القصَّةِ الأولى، من المدرسةِ الابتدائيَّةِ، من حصصِ القراءةِ والفنِّ والتاريخِ. أن يتعلَّم الطفلُ أنَّ الخطأَ واردٌ، وأنَّ النَّصَّ ليس مُطلقًا، وأنَّ المُعلِّمَ يُخطئُ ويُصوَّبُ له، تلك هي البذرةُ الأولى لحُرِّيَّةِ الإنسانِ المستقبليِّ.
ولا قيمةَ لمناهجٍ عصريَّةٍ تُدرَّسُ بعقليَّةٍ قمعيَّةٍ. ولا فائدةَ من كتبٍ حديثةٍ تُشرَحُ بأدواتِ الخوفِ القديمةِ. العقلُ النَّاقدُ لا يُربَّى بالحِفظِ، بل بالتَّجريبِ، وبالحوارِ، وبالخطأِ.
دورُ الفَنِّ والسَّردِ والمسرحِ والفلسفةِ
حينَ يَفشَلُ الدِّينُ في أن يُحبِّبَ الإنسانَ بأخيهِ، يَنبغي أن يتدخَّلَ الفَنُّ. وحينَ يُصادِرُ السِّياسيُّ الهُويَّةَ، يُمكنُ للرِّوايةِ أن تُعيدَ تشكيلَها. وحينَ تَصمُتُ المدرسةُ، يتكلَّمُ المسرحُ.
الفَنُّ ليس تَرفًا، بل ضرورةٌ أخلاقيَّةٌ في مجتمعاتٍ أُشبِعَت بالصورِ الثابتةِ والرموزِ المُغلَقةِ. هو الكِيانُ الوحيدُ القادرُ على جَعلِ الإنسانِ يَرَى غيرَ ما اعتادَ، ويَشعُرُ بما لم يَتَلقَّنْه، ويَتخيَّلُ ما لم يُفرَض عليه.
السَّردُ يعيدُ ترتيبَ الذّاكرةِ. المسرحُ يُجسِّدُ ما خُفيَ من العُقَدِ. الفلسفةُ تُعيدُ الاعتبارَ للسُّؤالِ بعدَ أن خَنَقهُ التَّلقينُ. وهذه القوى الثلاثُ ليست هامشيَّةً، بل هي أدواتُ خَلاصٍ، تُخرِجُ العقلَ من الخوفِ، وتُدرِّبُ القلبَ على التَّعاطفِ بدلَ الثأرِ.
حينَ يُتاحُ للفردِ أن يَكتبَ، ويَمثِّلَ، ويَرسُمَ، ويَسألَ، يُمكنُ له أن يُعيدَ اكتشافَ ذاتِه، لا كمُجرَّدِ عضوٍ في قبيلةٍ قديمةٍ، بل ككائنٍ حيٍّ يَحقُّ له أن يُحبَّ ويَختارَ ويَعيشَ بكرامةٍ دونَ سِلاحٍ.
خاتمةُ المحورِ الرّابع:
الخُروجُ من الجُحرِ لا يَتطلَّبُ صَوتًا عالِيًا، بل صوتًا صادقًا. لا يَحتاجُ إلى شِعارٍ جديدٍ، بل إلى وعيٍ جديدٍ. فالأزمنةُ التي نَعيشُها لا تُشبهُ ما ورثنا، والمَخاوفُ التي حاصَرتنا لا يُنقِذُنا منها سِوى العُقولِ التي تَجرؤ على النَّظرِ في العُيونِ المُقدَّسةِ، دونَ أن تَرتَعِش.
فَلسفةُ القطيعةِ، والتَّربيةُ النقديَّةُ، واستعادةُ دَورِ الفَنِّ والسَّردِ، ليست هوامشَ في مشروعِ الإنقاذِ، بل هي نُواةُ أيِّ بَعثٍ إنسانيٍّ صادقٍ. لأنَّ الإنسانَ حينَ لا يَرى نَفسَه، يُصبحُ صورةً لغيرِه، ويُعِيدُ دَورةَ العُنفِ، وإن لبِسَ ثوبَ الحِكمةِ أو الصَّمتِ.
