|
ما هِيَ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ المَشْرِقِيَّةِ عَلَى أَرَاضِيهَا التَّارِيخِيَّةِ؟
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8403 - 2025 / 7 / 14 - 15:33
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
للباحث السوري اسحق قومي. 2025م
استهلال سُؤَالٌ: لِمَاذَا يَحِقُّ لَكَ فِي الدُّوَلِ الغَرْبِيَّةِ، وَأَنْتَ بِالأَمْسِ قَدِمْتَ إِلَيْهَا، أَنْ تُطَالِبَ بِحُقُوقِكَ، وَتَمْنَعَنِي مِنْ أَنْ أُطَالِبَ بِحُقُوقِي الَّتِي عبِثت بِهَا لِأَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ وَأَرْبَعِمِائَةِ عَامٍ؟! أَتُرِيدُ أنْ يَزْدَرِي دِينِيك، وَمَذْهَبِيك، وَشَخْصِيَّتِيك القَوْمِيَّةَ وَالإِنْسَانِيَّةَ أحد؟ لِمَاذَا تُشْرْعِنُ لِنَفْسِكَ أَنْ تَمَارِسَ الظُّلْمَ عَلَيَّ، وَأَنَا صَاحِبُ البِلَادِ، يَا صَاحِ؟! لايَكْفِينِي أَنْ أَكُونَ وَدِيعًا، وَأَنْتَ ذِئْبٌ خَاطِفٌ؟! أَلَيْسَ هٰذَا هُوَ العُنْصُرِيَّةُ، وَالشُّوفِينِيَّةُ، وَالتَّخَلُّفُ بِعَيْنِهِ؟! وَكَيْفَ تَدَّعِي أَنَّنَا مُتَسَاوُونَ؟! وَكَيْفَ تُرِيدُونَ أَنْ نَعِيشَ فِي وَطَنٍ وَاحِدٍ، وَتَدَّعُونَ أَنَّهُ فِيهِ، وَبِدُسْتُورِهِ، يَتَحَقَّقُ العَدْلُ، وَالمُسَاوَاةُ، وَالحَقُّ، وَالخَيْرُ، وَالجَمَالُ، وَالمُواطَنَةُ الكَامِلَةُ غَيْرُ المَنْقُوصَةِ، وَفِيهِ نَبْذٌ لِأُسْلُوبِ الذِّمِّيَّةِ وَالتَّكْفِيرِيَّةِ؟! مَتَى نَرَى هٰذَا الوَطَنَ؟! المُقَدِّمَةُ: تُشَكِّلُ المَسِيحِيَّةُ المَشْرِقِيَّةُ جُزْءًا لا يَتَجَزَّأُ مِنَ التَّارِيخِ القَوْمِيِّ وَالحَضَارِيِّ لِلشُّعُوبِ السَّامِيَّةِ، وَهِيَ هُوِيَّةٌ قَوْمِيَّةٌ ضَارِبَةٌ فِي الجُذُورِ قَبْلَ أَنْ تَكُونَ مَجْرًى دِينِيًّا أَو تَصْنِيفًا عَقَدِيًّا. فَقَبْلَ ظُهُورِ المَسِيحِيَّةِ كَرِسَالَةٍ، كَانَ الشُّعبُ الأَرَامِيَّ السُّرْيَانِيَّ ،الآشُورِيَّ ،الكَلْدَانِيَّ ،الماروني يسْكُنُ هٰذِهِ الأَرَاضِي، وَتيحْمِلُ مَلامِحَ كِيَانٍ قَوْمِيٍّ وَثَقَافِيٍّ يُفَارِقُ البِدَائِيَّةَ وَيُؤَسِّسُ لِحُضُورٍ تَارِيخِيٍّ حَيٍّ. وَحِينَ جَاءَتِ المَسِيحِيَّةُ كَرِسَالَةٍ إِلَهِيَّةٍ فِي القَرْنِ الأَوَّلِ المِيلَادِيِّ، كَانَتْ نُخَبٌ كَثِيرَةٌ مِنْ أَبْنَاءِ هٰذِا الشُّعبِ فِي سُورِيَا، وَفِي الرُّهَا، وَفِي أَنْطَاكِيَا، وَفِي بَابِلَ، وَفِي جَبَلِ لُبْنَانَ، أَوَّلَ مَنْ اعْتَنَقَهَا وَبَشَّرَ بِهَا، وَقَدْ سَبَقَتِ الإِسْلَامَ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِمِئَةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا. وَلَمْ تَكُنْ هٰذِهِ الحَقَبَةُ مُجَرَّدَ مَرْحَلَةٍ تَبْشِيرِيَّةٍ دِينِيَّةٍ، بَلْ كَانَ لِلمَسِيحِيِّينَ دَوْرٌ رِيَادِيٌّ فِي بِنَاءِ الحَضَارَةِ الإِسْلَامِيَّةِ العَرَبِيَّةِ فِي مَجَالَاتِ الطِّبِّ، وَالفَلْسَفَةِ، وَالتَّرْجَمَةِ، وَالمُقَارَبَاتِ اللَّاهُوتِيَّةِ وَالعَقَلِيَّةِ، حَيْثُ قَامَ السِّرْيَانُ وَغَيْرُهُمْ بِتَرْجَمَةِ كُتُبِ أَفْلَاطُونَ وَأَرَسْطُو وَجَالِينُوس إِلَى السُّرْيَانِيَّةِ، وَمِنْهَا إِلَى العَرَبِيَّةِ، مِمَّا مَهَّدَ لِمَا يُعْرَفُ بِـ عَصْرِ الاِزْدِهَارِ العَرَبِيِّ الإِسْلَامِيِّ. وَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ هٰذَا الحُضُورِ النَّشِطِ، فَقَدْ عَانَى المَسِيحِيُّونَ فِي الشَّرْقِ مِنَ الِاضْطِهَادِ وَالمَجَازِرِ الَّتِي تَتَابَعَتْ مُنْذُ دُخُولِ الجُيُوشِ الإِسْلَامِيَّةِ العَرَبِيَّةِ إِلَى دِمَشْقَ وَبَاقِي بِلَادِ الشَّامِ، حَيْثُ تُوَثِّقُ كُتُبُ التَّارِيخِ الدِّمَشْقِيِّ وَالرِّوَايَاتُ البَطْرِيَرْكِيَّةُ مَا حَدَثَ مِنْ إِجْبَارٍ عَلَى تَغْيِيرِ العَقِيدَةِ، وَفَرْضِ الجِزْيَةِ، وَتَفْرِيقِ العَائِلَاتِ، وَتَجْرِيدِ الأَوْقَافِ، وَتَحْوِيلِ الكَنَائِسِ إِلَى مَسَاجِدَ، وَسَبْيِ النِّسَاءِ وَطَرْدِ الرُّهْبَانِ، وَقَدْ اسْتَمَرَّ هٰذَا النَّهْجُ بِأَشْكَالٍ مُخْتَلِفَةٍ حَتَّى العُصُورِ الحَدِيثَةِ. تَزْدَادُ أَهَمِّيَّةُ هٰذَا البَحْثِ فِي ضَوْءِ نُمُوِّ الفِكْرِ التَّكْفِيرِيِّ، وَتَفَاقُمِ التَّهْجِيرِ، وَغِيَابِ الحِمَايَةِ الدُّوَلِيَّةِ، وَفِي ظِلِّ تَنَازُلِ رُؤَسَاءِ الكَنَائِسِ عَنْ دَوْرِهِمِ التَّنْوِيرِيِّ وَالعَقَدِيِّ الأَصِيلِ. فَالسُّؤَالُ المُوَجِّهُ لِهٰذَا البَحْثِ يَبْقَى مُلِحًّا: كَيْفَ نُبْقِي المَسِيحِيَّةَ جُذُورًا حَيَّةً فِي أَرْضٍ تَتَكَاثَفُ فِيهَا العَوَاصِفُ؟ وَهَلْ يَكُونُ البَقَاءُ بِقُوَّةِ الحَقِّ، أَمْ بِالتَّكَيُّفِ وَالتَّجَدُّدِ، أَمْ بِفِعْلٍ لَاهُوتِيٍّ وَحُقُوقِيٍّ جَمَاعِيٍّ؟ .هذه الأسئلة ستمر عبر مجموعة من الأهداف والمناهج فماهي تلك الأهداف وما هي تلك المناهج؟ أَهْدَافُ البَحْثِ:1-تَحْلِيلُ الأَسْبَابِ المَوضُوعِيَّةِ الَّتِي تُوجِبُ بَقَاءَ المَسِيحِيِّينَ فِي الشَّرْقِ. 2-تَسْجِيلُ وَثَائِقِيٍّ لِلتَّحَدِّيَاتِ المُعَاصِرَةِ الَّتِي تُهَدِّدُ وُجُودَهُمْ. 3-الدِّفَاعُ عَنْ حَقِّ المَسِيحِيِّينَ فِي الأَرْضِ وَالهُوِيَّةِ وَالمُوَاطَنَةِ. 4-تَقْدِيمُ رُؤْيَةٍ فِكْرِيَّةٍ وَحُقُوقِيَّةٍ وَلَاهُوتِيَّةٍ تَضْمَنُ البَقَاءَ وَالصُّمُودَ. المَنَاهِجُ المُعْتَمَدَةُ:1-المَنْهَجُ التَّحْلِيلِيُّ: لِتَفْكِيكِ العَوامِلِ السِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ المُؤَثِّرَةِ. 2-المَنْهَجُ التَّارِيخِيُّ: لِرَصْدِ التَّطَوُّرِ التَّارِيخِيِّ لِوُجُودِ المَسِيحِيِّينَ فِي المَشْرِقِ. 3-المَنْهَجُ الحُقُوقِيُّ: لِبَحْثِ مَسْأَلَةِ الحُقُوقِ الدِّينِيَّةِ وَالقَانُونِيَّةِ. 4-المَنْهَجُ اللاَّهُوتِيُّ – الفِكْرِيُّ: لِقِرَاءَةِ دَوْرِ الكَنِيسَةِ وَالرِّسَالَةِ فِي ظِلِّ المُتَغَيِّرَاتِ.
