اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8194 - 2024 / 12 / 17 - 14:10
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
باسمِ الذي لا فناءَ لمُلكهِ ولا انقضاءَ لعَهدِهِ آمين.
أمّا بعدُ:
لأنّكَ سوريٌّ، ولأنّكَ كنتَ تحملُ مشروعًا نضاليًّا قد أتّفقُ معهُ أو أختلفُ؛ لا يهمّ، هذا مشروعُك وأنتَ تتحمّلُ وِزرَهُ التّاريخيَّ، ولكنّني أُؤكّدُ على حقّكَ فيما تراهُ. لكنْ هذا كانَ عندما كنتَ زعيمًا لجماعةٍ تُناهضُ الحُكمَ في دِمشقَ.
أمّا اليومَ فأنتَ لا تُمثّلُ ذاكَ المشروعَ، بل تُمثّلُ سوريا الولادةَ الجديدةَ التي يأملُها كُلُّ سوريٍّ، ومِن أيِّ مكوّنٍ كانَ. فأنتَ لم تعُدْ أنتَ كما تُريدُ، بل أنتَ تُمثّلُ المشروعَ السّوريَّ الجديد.
ولهذا أُطالِبُكَ باسمِ سوريّتِنا، وبقُداسةِ تلكَ البخورِ التي انطلقتْ مِن رائحةِ الدّماءِ الزّكيّةِ التي أُهرِقَتْ على مذابحِ الحريّةِ مِن قِبَلِ مَن قُتِلوا في جبهاتِ القتالِ، وكانوا لا حولَ لهم ولا قوّةَ. وأولئكَ الذين ماتوا في السّجونِ المُظلِمة. باسمِ الفقراءِ والمحتاجينَ. باسمِ أُمّهاتِ وزوجاتِ وأبناءِ وبناتِ الشّهداءِ. باسمِ المكوّناتِ جميعِها وأخصُّ المُستضعَفةَ منها، باسمِ العَلمِ السّوريِّ الذي سيبقى خفّاقًا عاليًا رغمَ المِحنِ.
باسمِ دِمشقَ التي ستبقى رغمَ المِحنِ والنّوائبِ، أستحلِفُكم باللهِ وأقولُها لكُم:
لا أَحسُدُكم لا أنتَ، ولا حُكومةَ الأمرِ الواقعِ أو الحُكومةَ التي شَكّلتَها، لأنّكَ ولأنّكُم جِئتُم في لحظةٍ تاريخيّةٍ لا يُمكنُ قراءتُها بشكلٍ واضحٍ. فسوريا بعدَ حربٍ أهليّةٍ دامتْ 14 عامًا، وحُكمِ أُسرةِ الأسدِ التي استعبدتِ الشّعبَ السّوريَّ لمُدّةِ 54 عامًا، والجيشِ السّوريِّ المُنتهيةِ صلاحيّتُهُ والذي تَمَّ تدميرُهُ بالكاملِ مع عُدّتِهِ.
لا أَحسُدُكم في أنْ تحكُموا سوريا في هذهِ الفترةِ التّاريخيّةِ العَصيبةِ، لكنْ كما يَبدو أنّهُ قدَرُكُم. نتمنّى لكُم التّوفيقَ والنّجاحَ فيما تُحقّقونَهُ للشّعبِ السّوريِّ كافةً. ولكنْ رغمَ هذا، لا بُدَّ أنْ نقولَ كلمتَنا قبلَ أنْ تَمضي الأُمورُ وتنتهي المُدّةُ الانتقاليّةُ ويُكتَبَ الدُّستورُ السّوريُّ الجديد. نقولُها لكُم علنًا وواضحةً وصريحةً وباللّغةِ العربيّةِ.
1=سوريا التّاريخُ والمجدُ والتنوّعُ:
سوريا تلك الفُسَيفساءُ النيزكيّةُ لا يُمكنُ أنْ تحكُمَها فرقةٌ واحدةٌ وبلَونٍ واحدٍ. سوريا في القرنِ الحادي والعشرينَ لا يُمكنُ أنْ يَحكُمَها فكرٌ يُخالِفُ واقعَها وحقيقتَها. ففيها مكوّناتُها، كما تَعلمُ، آراميّةُ الجذرِ والسّاقِ والأوراقِ، لَقّحَتْها العُروبةُ والكُرديّةُ والأرمنيّةُ والسّريانيّةُ الجديدةُ الآشوريّة، والتّركمانيّةُ والشّيشانيّةُ والشّركسيّةُ والأرناؤوطيّةُ والمغاربةُ.