ما لم نُجرِ مصالحةً كُبرى بينَ العقلِ والذّاكرةِ، بينَ الإبداعِ والموروثِ، بينَ الإنسانِ والخوفِ، فإنَّ الخُروجَ سيبقى مجرَّدَ نِيَّةٍ، لا وُجودًا. وسيبقى الجُحرُ أكبرَ منّا، وأعمقَ من أن يُهزَمَ بالصَّمتِ أو بالأملِ وحدَه.
المحورُ الخامس: مُستقبلُ الحُرِّيَّةِ في المَشرِقِ: هل مِن أملٍ؟
السُّؤالُ عن الحُرِّيَّةِ في المَشرِقِ ليس تَرفًا فكريًّا، بل هو تَشخيصٌ لحالةِ احتضارٍ طويلةٍ، حيث يَتمُّ دفنُ الإنسانِ وهو لا يزالُ يتنفَّس، ويُصنَعُ له قَبرٌ فكريٌّ في المهدِ، ويُعلَّمُ أنَّ الحُرِّيَّةَ حِلمُ الخُونةِ، أو صَوتُ الخارجينَ عن الطَّاعةِ.
لكن، هل انتهى كلُّ شيءٍ؟ هل ما زالَ في الأفُقِ ما يُشبه الأملَ، ولو في هيئةِ ضوءٍ باهِتٍ خلفَ الضُّلوعِ؟
الحُرِّيَّةُ، وإن طُرِدَت من الخِطابِ السّائدِ، لا تَغيبُ عن النُّفوسِ كلّيًّا. تبقى في الحَنينِ، في النَّظراتِ، في نَبرةِ سؤالٍ لم يُسْمَح له أن يُقال، في الطِّفلِ الذي يَرفضُ أن يُردِّدَ ما لا يَفهَم، في الفَنِّ الذي يُشاكسُ الصَّمتَ، في نصٍّ صغيرٍ يُنقِّبُ عن الحقيقةِ تحتَ رُكامِ الأساطيرِ.
ثمَّةَ أملٌ، لكنَّه أملٌ يحتاجُ إلى بنيةٍ حقيقيَّةٍ، لا إلى خُطبٍ. يحتاجُ إلى تَغييرٍ عميقٍ في معنى التعليمِ، في وظائفِ النُّخبةِ، في استقلاليَّةِ الكلمةِ، في القوانينِ التي تُقنِّنُ الخوفَ وتَحتَرِفُ حَجبَ الحُرِّيَّةِ باسمِ الحِكمةِ والمصلحةِ والمُقدَّسِ.
مستقبلُ الحُرِّيَّةِ في المَشرِقِ يَبدأُ حينَ نُعيدُ تعريفَ الإنسانِ، لا بوصفِه كائِنًا خاضعًا لماضٍ لا يُراجَع، بل بوصفِه مشروعًا يُخاطِبُ المستقبلَ وهو يَحملُ على ظَهرِه ذاكرةً مفتوحةً للنَّقدِ. حينَ نُربِّي أبناءَنا على الحُبِّ لا على الحَذرِ، على الصَّوتِ لا على الصَّدى، على المَعنى لا على الشِّعارِ.
وحينَ لا تَعودُ الحُرِّيَّةُ ضَيفًا خجولًا في البيوتِ، بل تُصبِحُ جزءًا من الأثاثِ اليوميِّ، حينها فقط، يُمكِنُ أن نَقولَ إنَّ المَشرِقَ بدأ يَكُتبُ سِيرتَه الجديدةَ، دونَ دِماءٍ، ودونَ أَوثانٍ.
إعادةُ صياغةِ الإنسانِ ليست نُزهةً لُغويَّةً، بل هي مشروعُ إنقاذٍ شاملٍ. الإنسانُ الذي تعرَّضَ للتَّهشيمِ العقليِّ، والتَّدجينِ الأخلاقيِّ، والتَّوجيهِ القَسريِّ منذ الطُّفولةِ، لا يُمكنُ أن يُسهمَ في التَّغييرِ ما لم يُعاد بناءُ نظرتِه إلى نَفسِه أولًا. لا نُريدُه أن يُنكرَ ماضيه، بل أن يَضعَه في مكانِه الصَّحيحِ: كمرحلةٍ من مراحلِ التَّكوينِ، لا كصَندوقِ قَدرٍ مُغلَق.