وبعد هذا تعالوا معي إلى المحور الأول. المِحْوَرُ الأَوَّلُ: التَّأْصِيلُ التَّارِيخِيُّ لِوُجُودِ المَسِيحِيَّةِ فِي الشَّرْقِ وُجُودٌ سَابِقٌ لِلإِسْلَامِ – الدَّوْرُ الحَضَارِيُّ وَاللُّغَوِيُّ وَالثَّقَافِيُّ. تُشَكِّلُ المَسِيحِيَّةُ فِي الشَّرْقِ حَقِيقَةً تَارِيخِيَّةً مُتَجَذِّرَةً، سَابِقَةً لِوُجُودِ الإِسْلَامِ بِقُرَابَةِ خَمْسِمِئَةٍ وَثَمَانِينَ عَامًا، وَلَمْ تَكُنْ وُجُودًا عَارِضًا أَو دَخِيلًا، بَلْ كَانَتْ رُوحًا قَوْمِيَّةً وَثَقَافِيَّةً وَرِسَالِيَّةً أَنْجَبَتْ مَشَارِيعَ لُغَوِيَّةً وَعِلْمِيَّةً وَفَنِّيَّةً كَبِيرَةً. وَقَدِ انْطَلَقَتِ الرِّسَالَةُ المَسِيحِيَّةُ مِنْ بِلَادِ الشَّامِ، حَيْثُ أُطْلِقَ عَلَى أَتْبَاعِهَا فِي أَنْطَاكِيَا لأَوَّلِ مَرَّةٍ لَقَبُ: "مَسِيحِيُّونَ"، وَمِنْهَا امْتَدَّتْ إِلَى الرُّهَا وَنَصِيبِينَ وَبَابِلَ وَسَهْلِ نَيْنَوَى وَحَتَّى الهِنْدِ وَالصِّينِ، وَذٰلِكَ قَبْلَ أَنْ تُقَامَ دَوْلَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ. أَمَّا مِنْ حَيْثُ الدَّوْرِ الحَضَارِيِّ، فَقَدْ كَانَ لِلمَسِيحِيِّينَ السُّرْيَانِ وَالآشُورِيِّينَ وَالكَلْدَانِ دَوْرٌ مِفْصَلِيٌّ فِي بِنَاءِ مَفَاهِيمَ التَّعْلِيمِ وَالإِدَارَةِ وَالطِّبِّ وَالفَلْسَفَةِ. وَفِي زَمَنِ الدَّوْلَةِ الأُمَوِيَّةِ ثُمَّ العَبَّاسِيَّةِ، كَانَ هَؤُلَاءِ يُشَكِّلُونَ العَقْلَ المُتَرْجِمَ الَّذِي نَقَلَ مَعَارِفَ الإِغْرِيقِ وَالهِنْدِ وَالفُرْسِ إِلَى اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ، وَبِهَذَا صَنَعُوا جُسُورًا مَعْرِفِيَّةً بَيْنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ. وَلَمْ يَقِفْ دَوْرُهُمْ عِنْدَ حُدُودِ التَّرْجَمَةِ، بَلْ كَانُوا مُعَلِّمِينَ وَفَلَاسِفَةً وَأَطِبَّاءَ وَإِدَارِيِّينَ فِي دُوَلِ الخِلَافَةِ، وَمِنْ أَشْهَرِهِم حُنَيْنُ بْنُ إِسْحَقَ العِبَادِيُّ، وَسَابُورُ بْنُ سَهْلٍ، وَبَطْرِيقُ بْنُ نَظِيرٍ، وَغَيْرُهُمْ. أَمَّا فِي المَجَالِ اللُّغَوِيِّ، فَإِنَّ السُّرْيَانِيَّةَ، وَهِيَ اللُّغَةُ الَّتِي كُتِبَتْ بِهَا الأُنْجِيلُ وَتُرْجِمَتْ إِلَيْهَا آيَاتٌ كَثِيرَةٌ، كَانَتْ لُغَةَ العِلْمِ وَالأَدَبِ فِي كَثِيرٍ مِنَ أَرْجَاءِ الشَّرْقِ، وَقَدْ تَأَثَّرَتْ بِهَا العَرَبِيَّةُ نَحْوًا وَصَرْفًا وَبَلَاغَةً. وَلَيْسَ هٰذَا وَحَسْبُ، حَيْثُ قَاسَى أَبُو ٱلأَسْوَدِ ٱلدُّؤَلِيُّ هِجَاءَ ٱلْعَرَبِيَّةِ عَلَى هِجَاءِ ٱلسُّرْيَانِيَّةِ، وَقَبْلَهُ سَأَلَ ٱلرَّسُولُ ٱلْعَرَبِيُّ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ: أَتُجِيدُ ٱلسُّرْيَانِيَّةَ؟ قَالَ: لَا. قَالَ: ٱذْهَبْ وَتَعَلَّمْهَا، لِأَنَّهَا لُغَةُ ٱلْمَلَائِكَةِ. وَٱلسُّؤَالُ: لِمَاذَا لَمْ يَحُثَّ ٱلرَّسُولُ حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ عَلَى تَعَلُّمِ ٱلْعَرَبِيَّةِ، بَلْ قَالَ لَهُ: "تَعَلَّمِ ٱلسُّرْيَانِيَّةَ، لِأَنَّهَا لُغَةُ ٱلْمَلَائِكَةِ"؟ وَيُقَالُ فِي "ٱلْعِقْدِ ٱلْفَرِيدِ" وَغَيْرِهِ مِنْ ٱلْمَرَاجِعِ: إِنَّ حَسَّانًا ذَهَبَ وَتَعَلَّمَهَا فِي سَبْعَةَ عَشَرَ يَوْمًا. وَٱلسُّؤَالُ: مَاذَا تَعَلَّمَ مِنْهَا فِي هٰذِهِ ٱلْمُدَّةِ ٱلْقَصِيرَةِ؟ إِنَّهُ تَعَلَّمَ ٱلنَّحْوَ وَٱلصَّرْفَ مِنَ ٱلسُّرْيَانِيَّةِ، لِأَنَّهُ بِٱلْأَصْلِ يَتَحَدَّثُهَا، وَٱلسُّرْيَانِيَّةُ هِيَ ٱلْآرَامِيَّةُ، لِأَنَّ ٱلْأَبْجَدِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتِ ٱلْخُطُوطُ قَدْ تَجَدَّدَتْ وَتَمَّ ٱسْتِحْدَاثُ وَٱسْتِنْبَاطُ خُطُوطٍ جَدِيدَةٍ، كَمَا فِي كُلِّ ٱللُّغَاتِ. وَعَلَى الصَّعِيدِ الثَّقَافِيِّ وَالدِّينِيِّ، فَإِنَّ المَسِيحِيَّةَ المَشْرِقِيَّةَ قَدَّمَتْ نَمَاذِجَ فِي الرُّوحَانِيَّةِ وَالنُّسْكِ وَالحِوَارِ، وَكَانَتِ الأَدِيرَةُ مَرَاكِزَ لِلتَّعَلُّمِ وَالنَّقْلِ وَالبَحْثِ، فِي وَقْتٍ كَانَتِ القَبَائِلُ وَالثَّقَافَاتُ حَوْلَهَا فِي غَفْوَةٍ حَضَارِيَّةٍ. إِنَّ تَثْبِيتَ وُجُودِ المَسِيحِيَّةِ قَبْلَ الإِسْلَامِ، وَإِثْبَاتَ دَوْرِهَا فِي بِنَاءِ الحَضَارَةِ وَاللُّغَةِ وَالإِنسَانِ، يُشَكِّلُ قَاعِدَةً أَسَاسِيَّةً لِلدِّفَاعِ عَنْ حَقِّهَا فِي البَقَاءِ عَلَى أَرْضِهَا التَّارِيخِيَّةِ، فَهِيَ لَمْ تَكُنْ طَارِئَةً، بَلْ هِيَ أَصِيلَةٌ، وَإِسْهَامَاتُهَا تَسْبِقُ بِلَا نِزَاعٍ بَعْضَ مَنْ يُنْكِرُونَ عَلَيْهَا الْيَوْمَ الوُجُودَ وَالحُقُوقَ. ثُمَّ مَاذَا عَنْ أَهْلِ بِلَادِ الشّام وَٱلْعِرَاقِ؟ لَوْ أَنَّنَا حَاوَلْنَا أَنْ نَتَفَحَّصَ ٱلْمَوَارِيثَ عَبْرَ عَمَلِيَّةِ فَحْصِ ٱلدِّي إِي ٱنْ، لَوَجَدْنَا أَنَّهُمْ فِعْلًا: آَرَامِيُّونَ، أَشُّورِيُّونَ، كَلْدَانِيُّونَ، فِينِيقِيُّونَ، وَكَنْعَانِيُّونَ. وَنِسْبَةٌ ضَئِيلَةٌ جِدًّا تَنْتَسِبُ إِلَى ٱلْعَرَبِ، وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نُؤَكِّدَ أَنَّ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَأَرْبَعِينَ عَامًا، تَرَكَتْ مَا تَرَكَتْهُ مِنْ أَثَرٍ فِي تَغْيِيرِ ٱلْجِينَاتِ ٱلْوِرَاثِيَّةِ لِأَهْلِ بِلَادِ ٱلشَّامِ وَٱلْعِرَاقِ. المِحْوَرُ الثَّانِي: التَّحَدِّيَاتُ المُعَاصِرَةُ الَّتِي تُوَاجِهُ المَسِيحِيِّينَ فِي الشَّرْقِ تُوَاجِهُ المَسِيحِيَّةُ المَشْرِقِيَّةُ فِي العُصُورِ الحَدِيثَةِ مَجْمُوعَةً مِنَ التَّحَدِّيَاتِ المُتَرَاكِبَةِ الَّتِي تُهَدِّدُ وُجُودَهَا التَّارِيخِيَّ وَتُضْعِفُ دَوْرَهَا الحَضَارِيَّ، وَيَأْتِي فِي مُقَدِّمَتِهَا: الإِقْصَاءُ السِّيَاسِيُّ وَالتَّهْمِيشُ المُنَظَّمُ فَعَلَى الرُّغْمِ مِنْ أَنَّ المَسِيحِيِّينَ كَانُوا شُرَكَاءَ فِي تَشْكِيلِ الكِيَانَاتِ السِّيَاسِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ فِي المَشْرِقِ، فَإِنَّهُمْ الْيَوْمَ يُعَامَلُونَ كَـأَقَلِّيَّاتٍ دُونِيَّةٍ، لا تَتَطَابَقُ عَلَيْهِمْ مَفَاهِيمُ المُوَاطَنَةِ الكَامِلَةِ، وَتُسْلَبُ مِنهُم فُرَصُ التَّمْثِيلِ السِّيَاسِيِّ العَادِلِ، أَو يُحْصَرُ دَوْرُهُم فِي حِصَصٍ طَائِفِيَّةٍ تُدَارُ بِالْوِلَاءَاتِ لا بِالكَفَاءَاتِ. وَفِي أَغْلَبِ الأَنْظِمَةِ، لَا يُسْمَحُ لِلمَسِيحِيِّ أَنْ يَكُونَ رَئِيسًا، أَو قَاضِيًا شَرْعِيًّا، أَو ذَا دَوْرٍ تَشْرِيعِيٍّ يَتَعَدَّى مَا خُصِّصَ لَهُ سَلَفًا. مَا عَدَا طَفَرَاتٍ كَانَ فِيهَا أَهْلُ ٱلْبِلَادِ بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى ٱلْمَسِيحِيِّ ٱلْمُثَقَّفِ وَٱلْمُتَنَوِّرِ، وَٱلَّذِي سَيَخْدِمُ مَصَالِحَهُمْ وَيُحَقِّقُ غَايَاتِهُمْ، فَتِلْكَ لِكُلِّ قَاعِدَةٍ شَوَاذُّ لَا تُعَمَّمُ، بِدَلِيلِ أَنَّ ٱلْأَحْزَابَ ٱلثَّوْرِيَّةَ وَٱلشُّيُوعِيَّةَ وَٱلتَّقَدُّمِيَّةَ وَٱلْمُتَنَوِّرِينَ مِنَ ٱلْمُسْلِمِينَ ٱنْكَفَؤُوا عِنْدَمَا ٱجْتَاحَتْ دَاعِشُ وَأَخَوَاتُهَا سُورِيَّةَ وَٱلْعِرَاقَ. وَلَكِنْ بِٱلْمُقَابِلِ، لَيْسَ كُلُّ ٱلْإِسْلَامِ فِي صَفٍّ وَاحِدٍ، كَمَا أَنَّ ٱلسُّنَّةَ لَيْسُوا على منبع واحد، فَهُنَاكَ دَلَائِلُ وَأَرْقَامٌ عَلَى أَنَّ مِنْ أَهْلِ ٱلسُّنَّةِ أَعْلَامًا تُرْفَعُ لَهَا ٱلْقُبَّعَاتُ، وَمِنَ ٱلْخَطَإِ أَنْ نُوصِفَ دَوْمًا ٱلْحَالَةَ أَوِ ٱلْوَاقِعَ بِرَأْيٍ مِزَاجِيٍّ. وَلَكِنَّ ٱلْحَالَةَ ٱلرَّاهِنَةَ ٱلَّتِي تَجْتَاحُ سُورِيَّةَ، هِيَ نَتِيجَةُ ٱحْتِقَانٍ شَدِيدِ ٱلِٱنْفِجَارِ مِنْ قِبَلِ غَالِبِيَّةِ أَهْلِ ٱلسُّنَّةِ ٱلَّذِينَ ٱنْسَاقُوا مَعَ ٱلْمَشَارِيعِ ٱلتَّكْفِيرِيَّةِ، وَلَكِنَّهُمْ لَيْسُوا كَذٰلِكَ، وَسَيَصْحُونَ عَلَى وَاقِعٍ يَقُولُ: «سُورِيَّةُ لَيْسَتْ لِي، بَلْ لِجَمِيعِ مُكَوِّنَاتِهَا ٱلْقَوْمِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ وَٱلْمَذْهَبِيَّةِ». نَأْمُلُ أَنْ تَكُونَ ٱلصَّحْوَةُ قَرِيبًا، لِأَنَّ هُنَاكَ ٱلْآلَافَ مِمَّنْ يُقْتَلُونَ وَيُذْبَحُونَ وَيُهَاجِرُونَ. نُمُوُّ الفِكْرِ التَّكْفِيرِيِّ وَتَدْهِينُ العُنْفِ الدِّينِيِّ يُعْتَبَرُ نُمُوُّ الفِكْرِ السَّلَفِيِّ التَّكْفِيرِيِّ مِنْ أَخْطَرِ التَّهْدِيدَاتِ الَّتِي تُوَاجِهُ المَسِيحِيِّينَ، خُصُوصًا مَعَ تَبَنِّي بَعْضِ أَنْظِمَةِ الحُكْمِ الجَدِيدَةِ لِهٰذِهِ الأَيْدِيُولُوجِيَّاتِ وَتَصْدِيرِهَا فِي مَنَاهِجِ التَّعْلِيمِ وَخُطَبِ المَنَابِرِ. يُؤَدِّي هٰذَا النَّهْجُ إِلَى شَرْعَنَةِ الإِقْصَاءِ وَالعُدْوَانِ، وَتَفْسِيرِ التَّارِيخِ وَالوَاقِعِ وَالعَقِيدَةِ فِي إِطَارٍ إِقْصَائِيٍّ يُنْكِرُ الحَقَّ فِي الاخْتِلَافِ وَفِي الوُجُودِ. وَأَدَّى ذٰلِكَ إِلَى مَجَازِرَ وَعَمَلِيَّاتِ إِبَادَةٍ جَمَاعِيَّةٍ، كَمَا حَصَلَ فِي العِرَاقِ (سِيَّمَا فِي نِينَوَى وَالمَوْصِلِ)، وَفِي سُورِيَا (فِي مَعْرَكَةِ مَعَرَّةِ النُّعْمَانِ، وَفِي مُخَيَّمِ اليَرْمُوكِ وَقُرَى الخَابُورِ)، وَفِي مِصْرَ وَلُبْنَانَ فِي أَزْمِنَةٍ سَابِقَةٍ. هٰذِهِ المَجَازِرُ لَمْ تَكُنْ وَلِيدَةَ اللَّحْظَةِ، بَلْ جَاءَتْ كَنتَاجٍ لِمُقَدِّمَاتٍ تَكْفِيرِيَّةٍ وَعَدَائِيَّةٍ تُنْكِرُ الآخَرَ وَتُسَوِّغُ إِبَادَتَهُ.
غِيَابُ الدَّوْلَةِ المَدَنِيَّةِ وَفَشَلُ نَمُوذَجِ المُوَاطَنَةِ فِي أَكْثَرِ مِنْ ٩٠٪ مِنْ بُلْدَانِ الشَّرْقِ، يُرْفَضُ مَبْدَأُ الدَّوْلَةِ المَدَنِيَّةِ، وَيُقَابَلُ مَفْهُومُ العَلْمَنَةِ أَو الفِيدِرَالِيَّةِ بِالتَّخْوِينِ وَالاسْتِئْصَالِ. وَفِي ظِلِّ الْخَلْطِ بَيْنَ الدِّينِ وَالدَّوْلَةِ، تَتَغَيَّبُ مَفَاهِيمُ الحِيَادِ وَالعَدَالَةِ وَحُقُوقِ الإِنْسَانِ، مِمَّا يُنْتِجُ بِيئَةً طَارِدَةً لِلمَسِيحِيِّينَ وَلِكُلِّ أَقَلِّيَّةٍ تَطْمَحُ إِلَى كِيَانٍ مُسَاوٍ فِي الوَطَنِ وَالحُقُوقِ. التَّهْجِيرُ وَالهِجْرَةُ وَالتَّغْيِيرُ الدِّيمُوغْرَافِيُّ يُعْتَبَرُ التَّهْجِيرُ القَسْرِيُّ وَالهِجْرَةُ المُنَظَّمَةُ مِنْ أَخْطَرِ أَسْلِحَةِ تَفْرِيغِ الشَّرْقِ مِنْ مَسِيحِيِّيهِ. وَقَدْ أَدَّتِ الحُرُوبُ، وَسِيَاسَاتُ الخَوْفِ وَالعَزْلِ، وَضُغُوطُ الإِقْتِصَادِ وَالتَّعْلِيمِ، إِلَى مَوْجَاتِ نُزُوحٍ وَمَهَاجِرَ أَفْقَدَتِ العَدِيدَ مِنَ المُدُنِ وَالقُرَى وَجْهَهَا التَّارِيخِيَّ. فِي العِرَاقِ، تَقَلَّصَ عَدَدُ المَسِيحِيِّينَ مِنْ أَكْثَرَ مِنْ ١.