فيها الإسلامُ دينُ الأغلبيّةِ السّاحقةِ وعلى مذاهِبَ ونِحَلٍ، وفيها المسيحيّةُ التي تَنحدرُ مِن قوميتَينِ: القوميّةِ السّريانيّةِ الآشوريّةِ والقوميّةِ الأرمنيّةِ. وفيها طوائفُ عديدةٌ، كما فيها مِن الدّياناتِ: اليزيديّةُ والدّرزيّةُ واليَهوديّةُ.
2=سوريا الوِلادةُ الجديدةُ:
لن تكونَ إلّا بسَنِّ عقدٍ اجتماعيٍّ (دُستورٍ) يقومُ على حقِّ كُلِّ مواطنٍ سوريٍّ في تحقيقِ شخصيّتهِ الوطنيّةِ والإنسانيّةِ والتّعليميّةِ والدّينيّةِ والمذهبيّةِ، ليس مِن خلالِ مفهومِ الأغلبيّةِ والأقليّةِ. فهذا سيكونُ دُستورًا كارثيًّا بامتيازٍ على مَن يَظنّونَ أنّهم سيعيشونَ في ظِلِّ حُريّةٍ جديدةٍ تُغايرُ الحُريّةَ التي عاشوها تحتَ حُكمٍ طالَ لمدّةِ 54 عامًا.
وأمّا مفهومُ الحُريّةِ: فمَن يَظنُّ أنّ تَفعَلَ الأغلبيّةُ كما تُريدُ مِن خلالِ تحقيقِ فرائضِها مِن صلاةٍ وصَومٍ وغيرها، فهذهِ لن تكونَ حُريّةً، بل مُصادَرةٌ حقيقيّةٌ للحُريّاتِ العامّةِ والخاصّةِ.
إنَّ أيَّ حُريّةٍ مُطلَقةِ اليدِ مِن قِبَلِ الأغلبيّةِ في تحقيقِ فرائضِهم ستكونُ كارثيّةً على الأقليّاتِ الدّينيّةِ والمذهبيّةِ معًا. لهذا لا نُريدُ حُريّةَ الأغلبيّةِ على حسابِ الأقليّاتِ، ولا نُريدُ فَوضى، ولا "حضارةَ التّعري"؛ فهذا أيضًا لا يُلامسُ حقيقةَ وواقعيّةَ مُجتمعاتِنا السّوريّة.
3=الدُّستورُ الجديدُ:
الدُّستورُ الذي لا يَعتَرِفُ بكُلِّ المكوّناتِ السّوريّةِ وعلى سويّةٍ واحدةٍ على الورقِ وفي الواقعِ، ليسَ بدُستورٍ، إنّما شَكلًا مِن أشكالِ الظُّلْمِ المُبطَّنِ. فالسّلوكُ هو الحُكمُ، ولا نُريدُ أنْ يُتاجِرَ بِنا نحنُ المسيحيّينَ على وجهِ...
الخصوصُ أمامَ المحافلِ الدّوليّةِ ومجالسِ الدّولِ الغربيّةِ، فتلكَ ستكونُ الطّامّةَ الكُبرى، وسنُعَرّي ذلكَ حتّى لو بَقِيَ مِنّا عشرةٌ في بلادِ الاغترابِ.
4=لا نُريدُ أسلَمةَ سوريا، فإذا فَعَلتُم فإنّكم لَستُم سِوى ذاكَ الذي يَستَبدلُ شرًّا بِشرٍّ آخرَ. هل تَقبَلونَهُ لأنفُسِكُم أنْ تَكونوا كما الذي ذَهَبَ ولَن يَعودَ؟
أُؤكّدُ لكُم، كما تَعلمونَ ويَعلمُ الجميعُ، بأنَّ التّاريخَ لا يَكتُبُهُ الظّالمُ والمُستبدُّ. والتّاريخُ لا يُخلّدُ الظّالمَ والمُستبدَّ. لهذا عليكَ بالابتعادِ عن أنْ تَظلِمَ أبناءَ وَطنِكَ سوريا. فشعبُ سوريا مُتجذّرٌ في الأرضِ والتّاريخِ، وعَرَفَ الغُزاةَ وخَبِرَ الفاتحينَ الظّالمينَ، وقَدَّمَ عبرَ تاريخِهِ الطّويلِ التّضحياتِ الجِسامَ. لكنَّهُ كالفينيقِ مِن رمادِهِ يُبعثُ حيًّا بينَ الحينِ والآخرِ.
