|
|
الوعيُ القوميُّ وإشكاليّاتُ بناءِ الهويّةِ لدى السُّريانِ–الآشوريّين–الكلدان–الموارنة
اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.
(Ishak Alkomi)
الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 18:14
المحور:
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
الاِسْتِهْلال (مَنْ كانَ مِنْكُم بِلا خَطِيئَةٍ فَلْيَرْجُمْ الأوَّلَ.) هذِهِ العِبارَةُ لَيْسَتْ دَعْوَةً لِلغمز أَوِ الطَّعْنِ، بَلْ لِتَفَتُّحِ البَصيرَةِ وَنَقْدِ النَّفْسِ قَبْلَ نَقْدِ الآخَرِ. وإنَّ هذَا المَقالَ يُشَكِّلُ إِحْدى المَحَطّاتِ الهامَّةِ فِي هذَا الوَقْتِ الدَّقيقِ الَّذي يَمُرُّ بِهِ شَعْبُنا الباقِي عَلى أَرْضِ الوَطَنِ، خُصوصًا مَعَ تَفاعُلاتِ الاِنْتِخاباتِ العِراقِيَّةِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْها مِنْ مَصائِرَ مُلْتَبِسَةٍ، وَمَعَ مَشاهدِ التَّهْجيرِ وَالهِجْرَةِ القَسْرِيَّةِ وَالطْوعِيَّةِ الَّتِي تَعْصِفُ بِأَبْناءِ الجَزِيرَةِ السُّورِيَّةِ وَسُورِيَّةَ والعراق بِشَكْلٍ عامٍّ. يَأْتِي هذَا البَحْثُ وَنَحْنُ على ثِقَةٍ بِمَا نَكْتُبُ، وَعَلى قَدْرٍ كافٍ مِنَ الوُعْيِ لِنَرُدَّ — بِهُدوءٍ لا بِاِنْفِعالٍ — عَلى بَعْضِ الأصْواتِ هُنا أَوْ هُناكَ مِمَّنْ (يَتَصَيَّدُونَ فِي المَاءِ العَكِرِ). فَمِنْهُم مَنْ يَقُولُ: «هذَا بَعْثِيٌّ سابِقٌ، وَذاكَ شُيُوعِيٌّ سابِقٌ، وَذاكَ لا يَعْرِفُ السُّريانيَّةَ أَوِ الآشُوريَّةَ أَوِ الكَلْدانيَّةَ، وَهُوَ لَمْ يُناضِلْ قَبْلَ خَمْسِينَ عامًا، فَكَيْفَ يَكْتُبُ اليَوْمَ عَنْ قَضِيَّتِنا؟ إنَّ هذَا المَنْطِقَ — فِي حَقِيقَتِهِ — لَيْسَ إلَّا واحِدًا مِنْ أَبْرَزِ العَوائِقِ الَّتِي تَحُولُ دُونَ اِنْدِماجِنا فِي بُوتَقَةِ نِضالٍ قَوْمِيٍّ مُتَّسِقٍ، مُسَلَّحٍ بِوَعْيٍ راسِخٍ وَشُعورٍ حَقِيقِيٍّ. وَلَسْنا هُنا فِي مَقامِ فَتْحِ جِدالٍ مَعَ أَحَدٍ، وَلَكِنْ يَجْدُرُ أَنْ نَسْأَلَ: (وَأَنْتُمْ، ماذا قَدَّمْتُمْ لِقَضِيَّتِكُمْ، وَالنِّضالُ قَدْ تَجاوَزَ قَرابَةَ مِئَةِ عامٍ وَأَنْتُمْ فِي المُغْتَرَباتِ؟) إنَّهُ سُؤالٌ مُوجِعٌ، لَكِنَّهُ ضَرورِيٌّ. وَالْحَقِيقَةُ أَنَّ هذَا الطَّرْحَ الَّذي يَرْمِي إلى الإقْصاءِ وَتَجْريحِ الآخَرينَ هُوَ طَرْحٌ شُوفينِيٌّ، لا يَتَجاوَزُ فِي مَضامينِهِ مَنْطِقَ الجَماعَةِ القَرَوِيَّةِ المُتَعَصِّبَةِ المُنْغَلِقَةِ عَلى نَفْسِها. فَذاكَ البَعْثِيُّ — مَهما كانَتِ المواقِفُ اليَوْمَ — كانَ يَنْاضِلُ أَيْضًا مِنْ أَجْلِكُم فِي المَحَصِّلَةِ، وَكَذلِكَ الشُّيُوعِيُّ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ لَمْ تَتَبَلْوَرْ لَدَيْهِم يَوْمًا مَرْكَزِيَّةُ العَمَلِ القَوْمِيِّ. وَأَمَّا اللُّغاتُ الَّتِي نَتَحَدَّثُ بِها، فَلَقَدْ فُرِضَتْ عَلَيْنا بِحُكْمِ البِيئَةِ وَضَروراتِ العَيْشِ، فَلا يَنْبَغِي لَها أَنْ تُصْبِحَ مِحْوَرًا لِلتَّشْكِيكِ أَوْ مِعيارًا لِلنِّضالِ. هذِهِ كُلُّها قُشورٌ يَجِبُ أَنْ نَتَجاوَزَها لِنَلْتَفِتَ إلى مَصِيرِنا وَوُجودِنا الَّلذَيْنِ أَصْبَحا — فِي الوَاقِعِ — مُهَدَّدَيْنِ فِي أَرْضِ الآباءِ وَالأَجْدادِ. وَاليَوْمَ، نَعْتَقِدُ جازِمِينَ أَنَّهُ مِنْ مَصْلَحَةِ جَمِيعِ أَبْناءِ شَعْبِنا — بِمُخْتَلِفِ تسمياته — أَنْ نَتَخَلَّى حَتّى عَنْ تَقْسِيماتِنا الطَّائِفِيَّةِ إذا كانَتْ تُؤَدِّي إلى تَشْتِيتِ رُؤْيَتِنا وَطاقاتِنا أَمامَ مَا نوجهه فِي العِراقِ وَسُورِيَّة والعالمَ. إنَّ الحَريصِينَ عَلَى مَصِيرِ هذَا الشَّعْبِ لا يَتَحَدَّثُونَ كَمُراهِقِينَ، بَلْ كَـ حُكَماءَ، يُفَكِّرُونَ فِي الغَدِ لا فِي أَمْسٍ لَنْ يَعُودَ. وَلْنَتَّخِذِ الماضِيَ دُروسًا وَعِبَرًا، ثُمَّ نَتَوَجَّهَ — بِإِرادَةٍ واحِدَةٍ — لِنَرْسُمَ أَبْجَدِيَّةَ وُجودِنا الحاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِيِّ. المقدّمة تُعَدُّ مسألةُ الهويّةِ القوميّةِ لدى الجماعاتِ السُّريانيّةِ–الآشوريّةِ–الكلدانيّةِ–المارونيّةِ من الإشكاليّاتِ المعقَّدةِ في المشهدِ الثقافيِّ والتاريخيِّ للمشرقِ. فهذه الجماعاتُ التي تتقاسمُ إرثًا حضاريًّا واحدًا، وتنبثقُ من جذورٍ لغويّةٍ وثقافيّةٍ مشتركةٍ، قد تفرَّقت تسمياتُها وتعدَّدت بفعلِ عواملَ تاريخيّةٍ وسياسيّةٍ وكنسيّةٍ. ومعَ توالي موجاتِ الاضطهادِ والهجرةِ، أصبحَ هذا الشَّعبُ موزَّعًا عبرَ أوطانِ المشرقِ وقارّاتِ العالمِ، مِمَّا أدَّى إلى إعادةِ تشكيلِ الهويّةِ في سياقاتٍ متباينةٍ. وفي خضمِّ هذا الواقع، يبرزُ سؤالٌ محوريٌّ: هل نمتلكُ شعورًا قوميًّا فقط، أم وعيًا قوميًّا مؤسَّسًا؟ إذ إنَّ الشُّعورَ القوميَّ هو حالةٌ وجدانيّةٌ نابضةٌ بالعاطفةِ والانتماءِ، بينما الوعيُ القوميُّ منظومةٌ معرفيّةٌ – تاريخيّةٌ – ثقافيّةٌ تتكوَّنُ من فَهمٍ للعناصرِ المشتركةِ، وإدراكٍ للتحدّياتِ، وقدرةٍ على تحويلِ الهويةِ إلى مشروعٍ نهضويٍّ مُتَّسق. ويهدفُ هذا البحثُ إلى مقاربةِ الفارقِ بين الشُّعورِ والوعيِ القوميَّيْن، وتحديدِ مقوّماتِ الوعيِ القوميِّ الرَّشيد، وتحليلِ المشتركاتِ القوميّةِ بين الجماعاتِ السُّريانيّةِ–الآشوريّةِ–الكلدانيّةِ–المارونيّةِ، إضافةً إلى استكشافِ الضَّروراتِ الواقعيّةِ لنهضةٍ قوميّةٍ مسلَّحةٍ بالفكرِ والرؤيةِ، كما تراها مدرسةُ الولادةِ الإبداعيّة التي تسعى إلى بناءِ شخصيّةٍ قوميّةٍ جامعةٍ لا تُقصي أحدًا، وتستندُ إلى التنوّعِ داخلَ الوحدةِ. ونؤكد لكم أننا سنحاول من خلال البحثُ الإجابةَ عن الأسئلةِ الآتية: 1. ما الفارقُ المفاهيميُّ بينَ الشُّعورِ القوميِّ والوعيِ القوميِّ؟ 2. ما مُقوِّماتُ الوعيِ القوميِّ الرَّشيد وما العواملُ البنيويّةُ لتشكُّلِه؟ 3. ما المشتركاتُ التي تجمعُ هذه الجماعاتِ في إطارِ هويّةٍ قوميّةٍ واحدةٍ؟ 4. كيف أثَّرَ الشتاتُ والهجرةُ على الوعي القومي وعلى إمكاناتِ النهوض؟ 5. ما المعوّقاتُ الفكريّةُ والنفسيّةُ والتاريخيّةُ التي تحولُ دون بناءِ شخصيّةٍ قوميّةٍ موحَّدة؟ 6. ما هيَ الضَّروراتُ الواقعيّةُ لنهضةٍ قوميّةٍ مسلَّحةٍ بفكرٍ ووعيٍّ، بعيدًا عن الشِّعارات؟ 7. كيف يمكنُ توظيفُ رؤيةِ “الولادةِ الإبداعيّة” في إعادةِ تشكيلِ الشخصيّةِ القوميّة؟ أهدافٌ عامّة 1. توضيحُ التمييزِ بينَ الشُّعورِ القوميِّ والوعيِ القوميِّ على أسسٍ علميّة. 2. تحديدُ مُقوّماتِ الوعي القوميّ لدى الجماعاتِ السريانية–الآشورية–الكلدانية–المارونية. 3. تحليلُ عناصرِ الوحدةِ والتنوّعِ داخلَ الهويّةِ الآراميّةِ/السريانيةِ الكبرى. 4. دراسةُ تأثيراتِ الشَّتاتِ على الهويّةِ وإمكاناتِ النَّهضةِ القوميّة. 5. تقديمُ إطارٍ نظريٍّ للرؤيةِ القوميّةِ كما تطرحُها مدرسةُ “الولادةِ الإبداعيّة”. أهدافٌ تفصيليّة تحليلُ العواملِ التاريخيّةِ والسياسيّةِ التي أفرزت التعدّدَ التسمياتيّ. بناءُ تعريفٍ علميٍّ للشخصيّةِ القوميّة المشتركة. تحليلُ أدوارِ المؤسّساتِ الدينيّةِ والثقافيّةِ في تشكيلِ الوعي. وضعُ مقترحاتٍ قابلةٍ للتنفيذِ لنهضةٍ قوميّةٍ حديثة. المنهجيّات 1. المنهجُ المفاهيمي–النظري لتحديدِ الفروقِ بين الشُّعورِ والوعيِ القوميِّ، وبناءِ تعريفاتٍ دقيقة. 2. المنهجُ التاريخي لتحليلِ جذورِ التسمياتِ ومساراتِ تطوّرِ الهويّة. 3. المنهجُ السوسيولوجي لدراسةِ البنى الاجتماعيةِ، والشتات، وعلاقاتِ الانتماءِ. 4. المنهجُ النفسي–الثقافي لتحليلِ أثرِ الصدماتِ الجماعيّةِ والذاكرةِ الجمعية. 5. المنهجُ التحليلي–المقارن لمقارنةِ الخطاباتِ القوميّةِ بين المكوّناتِ المختلفة. 6. المنهجُ الميداني (إن أمكن) عبرَ مقابلاتٍ وتحليلِ محتوى أدبيّ وفكريّ ومؤسّساتي. المحاور الرئيسية الفصلُ الأوّل: الإطارُ النظريُّ والمفاهيميّ المبحثُ الأوّل: التعريفُ بالمُصطلحاتِ الأساسيّة 1. تعريفُ الهويّةِ القوميّة. 2. مفهومُ الشُّعورِ القوميّ: النَّشأةُ والخصائص. 3. مفهومُ الوعيِ القوميّ: البُنى والمُكوِّنات. 4. التمييزُ بينَ الشُّعورِ القوميِّ والوعيِ القوميِّ: دراسةٌ مقارِنة. المبحثُ الثّاني: مُقوِّماتُ الوعيِ القوميّ 1. الذاكرةُ التاريخيّة المشتركة. 2. اللغةُ الآراميّة/السريانيّة ودورها في تشكيلِ الوعي. 3. الأرضُ والموطنُ التاريخيّ ووظيفته في الهوية. 4. الثقافةُ والتراثُ والرموزُ الجامعة. 5. الرؤيةُ الفكريّةُ والمنهجيّة في صناعةِ الوعي. المبحثُ الثالث: مدرسةُ “الولادةِ الإبداعيّة” في البناءِ القوميّ 1. المبادئُ الفلسفيّةُ والمنهجُ العام. 2. مقاربةُ الشخصيةِ القوميّة الجامعة. 3. مفهومُ النهضةِ القوميّة المُسلَّحةِ بالفكرِ والوعي. الفصلُ الثّاني: الخلفيّةُ التاريخيّةُ للهويّةِ الآراميّةِ–السريانيّةِ–الآشوريّةِ–الكلدانيّةِ–المارونيّة المبحثُ الأوّل: الجذورُ التاريخيّةُ المشتركة 1. الآراميّون والامتدادُ الحضاريّ في المشرق. 2. السريان: اللغةُ، الكنيسةُ، والامتدادُ الثقافيّ. 3. الآشوريّون والكلدان: الإرثُ الإمبراطوريّ وتحوّلاتُ التسمية. 4. الموارنة: الامتدادُ السريانيُّ وتبلورُ الخصوصيّة. المبحثُ الثّاني: الانقساماتُ الكنسيّة وتعدُّدُ التسميات 1. الانقساماتُ الكبرى وتأثيرها في تعدديةِ الهوية. 2. دورُ المؤسساتِ الكنسيّة في تشكيلِ الوعي القومي. 3. الوحدةُ الروحيةُ والثقافية رغم التنوّع الكنسيّ. المبحثُ الثالث: تحوّلاتُ الهويّةِ في العصرِ الحديث 1. ما بعدَ الدولةِ العثمانية. 2. عصرُ القوميّات وتدافُعُ التسميات. 3. أثرُ الإرسالياتِ الأجنبية. 4. المذبحة (سيفو وسميل ) والذاكرةُ الجماعيّة. الفصلُ الثّالث: السوسيولوجيا القوميّة والواقعُ الراهن المبحثُ الأوّل: الخصائصُ الاجتماعيّة للمجتمعاتِ السريانيّة–الآشوريّة–الكلدانيّة–المارونيّة 1. البنيةُ الاجتماعيةُ التقليديّة. 2. دورُ العائلةِ والكنيسة. 3. التحولاتُ القيمية في المجتمعات الحديثة. المبحثُ الثّاني: الشتاتُ والهجرة وتأثيرُهما في الهوية 1. موجاتُ الهجرة (العثمانيّة، الحديثة). 2. إعادةُ تشكيلِ الانتماء في بيئاتٍ جديدة. 3. صراعُ الاندماجِ والحفاظِ على الهوية. 4. الهويةُ في الشتات: قوّةٌ أم تهديدٌ؟ المبحثُ الثالث: الخطابُ القوميُّ المعاصر 1. التياراتُ القوميةُ الرئيسة. 2. الخطابُ السياسيُّ مقابل الخطابِ الثقافيّ. 3. مظاهرُ الانقسامِ والتنازعِ حول التسمية. 4. التحدّياتُ البنيويةُ في بناءِ رؤيةٍ مشتركة. الفصلُ الرّابع: معوّقاتُ بناءِ الشخصيّةِ القوميّةِ المشتركة المبحثُ الأوّل: المعوّقاتُ التاريخيّة 1. الانقساماتُ الكنسيّة والسياسية. 2. الاضطهاداتُ والتهجيرُ وإعادةُ إنتاج الخوف الجماعيّ. المبحثُ الثّاني: المعوّقاتُ النفسيّة والثقافيّة 1. عقدةُ التسميةِ وتنازعُ الهويّة. 2. الصورُ النمطيّة بين الجماعات. 3. ضعفُ الوعي التاريخي العام. المبحثُ الثالث: المعوّقاتُ المعرفيّة والسياسيّة 1. غيابُ المؤسساتِ القومية الراعية للوعي. 2. ضعفُ التعليمِ باللغة السريانية. 3. الانقسامُ الحزبيّ وتشتتُ المشاريعِ القومية. الفصلُ الخامس: متطلباتُ النهضةِ القوميّة وإمكاناتُ التوحيد المبحثُ الأوّل: الرؤيةُ القوميّة المشتركة 1. تعريفُ الشخصيةِ القومية الجامعة. 2. نموذجُ التكاملِ في إطارِ التنوع. 3. المشتركاتُ الأساسية بين السريان والآشوريين والكلدان والموارنة. المبحثُ الثّاني: متطلباتُ النهضة القومية 1. إعادةُ بناءِ الوعي القوميّ علميًّا ونفسيًّا. 2. تعزيزُ التعليمِ السرياني/الآرامي/الآشوري /الكلداني /الماروني. 3. دورُ النخبِ الثقافية والمفكرين. 4. بناءُ مؤسساتٍ قوميةٍ مستدامة. المبحثُ الثالث: التطبيقُ العمليّ لرؤية “الولادة الإبداعية” 1. مبادئُ النهضة الفكرية. 2. الآلياتُ الثقافية والتربوية لبناء الشخصية القومية. 3. مشروعُ الهوية الجامعة في القرن الحادي والعشرين. الفصلُ السادس: الخاتمة المبحثُ الأوّل: النتائج عرضٌ مُحكَم لأهمّ النتائج التي يصل إليها البحث. المبحثُ الثّاني: التوصيات اقتراحاتٌ عمليةٌ للنهضة القومية في الوطن والشتات. المبحثُ الثالث: آفاقُ البحث ما الذي يمكن أن يُستكمل في دراساتٍ لاحقة. اسحق قومي. ألمانيا .2025م
الفصل الأوّل: الإطارُ النظريُّ والمفاهيميّ المبحثُ الأوّل: التعريفُ بالمُصطلحاتِ الأساسيّة أوّلًا: الهويّةُ القوميّة تُحيلُ الهويّةُ القوميّةُ إلى منظومةٍ من الخصائصِ المشتركةِ التي تمنحُ جماعةً من الناسِ شعورًا بالانتماءِ إلى كيانٍ تاريخيٍّ واحدٍ. وتتضمَّن اللغةَ، والذاكرةَ التاريخيّة، والثقافةَ، والمعتقداتِ، والرموزَ الجامعة. ولا تُعدُّ الهويّةُ معطى جامدًا، بل هي بناءٌ متحوّلٌ يتأثّرُ بالعواملِ السياسيةِ والاجتماعيةِ والثقافيةِ، ويتشكّلُ عبرَ الوعيِ والذاكرةِ والخيالِ الجمعي. ثانيًا: مفهومُ الشُّعورِ القوميّ الشُّعورُ القوميُّ هو الانفعالُ الوجدانيُّ المباشرُ الناتجُ عن إحساسِ الفردِ بأنَّه ينتمي إلى جماعةٍ تاريخيّةٍ حضاريّةٍ محدّدة. وهو غالبًا سابقٌ على التأسيسِ الفكريّ، ويتشكّلُ من: 1. الحنينِ إلى الماضي. 