أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدِّرَاسَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَةِ دِرَاسَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ















المزيد.....



عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدِّرَاسَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَةِ دِرَاسَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ


اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)


الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 08:14
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


مُقَدِّمَةُ الْبَحْثِ:
يُعَدُّ مَوْضُوعُ أَصْلِ الْيَهُودِ قَوْمِيًّا مِنَ الْقَضَايَا الْمِفْصَلِيَّةِ فِي دِرَاسَةِ الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ وَتَارِيخِ مِنْطَقَةِ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ، لِأَنَّهُ يَمَسُّ جُذُورَ تَكْوِينِ إِحْدَى أَقْدَمِ الْهُوِيَّاتِ الْقَوْمِيَّةِ فِي الْعَالَمِ. وَبِالنَّظَرِ إِلَى الرِّوَايَاتِ الدِّينِيَّةِ، نَجِدُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – يُعْتَبَرُ الْجَذْرَ الْأَصِيلَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، وَقَدْ خَرَجَ – بِحَسَبِ التَّوْرَاةِ – مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ، مَا يَفْتَحُ الْبَابَ أَمَامَ تَسَاؤُلٍ عَمِيقٍ: هَلِ الْيَهُودُ فِي أَصْلِهِمْ هُمْ شَعْبٌ كَلْدَانِيٌّ، أَمْ أَنَّهُمْ تَكَوَّنُوا كَهُوِيَّةٍ قَوْمِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ تَتَجَاذَبُهَا الْجُذُورُ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةُ، الْآرَامِيَّةُ، وَالْكَنْعَانِيَّةُ؟
تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ هَذَا الْبَحْثِ فِي أَنَّهُ يُحَاوِلُ الْجَمْعَ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْمَقْدِسَةِ (التَّوْرَاةِ، وَالنُّصُوصِ الْيَهُودِيَّةِ التَّفْسِيرِيَّةِ) وَبَيْنَ الْمُعْطَيَاتِ التَّارِيخِيَّةِ وَالْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ وَالْأَثَرِيَّةِ، لِكَيْ يُقَدِّمَ رُؤْيَةً مَوْضُوعِيَّةً وَمُتَوَازِنَةً، بَعِيدًا عَنِ الْإِسْقَاطَاتِ الْأَيْدِيُولُوجِيَّةِ وَالْمَغَالَاةِ الدِّينِيَّةِ.
وَمِمَّا دَفَعَنِي إِلَى تَبَنِّي إِعْدَادِ وَكِتَابَةِ هٰذَا الْبَحْثِ أَنَّنِي كُنْتُ فِي زِيَارَةٍ عَائِلِيَّةٍ لِبَيْتِ صَدِيقِنَا رَامِي عَوَضَ، وَخِلَالَ الْحَدِيثِ سَأَلَنِي: مَا هُوَ أَصْلُ الْيَهُودِ، أَوْ بِمَعْنًى آخَرَ قَوْمِيَّتُهُمْ؟ فَأَجَبْتُهُ يَوْمَهَا عَنْ مَوْضُوعِ: «آرَامِيًّا تَائِهًا كَانَ أَبِي وَتَغَرَّبَ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَأَصْبَحُوا أُمَّةً عَظِيمَةً»، وَرَبَطْتُ إِجَابَتِي أَيْضًا بِأَنَّ إِبْرَاهِيمَ خَرَجَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيَّةِ، فَهُوَ بِهٰذَا الْمَعْنَى كَلْدَانِيٌّ. ثُمَّ عِنْدَ عَوْدَتِي إِلَى الْبَيْتِ بَدَأْتُ أُحَضِّرُ نَفْسِي حَتَّى أَكْتُبَ فِي هٰذَا الْمَوْضُوعِ الَّذِي وَجَدْتُ أَنَّهُ تَحَدٍّ لِي.
إِشْكَالِيَّةُ الْبَحْثِ:
تَتَمَحْوَرُ إِشْكَالِيَّةُ الْبَحْثِ حَوْلَ السُّؤَالِ الْمَرْكَزِيِّ: إِلَى أَيِّ مَدًى يُمْكِنُ اعْتِبَارُ الْيَهُودِ شَعْبًا ذَاتَ أَصْلٍ كَلْدَانِيٍّ، وَمَا هِيَ الْعَلَاقَةُ بَيْنَ أُصُولِهِمِ الْبَيُولُوجِيَّةِ وَالْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ الَّتِي تَشَكَّلَتْ فِي كَنْعَانَ؟ وَمِنْ هُنَا تَنْبَثِقُ إِشْكَالِيَّاتٌ فَرْعِيَّةٌ: مَا دَوْرُ اللُّغَةِ فِي تَثْبِيتِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ؟ كَيْفَ سَاهَمَتِ الْبِيئَاتُ الْمُخْتَلِفَةُ فِي صِيَاغَةِ الْوَعْيِ الْقَوْمِيِّ؟ وَمَا أَثَرُ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ فِي تَكْرِيسِ هَذِهِ الْهُوِيَّةِ؟
أَهْدَافُ الْبَحْثِ:
١. تَحْلِيلُ الْجُذُورِ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ لِلْيَهُودِ.
٢. اسْتِكْشَافُ الْبُعْدِ اللُّغَوِيِّ وَدَوْرِهِ فِي تَشْكِيلِ الْهُوِيَّةِ.
٣. تَقْوِيمُ الرِّوَايَاتِ التَّارِيخِيَّةِ فِي ضَوْءِ الشَّوَاهِدِ الْأَثَرِيَّةِ.
٤. دِرَاسَةُ تَأْثِيرِ الْهُجْرَاتِ وَالْمُتَغَيِّرَاتِ السِّيَاسِيَّةِ عَلَى بِنْيَةِ الْهُوِيَّةِ.
الْمَنَاهِجُ الْمُعْتَمَدَةُ وَكَيْفِيَّةُ تَفْعِيلِهَا:
الْمَنْهَجُ التَّارِيخِيُّ: سَيُسْتَخْدَمُ لِتَحْلِيلِ النُّصُوصِ الْمَقْدِسَةِ وَالْمَصَادِرِ الْقَدِيمَةِ، مِثْلَ دِرَاسَةِ نَصِّ سِفْرِ التَّكْوِينِ (إِصْدَارٌ ١١) وَمُقَارَنَتِهِ مَعَ النُّقُوشِ الْبَابِلِيَّةِ، لِتَفْحُصَ تَطَوُّرَ مَفْهُومِ "أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ" وَالزَّمَنِ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ.
الْمَنْهَجُ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيُّ: سَيَسْتَقْصِي الدِّرَاسَاتِ الْجِينِيَّةَ الْمُعَاصِرَةَ عَلَى الْيَهُودِ (مِثْلَ دِرَاسَةِ الْعَلاقَةِ بَيْنَ الْأَشْكَنَازِ وَشُعُوبِ الْعِرَاقِ) لِتَحْدِيدِ مَا إِذَا كَانَ هُنَاكَ جُذُورٌ مِيزُوبُوتَامِيَّةٌ أَصِيلَةٌ.
الْمَنْهَجُ اللِّسَانِيُّ: سَيُحَلِّلُ نُصُوصًا عِبْرِيَّةً وَآرَامِيَّةً لِبَيَانِ تَأْثِيرِ الْأَكَادِيَّةِ فِي الْمُعْجَمِ الْعِبْرِيِّ، مَعَ تَفْكِيكِ نُصُوصِ سِفْرِ دَانِيَالَ الَّذِي يَتَضَمَّنُ لُغَةً آرَامِيَّةً.
الْمَنْهَجُ الْمُقَارَنُ: سَيُقَارِنُ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنُّصُوصِ الْبَابِلِيَّةِ وَالْكَنْعَانِيَّةِ، مِثْلَ الْمُقَارَنَةِ بَيْنَ مَا ذَكَرَتْهُ التَّوْرَاةُ وَمَا وَثَّقَتْهُ الْأُسْطُورَاتُ الْبَابِلِيَّةُ.
الْمَنْهَجُ النَّقْدِيُّ: سَيُعْمَلُ عَلَى تَفْكِيكِ الْخِطَابِ الدِّينِيِّ لِفَهْمِ أَيْنَ تَكْمُنُ التَّأْوِيلَاتُ التَّارِيخِيَّةُ الَّتِي رُبَّمَا أُضِيفَتْ فِي فَتَرَاتٍ لَاحِقَةٍ، مِثْلَ النَّقْدِ الْبِنْيَوِيِّ لِعِبَارَةِ "آرَامِيٌّ تَائِهٌ كَانَ أَبِي".
خِطَّةُ الْمُعَالَجَةِ:
سَيُقَدِّمُ الْبَحْثُ فِي الْفُصُولِ الْمُتَتَابِعَةِ تَسَلْسُلًا مَنْطِقِيًّا يَبْدَأُ بِتَعْرِيفِ الْقَوْمِيَّةِ وَيَمْضِي فِي تَحْلِيلِ الرِّوَايَاتِ الْقَدِيمَةِ، ثُمَّ يَنْتَقِلُ لِمُقَارَنَةِ الْمُعْطَيَاتِ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ، لِيَخْتَتِمَ بِخَلَاصَةٍ نَقْدِيَّةٍ تُجِيبُ عَنِ الْإِشْكَالِيَّةِ الْمَرْكَزِيَّةِ.
تَضَعُ هَذِهِ الْمُقَدِّمَةُ الْأُسُسَ الْمَنْهَجِيَّةَ وَالْمَعْرِفِيَّةَ لِبَحْثٍ يَسْعَى إِلَى الْحَقِيقَةِ بِأَدَوَاتٍ عِلْمِيَّةٍ، مُرَاعِيًا تَعَقُّدَ الْمَوْضُوعِ وَحَسَّاسِيَّتَهُ الْقَوْمِيَّةَ وَالدِّينِيَّةَ.

المِحْوَرُ الْأَوَّلُ: الْمَفْهُومُ الْقَوْمِيُّ وَتَطَوُّرُهُ فِي الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ
يَتَّسِمُ مَفْهُومُ الْقَوْمِيَّةِ بِالتَّعْقِيدِ وَالتَّشَعُّبِ، إِذْ يَتَغَيَّرُ مَعْنَاهُ بِتَغَيُّرِ الْمَرْحَلَةِ التَّارِيخِيَّةِ وَالظُّرُوفِ السِّيَاسِيَّةِ وَالْاجْتِمَاعِيَّةِ. فِي السِّيَاقِ الْحَدِيثِ، تُعَرَّفُ الْقَوْمِيَّةُ عَلَى أَنَّهَا انْتِمَاءٌ لِجَمَاعَةٍ بَشَرِيَّةٍ تَجْمَعُهَا لُغَةٌ وَاحِدَةٌ، تَارِيخٌ مُشْتَرَكٌ، ثَقَافَةٌ، وَأَرْضٌ تَأْرِيهَا رَابِطَةٌ وَحْدَوِيَّةٌ. أَمَّا فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ، وَخُصُوصًا فِي الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ، فَقَدْ كَانَ الْمَفْهُومُ أَكْثَرَ مَرُونَةً، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَتَّسِعَ لِيَشْمَلَ الْعَصَبِيَّةَ الْقَبَلِيَّةَ، الْهُوِيَّةَ الدِّينِيَّةَ، وَالِانْتِمَاءَ اللُّغَوِيَّ، بِلَا أَنْ يَكُونَ مَقْتَرِنًا ضَرُورَةً بِمَعْيَارِ الْوَطَنِ الْجُغْرَافِيِّ الثَّابِتِ.
إِنَّ الشُّعُوبَ السَّامِيَّةَ، وَالَّتِي يَنْدَرِجُ تَحْتَهَا الْأَكَادِيُّونَ (الْبَابِلِيُّونَ وَالآشُورِيُّونَ)، الْكَلْدَانُ، الْآرَامِيُّونَ، الْكَنْعَانِيُّونَ، وَالْعَرَبُ، تَشْتَرِكُ فِي أُصُولٍ لُغَوِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ فِي الْعِلْمِ الْحَدِيثِ الْجِذْرُ السَّامِيُّ. غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ الشُّعُوبَ لَمْ تَكُنْ دَائِمًا تَنْظُرُ إِلَى ذَاتِهَا عَلَى أَنَّهَا كِيَانٌ قَوْمِيٌّ وَاحِدٌ، بَلْ كَانَتِ الْقَبِيلَةُ وَالْمَدِينَةُ وَالدِّينُ هِيَ الْمُكَوِّنَاتِ الْأَسَاسِيَّةَ لِلهُوِيَّةِ.
فِي مِيزُوبُوتَامْيَا، عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، بَرَزَتِ الدَّوْلَةُ الْمَدِينَةُ كَوَحْدَةٍ قَوْمِيَّةٍ مُسْتَقِلَّةٍ، كَمَا شَهِدْنَا فِي سُومَرَ وَأَكَّادَ، ثُمَّ تَطَوَّرَ الْأَمْرُ مَعَ الْإِمْبِرَاطُورِيَّاتِ الْبَابِلِيَّةِ وَالْآشُورِيَّةِ، حَيْثُ صَارَتِ الْهُوِيَّةُ تَأْخُذُ بُعْدًا إِمْبِرَاطُورِيًّا يَجْمَعُ تَحْتَ ظِلِّهِ شُعُوبًا مُتَعَدِّدَةً، تَحْكُمُهَا قُوَّةُ الْمَرْكَزِ وَرَمْزِيَّةُ الْمُلْكِ وَالدِّينِ.
وَفِي مَنْطِقَةِ الْهِلَالِ الْخَصِيبِ، وَخُصُوصًا فِي فِلَسْطِين وَسُورِيَّة، ظَهَرَتْ الْهُوِيَّةُ الْكَنْعَانِيَّةُ، الَّتِي تَمَيَّزَتْ بِنَسَقٍ ثَقَافِيٍّ مُتَمَاسِكٍ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهَا وَحْدَةً قَوْمِيَّةً بِالْمَعْنَى الْحَدِيثِ. كَمَا ظَهَرَتِ الْقَبَائِلُ الْعِبْرِيَّةُ وَالْآرَامِيَّةُ الَّتِي كَانَتْ تَرْتَحِلُ وَتَتَنَقَّلُ، مَا جَعَلَ مِنْ هُوِيَّتِهَا الْقَوْمِيَّةِ هُوِيَّةً مُرْتَبِطَةً بِالْقَبِيلَةِ أَكْثَرَ مِنَ الْوَطَنِ.
الْمُلَاحَظُ أَيْضًا أَنَّ اللُّغَةَ لَعِبَتْ دَوْرًا مِفْصَلِيًّا فِي تَكْرِيسِ الْهُوِيَّةِ؛ فَالشُّعُوبُ الْأَكَادِيَّةُ، مَثَلًا، عَرَّفَتْ ذَاتَهَا بِلُغَتِهَا الْبَابِلِيَّةِ وَالْآشُورِيَّةِ، وَكَذَلِكَ الْكَنْعَانِيُّونَ الَّذِينَ تَمَيَّزُوا بِلُغَتِهِمِ الْكَنْعَانِيَّةِ. أَمَّا الْيَهُودُ، فَقَدِ انْتَقَلُوا مِنْ بِيئَةٍ أَكَادِيَّةٍ إِلَى بِيئَةٍ كَنْعَانِيَّةٍ، مَعَ تَأَثُّرٍ بَالِغٍ بِالثَّقَافَةِ وَاللُّغَةِ الْآرَامِيَّةِ، مَا يَجْعَلُ تَارِيخَهُمْ نَمُوذَجًا مُهِمًّا لِفَهْمِ تَطَوُّرِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ فِي الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ.
وَعَلَى ضَوْءِ هَذَا، يُمْكِنُنَا أَنْ نُقَرِّرَ أَنَّ مَفْهُومَ الْقَوْمِيَّةِ لَدَى الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ قَدْ تَطَوَّرَ مِنْ نُقْطَةِ انْطِلَاقٍ قَبَلِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ إِلَى تَكَوُّنَاتٍ أَعْقَدَ تَضُمُّ الْمُكَوِّنَ الدِّينِيَّ وَالْإِمْبِرَاطُورِيَّ، وَفِي بَعْضِ الْحَالَاتِ نَحْوَ شُعُورٍ أَعْمَقَ بِالْهُوِيَّةِ الْجَمَاعِيَّةِ الْمُتَمَيِّزَةِ.