إعادةُ الصياغةِ تَعني أن يُنظَر إلى الإنسانِ بوصفِه غايةً، لا وسيلةً. أن يُربّى على الحُرِّيَّةِ كما يُربّى على اللغةِ. أن يُدرَّبَ على السُّؤالِ كما يُدرَّبُ على المشي. أن يتعلَّمَ أنَّ العقلَ ليسَ عدوَّ الإيمانِ، وأنَّ النقدَ ليسَ تمرُّدًا، بل بدايةُ الفهمِ.
لكنَّ هذه الرّحلةَ لا يُمكِنُ أن يَقودَها إلّا مشروعُ نُخبةٍ ثقافيَّةٍ مُستقلَّةٍ، تَخرجُ من دُوائرِ الحُكمِ والطائفةِ والمُوالاةِ، وتَمتلكُ شجاعةَ أن تَقولَ ما لا يُقال، وتَكتُبَ ما لا يُنشر، وتَصمُتَ حينَ يَكثُرُ الضجيجُ. نُخبةٌ لا تُقدِّمُ النُّصوصَ على الضَّمائرِ، ولا تَبيعُ موقفَها مقابلَ حيّزٍ إعلاميٍّ أو اعترافٍ رسميٍّ.
إنَّ النُّخبةَ الحقيقيَّةَ لا تَعيشُ على هامشِ السلطةِ، بل تَعيشُ على تماسٍّ دائمٍ مع الضَّميرِ الإنسانيِّ. دورُها أن تُنيرَ لا أن تُبرِّر، أن تُربِّي لا أن تُجيِّش، أن تُقاوِمَ القَطيعَ لا أن تَتقدَّمَه.
وهنا، يَظهرُ السُّؤالُ الأكثرُ صَرامةً: هل يُمكنُ أن نَبني مَشرِقًا جديدًا دونَ دِماءٍ؟ هل يُمكِنُ أن نُؤسِّسَ لوجودٍ جمعيٍّ لا يَحتاجُ إلى الموتِ كي يُعلِنَ وُجودَه، ولا إلى القَتلِ كي يُثبِتَ نَقاءَه؟
نعم، يمكن، إذا أعدنا للإنسانِ صورتَه، وللحياةِ قيمتَها، وللحُرِّيَّةِ مكانتَها. يمكن، إن قُلنا للماضي: شكراً، لكن آنَ لنا أن نَعبُر. يمكن، إن كَفَفْنا عن رَفعِ السُّيوفِ في وجهِ الأسئلةِ، وإن وَثِقْنا أنَّ الحقيقةَ لا تحتاجُ إلى قتيلٍ كي تَعيش.
خاتمةُ المحورِ الخامس:
لا يُمكنُ الحديثُ عن مُستقبلِ الحُرِّيَّةِ في المَشرقِ دون المرورِ من جَرحِ سوريَّة. فالتَّجربةُ السوريَّةُ، وهي من أشدِّ ما شهِدَهُ هذا القرنُ العربيُّ من عُريٍ فكريٍّ وسقوطٍ قيميٍّ، قد كشفت لنا ـ بالدَّليلِ القاطعِ ـ أنَّ ما يُقاربُ ٨٨٪ من أولئك الذين اعتبروا أنفسَهم حملةَ مشاعلِ التقدُّمِ والتَّنويرِ، لم يكونوا في جوهرِهم إلّا مُقنَّعينَ بأقنعةِ الحداثةِ، وما إن انكسرَ الخوفُ، حتى عادوا يَهتفونَ لأفكارٍ سَبقَتنا بألفٍ وأربعمائةِ عامٍ، ويدعونَ إلى الخُضوعِ لها، كأنَّ شيئًا لم يكن.