2. الارتباطِ العاطفيّ بالأرض والرموز. 3. التماهي مع الجماعةِ في لحظاتِ الضعفِ أو الخطر. يُعَدُّ الشُّعورُ القوميُّ عنصرًا مهمًّا في الحياةِ الجماعية، لكنه وحده لا يكفي لبناءِ مشروعٍ قوميٍّ حديث، لأنَّه قد يبقى متقلّبًا أو عاطفيًّا وغير قادرٍ على تأسيسِ رؤيةٍ مؤسَّسة. ثالثًا: مفهومُ الوعيِ القوميّ الوعيُ القوميُّ هو المستوى العميقُ والناضجُ من إدراكِ الهوية. وهو نشاطٌ ذهنيٌّ–معرفيٌّ يعتمدُ على دراسةِ التاريخ، وفهمِ اللغة، وتحليلِ الواقعِ الاجتماعيّ والسياسيّ، والقدرةِ على تحويلِ الانتماءِ إلى مشروعٍ حضاري. ويمتازُ الوعيُ القوميُّ بكونه: 1. معرفيًّا: قائمًا على التعلّمِ والبحث. 2. تاريخيًّا: يستندُ إلى الذاكرةِ الموثوقة. 3. مستقبليًّا: يعملُ على بناءِ مشروعٍ قوميٍّ نهضويّ. يختلفُ الوعيُ عن الشعور في أنَّه لا يُحرّكه الانفعالُ، بل التفسيرُ والتحليلُ والتخطيط. رابعًا: التمييزُ بين الشُّعورِ القوميِّ والوعيِ القوميّ رغمَ الترابطِ بينهما، يمكنُ القول إنَّ: الشُّعورَ هو جذوةُ الانتماءِ الأولى أما الوعي فهو صقلُ تلك الجذوةِ وتحويلها إلى منظومةِ فكرٍ ومؤسساتٍ ومشروعٍ قوميٍّ قابلٍ للحياة. الشعورُ يُحرّك، والوعيُ يُوجّه. الشعورُ عاطفة، والوعيُ معرفة. الشعورُ انفعالٌ جماعيٌّ لحظيّ، والوعيُ بناءٌ ممتدٌّ عبر الزمن. المبحثُ الثّاني: مُقوّماتُ الوعيِ القوميّ أوّلًا: الذاكرةُ التاريخيّة المشتركة الذاكرةُ ليست مجردَ سردٍ للحوادث، بل هي نظامُ معنى يربطُ الماضي بالحاضر. ويتشكّل الوعيُ القوميُّ عبر: فهمِ الجذورِ الآراميّة/السريانيّة الآشورية، الكلدانية المارونية للشعب إدراك مراحلِ الازدهار والانقسام، قراءةِ المحطاتِ المؤلمةِ (الاضطهادات، سيفو، سميل ،التهجير)،وتحديدِ العناصرِ التي حافظت على استمرارية الهوية. ثانيًا: اللغةُ الآراميّة/السريانيّة/ الآشورية. تُعَدُّ اللغةُ أهمَّ أعمدةِ الوعي القوميّ، فهي حاملةُ الذاكرةِ والنصوصِ والطقوس. ولا يمكنُ تخيّلُ نهضةٍ قوميةٍ حقيقية دون: تعليمٍ منهجيٍّ للغة توحيد اصطلاحي وإحياء ثقافيٍّ حديث. ثالثًا: الأرضُ والموطنُ التاريخيّ الأرضُ ليست حدودًا جغرافيةً فحسب، بل ذاكرةٌ وصوتٌ ووجود. ورغم تشظّي الشعب في الشتات، فإنَّ الموطنَ المشرقيَّ يبقى:المرجعَ المعنويَّ للهوية، والرمزَ المركزيَّ للمشروعِ القوميّ. رابعًا: الثقافةُ والتراثُ والرموز تشمل:الأدب،الموسيقى،الطقوس،الأعياد،الرموز التاريخية. هذه العناصر تُكوّن “الحقل العاطفي–الثقافي” الذي يتفاعلُ مع الوعي الفكريّ ليبني شخصيةً قوميةً راسخة. خامسًا: الرؤيةُ الفكرية والمنهجية لا يكتملُ الوعيُ القوميُّ دون رؤيةٍ منهجية تُحدّد: ما نريدُ أن نكونه كيف ننظرُ إلى ذاتنا كيف نقرأُ واقعنا وكيف نُخطّطُ لمستقبلِنا.؟ !! وهنا تتجلّى أهميةُ مدرسة الولادة الإبداعية التي تسعى إلى إنتاجِ فكرٍ قوميٍّ متجدّدٍ لا يقوم على التمجيدِ الأعمى، بل على التحليلِ والبناء. المبحثُ الثالث: مدرسةُ “الولادة الإبداعية” في البناءِ القوميّ أوّلًا: المبادئُ الفلسفية والمنهج العام ترتكزُ مدرسةُ “الولادة الإبداعية” على فكرةٍ تأسيسيةٍ مفادُها أنَّ الهويّةَ ليست ماضياً جامداً، بل قدرةٌ على إعادةِ خلقِ الذاتِ التاريخيةِ في واقعٍ جديد. وهي رؤيةٌ تتجاوز الحنينَ العاطفيّ إلى:إصلاحِ الوعي تحرير الذات من عقدةِ التسمية نقد الخطاب القومي التقليدي وتأسيس مناهجَ فكريةٍ حديثة. ثانيًا: مقاربةُ الشخصيةِ القومية الجامعة ترى المدرسةُ أنَّ الشعب الآراميَّ/السريانيَّ/الآشوريَّ/الكلدانيَّ/المارونيَّ شعبٌ واحد بتسمياتٍ متعدّدةٍ ناتجةٍ عن عواملَ لغويّةٍ ومناطقيّةٍ وكنسيّة. وتقومُ الشخصيةُ القومية الجامعة على: وحدةِ الأصل وحدة اللغةِ الموحدة الذاكرة الاعتراف بالتنوّع دون صراع. ثالثًا: مفهومُ النهضة القومية المسلحة بالفكر النهضةُ في رؤيةِ المدرسة ليست شعاراتٍ، بل مشروعًا قائمًا على: 1. بناءِ وعيٍ تاريخيٍّ رصين. 2. وحداتٍ تعليمية للغة. 3. مؤسساتٍ ثقافية في الوطن والشتات. 4. خطابٍ قوميٍّ عقلانيٍّ غير انفعاليّ. 5. قراءةِ الذات نقديًا دون إنكارِ الألم أو المبالغةِ فيه. 6. خاتمة الفصل الأوّل: الإطار النظريّ والمفاهيميّ يشكّل الفصلُ الأوّل الأساسَ المفاهيميَّ الذي يقومُ عليه البناءُ العلميُّ للبحث، إذ تناولَ التمييزَ الضروريَّ بين الشعورِ القوميّ بوصفه انفعالًا وجدانيًّا، والوعيِ القوميّ بوصفه بناءً معرفيًّا وتاريخيًّا ومنهجيًّا. وقد تبيّنَ أنَّ النهضةَ القوميةَ لا يمكنُ أن تُبنى على العاطفة وحدها، بل تحتاجُ إلى وعيٍ راسخٍ قادرٍ على فهمِ الجذور، وتحليلِ الواقع، وتوجيهِ الطاقات نحو مشروعٍ قوميٍّ متماسك. كما أظهرت الدراسةُ أنَّ مُقوّماتِ الوعي القوميّ—من الذاكرة التاريخية، واللغة الآراميّة/السريانيّة، والأرض، والثقافة، والرؤية الفكرية—هي عناصرٌ مترابطةٌ لا يُمكنُ فصلُ بعضها عن بعض. ويُعدُّ تغييبُ أيّ منها إضعافًا لبنية الوعي القوميّ. وسلّط المبحث الأخير الضوء على مدرسة الولادة الإبداعية التي تقدّم إطارًا فلسفيًّا لتحديث الفكر القوميّ، من خلال الربط بين استمرارية الهوية وقدرتها على إعادة إنتاج ذاتها في مواجهة تحدّيات العصر. وتبدو هذه المدرسة، بما تحمله من رؤيةٍ نقديّةٍ ونهضويّة، مدخلًا مهمًّا لبناء شخصيةٍ قوميةٍ جامعة تتجاوز الانقسامات وتتسلّح بالوعي، لا بالعاطفة فقط. وبذلك يكون هذا الفصل قد وضعَ القاعدةَ النظريةَ التي سينطلقُ منها البحثُ في تحليلِ الجذور التاريخيّة، والواقع الاجتماعيّ، والمعوّقات، ومتطلبات النهضة في الفصول التالية. الفصلُ الثّاني: الخلفيّةُ التاريخيّةُ للهويّةِ الآراميّةِ–السريانيّةِ–الآشوريّةِ–الكلدانيّةِ–المارونيّة يمثّل هذا الفصلُ المدخلَ التاريخيَّ لفهمِ تشكّلِ الهويّة القوميّة لدى الجماعات الآراميّة–السريانيّة–الآشوريّة–الكلدانيّة–المارونيّة، وهو يُعدّ من أهمّ محاور البحث؛ لأنَّ الوعي القوميّ لا يستقيمُ من غير فهمٍ للجذور، ولا تنهضُ الهويّةُ ما لم تتصالح مع تاريخها، بعيدًا عن