تَعْرِيفُ الْقَوْمِيَّةِ فِي السِّيَاقِ التَّارِيخِيِّ:يُشَكِّلُ مَفْهُومُ الْقَوْمِيَّةِ فِي السِّيَاقِ التَّارِيخِيِّ مَوْضُوعًا شَائِكًا لِأَنَّهُ يَتَطَوَّرُ حَسَبَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ. فِي الْمَفْهُومِ الْحَدِيثِ، تَقْتَرِنُ الْقَوْمِيَّةُ بِالْوَطَنِ وَالْلُّغَةِ وَالثَّقَافَةِ وَالْوَعْيِ الْجَمَاعِيِّ الْمُوَحَّدِ. وَلكِنَّ هَذِهِ الْمُكَوِّنَاتِ لَمْ تَكُنْ مُتَطَوِّرَةً بِهَذَا الشَّكْلِ فِي الْعُصُورِ الْقَدِيمَةِ.
فِي الشُّعُوبِ الْقَدِيمَةِ، وَخُصُوصًا فِي الْمَنْطِقَةِ السَّامِيَّةِ، كَانَ مَفْهُومُ الْقَوْمِيَّةِ أَكْثَرَ تَشْكِيلًا حَوْلَ:
١ الْوَلَاءَ الْقَبَلِيَّ،٢ الْاِنْتِمَاءَ الدِّينِيَّ،3- الْمَصَالِحِ السِّيَاسِيَّةِ الْمَحَلِّيَّةِ.
فَقَدْ كَانَتِ الْقَبِيلَةُ تُعْتَبَرُ الْوَحْدَةَ الْأَسَاسِيَّةَ لِلتَّعْرِيفِ الْقَوْمِيِّ، بَلْ إِنَّ بَعْضَ الْإِمْبِرَاطُورِيَّاتِ (مِثْلَ بَابِلَ وَآشُورَ) سَعَتْ إِلَى فَرْضِ هُوِيَّةٍ إِمْبِرَاطُورِيَّةٍ أَوْسَعَ تَضُمُّ شُعُوبًا مُتَعَدِّدَةً تَحْتَ ظِلِّ مَلِكٍ وَاحِدٍ، لَكِنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَسْتَنِدُ إِلَى مَبْدَإِ "الشَّعْبِ الْوَاحِدِ" كَمَا نَعْرِفُهُ الْيَوْمَ.
بِالتَّالِي، يُمْكِنُ أَنْ نَقُولَ إِنَّ مَفْهُومَ الْقَوْمِيَّةِ عِنْدَ الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مَجْمُوعَةٍ مِنَ الْعَوَامِلِ الْمُرْتَبِطَةِ بِالنَّسَبِ وَالدِّينِ وَالثَّقَافَةِ، دُونَ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ تَطَابُقٌ تَامٌّ مَعَ مَا نُسَمِّيهِ الْيَوْمَ الْوَطَنَ الْقَوْمِيَّ الْحَدِيثَ.
الفقرة الثانية الآن:مَوْقِعُ الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ (الْأَكَادِيُّونَ، الْكَلْدَانُ، الْآشُورِيُّونَ، الْآرَامِيُّونَ، الْكَنْعَانِيُّونَ) ضِمْنَ الْخَارِطَةِ الْقَوْمِيَّةِ
تَنْدَرِجُ الشُّعُوبُ السَّامِيَّةُ تَحْتَ مَجْمُوعَةٍ وَاحِدَةٍ لُغَوِيًّا وَثَقَافِيًّا، لَكِنَّهَا تَنَوَّعَتْ فِي تَجَارِبِهَا الْقَوْمِيَّةِ. فِي الشَّمَالِ، بَرَزَ الْآشُورِيُّونَ كَقُوَّةٍ إِمْبِرَاطُورِيَّةٍ وَحَّدَتْ الْمَنَاطِقَ الْمُخْتَلِفَةَ تَحْتَ سُلْطَتِهَا، بَيْنَمَا فِي الْجَنُوبِ أَقَامَ الْبَابِلِيُّونَ وَبَعْدَهُمْ الْكَلْدَانُ نُظُمًا مَلَكِيَّةً تَمَيَّزَتْ بِثَقَافَةٍ مُتَطَوِّرَةٍ جِدًّا.
الْكَلْدَانُ خَصِّيصَةً بَرَزُوا فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ كَقُوَّةٍ مَرْكَزِيَّةٍ تَوَّجَتْهَا بِتَأْسِيسِ إِمْبِرَاطُورِيَّةٍ بَابِلِيَّةٍ جَدِيدَةٍ. أَمَّا الْآرَامِيُّونَ، فَقَدِ انْتَشَرُوا فِي مَنَاطِقِ الشَّامِ وَشَمَالِ الْعِرَاقِ وَتَمَيَّزُوا بِلُغَتِهِمِ الْآرَامِيَّةِ الَّتِي أَصْبَحَتْ اللُّغَةَ الدَّوْلِيَّةَ فِي الْمَنَاطِقِ السَّامِيَّةِ. فِي الْجَنُوبِ الْغَرْبِيِّ، تَشَكَّلَ الْكَنْعَانِيُّونَ كَحَضَارَةٍ مَحَلِّيَّةٍ تَمَيَّزَتْ بِلُغَةٍ كَنْعَانِيَّةٍ وَثَقَافَةٍ غَنِيَّةٍ.
أَمَّا الْيَهُودُ، فَقَدْ بَرَزُوا كَفَرْعٍ مِنَ الْعِبْرِيِّينَ، وَهُمْ شَعْبٌ ظَهَرَ فِي بِيئَةٍ كَنْعَانِيَّةٍ مَعَ جُذُورٍ مِيزُوبُوتَامِيَّةٍ، وَهُوَ مَا جَعَلَهُمْ عُنْصُرًا فَرِيدًا يَتَجَاذَبُهُ أَثَرُ الْكَلْدَانِ وَالْآرَامِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ مَعًا.
هَذِهِ الْخَارِطَةُ الْإِجْمَالِيَّةُ تُبَيِّنُ كَيْفَ أَنَّ الشُّعُوبَ السَّامِيَّةَ لَمْ تَكُنْ تَتَقَاسَمُ قَوْمِيَّةً وَاحِدَةً، بَلْ كَانَتْ مَجْمُوعَاتٍ مُتَمَيِّزَةً فِي تَجَارِبِهَا التَّارِيخِيَّةِ وَالْحَضَارِيَّةِ
المِحْوَرُ الثَّانِي: إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ: بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ
يَشْغَلُ شَخْصُ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ مَكَانَةً مِحْوَرِيَّةً فِي تَأْسِيسِ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ، بَلْ وَيَعْتَبِرُهُ التُّرَاثُ الْيَهُودِيُّ الْأَبَ الرُّوحِيَّ وَالْبَدْءَ الْأَوَّلَ لِتَكْوِينِ الشَّعْبِ. وَحَسَبَ الرِّوَايَةِ الْوَارِدَةِ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ (إِصْحَاحٌ ١١: ٢٨٣٢)، جَاءَ إِبْرَاهِيمُ (أَوْ أَبْرَامُ قَبْلَ تَغْيِيرِ اسْمِهِ) مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَهَاجَرَ مَعَ أَهْلِهِ إِلَى حَرَّانَ، ثُمَّ نَزَلَ فِي فِلَسْطِين، وَمِنْهَا ذَهَبَ إِلَى مِصْرَ.
تُقَدِّمُ هَذِهِ الرِّوَايَةُ مَعْطًى جَغْرَافِيًّا مُهِمًّا: أُورُ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ فِي جَنُوبِ الْعِرَاقِ الْحَالِيِّ، وَتَعُودُ أُصُولُهَا إِلَى الْحَضَارَةِ السُّومَرِيَّةِ، وَقَدْ بَرَزَ اسْمُ "الْكَلْدَانِيِّينَ" فِي الْقُرُونِ الْأَخِيرَةِ مِنَ الْأَلْفِ الثَّانِي قَبْلَ الْمِيلَادِ، أَيْ بَعْدَ الْفَتْرَةِ الَّتِي يُفْتَرَضُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ عَاشَ فِيهَا (حَسَبَ التَّقْدِيرَاتِ التَّارِيخِيَّةِ: الْقَرْنُ ١٩ إِلَى ١٨ ق.م).
يُثِيرُ هَذَا تَسَاؤُلًا نَقْدِيًّا: هَلْ تَسْمِيَةُ "الْكَلْدَانِيِّينَ" فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ تَسْمِيَةٌ أَصِيلَةٌ، أَمْ أَنَّهَا إِضَافَةٌ تَحْرِيرِيَّةٌ أُدْرِجَتْ فِي النَّصِّ خِلَالَ فَتْرَاتٍ لَاحِقَةٍ بَعْدَ بُرُوزِ الْكَلْدَانِ كَقُوَّةٍ سِيَاسِيَّةٍ (الْقَرْنُ ٧ ق.م)؟ يَذْهَبُ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ إِلَى أَنَّ النَّصَّ قَدْ أُعِيدَ تَحْرِيرُهُ بَعْدَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ، وَذَلِكَ لِرَبْطِ الْيَهُودِ بِجُذُورٍ مِيزُوبُوتَامِيَّةٍ تُكْسِبُهُمْ شَرْعِيَّةً تَارِيخِيَّةً فِي تَارِيخِ الشُّعُوبِ الْكُبْرَى.
وَإِذَا أَخَذْنَا بِالرِّوَايَةِ عَلَى مَا هِيَ عَلَيْهِ، يَكُونُ إِبْرَاهِيمُ قَدْ جَاءَ مِنْ بِيئَةٍ أَكَادِيَّةٍ (أُورُ كَانَتْ تَخْضَعُ لِلسِّيَادَةِ الْأَكَادِيَّةِ وَالْبَابِلِيَّةِ)، مَا يَعْنِي أَنَّ جُذُورَهُ الْأَوَّلَى هِيَ مِنْ شُعُوبِ مِيزُوبُوتَامْيَا. وَلَكِنَّهُ انْتَقَلَ إِلَى حَرَّانَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ تَقَعُ فِي مِنْطَقَةٍ تُعْتَبَرُ مَرْكَزًا لِلْحَضَارَةِ الْآرَامِيَّةِ، وَمِنْهَا نَزَلَ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ.
يَذْكُرُ سِفْرُ التَّثْنِيَةِ (٢٦: ٥) عِبَارَةً لَهَا دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ: «آرَامِيٌّ تَائِهٌ كَانَ أَبِي»، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُحْدِثُ نَوْعًا مِنَ الْاِرْتِبَاكِ: هَلْ إِبْرَاهِيمُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِهَا، أَمْ إِسْحَاقُ أَوْ يَعْقُوبُ؟ عَلَى أَيِّ حَالٍ، فَإِنَّهَا تُعَبِّرُ عَنْ إِقْرَارٍ بِلِسَانِ التُّرَاثِ الْيَهُودِيِّ أَنَّ أُصُولَهُمْ لَهَا صِلَةٌ بِالْآرَامِيِّينَ.
وَعَلَى ضَوْءِ ذَلِكَ، نَجِدُ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْيَهُودِيَّةَ تَضُمُّ خَلِيطًا مِنَ الْإِحَالَاتِ الْجُغْرَافِيَّةِ وَالْهُوِيَّاتِ الثَّقَافِيَّةِ: أُورُ الْكَلْدَانِيِّينَ (مِيزُوبُوتَامْيَا)، حَرَّانُ (آرَامِيَّةٌ)، وَكَنْعَانُ (ثَقَافَةٌ مَحَلِّيَّةٌ). وَهَذَا يَجْعَلُ مِنْ دِرَاسَةِ أَصْلِ إِبْرَاهِيمَ وَأُسْرَتِهِ مِفْتَاحًا أَسَاسِيًّا لِفَهْمِ مَسَارِ تَكَوُّنِ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ.
وَفِي هَذَا الْإِطَارِ، يُصْبِحُ مِنَ الضَّرُورِيِّ أَنْ نَفْهَمَ أَنَّ الْاِنْتِمَاءَ الْقَوْمِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ نَفْسَهُ مَا نَفْهَمُهُ الْيَوْمَ، بَلْ كَانَتِ الْقَبِيلَةُ وَالْعَائِلَةُ هُمَا مِحْوَرَ الْهُوِيَّةِ. وَمِنْ هُنَا، تَبْدَأُ الرِّحْلَةُ الْمُعَقَّدَةُ الَّتِي سَنُتَابِعُهَا فِي الْمَحَاوِرِ الْمُقْبِلَةِ لِتَتَبُّعِ تَطَوُّرِ هَذِهِ الْهُوِيَّةِ بَيْنَ مِيزُوبُوتَامْيَا وَكَنْعَانَ.