فكيفَ، مع مِثلِ هذا الانكشافِ، يُمكنُ أن يَستقيمَ الطَّرحُ الموضوعيُّ؟ كيفَ نُناقِشُ العَقلَ إذا كان العقلُ قد هَجَرَ موقعَهُ، وعادَ إلى مَعابدِ الطَّاعةِ الأولى؟ وكيفَ نُخاطبُ وجدانًا لم يَعُد يبحثُ عن الحقيقةِ، بل عن العِصابةِ التي تَمنحهُ شِعاراتٍ أقربَ إلى جلدِه؟
إنَّ هذه التَّجربةَ المريرةَ ليست سببًا في الإحباطِ، بل دليلٌ إضافيٌّ على عُمقِ المُشكلةِ، وضرورةِ التَّفكيرِ من جذرِ الجُذورِ، لا من سطحِ العباراتِ. المَشرِقُ لا يَنقصهُ الكلامُ، بل الشَّجاعةُ على أن يُعيدَ تَحديدَ ذاتهِ، في ضوءِ ما حدثَ، لا في ظِلِّ ما يُقال.
ولذلك، فإنَّ الأملَ الحقيقيَّ ليس في هؤلاءِ الذين ارتدّوا، بل في أولئك القِلّةِ الذين صَمَدوا، ولم يُغيِّروا جلدَهم حينَ ارتَجَّت السُّقوفُ. أولئك الذين لم يَصرُخوا مع الجَماعةِ، ولم يُوقِدوا نارًا ليَحترقوا فيها باسمِ النّقاءِ، بل ساروا عُزّلاً، كأنّهم النُّذرُ الأخيرةُ للعقلِ في أرضٍ أُتخِمت بالضجيجِ.
الرَّكائزُ الثَّلاثُ لمَشروعِ الخَلاصِ: نحوَ مَشرِقٍ يُعيدُ اكتشافَ ذاتِه
إذا كان المَشرِقُ قد غاصَ طويلًا في دِماءِ الهُويَّةِ، وفي قُدسيَّةِ الماضي، وفي أسوارِ الطَّاعةِ، فإنَّ الخَلاصَ لا يَكونُ بقطيعةٍ عمياء، ولا بتمجيدٍ فارغٍ لِما يُسمَّى "العقلانيَّةَ الحديثةَ"، بل بركائزَ ثلاثٍ تُعيدُ بناءَ الإنسانِ، لا تَكتفي بتقويمِه.
الرَّكيزةُ الأُولى هي إعادةُ صياغةِ الإنسانِ، لا كمشروعٍ سياسيٍّ أو تعليميٍّ فحسب، بل كفعلٍ روحيٍّ وفكريٍّ وأخلاقيٍّ. الإنسانُ الذي وُلدَ في الزَّوايا الضَّيّقةِ للخوفِ والطَّاعةِ والمُحاكاةِ، لا يُمكنُ أن يَنهضَ إلّا إذا أُعيدَ إليه حقُّه في أن يُفكِّرَ، ويَتأمَّلَ، ويَشعُرَ، ويَسألَ، ويَختارَ، ويُخطئَ، دونَ أن يُنزعَ منهُ انتماؤهُ أو كرامتُه.
الرَّكيزةُ الثَّانيةُ هي مشروعُ النُّخبةِ الثقافيَّةِ المُستقلَّةِ، وهي نخبةٌ لا تأتمرُ بأجهزةِ القمعِ ولا تُدجَّنُ في مَعارِضِ الفكرِ، بل تَنهضُ من الهامشِ، وتَكتبُ في العتمةِ، وتُؤمنُ أنَّ التَّغييرَ لا يُمنَحُ، بل يُصنَعُ على نارِ الألمِ والصَّدقِ. هذه النُّخبةُ لا تَصطفُّ مع الغالبِ ولا مع الحاكمِ، بل مع الحقيقةِ حينَ تكونُ مُهملةً، ومع الإنسانِ حينَ يُصبِحُ مُهدَّدًا في وُجودهِ الحُرِّ.