أستَحلِفُكَ بسوريا إذا كُنتَ تُريدُ أنْ تُسَجّلَ اسمَكَ في تاريخِها النّاصعِ عليكَ بما يلي:
آ = أنْ تَتَخَلّى عن كلِّ عَقيدةٍ آمَنتَ بِها وعَمِلتَ مُجاهِدًا مِن أجلِها؛ فتلكَ كانتْ في فترةٍ ليستْ كما أنتَ الآنَ. الآنَ عليكَ مسؤوليّةُ قيادةِ شعبٍ اسمُهُ الشّعبُ السّوريُّ، المُتنوّعُ الأعراقِ والأقوامِ واللّغاتِ والدّياناتِ والمذاهِبِ. ولهذا فقيادَتُهُ تَتَطلّبُ مِنكَ الحِكمةَ مِن يَنابيعِها، ومِن العَدلِ صَوتَ ذاكَ القائلِ لعُمرَ بنِ الخطّابِ: (أنِمْتَ لَمّا أَقَمتَ العَدلَ بينَهُم، فَنِمتَ فيهِم قَريرَ العينِ هانيهَا). هل تُريدُ خُلودَ عُمرَ؟ لا تَتردّدْ في العَملِ الذي سيُخلّدُ الذينَ يَعمَلونَ لخيرِ شُعوبِهم كافّةً وليسَ لدينٍ أو مَذهَبٍ كانَ.
ب = أنْ تَرفُضَ وبِشِدّةٍ أنْ يُمَجّدَكَ أيُّ مُواطِنٍ كانَ. فالمَجدُ للهِ وللوَطنِ. وعليكَ أنْ تأخُذَ العِبرةَ مِمّا حُطّمَتْ أصنامُهم قَبلَ أيّامٍ، ودِيسَتْ كَرامتُهم مِن قِبَلِ شَعبٍ ثائِرٍ ومَقهورٍ. وعليكَ أنْ تُحقّقَ القانونَ المَدنيَّ على كُلِّ المُواطِنينَ، أمّا الشّريعةُ والدّينُ والتّديّنُ فذاكَ مِن الأُمورِ الشّخصيّةِ. كما نُطالِبُكُم أنْ لا يَكونَ في عَهدِكُم عِصاباتٌ لا تَحمِلُ أيَّ اسمٍ كانَ: لا الجَولانيّ ولا هيئةَ تحريرِ الشّامِ ولا غَيرِها؛ فذاكَ مُصيبةُ المصائِبِ.
ت = نُطالِبُكَ أنْ تُصدِرَ أوامِرَكَ لكُلِّ عَناصِرِ الهيئةِ في مُختلَفِ الميادينِ أنْ لا يَتَصرّفوا على هَواهُم في مُحاسبةِ مَن كانوا في قِياداتِ الجيشِ أو في أيِّ مَنزِلةٍ ما في زَمنِ النّظامِ السّابقِ. بلْ عليهم أنْ يَعتَقِلوا هؤلاءَ ويُقدّموهم لِمحاكِمَ عادلةٍ بِحَسبِ القانونِ السّوريِّ الذي نَنتظِرُهُ جَميعًا. إنّنا رَأينا بَعضَ مَن يُقتَلونَ رَميًا بالرّصاصِ أو يُهانونَ ويُضرَبونَ بلا رَحمةٍ؛ يُعَدُّ تَصرّفًا عِدائيًّا لا يَختلِفُ عن تَصرّفِ الهارِبِ بشّار حافظِ الأسدِ. فهلْ تُريدونَ أنْ يُسَجّلَ التّاريخُ سُلوكيّاتٍ لا نَتَمنّاها لكُم؟
**ث = ولأنّني أُؤمِنُ وأُؤكّدُ على أنْ لا تَحقِيقَ حَرفيٍّ للقانونِ والدّستورِ مهما كانَ نزيهًا، فإنَّ المُستَقبلَ الخالي مِن القَهرِ والظّلمِ والإقصاءِ والشّوفينيّةِ، وتَحقيقِ الحُريّةِ المُنضبِطةِ لكُلِّ مكوّنٍ سوريٍّ، يَقومُ على أنْ يَكونَ الحُكمُ الإداريُّ في سوريا فِدراليًّا. فَلنُغيّرْ اسمَ المُحافظةِ إلى فِدراليّةٍ، ولمَ لا؟!! على أنْ تُقسَمَ سوريا على شَكلِ فِدراليّاتٍ أَسمَيْتُها في الرّسالةِ:
1. فِدراليّةُ دِمشقَ السّوريّةِ.