٤ مِلْيُونِ نَسَمَةٍ قَبْلَ ٢٠٠٣ إِلَى أَقَلَّ مِنْ ١٥٠ أَلْفًا اليَوْمَ، وَفِي سُورِيَا تَرَاجَعَ الحُضُورُ المَسِيحِيُّ بِصُورَةٍ دَرَامَاتِيكِيَّةٍ فقَبْلَ عَامِ 2011 م. كان يُقَدَّرُ الحُضُورُ المِسيحيُّ بِإِحْصَائِيَّاتٍ حِيَادِيَّةٍ بِـثَلَاثَةِ مَلَايِينَ وَمِئَةٍ وَسِتِّينَ أَلْفَ نَسَمَةٍ، بَيْنَمَا كَانَتِ ٱلْإِحْصَائِيَّاتُ ٱلْوَطَنِيَّةُ تُشِيرُ إِلَى مِلْيُونَيْنِ وَثَمَانِمِئَةٍ وَسَبْعِينَ أَلْفَ نَسَمَةٍ. وَٱلْآنَ، بَعْدَ هٰذِهِ ٱلسِّنِينَ، لَمْ يَتَبَقَّ مِنَ ٱلْمَسِيحِيَّةِ إِلَّا أَشْبَاحٌ، رَغْمَ أَنَّهُمْ دَفَعُوا ٱلْكَثِيرَ، وَقَدَّمُوا ضَحَايَا مِنْ خِلَالِ ٱلْجَيْشِ ٱلسُّورِيِّ، وَمِنَ ٱلْمَدَنِيِّينَ عَبْرَ ٱلْمَجَازِرِ، فَقَدْ بَلَغَ عَدَدُ ٱلشُّهَدَاءِ ٱلْمَسِيحِيِّينَ مُنْذُ عَامِ 2011 وَحَتَّى ٱلْيَوْمِ، أَكْثَرَ مِنْ 38 أَلْفًا. وَهٰذَا غَيْرُ أَنَّهُمْ فَقَدُوا أَكْثَرَ مِنْ 73قَرْيَةً، وَهَاجَرَ وَتَفَرَّقَ أَكْثَرُ مِنْ مِلْيُونٍ وَتِسْعِمِائَةِ أَلْفِ نَسَمَةٍ. فَفِي ٱلْجَزِيرَةِ وَحْدَهَا، كَانَ هُنَاكَ مِنَ ٱلسُّرْيَانِ وَحْدَهُمْ 470 أَلْفَ نَسَمَةٍ، عَدَا ٱلْأَرْمَنِ، وَلَكِنَّهُمْ ٱلْيَوْمَ لَا يَتَجَاوَزُونَ عَشَرَةَ آلَافٍ.وَهٰكَذَا يَسْتَمِرُّ ٱلنَّزِيفُ، وَتَتَصَحَّرُ دُوَلُ ٱلشَّرْقِ مِنَ ٱلْمَسِيحِيَّةِ. وَٱلسُّؤَالُ: إِلَى مَتَى؟ هٰذَا التَّغْيِيرُ الدِّيمُوغْرَافِيُّ يَهْدِفُ إِلَى إِفْرَاغِ الشَّرْقِ مِنْ مَوَارِدِهِ الرُّوحِيَّةِ وَالتَّعَايُشِيَّةِ، وَيُهَدِّدُ الهُوِيَّةَ التَّعَادُلِيَّةَ لِلْمَنْطِقَةِ، وَيُكَرِّسُ نَمَاذِجَ وَاحِدِيَّةَ الثَّقَافَةِ وَالدِّينِ وَالذِّهْنِ. في ضوء هذه التحديات، تبدو الحاجةُ ملحَّةً لصياغةِ مشروع بقاءٍ مسيحيٍّ مشرقيٍّ يواجه الواقع لا يتهرّب منه، ويتكئ على التاريخ، ويستنجد بالحقّ، ويؤمن بالشراكة العادلة لا بالذمية الجديدة. المِحْوَرُ الثَّالِثُ: الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ المَشْرِقِيَّةِ فِي ظِلِّ التَّحَدِّيَاتِ المُعَاصِرَةِ، يَبْدُو أَنَّ بَقَاءَ المَسِيحِيَّةِ فِي الشَّرْقِ لَيْسَ خِيَارًا عَاطِفِيًّا أَو تَرَفًا أَقَلِّيًّا، بَلْ هُوَ وَاجِبٌ لَاهُوتِيٌّ وَحَقٌّ تَارِيخِيٌّ وَحَاجَةٌ حَضَارِيَّةٌ وَفِكْرِيَّةٌ لِصِيَانَةِ التَّوَازُنِ الرُّوحِيِّ وَالثَّقَافِيِّ فِي مَهْدِ الأَدْيَانِ. وَتَنْبُعُ مَشْرُوعِيَّةُ هٰذَا البَقَاءِ مِنْ جُمْلَةِ أُسُسٍ جَوْهَرِيَّةٍ، نَذْكُرُ مِنْهَا: رِسَالَةٌ لَاهُوتِيَّةٌ كَوْنِيَّةٌ إِنَّ المَسِيحِيَّةَ المَشْرِقِيَّةَ لا تَحْمِلُ فِي كِيَانِهَا مَجَرَّدَ انْتِمَاءٍ دِينِيٍّ، بَلْ هِيَ رِسَالَةٌ تَجَسُّدِيَّةٌ تُجَسِّدُ الإِنْسَانَ فِي ضَعْفِهِ وَرَجَائِهِ، فَهِيَ مَذْهَبُ الحُبِّ وَالغُفْرَانِ وَالتَّجَاوُزِ. وَبِقَدْرِ مَا تُقَاوِمُهُ مِنْ إِقْصَاءٍ وَعُدْوَانٍ، فَإِنَّهَا تَسْتَمِرُّ فِي إِضَاءَةِ جِرَاحِ البَشَرِ بِرُوحِ الخِدْمَةِ وَالشَّهَادَةِ، كَمَا قَالَ الرَّبُّ يَسُوعُ: " أنتمْ نور العالم ، أنتم ملح الأرض). إِنَّ بَقَاءَ المَسِيحِيِّينَ فِي الشَّرْقِ هُوَ بَقَاءُ لِرِسَالَةِ الإِنْجِيلِ فِي بِلَادِهِمِ الأُولَى، وَهُوَ تَجْدِيدٌ لِوُجُودٍ مِيثَاقِيٍّ مَعَ الأَرْضِ وَالبَشَرِ وَالسَّمَاءِ. وَهُوَ ٱمْتِحَانٌ لِلدِّينِ ٱلْأَعَمِّ، وَمَدَى قَبُولِهِ غَيْرَهُ مِنَ ٱلْأَدْيَانِ وَٱلْمَذَاهِبِ. عُمُقٌ تَارِيخِيٌّ وَثَقَافِيٌّ تَسْبِقُ المَسِيحِيَّةُ كَدِينٍ الدِين الإسلامي فِي الشَّرْقِ، وَقَدْ شَارَكَ أَبْنَاؤُهَا فِي بِنَاءِ الهُوِيَّاتِ المَدَنِيَّةِ وَالإِدَارِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ لِهٰذِهِ البِلَادِ. وَفِي كُلِّ مَدِينَةٍ مَشْرِقِيَّةٍ تَقْرَأُ فِي مَسَاحَاتِهَا أَثَرَ الدِّيرِ وَالمَطْرَانِيَّةِ وَالمَكْتَبَةِ وَالمَدْرَسَةِ. هٰذَا العُمُقُ لَيْسَ نَوْعًا مِنَ التَّمْسُّكِ النُّسْخِيِّ بِالتَّارِيخِ، بَلْ هُوَ رِوَايَةُ حَقٍّ وَرِثْنَاهُ وَنُدَافِعُ عَنْهُ، حَقٌّ فِي الأَرْضِ وَفِي الأَثَرِ وَفِي اللُّغَةِ وَفِي الاسْمِ. دَوْرٌ فِي الحِوَارِ وَالسَّلَامِ حَمَلَتِ المَسِيحِيَّةُ المَشْرِقِيَّةُ عَبْرَ القُرُونِ مَشَاعِلَ الحِوَارِ بَيْنَ الأَدْيَانِ، وَكَانَتْ جِسْرًا بَيْنَ الإِسْلَامِ وَالغَرْبِ، وَبَيْنَ الإِيمَانِ وَالعِلْمِ، وَهِيَ اليَوْمَ حَاجِزُ التَّوَتُّرِ وَمِظَلَّةُ التَّسَامُحِ. فَفِي زَمَنٍ تَسُودُهُ الثَّقَافَةُ الإِقْصَائِيَّةُ وَالأُحَادِيَّةُ، تَبْقَى الكَنِيسَةُ المَشْرِقِيَّةُ شَاهِدَةً عَلَى إِمْكَانِ العَيْشِ المُشْتَرَكِ، وَعَلَى إِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الدِّينُ رَافِعَةً لِلسَّلامِ، لَا سَيْفًا لِلقَطِيعَةِ. شَرَاكَةٌ حَضَارِيَّةٌ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلنَّقْضِ لَا يُمْكِنُ فَهْمُ المَشْرِقِ بِغَيْرِ مَسِيحِيِّيهِ، كَمَا لَا يُمْكِنُ فَهْمُ الإِسْلَامِ بِغَيْرِ مَا أَضَافَهُ المَسِيحِيُّونَ لَهُ فِي الطِّبِّ وَالعَقْلِ وَالمَعْرِفَةِ. فَهُم لَيْسُوا "ضُيُوفًا"، بَل شُرَكَاءُ تَكْوِينٍ. وَكَمَا أَنَّهُ لَا حَقَّ فِي المِلْكِيَّةِ لِمَنْ لَمْ يَبْنِهَا، فَكَذٰلِكَ لَا يُمْكِنُ نَفْيُ حُقُوقِ المَسِيحِيِّينَ وَهُمْ مِنْ صُنَّاعِ هٰذِهِ الأَرْضِ. إِنَّهُم الذَّاكِرَةُ الحَيَّةُ، وَبِزَوَالِهِمْ يَمْرَضُ الشَّرْقُ، وَيَنْكَسِرُ وُجُودُهُ المُتَعَدِّدِ. إذًا، فَـبَقَاءُ المَسِيحِيَّةِ فِي الشَّرْقِ لَا يُدَافَعُ عَنْهُ بِلُغَةِ الخَوْفِ وَالأَقَلِّيَّةِ، بَلْ بِلُغَةِ الحَقِّ وَالرِّسَالَةِ وَالشَّرَاكَةِ فِي صُنْعِ التَّارِيخِ وَالْقِيمِ. وَنَحْنُ نُؤَكِّدُ مِنْ خِلَالِ هٰذَا ٱلْبَحْثِ أَنَّ مُشْكِلَةَ ٱلْمَسِيحِيَّةِ لَيْسَتْ مَعَ كُلِّ ٱلْمُسْلِمِينَ، فَهٰذَا خَطَأٌ جَسِيمٌ، بَلْ مَعَ ٱلْإِسْلَامِ ٱلسِّيَاسِيِّ وَٱلدَّاعِشِيِّ. وَعَلَى ٱلْمَسِيحِيِّينَ يَقَعُ ٱلْعِبْءُ ٱلْأَكْبَرُ، إِذْ إِنَّهُمْ لَا يُوَاجِهُونَ ٱلْمُشْكِلَةَ بِأَدَوَاتٍ رَدْعِيَّةٍ، بَلْ بِأَفْكَارٍ طُوبَاوِيَّةٍ، وَلَدَيْهِمْ رُوحٌ يَقُولُ عَنْهَا ٱلْآخَرُ إِنَّهَا ٱنْهِزَامِيَّةٌ، وَرَغْمَ ذٰلِكَ فَإِنَّنِي مَعَ هٰذَا ٱلْقَوْلِ. المِحْوَرُ الرَّابِعُ: الدَّوْرُ المَطْلُوبُ مِنَ الكَنِيسَةِ وَالزَّعَامَاتِ الرُّوحِيَّةِ لَا يُمْكِنُ الكَلَامُ عَنْ بَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ فِي الشَّرْقِ، وَحِفَاظِهَا عَلَى أَرْضِهَا وَهُوِيَّتِهَا، دُونَ مُرَاجَعَةٍ نَقْدِيَّةٍ وَصَادِقَةٍ لِدَوْرِ الكَنِيسَةِ المَشْرِقِيَّةِ وَزُعَمَائِهَا الرُّوحِيِّينَ، الَّذِينَ تَحَوَّلَ كَثِيرٌ مِنهُمْ – فِي عُيُونِ أَبْنَائِهِمْ – إِلَى مُجَرَّدِ مُدِيرِي طَوَائِفَ وَمُسَيِّرِي مَصَالِحَ، لَا إِلَى شُهُودٍ لِلحَقِّ وَالوُجُودِ. وَمِنْ هُنَا، تَتَبَيَّنُ جُمْلَةٌ مِنَ المَهَامِّ المُوَجَّهَةِ إِلَى الكَنِيسَةِ وَالزَّعَامَاتِ الرُّوحِيَّةِ، نَذْكُرُ أَهَمَّهَا: التَّجَدُّدُ اللاَّهُوتِيُّ وَفَهْمُ الوَاقِعِ لَا يُمْكِنُ لِكَنِيسَةٍ أَنْ تَصْمُدَ فِي وَجْهِ الزَّمَنِ وَالتَّارِيخِ وَالعُدْوَانِ، وَهِيَ تُدِيرُ ظَهْرَهَا لِلتَّطَوُّرِ وَتَتَجَمَّدُ فِي نُصُوصٍ تَفْقِدُ دَلَالَتَهَا عِنْدَ فَقْدِ سِيَاقِهَا. إِنَّ التَّجَدُّدَ اللاَّهُوتِيَّ لَا يَعْنِي تَغْيِيرَ الإِيمَانِ، بَلْ قِرَاءَتَهُ عَلَى ضَوْءِ الوَاقِعِ، وَفْقَ مَا أَوْصَى بِهِ السَّيِّدُ المَسِيحُ: " كُلُّ ما تَحُلُّوهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَحْلُولًا فِي السَّمَاءِ، وَكُلُّ ما تَرْبِطُونَهُ عَلَى الأَرْضِ يَكُونُ مَرْبُوطًا فِي السَّمَاءِ."وَأَمَّا كَلِمَةُ "كُلُّ" فِي المَنْطِقِ الأَرِسْطِيِّ، فَإِنَّهَا تَعْنِي: "كُلَّ شَيْءٍ".وَقَالَ بُولُسُ الرَّسُولُ: "النَّامُوسُ قَدْ شَاخَ، بَلْ قَدِ اضْمَحَلَّ". "بِالنِّعْمَةِ نَحْنُ مُخَلَّصُونَ".النَّامُوسُ بِمُوسَى قَدْ أُعْطِيَ، أَمَّا النِّعْمَةُ فَبِالمَسِيحِ يَسُوعَ". أجل علينا أن نقرأ مسيحيتنا بحسب الظروف". وَهُوَ يَفْتَرِضُ إِعَادَةَ تَفْسِيرِ النُّصُوصِ وَالمُهِمَّاتِ الرُّوحِيَّةِ فِي ضَوْءِ السِّيَاقِ الجُغْرَافِيِّ وَالسِّيَاسِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ. الدِّفَاعُ عَنِ الحُقُوقِ المَدَنِيَّةِ وَالوُجُودِ السِّيَاسِيِّ بِمَا فِي ذٰلِكَ المُطَالَبَةُ بِفِيدِرَالِيَّاتٍ حَاضِنَةٍ لِلمَسِيحِيِّينَ لَا تَكْفِي الرَّعَوِيَّةُ فِي الزَّمَانِ السِّيَاسِيِّ، فَالكَنِيسَةُ مَدْعُوَّةٌ لِلدِّفَاعِ الجَهُورِيِّ عَنْ وُجُودِ شَعْبِهَا، وَذٰلِكَ بِالمُطَالَبَةِ بِضَمَانِ حُقُوقِهِمْ فِي الدُّسْتُورِ، وَفِي التَّعْلِيمِ، وَفِي القَضَاءِ، وَفِي التَّمْثِيلِ السِّيَاسِيِّ العَادِلِ. وَيَتَطَلَّبُ ذٰلِكَ دَعْمَ مَشَارِيعَ إِدَارِيَّةٍ خَاصَّةٍ تَحْفَظُ الهُوِيَّةَ وَالأَمْنَ وَالوُجُودَ، كَمَا فِي طَرْحِ الفِيدِرَالِيَّاتِ أَو الإِدَارَاتِ الذَّاتِيَّةِ الَّتِي لَا تَتَنَاقَضُ مَعَ وَحْدَةِ الأَوْطَانِ، بَلْ تُثَبِّتُهَا عَلَى أَسَاسِ العَدَالَةِ وَالمُوَاطَنَةِ. الوَاقِعِيَّةُ وَالمُبَادَرَةُ لَا يُمْكِنُ أَنْ تَسْتَمِرَّ الكَنَائِسُ فِي دَوْرِ رَدِّ الفِعْلِ وَالتَّمَنِّي وَالزَّجْرِ مِنْ عَلَى المَنَابِرِ، بَلْ هِيَ مَدْعُوَّةٌ إِلَى بِنَاءِ رُؤًى وَمَشَارِيعَ فَاعِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ، وَالتَّعَاوُنِ مَعَ المَدَنِيِّينَ وَالقَانُونِيِّينَ وَالنَّاشِطِينَ، وَتَأْسِيسِ مُؤَسَّسَاتٍ تُنَافِسُ وَتُثْبِتُ الوُجُودَ. وَأَهَمُّ تِلْكَ ٱلْمُؤَسَّسَاتِ: تَأْسِيسُ أَحْزَابٍ سِيَاسِيَّةٍ وَلَيْسَتْ دِينِيَّةً، وَتَكُونُ دِيمُقْرَاطِيَّةً، وَبِغَيْرِ ذٰلِكَ سَتُهَاجِرُ ٱلْمَسِيحِيَّةُ عَاجِلًا أَوْ آجِلًا، وَتَفْقِدُ حَقَّهَا فِي أَرْضِ أَجْدَادِهَا. تَوْحِيدُ الكَلِمَةِ بَيْنَ الكَنَائِسِ لَا يُمْكِنُ لِكَنِيسَةٍ مَجْرُوحَةٍ أَنْ تَشْهَدَ لِلسَّلَامِ، وَهِيَ مُتَفَرِّقَةٌ وَمُتَنَافِسَةٌ وَمُتَشَظِّيَةٌ فِي خِطَابِهَا وَمَوَاقِفِهَا. إِنَّ تَوْحِيدَ الصَّفِّ المَسِيحِيِّ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَاهُوتِيًّا، فَلْيَكُنْ إِنْسَانِيًّا وَوُجُودِيًّا وَدِفَاعِيًّا. فَصَوْتٌ وَاحِدٌ أَمَامَ العَالَمِ أَفْضَلُ مِنْ أَصْوَاتٍ تُنَافِسُ بَعْضَهَا، وَتُشَوِّشُ عَلَى حَقِّ البَقَاءِ وَالحِوَارِ. إِنَّ الزَّعَامَةَ الرُّوحِيَّةَ اليَوْمَ، لَا تُقَاسُ بِعَدَدِ المُصَلِّينَ، وَلَا بِفَخَامَةِ الكَاتِدْرَائِيَّاتِ، بَلْ بِقُدْرَتِهَا عَلَى الصُّمُودِ وَالرُّؤْيَا وَالتَّجْدِيدِ وَتَفْعِيلِ الحُقُوقِ. المِحْوَرُ الخَامِسُ: الرُّؤْيَةُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ وَسُبُلُ الصُّمُودِ فِي وَجْهِ العَوَاصِفِ السِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ وَالدِّيمُوغْرَافِيَّةِ الَّتِي تَجْتَاحُ المَشْرِقَ، لَا يُمْكِنُ لِلمَسِيحِيَّةِ أَنْ تَكْتَفِيَ بِالذِّكْرَى