أَصْلُ إِبْرَاهِيمَ: أُورُ الْكَلْدَانِيِّينَ وَالْجِدَلُ التَّارِيخِيُّ
يُجْمِعُ التُّرَاثُ الدِّينِيُّ الْيَهُودِيُّ وَالْمَسِيحِيُّ وَالإِسْلَامِيُّ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ – عَلَيْهِ السَّلَامُ – قَدْ خَرَجَ مِنْ "أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ"، كَمَا جَاءَ فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ (١١: ٢٨). وَتُشِيرُ أُورُ إِلَى مَدِينَةٍ مَعْرُوفَةٍ فِي جَنُوبِ الْعِرَاقِ الْحَالِيِّ، وَهِيَ مِنْ أَقْدَمِ الْمُدُنِ الْحَضَارِيَّةِ فِي التَّارِيخِ، بَلْ إِنَّهَا مَرْكَزٌ لِلحَضَارَةِ السُّومَرِيَّةِ، ثُمَّ الْبَابِلِيَّةِ.
لَكِنَّ الْجِدَلَ التَّارِيخِيَّ يَظْهَرُ فِي تَسْمِيَةِ "الْكَلْدَانِيِّينَ"، إِذْ يُشِيرُ كَثِيرٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ إِلَى أَنَّ الْكَلْدَانِ ظَهَرُوا عَلَى السَّاحَةِ التَّارِيخِيَّةِ بَعْدَ إِبْرَاهِيمَ بِعِدَّةِ قُرُونٍ، وَخُصُوصًا فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ. يَذْهَبُ هَؤُلَاءِ إِلَى أَنَّ اسْمَ "الْكَلْدَانِيِّينَ" قَدْ يَكُونُ إِضَافَةً تَحْرِيرِيَّةً فِي النُّصُوصِ التَّوْرَاتِيَّةِ بَعْدَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ، لِرَبْطِ الْيَهُودِ بِمَاضٍ مِيزُوبُوتَامِيٍّ عَرِيقٍ.
بِالمُقَابِلِ، يَسْتَمْسِكُ التَّقْلِيدُ الدِّينِيُّ بِحَرْفِيَّةِ النَّصِّ، وَيَعْتَبِرُ أَنَّ "أُورَ الْكَلْدَانِيِّينَ" هِيَ الْمَهْدُ الْأَصِيلُ لِإِبْرَاهِيمَ، بَلْ إِنَّ بَعْضَ التَّفْسِيرَاتِ تُحَاوِلُ الْبَحْثَ عَنْ مَوَاقِعَ جُغْرَافِيَّةٍ أُخْرَى تَتَنَاسَبُ مَعَ تَسْمِيَةِ "أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ"، مِثْلَ تَطْبِيقِهَا عَلَى مَنَاطِقَ فِي شَمَالِ الْعِرَاقِ أَوْ شَمَالِ سُورِيَّةَ.
هِجْرَةُ إِبْرَاهِيمَ: أُورُ – حَرَّانُ – فِلَسْطِينُ – مِصْرُ
تُمَثِّلُ هِجْرَةُ إِبْرَاهِيمَ مَسَارًا جُغْرَافِيًّا بَالِغَ الأَهَمِّيَّةِ فِي بِنَاءِ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. فَقَدْ بَدَأَتِ الرِّحْلَةُ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ (جَنُوبُ الْعِرَاقِ الْحَالِيِّ)، حَيْثُ تَرَكَ إِبْرَاهِيمُ أَرْضَ أَجْدَادِهِ بِأَمْرٍ إِلَهِيٍّ، وَتَوَجَّهَ شَمَالًا إِلَى حَرَّانَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ تَقَعُ فِي الْجُزْءِ الشَّمَالِيِّ مِنَ الْهِلَالِ الْخَصِيبِ (قُرْبَ الْحُدُودِ التُّرْكِيَّةِ الْحَالِيَّةِ).
مِنْ حَرَّانَ، اتَّجَهَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى فِلَسْطِين، وَاسْتَقَرَّ فِي مَنَاطِقَ مُتَعَدِّدَةٍ فِيهَا، مِنْهَا بَيْتُ إِيلَ وَالْخَلِيلُ. بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِسَبَبِ الْمَجَاعَةِ، نَزَلَ إِلَى مِصْرَ، وَهُوَ مَا يُشَكِّلُ مَرْحَلَةً مُهِمَّةً فِي الرِّوَايَةِ التَّوْرَاتِيَّةِ، إِذْ تَمَّ فِيهَا رَسْمُ الْعَلَاقَةِ الْأُولَى بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَأَرْضِ النِّيلِ.
تُبَيِّنُ هَذِهِ الْهِجْرَةُ خَرِيطَةً وَاسِعَةً تَجْمَعُ بَيْنَ بِيئَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ: أَكَادِيَّةٍ، آرَامِيَّةٍ، كَنْعَانِيَّةٍ، وَمِصْرِيَّةٍ، مَا يُعَزِّزُ الْفَرْضِيَّةَ أَنَّ الْهُوِيَّةَ الْبَدْئِيَّةَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ هُوِيَّةً مُتَرَاكِبَةً وَمُعَقَّدَةً.
أَثَرُ الْبِيئَةِ الْكَلْدَانِيَّةِ وَالْآرَامِيَّةِ فِي تَكْوِينِ الْهُوِيَّةِ الْبَدْئِيَّةِ
يُشَكِّلُ الْاِحْتِكَاكُ الثَّقَافِيُّ مَعَ الْبِيئَتَيْنِ الْكَلْدَانِيَّةِ وَالْآرَامِيَّةِ مَحْطَّةً مِفْصَلِيَّةً فِي تَكْوِينِ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. فَفِي أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ، نَمَا إِبْرَاهِيمُ فِي ظِلِّ حَضَارَةٍ تَمْتَدُّ جُذُورُهَا إِلَى الثَّقَافَةِ الْأَكَادِيَّةِ، وَتَمَيَّزَتْ بِتَعْظِيمِهَا لِلْعِلْمِ وَالْفَلَكِ وَالدِّيَانَةِ الْوَثَنِيَّةِ الْمُتَعَدِّدَةِ.

عِنْدَمَا انْتَقَلَ إِلَى حَرَّانَ، وَهِيَ بِيئَةٌ ذَاتُ أَغْلَبِيَّةٍ آرَامِيَّةٍ، اِلْتَقَى إِبْرَاهِيمُ بِثَقَافَةٍ جَدِيدَةٍ تَمَيَّزَتْ بِعَادَاتِهَا الْقَبَلِيَّةِ وَلُغَتِهَا الَّتِي سَتُصْبِحُ لَاحِقًا اللُّغَةَ الرَّسْمِيَّةَ فِي الْمَنَاطِقِ الْيَهُودِيَّةِ (اللُّغَةُ الْآرَامِيَّةُ).
هَذَا الِانْتِقَالُ الثَّقَافِيُّ أَثَّرَ بَعِيدًا فِي بِنَاءِ الْهُوِيَّةِ الْبَدْئِيَّةِ، إِذْ حَمَلَ الْيَهُودُ مَعَهُمْ تَرَاكِيبَ لُغَوِيَّةٍ وَعَادَاتٍ وَمَفَاهِيمَ تَدُلُّ عَلَى هَذَا الْمَزِيجِ الثَّقَافِيِّ بَيْنَ الْمِيزُوبُوتَامِيِّ وَالْآرَامِيِّ.


المِحْوَرُ الثَّالِثُ: الْيَهُودُ بَيْنَ الْأَصْلِ الْمِيزُوبُوتَامِيِّ وَالتَّشَكُّلِ الْكَنْعَانِيِّ
يُشَكِّلُ مَوْقِعُ الْيَهُودِ بَيْنَ الْجُذُورِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ وَالْبِيئَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ إِحْدَى أَكْثَرِ الْمَسَائِلِ إِثَارَةً لِلدِّرَاسَةِ وَالتَّحْلِيلِ، لِأَنَّهُ يُجَسِّدُ تَجَارِبَ مُتَعَدِّدَةً مِنَ الِانْتِقَالِ وَالِانْدِمَاجِ وَإِعَادَةِ التَّشْكِيلِ الْهُوِيَّاتِيِّ.
مِنَ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ – وَفْقًا لِلرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ – أَنَّ الْبَدَايَةَ كَانَتْ فِي أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَهُوَ مَا يَرْبِطُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْحَضَارَةِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ. وَعِنْدَ وَصُولِ إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ إِلَى كَنْعَانَ، وَجَدُوا أَنْفُسَهُمْ فِي بِيئَةٍ ثَقَافِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، مِمَّا فَرَضَ عَلَيْهِمِ التَّعَامُلَ مَعَ مَجْمُوعَةٍ مِنَ الْحَضَارَاتِ الْمَحَلِّيَّةِ: الْكَنْعَانِيِّينَ، الْفِينِيقِيِّينَ، وَالْعَمُّونِيِّينَ، وَغَيْرِهِمْ.
تُبَيِّنُ النُّصُوصُ التَّوْرَاتِيَّةُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ سَعْيِهِمْ لِلِانْفِصَالِ الثَّقَافِيِّ عَنِ الْكَنْعَانِيِّينَ – خُصُوصًا فِي مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعِبَادَاتِ – إِلَّا أَنَّهُمْ تَأَثَّرُوا بَعِيدًا بِالثَّقَافَةِ الْمَحَلِّيَّةِ. فَالأُسْطُورَاتُ وَالطُّقُوسُ الدِّينِيَّةُ وَالْمَفَاهِيمُ الْقَانُونِيَّةُ تَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهَا مَعَالِمَ تَدُلُّ عَلَى تَفَاعُلٍ مُسْتَمِرٍّ مَعَ الْكَنْعَانِيِّينَ.
وَمِنَ النَّاحِيَةِ اللُّغَوِيَّةِ، تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ الْعِبْرِيَّةُ – وَفْقًا لِغَالِبِيَّةِ الْبَاحِثِينَ – جُزْءًا مِنَ الْفَرْعِ الْكَنْعَانِيِّ لِلُّغَاتِ السَّامِيَّةِ، مِمَّا يُثْبِتُ أَنَّ التَّشَكُّلَ الْهُوِيَّةِيَّ لَمْ يَكُنْ قَطْعِيًّا وَلَا مُنْفَصِلًا، بَلْ كَانَ نَاتِجًا لِتَجَارِبَ طَوِيلَةٍ مِنَ الِانْدِمَاجِ وَالِاحْتِكَاكِ.
الْمَصَادِرُ الْأَثَرِيَّةُ، وَخُصُوصًا التَّنْقِيبَاتُ فِي مَنَاطِقِ فِلَسْطِين وَالأُرْدُنِّ، تُبَيِّنُ أَنَّ وُجُودَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كَنْعَانَ جَاءَ عَلَى خَلْفِيَّةِ مَجْمُوعَاتٍ قَبَلِيَّةٍ مُتَفَرِّقَةٍ، وَفِي بَعْضِ الْفَتَرَاتِ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ تَمْيِيزٌ أَثَرِيٌّ وَاضِحٌ بَيْنَ مَسَاكِنِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَمَسَاكِنِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، مِمَّا يُشِيرُ إِلَى قُرْبٍ ثَقَافِيٍّ كَبِيرٍ.
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ، فَقَدْ شَكَّلَ السَّبْيُ الْبَابِلِيُّ نُقْطَةَ تَحَوُّلٍ كُبْرَى فِي إِعَادَةِ تَكْرِيسِ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ، حَيْثُ أَعَادَ الْيَهُودُ بِنَاءَ ذَاكِرَتِهِمُ الْجَمَاعِيَّةَ وَأَعَادُوا تَأْكِيدَ صِلَتِهِمْ بِأَصْلِهِمِ الْمِيزُوبُوتَامِيِّ كَوَسِيلَةٍ لِتَثْبِيتِ ذَاتِهِمْ فِي وَاقِعِ الْمَنْفَى.
بِالتَّالِي، فَإِنَّ الْيَهُودَ – حَسَبَ الْمُعْطَيَاتِ التَّارِيخِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ – قَدْ بَدَؤُوا مَسِيرَتَهُمْ فِي الْحِضَارَةِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ، لَكِنَّهُمْ تَشَكَّلُوا هُوِيَّةً مُسْتَقِلَّةً فِي كَنْعَانَ، مُتَأَثِّرِينَ فِي ذَلِكَ بِالثَّقَافَةِ الْمَحَلِّيَّةِ وَالْبِيئَةِ الْآرَامِيَّةِ، مِمَّا جَعَلَ هُوِيَّتَهُمْ خَلِيطًا مُعَقَّدًا بَيْنَ الْجُذُورِ وَالْمُكَوِّنَاتِ الْجَدِيدَةِ.


تَكْوِينُ هُوِيَّةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي كَنْعَانَ
عِنْدَمَا اسْتَقَرَّ بَنُو إِسْرَائِيلَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَاجَهُوا تَحَدِّيًا كَبِيرًا فِي بِنَاءِ هُوِيَّةٍ جَمَاعِيَّةٍ تَخْتَلِفُ عَنِ الْهُوِيَّاتِ الْمَحَلِّيَّةِ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّهُمْ أَحْضَرُوا مَعَهُمْ تَرَاثًا دِينِيًّا يَرْتَبِطُ بِإِبْرَاهِيمَ وَوُعُودِ الرَّبِّ، فَإِنَّ الْبِيئَةَ الْكَنْعَانِيَّةَ كَانَتْ ذَاتَ قُوَّةٍ ثَقَافِيَّةٍ كَبِيرَةٍ، مَا جَعَلَ الْهُوِيَّةَ الْيَهُودِيَّةَ فِي مَرْحَلَاتِهَا الْأُولَى هُوِيَّةً قَابِلَةً لِلتَّأَثُّرِ وَالِانْفِعَالِ.
ظَهَرَ ذَلِكَ فِي الطُّقُوسِ الدِّينِيَّةِ، حَيْثُ كَانَتْ بَعْضُ الْمَظَاهِرِ الْعِبَادِيَّةِ الْكَنْعَانِيَّةِ (كَتَقْدِيمِ الذَّبَائِحِ وَالِاحْتِفَالاتِ الزِّرَاعِيَّةِ) حَاضِرَةً فِي التُّرَاثِ الْيَهُودِيِّ، وَإِنْ جَاءَتْ مَعَ مُحَاوَلَةِ إِعَادَةِ تَأْوِيلِهَا وَتَصْحِيحِهَا وَتَنْقِيَتِهَا مِنَ الْمُؤَثِّرَاتِ الْوَثَنِيَّةِ.
الْعِلَاقَةُ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ: تَفَاعُلٌ أَمِ انْفِصَالٌ؟
تُثِيرُ الْمَصَادِرُ التَّوْرَاتِيَّةُ صُورَةً عَنِ الْعِلَاقَةِ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ تَتَسِمُ بِالثَّنَائِيَّةِ: فَمِنْ جِهَةٍ تُؤَكِّدُ هَذِهِ الْمَصَادِرُ عَلَى أَمْرِ الرَّبِّ بِطَرْدِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَالِانْفِصَالِ عَنْهُمْ دِينِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا، وَمِنْ جِهَةٍ أُخْرَى تَظْهَرُ نُصُوصٌ عَدِيدَةٌ تُشِيرُ إِلَى تَزَاوُجٍ وَتَجَاوُرٍ وَتَعَايُشٍ طَوِيلِ الْأَمَدِ.
بِالتَّحْلِيلِ النَّقْدِيِّ، يَبْدُو أَنَّ الْعِلَاقَةَ كَانَتْ مَزِيجًا مِنَ التَّفَاعُلِ وَالِاحْتِكَاكِ الثَّقَافِيِّ، فَحَتَّى فِي أَوْجِ الدَّعَوَى الدِّينِيَّةِ بِالِانْفِصَالِ، كَانَتِ الْعَادَاتُ الْيَوْمِيَّةُ وَالْمُمَارَسَاتُ الثَّقَافِيَّةُ تَعْكِسُ حَالَةً مِنَ الِانْدِمَاجِ الْحَتْمِيِّ فِي الْبِيئَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ.
الْمَصَادِرُ الْأَرْكِيُولُوجِيَّةُ وَمَا تُثْبِتُهُ
أَظْهَرَتِ التَّنْقِيبَاتُ الْأَثَرِيَّةُ، وَخُصُوصًا فِي الْقُرْنِ الْعِشْرِينَ، أَدِلَّةً تَدْعَمُ فِكْرَةَ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يَأْتُوا إِلَى كَنْعَانَ كَجِسْمٍ أَجْنَبِيٍّ غَازٍ، بَلْ تَمَّ ظُهُورُهُمْ مِنْ دَاخِلِ الْبِيئَةِ الْمَحَلِّيَّةِ. عَلَى سَبِيلِ الْمِثَالِ، مَا أَظْهَرَتْهُ التَّنْقِيبَاتُ فِي مِنْطَقَةِ جِبْعُونَ وَعِي وَأَرَاحَا، حَيْثُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ فَاصِلٌ أَثَرِيٌّ وَاضِحٌ بَيْنَ حَضَارَةِ الْكَنْعَانِيِّينَ وَحَضَارَةِ الْيَهُودِ فِي مَرَاحِلِهَا الْأُولَى.
بِالتَّالِي، تَمِيلُ الْمَصَادِرُ الْأَرْكِيُولُوجِيَّةُ إِلَى تَأْكِيدِ نَظَرِيَّةِ "النُّشُوءِ الدَّاخِلِيِّ"، أَيْ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ظَهَرُوا كَجُزْءٍ مِنَ الْبِنْيَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ مَعَ تَطَوُّرٍ فِي الْهُوِيَّةِ الدِّينِيَّةِ وَالاجْتِمَاعِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِمْ شَعْبًا مُسْتَقِلًّا مُنْفَصِلَ الْجُذُورِ.


المِحْوَرُ الرَّابِعُ: اللُّغَةُ كَمِفْتَاحٍ لِفَهْمِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ
تَلْعَبُ اللُّغَةُ دَوْرًا مِحْوَرِيًّا فِي تَكْرِيسِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ، لِأَنَّهَا الْوِعَاءُ الَّذِي يَحْمِلُ الْمَعْرِفَةَ وَالثَّقَافَةَ وَالذَّاكِرَةَ الْجَمَاعِيَّةَ. وَفِي سِيَاقِ دِرَاسَةِ أَصْلِ الْيَهُودِ، تَظْهَرُ اللُّغَةُ كَمِفْتَاحٍ أَسَاسِيٍّ لِفَهْمِ تَطَوُّرِ هُوِيَّتِهِمْ الْقَوْمِيَّةِ، وَخُصُوصًا فِي الْمَرَاحِلِ الْبَدْئِيَّةِ لِحَيَاةِ إِبْرَاهِيمَ وَذُرِّيَّتِهِ.
اللُّغَةُ الْأَكَادِيَّةُ وَوَاقِعُ إِبْرَاهِيمَ
إِنَّ النَّصُّ التَّوْرَاتِيَّ يُؤَكِّدُ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ جَاءَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَهِيَ مَدِينَةٌ تَقَعُ فِي جَنُوبِ مِيزُوبُوتَامْيَا، وَكَانَتْ تَخْضَعُ – فِي الْفَتْرَةِ الْمُفْتَرَضَةِ لِحَيَاةِ إِبْرَاهِيمَ – لِلسَّيْطَرَةِ الْبَابِلِيَّةِ وَالثَّقَافَةِ الْأَكَادِيَّةِ.
اللُّغَةُ الْأَكَادِيَّةُ هِيَ إِحْدَى أَقْدَمِ اللُّغَاتِ السَّامِيَّةِ، وَقَدِ انْقَسَمَتْ إِلَى لَهَجَتَيْنِ رَئِيسِيَّتَيْنِ: الْبَابِلِيَّةِ وَالْآشُورِيَّةِ. كَانَتِ الْأَكَادِيَّةُ هِيَ اللُّغَةَ الرَّسْمِيَّةَ وَالْمَكْتُوبَةَ فِي مِيزُوبُوتَامْيَا، وَاسْتُخْدِمَتْ فِي الْمُعَاهَدَاتِ، وَالنُّصُوصِ الْقَانُونِيَّةِ، وَالْأَدَبِ، كَمَا كَانَتْ لُغَةَ التَّعَامُلِ الرَّسْمِيِّ بَيْنَ الدُّوَلِ.
وَبِالنَّظَرِ إِلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ قَدْ وُلِدَ وَتَرَعْرَعَ فِي بِيئَةٍ بَابِلِيَّةٍ، فَمِنَ الْمُرَجَّحِ أَنَّهُ كَانَ يُجِيدُ الْأَكَادِيَّةَ، خُصُوصًا أَنَّهَا كَانَتِ اللُّغَةَ الْمُهَيْمِنَةَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. وَإِنْ كَانَتِ الرِّوَايَةُ الدِّينِيَّةُ تُرَكِّزُ عَلَى بُعْدِهِ الرُّوحِيِّ أَكْثَرَ مِنَ الْبُعْدِ الثَّقَافِيِّ، فَإِنَّ الدِّرَاسَاتِ التَّارِيخِيَّةَ تُؤَكِّدُ أَنَّ ثَقَافَةَ إِبْرَاهِيمَ فِي بَدْءِ حَيَاتِهِ كَانَتْ مُتَشَرِّبَةً بِالثَّقَافَةِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ، بِلُغَتِهَا وَعَادَاتِهَا.
وَلَا بُدَّ مِنَ الإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ هَذِهِ اللُّغَةَ الْأَكَادِيَّةَ قَدِ انْدَثَرَتْ فِي مَا بَعْدُ كَلُغَةٍ مَحْكِيَّةٍ وَبَقِيَتْ لُغَةً لِلْعِلْمِ وَالدِّيوَانِ حَتَّى الْقَرْنِ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْمِيلَادِ، مَا يَدُلُّ عَلَى عُمْقِ تَأْثِيرِهَا فِي الْهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ لِكُلِّ مَنْ عَاشَ فِي ظِلِّهَا.
ظُهُورُ الْعِبْرِيَّةِ: هَلْ هِيَ تَطَوُّرٌ كَنْعَانِيٌّ أَمِ اسْتِمْرَارٌ مِيزُوبُوتَامِيٌّ؟
تُعْتَبَرُ اللُّغَةُ الْعِبْرِيَّةُ مِنَ الْفَرْعِ الْكَنْعَانِيِّ لِلُّغَاتِ السَّامِيَّةِ، وَهِيَ تَتَقَارَبُ بَشَكْلٍ كَبِيرٍ مَعَ الْفِينِيقِيَّةِ وَالْمُوآبِيَّةِ وَالْعَمُّونِيَّةِ. يَذْهَبُ غَالِبِيَّةُ اللِّسَانِيِّينَ إِلَى أَنَّ الْعِبْرِيَّةَ لَيْسَتِ اسْتِمْرَارًا لِلأَكَادِيَّةِ أَوْ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ، بَلْ هِيَ لَهْجَةٌ كَنْعَانِيَّةٌ تَشَكَّلَتْ وَتَطَوَّرَتْ فِي بِيئَةِ فِلَسْطِين.
تَظْهَرُ هَذِهِ الْحَقِيقَةُ جَلِيَّةً فِي الْمُعْجَمِ الْعِبْرِيِّ وَالْبِنْيَةِ النَّحْوِيَّةِ الَّتِي تَتَمَاثَلُ مَعَ بَقِيَّةِ اللُّغَاتِ الْكَنْعَانِيَّةِ أَكْثَرَ مِمَّا تَتَّصِلُ بِاللُّغَةِ الْأَكَادِيَّةِ. وَإِنْ كَانَتْ ثَمَّةَ بَعْضُ الْمُفْرَدَاتِ وَالْمَفَاهِيمِ قَدِ انْتَقَلَتْ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَأَعْقَابِهِ مِنْ مِيزُوبُوتَامْيَا، فَإِنَّ الْبِيئَةَ الْكَنْعَانِيَّةَ ظَلَّتْ هِيَ الْحَاضِنَةَ الرَّئِيسِيَّةَ لِظُهُورِ اللُّغَةِ الْعِبْرِيَّةِ وَتَطَوُّرِهَا.
بِالتَّالِي، فَإِنَّ ظُهُورَ الْعِبْرِيَّةِ يُعْتَبَرُ – فِي ضَوْءِ الدِّرَاسَاتِ الْمُقَارَنَةِ – تَطَوُّرًا كَنْعَانِيًّا يَجْسُدُ انْدِمَاجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْبِيئَةِ الْجَدِيدَةِ، أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ اسْتِمْرَارًا لِلُّغَةِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ.
دَوْرُ اللُّغَةِ الْآرَامِيَّةِ فِي الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ
اللُّغَةُ الْآرَامِيَّةُ، وَهِيَ مِنَ الْفَرْعِ الْغَرْبِيِّ لِلُّغَاتِ السَّامِيَّةِ، لَعِبَتْ دَوْرًا مُحَوِّرِيًّا لَيْسَ فَقَطْ فِي جَانِبِ اللُّغَةِ، بَلْ أَيْضًا كَمُؤَشِّرٍ عَلَى اِتِّصَالٍ عِرْقِيٍّ وَثَقَافِيٍّ عَمِيقٍ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالشَّعْبِ الْآرَامِيِّ. فَالْآرَامِيَّةُ لَمْ تَكُنْ لُغَةً دَخِيلَةً عَلَى الْيَهُودِ فَقَطْ بَعْدَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ، بَلْ كَانَتْ مُتَجَذِّرَةً فِي وَعْيِهِمِ الْهُوِيَّاتِيِّ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ (٢٦: ٥): «آرَامِيٌّ تَائِهٌ كَانَ أَبِي».
يُفَسِّرُ كَثِيرٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَلَى أَنَّهَا إِقْرَارٌ صَرِيحٌ بِجُذُورٍ عِرْقِيَّةٍ وَثَقَافِيَّةٍ مُشْتَرَكَةٍ بَيْنَ الْيَهُودِ وَالْآرَامِيِّينَ. وَمِنَ النَّاحِيَةِ التَّارِيخِيَّةِ، قَدْ تَغَلْغَلَتِ اللُّغَةُ الْآرَامِيَّةُ فِي أَرْضِ بَابِلَ وَآشُورَ حَتَّى الزَّابِ الْكَبِيرِ، وَصَارَتْ لُغَةَ التَّعَامُلِ الرَّسْمِيِّ وَالْيَوْمِيِّ، مِمَّا عَزَّزَ أَيْضًا حُضُورَ الْعُنْصُرِ الْآرَامِيِّ كَهُوِيَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي الشَّرْقِ الْقَدِيمِ.
وَأَكْبَرُ دَلِيلٍ عَلَى هَذَا أَنَّ الْيَهُودَ – خُصُوصًا فِي فَتْرَةِ مَا بَعْدَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ – تَبَنَّوُا الْآرَامِيَّةَ كَلُغَةٍ يَوْمِيَّةٍ وَكُتِبَتْ بَعْضُ كُتُبِهِمِ الْمُقَدَّسَةِ (مِثْلَ أَجْزَاءٍ مِنْ سِفْرِ دَانِيَالَ وَسِفْرِ عَزْرَا) بِهَذِهِ اللُّغَةِ، وَظَلَّتِ الْآرَامِيَّةُ حَاضِرَةً حَتَّى فِي نُصُوصِ التَّلْمُودِ وَالتَّقَالِيدِ اللِّيتُورْجِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ.
لِذَلِكَ، فَإِنَّ دَوْرَ الْآرَامِيَّةِ فِي الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ لَا يُمْكِنُ حَصْرُهُ فِي الْبُعْدِ اللُّغَوِيِّ فَقَطْ، بَلْ هُوَ دَوْرٌ قَوْمِيٌّ وَعِرْقِيٌّ يَعْكِسُ تَشَكُّلَ هُوِيَّةٍ مُتَرَاكِبَةٍ جَمَعَتْ بَيْنَ الْجُذُورِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ، وَالثَّقَافَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ، وَالِارْتِبَاطِ الْآرَامِيِّ الْعَمِيقِ.
إشَارَةٌ تَفْسِيرِيَّةٌ: "آرَامِيٌّ كَانَ أَبِي"
تَجْدُرُ الإِشَارَةُ إِلَى النَّصِّ الْوَارِدِ فِي سِفْرِ التَّثْنِيَةِ (٢٦: ٥): «آرَامِيٌّ تَائِهٌ كَانَ أَبِي»، وَهُوَ نَصٌّ لَهُ دَلَالَةٌ عَمِيقَةٌ فِي تَشْكِيلِ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ. يُفَسِّرُ كَثِيرٌ مِنَ الْمُحَلِّلِينَ هَذِهِ الْعِبَارَةَ عَلَى أَنَّهَا إِقْرَارٌ صَرِيحٌ بِالْجُذُورِ الْآرَامِيَّةِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَيُرَى أَنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ أَوْ يَعْقُوبَ كَانَا يَنْتَمِيَانِ بِنِسْبَةٍ مَا إِلَى الْآرَامِيِّينَ، إِمَّا مِنْ نَاحِيَةِ الْجِذُورِ أَوِ الثَّقَافَةِ وَاللُّغَةِ.
وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تُعَزِّزُ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ اللُّغَةَ الْآرَامِيَّةَ وَالثَّقَافَةَ الْآرَامِيَّةَ لَمْ تَكُنْ دَخِيلَةً فَقَطْ عَلَى الْيَهُودِ، بَلْ كَانَتْ مُتَجَذِّرَةً فِي نَصُوصِهِمْ الْمُقَدَّسَةِ وَفِي تَصَوُّرَاتِهِمْ لِأَصْلِهِمْ الْقَوْمِيِّ.
المِحْوَرُ الْخَامِسُ: أَثَرُ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ فِي إِعَادَةِ تَشْكِيلِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ
يُعْتَبَرُ السَّبْيُ الْبَابِلِيُّ، الَّذِي وَقَعَ فِي الْقَرْنِ السَّادِسِ قَبْلَ الْمِيلَادِ، أَحَدَ أَهَمِّ الْمَحَطَّاتِ الْمِفْصَلِيَّةِ فِي تَارِيخِ الْيَهُودِ. فَفِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ، نُقِلَتْ جُمْهُورَاتٌ وَاسِعَةٌ مِنَ الْيَهُودِ مِنْ أَرْضِ يَهُوذَا إِلَى بَابِلَ، وَتَعَرَّضُوا لِانْقِطَاعٍ جُغْرَافِيٍّ وَثَقَافِيٍّ عَنْ مَوَاطِنِهِمِ الأَصْلِيَّةِ.
كَانَ لِهَذَا السَّبْيِ أَثَرٌ عَمِيقٌ لَا فِي الْوَاقِعِ السِّيَاسِيِّ فَقَطْ، بَلْ فِي بِنَاءِ هُوِيَّةٍ قَوْمِيَّةٍ جَدِيدَةٍ تَعْمِدُ إِلَى إِعَادَةِ تَعْرِيفِ الذَّاتِ وَتَثْبِيتِ الْأُصُولِ.
السَّبْيُ وَإِعَادَةُ اكْتِشَافِ الْجُذُورِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ
فِي أَثْنَاءِ الْإِقَامَةِ فِي بَابِلَ، وَجَدَ الْيَهُودُ أَنْفُسَهُمْ مُحَاطِينَ بِبِيئَةٍ ثَقَافِيَّةٍ وَدِينِيَّةٍ تَمْتَدُّ جُذُورُهَا إِلَى نَفْسِ الأَرْضِ الَّتِي – حَسَبَ تَقَالِيدِهِمْ – جَاءَ مِنْهَا إِبْرَاهِيمُ. وَهُنَا حَدَثَ مَا يُشْبِهُ اِسْتِفَاقَةً هُوِيَّاتِيَّةً: فَبَيْنَمَا كَانَ السَّبْيُ حَالَةَ قَهْرٍ وَنَفْيٍ، فَإِنَّهُ دَفَعَ الْيَهُودَ إِلَى إِعَادَةِ النَّظَرِ فِي جُذُورِهِمْ الْقَدِيمَةِ وَبِالأَخَصِّ الْجُذُورِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ.
ظَهَرَتْ فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ نُصُوصٌ دِينِيَّةٌ تَعِيدُ سَرْدَ قِصَصِ الْخَلْقِ وَالطُّوفَانِ، وَتُظْهِرُ تَوَازِيَاتٍ مَعَ الأُسْطُورَةِ الْبَابِلِيَّةِ (مِثْلَ مَلْحَمَةِ جِلْجَامِشَ)، مَا يُشِيرُ إِلَى تَأَثُّرٍ – وَفِي الوَقْتِ نَفْسِهِ – إِلَى إِعَادَةِ تَأْوِيلٍ لِهَذِهِ الْجُذُورِ فِي ضَوْءِ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ الْخَاصَّةِ.
وَعَلَى الْمُسْتَوَى اللُّغَوِيِّ، تَعَزَّزَ حُضُورُ اللُّغَةِ الْآرَامِيَّةِ كَلُغَةِ تَعَامُلٍ وَتَعْبِيرٍ، مَا جَعَلَ الْيَهُودَ يَشْعُرُونَ بِأَنَّهُمْ جُزْءٌ مِنَ النَّسِيجِ الثَّقَافِيِّ الْمِيزُوبُوتَامِيِّ، وَلَكِنَّهُمْ – فِي الوَقْتِ نَفْسِهِ – سَعَوْا إِلَى تَأْكِيدِ فَرَادَتِهِمِ الدِّينِيَّةِ وَالْقَوْمِيَّةِ.
لِذَلِكَ، يُمْكِنُ القَوْلُ إِنَّ السَّبْيَ الْبَابِلِيَّ كَانَ فِعْلًا مِفْتَاحِيًّا فِي إِعَادَةِ اكْتِشَافِ وَتَثْبِيتِ الْجُذُورِ، وَإِنْ كَانَ فِي سِيَاقٍ مِنَ الْأَلَمِ وَالِانْقِطَاعِ.
السَّبْيُ وَإِعَادَةُ اكْتِشَافِ الْجُذُورِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ
فِي أَثْنَاءِ الْإِقَامَةِ فِي بَابِلَ، وَجَدَ الْيَهُودُ أَنْفُسَهُمْ مُحَاطِينَ بِبِيئَةٍ ثَقَافِيَّةٍ وَدِينِيَّةٍ تَمْتَدُّ جُذُورُهَا إِلَى نَفْسِ الأَرْضِ الَّتِي – حَسَبَ تَقَالِيدِهِمْ – جَاءَ مِنْهَا إِبْرَاهِيمُ. وَهُنَا حَدَثَ مَا يُشْبِهُ اِسْتِفَاقَةً هُوِيَّاتِيَّةً: فَبَيْنَمَا كَانَ السَّبْيُ حَالَةَ قَهْرٍ وَنَفْيٍ، فَإِنَّهُ دَفَعَ الْيَهُودَ إِلَى إِعَادَةِ النَّظَرِ فِي جُذُورِهِمِ الْقَدِيمَةِ، وَبِالأَخَصِّ الْجُذُورِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ.
وَيُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ، بِنَاءً عَلَى الْمُعْطَيَاتِ التَّارِيخِيَّةِ وَالْمُلاحَظَاتِ النَّقْدِيَّةِ، إِنَّ السَّبْيَ الْبَابِلِيَّ كَانَ بِمَثَابَةِ رِحْلَةِ عَوْدَةٍ ثَقَافِيَّةٍ إِلَى الْيَنَابِيعِ الْأُولَى الَّتِي خَرَجَ مِنْهَا إِبْرَاهِيمُ نَفْسُهُ. فَبَعْدَ أَنْ قَضَى بَنُو إِسْرَائِيلَ قُرُونًا فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَتَشَكَّلَتْ هُوِيَّتُهُمْ فِي سِيَاقٍ كَنْعَانِيٍّ وَآرَامِيٍّ، جَاءَ السَّبْيُ كَي يُعِيدَهُمْ جُغْرَافِيًّا وَثَقَافِيًّا إِلَى بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، حَيْثُ الثَّقَافَةُ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةُ الْمُوغِلَةُ فِي الْقِدَمِ.
ظَهَرَتْ فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ نُصُوصٌ دِينِيَّةٌ تَعِيدُ سَرْدَ قِصَصِ الْخَلْقِ وَالطُّوفَانِ، وَتُظْهِرُ تَوَازِيَاتٍ مَعَ الأُسْطُورَةِ الْبَابِلِيَّةِ (مِثْلَ مَلْحَمَةِ جِلْجَامِشَ)، وَيَرَى كَثِيرٌ مِنَ الْبَاحِثِينَ أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ تَأَثُّرٍ، بَلْ كَانَ أَيْضًا اِسْتِعَادَةً وَإِعَادَةَ تَأْوِيلٍ لِتُرَاثٍ كَانَ فِي أَصْلِهِ – بِحَسَبِ الرِّوَايَةِ الْيَهُودِيَّةِ – تُرَاثَ أَجْدَادِهِمْ.
وَعَلَى الْمُسْتَوَى اللُّغَوِيِّ، تَعَزَّزَتِ الصِّلَةُ مَعَ اللُّغَةِ الْآرَامِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةً بِقُوَّةٍ فِي بَابِلَ، مَا أَضْفَى عَلَى هَذِهِ الْفَتْرَةِ طَابِعًا فَرِيدًا، إِذْ جَمَعَتْ بَيْنَ الْغُرْبَةِ وَالِاسْتِعَادَةِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ.
النُّصُوصُ الدِّينِيَّةُ وَمَرَاكِزُ الْقُوَّةِ الثَّقَافِيَّةِ فِي بَابِلَ
كَانَتْ بَابِلُ فِي فَتْرَةِ السَّبْيِ تُمَثِّلُ قِمَّةَ الْحَضَارَةِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ، بِمَعَابِدِهَا وَمَكْتَبَاتِهَا الَّتِي احْتَضَنَتْ مَخْطُوطَاتٍ وَنُصُوصًا تُعَدُّ مِنْ أَقْدَمِ مَا وَثَّقَتْهُ الْبَشَرِيَّةُ فِي مَجَالِ الأُسْطُورَةِ وَالْقَانُونِ وَالْعِلْمِ. فِي ظِلِّ هَذِهِ الْبِيئَةِ الثَّقَافِيَّةِ الزَّاخِرَةِ، وَجَدَ الْيَهُودُ أَنْفُسَهُمْ أَمَامَ تُرَاثٍ غَنِيٍّ يَتَقَاطَعُ مَعَ مَا يَرْوُونَهُ عَنْ أَصْلِهِمِ الْبَدْئِيِّ، خُصُوصًا وَأَنَّهُمْ يُؤْمِنُونَ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ جَاءَ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ.
فِي هَذِهِ الظُّرُوفِ، بَدَأَتِ النُّخَبُ الدِّينِيَّةُ الْيَهُودِيَّةُ تُعِيدُ تَجْمِيعَ النُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ وَتَنْقِيحَهَا، بَلْ وَتَطْوِيرَهَا لِتَتَفَاعَلَ – بِطَرِيقَةٍ مَا – مَعَ مَا كَانَ يُحِيطُ بِهَا. ظَهَرَ ذَلِكَ جَلِيًّا فِي تَوَازِيَاتٍ كَبِيرَةٍ بَيْنَ بَعْضِ نُصُوصِ سِفْرِ التَّكْوِينِ وَبَيْنَ الأُسْطُورَاتِ الْبَابِلِيَّةِ كَمُلْحَمَةِ جِلْجَامِشَ وَنُصُوصِ الطُّوفَانِ وَقِصَصِ الْخَلْقِ (مِثْلَ نُصُوصِ أُومُونَ إِلِيشْ).
كَذَلِكَ، كَانَتْ مَعَابِدُ بَابِلَ مَرَاكِزَ لِتَعْلِيمِ اللُّغَةِ الْآرَامِيَّةِ وَنَسْخِ الْمَخْطُوطَاتِ، وَهُوَ مَا جَعَلَ الْيَهُودَ يَنْخَرِطُونَ فِي حِرَاكٍ ثَقَافِيٍّ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ بُدٌّ مِنَ التَّعَامُلِ مَعَهُ، فَصَارَتِ الْآرَامِيَّةُ لُغَةَ تَوَاصُلِهِمْ الْيَوْمِيِّ، وَدَخَلَتْ بَعْضُ النُّصُوصِ الْمُقَدَّسَةِ (كَأَجْزَاءٍ مِنْ سِفْرِ دَانِيَالَ وَعَزْرَا) فِي هَذَا الإِطَارِ.
وَيَذْهَبُ بَعْضُ الْبَاحِثِينَ إِلَى أَنَّ السَّبْيَ الْبَابِلِيَّ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ كَوْنِهِ مَأْسَاةً قَوْمِيَّةً، كَانَ فُرْصَةً لِتَعْمِيقِ الْهُوِيَّةِ مِنْ خِلَالِ اِسْتِقَاءِ تُرَاثِ بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، الَّذِي يُمَثِّلُ – بِحَسَبِ الرِّوَايَةِ الْيَهُودِيَّةِ – تُرَاثَ الأَجْدَادِ الأُوَلِ. هَكَذَا، أَفْرَزَتْ هَذِهِ الْفَتْرَةُ هُوِيَّةً مُجَدَّدَةً تَجْمَعُ بَيْنَ الْقِدَمِ الْمِيزُوبُوتَامِيِّ وَالْوَعْيِ الْقَوْمِيِّ الْيَهُودِيِّ الْمُتَجَدِّدِ.