الرَّكيزةُ الثَّالثةُ هي السُّؤالُ الأخلاقيُّ: هل يُمكنُ أن نَبني مَشرِقًا جديدًا دونَ دِماءٍ؟. سؤالٌ ليس ساذجًا، بل مصيريٌّ. فإذا كان الماضي قد كُتبَ بالسُّيوفِ، فهل يَنبغي للمستقبلِ أن يُكرِّرَ ذاتَ الطَّقوسِ؟ أم أنَّنا نَستطيعُ – ببطءِ العقلِ لا بعُنفِ الغريزةِ – أن نُعيدَ الاعتبارَ للكلمةِ، وللصَّوتِ المُفكِّرِ، وللقيمةِ الإنسانيَّةِ؟
إنَّ مَشروعَ الخَلاصِ لن يكونَ برّاقًا، ولن يَحظى بتصفيقِ الجماهيرِ، لكنه، في عُمقِه، زَرعٌ بعيدُ المَدى، لا يُنتِجُ موسمًا سريعًا، بل يُؤسِّسُ لأرضٍ يُمكنُ أن تنبُتَ فيها الحياةُ من دونِ ثأرٍ أو وُجَعٍ مقدَّس.
خاتمةُ البحثِ العامَّة:
هذا البحثُ لم يُردْ أن يُنظِّرَ في الفراغِ، ولا أن يُنقِّبَ في التَّاريخِ من بابِ التَّأريخِ، بل أراد أن يُقاربَ الإنسانَ المشرقيَّ كما هو: كائِنًا مَشدودًا بين موروثٍ مُقدَّسٍ وعالمٍ يَتَحَرَّك، بين ذاكرةٍ مثقوبةٍ ومستقبلٍ لا يزالُ يُقاوِمُ، بين خُوفٍ قديمٍ وأملٍ لا يموت.
تَوقَّفنا عند الدَّمِ لا لِنُثيرَ الشَّفقةَ، بل لِنُفكِّكَ أسبابَه، وعند الهُويَّةِ لا لِنُجدِّدَها، بل لِنُعيدَ فَهمَها، وعند الحُرِّيَّةِ لا بوصفِها يوتوبيا، بل كأملٍ واقعيٍّ مَشروطٍ بالشجاعةِ والمعرفةِ والإرادةِ.
لقد بَدا لنا، من خلال التَّأمُّلِ العميقِ، أنَّ الحلَّ لا يُولَدُ من داخلِ المَؤسَّساتِ المَوروثةِ، ولا من بينِ صفوفِ الجموعِ التي تُغيِّرُ جِلدَها كلَّما ارتجَّ السقفُ. بل إنَّ الخَلاصَ يبدأ من الإنسانِ الفردِ، من إعادةِ صياغتِه، من تحريرِ عقلِه، من الاعترافِ بأنَّ ما نحنُ فيهِ ليسَ قدرًا، بل نتيجةٌ لمساراتٍ قابلةٍ للفَهمِ، وللتَّجاوزِ.
وهذا البحثُ، وإن لم يُدَّعِ الإحاطةَ، إلا أنَّهُ يضعُ بين يدي القارئِ، والباحثِ، وصاحبِ القرارِ، معالمَ طريقٍ آخرَ، لا يَعتمدُ على الشِّعاراتِ، بل على المَساءلةِ، ولا يَنتظرُ المعجزةَ، بل يَشتغلُ على الإنسانِ باعتباره مشروعًا مفتوحًا على الأملِ والخلقِ والحرِّيَّةِ.


((قراءةٌ تحليليةٌ نقديّةٌ في بحث: "المَشرِقُ بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ"
إعداد: [اسم المراجع الأكاديمي]
"سيروا ضدَّ ما أنتم عليه تجدوا أنفسكم في طريق الصواب."
– جان جاك روسو
حين نقرأ هذا القول في زمن عربيّ تُسيطر عليه الطاعة ويُجرَّم فيه السؤال، نفهم لماذا يخوض الباحث السوري إسحق قومي معركته الفكرية في هذا البحث. فموضوع الحريّة في المشرق ليس ترفًا، بل هو – اليوم – جرحٌ مفتوحٌ في جسدٍ يتلوّى بين استبدادٍ سياسي، وسُلطاتٍ دينية، وأعرافٍ قاتلة.