وَالنَّدَبِ وَحِفْظِ التُّرَاثِ، بَلْ هِيَ مَدْعُوَّةٌ لِبِنَاءِ مَشْرُوعِ بَقَاءٍ مُسْتَقْبَلِيٍّ نَشِطٍ، يُزَاوِجُ بَيْنَ الثَّبَاتِ وَالحِرَاكِ، وَبَيْنَ الحُقُوقِ وَالوَاقِعِ. وَفِي هٰذَا السِّيَاقِ، تَتَبَيَّنُ جُمْلَةٌ مِنَ الآفَاقِ العَمَلِيَّةِ: التَّثْبِيتُ فِي الأَرْضِ لَا صُمُودَ دُونَ أَرْضٍ، وَلَا شَهَادَةَ دُونَ جُذُورٍ. وَعَلَيْهِ، فَإِنَّ المَشْرُوعَ المَسِيحِيَّ المُسْتَقْبَلِيَّ يَجِبُ أَنْ يَبْنِيَ سِيَاسَاتٍ لِلتَّثْبِيتِ الجُغْرَافِيِّ فِي القُرَى وَالمُدُنِ الَّتِي يَتَوَاجَدُ فِيهَا المَسِيحِيُّونَ، وَذٰلِكَ مِنْ خِلَالِ: دَعْمِ البَقَاءِ السُّكَّانِيِّ (زِيجَةً وَوِلَادَةً وَمَسْكَنًا) وتَوْفِيرِ فُرَصِ العَمَلِ وَالإِنْتَاجِ لِفِئَاتِ الشَّبَابِ. تَشْجِيعِ العَوْدَةِ مِنَ المَهْجَرِ إِلَى مَنَاطِقِ النُّزُوحِ.وتَثْبِيتِ الحُضُورِ الرُّوحِيِّ وَالتَّرْبَوِيِّ وَالاجْتِمَاعِيِّ. التَّحَالُفُ مَعَ قُوًى مُدَنِيَّةٍ وَحُقُوقِيَّةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُواجَهَ الإِقْصَاءُ بِالعُزْلَةِ، وَلَا التَّكْفِيرُ بِالارْتِجَالِ. وَعَلَيْهِ، فَإِنَّ المَسِيحِيِّينَ فِي الشَّرْقِ مُلْزَمُونَ بِـتَحَالُفَاتٍ مَدَنِيَّةٍ وَحُقُوقِيَّةٍ وَعَابِرَةٍ لِلطَّوَائِفِ، تَضَعُ الحُقُوقَ وَالحُرِّيَّاتِ وَالمُوَاطَنَةَ كَقَاسِمٍ مُشْتَرَكٍ. وَيَكُونُ ذٰلِكَ مِنْ خِلَالِ:التَّنْسِيقِ مَعَ الجِهَاتِ الحُقُوقِيَّةِ الدَّوْلِيَّةِ. إِنْشَاءِ أحزاب ومُنَظَّمَاتٍ مَدَنِيَّةٍ مَسِيحِيَّةٍ مُسْتَقِلَّة. الضَّغْطِ فِي المَحَافِلِ الدُّوَلِيَّةِ لِتَضْمِينِ الحِمَايَةِ القَانُونِيَّةِ. دَعْمُ الجَالِيَاتِ فِي دُوَلِ المَهْجَرِ إِنَّ الجَالِيَاتِ المَسِيحِيَّةَ فِي دُوَلِ الاغْتِرَابِ تُشَكِّلُ ذَخِيرَةً بَشَرِيَّةً وَاقْتِصَادِيَّةً وَثَقَافِيَّةً، وَلَكِنَّهَا مَعَرَّضَةٌ لِذَوَبَانٍ هُوِيَّاتِيٍّ إِنْ لَمْ يُدْعَمْ وُجُودُهَا بِرُؤْيَةٍ تَرْبَوِيَّةٍ وَمُؤَسَّسِيَّةٍ وَرُوحِيَّةٍ. وَذٰلِكَ مِنْ خِلَالِ:إِنْشَاءِ مَدَارِسَ وَجَامِعَاتٍ وَرِيَاضِ أَطْفَالٍ مَسِيحِيَّةٍ مشرقية . تَشْبِيكِ الجَالِيَاتِ مَعَ أَرْضِ الأَصْلِ بَرَامِجِيًّا وَثَقَافِيًّا. إِشْرَاكِ الكَفَاءَاتِ فِي دَعْمِ القَضِيَّةِ المَشْرِقِيَّةِ. بِنَاءُ مَؤَسَّسَاتٍ تُعَزِّزُ الهُوِيَّةَ وَالوُجُودَ لَا يُمْكِنُ حِفْظُ الهُوِيَّةِ بِالخُطَبِ وَالأَدْعِيَةِ فَقَط، بَلْ بِالمُؤَسَّسَاتِ الَّتِي تُجَسِّدُ وُجُودًا فَاعِلًا فِي التَّعْلِيمِ وَالصِّحَّةِ وَالثَّقَافَةِ وَالإِعْلَامِ. وَهٰذَا يَفْتَرِضُ:إِعَادَةَ بِنَاءِ الهَيْكَلِ التَّرْبَوِيِّ وَالتَّعْلِيمِيِّ المَسِيحِيِّ بِشَكْلٍ عَصْرِيٍّ. إِطْلَاقَ وَسَائِلِ إِعْلَامٍ نَاطِقَةٍ بِصَوْتِ المَسِيحِيِّينَ وَتُوَثِّقُ ظُلْمَهُمْ وَرِسَالَتَهُمْ. تَدْرِيبَ كَوَادِرَ شَابَّةٍ عَلَى القِيَادَةِ وَالتَّنْظِيمِ وَالعَمَلِ الحُقُوقِيِّ وَالثَّقَافِيِّ. إِنَّ الرُّؤْيَةَ المُسْتَقْبَلِيَّةَ تَكُونُ مَسِيحِيَّةً بِقَدْرِ مَا تَكُونُ مُؤَسَّسِيَّةً، وَقَادِرَةً عَلَى التَّأْثِيرِ، وَحَامِلَةً لِرِسَالَةٍ تُؤْمِنُ بِالوُجُودِ، لَا بِالانْسِحَابِ، وَبِالتَّجَذُّرِ، لَا بِالنَّوْحِ عَلَى الأَطْلَالِ. الخَاتِمَةُ وَالتَّوْصِيَاتُ لَا يُمْكِنُ لِأَيِّ نِقَاشٍ حَوْلَ بَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ المَشْرِقِيَّةِ أَنْ يَكُونَ جَادًّا، إِلَّا إِذَا وَاجَهَ الحَقَائِقَ بِصَرَامَةٍ، وَأَوَّلُهَا أَنَّ الحُضُورَ المَسِيحِيَّ فِي الشَّرْقِ قَدْ أَصْبَحَ مَهْدَّدًا وُجُودِيًّا، وَأَنَّ كُلَّ الكَلَامِ عَنِ "الوَحْدَةِ الوَطَنِيَّةِ" وَ"الوَطَنِ لِلْجَمِيعِ" لَا يُغْنِي فِي وَاقِعٍ تُسَيِّرُهُ أَكْثَرِيَّاتٌ تَحْكُمُ بِالثَّقَافَةِ لا بِالدُّسْتُورِ. وَعَلَيْهِ، فَإِنَّنَا نُقَرُّ بِكُلِّ وَضُوحٍ أَنَّهُ لَا بَقَاءَ حَقِيقِيًّا وَفَاعِلًا لِلمَسِيحِيَّةِ فِي الشَّرْقِ دُونَ حَقِّ تَقْرِيرِ المَصِيرِ عَلَى جُزْءٍ مِنْ أَرْضِ أَجْدَادِهَا، فِي إِطَارِ فِيدِرَالِيَّةٍ إِدَارِيَّةٍ، غَيْرِ قَابِلَةٍ لِلدَّمْجِ، وَبِحِمَايَةٍ دُوَلِيَّةٍ صَرِيحَةٍ. فَالمُوَاطَنَةُ فِي سِيَاقٍ دِيمُوغْرَافِيٍّ يَتَّسِمُ بِوِلَادَاتٍ سُونَامِيَّةٍ، وَثَقَافَةٍ رَافِضَةٍ لِلمُخْتَلِفِ، تَبْقَى شِعَارًا جَمِيلًا فِي كُتُبِ القَانُونِ، لَكِنَّهَا لَا تَصْمُدُ عَلَى أَرْضِ الحَقِيقَةِ. وَفِي زَمَنٍ شَهِدْنَا فِيهِ قَطْعَ رُؤُوسِ، وَسَبْيَ نِسَاءٍ، وَذَبْحَ العَائِلَاتِ عَلَى الهُوِيَّةِ، وَقَتْلَ آلَافِ العَلَوِيِّينَ وَالعَشَرَاتِ مِنَ المَسِيحِيِّينَ وَغَيْرِهِم، لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نَنْخَدِعَ مِنْ جَدِيدٍ بِخُطَبِ "الوَطَنِيَّاتِ الكَرْتُونِيَّةِ" الَّتِي لَا تُفْرِزُ سِوَى الخُذْلَانِ وَالمَسْخِ وَالذَّوَبَانِ. رَغْمَ أَنَّنَا نُؤَكِّدُ أَنَّ ٱلْمَسِيحِيَّةَ دَوْمًا لَا تُقَاوِمُ أَيَّ حَاكِمٍ، وَلَكِنَّهَا لَيْسَتْ مَعَ أَيِّ حَاكِمٍ غَيْرِ عَادِلٍ، وَهِيَ تُـمَيِّزُ بَيْنَ ٱلْمَرَاحِلِ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ، وَلَيْسَتْ بِغَافِلَةٍ عَنِ ٱلْحُكَّامِ ٱلدِّكْتَاتُورِيِّينَ وَٱلْعَادِلِينَ. وَلِهٰذَا، لَا يُمْكِنُ أَنْ نَتَّهِمَ ٱلْمَسِيحِيِّينَ بِأَنَّهُمْ خَوَنَةٌ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ ٱلْحَاكِمِ ٱلسَّابِقِ، وَغَدًا سَيُقَالُ عَنْهُمْ: كَانُوا مَعَ ٱلْحُكُومَةِ ٱلْحَالِيَّةِ؛ فَذٰلِكَ – بِٱعْتِقَادِي – خَلْطٌ ذَمِيمٌ، وَظُلْمٌ مُبِينٌ وَعَلَيْهِ، فَالتَّوْصِيَةُ الأَسَاسِيَّةُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تَصْدَحَ بِهَا كُلُّ الكَنَائِسِ وَالقِيَادَاتِ الرُّوحِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ المَسِيحِيَّةِ، فِي الدَّاخِلِ وَالخَارِجِ،ب: ٱلسُّؤَالُ ٱلْأَخِيرُ : إِذَا كُنْتُمْ كُلَّ مِئَةِ عَامٍ وَأَقَلَّ، تَبْنُونَ، وَمِنْ ثُمَّ تُهَاجِرُونَ خَوْفًا مِنَ ٱلْمَوْتِ، فَهَلْ سَأَلْتُمْ أَنْفُسَكُمْ: أَنَّكُمْ فِي تَغَرُّبِكُمْ عَنْ أَرْضِ أَجْدَادِكُمْ وَتُرَاثِكُمْ وَضَيَاعِكُمْ، سَتَمُوتُونَ أَيْضًا؟مَا مِنْ بَقَاءٍ دُونَ حَقٍّ مُنَظَّمٍ وَمُحْمًى، وَمَا مِنْ وُجُودٍ فَاعِلٍ دُونَ بِنْيَةٍ سِيَاسِيَّةٍ تُجَسِّدُ هُوِيَّتَنَا وَتَصُونُ شَرَفَنَا وَمُسْتَقْبَلَ أَطْفَالِنَا. إِنَّهُ بَحْثٌ فِي الحَقِّ، لا فِي الخَوْفِ.وَنِدَاءٌ فِي الوُجُودِ، لا فِي الرُّكَامِ. وَدَعْوَةٌ لِرَسْمِ مَصِيرٍ، لا لِانْتِظَارِ هَوَامِشِ الرِّضَا. مُلاحَظَةٌ قانُونِيَّةٌ ضَرُورِيَّةٌ: إِنَّ الْمُطَالَبَةَ بِحُقُوقِ الْمَسِيحِيِّينَ فِي الشَّرْقِ يَجِبُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ ثُنَائِيَّةِ "الذِّمِّيَّةِ" الْقَدِيمَةِ، الَّتِي مَثَّلَتْ نِظَامَ حِمَايَةٍ مَشْرُوطٍ دُونَ مُوَاطَنَةٍ كَامِلَةٍ، إِلَى أُفُقِ "حَقِّ تَقْرِيرِ الْمَصِيرِ"، بِوَصْفِهِ حَقًّا قَانُونِيًّا دُوَلِيًّا مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فِي الْمَادَّةِ الْأُولَى مِنَ الْعَهْدِ الدُّوَلِيِّ الْخَاصِّ بِالْحُقُوقِ الْمَدَنِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ، وَالَّتِي تُؤَكِّدُ: لِكُلِّ الشُّعُوبِ الْحَقُّ فِي تَقْرِيرِ مَصِيرِهَا، وَلَهَا بِمُوجَبِ هَذَا الْحَقِّ أَنْ تُحَدِّدَ بِحُرِّيَّةٍ مَرْكَزَهَا السِّيَاسِيَّ وَتَسْعَى بِحُرِّيَّةٍ إِلَى نَمَائِهَا الِاقْتِصَادِيِّ وَالِاجْتِمَاعِيِّ وَالثَّقَافِيِّ. إِنَّ الْعَوْدَةَ إِلَى مَنْطِقِ الْحِمَايَةِ الْكَنَسِيَّةِ دُونَ حِمَايَةٍ دُسْتُورِيَّةٍ وَمَدَنِيَّةٍ، يُعَرِّضُ الْمَسِيحِيِّينَ لِخَطَرِ الْعُزْلَةِ الْحُقُوقِيَّةِ، حَيْثُ تَتَحَوَّلُ الْكَنِيسَةُ مِنْ ضَمَانَةٍ رُوحِيَّةٍ إِلَى جِدَارٍ فَاصِلٍ بَيْنَ الْمَسِيحِيِّ وَمُوَاطَنَتِهِ، وَهُوَ مَا يُنَاقِضُ رُوحَ الْمُوَاطَنَةِ الْمُتَسَاوِيَةِ وَالْعَدَالَةِ الْقَانُونِيَّةِ.
وها نحن نستحضر أولاً ١. العَهْدُ الدُّوَلِيُّ الخَاصُّ بِالحُقُوقِ المَدَنِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ – المادَّةُ (١): (لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ الحَقُّ فِي تَقْرِيرِ مَصِيرِهَا، وَهِيَ بِمُقْتَضَى هٰذَا الحَقِّ حُرَّةٌ فِي أَنْ تُقَرِّرَ بِحُرِّيَّةٍ مَرْكَزَهَا السِّيَاسِيَّ، وَتَسْعَى بِحُرِّيَّةٍ إِلَى تَحْقِيقِ نَمَائِهَا الاِقْتِصَادِيِّ وَالاِجْتِمَاعِيِّ وَالثَّقَافِيِّ.) ٢. المادَّةُ (٢٧) مِنَ العَهْدِ نَفْسِهِ: (لَا يَجُوزُ، فِي الدُّوَلِ الَّتِي تُوجَدُ فِيهَا أَقَلِّيَّاتٌ إِثْنِيَّةٌ أَوْ دِينِيَّةٌ أَوْ لُغَوِيَّةٌ، أَنْ يُحْرَمَ الأَشْخَاصُ المُنْتَمُونَ إِلَى تِلْكَ الأَقَلِّيَّاتِ مِنْ حَقِّهِمْ فِي التَّمَتُّعِ بِثَقَافَتِهِمُ الخَاصَّةِ، أَوِ المُجَاهَرَةِ بِدِينِهِمْ وَإِقَامَةِ شَعَائِرِهِ، أَوِ اسْتِخْدَامِ لُغَتِهِمْ، بِالِاشْتِرَاكِ مَعَ الأَعْضَاءِ الآخَرِينَ فِي جَمَاعَتِهِمْ.) وَأَخِيرًا وَلَيْسَ آخِرًا... جَدِّدُوا فِي قِرَاءَاتِكُمْ ٱلْمَوْضُوعِيَّةِ، وَأَسِّسُوا أَحْزَابًا تَلِيقُ بِحُضُورِكُمْ، لِتُدَافِعَ عَنْكُمْ. قَدْ يَقُولُ قَائِلٌ: إِنَّ هُنَاكَ أَحْزَابًا نَنْتَسِبُ إِلَيْهَا مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، كَالحِزْبِ الاِجْتِمَاعِيِّ القَوْمِيِّ السُّورِيِّ، وَحِزْبِ العُمَّالِ الثَّوْرِيِّ، وَغَيْرِهَا، إِنَّ هٰذِهِ الأَحْزَابَ لَا تُفِيدُكُمْ، فَمِنْهَا مَا قَدِ انْتَهَتْ صَلَاحِيَّتُهُ، وَلَا يَخْدِمُكُمْ لِأَنَّهُ أُمَمِيٌّ أَكْثَرَ مِنَ الضَّرُورَةِ؛ فَاسْتَنْبِطُوا أَحْزَابًا عَصْرِيَّةً، تَتَنَاسَبُ مَعَ الضَّرُورَةِ وَالأَهَمِّيَّةِ. كُونُوا كَمَا يَلِيقُ بِأَبْنَاءِ ٱلنُّورِ فِي تَعَامُلِكُمْ. وَلٰكِنْ هٰذَا هُوَ مُقْتَلُكُمْ، إِنْ كُنْتُمْ تَظُنُّونَ أَنَّ ٱلْآخَرَ سَيَحْفَظُ لَكُمْ أَدَبَكُمْ وَمَا تُقَدِّمُونَهُ لَهُ؛ فَإِنَّكُمْ فِي نَظَرِهِ لَسْتُمْ إِلَّا كُفَّارًا. هٰذِهِ حَقِيقَةٌ لَا تَغِيبُ عَنْ عُيُونِكُمْ، وَعَلَيْكُمْ أَنْ تَطْرَحُوا حُقُوقَكُمْ، لَيْسَ فِي دُسْتُورٍ مَدَنِيٍّ وَلَا عَلْمَانِيٍّ، فَهٰذَا حُلْمٌ تَحْلُمُونَ بِهِ أَنْتُمْ وَقُوًى مُجْتَمَعِيَّةٌ، وَلٰكِنْ دُونَ تَحْقِيقٍ. فِدْرَالِيَّةٌ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلضَّمِّ وَلَا لِلْعَزْلِ، فَسَتُغَادِرُونَ، يَا أَحِبَّتِي، إِنْ لَمْ يَكُنِ ٱلْيَوْمَ فَغَدًا، سَتُغَادِرُونَ. وَمَنْ يَخَافِ ٱلْمَوْتَ... سَيَمُوتْ. الباحث السوري : اسحق قومي. 13/7/2025م.