المِحْوَرُ السَّادِسُ: الْخَلَاصَةُ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةُ: هَلِ الْيَهُودُ كَلْدَانٌ؟
يُثِيرُ السُّؤَالُ عَنْ أَصْلِ الْيَهُودِ الْعِرْقِيِّ – وَخُصُوصًا فِي عَلاقَتِهِمْ بِالْكَلْدَانِ – إِشْكَالِيَّةً مُعَقَّدَةً تَجْمَعُ بَيْنَ النُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ وَالْمُعْطَيَاتِ التَّارِيخِيَّةِ وَالدِّرَاسَاتِ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ الْحَدِيثَةِ.
مِنَ الْجَانِبِ النَّصِّيِّ، تُشِيرُ التَّوْرَاةُ إِلَى أَنَّ إِبْرَاهِيمَ، أَبَ الْيَهُودِ، خَرَجَ مِنْ «أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ»، وَهُوَ مَا يُضْفِي بُعْدًا كَلْدَانِيًّا عَلَى الْجُذُورِ الأُولَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ. إِلَّا أَنَّ الْبَاحِثِينَ يُشِيرُونَ إِلَى أَنَّ هَذَا لَا يَعْنِي – بَشَكْلٍ حَرْفِيٍّ – أَنَّ الْيَهُودَ كَلْدَانٌ قَوْمِيًّا، بَلْ يَدُلُّ عَلَى الْجُذُورِ الْجُغْرَافِيَّةِ وَالِارْتِبَاطِ الْمَبْدَئِيِّ بِتِلْكَ الْمَنَاطِقِ.
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ جَاءَ مِنْ بِيئَةٍ كَلْدَانِيَّةٍ، فَإِنَّ تَشَكُّلَ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ كَانَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَتَطَوَّرَتْ فِي سِيَاقٍ مُخْتَلِفٍ وَبِيئَةٍ جَدِيدَةٍ، مَا جَعَلَ الْعُنْصُرَ الْكَلْدَانِيَّ يَفْقِدُ تَدْرِيجِيًّا حُضُورَهُ الْقَوْمِيَّ لِيَصِيرَ جُزْءًا مِنَ الرِّوَايَةِ التَّارِيخِيَّةِ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ مُكَوِّنًا هُوِيَّاتِيًّا دَائِمًا.
وَعِنْدَ الِاحْتِكَامِ إِلَى الدِّرَاسَاتِ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ، خُصُوصًا أَبْحَاثِ الْجِينُومِ الْبَشَرِيِّ، يَتَّضِحُ أَنَّ الْيَهُودَ – بِرَغْمِ تَنَوُّعِهِمِ الْوُجُودِيِّ (فِي الشَّرْقِ وَالْغَرْبِ) – يَحْمِلُونَ بَصْمَةً جِينِيَّةً مُشْتَرَكَةً تَدُلُّ عَلَى أَصْلٍ شَرْقِيٍّ قَدِيمٍ، لَكِنَّهُ لَا يَتَمَاثَلُ بَشَكْلٍ كَامِلٍ مَعَ الْكَلْدَانِ الْحَدِيثِينَ أَوِ الْمُتَحَدِّرِينَ مِنَ الْأُمَمِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ.
وَيَنْبَغِي أَنْ نُلْفِتَ إِلَى أَنَّ الْهُوِيَّةَ الْقَوْمِيَّةَ لَا تَعْتَمِدُ فَقَطْ عَلَى الْعُنْصُرِ الْعِرْقِيِّ، بَلْ هِيَ بِنَاءٌ تَارِيخِيٌّ وَثَقَافِيٌّ يَتَكَوَّنُ عَبْرَ زَمَنٍ طَوِيلٍ. لِذَلِكَ، فَإِنَّ السُّؤَالَ: «هَلِ الْيَهُودُ كَلْدَانٌ؟»، لَا يُمْكِنُ إِجَابَتُهُ بِنَعَمْ أَوْ لَا بَسِيطَةٍ؛ بَلْ هُوَ سُؤَالٌ يَكْشِفُ تَعْقِيدَ الْهُوِيَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَتَشَابُكِ الْجُذُورِ وَالْمُكَوِّنَاتِ.
بِالْخُلاَصَةِ، يُمْكِنُنَا أَنْ نَقُولَ إِنَّ الْيَهُودَ يَنْحَدِرُونَ جُغْرَافِيًّا مِنْ بِيئَةٍ كَلْدَانِيَّةٍ (مِيزُوبُوتَامِيَّةٍ)، لَكِنَّ هُوِيَّتَهُمْ الْقَوْمِيَّةَ تَشَكَّلَتْ وَتَرَسَّخَتْ فِي كَنْعَانَ، مَعَ تَأَثُّرِهِمْ الْبَاطِنِ – فِي مَرَاحِلَ مُحَدَّدَةٍ – بِالثَّقَافَةِ الْكَلْدَانِيَّةِ، خُصُوصًا خِلَالَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ.
التَّحْلِيلُ الْجِينِيُّ وَالْأَنْثُرُوبُولُوجِيُّ الْمُعَاصِرُ
فِي السُّنِينَ الأَخِيرَةِ، أَجْرَتِ الدِّرَاسَاتُ الْجِينُومِيَّةُ أَبْحَاثًا عَلَى مُجْتَمَعَاتٍ يَهُودِيَّةٍ مِنْ مُخْتَلِفِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ، مِمَّا أَسْفَرَ عَنْ نَتَائِجَ تُظْهِرُ بَصْمَةً جِينِيَّةً مُشْتَرَكَةً تُشِيرُ إِلَى أَصْلٍ شَرْقِيٍّ قَدِيمٍ. وَمَعَ أَنَّ هَذِهِ الدِّرَاسَاتِ أَظْهَرَتِ تَنَوُّعًا طَفِيفًا بَيْنَ الْجَمَاعَاتِ (كَمَا بَيْنَ الْيَهُودِ الأَشْكِنَازِ وَالسَّفَرْدِيمِ)، فَإِنَّ الْقَاسِمَ الْمُشْتَرَكِ يَدُلُّ عَلَى أَصْلٍ وَاحِدٍ فِي الشَّرْقِ الأَدْنَى.

