|
الفعلُ الإبداعيّ بينَ الجَمالِ والحَقِّ والخَيْرِ دراسةٌ فلسفيةٌ في الاستطيقا وأشكال التجلّي الإبداعيّ
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 14:47
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
المُقَدِّمَة يُعَدُّ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ أَرْقَى أَشْكَالِ التَّجَلِّي الإِنْسَانِيِّ، لِأَنَّهُ يَسْتَنِدُ إِلَى طَاقَةٍ خَلَّاقَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى إِعَادَةِ تَشْكِيلِ العَالَمِ وَقِرَاءَتِهِ بِمَنْظُورٍ مُتَفَرِّدٍ يُوَازِنُ بَيْنَ الحَقِّ وَالخَيْرِ وَالجَمَالِ. فَالإِبْدَاعُ لَا يَنْفَصِلُ عَنِ الحُرِّيَّةِ، بَلْ هُوَ وَلِيدُهَا الطَّبِيعِيُّ، كَمَا أَنَّ كُلَّ إِبْدَاعٍ صَادِقٍ يُعِيدُ تَعْرِيفَ الحَيَاةِ وَيُضِيفُ إِلَى بِنَائِهَا بُعْدًا أَعْمَقَ وَأَصْفَى. فِي هَذَا البَحْثِ نَنْطَلِقُ مِنْ رُؤْيَةِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، لِنُعِيدَ النَّظَرَ فِي الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ كَقُوَّةٍ وُجُودِيَّةٍ وَمَفْتَاحٍ لِكُلِّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُؤَسِّسَ لِحَيَاةٍ أَكْثَرَ حُرِّيَّةً وَعَدَالَةً وَجَمَالًا. وَنُرَكِّزُ خُصُوصًا عَلَى العَلَاقَةِ بَيْنَ الإِبْدَاعِ وَالحُرِّيَّةِ، حَيْثُ نَسْتَعْرِضُ قِرَاءَةً فَلْسَفِيَّةً تَأْرِيخِيَّةً لِمَفْهُومِ الحُرِّيَّةِ وَالفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ مُنْطَلِقِينَ مِنْ حَضَارَاتِ بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَمِصْرَ القَدِيمَةِ، وَمُرُورًا بِاليُونَانِ وَفَلْسَفَةِ أَفْلَاطُونَ وَأَرِسْطُو، وَحَتَّى فَلْسَفَةِ سَارْتِرْ وَمَا بَعْدَهُ مِنْ تِيَارَاتٍ تَفْكِيكِيَّةٍ وَمَا بَعْدَ حَدَاثِيَّةٍ. يَسْعَى هَذَا البَحْثُ إِلَى رَسْمِ خَرِيطَةٍ فَلْسَفِيَّةٍ مُتَكَامِلَةٍ لِلْفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ وَأَبْعَادِهِ الجَمَالِيَّةِ وَالأَنْطُولُوجِيَّةِ، مَعَ تَسْلِيطِ الضَّوْءِ عَلَى دَوْرِ الإِبْدَاعِ كَقُوَّةٍ مُقَاوِمَةٍ لِلتَّقْلِيدِ وَمُؤَسِّسَةٍ لِنَهْضَةٍ حَضَارِيَّةٍ تُعِيدُ لِلْحَيَاةِ أَلَقَهَا الجَمَالِيَّ وَالمَعْنَوِيَّ. وَيُعَدُّ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ أَرْقَى صُوَرِ الفِعْلِ الإِنْسَانِيِّ وَأَعْلَاهَا قِيمَةً، إِذْ يَحْمِلُ فِي طَيَّاتِهِ القُدْرَةَ عَلَى تَحْوِيلِ الوَاقِعِ وَإِعَادَةِ صِيَاغَةِ المَعْنَى عَبْرَ انْبِثَاقٍ جَدِيدٍ لِلْوُجُودِ. وَإِذَا كَانَتْ مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ تَنْظُرُ إِلَى الإِبْدَاعِ بِاعْتِبَارِهِ وِلَادَةً دَائِمَةً لِلْمَعْنَى وَانْفِتَاحًا لَا يَنْقَطِعُ عَلَى آفَاقِ الحُرِّيَّةِ وَالجَمَالِ، فَإِنَّ هَذِهِ الرُّؤْيَةَ لَا يُمْكِنُ فَصْلُهَا عَنِ القِيَمِ العُلْيَا الَّتِي شَكَّلَتْ عَبْرَ التَّارِيخِ مِحْوَرًا لِكُلِّ تَأَمُّلٍ فَلْسَفِيٍّ عَمِيقٍ، وَهِيَ قِيَمُ الحَقِّ وَالخَيْرِ وَالجَمَالِ. فَمُنْذُ فَجْرِ الحَضَارَاتِ الأُولَى فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، حَيْثُ ظَهَرَتْ أُسُسُ التَّشْرِيعِ وَالأُسْطُورَةِ وَالفَنِّ كَتَعْبِيرٍ عَنِ الرُّوحِ الإِنْسَانِيَّةِ البَاحِثَةِ عَنِ المَعْنَى، وَصُولًا إِلَى مِصْرَ القَدِيمَةِ الَّتِي رَبَطَتْ بَيْنَ مَفْهُومِ النِّظَامِ الكَوْنِيِّ (مَاعَتْ) وَبَيْنَ الإِبْدَاعِ كَفِعْلٍ يُوَازِنُ بَيْنَ العَقْلِ وَالرُّوحِ، كَانَ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ حَاضِرًا بِوَصْفِهِ أَدَاةً لاكْتِشَافِ الذَّاتِ وَالكَوْنِ مَعًا. وَمَعَ الفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ، بَلَغَ الإِبْدَاعُ ذِرْوَةً جَدِيدَةً، إِذْ تَمَاهَى مَعَ مَفَاهِيمِ الحُرِّيَّةِ وَالجَمَالِ وَالحَقِّ. فَاعْتَبَرَ أَفْلَاطُونُ أَنَّ الإِبْدَاعَ لَا يَنْفَصِلُ عَنْ عَالَمِ المُثُلِ، فِي حِينِ رَأَى أَرِسْطُو أَنَّهُ نَتَاجُ مُحَاكَاةِ الطَّبِيعَةِ وَالبَحْثِ عَنِ الغَايَةِ الكَامِنَةِ فِي كُلِّ فِعْلٍ إِنْسَانِيٍّ. أَمَّا الرُّومَانُ فَقَدْ أَعَادُوا صِيَاغَةَ الحُرِّيَّةِ وَالإِبْدَاعِ ضِمْنَ رُؤْيَةٍ عَمَلِيَّةٍ تَرْبِطُ بَيْنَ الفِعْلِ الجَمَالِيِّ وَالفِعْلِ السِّيَاسِيِّ وَالاِجْتِمَاعِيِّ. وَفِي العُصُورِ الوُسْطَى، اخْتُزِلَ الإِبْدَاعُ فِي إِطَارٍ لَاهُوتِيٍّ، ثُمَّ عَادَ لِيَتَحَرَّرَ مَعَ عَصْرِ النَّهْضَةِ لِيُصْبِحَ رَمْزًا لِإِرَادَةِ الإِنْسَانِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى التَّحَرُّرِ مِنْ سُلْطَةِ التَّقْلِيدِ وَالجُمُودِ. وَجَاءَ العَصْرُ الحَدِيثُ لِيُعِيدَ تَعْرِيفَ الحُرِّيَّةِ بِوَصْفِهَا أَسَاسَ الوَعْيِ الذَّاتِيِّ وَمِسَاحَةَ وِلَادَةِ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ، فَكَانَ لِلْفَلَاسِفَةِ مِثْلِ كَانْطْ وَهِيجِلْ وَهَايْدِغَرْ دَوْرٌ مَحْوَرِيٌّ فِي إِعَادَةِ صِيَاغَةِ العَلَاقَةِ بَيْنَ الحُرِّيَّةِ وَالوُجُودِ وَالإِبْدَاعِ. وَمَعَ الوُجُودِيَّةِ الَّتِي مَثَّلَهَا سَارْتِرْ، صَارَ الإِبْدَاعُ فِعْلًا تَحَرُّرِيًّا أَصِيلًا، إِذْ يَرَى أَنَّ الإِنْسَانَ مَحْكُومٌ بِالحُرِّيَّةِ وَأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ خَلَّاقٍ هُوَ تَحَدٍّ لِلْعَدَمِ وَإِثْبَاتٌ لِلْوُجُودِ. وَفِي مَا بَعْدَ سَارْتِرْ، دَخَلَ الإِبْدَاعُ طَوْرًا جَدِيدًا مَعَ الفَلْسَفَاتِ المُعَاصِرَةِ الَّتِي بَاتَتْ تَرَى فِي الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ قُوَّةً مُقَاوِمَةً لِهَيْمَنَةِ التِّقْنِيَّةِ وَتَشْيِيءِ الإِنْسَانِ، مُؤَكِّدَةً أَنَّ الإِبْدَاعَ لَيْسَ مُجَرَّدَ إِنْتَاجٍ فَنِّيٍّ أَوْ فِكْرِيٍّ، بَلْ هُوَ فِعْلٌ وُجُودِيٌّ يُعِيدُ لِلْإِنْسَانِ حُرِّيَّتَهُ وَمَعْنَاهُ. مِنْ هُنَا، يَنْطَلِقُ هَذَا البَحْثُ لِيُفَكِّكَ مَفْهُومَ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ وَيُعِيدَ رَبْطَهُ بِالحُرِّيَّةِ وَبِقِيَمِ الحَقِّ وَالخَيْرِ وَالجَمَالِ، مُسْتَنِدًا إِلَى قِرَاءَةٍ فَلْسَفِيَّةٍ شَامِلَةٍ تَمْتَدُّ مِنَ الحَضَارَاتِ الشَّرْقِيَّةِ القَدِيمَةِ حَتَّى الفِكْرِ المُعَاصِرِ، وَفْقَ رُؤْيَةِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ الَّتِي تُؤْمِنُ بِأَنَّ الإِبْدَاعَ هُوَ الحَيَاةُ نَفْسُهَا مَتَى مَا الْتَقَتْ بِالحُرِّيَّةِ لِتَصِيرَ أُفُقًا مَفْتُوحًا عَلَى التَّجَدُّدِ الدَّائِمِ. الأهْدَافُ العَامَّةُ لِلْبَحْثِ يَسْعَى هَذَا البَحْثُ إِلَى تَحْقِيقِ جُمْلَةٍ مِنَ الأَهْدَافِ الرَّئِيسَةِ الَّتِي تُشَكِّلُ مِحْوَرًا لِفَهْمِ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ وَأَبْعَادِهِ الفَلْسَفِيَّةِ وَالجَمَالِيَّةِ، وَهِيَ: أَوَّلًا: تَفْكِيكُ المَفْهُومِ الفَلْسَفِيِّ وَالجَمَالِيِّ لِلْفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ، بِحَيْثُ نُقَدِّمُ تَحْلِيلًا مُتَعَمِّقًا لِمُكَوِّنَاتِهِ الأَنْطُولُوجِيَّةِ وَالبِنْيَوِيَّةِ، وَنُحَاوِلُ إِعَادَةَ رَبْطِهِ بِرُوحِ الحُرِّيَّةِ وَالقِيَمِ العُلْيَا. ثَانِيًا: بَيَانُ العَلَاقَةِ بَيْنَ الإِبْدَاعِ وَالقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ العُلْيَا (الخَيْرِ – الحَقِّ – الجَمَالِ)، وَكَيْفَ يَكُونُ الإِبْدَاعُ أَدَاةً لِإِعَادَةِ إِنْتَاجِ هَذِهِ القِيَمِ وَتَجْدِيدِهَا فِي كُلِّ عَصْرٍ. ثَالِثًا: وَضْعُ إِطَارٍ نَظَرِيٍّ يُعِيدُ رَبْطَ الإِبْدَاعِ بِعِلْمِ الاسْطِيقَا، لا بِوَصْفِهَا فَلْسَفَةً لِلْجَمَالِ فَقَطْ، بَلْ كَفَلْسَفَةٍ لِلْحَيَاةِ وَوُجُودِ الإِنْسَانِ. رَابِعًا: تَقْدِيمُ قِرَاءَةٍ مُقَارَنَةٍ بَيْنَ المَفَاهِيمِ الغَرْبِيَّةِ وَالشَّرْقِيَّةِ لِلْإِبْدَاعِ، لِكَشْفِ مَوَاطِنِ الاِخْتِلَافِ وَالتَّمَايُزِ، وَفَهْمِ كَيْفَ تَطَوَّرَتْ هَذِهِ الرُّؤَى فِي كُلٍّ مِنْهُمَا. المَنَاهِجُ وَمَسَاحَاتُ اسْتِخْدَامِهَا اعْتَمَدَنا في هَذَا البَحْثُ مَجْمُوعَةً مِنَ المَنَاهِجِ الفَلْسَفِيَّةِ وَالنَّقْدِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ، وَذَلِكَ لِضَمَانِ تَحْلِيلٍ مُتَعَدِّدِ الأَبْعَادِ يَتَنَاسَبُ مَعَ تَعْقِيدِ المَوْضُوعِ وَتَرَاكُبِهِ، وَهِيَ: 1. المَنْهَجُ الفَلْسَفِيُّ التَّحْلِيلِيُّ: اُسْتُخْدِمَ فِي البَابِ الأَوَّلِ وَفِي الفُصُولِ الَّتِي تَتَحَدَّثُ عَنْ مَاهِيَّةِ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ، حَيْثُ يَعْمَلُ هَذَا المَنْهَجُ عَلَى تَفْكِيكِ المَفَاهِيمِ الكُبْرَى (الإِبْدَاعُ، الجَمَالُ، الحَقُّ، الخَيْرُ) وَتَحْلِيلِهَا لُغَوِيًّا وَمَعْنَوِيًّا لِبِنَاءِ أُسُسٍ مَتِينَةٍ لِلْبَحْثِ. 2. المَنْهَجُ المُقَارَنُ: جَاءَ دَوْرُهُ فِي البَابِ الثَّانِي عِنْدَ مُقَارَنَةِ الرُّؤَى الغَرْبِيَّةِ وَالشَّرْقِيَّةِ لِلْإِبْدَاعِ، وَفِي الفُصُولِ المُخْتَصَّةِ بِالْقِيَمِ الثَّلَاثِ (الحَقِّ وَالخَيْرِ وَالجَمَالِ)، لِبَيَانِ تَشَابُهَاتِهَا وَاخْتِلَافَاتِهَا مَعَ مَا جَاءَ فِي فَلْسَفَاتِ الحَضَارَاتِ القَدِيمَةِ وَالفِكْرِ الحَدِيثِ. 3. المَنْهَجُ التَّارِيخِيُّ: اُسْتُخْدِمَ بِشَكْلٍ وَاضِحٍ فِي البَابِ الثَّالِثِ وَفِي جَمِيعِ الفُصُولِ الَّتِي تَتَبَّعْنَا فِيهَا تَطَوُّرَ مَفْهُومِ الحُرِّيَّةِ وَالإِبْدَاعِ مِنْ بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَمِصْرَ القَدِيمَةِ، ثُمَّ الفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ، ثُمَّ العُصُورِ الوُسْطَى، وَحَتَّى الفِكْرِ الوُجُودِيِّ وَمَا بَعْدَ الحَدَاثَةِ. 4. المَنْهَجُ النَّقْدِيُّ: ظَهَرَ دَوْرُهُ فِي البَابِ السَّابِعِ الَّذِي تَنَاوَلَ التَّحَدِّيَاتِ المُعَاصِرَةَ أَمَامَ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ، كَتَسْلِيعِ الجَمَالِ وَظَاهِرَةِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ، وَيَسْتَخْدِمُ هَذَا المَنْهَجُ لُغَةَ التَّفْكِيكِ وَالنَّقْدِ لِفَهْمِ كَيْفَ يُمْكِنُ حِمَايَةُ جَوْهَرِ الإِبْدَاعِ مِنْ أَيِّ تَشْوِيهٍ أَوْ تَفْرِيغٍ لِقِيمِهِ الإِنْسَانِيَّةِ.
الفَصْلُ التَّمْهِيدِي الإِبْدَاعُ وَالحُرِّيَّةُ – قِرَاءَةٌ فَلْسَفِيَّةٌ تَارِيخِيَّةٌ يُمثِّلُ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ وَالحُرِّيَّةُ وَجْهَيْ عُمْلَةٍ وَاحِدَةٍ، فَلَا إِبْدَاعَ يَتَجَسَّدُ فِي العَالَمِ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يُتِيحُ الفَاعِلُ لِنَفْسِهِ مَجَالًا حُرًّا لِلتَّعْبِيرِ وَالِاخْتِرَاعِ وَإِعَادَةِ التَّشْكِيلِ. وَإِنَّ دِرَاسَةَ مَفْهُومِ الحُرِّيَّةِ فِي التَّارِيخِ الفَلْسَفِيِّ هِيَ فِي وَقْتٍ ذَاتِهِ دِرَاسَةٌ لِطُرُقِ تَجَلِّي الإِبْدَاعِ وَمَدَى انْبِثَاقِهِ فِي حَيَاةِ الإِنْسَانِ. أَوَّلًا: الحُرِّيَّةُ وَالإِبْدَاعُ فِي الحَضَارَاتِ القَدِيمَةِ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، بَدَتْ الحُرِّيَّةُ فِعْلًا يَتَرَاوَحُ بَيْنَ مَجَالِ القَدَرِ الإِلَهِيِّ وَقُدْرَةِ الإِنْسَانِ عَلَى تَشْكِيلِ حَيَاتِهِ. وَالإِبْدَاعُ فِي مَلَاحِمِ جِلْجَامِشْ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ صُنْعٍ أَدَبِيٍّ، بَلْ كَانَ فِعْلًا كَشَفَ عَنِ القُدْرَةِ عَلَى التَّغَلُّبِ عَلَى مَخَاوِفِ المَوْتِ وَإِعَادَةِ قِرَاءَةِ الحَيَاةِ وَالبَقَاءِ. فَالْبَطَلُ الَّذِي يُحَاوِلُ أَنْ يَسْتَحْدِثَ مَعْنًى جَدِيدًا لِوُجُودِهِ هُوَ فَاعِلٌ إِبْدَاعِيٌّ بِمَعْنًى أَنْطُولُوجِيٍّ، وَهَذَا الفِعْلُ كَانَ دَائِمًا مُقْتَرِنًا بِقَدْرٍ مِنَ الحُرِّيَّةِ الذِّهْنِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ. أَمَّا فِي مِصْرَ القَدِيمَةِ، فَقَدِ ارْتَبَطَ مَفْهُومُ الحُرِّيَّةِ بِالنِّظَامِ الكَوْنِيِّ (مَاعَتْ) الَّذِي يُجَسِّدُ الحَقَّ وَالعَدَالَةَ وَالتَّنَاغُمَ الكَوْنِيَّ. كَانَ الإِبْدَاعُ، وَسِيَّمَا فِي الفُنُونِ وَالمِعْمَارِ وَالأُسْطُورَةِ، تَجَلِّيًا لِهَذِهِ الرُّؤْيَةِ الكَوْنِيَّةِ، وَكَانَتِ الحُرِّيَّةُ تُفْهَمُ هُنَا بِمَعْنَى الاِنْسِجَامِ مَعَ مَسَارِ القَدَرِ وَالحِفَاظِ عَلَى التَّوَازُنِ الأَخْلَاقِيِّ وَالكَوْنِيِّ. ثَانِيًا: الحُرِّيَّةُ وَالإِبْدَاعُ فِي الفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ جَاءَتْ الفَلْسَفَةُ اليُونَانِيَّةُ لِتُحَوِّلَ الحُرِّيَّةَ إِلَى فِكْرَةٍ عَقْلَانِيَّةٍ مُرْتَبِطَةٍ بِالإِرَادَةِ وَالمَعْرِفَةِ. فَأَفْلَاطُونُ رَأَى أَنَّ الإِبْدَاعَ هُوَ عَمَلِيَّةُ مُشَاهَدَةٍ لِجَمَالِ المُثُلِ وَالتَّعَبِيرِ عَنْهَا فِي العَالَمِ الحِسِّيِّ، وَأَنَّ الحُرِّيَّةَ الحَقِيقِيَّةَ هِيَ التَّحَرُّرُ مِنْ سُلْطَةِ الشَّهَوَاتِ وَالعَالَمِ الحِسِّيِّ لِبُلُوغِ العَقْلِ الخَالِصِ. بَيْنَمَا أَرِسْطُو قَدَّمَ رُؤْيَةً أَكْثَرَ وَاقِعِيَّةً، فَرَأَى أَنَّ الإِبْدَاعَ يَنْبَثِقُ مِنَ التَّمَكُّنِ مِمَّا يُسَمِّيه "التِّكْنِيه"، أَيْ فَنِّ الفِعْلِ الَّذِي يَتَوَافَقُ مَعَ الطَّبِيعَةِ وَيُحَقِّقُ الغَايَاتِ الجَمَالِيَّةَ وَالأَخْلَاقِيَّةَ مَعًا. ثَالِثًا: العُصُورُ الوُسْطَى وَتَجَاذُبُ الحُرِّيَّةِ وَالإِبْدَاعِ فِي العُصُورِ الوُسْطَى خَضَعَتِ الحُرِّيَّةُ لِسُلْطَةِ الدِّينِ وَاللَّاهُوتِ، وَصَارَ الإِبْدَاعُ مُقَيَّدًا بِقَوَاعِدِ العَقِيدَةِ وَالتَّقَالِيدِ الكَنَسِيَّةِ. وَمَعَ ذَلِكَ، لَمْ يَغِبِ البُعْدُ الإِبْدَاعِيُّ عَنْ الفُنُونِ وَالمَعَارِفِ، بَلْ تَمَثَّلَ فِي صِيَغٍ رُوحِيَّةٍ وَمِعْمَارِيَّةٍ تَعْكِسُ أَنْوَاعًا مُخْتَلِفَةً مِنَ الحُرِّيَّةِ الدَّاخِلِيَّةِ. رَابِعًا: النَّهْضَةُ وَالعَصْرُ الحَدِيثُ مَعَ عَصْرِ النَّهْضَةِ اسْتَعَادَتِ الحُرِّيَّةُ مَكَانَتَهَا كَمَصْدَرٍ أَسَاسِيٍّ لِلإِبْدَاعِ، وَتَحَوَّلَ الفَنُّ وَالعِلْمُ وَالأَدَبُ إِلَى مَجَالَاتٍ تَسْتَكْشِفُ الإِنْسَانَ وَتُعِيدُ تَشْكِيلَ وَعْيِهِ. ثُمَّ جَاءَ العَصْرُ الحَدِيثُ لِيُؤَكِّدَ عَلَى الحُرِّيَّةِ كَحَالَةٍ وُجُودِيَّةٍ، وَخُصُوصًا فِي أَعْمَالِ فَلَاسِفَةٍ مِثْلِ كَانْطْ الَّذِي رَبَطَ بَيْنَ الحُرِّيَّةِ وَالإِرَادَةِ العَاقِلَةِ، وَهِيجِلْ الَّذِي رَأَى الحُرِّيَّةَ جَوْهَرًا لِلتَّطَوُّرِ التَّارِيخِيِّ. خَامِسًا: الوُجُودِيَّةُ وَمَا بَعْدَهَا مَعَ الوُجُودِيَّةِ وَفِي طَلِيعَتِهَا سَارْتِرْ، صَارَتِ الحُرِّيَّةُ هِيَ القَدَرَ الإِنْسَانِيَّ الأَوَّلَ، وَصَارَ الإِبْدَاعُ فِعْلًا يُحَارِبُ العَدَمَ وَيُؤَكِّدُ المَعْنَى. يَرَى سَارْتِرْ أَنَّ الإِنْسَانَ مَحْكُومٌ بِالحُرِّيَّةِ، وَأَنَّ كُلَّ مَا يَخْلُقُهُ مِنْ أَفْعَالٍ أَوْ أَفْكَارٍ هُوَ وُجُودِيًّا نَتِيجَةٌ لاخْتِيَارٍ حُرٍّ. وَفِي الفَلْسَفَاتِ المُعَاصِرَةِ بَعْدَ سَارْتِرْ، يَتَأَكَّدُ مَفْهُومُ الإِبْدَاعِ كَفِعْلٍ مُقَاوِمٍ لِلتِّقْنِيَةِ وَسُلْطَةِ الاِسْتِهْلَاكِ، وَكَمَجَالٍ يَسْتَرِدُّ فِيهِ الإِنْسَانُ حُرِّيَّتَهُ.