الإطلاقات الشاعرية أو السرديات المُغلقة. ينطلق هذا الفصل من مقولة منهجيّة مفادُها أنّ التاريخ ليس “وثائقَ” فحسب، بل هو نسيجٌ معنويٌّ يتشكّل من اللغة، والذاكرة، والطقوس، والتحوّلات السياسية، ومن قراءة الإنسان لذاته في الزمان والمكان. المبحثُ الأوّل: الجذورُ التاريخيّةُ المشتركة أوّلًا: الآراميون وبناء الهويّة في المشرق يشكّل الآراميونُ—كحركةٍ إثنية–لغوية—الأساسَ العريض الذي تفرّعت عنه معظم الهويّات المشرقية المسيحية اللاحقة. وقد ظهر الآراميون منذ الألف الأول قبل الميلاد كشعبٍ واسع الانتشار، تميّزَ بما يلي: 1. التوزّع الجغرافيّ في الهلال الخصيب، من جنوب تركيا حتى شمال الجزيرة العربية. 2. اللغة الآرامية التي أصبحت لاحقًا اللغة المشتركة (Lingua Franca) للشرق الأدنى القديم. 3. المرونة الثقافية التي مكّنَتهم من التفاعل مع الحضارات الكبرى (آشور، بابل، فارس). كان للآراميين دورٌ بارزٌ في نقل الثقافة، وتوحيد الفضاء اللغويّ في المنطقة. ومن رحم الآرامية وُلدت لهجاتٌ عديدة أبرزها: السريانية، الكلدانية، المندائية، النبطية. ثانيًا: السريان والامتدادُ الحضاريّ السريانُ هم الامتدادُ الثقافيّ–اللغويّ للآراميين، وقد تطوّرت هويتُهم بين القرنين الأول والرابع الميلاديّين مع انتشار المسيحية. وتتميّز السريانية بما يلي: 1. لغةٌ أدبيةٌ راقية أصبحت أداةَ اللاهوت والعلوم والترجمة. 2. مؤسّساتٌ كنسيةٌ ومدارس لعبت دورًا حضاريًّا (مدرسة الرها، نصيبين، دير قِنّشرين). 3. إسهامٌ عالميّ في الفلسفة والطبّ والعلوم، خصوصًا في العصر العباسي حيث كانوا من كبار المترجمين. السريانُ هم الجسرُ التاريخيُّ الذي من خلاله انتقلت اللغة الآرامية من طورها الشعبيّ إلى الطور الحضاريّ المكتمل. ثالثًا: الآشوريون والكلدان بين الامتداد والتحوّل قد تبدو تسميتا “آشوري” و“كلداني” عند البعض تسمياتٍ حديثة، لكن جذورهما ممتدة في التاريخ القديم. 1-الآشوريون (Assyrians) يعود الاسم إلى الدولة الآشورية القديمة التي تركت أثرًا حضاريًا هائلًا في السياسة والعمارة والإدارة. ومع سقوط الإمبراطورية الآشورية في عام 612 قبل الميلاد، ظلّت الجماعاتُ السكانية في شمال العراق وطور عبدين وغيرها جزءًا من الامتداد الآشوري السرياني–الآرامي، ثم أعادت الكنيسة الشرقية في القرن التاسع عشر إحياء التسمية الآشورية في سياق قوميّ حديث. 2-الكلدان (Chaldeans) الكلدانُ في الأصل قبائل جنوبية لعبت دورًا محوريًا في تأسيس الدولة الكلدانية الحديثة (النبوبابلية). أمّا “الكلدانية” المعاصرة فهي تسميةٌ كنسيةٌ ظهرت بعد اتحاد جزءٍ من كنيسة المشرق مع روما (القرن 16)، لكنها لم تلغِ الانتماء اللغويّ–الثقافيّ الآرامي المشترك. رابعًا: الموارنة والامتداد السريانيّ يشكّل الموارنة إحدى أهمّ الجماعات السريانية في المشرق، وقد نشأت هويتُهم الروحية حول: 1. الرهبنة السريانية (القديس مارون). 2. الطقس السريانيّ الأنطاكيّ. 