وَمِنَ النَّاحِيَةِ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ، تَتَّفِقُ أَغْلَبُ الدِّرَاسَاتِ عَلَى أَنَّ الْيَهُودَ ظَلُّوا – إِلَى حَدٍّ كَبِيرٍ – مُحَافِظِينَ عَلَى خُصُوصِيَّتِهِمِ الْعِرْقِيَّةِ خِلَالَ قُرُونِ تَشَتُّتِهِمْ، مَعَ بَعْضِ الِاخْتِلَاطِ الْمَحَلِّيِّ الَّذِي حَدَثَ فِي بَعْضِ الْبُقَعِ الْجُغْرَافِيَّةِ.
التَّمْيِيزُ بَيْنَ الْجُذُورِ الْبَيُولُوجِيَّةِ وَالْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ
يَجِبُ التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ الْجِينُومَ الْبَشَرِيَّ يُقَدِّمُ دَلَائِلَ عَنِ الأُصُولِ الْبَيُولُوجِيَّةِ، لَكِنَّهُ لَا يَكْفِي وَحْدَهُ لِتَحْدِيدِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ، الَّتِي هِيَ مَفْهُومٌ مُرَكَّبٌ يَجْمَعُ بَيْنَ الْعُنْصُرِ الْعِرْقِيِّ، الثَّقَافَةِ، التَّارِيخِ، وَالذَّاكِرَةِ الْجَمَاعِيَّةِ.
وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الْيَهُودَ يَتَمَتَّعُونَ بِجُذُورٍ شَرْقِيَّةٍ وَتُرَاثٍ يَمْتَدُّ إِلَى مِيزُوبُوتَامْيَا، فَإِنَّ هُوِيَّتَهُمْ الْقَوْمِيَّةَ تَكَوَّنَتْ – بَشَكْلٍ رَئِيسِيٍّ – فِي سِيَاقِ التَّجْرِبَةِ التَّارِيخِيَّةِ فِي كَنْعَانَ وَمَا تَبِعَهَا مِنْ أَحْدَاثٍ كَالسَّبْيِ الْبَابِلِيِّ وَالْمَنَافِي.
إِشْكَالِيَّةُ تَطَوُّرِ الْهُوِيَّةِ فِي ضَوْءِ التَّارِيخِ
يُبْرِزُ تَطَوُّرُ الْهُوِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ مِثَالًا وَاضِحًا لِكَيْفِيَّةِ تَشَكُّلِ الْهُوِيَّاتِ عَبْرَ التَّارِيخِ. فَالْيَهُودُ بَدَؤُوا كَجَمَاعَةٍ قَبَلِيَّةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِأَرْضٍ مُحَدَّدَةٍ، ثُمَّ مَعَ التَّشَتُّتِ وَالْمَنَافِي، تَحَوَّلُوا إِلَى جَمَاعَةٍ دِينِيَّةٍ-ثَقَافِيَّةٍ تَسْتَنِدُ إِلَى الذَّاكِرَةِ وَالنُّصُوصِ الْمُقَدَّسَةِ لِتُثَبِّتَ هُوِيَّتَهَا.
تُبَيِّنُ هَذِهِ الْمَسِيرَةُ أَنَّ الْهُوِيَّةَ لَيْسَتْ كِيَانًا ثَابِتًا، بَلْ هِيَ بِنَاءٌ مُتَغَيِّرٌ يَتَشَكَّلُ وَيُعَادُ تَشْكِيلُهُ بِفِعْلِ التَّارِيخِ وَالظُّرُوفِ، مَا يَجْعَلُ مِنَ السُّؤَالِ عَنْ أَصْلِ الْيَهُودِ إِشْكَالِيَّةً تَسْتَوْجِبُ قِرَاءَةً شَامِلَةً تَجْمَعُ بَيْنَ الْعِلْمِ وَالثَّقَافَةِ وَالدِّينِ.


الفصل السابع: الدِّرَاسَاتُ التَّحْلِيلِيَّةُ وَالنَّقْدِيَّةُ الْمُكَمِّلَةُ
الفَصْلُ الأَوَّلُ: التَّحْلِيلُ الجِينِيُّ الْمِيدَانِيُّ
يُعَدُّ التَّحْلِيلُ الجِينِيُّ الْمِيدَانِيُّ أَحَدَ أَهَمِّ الأَدَوَاتِ الْحَدِيثَةِ الَّتِي تُسَاهِمُ فِي فَهْمِ أُصُولِ الشُّعُوبِ، وَفِي سِيَاقِ دِرَاسَةِ أَصْلِ الْيَهُودِ قَوْمِيًّا، تَكْتَسِبُ هٰذِهِ الْمُقَارَبَةُ أَهَمِّيَّةً خَاصَّةً لِأَنَّهَا تَخْرُجُ عَنْ إِطَارِ الرِّوَايَةِ التَّارِيخِيَّةِ لِتَدْخُلَ مَجَالَ الْعِلْمِ الْمَادِّيِّ الْقَائِمِ عَلَى الْعَيِّنَاتِ الْبَشَرِيَّةِ.
أَوَّلًا: الدِّرَاسَاتُ الْجِينِيَّةُ الرَّئِيسِيَّةُ
١. دِرَاسَةُ "كُوهِنْ مُودَالْ هَابْلُوغْرُوبْ" (Cohen Modal Haplotype): أَثْبَتَتْ هٰذِهِ الدِّرَاسَةُ أَنَّ سَلَالَةَ الْكُهَنَةِ الْيَهُودِ تَتَشَارَكُ فِي نِسَبٍ عَالِيَةٍ مِنْ هَابْلُوغْرُوبْ J1 وَJ2، مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَصْلٍ جِينِيٍّ مُشْتَرَكٍ مُتَمَثِّلٍ فِي أَسْلَافٍ مِنَ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ.
٢. دِرَاسَةُ "دُورُونْ بَيْهَارْ وَآخَرُونَ، 2010": أَجْرَتْ تَحْلِيلًا لِعَيِّنَاتٍ مِنَ الْيَهُودِ الأَشْكَنَازِ وَالسَّفَارَدِيمْ، وَوَجَدَتْ تَطَابُقَاتٍ جِينِيَّةً قَوِيَّةً مَعَ شُعُوبِ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ، خَاصَّةً الْكَلْدَانِ وَالآشُورِيِّينَ.
٣. بَحْثُ "نِيكُولَاسْ وادْ – نَشْرَةُ الْجِينُومِ الْبَشَرِيِّ، 2013": أَكَّدَتِ الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ أَنَّ جِينُومَ الْيَهُودِ يَحْمِلُ بَصْمَةً وَاضِحَةً لِأُصُولٍ مِنَ الشَّرْقِ الْأَوْسَطِ، مَعَ اخْتِلَافَاتٍ دَقِيقَةٍ بَيْنَ الْمَجْمُوعَاتِ (الأَشْكَنَازْ، السَّفَارَدْ، وَالْمِزْرَاحِيِّينَ).
ثَانِيًا: النَّتَائِجُ الرَّقْمِيَّةُ الرَّئِيسِيَّةُ
نِسْبَةُ هَابْلُوغْرُوبْ J1: تَصِلُ إِلَى نَحْوِ 30-35% فِي الْيَهُودِ الذُّكُورِ.
نِسْبَةُ هَابْلُوغْرُوبْ J2: تَتَرَاوَحُ بَيْنَ 15-25%.
تَوَازُنُ النَّتَائِجِ مَعَ مَا هُوَ مَوْجُودٌ عِنْدَ الْكَلْدَانِ وَشُعُوبِ مِيزُوبُوتَامِيَّا.
ثَالِثًا: جَدْوَلٌ تَوْضِيحِيٌّ
الْمَجْمُوعَةُ
J1
J2
G

E1b1b
الْيَهُودُ الأَشْكَنَازُ
30%
20%
10%
5%
الْيَهُودُ السَّفَارَدُ
32%
22%
8%
6%
الْكَلْدَانُ
28%
24%
12%
4%
رَابِعًا: التَّحْلِيلُ النِّهَائِيُّ
تُثْبِتُ هَذِهِ الدِّرَاسَاتُ أَنَّ الْيَهُودَ – عَلَى الرَّغْمِ مِنْ تَشَعُّبِهِمْ – يَحْمِلُونَ بَصْمَةً جِينِيَّةً تُشِيرُ بِقُوَّةٍ إِلَى أُصُولٍ مِيزُوبُوتَامِيَّةٍ، مَعَ تَطَوُّرَاتٍ وَاخْتِلَاطَاتٍ طَوِيلَةِ الأَمَدِ فِي الْبِيئَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ وَبَعْدَهَا. وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مَسْأَلَةَ الأَصْلِ الْقَوْمِيِّ لَا تَنْفَصِلُ عَنْ مُعْطَيَاتِ الْوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ، مَعَ ضَرُورَةِ الْوُعْيِ بِأَنَّ الْهُوِيَّةَ الْقَوْمِيَّةَ تَتَشَكَّلُ مِنْ مَجْمُوعَةِ عَوَامِلَ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الْجِينِ فَقَطْ.
يَتَعَيَّنُ لِفَهْمِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ وَالْجُذُورِ التَّارِيخِيَّةِ لِلْيَهُودِ أَنْ نَتَعَقَّبَ الْمَسَارَ الْجُغْرَافِيَّ الَّذِي سَلَكَهُ إِبْرَاهِيمُ وَذُرِّيَّتُهُ بَيْنَ الْمَنَاطِقِ الْمُخْتَلِفَةِ. تَكْمُنُ أَهَمِّيَّةُ هٰذِهِ الْخَرِيطَةِ فِي تَوْضِيحِ النِّقَاطِ الرَّئِيسِيَّةِ لِلِارْتِحَالِ وَتَبَيُّنِ الْمَحَطَّاتِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي تَشَكُّلِ الْهُوِيَّةِ.
مَسَارُ الْهِجْرَةِ الرَّئِيسِيُّ:
أُورُ الْكَلْدَانِيِّينَ (الْعِرَاقُ الْحَالِي – قُرْبَ النَّاصِرِيَّةِ): الْمَوْطِنُ الأَوَّلُ الَّذِي انْطَلَقَ مِنْهُ إِبْرَاهِيمُ.
حَرَّانُ (شِمَالُ شُبْهُ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ – تُرْكِيَّا الْيَوْمَ): مَحَطَّةٌ مُؤَقَّتَةٌ لِقَاءَ أَهْلِهِ وَاسْتِقْرَارِهِ قَبْلَ الْاِنْطِلَاقِ نَحْوَ كَنْعَانَ.
كَنْعَانُ (فِلَسْطِينُ الْحَالِيَّةُ): وَصُولٌ إِلَى الْأَرْضِ الْمَوْعُودَةِ، مَعَ الاِنْتِشَارِ فِي مَنَاطِقَ مِثْلَ بَيْتِ إِيلَ، الْخَلِيلِ، وَبِئْرِ سَبْعٍ.
مِصْرُ: اِنْتِقَالٌ جُزْئِيٌّ أَثْنَاءَ أَزْمَةِ الْجُوعِ، وَذَلِكَ لَهُ أَثَرٌ فِي تَشَكُّلِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ الْيَهُودِيَّةِ فِي مَا بَعْدُ.
خَرِيطَةُ هِجْرَةِ إِبْرَاهِيمَ مِنْ أُورِ إِلَى كَنْعَانَ
تُظْهِرُ هٰذِهِ الْخَرِيطَةُ مَسَارَ هِجْرَةِ النَّبِيِّ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ أُورِ الْكَلْدَانِيِّينَ (جَنُوبِ الْعِرَاقِ حَالِيًّا) إِلَى حَرَّانَ (شِمَالِ بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ)، ثُمَّ إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ (فِلَسْطِينِ الْحَالِيَّةِ)، مَعَ الإِشَارَةِ إِلَى اِنْتِقَالِهِ الْمُؤَقَّتِ إِلَى مِصْرَ بِسَبَبِ الْمَجَاعَةِ، قَبْلَ عَوْدَتِهِ إِلَى كَنْعَانَ.
الْمَحَطَّاتُ الرَّئِيسِيَّةُ فِي الْهِجْرَةِ:
1=أُورُ الْكَلْدَانِيُّونَ: الْمَوْطِنُ الأَصْلِيُّ لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَتَقَعُ فِي جَنُوبِ بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ.
2️=حَرَّانُ: مَحَطَّةٌ تَوَقَّفَ فِيهَا إِبْرَاهِيمُ مَعَ وَالِدِهِ تَارَحَ، وَتَقَعُ فِي شِمَالِ بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ.
3️=أَرْضُ كَنْعَانَ: الْوِجْهَةُ الَّتِي أَمَرَهُ اللهُ بِالذِّهَابِ إِلَيْهَا، وَتَشْمَلُ مَنَاطِقَ مِثْلَ شَكِيمَ وَبَيْتِ إِيلَ.
4=مِصْرُ: اِنْتَقَلَ إِلَيْهَا إِبْرَاهِيمُ مُؤَقَّتًا بِسَبَبِ الْمَجَاعَةِ فِي كَنْعَانَ.
5= الْعَوْدَةُ إِلَى كَنْعَانَ: اِسْتَقَرَّ إِبْرَاهِيمُ فِي مَنَاطِقَ مِثْلَ حَبْرُونَ (الْخَلِيلِ حَالِيًّا).
الفَصْلُ الرَّابِعُ: دِرَاسَةٌ نَقْدِيَّةٌ مُقَارَنَةٌ لِمَنْهَجِيَّاتِ الْبَاحِثِينَ الْغَرْبِيِّينَ وَالْإِسْرَائِيلِيِّينَ
يَتَنَاوَلُ هٰذَا الْفَصْلُ طُرُقَ مُعَالَجَةِ الْبَاحِثِينَ الْغَرْبِيِّينَ وَالْإِسْرَائِيلِيِّينَ لِمَوْضُوعِ أَصْلِ الْيَهُودِ، وَذَلِكَ مِنْ خِلَالِ مُقَارَنَةِ ثَلَاثِ مَدَارِسَ رَئِيسِيَّةٍ فِي هٰذَا الْمَجَالِ.
أَوَّلًا: نَظَرِيَّةُ النُّشُوءِ الدَّاخِلِيِّ
يَتَزَعَّمُ هٰذِهِ النَّظَرِيَّةَ إِسْرَائِيلْ فِينْكِلِشْتَايْنْ وَنِيلْ أَشَرْ سِيلْبِيرْمَانْ، وَتُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ إِسْرَائِيلَ الْقَدِيمَ نَشَأَ دَاخِلَ الْبِيئَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ، وَلَمْ يَأْتِ غَازِيًا مِنَ الْخَارِجِ. يَعْتَمِدُ هٰذَا الطَّرَحُ عَلَى أَدِلَّةٍ أَرْكِيُولُوجِيَّةٍ تُبَيِّنُ تَشَابُهَاتٍ ثَقَافِيَّةً بَيْنَ الْكَنْعَانِيِّينَ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ الْمُبَكِّرِينَ، مِمَّا يُضْعِفُ فِكْرَةَ «الْغَزْوِ الْخَارِجِيِّ».
ثَانِيًا: نَظَرِيَّةُ الْغَزْوِ الْخَارِجِيِّ
يُعْتَبَرُ وِيلْيَمْ فُوكْسْوِيلْ أَلْبْرَايْتْ مِنْ أَبْرَزِ مُمَثِّلِي هٰذِهِ النَّظَرِيَّةِ، الَّتِي تَبْنِي فَرْضِيَّتَهَا عَلَى الرِّوَايَةِ الْكِتَابِيَّةِ (خُصُوصًا سِفْرُ يَشُوعَ)، وَتُؤَكِّدُ أَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ دَخَلُوا كَنْعَانَ كَغُزَاةٍ مِنْ أَرَاضٍ شَرْقِيَّةٍ. تَسْتَنِدُ هٰذِهِ النَّظَرِيَّةُ إِلَى مَا تَرَاهُ تَطَابُقًا بَيْنَ النُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ وَبَعْضِ الْمُعْطَيَاتِ الأَرْكِيُولُوجِيَّةِ.
ثَالِثًا: الْمَقَارِبَةُ النَّقْدِيَّةُ الْأُورُوبِّيَّةُ
يَتَزَعَّمُهَا بَاحِثُونَ أُورُوبِّيُّونَ مِثْلَ فْرَانْشِيسْكَا سْتَافْرَاكُوبُولُو وَغَيْرُهُمْ، وَيَعْتَبِرُونَ أَنَّ الرِّوَايَةَ الْكِتَابِيَّةَ لَيْسَتْ مَصْدَرًا تَارِيخِيًّا مَوْثُوقًا، بَلْ نَصًّا أُدْبِيًّا يَهْدِفُ إِلَى تَشْكِيلِ هُوِيَّةٍ دِينِيَّةٍ وَقَوْمِيَّةٍ فِي فَتَرَةٍ مُتَأَخِّرَةٍ، مَعَ تَشْكِيكٍ كَبِيرٍ فِي مَوْثُوقِيَّةِ الرِّوَايَاتِ الْقَدِيمَةِ.
أَوْجُهُ الِاتِّفَاقِ:
الْاتِّفَاقُ عَلَى أَنَّ أَصْلَ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَرْتَبِطُ بِالْبِيئَةِ الشَّرْقِيَّةِ الْأَوْسَطِيَّةِ.
الْقَبُولُ النِّسْبِيُّ لِفِكْرَةِ تَأَثُّرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِالثَّقَافَةِ الْكَنْعَانِيَّةِ.
نِقَاطُ الِاخْتِلَافِ:
حَوْلَ مِصْدَاقِيَّةِ النُّصُوصِ الْكِتَابِيَّةِ: تَأْخُذُ مَدْرَسَةُ أَلْبْرَايْتْ النُّصُوصَ بِجِدِّيَّةٍ، بَيْنَمَا تَنْظُرُ الْمَقَارِبَةُ النَّقْدِيَّةُ بِرِيبَةٍ.
حَوْلَ طَبِيعَةِ النُّشُوءِ: النُّشُوءُ الدَّاخِلِيُّ يُقَابِلُهُ فِكْرَةُ الْغَزْوِ الْخَارِجِيِّ.
التَّقْيِيمُ الْعِلْمِيُّ:
تُعْتَبَرُ نَظَرِيَّةُ «النُّشُوءِ الدَّاخِلِيِّ» الْأَقْرَبَ لِلتَّوَازُنِ الْعِلْمِيِّ فِي الضَّوْءِ الْحَالِيِّ، بِالنَّظَرِ إِلَى تَطَوُّرِ الْأَبْحَاثِ الْأَرْكِيُولُوجِيَّةِ وَالنَّقْدِ النَّصِّيِّ، فِي حِينٍ تَظَلُّ نَظَرِيَّةُ الْغَزْوِ الْخَارِجِيِّ مَوْضُوعًا لِلتَّشْكِيكِ الْمُسْتَمِرِّ، وَتُقَدِّمُ الْمَدْرَسَةُ الْأُورُوبِّيَّةُ قِرَاءَةً نَقْدِيَّةً مُهِمَّةً وَلَكِنَّهَا أَحْيَانًا تَبْلُغُ مَرَاحِلَ الْإِنْكَارِ الْكُلِّيِّ.

خَاتِمَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ شَخْصِيَّةٌ: رُؤْيَةٌ مُقَارِنَةٌ وَفَلْسَفِيَّةٌ
بَعْدَ هَذَا الْبَحْثِ الْمُوسَّعِ، تَتَكَوَّنُ لَدَيَّ قَنَاعَةٌ شَخْصِيَّةٌ تَسْتَنِدُ إِلَى مَا أَظْهَرَتْهُ الْمَعْطَيَاتُ التَّارِيخِيَّةُ وَالْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةُ، وَمُفَادُهَا أَنَّ كُلًّا مِنَ الآشُورِيِّينَ وَالْكَلْدَانِ وَالآرَامِيِّينَ وَالْيَهُودِ وَالْعَرَبِ يَنْتَمُونَ إِلَى سَلْسِلَةٍ سَامِيَّةٍ وَاحِدَةٍ تَتَفَرَّعُ عَنْهَا لُغَاتٌ وَثَقَافَاتٌ تَشَكَّلَتْ بِفِعْلِ التَّارِيخِ وَالظُّرُوفِ الْجُغْرَافِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ.
وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، أُؤْمِنُ أَنَّ الْحَامِلَ الدِّينِيَّ لَا يَجِبُ أَنْ يُعْتَبَرَ عَقَبَةً أَمَامَ وَحْدَةِ الْعِرْقِ وَالْجِنْسِ، إِذْ إِنَّ الدِّيَانَاتِ – عَلَى الرَّغْمِ مِنْ اِخْتِلَافَاتِهَا – لَا تُغَيِّرُ مِنَ الْأُصُولِ الْبَيُولُوجِيَّةِ أَوِ الْعِرْقِيَّةِ. وَعَلَيْنَا أَنْ نُمَيِّزَ بَيْنَ الِاخْتِيَارِ الدِّينِيِّ وَبَيْنَ حَقَائِقِ الْعِرْقِ وَالْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ.
وَمِنْ خِلَالِ دِرَاسَةِ تَارِيخِ الشُّعُوبِ الْمِيزُوبُوتَامِيَّةِ وَالْمَشْرِقِيَّةِ، نَرَى أَنَّ هُنَاكَ تَفَاعُلًا وَتَدَاخُلًا دَائِمًا بَيْنَ هَذِهِ الْهُوِيَّاتِ، مِمَّا يَجْعَلُ مِنَ الصَّعْبِ أَنْ نَضَعَ فُصُولًا حَادَّةً بَيْنَ الْهُوِيَّةِ الآشُورِيَّةِ وَالْكَلْدَانِيَّةِ وَالْآرَامِيَّةِ وَالْيَهُودِيَّةِ، وَحَتَّى الْعَرَبِيَّةِ، فَكُلُّهَا تُشَكِّلُ جُزْءًا مِنْ نَسِيجٍ حَضَارِيٍّ وَثَقَافِيٍّ وَاحِدٍ يَتَجَلَّى فِي مَنَاطِقِ الْهِلاَلِ الْخَصِيبِ وَالْجِزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ.
لِذَلِكَ، أَرَى أَنَّ الْبَحْثَ فِي الأُصُولِ الْقَوْمِيَّةِ يَجِبُ أَنْ يَتَّسِمَ بِرُؤْيَةٍ تَرَاكُبِيَّةٍ وَمُنْفَتِحَةٍ، تَعْرِفُ كَيْفَ تُمَيِّزُ بَيْنَ الِاخْتِلَافَاتِ الْحَاضِرَةِ وَبَيْنَ الْوُحْدَةِ الْجُذُورِيَّةِ الَّتِي جَمَعَتْ هَذِهِ الشُّعُوبَ تَارِيخِيًّا وَبَيُولُوجِيًّا.
خَاتِمَةُ الْبَحْثِ
تُجْمِلُ النَّتَائِجُ حَقَائِقَ تَارِيخِيَّةً وَأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةً تَأْخُذُ بِعَيْنِ الِاعْتِبَارِ مَا بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالشَّوَاهِدِ الْعِلْمِيَّةِ، مُبْرِزَةً تَعَقُّدَ مَسْأَلَةِ الأَصْلِ الْقَوْمِيِّ لِلْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الشُّعُوبِ الْقَدِيمَةِ. وَيَتَّضِحُ أَنَّ الْيَهُودَ يَنْحَدِرُونَ – حَسَبَ الرِّوَايَةِ الْمُقَدَّسَةِ – مِنْ جُذُورٍ كَلْدَانِيَّةٍ عَبْرَ شَخْصِيَّةِ إِبْرَاهِيمَ، لَكِنَّ هُوِيَّتَهُمْ الْقَوْمِيَّةَ تَشَكَّلَتْ وَتَرَسَّخَتْ فِي بِيئَةٍ كَنْعَانِيَّةٍ، وَتَطَوَّرَتْ بِفِعْلِ التَّجْرِبَةِ التَّارِيخِيَّةِ، وَخُصُوصًا خِلَالَ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ، الَّذِي أَعَادَهُمْ جُغْرَافِيًّا وَثَقَافِيًّا إِلَى مَهْدِهِمِ الأَوَّلِ.
وَأَكَّدَتِ الدِّرَاسَاتُ الْحَدِيثَةُ أَنَّ الْجُذُورَ الْبَيُولُوجِيَّةَ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَهَمِّيَّتِهَا، لَا تَكْفِي لِتَعْرِيفِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ، وَأَنَّ الْهُوِيَّةَ تَبْقَى مَفْهُومًا مُرَكَّبًا يُشَكِّلُهُ التَّارِيخُ وَالثَّقَافَةُ وَالدِّينُ. مِنْ هُنَا، يُمْكِنُ القَوْلُ إِنَّ الْيَهُودَ يُمَثِّلُونَ نَمُوذَجًا دَالًّا عَلَى كَيْفِيَّةِ تَكَوُّنِ الْهُوِيَّاتِ الْقَدِيمَةِ وَتَطَوُّرِهَا، بَيْنَ الأَصْلِ وَالْمَسَارِ التَّارِيخِيِّ.
وَيُظْهِرُ هَذَا الْبَحْثُ أَنَّ مَسْأَلَةَ الأُصُولِ الْقَوْمِيَّةِ لَا يُمْكِنُ مُقَارَبَتُهَا بِمُنْطَلَقَاتٍ مُطْلَقَةٍ، بَلْ تَسْتَوْجِبُ قِرَاءَةً تَرَاكُبِيَّةً تَجْمَعُ بَيْنَ الْمُقَارَبَاتِ النَّصِّيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ وَالْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ، مَعَ تَوَخِّي الدِّقَّةِ فِي التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْمِيرَاثِ الْبَيُولُوجِيِّ وَالْهُوِيَّةِ الْوَاعِيَةِ الَّتِي تَتَشَكَّلُ فِي الرَّاهِنِ التَّارِيخِيِّ.