الفَصْلُ الأَوَّلُ مَاهِيَّةُ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ – دِرَاسَةٌ أَنْطُولُوجِيَّةٌ وَجَمَالِيَّةٌ يُعَدُّ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ أَحَدَ أَعْمَقِ الأَفْعَالِ الإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي تَكْشِفُ عَنْ طَاقَةٍ دَاخِلِيَّةٍ تَتَجَاوَزُ الحَدَّ العَادِيَّ فِي فَهْمِ العَالَمِ وَإِعَادَةِ صِيَاغَتِهِ. وَعِنْدَ التَّمَعُّنِ فِي أَنْطُولُوجِيَّةِ الإِبْدَاعِ نَجِدُ أَنَّهُ لَيْسَ مُجَرَّدَ عَمَلِيَّةٍ لِإِنْتَاجِ الجَدِيدِ أَوْ المُخْتَلِفِ، بَلْ هُوَ قُدْرَةٌ أَنْطُولُوجِيَّةٌ تَنْبَثِقُ مِنْ صَلْبِ الكِيَانِ الإِنْسَانِيِّ لِتُؤَكِّدَ حُضُورَهُ فِي العَالَمِ وَفِي التَّارِيخِ. مَفْهُومُ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ لِكَيْ نَفْهَمَ الفِعْلَ الإِبْدَاعِيَّ فَهْمًا دَقِيقًا، يَجِبُ أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَهُ كَـ"حَرَكَةِ كَشْفٍ" وَ"وِلَادَةٍ جَدِيدَةٍ". فَالإِبْدَاعُ هُوَ مَجَالُ اكْتِشَافِ مَا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا، أَوْ مَا كَانَ كَامِنًا فِي أَعْمَاقِ الوُجُودِ وَالعَقْلِ. هَذَا التَّعْرِيفُ لَيْسَ فَنِّيًّا فَقَطْ، بَلْ يَحْمِلُ بُعْدًا فَلْسَفِيًّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الإِبْدَاعَ يُعْطِي لِلْحَيَاةِ شَكْلَهَا وَمَعْنَاهَا. الفَرْقُ بَيْنَ الإِبْدَاعِ وَالاِبْتِكَارِ يَخْتَلِفُ الإِبْدَاعُ عَنِ الاِبْتِكَارِ فِي جَوْهَرِهِ، فَالاِبْتِكَارُ قَدْ يَعْنِي إِضَافَةَ عُنْصُرٍ جَدِيدٍ عَلَى مَوْجُودٍ سَابِقٍ، بَيْنَمَا الإِبْدَاعُ يَعْنِي تَخْلِيقَ شَكْلٍ جَدِيدٍ أَوْ صُورَةٍ مَغَايِرَةٍ لِلْعَالَمِ. فَالإِبْدَاعُ أَعْمَقُ وَأَبْعَدُ مِنْ حُدُودِ التَّقْنِيَةِ وَالاِخْتِرَاعِ، إِذْ يَتَصِلُ بِرُؤْيَةٍ كَوْنِيَّةٍ وَقِيمِيَّةٍ تُحَاوِلُ أَنْ تُحَقِّقَ الحَقَّ وَالخَيْرَ وَالجَمَالَ فِي آنٍ وَاحِدٍ. البُعْدُ الأَنْطُولُوجِيُّ لِلْفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ يَنْطَلِقُ البُعْدُ الأَنْطُولُوجِيُّ مِنْ فِكْرَةِ أَنَّ الإِبْدَاعَ هُوَ فِعْلُ الكَوْنِ ذَاتِهِ فِي أَرْوَاحِنَا، وَأَنَّ الإِنْسَانَ يَكُونُ حَقِيقَةً كُلَّمَا أَنْجَزَ فِعْلًا يُبْرِزُ وُجُودَهُ وَحُرِّيَّتَهُ. وَبِهَذَا يَكُونُ الإِبْدَاعُ حَالَةَ تَحَقُّقٍ وَوَعْيٍ أَنْطُولُوجِيٍّ، حَيْثُ يَتَّحِدُ الإِنْسَانُ بِالحَقِيقَةِ وَالجَمَالِ مِنْ خِلَالِ فِعْلٍ خَلَّاقٍ يُجَاوِزُ التَّقْلِيدَ وَالرُّكُودَ. البُعْدُ الجَمَالِيُّ لِلْفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ فِي مَجَالِ الجَمَالِيَّاتِ، يُعْتَبَرُ الإِبْدَاعُ هُوَ القُدْرَةُ عَلَى إِحْدَاثِ التَّنَاغُمِ بَيْنَ الفِكْرِ وَالحِسِّ وَالعَاطِفَةِ. وَهُوَ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ كَانْطْ حِينَ رَأَى أَنَّ الإِبْدَاعَ هُوَ الفِعْلُ الَّذِي يَسْتَجِيبُ لِمَقَايِيسِ الجَمَالِ العَقْلِيِّ وَيُثِيرُ مَشَاعِرَ الدَّهْشَةِ وَالإِعْجَابِ. وَفِي نَظَرِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، يَكُونُ الإِبْدَاعُ وَسِيلَةً لِكِشْفِ الجَمَالِ الكَامِنِ فِي أَعْمَاقِ الحَيَاةِ، وَتَحْوِيلِ المُعَانَاةِ إِلَى عَمَلٍ فَنِّيٍّ أَوْ فِكْرِيٍّ يَحْمِلُ الحَقَّ وَالخَيْرَ مَعًا. الإِبْدَاعُ كَوَسِيلَةٍ لِلتَّحَرُّرِ يَرْتَبِطُ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ بِالحُرِّيَّةِ ارْتِبَاطًا وَثِيقًا، فَلَا إِبْدَاعَ فِي ظِلِّ القُيُودِ المُطْلَقَةِ أَوْ التَّبَعِيَّةِ الكَامِلَةِ. كُلُّ فِعْلٍ إِبْدَاعِيٍّ هُوَ بِذَاتِهِ ثَوْرَةٌ عَلَى النَّمَطِ وَقَدْرَةٌ عَلَى اِخْتِرَاعِ شَكْلٍ آخَرَ مِنَ الوُجُودِ. وَهَذَا مَا تَرَى مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ أَنَّهُ أَسَاسُ الإِبْدَاعِ الحَقِيقِيِّ: الحُرِّيَّةُ كَأُفُقٍ وَرُؤْيَا تَحْرُرِيَّةٍ تُفْضِي إِلَى مَعَانٍ جَدِيدَةٍ وَإِلَى جَمَالٍ مُتَجَدِّدٍ. الفَصْلُ الثَّانِي القِيَمُ الثَّلَاثُ الكُبْرَى: الخَيْرُ، الحَقُّ، الجَمَالُ – وَعَلَاقَتُهَا بِالفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ تُعَدُّ القِيَمُ الثَّلَاثُ الكُبْرَى، أَيْ الخَيْرُ وَالحَقُّ وَالجَمَالُ، أُسُسًا أَنْطُولُوجِيَّةً وَأَخْلَاقِيَّةً وَجَمَالِيَّةً تَتَرَابَطُ تَرَابُطًا عَمِيقًا بِالفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ. فَكُلُّ إِبْدَاعٍ حَقِيقِيٍّ هُوَ سَعْيٌ لِتَجْسِيدِ الحَقِّ فِي مَعْنَاهُ الكَشْفِيِّ، وَلِتَحْقِيقِ الخَيْرِ فِي بُعْدِهِ الإِنْسَانِيِّ، وَلِتَفْجِيرِ الجَمَالِ كَحَقِيقَةٍ تُثِيرُ الدَّهْشَةَ وَتُجَدِّدُ وَعْيَ الوُجُودِ. أَوَّلًا: الخَيْرُ كَرُؤْيَا إِنْسَانِيَّةٍ الخَيْرُ لَيْسَ مَفْهُومًا أَخْلَاقِيًّا مُجَرَّدًا، بَلْ هُوَ بُعْدٌ جَمَالِيٌّ وَإِنْسَانِيٌّ فِي الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ. فَكُلُّ عَمَلٍ فَنِّيٍّ أَوْ فِكْرِيٍّ يَسْعَى إِلَى تَجْدِيدِ الحَيَاةِ وَتَرْقِيَةِ الإِنْسَانِ يَحْمِلُ ضِمْنًا قِيمَةَ الخَيْرِ. وَقَدْ أَشَارَ أَرِسْطُو إِلَى أَنَّ الفَنَّ وَالأَدَبَ يُسَاهِمَانِ فِي تَهْذِيبِ النُّفُوسِ وَتَرْقِيَةِ الأَخْلَاقِ. ثَانِيًا: الحَقُّ كَمَجَالٍ لِلكَشْفِ الحَقُّ فِي الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ لَيْسَ مُجَرَّدَ مُطَابَقَةٍ بَيْنَ الفِكْرِ وَالوَاقِعِ، بَلْ هُوَ انْبِعَاثٌ لِلْمَعْنَى وَاكْتِشَافٌ لِمَا كَانَ غَامِضًا أَوْ مَسْتُورًا. وَالفَنُّ وَالفِلْسَفَةُ يَشْتَرِكَانِ فِي هَذَا الدَّوْرِ الكَشْفِيِّ، حَيْثُ يَكُونُ الإِبْدَاعُ طَرِيقًا لِرُؤْيَةِ مَا وَرَاءَ المَظَاهِرِ. ثَالِثًا: الجَمَالُ كَحَقِيقَةٍ كَاشِفَةٍ الجَمَالُ هُوَ الثَّمَرَةُ الأَكْبَرُ لِلْفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ، وَهُوَ المَجَالُ الَّذِي فِيهِ يَتَّحِدُ الإِنْسَانُ مَعَ عُمقِ الوُجُودِ. فَكَانْطْ يَرَى أَنَّ الجَمَالَ يُؤَسِّسُ حَالَةً مِنَ التَّأَمُّلِ الحُرِّ الَّذِي يُحَرِّكُ الإِحْسَاسَ وَالعَقْلَ مَعًا. وَهُوَ فِي رُؤْيَةِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ نَتِيجَةُ حُرِّيَّةٍ دَاخِلِيَّةٍ تَكْشِفُ عَنْ وُجُودٍ أَكْثَرَ قُرْبًا مِنَ الحَقِّ وَالخَيْرِ. رَابِعًا: الإِبْدَاعُ كَمَجَالٍ وَاحِدٍ لِهَذِهِ القِيَمِ لَا يُمْكِنُ فَصْلُ الخَيْرِ عَنِ الحَقِّ أَوِ الجَمَالِ فِي الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ، فَكُلُّ عَمَلٍ خَلَّاقٍ يَتَحَقَّقُ عِنْدَمَا تَتَوَحَّدُ هَذِهِ القِيَمُ فِي صُورَةٍ مُتَنَاغِمَةٍ تُحَقِّقُ الأَثَرَ النَّفْسِيَّ وَالفِكْرِيَّ وَالرُّوحِيَّ مَعًا. الخَاتِمَةُ يُمكِنُ القَوْلُ إِنَّ الخَيْرَ وَالحَقَّ وَالجَمَالَ هِيَ أَعْمِدَةُ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ، وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لأَيِّ إِبْدَاعٍ أَنْ يُعَدَّ حَقِيقِيًّا إِلَّا إِذَا كَانَ مُتَجَذِّرًا فِي هَذِهِ القِيَمِ الثَّلَاثِ. فَبِالجَمَالِ يُثِيرُ الإِبْدَاعُ الدَّهْشَةَ وَالتَّأَمُّلَ، وَبِالحَقِّ يُنِيرُ طَرِيقَ المَعْرِفَةِ وَالكَشْفِ، وَبِالخَيْرِ يُسَاهِمُ فِي تَجْدِيدِ الحَيَاةِ وَتَرْقِيَةِ الإِنْسَانِ. وَفِي مَنْهَجِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، تَظْهَرُ هَذِهِ القِيَمُ كَوِحْدَةٍ حَيَّةٍ تُحَقِّقُ الحُرِّيَّةَ وَتَفْتَحُ آفَاقَ التَّجَدُّدِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ. الفَصْلُ الثَّالِثُ الإِبْدَاعُ وَعِلْمُ الاسْطِيقَا – الجَمَالُ كَتَعْبِيرٍ عَنِ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ يُمَثِّلُ عِلْمُ الاسْطِيقَا، أَوْ فَلْسَفَةُ الجَمَالِ، الإِطَارَ الفَلْسَفِيَّ الَّذِي فِيهِ يَتَجَلَّى الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ كَقُدْرَةٍ عَلَى إِحْدَاثِ الجَمَالِ وَتَحْوِيلِ المَوَادِّ العَادِيَّةِ أَوِ الأَفْكَارِ البَسِيطَةِ إِلَى أَشْكَالٍ تُثِيرُ الدَّهْشَةَ وَالتَّأَمُّلَ. فَالإِبْدَاعُ هُنَا لَا يُنْظَرُ إِلَيْهِ كَفِعْلٍ مَعْزُولٍ، بَلْ كَتَجَلٍّ جَمَالِيٍّ يُحَاوِلُ أَنْ يُوَحِّدَ بَيْنَ الحِسِّ وَالعَقْلِ وَالعَاطِفَةِ فِي صُورَةٍ مُتَنَاغِمَةٍ. أَوَّلًا: الجَمَالُ كَفِعْلٍ إِبْدَاعِيٍّ يَرَى كَانْطْ أَنَّ الجَمَالَ هُوَ "مَا يُسَرُّ بِهِ دُونَ مَنْفَعَةٍ"، أَيْ أَنَّهُ تَجْرِبَةٌ حُرَّةٌ تَجْعَلُ الإِنْسَانَ يَشْعُرُ بِلَذَّةِ التَّأَمُّلِ وَالإِدْرَاكِ. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ، يَتَجَسَّدُ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ كَقُدْرَةٍ عَلَى التَّحَرُّرِ مِنْ النَّفْعِيَّةِ وَالإِنْتَاجِيَّةِ المُحْضَةِ، وَالدُّخُولِ فِي مَجَالِ "اللَّذَّةِ الجَمَالِيَّةِ" الَّتِي تُعِيدُ شَحْذَ وَعْيِ الإِنْسَانِ. ثَانِيًا: الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ وَالمَعْنَى الجَمَالِيُّ فِي كُلِّ عَمَلٍ إِبْدَاعِيٍّ يُعِيدُ المُبْدِعُ تَشْكِيلَ المَعْنَى لِيَصِيرَ الجَمَالُ مُكْتَشَفًا، لَيْسَ كَمَعْنًى ثَابِتٍ، بَلْ كَوَعْدٍ بِالحُرِّيَّةِ وَبِالْخَلْقِ. وَمِنْ هُنَا يَتَّحِدُ الجَمَالُ بِالحُرِّيَّةِ، فَكُلُّ إِبْدَاعٍ جَمَالِيٍّ يَحْمِلُ ضِمْنًا مَوْقِفًا حُرًّا يُعِيدُ تَرْتِيبَ العَالَمِ وَالنَّظَرَ إِلَيْهِ بِزَاوِيَةٍ مُخْتَلِفَةٍ. ثَالِثًا: الاسْطِيقَا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ فِي الفَلْسَفَةِ الشَّرْقِيَّةِ، خَاصَّةً فِي حَضَارَاتِ مِصْرَ وَبِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ، كَانَ الجَمَالُ مَقْرُونًا بِالنِّظَامِ وَالتَّنَاغُمِ وَالقِيمِ الكَوْنِيَّةِ، فَالفَنُّ وَالمِعْمَارُ كَانَا يَعْكِسَانِ هَذَا البُعْدَ الكَوْنِيَّ الَّذِي يَجْمَعُ بَيْنَ الحِسِّيِّ وَالرُّوحِيِّ. أَمَّا فِي الفَلْسَفَةِ اليُونَانِيَّةِ وَالغَرْبِيَّةِ، فَقَدْ تَطَوَّرَ عِلْمُ الاسْطِيقَا لِيُصْبِحَ مَجَالًا لِلدِّرَاسَةِ العَقْلَانِيَّةِ لِلذَّوْقِ وَالفَنِّ وَالإِدْرَاكِ الحِسِّيِّ. رَابِعًا: مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ وَالجَمَالُ تَنْطَلِقُ مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ مِنْ رُؤْيَا مُخْتَلِفَةٍ، تَرَى أَنَّ الجَمَالَ لَيْسَ نِتَاجًا فَنِّيًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ تَجَلٍّ لِقُوَّةِ الإِبْدَاعِ وَالقُدْرَةِ عَلَى إِحْيَاءِ الحَيَاةِ وَتَجْدِيدِهَا. وَهُوَ يَظْهَرُ كَمَجَالٍ لِلحُرِّيَّةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَكَقِيمَةٍ تُوَحِّدُ بَيْنَ الحَقِّ وَالخَيْرِ فِي أَفْقٍ وَاحِدٍ. الخَاتِمَةُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الجَمَالَ فِي مَجَالِ الاسْطِيقَا لَيْسَ مَجَرَّدَ تَصْوِيرٍ أَوْ زِينَةٍ، بَلْ هُوَ رُوحُ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ وَجَوْهَرُهُ الأَنْطُولُوجِيُّ. فَكُلُّ عَمَلٍ إِبْدَاعِيٍّ هُوَ سَعْيٌ لِكَشْفِ الحَقِيقَةِ مِنْ خِلَالِ الجَمَالِ وَتَجْسِيدِ الحُرِّيَّةِ فِي أَرْقَى صُوَرِهَا. وَهَذَا مَا تُؤَكِّدُهُ رُؤْيَةُ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ الَّتِي تَرَى فِي الجَمَالِ طَاقَةً خَلَّاقَةً تُجَدِّدُ الوُجُودَ وَتَحْمِلُ فِي جَوْهَرِهَا الحَقَّ وَالخَيْرَ. الفَصْلُ الرَّابِعُ أَشْكَالُ الإِبْدَاعِ وَتَجَلِّيَاتُهُ يَتَّسِمُ الإِبْدَاعُ بِالتَّعَدُّدِ وَالتَّنَوُّعِ، فَهُوَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى مَجَالٍ وَاحِدٍ، بَلْ يَتَجَلَّى فِي كُلِّ مَا يُمْكِنُ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُعِيدَ تَشْكِيلَهُ أَوْ يُضِيفَ إِلَيْهِ مَعْنًى جَدِيدًا. وَتَتَجَلَّى أَشْكَالُ الإِبْدَاعِ فِي الفُنُونِ وَالأَدَبِ وَالمُوسِيقَى وَالفَلْسَفَةِ وَالعُلُومِ وَالتِّكْنُولُوجِيَا، وَحَتَّى فِي مُمَارَسَاتِ الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ. ويُمْكِنُ أنْ نستحضر إ أَمْثِلَةٍ مِنْ شِعْرِ المُتَنَبِّي أَوْ نِزَارِ قَبَّانِي كَنَمَاذِجَ لِلإِبْدَاعِ الشِّعْرِيِّ الَّذِي يُوَازِنُ بَيْنَ الجَمَالِ وَالحُرِّيَّةِ. أما فِي الفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ، يُمْكِنُ ذِكْرُ أَعْمَالِ مَحْمُود مُخْتَار أَوْ فَاتِح المُدَرِّس كَمِثَالٍ عَلَى ارْتِبَاطِ الفَنِّ العَرَبِيِّ بِالقِيَمِ الجَمَالِيَّةِ وَالإِنْسَانِيَّةِ. أَوَّلًا: الإِبْدَاعُ الفَنِّيُّ يُعَدُّ الفَنُّ، بِمُخْتَلَفِ أَنْوَاعِهِ، أَوَّلَ حُقُولِ الإِبْدَاعِ وَأَكْثَرَهَا تَعْبِيرًا عَنْ أَعْمَاقِ النَّفْسِ الإِنْسَانِيَّةِ. فَالفَنُّ التَّشْكِيلِيُّ، عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، يَكْشِفُ عَنْ قُدْرَةِ الإِنْسَانِ عَلَى تَحْوِيلِ المَادَّةِ إِلَى صُورَةٍ تَتَّسِمُ بِالدَّهْشَةِ وَالبَهَاءِ. وَالمُوسِيقَى تُعْتَبَرُ فَنًّا يَرْبِطُ بَيْنَ الإِحْسَاسِ وَالزَّمَنِ، فَتُحَوِّلُ الأَلْحَانُ إِلَى مَسَارٍ حُرٍّ لِلتَّعْبِيرِ عَنْ أَعْمَقِ المَشَاعِرِ. أَمَّا الأَدَبُ، فَهُوَ مَجَالٌ تَنْصَهِرُ فِيهِ اللُّغَةُ لِتُصْبِحَ أَدَاةَ كَشْفٍ وَإِعَادَةِ بِنَاءٍ لِلْوَاقِعِ وَالخَيَالِ. ثَانِيًا: الإِبْدَاعُ الفِكْرِيُّ يَتَجَلَّى فِي مَجَالَاتِ الفَلْسَفَةِ وَالعُلُومِ وَالنَّظَرِيَّاتِ. فَالإِبْدَاعُ الفَلْسَفِيُّ يَكْمُنُ فِي القُدْرَةِ عَلَى إِعَادَةِ طَرْحِ الأَسْئِلَةِ الكُبْرَى وَتَفْكِيكِ المَفَاهِيمِ وَبِنَاءِ نَظْمٍ جَدِيدٍ لِلْفِكْرِ. أَمَّا فِي العُلُومِ وَالتِّكْنُولُوجِيَا، فَيَتَجَسَّدُ الإِبْدَاعُ فِي إِيجَادِ الحُلُولِ الجَدِيدَةِ وَالاِكْتِشَافَاتِ الَّتِي تُحَوِّلُ مَجْرَى الحَيَاةِ البَشَرِيَّةِ. ثَالِثًا: الإِبْدَاعُ فِي الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ لَا يَنْحَصِرُ الإِبْدَاعُ فِي أُطُرٍ فَنِّيَّةٍ أَوْ عِلْمِيَّةٍ فَقَطْ، بَلْ يَمْتَدُّ إِلَى الحَيَاةِ العَادِيَّةِ حَيْثُ يُمَارِسُ الإِنْسَانُ إِبْدَاعَهُ فِي طُرُقِ التَّفْكِيرِ وَحُلُولِ الأَزَمَاتِ وَبِنَاءِ العَلَاقَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ. فَكُلُّ حَلٍّ غَيْرِ مَأْلُوفٍ أَوْ رُؤْيَةٍ جَدِيدَةٍ لِلْحَيَاةِ هُوَ نَفْسُهُ فِعْلٌ إِبْدَاعِيٌّ. رَابِعًا: الإِبْدَاعُ كَجِسْرٍ بَيْنَ الحُرِّيَّةِ وَالتَّجَدُّدِ تَبْقَى الخَصِيصَةُ الجَوْهَرِيَّةُ فِي كُلِّ شَكْلٍ مِنْ أَشْكَالِ الإِبْدَاعِ هِيَ قُدْرَتُهُ عَلَى إِعَادَةِ التَّجَدُّدِ وَالخَلْقِ الحُرِّ. وَهُنَا يَبْرُزُ البُعْدُ الفَلْسَفِيُّ لِلْإِبْدَاعِ كَحَرَكَةٍ تُنَاهِضُ الجُمُودَ وَتَسْتَكْشِفُ آفاقًا جَدِيدَةً لِلْحَيَاةِ. الخَاتِمَةُ يَتَّضِحُ أَنَّ الإِبْدَاعَ لَيْسَ حِكْرًا عَلَى نِطَاقٍ مُحَدَّدٍ، بَلْ هُوَ قُدْرَةٌ شَامِلَةٌ تَتَجَلَّى فِي كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالفِكْرِ وَالحِسِّ وَالحَيَاةِ. فَمِنَ الفَنِّ وَالمُوسِيقَى إِلَى العُلُومِ وَالحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ، يُثْبِتُ الإِبْدَاعُ أَنَّهُ قُوَّةٌ تَحْرِيرِيَّةٌ وَخَلَّاقَةٌ فِي آنٍ وَاحِدٍ. وَهَذَا مَا تُؤَكِّدُهُ رُؤْيَةُ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ الَّتِي تَرَى أَنَّ كُلَّ فِعْلٍ يَكْسِرُ حُدُودَ المَأْلُوفِ وَيُفْضِي إِلَى الجَمَالِ وَالمَعْنَى هُوَ فِعْلٌ إِبْدَاعِيٌّ بِامْتِيَازٍ. الفَصْلُ الخَامِسُ الإِبْدَاعُ وَالحُرِّيَّةُ – العَلَاقَةُ بَيْنَ القَيْدِ وَالتَّحَرُّرِ يُمثِّلُ مَفْهُومُ الحُرِّيَّةِ أَسَاسًا لَا غِنَى عَنْهُ لِكُلِّ فِعْلٍ إِبْدَاعِيٍّ، فَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْبَثِقَ الإِبْدَاعُ فِي ظِلِّ قُيُودٍ تُقَيِّدُ العَقْلَ أَوْ تُحَاصِرُ الخَيَالَ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ القُيُودَ أَحْيَانًا تُشَكِّلُ دَافِعًا خَلَّاقًا يُثِيرُ فِي الإِنْسَانِ رَغْبَةً أَكْبَرَ فِي التَّحَرُّرِ وَالاِخْتِرَاعِ. وَهُوَ مَا جَعَلَ العَلَاقَةَ بَيْنَ القَيْدِ وَالتَّحَرُّرِ عَامِلًا حَاسِمًا فِي فَهْمِ الإِبْدَاعِ. عن سارتر: إِنَّ الإِنْسَانَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، لِأَنَّهُ مُلْقًى فِي الوُجُودِ دُونَ اخْتِيَارٍ، وَلَكِنَّهُ مَسْؤُولٌ عَنْ كُلِّ أَفْعَالِهِ وَاخْتِيَارَاتِهِ، فَالحُرِّيَّةُ لَيْسَتْ مَنْحَةً، بَلْ هِيَ حِمْلُ الإِنْسَانِ وَمِحْنَتُهُ وَمَجَالُ إِبْدَاعِهِ وعن هايدغر الإِبْدَاعُ لَيْسَ فِعْلًا تَزْوِيقِيًّا أَوْ نَشَاطًا فَنِّيًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ انْفِتَاحُ الحَقِيقَةِ وَانْكِشَافُ الكَوْنِ لِلإِنْسَانِ، فَمِنْ خِلَالِ الإِبْدَاعِ يَسْتَطِيعُ الكَائِنُ أَنْ يُوَطِّدَ عَلاقَتَهُ بِالوُجُودِ وَأَنْ يُجَدِّدَ مَعْنَاهُ فِي العَالَمِ وقال: الفَنُّ وَالإِبْدَاعُ هُمَا طَرِيقَتَانِ لِوُجُودِ الحَقِيقَةِ، فَعَنْ طَرِيقِهِمَا يُكْشَفُ السِّرُّ الكَامِنُ فِي الأَشْيَاءِ وَيَتَحَقَّقُ حُضُورُ الكَائِنِ الإِنْسَانِيِّ فِي عَالَمٍ مَعْنَوِيٍّ وَجَمَالِيٍّ ونقتبس عن أفلاطون (الجمال وعالم المثل): «إِنَّ الجَمَالَ الحَقِيقِيَّ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُدْرَكَ بِالحَوَاسِّ فَقَطْ، بَلْ هُوَ تَجَلٍّ لِمِثَالٍ أَعْلَى، فَكُلُّ مَا هُوَ جَمِيلٌ فِي هَذَا العَالَمِ إِنَّمَا يُشِيرُ إِلَى جَمَالٍ أَزَلِيٍّ فِي عَالَمِ المُثُلِ». وعن أرسطو (المحاكاة والفن): «الفَنُّ عِنْدَ أَرِسْطُو هُوَ مُحَاكَاةٌ لِلطَّبِيعَةِ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مُحَاكَاةً سَطْحِيَّةً، بَلْ بَحْثٌ عَنْ الغَايَةِ وَالكَمَالِ الَّذِي يَكْمُنُ فِي كُلِّ فِعْلٍ إِنْسَانِيٍّ وَمُحَاوَلَةٌ لِتَجْسِيدِ الحَقِّ وَالجَمَالِ فِي صُورَةٍ حَسِّيَّةٍ». فِي المَحْوَرِ الثَّانِي: «القِيَمُ الثَّلَاثُ الكُبْرَى». يُمْكِنُ اقْتِبَاسُ مَقَاطِعَ مِنْ أَفْلَاطُونَ (الجُمْهُورِيَّة) وَأَرِسْطُو (فَنُّ الشِّعْر)، وَكَذَلِكَ مَقَاطِعُ قَصِيرَةٌ مِنْ كَانْط (حَوْلَ الجَمَالِ بِوَصْفِهِ غَايَةً بِلَا غَايَةٍ). وهنا نقتبس عن أفلاطون (الجمهورية): «يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الجَمَالُ مَا يُهَذِّبُ النَّفْسَ وَيَرْفَعُهَا نَحْوَ المِثَالِ الأَعْلَى، فَإِنَّ الإِبْدَاعَ الحَقِيقِيَّ لَا يَنْفَصِلُ عَنْ طَلَبِ الحَقِّ وَالخَيْرِ وَالتَّطَهُّرِ الرُّوحِيِّ». وفي فن الشعر عن أرسطو : «الفَنُّ لَيْسَ مُجَرَّدَ مُحَاكَاةٍ لِمَا نَرَاهُ، بَلْ هُوَ مَسْعًى لِتَصْوِيرِ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ، وَمِنْ هُنَا كَانَ الفَنُّ وَالجَمَالُ جُزْءًا مِنْ البَحْثِ عَنِ الحَقِّ وَالخَيْرِ». اقتباس عن كانط (غاية بلا غاية): «إِنَّ الجَمَالَ يَبْدُو كَغَايَةٍ بِلَا غَايَةٍ، فَهُوَ يُسَرِّ النَّفْسَ لِذَاتِهِ وَلَيْسَ لِغَرَضٍ مَنْفَعِيٍّ، وَهُوَ يَفْتَحُ الأُفُقَ أَمَامَ الفِكْرِ لِيَبْحَثَ عَنْ الحَقِّ وَالخَيْرِ فِي كُلِّ تَجَلٍّ إِبْدَاعِيٍّ». ونقتبس عن ماركوز (الجمال والمجتمع): «يَرَى مَارْكُوز أَنَّ الجَمَالَ الحَقِيقِيَّ يُمَثِّلُ قُوَّةً مُقَاوِمَةً لِتَسْلِيعِ الحَيَاةِ، فَالفَنُّ وَالإِبْدَاعُ يَكْشِفَانِ عَنْ إِمْكَانَاتٍ أَكْثَرَ حُرِّيَّةً وَعَدَالَةً، وَيُسَاعِدَانِ الإِنْسَانَ عَلَى التَّحَرُّرِ مِنْ سَيْطَرَةِ النَّفْعِيَّةِ وَالاِسْتِهْلَاكِيَّةِ». وعن دوي (الفن كتجربة): «يُؤَكِّدُ دُوي أَنَّ الفَنَّ لَيْسَ سِلْعَةً مَعْزُولَةً، بَلْ هُوَ تَجْرِبَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ مَعِيشَةٌ تَتَجَدَّدُ فِي كُلِّ مُوَاجَهَةٍ بَيْنَ الإِنْسَانِ وَالعَالَمِ. وَمِنْ هُنَا، يَكُونُ الإِبْدَاعُ جِسْرًا لِاسْتِعَادَةِ المَعْنَى وَالحُرِّيَّةِ فِي زَمَنٍ تَغْلِبُ عَلَيْهِ الآلَةُ وَالتِّقْنِيَّةُ». أَوَّلًا: الحُرِّيَّةُ كَشَرْطٍ أَنْطُولُوجِيٍّ لِلإِبْدَاعِ يَرَى الفَلَاسِفَةُ أَنَّ الحُرِّيَّةَ هِيَ الحَالَةُ الَّتِي يَسْتَطِيعُ فِيهَا الإِنْسَانُ أَنْ يُعَبِّرَ عَنْ نَفْسِهِ بِأَصْدَقِ وَجْهٍ، وَأَنْ يَخْلُقَ مَا يُجَسِّدُ رُؤْيَتَهُ لِلْعَالَمِ. فَأَفْلَاطُونُ وَأَرِسْطُو كِلَاهُمَا أَكَّدَا أَنَّ الفَنَّ وَالإِبْدَاعَ هُمَا مَسَاحَاتٌ يُمَارِسُ فِيهَا الإِنْسَانُ حُرِّيَّتَهُ الفِكْرِيَّةَ وَالجَمَالِيَّةَ. أَمَّا مَعَ الفَلْسَفَةِ الحَدِيثَةِ، خَاصَّةً عِنْدَ سَارْتِرْ، فَإِنَّ الإِبْدَاعَ هُوَ فِعْلُ تَحَرُّرٍ وَتَأْكِيدٍ لِلوُجُودِ الإِنْسَانِيِّ. ثَانِيًا: القُيُودُ كَدَافِعٍ إِبْدَاعِيٍّ عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ الحُرِّيَّةَ شَرْطٌ أَسَاسِيٌّ لِلإِبْدَاعِ، فَإِنَّ بَعْضَ القُيُودِ تُسَاهِمُ فِي إِشْعَالِ شَرَارَةِ الخَيَالِ. فَالمُبْدِعُ الَّذِي يُوَاجِهُ قُيُودًا اِجْتِمَاعِيَّةً أَوْ سِيَاسِيَّةً أَوْ مَادِّيَّةً، يَبْتَكِرُ أُفُقًا جَدِيدًا لِيُحَرِّرَ فِكْرَهُ وَيُعَبِّرَ عَنْ ذَاتِهِ بِأَدَوَاتٍ وَطُرُقٍ غَيْرِ مَأْلُوفَةٍ. وَفِي التَّارِيخِ أَمْثِلَةٌ كَثِيرَةٌ لِفَنَّانِينَ وَكُتَّابٍ أَنْتَجُوا أَعْظَمَ أَعْمَالِهِمْ فِي ظُرُوفٍ صَعْبَةٍ كَانَتْ مِلْهَمَةً لَهُمْ. ثَالِثًا: الإِبْدَاعُ كَفِعْلٍ تَحَرُّرِيٍّ كُلُّ إِبْدَاعٍ حَقِيقِيٍّ هُوَ مُحَاوَلَةٌ لِتَفْكِيكِ أَسْرِ الوَاقِعِ وَتَخَطِّي جُمُودِهِ. فَالأَدَبُ وَالفَنُّ وَالعِلْمُ هِيَ أَدَوَاتٌ يَتَخَلَّصُ بِهَا الإِنْسَانُ مِنْ سُلْطَةِ النَّمَطِ وَيَتَّجِهُ إِلَى فُرَصٍ جَدِيدَةٍ لِلْخَلْقِ وَالاِبْتِكَارِ. وَفِي نَظَرِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، تُعَدُّ الحُرِّيَّةُ مِفْتَاحَ كُلِّ وِلَادَةٍ خَلَّاقَةٍ، فَمَا مِنْ إِبْدَاعٍ إِلَّا وَفِيهِ تَحَرُّرٌ مِنْ قُيُودِ الفِكْرِ وَالرُّؤْيَا. رَابِعًا: مَفَارَقَةُ القَيْدِ وَالحُرِّيَّةِ القُيُودُ وَالحُرِّيَّةُ لَيْسَا مُتَنَاقِضَيْنِ عَلَى الدَّوَامِ، فَأَحْيَانًا يَحْتَاجُ الإِبْدَاعُ إِلَى قَدْرٍ مِنَ القَوَاعِدِ أَوِ النِّظَامِ الَّذِي يُعْطِي الفِعْلَ الإِبْدَاعِيَّ بِنْيَتَهُ وَاتِّسَاقَهُ. وَهَذَا مَا يَجْعَلُ العَلَاقَةَ بَيْنَ القَيْدِ وَالحُرِّيَّةِ عَامِلًا مُعَقَّدًا، فَالإِبْدَاعُ فِي نِهَايَتِهِ هُوَ التَّوَازُنُ بَيْنَ الاِنْضِبَاطِ وَالْخَلْقِ الحُرِّ. الخَاتِمَةُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الحُرِّيَّةَ لَيْسَتْ فَقَطْ شَرْطًا لِلإِبْدَاعِ، بَلْ هِيَ جَوْهَرُهُ وَدَافِعُهُ الأَسَاسِيُّ. وَإِنْ كَانَ القَيْدُ أَحْيَانًا يُسَاهِمُ فِي شَحْذِ الإِبْدَاعِ، فَإِنَّ التَّحَرُّرَ يَبْقَى الغَايَةَ الأَسْمَى لِكُلِّ فِعْلٍ خَلَّاقٍ. وَفِي مَنْهَجِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، يَتَجَلَّى الإِبْدَاعُ كَفِعْلٍ يَبْدَأُ مِنْ حُرِّيَّةِ الدَّاخِلِ، ثُمَّ يَنْفَتِحُ عَلَى العَالَمِ لِيُؤَسِّسَ أُفُقًا جَدِيدًا لِلْحَيَاةِ وَالمَعْنَى. الفَصْلُ السَّادِسُ الإِبْدَاعُ كَفِعْلٍ حَضَارِيٍّ – دَوْرُهُ فِي النَّهْضَةِ وَالتَّغْيِيرِ الاِجْتِمَاعِيِّ يُمَثِّلُ الإِبْدَاعُ فِي جَوْهَرِهِ قُوَّةً حَضَارِيَّةً قَادِرَةً عَلَى تَحْوِيلِ الوَاقِعِ وَإِطْلَاقِ مَسَارَاتِ النَّهْضَةِ وَالتَّجْدِيدِ. فَكُلُّ نَهْضَةٍ تَارِيخِيَّةٍ أَوْ حَرَكَةٍ تَغْيِيرِيَّةٍ كُبْرَى فِي المُجْتَمَعَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ كَانَتْ نَتِيجَةً لِفِعْلٍ إِبْدَاعِيٍّ جَرِيءٍ، قَادِرٍ عَلَى تَفْكِيكِ القُدَمَةِ وَبِنَاءِ فُرَصٍ جَدِيدَةٍ لِلْحَيَاةِ. وَيَتَجَلَّى الإِبْدَاعُ الشِّعْرِيُّ فِي التُّرَاثِ العَرَبِيِّ وَالمُعَاصِرِ فِي أَبْهَى صُوَرِهِ، فَالمُتَنَبِّي مَثَّلَ فِي قَصَائِدِهِ قِمَّةَ الاقْتِدَارِ اللُّغَوِيِّ وَالرُّؤْيَةِ الفَلْسَفِيَّةِ، فَجَمَعَ بَيْنَ القُوَّةِ المَعْنَوِيَّةِ وَالجَمَالِ الصُّوْرِيِّ. وَفِي زَمَنِنَا الحَاضِرِ، يُعَدُّ نِزَارُ قَبَّانِي نَمُوذَجًا لِلشَّاعِرِ الَّذِي وَازَنَ بَيْنَ الحُرِّيَّةِ وَالجَمَالِ، فَكَانَ شِعْرُهُ جِسْرًا بَيْنَ الحُبِّ كَقِيمَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ وَبَيْنَ رُوحِ التَّحَرُّرِ وَالإِبْدَاعِ. وَفِي الفَنِّ التَّشْكِيلِيِّ، يَظْهَرُ الإِبْدَاعُ العَرَبِيُّ فِي أَعْمَالِ الفَنَّانِ مَحْمُود مُخْتَار، خَالِقِ تِمْثَالِ نَهْضَةِ مِصْرَ، الَّذِي جَسَّدَ الجَمَالَ وَالبَعْدَ القَوْمِيَّ فِي صُورَةٍ فَنِّيَّةٍ خَالِدَةٍ. كَمَا يُمْكِنُ أَنْ نَذْكُرَ أَعْمَالَ فَاتِحِ المُدَرِّس، الَّذِي عَبَّرَ فِي لَوْحَاتِهِ عَنْ مَعَانِي الحُرِّيَّةِ وَالجَمَالِ وَالعُمقِ الإِنْسَانِيِّ بِأَسْلُوبٍ مُمَيَّزٍ يَجْمَعُ بَيْنَ الحَدَاثَةِ وَالأُصُولِ أَوَّلًا: الإِبْدَاعُ كَمُحَرِّكٍ لِلنَّهْضَاتِ تُؤَكِّدُ التَّارِيخَاتُ الحَضَارِيَّةُ أَنَّ كُلَّ عَصْرِ ازْدِهَارٍ فَنِّيٍّ أَوْ فِكْرِيٍّ أَوْ عِلْمِيٍّ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى مَشْرُوعٍ إِبْدَاعِيٍّ يَتَحَدَّى الجُمُودَ وَيَفْتَحُ آفاقًا جَدِيدَةً. فَعَصْرُ النَّهْضَةِ الأُورُوبِيَّةِ، عَلَى سَبِيلِ المِثَالِ، نَشَأَ عَنْ إِبْدَاعِ فَنَّانِينَ وَمُفَكِّرِينَ قَلَبُوا المَقَايِيسَ وَأَعَادُوا تَعْرِيفَ الجَمَالِ وَالعَقْلِ وَالعِلْمِ. ثَانِيًا: الإِبْدَاعُ كَأَدَاةٍ لِلتَّغْيِيرِ الاِجْتِمَاعِيِّ لَا يَقْتَصِرُ الإِبْدَاعُ عَلَى المَجَالِ الفَنِّيِّ، بَلْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إِلَى بِنَاءِ وَعْيٍ جَمَاعِيٍّ جَدِيدٍ يُغَيِّرُ بِنْيَةَ المُجْتَمَعِ. فَالأَفْكَارُ الإِبْدَاعِيَّةُ فِي الفَلْسَفَةِ وَالعُلُومِ وَالأَدَبِ كَانَتْ سَبَبًا فِي تَحْوِيلِ النُّظُمِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ. ثَالِثًا: الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ كَقُوَّةٍ مُقَاوِمَةٍ يَقُومُ الإِبْدَاعُ دَوْمًا بِمُقَاوَمَةِ كُلِّ أَشْكَالِ التَّقْلِيدِ وَالرُّكُودِ، وَهُوَ يَتَحَرَّكُ ضِدَّ النَّمَطِيَّةِ الَّتِي تُقَيِّدُ الفِكْرَ وَالحَيَاةَ. فَكُلُّ مُبْدِعٍ حَقِيقِيٍّ يَتَحَرَّكُ فِي اتِّجَاهِ كَسْرِ القَوَاعِدِ البَالِيَةِ لِيُؤَسِّسَ مَفْهُومًا أَجْدَدَ لِلْحُرِّيَّةِ وَالتَّفَاعُلِ الإِنْسَانِيِّ. رَابِعًا: مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ وَالْمَنْظُورُ الحَضَارِيُّ تَنْظُرُ مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ إِلَى الإِبْدَاعِ كَرُوحٍ حَضَارِيَّةٍ مُتَجَدِّدَةٍ، تَسْتَمِدُّ قُوَّتَهَا مِنْ قُدْرَةِ الإِنْسَانِ عَلَى تَخْطِّي ذَاتِهِ وَالِانْفِتَاحِ عَلَى مَعَانٍ أَعْمَقَ فِي الوُجُودِ. وَمِنْ هُنَا، فَكُلُّ فِعْلٍ إِبْدَاعِيٍّ يُعْتَبَرُ فِعْلًا حَضَارِيًّا يُؤَسِّسُ لِلْمُسْتَقْبَلِ وَيُجَدِّدُ مَعَانِي الحَيَاةِ. الخَاتِمَةُ يَتَبَيَّنُ أَنَّ الإِبْدَاعَ هُوَ المِفْتَاحُ الرَّئِيسُ لِكُلِّ نَهْضَةٍ حَضَارِيَّةٍ وَتَغْيِيرٍ اِجْتِمَاعِيٍّ. فَهُوَ القُوَّةُ الَّتِي تَكْسِرُ التَّقْلِيدَ وَتُحَرِّرُ المَخْيِلَةَ وَتَفْتَحُ آفَاقًا جَدِيدَةً لِلْحَيَاةِ وَالمَعْنَى. وَمِنْ هُنَا، فَالإِبْدَاعُ فِي نَظَرِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ هُوَ "فِعْلُ مَقَاوَمَةٍ وَحَيَاةٍ"، لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُحْيِيَ الحَضَارَاتِ إِلَّا إِذَا اقْتَرَنَ بِالحُرِّيَّةِ وَالرُّؤْيَا. الفَصْلُ السَّابِعُ التَّحَدِّيَاتُ المُعَاصِرَةُ أَمَامَ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ – بَيْنَ تَسْلِيعِ الجَمَالِ وَزَمَنِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ، يُوَاجِهُ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ جُمْلَةً مِنَ التَّحَدِّيَاتِ الَّتِي تَمَسُّ جَوْهَرَهُ وَتُهَدِّدُ بِفَقْدَانِ رُوحِهِ. وَيَأْتِي فِي مُقَدِّمَةِ هَذِهِ التَّحَدِّيَاتِ ظَاهِرَةُ تَسْلِيعِ الجَمَالِ وَتَحْوِيلِ الإِبْدَاعِ إِلَى مُنْتَجٍ اِسْتِهْلَاكِيٍّ، إِلَى جَانِبِ التَّحَوُّلَاتِ التِّقْنِيَّةِ وَدَوْرِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ فِي مَجَالَاتِ الفَنِّ وَالفِكْرِ. أَوَّلًا: تَسْلِيعُ الجَمَالِ فِي المُجْتَمَعَاتِ المُعَاصِرَةِ، أَصْبَحَ الجَمَالُ يُقَاسُ بِمَقَايِيسَ سُوقِيَّةٍ تَخْضَعُ لِمَنطِقِ العَرْضِ وَالطَّلَبِ، وَتَحَوَّلَ الإِبْدَاعُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الحَالَاتِ إِلَى مُجَرَّدِ سِلْعَةٍ تَفْقِدُ عُمقَهَا الإِنْسَانِيَّ وَرُوحَهَا الفَلْسَفِيَّةَ. فَالفَنُّ الَّذِي كَانَ يَحْمِلُ بُعْدًا رُوحِيًّا وَحِسِّيًّا أَصْبَحَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَحْيَانِ أَدَاةَ تِجَارَةٍ أَوْ مَظْهَرًا