((دراسة تقييمية – تحليلية – حقوقية – نقدية حول البحث الموسوم: "ما هِيَ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ المَشْرِقِيَّةِ عَلَى أَرَاضِيهَا التَّارِيخِيَّةِ؟"** تأليف الباحث السوري: إسحق قومي 2025م أولًا: تقديم عام يُعد هذا البحث نداءً فكريًّا، وحقوقيًّا، وروحيًّا صادقًا يُطلقه الكاتب إسحق قومي دفاعًا عن أحد أكثر ملفات الشرق حساسية: الوجود المسيحي التاريخي في مهد الرسالات. وقد اختار الباحث أن يجعل من السؤال محورًا لليقظة، ومن الحبر مقاومة رمزية في وجه عواصف الانقراض الحضاري والطمس الديموغرافي. ثانيًا: التحليل المنهجي والفكري البحث مبنيّ على خمسة محاور متكاملة، تبدأ بالتأصيل التاريخي وتصل إلى رؤية مستقبلية للبقاء والصمود. وقد جمع الباحث أربعة مناهج:التاريخي: لتأصيل حق الوجود. التحليلي: لتشخيص التحديات المعاصرة. الحقوقي: لتأكيد شرعية المطالبة بالحماية. اللاهوتي – الثقافي: للدفاع عن البقاء بوصفه رسالة لا امتيازًا. يعرض الباحث الأسباب الموجبة للبقاء من خلال مزيج من المرافعة الأخلاقية والتحليل السياسي، مؤسسًا مشروعه على مفاهيم راسخة: الحق في الأرض، عمق الجذور، الشراكة الحضارية، والرسالة الإنجيلية. ثالثًا: النقد والمساءلة الفكرية نقاط القوة: 1. اللغة الرفيعة ذات طابع بلاغي وفلسفي، تدل على نضج لغوي وفكري. 2. الطرح اللاهوتي السياسي المتوازن الذي يجمع بين حق البقاء ونداء المصير. 3. الجرأة الأخلاقية في المطالبة بفيدراليات إدارية كخيار دستوري لا انفصالي. 4. الرؤية الواقعية للمستقبل، إذ لا يكتفي الكاتب بالتوصيف بل يُقدّم اقتراحات بنّاءة وعملية. نقاط قابلة للنقاش:قد يُفهم طرح "حق تقرير المصير" خطأً على أنه نزعة انفصالية، رغم أنه مطروح في إطار وطني سلمي ودستوري. حِدّة الانتقاد للأنظمة قد تُستثمر من قِبَل خصوم الخطاب، ولكنها في نظر القارئ الحُر تعبّر عن صدق الغضب النبيل. رابعًا: التقييم الحقوقي والواقعي رابعًا: التقييم الحقوقي والواقعي – رؤية تفكيكية لاتهام الفكر الانعزالي الجواب المنطقي والمبدئي:إن إطلاق تهمة "الانعزالية" على مكوّن ديني أو قومي، وتحويل هذه التهمة إلى مبرر للإقصاء أو العنف أو المصادرة، لا يُعدّ عدالة، بل جريمة في منطق القانون الدولي وشرعة حقوق الإنسان. فـالانعزال – إن وُجد – هو نتيجة للاضطهاد، لا سببه. وهو في حالات كثيرة سلوك دفاعي لا مشروع هيمنة، وموقف اضطراري لا خيار حرّ. تفكيك حقوقي ومنطقي للتهم الموجهة للمسيحيين: 1-هل الفكر الانعزالي تهمة تبرّر الإقصاء أو الإبادة؟ الفكر لا يُعاقَب عليه بالإبادة. هذا مبدأ راسخ في كل دساتير الدول الحديثة، وفي القانون الدولي. اعتبار الفكر المختلف تهديدًا للدولة هو مقدّمة للفاشية ونفي الديمقراطية. إنّ الفكر الانعزالي حين ينشأ كردّ فعل على تهميش وهيمنة ثقافية وسياسية، لا يجوز استخدامه كذريعة للقمع، بل يجب التعامل معه كـنداء للمساواة. 2-ماذا تقول وثيقة حقوق الإنسان؟ المادة 18: "لكل شخص الحق في حرية الفكر والضمير والدين..." المادة 27: "لكل فرد الحق في المشاركة بحرية في الحياة الثقافية..." المادة 2: "لكل إنسان حق التمتع بكافة الحقوق والحريات... دون تمييز، بما في ذلك الدين والانتماء القومي." الاستنتاج: إن المطالبة بحماية الكيان الثقافي والديني، أو المطالبة بفيدرالية إدارية، أو بتدريس اللغة، أو بحصة تمثيلية عادلة، ليست انفصالًا، بل هي تطبيق صريح لمواد حقوق الإنسان. 3-لماذا يُنظر للمطالبة بالحقوق على أنها خيانة؟ في الأنظمة السلطوية أو الطائفية، يتم شيطنة الحقوق بوصفها مشروعًا انفصاليًا. يتم تخوين الضحية، عوضًا عن حماية وجودها. العدالة الحقّة لا تعني صهر الجميع في قالب واحد، بل ضمان حريتهم وهم مختلفون. في الختام – مفارقة أخلاقية مؤلمة: يُطلب من المسيحي أن يكون وطنيًّا، لكنه يُعامَل كغريب. يُطلب منه أن لا يعزل نفسه، لكنه يُقصى من كل المواقع. يُطلب منه أن لا يطالب بحقوقه، لكن حقوقه تُدفن بصمت. الحل لا يكون في إسكات المطالب، بل في تجسيد العدالة. والعدالة تعني أن يبقى المسيحي والمسلم واليزيدي والدرزي واليهودي في أوطانهم أحرارًا، متساوين، لا يخافون من هويتهم، بل يزهرون بها. خامسًا: رأيي كباحث مستقل في الباحث إسحق قومي إسحق قومي ليس كاتبًا طقسيًّا ولا رجلَ مؤسسة، بل هو ضمير مشرقي حيّ يحمل القضية بروح الشاهد والناقد، لا بروح الموظف. كتاباته تسير بين الشعر، التاريخ، اللاهوت، والهوية. وفي هذا البحث، ظهر واضحًا: وفاؤه للحقيقة لا للمجاملات. دفاعه عن المسيحية كأصالة، لا كطائفة. طرحه الجريء دون انفلات، والوجداني دون استسلام. وقد أثبت أنه ليس ناقلًا للمعاناة، بل مفكّرًا في جذورها ومآلاتها. سادسًا: التوصية الختامية يوصى بتبني هذا البحث في الأوساط:الكنسية: لتجديد الفكر اللاهوتي السياسي. الثقافية: لإحياء الوعي بالهوية المركّبة. الحقوقية: لمطالبة المنظمات الدولية بالحماية الواجبة. التقدير النهائي معيار التقييم التقدير الأصالة والجرأة ⭐⭐⭐⭐⭐ اللغة والأسلوب ⭐⭐⭐⭐⭐ العمق التحليلي ⭐⭐⭐⭐✦ الطرح الحقوقي ⭐⭐⭐⭐✦ القدرة على التأثير والحشد ⭐⭐⭐⭐⭐ التقييم العام: 4.8 / 5 إعداد وتوقيع التقييم: الكاتب والباحث المستقل [توقيع افتراضي: د. ن. م. – باحث في الفكر السياسي والحقوق الثقافية] برلين – تموز 2025))
المَصَادِرُ وَالمَرَاجِعُ أوّلًا: مراجع تاريخيّة وعامّة 1. فيليب حتّي – تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين – دار النهار، بيروت. 2. يوسف القس – السريان في التاريخ – دار المشرق، بيروت. 3. الأب لويس شيخو – النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية – المطبعة الكاثوليكية، بيروت. 4. الأب يوحنّا دولابي – تاريخ الكنيسة المشرقية – المكتبة البولسية، جونيه. 5. الأب جبرائيل هنّو – المسيحيّون في ظلّ الدولة الإسلاميّة – منشورات النور، بيروت. ثانيًا: مراجع لاهوتيّة وفكريّة 6. يوسف مانكو – اللاهوت والهوية في المسيحية المشرقية – دار الساقي، بيروت. 7. ميشال حايك – عن المسيحية والإسلام – مقاربات نقديّة – دار النهار. 8. المطران جورج خضر – في فكر الكنيسة الشرقية – المركز الثقافي الأرثوذكسي، بيروت. 9. وثائق المجمع الفاتيكاني الثاني – الكنيسة في العالم المعاصر – وثيقة "فرح ورجاء" (Gaudium et Spes). ثالثًا: تقارير ومنشورات حقوقيّة وإنسانيّة 10. منظمة "Open Doors" – تقارير الاضطهاد الديني في الشرق الأوسط. 11. تقرير "مركز كارنيغي للشرق الأوسط" – المسيحيّون العرب: الواقع والمصير. 12. وثيقة الأخوّة الإنسانيّة – توقيع البابا فرنسيس والشيخ أحمد الطيّب، أبو ظبي 2019. 13. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – الأمم المتحدة، 1948. 14. تقرير منظمة العفو الدولية Amnesty International – مسيحيو سوريا والعراق: التهديد المستمر (2020).
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تَفَكُّكُ الدَّوْلَةِ القَوْمِيَّةِ فِي الشَّرْقِ، وَمَصِيرُ
...
-
مَشْرُوعُ رُؤْيَةٍ لِسُورِيَّةَ وَالأُمَّةِ السُّورِيَّةِ يُ
...
-
اللُّغَةُ كَخِيَانَةٍ لِلْفِكْرِ: حِينَ تَعْجَزُ الْكَلِمَات
...
-
إذا سَقَطتُ: كيفَ أبدأُ من جديدٍ؟
-
قِرَاءَةٌ فِي المَفَاهِيمِ القَوْمِيَّةِ لِشُعُوبِ الشَّرْقِ
...
-
كيفَ نَشَأَ حَيُّ تَلِّ حَجَرٍ بِالحَسَكَةِ؟!
-
المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ
...
-
نَظَرِيَّةُ المَعْرِفَةِ عِنْدَ أَرِسْطُو قِرَاءَةٌ نَقْدِيّ
...
-
أيُّها الباحثونَ المشرقيُّون، لا تُغالوا في آرائِكُم، لا قَو
...
-
عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِي
...
-
قِراءَةٌ جَديدَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ وَنَقْدِيَّةٌ بِشَأْنِ مُؤْ
...
-
مَدَنِيَّةُ الدَّوْلَةِ السُّورِيَّةِ: مِنَ الكَارِثَةِ الوَ
...
-
عشْتَارُ الفُصُولِ: ١١٦٥٩ . لَ
...
-
عشتار الفصول:11655كيف نصل لدولة المواطنة في الشرق الأوسط؟
-
عشتار الفصول: 11651سوريةُ ليستْ مِلْكًا لأيِّ مكوِّنٍ دينيٍّ
...
-
ملحمة شعرية بعنوان:أسئلة لها جواب
-
المؤتمر الآشوري العالمي القادم في يريفان في 26 نيسان القادم
-
إِزْدِوَاجِيَّةُ الْمَعَايِيرِ لَدَى أَغْلَبِ أَبْنَاءِ الشّ
...
-
عشتارُ الفصولِ: ١٢٢٥١ قرَاءات بحثية
...
-
أناشيد لبحرٍ غير موجود
المزيد.....
-
بالقانون.. هل يستطيع ترامب سحب الجنسية من إيلون ماسك وزهران
...
-
فيديو منسوب لولي عهد السعودية حول -إرسال أسلحة ثقيلة إلى سور
...
-
بقيمة 600 ألف دولار.. إسرائيل تعلن أنها بصدد إرسال مساعدات إ
...
-
شحنات الأسلحة مستمرة إلى اليمن ولبنان.. إيران تعزز قوة الحوث
...
-
فيديو- دروز الجولان ينتظرون أخبارًا من السويداء خلف السياج ا
...
-
بودابست تستذكر الذكرى 67 لثورة 14 تموز
-
إسرائيل تبدي استعدادا لإعادة رسم خرائط الانتشار العسكري في ق
...
-
إقبال ضعيف بانتخابات توغو المحلية وسط توتر سياسي متصاعد
-
إيران ترفض تلويح الأوروبيين بإعادة فرض العقوبات وتصفه بـ-غير
...
-
لماذا تأخر تشكيل -حكومة الأمل- في السودان؟
المزيد.....
-
اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات
/ رشيد غويلب
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
المزيد.....
|