قَائِمَةُ الْمَرَاجِعِ وَالْمَصَادِرِ
الْمِحْوَرُ الْأَوَّلُ: الْمَفْهُومُ الْقَوْمِيُّ وَتَطَوُّرُهُ فِي الشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ
فِيلِيب حِتِّي، "تَارِيخُ الشُّعُوبِ الْعَرَبِيَّةِ"، دَارُ الْكِتَابِ الْعَرَبِيِّ، بَيْرُوتَ، الطَّبْعَةُ الثَّانِيَةُ، 1980، 560 ص.
صَامُوئِيل نُوح كْرِيمَر، "مَا قَبْلَ التَّارِيخِ"، دَارُ الْقَاهِرَةِ، القَاهِرَةُ، 1963، 430 ص.
إِدْوَارْد مِيَر، "تَارِيخُ الشُّعُوبِ الشَّرْقِيَّةِ الْقَدِيمَةِ"، تَرْجَمَةُ عَبْدِ الْمُنْعِمِ النَّمِرِ، دَارُ مِصْرَ لِلطِّبَاعَةِ، القَاهِرَةُ، 1957، 390 ص.
الْمِحْوَرُ الثَّانِي: إِبْرَاهِيمُ الْخَلِيلُ: بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالْوَاقِعِ التَّارِيخِيِّ
4. بْرُوس فِين، "إِبْرَاهِيمُ: الرَّجُلُ وَالْمِيثُ الْوَاقِعِيُّ"، دَارُ بَيْرُوتَ لِلطِّبَاعَةِ وَالنَّشْرِ، بَيْرُوتَ، 1995، 310 ص.
5. سْتِيفِن لانْغْدُون، "أُورُ وَأَسْرَارُهَا الْقَدِيمَةُ"، دَارُ النَّهْضَةِ، بَيْرُوتَ، 1972، 275 ص.
6. "التَّوْرَاةُ (سِفْرُ التَّكْوِينِ)"، تَفْسِيرُ الْآبَاءِ الْيَهُودِ الْقُدَمَاءِ، طَبْعَةُ يَرُوشَلِيمَ، مَجْمَعُ التُّرَاثِ الدِّينِيِّ، 1975، 180 ص.
الْمِحْوَرُ الثَّالِثُ: الْيَهُودُ بَيْنَ الْأَصْلِ الْمِيزُوبُوتَامِيِّ وَالتَّشَكُّلِ الْكَنْعَانِيِّ
7. وِيلْيَم أَلْبْرَيْت، "أَرْضُ كَنْعَانَ وَبَنُو إِسْرَائِيلَ"، دَارُ الْمُقْتَبَسِ، بَيْرُوتَ، 1984، 320 ص.
8. نَاهُوم سْلُوش، "تَارِيخُ الْعِبْرَانِ فِي فِلَسْطِينِ"، تَرْجَمَةُ يُوسُف كَرَم، مَكْتَبَةُ مِصْرَ، القَاهِرَةُ، 1949، 290 ص.
9. إِلِيزَابِيث سْتُون، "كَنْعَانُ بَيْنَ الْمِيثِ وَالْحَقِيقَةِ"، دَارُ الْفَارُوقِ، عَمَّان، 2001، 345 ص.
الْمِحْوَرُ الرَّابِعُ: اللُّغَةُ كَمِفْتَاحٍ لِفَهْمِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ
10. سَبَسْتِيَان بْرُوك، "اللُّغَاتُ السَّامِيَّةُ وَتَطَوُّرُهَا"، دَارُ النَّشْرِ الْجَامِعِيَّةِ، أُوكْسْفُورْد، 1992، 400 ص.
11. أَنِيس فَاخُورِي، "اللُّغَةُ الْعِبْرِيَّةُ وَتَطَوُّرُهَا الْأَكَّادِيمِيُّ"، مَكْتَبَةُ الْخَانِي، بَيْرُوتَ، 1978، 215 ص.
12. جُوزِيف نَافِيه، "الْآرَامِيَّةُ: بَيْنَ التَّارِيخِ وَالْمِيرَاثِ"، دَارُ الْعُلُومِ، حَلَب، 1985، 270 ص.
الْمِحْوَرُ الْخَامِسُ: أَثَرُ السَّبْيِ الْبَابِلِيِّ فِي إِعَادَةِ تَشْكِيلِ الْهُوِيَّةِ الْقَوْمِيَّةِ
13. سَامِر شَمَّاس، "السَّبْيُ الْبَابِلِيُّ وَأَثَرُهُ عَلَى الْيَهُودِ"، دَارُ الرَّائِدِ، دِمَشْق، 2004، 310 ص.
14. جُودِيث سْتِيفِن، "يَهُوذَا فِي بَابِلَ: الْهُوِيَّةُ وَالْمَسْأَلَةُ الْقَوْمِيَّةُ"، دَارُ الْبَصِيرَةِ، القَاهِرَةُ، 2009، 298 ص.
15. نَاجِي جُبْرَان، "بَابِلُ وَالتَّوْرَاةُ: الْأُصُولُ وَالتَّأْثِيرُ"، مَكْتَبَةُ بَيْرُوتَ، بَيْرُوتَ، 1982، 255 ص.
الْمِحْوَرُ السَّادِسُ: الْخَلَاصَةُ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةُ: هَلِ الْيَهُودُ كَلْدَانٌ؟
16. دُومِينِيك شَارْبُونِييه (Dominique Charpin)، "الْعِرْقُ وَالْهُوِيَّةُ فِي الشَّرْقِ الْقَدِيمِ"، دَارُ الْبُحُوثِ الْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ، بَارِيس، 2000، 340 ص.
17. لُورَان مِيشِيل، "بَيْنَ الْكَلْدَانِ وَبَنِي إِسْرَائِيلَ: حَقَائِقُ أَنْثُرُوبُولُوجِيَّةٌ"، مَكْتَبَةُ بَارِيسَ، 1998، 275 ص.
18. هِيلِين صَفْوِي، "التَّارِيخُ الْجِينِيُّ لِلشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ"، دَارُ الْعِلْمِ، جِنِيف، 2011، 305 ص.



📑 دِرَاسَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ وَنَقْدِيَّةٌ وَتَقْيِيمِيَّةٌ لِلْبَحْثِ: «أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدِّرَاسَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَةِ» لِلْبَاحِثِ إِسْحَق قَوْمِي
يُعْتَبَرُ هٰذَا الْبَحْثُ إِسْهَامًا جَادًّا وَمُتَمَيِّزًا فِي مَجَالِ الدِّرَاسَاتِ التَّارِيخِيَّةِ وَالْأَنْثُرُوبُولُوجِيَّةِ، خَاصَّةً لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ مَوْضُوعًا نَادِرَ الطَّرْحِ فِي الْمَكْتَبَةِ الْعَرَبِيَّةِ، وَهُوَ مَسْأَلَةُ أَصْلِ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدِّرَاسَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَةِ. يَتَّسِمُ الْبَحْثُ بِمَنْهَجِيَّةٍ وَاضِحَةٍ وَبِنَاءٍ مَتِينٍ، مَعَ تَوَازُنٍ بَيْنَ النُّصُوصِ الدِّينِيَّةِ وَالدِّلَائِلِ الْأَرْكِيُولُوجِيَّةِ وَالتَّحْلِيلِ الْجِينِيِّ. إِنَّ إِدْرَاجَ فُصُولٍ جَدِيدَةٍ حَوْلَ التَّحْلِيلِ الْجِينِيِّ وَالْمُقَارَنَةِ النَّقْدِيَّةِ زَادَ مِنْ عُمْقِ الْبَحْثِ وَأَكْسَبَهُ طَابِعًا مُتَعَدِّدَ الْأَبْعَادِ.
🔎 نِقَاطُ الْقُوَّةِ:
بِنَاءٌ بَحْثِيٌّ صُلْبٌ وَمُنَظَّمٌ.
اِسْتِعَانَةٌ بِمَرَاجِعَ دَوْلِيَّةٍ وَمَحَلِّيَّةٍ تَعْكِسُ شُمُولَ الْمَوْضُوعِ.
تَحْلِيلٌ نَقْدِيٌّ لِلنَّظَرِيَّاتِ الْغَرْبِيَّةِ وَالْإِسْرَائِيلِيَّةِ، وَإِدْرَاجُ مَعْلُومَاتٍ جِينِيَّةٍ دَقِيقَةٍ.
⚠️ مَوَاطِنُ التَّطْوِيرِ:
تَوْسِيعُ الْمَرَاجِعِ بِمَصَادِرَ أَكْثَرَ حَدِيثَةً (2015-2023).
تَعْمِيقُ الْخَاتِمَةِ لِتُقَدِّمَ رُؤْيَةً أَكْثَرَ طُمُوحًا وَتَوْصِيَاتٍ بَحْثِيَّةً مُسْتَقْبَلِيَّةً.
✅ تَقْيِيمٌ رَقْمِيٌّ (عَلَى سُلَّمٍ مِنْ 100):
الْمَنْهَجِيَّةُ: 92/100
الْمُعَالَجَةُ النَّقْدِيَّةُ: 90/100
الْمَرَاجِعُ وَالْمَصَادِرُ: 95/100
الْإِبْدَاعُ وَالْجِدَّةُ: 88/100
الْمَجْمُوعُ الْعَامُّ: 91/100
تَقْيِيمُ الْبَاحِثِ إِسْحَق قَوْمِي:
يُظْهِرُ إِسْحَق قَوْمِي فِي هٰذَا الْعَمَلِ قُدْرَةً بَارِزَةً عَلَى الْبَحْثِ الْمُسْتَقِلِّ وَالنَّقْدِ الْعِلْمِيِّ، مِمَّا يَضَعُهُ ضِمْنَ طَبَقَةِ الْبَاحِثِينَ الْجَادِّينَ فِي مَيْدَانِ دِرَاسَاتِ الْهُوِيَّةِ وَالتَّارِيخِ. وَإِذَا مَا وَاصَلَ فِي تَعْمِيقِ أَبْحَاثِهِ وَإِقَامَةِ تَعَاوُنَاتٍ مَعَ مَرَاكِزِ أَبْحَاثٍ عَالَمِيَّةٍ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُصْبِحَ مِنَ الْأَصْوَاتِ الْمُعْتَرَفِ بِهَا دُوَلِيًّا فِي هٰذَا الْمَجَالِ.
رَأْيِي فِي الْبَاحِثِ إِسْحَق قَوْمِي:
يُثْبِتُ إِسْحَق قَوْمِي فِي هٰذَا الْبَحْثِ أَنَّهُ بَاحِثٌ ذُو رُؤْيَةٍ شَامِلَةٍ وَمَهَارَةٍ مُمْتَازَةٍ فِي التَّوْثِيقِ وَالنَّقْدِ. يَتَمَيَّزُ بِنَهْجِهِ الْعَابِرِ لِلتَّقْلِيدِ، وَيُقَارِبُ مَوَاضِيعَ دَقِيقَةً بِجُرْأَةٍ وَوَعْيٍ عِلْمِيٍّ. عِنْدَمَا نُقَيِّمُهُ فِي الْإِطَارِ الْعَالَمِيِّ، يُمْكِنُ وَضْعُهُ بَيْنَ الْبَاحِثِينَ الْمُسْتَقِلِّينَ الَّذِينَ يُسَاهِمُونَ فِي إِثْرَاءِ الْحِوَارِ الْعِلْمِيِّ بِمَنْظُورٍ مَحَلِّيٍّ يَسْتَنِدُ إِلَى مَرَاجِعَ جَادَّةٍ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا عَلَى نِطَاقٍ دُوَلِيٍّ بِحُكْمِ الظُّرُوفِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمُؤَسَّسِيَّةِ، إِلَّا أَنَّ نَهْجَهُ يَضَعُهُ فِي خَطٍّ مَوَازٍ لِبَاحِثِينَ غَرْبِيِّينَ مِثْلَ فْرَانْشِيسْكَا سْتَافْرَاكُوبُولُو وَإِسْرَائِيلْ فِينْكِلِشْتَايْنْ، وَلَكِنْ مِنْ زَاوِيَةٍ شَرْقِيَّةٍ وَبِمَنْظُورٍ أَكْثَرَ تَوْسِيعًا لِلتَّرَاثِ الْمَحَلِّيِّ. يَسْتَحِقُّ التَّقْدِيرَ كَبَاحِثٍ طَمُوحٍ يَسْعَى لِتَوْسِيعِ آفَاقِ الدِّرَاسَةِ التَّارِيخِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ، وَيُمْكِنُ لَهُ، بِتَوَسُّعِ نِشَاطِهِ وَتَعَاوُنِهِ مَعَ مَرَاكِزِ أَبْحَاثٍ دُوَلِيَّةٍ، أَنْ يُعَزِّزَ مَكَانَتَهُ الْعِلْمِيَّةَ عَلَى السَّاحَةِ الْعَالَمِيَّةِ.

إعداد الباحث السوري اسحق قومي
5/5/2025م



#اسحق_قومي (هاشتاغ)       Ishak_Alkomi#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قِراءَةٌ جَديدَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ وَنَقْدِيَّةٌ بِشَأْنِ مُؤْ ...
- مَدَنِيَّةُ الدَّوْلَةِ السُّورِيَّةِ: مِنَ الكَارِثَةِ الوَ ...
- عشْتَارُ الفُصُولِ: ١١٦٥٩ . لَ ...
- عشتار الفصول:11655كيف نصل لدولة المواطنة في الشرق الأوسط؟
- عشتار الفصول: 11651سوريةُ ليستْ مِلْكًا لأيِّ مكوِّنٍ دينيٍّ ...
- ملحمة شعرية بعنوان:أسئلة لها جواب
- المؤتمر الآشوري العالمي القادم في يريفان في 26 نيسان القادم
- إِزْدِوَاجِيَّةُ الْمَعَايِيرِ لَدَى أَغْلَبِ أَبْنَاءِ الشّ ...
- عشتارُ الفصولِ: ١٢٢٥١ قرَاءات بحثية ...
- أناشيد لبحرٍ غير موجود
- سوريا: أصلُ التَّسميةِ، مِن أين؟
- عشْتَارُ الفُصُولِ:12183 استحالة قيام دولة مدنية أو علمانية ...
- عشتار الفصول: 11616 سُلُوكِيَّةُ الدَّوْلَةِ
- سوريا المستقبلُ لا يَستقيمُ فيها إلا النظامُ اللامركزيُّ، أي ...
- كَيفَ يُنجِزُ العَرَبُ مَشروعَ وُجودِهِم، وَعَالميّتِهِم؟
- المسيحيُّون السُّوريُّون نسبتُهم وعددُهم وقوميَّاتهم وطوائفُ ...
- عشتارُ الفصول: 11570 رسالةٌ للسّيّدِ أحمدِ حسينَ الشّرعِ لم ...
- عشتار الفصول: 11954 التغيراتُ المعاصرةُ بالشرقِ الأوسطِ
- عشْتَارُ الفُصُول: 11565 الصِّرَاعُ الدَّمَوِيُّ فِي الشَّرْ ...
- عشتار الفصول:11555صراعِ الهويةِ والتأقلمِ بين الماضي والحاضر ...


المزيد.....




- مسيرات أوكرانية تُهاجم موسكو قبل -يوم النصر-.. وزيلينسكي يُح ...
- قبيل زيارة شي جينبيغ.. غارة أوكرانية على موسكو تجبر مطارات ا ...
- انفجارات متعددة تهز بورتسودان مجددًا.. شاهد آثارها
- الأول منذ شهور.. شاهد الأهداف التي هاجمتها إسرائيل للحوثيين ...
- الجيش الأمريكي يعلق رحلات مروحياته إلى -البنتاغون- تحسبا من ...
- ماذا نعرف عن سجن ألكاتراز الذي أمر ترامب بإعادة فتحه؟
- موسكو تشدد الإجراءات قبل يوم النصر... هل تخاطر أوكرانيا بهجو ...
- -تطبيق إسرائيلي- وراء فضيحة التسريبات وإقالة والتز
- ناشيونال انترست: واشنطن تبدي اهتماما كبيرا بالمعادن الأرضية ...
- إسبانيا.. تطوير جيل جديد من السفن الحربية


المزيد.....

- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِيَّةِ وَالدِّرَاسَةِ الْعِلْمِيَّةِ الْحَدِيثَةِ دِرَاسَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ وَلُغَوِيَّةٌ