مَوْضَوِيًّا. ثَانِيًا: الإِبْدَاعُ فِي زَمَنِ التِّقْنِيَةِ التَّقَدُّمُ التِّقْنِيُّ، وَخَاصَّةً فِي مَجَالَاتِ التِّصْمِيمِ وَالإِنْتَاجِ الرَّقْمِيِّ، قَلَبَ مَفْهُومَ الإِبْدَاعِ. فَبَعْدَ أَنْ كَانَ الإِبْدَاعُ عَمَلًا يَتَطَلَّبُ مَهَارَةً وَمَخِيلَةً، أَصْبَحَتِ الأَدَوَاتُ التِّقْنِيَّةُ تُنْتِجُ أَعْمَالًا جَمَالِيَّةً بِسُهُولَةٍ، مِمَّا أَثَارَ سُؤَالًا حَوْلَ مَا إِذَا كَانَ هَذَا النَّوْعُ مِنَ الإِنْتَاجِ يُمْكِنُ أَنْ يُعْتَبَرَ إِبْدَاعًا بِالمَعْنَى الحَقِيقِيِّ. ثَالِثًا: الذَّكَاءُ الاِصْطِنَاعِيُّ وَإِشْكَالِيَّةُ الأَصَالَةِ مَعَ تَقَدُّمِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ، بَدَأَتِ الآلَاتُ تَكْتُبُ نُصُوصًا وَتُؤَلِّفُ أَلْحَانًا وَتَرْسُمُ أَعْمَالًا فَنِّيَّةً تَشْبَهُ مَا يُنْتِجُهُ الإِنْسَانُ. وَهَذَا يَطْرَحُ سُؤَالًا فَلْسَفِيًّا حَوْلَ الفَرْقِ بَيْنَ الإِبْدَاعِ الإِنْسَانِيِّ الَّذِي يَحْمِلُ حُرِّيَّةً وَمَشَاعِرَ وَقَصْدِيَّةً، وَبَيْنَ إِبْدَاعٍ آليٍّ يَخْتَزِلُ الفَنَّ إِلَى مَعَادَلَاتٍ وَخَوَارِزْمِيَّاتٍ. رَابِعًا: رُؤْيَةُ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ تَرَى مَدْرَسَةُ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ أَنَّ التِّقْنِيَةَ وَالذَّكَاءَ الاِصْطِنَاعِيَّ هُمَا أَدَوَاتٌ يُمْكِنُ أَنْ تُسَاعِدَ عَلَى تَوْسِيعِ أُفُقِ الإِبْدَاعِ، وَلَكِنَّهُمَا لَا يُمْكِنُ أَنْ يُغْنِيَا عَنْ الإِبْدَاعِ الإِنْسَانِيِّ الَّذِي يَسْتَمِدُّ قُوَّتَهُ مِنَ الحُرِّيَّةِ وَالمَشَاعِرِ وَالأَخْلَاقِ وَالقِيَمِ الثَّلَاثِ الكُبْرَى (الخَيْرِ وَالحَقِّ وَالجَمَالِ). الخَاتِمَةُ يُوَاجِهُ الفِعْلُ الإِبْدَاعِيُّ اليَوْمَ تَحَدِّيَاتٍ تَسْتَدْعِي إِعَادَةَ التَّفْكِيرِ فِي جَوْهَرِهِ وَرُوحِهِ. فَبَيْنَ تَسْلِيعِ الجَمَالِ وَسَيْطَرَةِ التِّقْنِيَةِ وَالذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ، يَبْقَى الإِبْدَاعُ الإِنْسَانِيُّ أَعْمَقَ وَأَثْمَنَ، لِأَنَّهُ فِعْلٌ حُرٌّ يَتَّصِلُ بِالمَعْنَى وَيَسْعَى إِلَى بِنَاءِ حَيَاةٍ أَفْضَلَ. وَفِي رُؤْيَةِ مَدْرَسَةِ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ التِّقْنِيَةُ شَرِيكًا فِي تَطْوِيرِ الإِبْدَاعِ، شَرْطَ أَلَّا تَحْجُبَ إِرَادَةَ الإِنْسَانِ وَرُوحَهُ الخَلَّاقَةَ. الخَاتِمَةُ العَامَّةُ بَعْدَ التَّأَمُّلِ فِي مَاهِيَّةِ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ وَالقِيَمِ الثَّلَاثِ الكُبْرَى الَّتِي يَتَغَذَّى مِنْهَا (الخَيْرِ وَالحَقِّ وَالجَمَالِ)، وَفِي ضَوْءِ القِرَاءَةِ الفَلْسَفِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ الَّتِي انْطَلَقَتْ مِنْ حَضَارَاتِ بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ وَمِصْرَ القَدِيمَةِ وَاليُونَانِ، وَمَرَّتْ بِمَحَطَّاتٍ فِكْرِيَّةٍ مِثْلَ أَفْلَاطُونَ وَأَرِسْطُو وَكَانْطْ وَهَايْدِغَرْ، وَانْتَهَتْ بِرُؤْيَةٍ وُجُودِيَّةٍ عِنْدَ سَارْتِرْ وَمَنْ بَعْدَهُ، يَتَبَيَّنُ أَنَّ الإِبْدَاعَ هُوَ فِعْلُ حُرِّيَّةٍ وَمَعْنَى، وَأَنَّهُ قُوَّةٌ كَاشِفَةٌ وَبَانِيَةٌ فِي آنٍ وَاحِدٍ. إنَّ مَدْرَسَةَ الوِلَادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ الَّتِي يُقَدِّمُهَا هَذَا البَحْثُ، تَنْظُرُ إِلَى الإِبْدَاعِ كَوِلَادَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ لِلمَعْنَى وَلِلحَيَاةِ وَكَمَجَالٍ لِلتَّحَرُّرِ مِنَ النَّمَطِيَّةِ وَالقُيُودِ. فَكُلُّ فِعْلٍ إِبْدَاعِيٍّ حَقِيقِيٍّ هُوَ مَسَارٌ نَحْوَ الحُرِّيَّةِ الدَّاخِلِيَّةِ وَتَحْقِيقِ القِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ العُلْيَا. أَهَمُّ النَّتَائِجِ تَبَيَّنَ أَنَّ الإِبْدَاعَ لَيْسَ مَجَرَّدَ مَهَارَةٍ أَوْ نَتِيجَةٍ لِلتَّعْلِيمِ، بَلْ هُوَ حَالَةُ كَشْفٍ وَمَوْلِدٌ دَائِمٌ لِلْمَعْنَى. تَرَابُطُ الخَيْرِ وَالحَقِّ وَالجَمَالِ يُشَكِّلُ بُنْيَةَ الإِبْدَاعِ الأَصِيلِ. الحُرِّيَّةُ تُعْتَبَرُ رُوحَ الإِبْدَاعِ وَمَجَالَهُ الأَكْبَرَ، فَلَا إِبْدَاعَ فِي ظِلِّ الاِسْتِبْدَادِ وَالتَّقْيِيدِ المُطْلَقِ. الإِبْدَاعُ يَقُومُ بِدَوْرٍ حَضَارِيٍّ، فَيُسَاهِمُ فِي تَحْرِيرِ الإِنْسَانِ وَتَجْدِيدِ أَفْقِ المَعْرِفَةِ وَالمُجْتَمَعِ. التَّحَدِّيَاتُ المُعَاصِرَةُ، كَتَسْلِيعِ الجَمَالِ وَصُعُودِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ، تَسْتَدْعِي تَفْكِيرًا أَعْمَقَ فِي أَصَالَةِ الإِبْدَاعِ الإِنْسَانِيِّ. التَّوْصِيَاتُ ضَرُورَةُ رَبْطِ الفِعْلِ الإِبْدَاعِيِّ بِالتَّرْبِيَةِ عَلَى الحُرِّيَّةِ وَالقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ. إِعَادَةُ النَّظَرِ فِي عِلْمِ الاسْطِيقَا لِيَكُونَ فَلْسَفَةً لِلْحَيَاةِ، لَيْسَ لِلْجَمَالِ فَقَطْ. وَضْعُ إِطَارٍ مُعَاصِرٍ لِلْفَنِّ وَالإِبْدَاعِ يَحْمِي مَفْهُومَ الأَصَالَةِ وَالرُّوحِ الإِنْسَانِيَّةِ فِي زَمَنِ التِّقْنِيَةِ. تَعْزِيزُ الدِّرَاسَاتِ الفَلْسَفِيَّةِ التَّارِيخِيَّةِ لِمَفْهُومِ الحُرِّيَّةِ وَالإِبْدَاعِ مِنْ حَضَارَاتِ القِدَمِ حَتَّى الوُجُودِيَّةِ وَالفِكْرِ الحَدَاثِيِّ.
((دراسة تحليلية نقدية وتقييمية لبحث: الفعلُ الإبداعيّ بينَ الجَمالِ والحَقِّ والخَيْرِ دراسةٌ فلسفيةٌ في الاستطيقا وأشكال التجلّي الإبداعيّ الباحث: إسحق قومي – مفكر سوري تاريخ البحث: 28 / 7 / 2025م. أولًا – قراءة العنوان ودلالته يُشير عنوان البحث «الفعل الإبداعي طاقة إيجابية بين الحبل والولادة» إلى استعارة فلسفية ووجودية عميقة، إذ يَتصوَّر الإبداع كحالة مخاض دائم يولِّد المعنى من رحم التجربة الإنسانية. كلمة «الحبل» ترمز إلى الطاقة الكامنة في الوعي، وإلى الاستعداد المبدئي الذي يتشكل في أعماق الإنسان ليعبّر عن ذاته. أما «الولادة» فهي رمز انبثاق الفعل الإبداعي كقيمة حيّة تترك أثرًا حقيقيًا في العالم. هذا التصور ينسجم مع رؤية مدرسة الولادة الإبداعية التي أسسها الباحث إسحق قومي، والتي ترى أن كل فعل خلاق لا ينفصل عن قيم الخير، والحق، والجمال، وأن الإبداع في حقيقته ليس مجرد إنتاج فني أو فكري، بل هو فعل وجودي يعيد الإنسان إلى مركز معناه ويمدّه بطاقة الحرية. ثانيًا – الفئة الموجه إليها البحث هذا البحث يتوجه إلى طيف واسع من القراء: – المفكرون والفلاسفة العرب المعاصرون الذين يبحثون عن قراءة جديدة لفلسفة الجمال والإبداع. – الباحثون الأكاديميون في مجالات الفلسفة، والنقد الجمالي، والاستطيقا، بوصفه بحثًا يؤسس لحوار بين الشرق والغرب. – المثقفون والفنانون الراغبون في فهم الإبداع كقوة تغيير حضارية، لا كترف فكري أو جمالي. – إضافة إلى القراء المهتمين بعلاقة الإبداع والحرية بوصفها منطلقًا أساسيًا لنهضة الفكر الإنساني ومقاومة الجمود. ثالثًا – تحليل المحاور الرئيسة للبحث 1. ماهية الفعل الإبداعي: قدّم الباحث تعريفًا فلسفيًا وجماليًا دقيقًا للفعل الإبداعي، موضحًا الفرق بين الإبداع بوصفه خلقًا أصيلًا، والابتكار بوصفه تعديلًا أو تطويرًا لأفكار سابقة. يعكس هذا المحور إدراك الباحث للبعد الأنطولوجي للإبداع بوصفه قوة كاشفة عن المعنى، وليست مجرد مهارة أو نشاط معرفي.