وهنا تتجلّى أهميّة هذا البحث: إنّه مساهمةٌ نادرة في مجابهة الركود الثقافي، وإيقاظ ما يشبه "النائمون في التاريخ".
أوّلًا: في جوهر الإشكاليّة:"الموروث" ليس ماضٍ بريء، والحريّة ليست حلمًا فرديًّا.
هٰذا ما يُحاول الباحثُ البرهنة عليه، إذ يرى أنّ الإنسان المشرقي ليس فقط خاضعًا لأنظمةٍ سلطوية، بل يحمل داخله أيضًا آليّات الخضوع والتكرار.
الجرأة في هذا البحث أنّه لا يُلقي التهمة على "الأنظمة" وحدها، بل على البُنى الرمزية، والمفاهيم، والخطابات التي تطوّق الذات من الداخل.
ثانيًا: في الأسلوب والمنهج
لا يسير الباحث على خطى منهج أكاديمي كلاسيكي، بل ينهج أسلوبًا تفكيكيًّا–تأمّليًّا، فيه من الحفر الفوكوي، والقلق الأركوني، والتمرّد المهديّ العامل، ما يذكّرنا بأنّ النص ليس مجرّد "عرض"، بل هو موقف فكري – وجودي.
اللغة عالية ومشحونة، تتأرجح بين البلاغة الفلسفية والسرد النقدي.
البنية غير جامدة، بل منفتحة على الاحتمال والتأويل، وفيها إلحاح مستمرّ على أن الخلاص لا يأتي من أعلى، بل من نقد ما نؤمن به نحن.
ثالثًا: أهمية الموضوع في السياق الراهن
في ظلّ ما تمرّ به سوريا والشرق الأوسط من حروب، وانهيارات، وتحوّلات في الهويّة والانتماء، يأتي هذا البحث ليقول:لسنا فقط ضحايا الخارج، بل ضحايا مقدّساتنا المعطّلة.
وهنا نلمح الموقف التنويري الصريح:الدعوة إلى وعي نقدي جديد.
تفكيك منظومة "الطاعة–المقدّس–الخوف".
إعادة تشكيل الذات عبر الفنّ، والفكر، والتربية الحرّة.
بهذا المعنى، يمشي إسحق قومي عكس التيّار، كما دعا روسو، ليذكّرنا أن التحرّر يبدأ من مقاومة ما نعتبره "نحن" بديهيًّا.
رابعًا: التقييم الأكاديمي -المعيار التقييم (من 10)
الأصالة الفكرية 10 ----الجرأة النقدية 9.5
التماسك النظري 8.5 ----ملاءمة السياق الراهن 10
سلامة اللغة والأسلوب 9 ---القيمة المعرفية العامة 9.5
النتيجة النهائية: 9.4 / 10
في تقييم الباحث إسحق قومي
ليس من السهل أن تخوض هذا الموضوع وأنت سوري مشرقي يعيش في المنفى، لأنك تُمسك بأسلاك كهربائية مفتوحة: الدين، الطاعة، الدم، الخوف، الحريّة... ومع ذلك، يكتب إسحق قومي دون أن يوارب أو يخاف، بل بروح من يبحث لا عن خلاصه الفردي، بل عن إعادة ولادة الإنسان المشرقيّ.
إنّه لا يُشبه فقط مفكرًا ناقدًا، بل يُشبه فارسًا عنيدًا، لا يزال يؤمن بأنّ سوريا – تلك الحبيبة المجروحة – تستحقُّ أن تُنتَشَل من براثن التخلّف والدماء، لا بالحرب، بل بالكلمة، بالفكر، بالحبّ.
يُشبه روسو في شجاعته، ويُشبه المعذبين في الأرض في صدقه، ويضع إصبعه على الجرح لا ليُدينه فقط، بل ليُداويه أيضًا.))