2. فِدراليّةُ جَبَلِ العَربِ السّوريّةِ.
3. فِدراليّةُ حُورانَ السّوريّةِ.
4. فِدراليّةُ السّاحلِ السّوريِّ.
5. فِدراليّةُ حلبَ، وتَشملُ إدلبَ وقِسمًا كبيرًا مِن حماةَ وحِمصَ.
6. فِدراليّةُ الجَزيرةِ والفُراتِ السّوريّةِ، وتَشملُ مُحافظاتِ الرّقةِ وديرِ الزّورِ والحَسَكةِ.
7. وعلى أنْ يُعطى للمكوّنِ المسيحيِّ بقوميّاتِهِ ومَذاهِبِهِ وطَوائفِهِ حقُّ إقامةِ فِدراليّةٍ في حاضِرةِ وادي النّصارى وبَعضِ الأرضِ مِن مُحافظةِ حماةَ ومُحافظةِ حِمصَ؛ تَكونُ لهم بَيتًا يَعيشونَ فيهِ...
نَرفُضُ رَفضًا قاطعًا أنْ يَستغلَّنا حاكمٌ أو مسؤولٌ، ويُتاجِرَ بنا أمامَ المحافلِ الدّوليّةِ، ويَتمنَّنَ علينا. فنحنُ لم نَعُدْ في سوريا وَحدَها، بل نَنتشِرُ في أرجاءِ العالمِ، وسَنُفضَحُ كلَّ تَصرّفٍ يُسيءُ إلى المسيحيّينَ السّوريّينَ والمشرقيّينَ. وهذا الأمرُ نَضعُهُ على الطّاولةِ كأحدِ شروطِنا للتّعايُشِ مع أغلبيّةٍ تُريدُ تحقيقَ دِينِها وطُقوسِها. ونحنُ لسنا ضِدَّ هذا، لكنْ ليسَ على حِسابِ حُريّتِنا وحَقّنا في الوَطنِ.
إنَّ سوريا وشَعبَها أغلَبُهُ، لا بلْ أكثرُ مِن 85%، لا يُريدُ تَطبيقًا للشّريعةِ، أيُّها السّيّدُ الذي قادَ حَرَكةَ التّغييرِ هو وجَميعُ الفصائلِ، وبِمُعاونةٍ دُوليّةٍ لا تُخفى على أحدٍ، ولظُروفٍ داخليّةٍ تَمكَّنَتْ مِن صِناعةِ اللحظةِ التي فَرَّ فيها الرّئيسُ السّابِقُ بشّارُ الأسدُ. لهذا نُؤكّدُ مع كُلِّ الشُّرفاءِ السّوريّينَ بأنَّ سوريّةَ ليستْ لأفكارٍ لا يَقبلُها أهلُها. ومِن الظُّلْمِ أنْ تَعودَ سوريا إلى أساليبِ حُكمٍ فيهِ مِن الظُّلْمِ حتّى على مُعتَنِقيهِ.
أعتقِدُ كَفَى الشّعبُ السّوريُّ الظُّلمَ والقَهرَ والفَقرَ والجُوعَ والمَرَضَ والسّجونَ. فإذا لم تَكُنْ يا سيّدَ جَولاني تَتطلّعُ لتَضَعَ البلادَ على مَسارِ الحَضارةِ الإنسانيّةِ دونَ إقصاءٍ أو ظُلمٍ، فأرى أنَّ المَقامَ بكُم لن يَدومَ، ولن يَبقى إلّا رَبُّكُمُ الذي عَلَّمَ الإنسانَ ما لم يَعلَمْ.
المُواطِنُ السّوريُّ المُهاجِرُ: المدرّس إسحق قَومي.
14/12/2024م.
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري .
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