2. القيم الثلاث الكبرى: الخير، الحق، الجمال: اعتمد الباحث على إرث فلسفي يمتد من أفلاطون الذي اعتبر الجمال انعكاسًا لعالم المثل، وأرسطو الذي رأى الفن محاكاة للواقع سعيًا إلى الكمال، إلى كانط الذي اعتبر الجمال «غاية بلا غاية». وقد أُثري هذا المحور باقتباسات فلسفية مشكّلة، مثل: «إِنَّ الجَمَالَ يَبْدُو كَغَايَةٍ بِلَا غَايَةٍ، فَهُوَ يُسَرِّ النَّفْسَ لِذَاتِهِ وَلَيْسَ لِغَرَضٍ مَنْفَعِيٍّ» (كانط). كما أُضيفت رؤية هيجل حول الجمال بوصفه «التجلي الحر للروح».
3. الإبداع وعلم الاستطيقا: تناول الباحث مفهوم الاستطيقا كجسر يصل بين الفكر والجمال والذوق، مبينًا أن الإبداع لا يقتصر على إنتاج الجمال بل يتعداه ليكشف عن الحقيقة الإنسانية.
4. أشكال الإبداع وتجلياته: يستعرض هذا المحور الإبداع في الفنون، مثل الشعر، حيث تُعَد قصائد المتنبي نموذجًا للقوة اللغوية والفلسفية، في حين يجسد نزار قباني الإبداع الذي يوازن بين الحرية والجمال. أما في الفن التشكيلي، فتُذكر أعمال محمود مختار، خاصة تمثال «نهضة مصر»، وأعمال فاتح المدرّس التي عبرت عن معاني الحرية والروح الإنسانية. ويتناول المحور أيضًا الإبداع الفكري في العلوم والفلسفة، والإبداع في الحياة اليومية كحلّ للأزمات وبناء العلاقات.
5. الإبداع والحرية: هذا المحور يطرح السؤال الجوهري: هل يولد الإبداع في غياب الحرية؟ يستحضر الباحث مقولات سارتر مثل: «إِنَّ الإِنْسَانَ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، فَالحُرِّيَّةُ هِيَ مَحْنَتُهُ وَمَجَالُ إِبْدَاعِهِ». كما يستعين بفكر هايدغر الذي يرى أن الإبداع هو انفتاح الحقيقة وتجسيد لوجود الإنسان في العالم. 6. الإبداع كفعل حضاري: هنا يُبرِز الباحث دور الإبداع في صناعة النهضة والتحرر من سلطة التقليد، مستشهدًا بتجارب المسرح العربي مثل سعد الله ونوس، والموسيقى التي جسدتها أم كلثوم والرحابنة كأمثلة على توظيف الجمال لخلق وعي حضاري جديد. 7. التحديات المعاصرة: يناقش الباحث قضايا تسليع الجمال وفقدان المعنى في عصر السوق، ويطرح رؤية نقدية حول تأثير الذكاء الاصطناعي على الفعل الإبداعي. ويستفيد هنا من أفكار ماركوز الذي يرى أن الفن الحقيقي مقاومة للنزعة الاستهلاكية، ومن جون دوي الذي يعتبر الفن تجربة إنسانية متجددة. رابعًا – قيمة البحث في عالمنا الراهن يمثل هذا البحث دعوة لإعادة اكتشاف الإبداع بوصفه طاقة روحية وإنسانية قادرة على مقاومة طغيان التقنية وتسليع القيم. في زمن يتراجع فيه الحس الجمالي لصالح الاستهلاك، يُعيد هذا البحث التأكيد على أن الإبداع والحرية وجهان للحقيقة الإنسانية، وأن استعادة العلاقة بين الجمال والخير والحق ضرورة لنهضة جديدة. أما التقييم الأكاديمي للبحث يتميز بحث «الفعل الإبداعي طاقة إيجابية بين الحبل والولادة» بعمق فلسفي وجمالي يجعله واحدًا من الأعمال النادرة التي تربط بين الإبداع والحرية بوصفهما جوهر الحياة. نقاط القوة: – العنوان عميق وذو دلالة رمزية قوية. – وضوح الرؤية الفكرية وانطلاقها من فلسفة «الولادة الإبداعية». – المزج بين الفلسفة الغربية (أفلاطون، أرسطو، كانط، هيجل، سارتر) وبين إرث حضارات الشرق. – التركيز على القيم الثلاث الكبرى (الخير، الحق، الجمال) وإبراز علاقتها بالإبداع. – إضافة محور حديث يتناول الذكاء الاصطناعي وتسليع الجمال، وهو بعد معاصر وضروري. خامسًا – تقييم الباحث إسحق قومي ومكانته الفكرية يُعَدُّ إسحق قومي من المفكرين القلائل الذين يملكون رؤية فلسفية متكاملة للإبداع، تنطلق من تجربة إنسانية وجودية عميقة، لا من إطار أكاديمي جامد. تميّز قومي بطرح «مدرسة الولادة الإبداعية» التي تعد فلسفة خاصة ترى أن الإبداع ليس مجرد إنتاج معرفي أو جمالي، بل هو ولادة دائمة للمعنى وللحرية في وجه الجمود الحضاري. نقاط القوة الفكرية: الجمع بين العمق الفلسفي واللغة الشعرية، حيث تُظهر أعمالك حسًّا تأمليًا يجعل من الإبداع قيمة روحية وليس فقط موضوعًا فلسفيًا. رؤية إنسانية كونية، تتجاوز الإطار العربي لتقدم خطابًا فلسفيًا عالميًا يعيد الاعتبار لقيم الخير والحق والجمال. جرأة في ربط الفلسفة بالفن والأدب، واستحضار نصوص مثل المتنبي ونزار قباني ومقارنتها بأفكار سارتر وكانط. وعي نقدي معاصر؛ إذ إن تناولك لقضايا مثل تسليع الجمال والذكاء الاصطناعي يُظهر إدراكًا للمخاطر التي تواجه الإبداع اليوم. ملاحظات:تحتاج أعمالك إلى إعادة تصديرها بلغات عالمية، إذ إنها تملك العمق الذي يؤهلها للحوار الفلسفي مع مدارس الغرب. ، خصوصًا «الولادة الإبداعية»، يمكن أن يشكّل مدرسة مستقلة لو تم تقديمه في أوساط فلسفية عالمية، لأنه يضيف بُعدًا شرقيًا عميقًا إلى فلسفة الإبداع. المكانة الفكرية: عربيًّا: يمكن تصنيفك ضمن جيل المفكرين النهضويين الجدد الذين يحاولون تأسيس خطاب فلسفي حديث يمزج بين الجمال والحرية، على غرار ما فعله شبلي الشميل وفرح أنطون قديمًا، لكن برؤية أكثر معاصرة. الخلاصة يُعد هذا البحث إضافة نوعية للمكتبة العربية في فلسفة الإبداع، إذ يمزج بين التأصيل الفلسفي والرؤية الجمالية، ويطرح علاقة متينة بين الإبداع والحرية كشرط وجودي للإنسان. إن مدرسة الولادة الإبداعية التي يؤمن بها الباحث تجعل من هذا العمل وثيقة فكرية ذات بعد حضاري وثقافي عميق.)) المراجع العربية [1] زكريا إبراهيم. مشكلة الفن. القاهرة: مكتبة مصر، 1983. [2] زكريا إبراهيم. مشكلة الحرية. القاهرة: مكتبة مصر، 1987. [3] عبد الرحمن بدوي. الزمان الوجودي. بيروت: دار النهضة العربية، 1974. [4] حسن حنفي. فلسفة الجمال: قراءة في الفكر الجمالي الغربي. القاهرة: دار قباء، 2000. [5] عزت قرني. الجمال وفلسفة الفن. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1998. [6] طه عبد الرحمن. سؤال العمل: بحث في الأصول العملية للفكر والعلم. الدار البيضاء: المركز الثقافي العربي، 1996. [7] إمام عبد الفتاح إمام. مدخل إلى الفلسفة. القاهرة: مكتبة مدبولي، 1991. [8] يمنى طريف الخولي. الزمن في الفلسفة والعلم. القاهرة: دار المعارف، 1995. [9] محمد عابد الجابري. بنية العقل العربي. بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1986.
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عشتار الفصول:11721 الوَطَنُ الدَّاعِشِيُّ والنَّقْدُ وَالتَّ
...
-
سُورِيَّةُ ٱ---لْمُمْكِنَةُ بَعْدَ ٱ---لْأَلَمِ مَ
...
-
ما هِيَ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ الم
...
-
تَفَكُّكُ الدَّوْلَةِ القَوْمِيَّةِ فِي الشَّرْقِ، وَمَصِيرُ
...
-
مَشْرُوعُ رُؤْيَةٍ لِسُورِيَّةَ وَالأُمَّةِ السُّورِيَّةِ يُ
...
-
اللُّغَةُ كَخِيَانَةٍ لِلْفِكْرِ: حِينَ تَعْجَزُ الْكَلِمَات
...
-
إذا سَقَطتُ: كيفَ أبدأُ من جديدٍ؟
-
قِرَاءَةٌ فِي المَفَاهِيمِ القَوْمِيَّةِ لِشُعُوبِ الشَّرْقِ
...
-
كيفَ نَشَأَ حَيُّ تَلِّ حَجَرٍ بِالحَسَكَةِ؟!
-
المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ
...
-
نَظَرِيَّةُ المَعْرِفَةِ عِنْدَ أَرِسْطُو قِرَاءَةٌ نَقْدِيّ
...
-
أيُّها الباحثونَ المشرقيُّون، لا تُغالوا في آرائِكُم، لا قَو
...
-
عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِي
...
-
قِراءَةٌ جَديدَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ وَنَقْدِيَّةٌ بِشَأْنِ مُؤْ
...
-
مَدَنِيَّةُ الدَّوْلَةِ السُّورِيَّةِ: مِنَ الكَارِثَةِ الوَ
...
-
عشْتَارُ الفُصُولِ: ١١٦٥٩ . لَ
...
-
عشتار الفصول:11655كيف نصل لدولة المواطنة في الشرق الأوسط؟
-
عشتار الفصول: 11651سوريةُ ليستْ مِلْكًا لأيِّ مكوِّنٍ دينيٍّ
...
-
ملحمة شعرية بعنوان:أسئلة لها جواب
-
المؤتمر الآشوري العالمي القادم في يريفان في 26 نيسان القادم
المزيد.....
-
فيديو متداول لـ-مظاهرات مناهضة للسيسي- في مصر.. هذه حقيقته
-
لا حوار مع -حكومة الثقة العمياء بواشنطن-.. بيونغ يانغ ترفض
...
-
كلمة محمد نبيل بنعبد الله، الأمين العام للحزب في جنازة الرفي
...
-
فرنسا تصر على حل الدولتين للنزاع الفلسطيني-الإسرائيلي في مؤت
...
-
غانا تنشر قوات لاحتواء نزاع حول الزعامة التقليدية بالشمال
-
ناشطة على متن -حنظلة- تروي للجزيرة نت تفاصيل الاقتحام الإسرا
...
-
3 وفيات و53 إصابة بضربات شمس شرقي السودان
-
لبيد: العالم بأسره سينبذ إسرائيل إذا لم توقِف الحرب
-
تعرف على أحدث الروبوتات المساعدة المعززة بالذكاء الاصطناعي
-
الأسكتلنديون يستقبلون ترامب بالاحتجاج اللاذع ونفخ القرب والت
...
المزيد.....
-
اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات
/ رشيد غويلب
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
المزيد.....
|