المراجعُ المُقترَحةُ للبحثِ:
عبد الله العروي – مفهوم الحريّة – المركز الثقافي العربي.¹
حسن حنفي – الدين والثورة – دار التنوير.¹
عزيز العظمة – الإسلام والنقد العلماني – دار الساقي.¹
محمد أركون – نزعة الأنسنة في الفكر العربي – دار الطليعة.¹
طه عبد الرحمن – روح الحداثة – المركز الثقافي العربي.¹
ياسين الحاج صالح – بالخوذة أو بدونها: عن الحرية في سوريا – دار الجديد.¹
علي حرب – نقد الحقيقة – المؤسسة العربية للدراسات.¹
مهدي عامل – نقد الفكر اليومي – دار الفارابي.¹
حنا بطاطو – الطبقات الاجتماعية والحركات الثورية من العراق – مؤسسة الأبحاث.¹
ميشيل فوكو – تاريخ الجنون – ترجمة: حميد لشهب، المركز الثقافي العربي.¹



#اسحق_قومي (هاشتاغ)       Ishak_Alkomi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نَظَرِيَّةُ المَعْرِفَةِ عِنْدَ أَرِسْطُو قِرَاءَةٌ نَقْدِيّ ...
- أيُّها الباحثونَ المشرقيُّون، لا تُغالوا في آرائِكُم، لا قَو ...
- عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِي ...
- قِراءَةٌ جَديدَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ وَنَقْدِيَّةٌ بِشَأْنِ مُؤْ ...
- مَدَنِيَّةُ الدَّوْلَةِ السُّورِيَّةِ: مِنَ الكَارِثَةِ الوَ ...
- عشْتَارُ الفُصُولِ: ١١٦٥٩ . لَ ...
- عشتار الفصول:11655كيف نصل لدولة المواطنة في الشرق الأوسط؟
- عشتار الفصول: 11651سوريةُ ليستْ مِلْكًا لأيِّ مكوِّنٍ دينيٍّ ...
- ملحمة شعرية بعنوان:أسئلة لها جواب
- المؤتمر الآشوري العالمي القادم في يريفان في 26 نيسان القادم
- إِزْدِوَاجِيَّةُ الْمَعَايِيرِ لَدَى أَغْلَبِ أَبْنَاءِ الشّ ...
- عشتارُ الفصولِ: ١٢٢٥١ قرَاءات بحثية ...
- أناشيد لبحرٍ غير موجود
- سوريا: أصلُ التَّسميةِ، مِن أين؟
- عشْتَارُ الفُصُولِ:12183 استحالة قيام دولة مدنية أو علمانية ...
- عشتار الفصول: 11616 سُلُوكِيَّةُ الدَّوْلَةِ
- سوريا المستقبلُ لا يَستقيمُ فيها إلا النظامُ اللامركزيُّ، أي ...
- كَيفَ يُنجِزُ العَرَبُ مَشروعَ وُجودِهِم، وَعَالميّتِهِم؟
- المسيحيُّون السُّوريُّون نسبتُهم وعددُهم وقوميَّاتهم وطوائفُ ...
- عشتارُ الفصول: 11570 رسالةٌ للسّيّدِ أحمدِ حسينَ الشّرعِ لم ...


المزيد.....




- صرخ -يحيا الشيطان-.. إيقاف معلم رياضيات أرعب طلابه بزي شيطان ...
- قصف إسرائيلي متواصل على غزة وسط وضع إنساني كارثي
- هل تمر العلاقة الأمريكية مع سوريا الجديدة عبر تركيا؟
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقتل حفيد الدكتورة نوال الدجوي ب ...
- مصر.. السيسي يوجه رسالة إلى القارة الإفريقية
- الجزائر تسترجع سفينة احتجزت في بلجيكا 3 سنوات
- السعودية.. القتل -تعزيرا- لمواطن مصري والكشف عن جريمته
- بوتين يروي تفاصيل أمره بوقف هجوم إحدى الفرق العسكرية بسبب ال ...
- ترامب يرسل وزيرة الأمن الداخلي إلى تل أبيب عقب مقتل الدبلوما ...
- مدفيديف: المنطقة العازلة ستكون على كامل الأراضي الأوكرانية ( ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ والدَّمِ والمُستقبلِ (بحثٌ فلسفيٌّ – اجتماعيٌّ – تأمُّليٌّ)