3. اللغة السريانية التي ظلّت ليتورجيةً وروحيةً حتى اليوم. ورغم تطوّر الخصوصيّة الثقافية والسياسية للموارنة، فإن جذورهم تبقى سريانيةً–آراميةً واضحة في النصوص والطقوس واللغة. خامسًا: خلاصة الجذور المشتركة يُظهر التحليل أنّ هذه الجماعات—رغم اختلاف الأسماء—تشترك في: أصلٍ آشوري - آرامي–سريانيّ واحد. لغةٍ تاريخيةٍ واحدة بلهجات متعددة. حضارةٍ مترابطة بين نينوى والرها ونصيبين وطور عبدين ولبنان. أي أنّ الاختلافات تسموية–تاريخية، وليست وجودية–قومية. المبحثُ الثّاني: الانقساماتُ الكنسيّة وتعدُّدُ التسميات أوّلًا: الانشقاقات الكبرى وتأثيرها في الهوية الانقساماتُ التي عرفتها الكنائس الشرقية (القرنان الخامس والسادس للميلاد) أثّرت بعمق في تسمية الجماعات. ومن أبرزها: 1. الانقسام الخلقيدوني/اللاخلقيدوني الذي ولّد السريان الأرثوذكس والسريان الملكيين. 2. تطوّر كنيسة المشرق ولهجتها الشرقية إلى هويات محلية مميزة. 3. الانقسامات الكاثوليكية اللاحقة (الكلدان، السريان الكاثوليك، الموارنة). ثانيًا: كيف شكّلت الكنائس الهويّة؟ الكنيسة لم تكن مؤسسةً دينية فقط، بل: مدرسةً للغة حافظة للتقليد وموجهة للوعي الجمعي. وقد شكّلت الكنائس هويةً طقسية–لغوية، لا هويةً قومية بالمفهوم الحديث. لكنّ الناس، عبر القرون، أخذوا يُسقطون الانتماء القومي على التسميات الكنسية. ثالثًا: التنوّع الكنسي والهوية الواحدة رغم الانشقاقات، بقيت العناصر الآتية ثابتة:لغة مشتركة (السريانية بلهجتيها). ذاكرة مشتركة ( نينوى ،الرها، نصيبين سورية، سيفو، سميل ، الخابور). طقوس مشتركة في البنية والأسلوب. إحساسٌ بوحدة المصير. وبذلك تظلّ الانقسامات الكنَسية (تنويعاتٍ داخل الهوية)، لا هويات منفصلة. المبحثُ الثالث: تحوّلاتُ الهويّةِ في العصرِ الحديث أوّلًا: ما بعد الدولة العثمانية أدّت نهاياتُ القرن التاسع عشر وبداياتُ القرن العشرين إلى: 1. تشكّل هويّاتٍ سياسيةٍ حديثة، 2. صراعاتٍ حول التسمية، 3. موجات تهجير واسعة، 4. مجازر سيفو وسميل وغيرها وأهمها قيام الثورة البلشفية التي دمّرت البنى الاجتماعية التقليدية. ثانيًا: عصر القوميّات وتدافع التسميات مع صعود القوميّات العربية والتركمانية والكردية، بدأ السريان–الآشوريون–الكلدان–الموارنة بالبحث عن إطار قومي خاصّ. وقد ظهرت ثلاثة اتجاهات: 1. اتجاهٌ يرى الوحدة السريانية/الآرامية. 2. اتجاهٌ يُحيي التسمية الآشورية. 3. اتجاهٌ يمزج بين التسميات ويؤكد الجذور المشتركة. ثالثًا: دور الإرساليات الغربية كانت للإرساليات:إيجابيات (تعليم، طباعة، مدارس)،وسلبيات (تعميق التمايز الكنسي). لكنها أثّرت في تشكيل تصوّر الجماعة لذاتها. رابعًا: المذابح والذاكرة الجماعية مثّلت مجازر سيفو نقطةً مفصليةً في:تشكّل الوعي الجماعي،نشوء خطاب قومي جديد،ترسيخ شعور الحاجة إلى مشروع قوميّ يحفظ الوجود. خامسًا: الهجرة وإعادة تشكيل الهوية الهجرةُ الكبرى نحو أوروبا وأمريكا وأستراليا أدّت إلى:تفكيك البنية التقليدية،فقدان اللغة لدى الأجيال الجديدة،بروز خطاب قوميّ تحديثي،وفي الوقت نفسه زيادة الانقسام في التسميات. خاتمةُ الفصلِ الثاني يُظهر هذا الفصل أنّ الهويّة القومية للجماعات الآراميّة–السريانيّة–الآشوريّة–الكلدانيّة–المارونيّة ليست هوياتٍ متنافسة، بل هي طبقاتٌ تاريخية تنتمي إلى أصلٍ واحدٍ تفرّعت عنه تسمياتٌ متعدّدة عبر الزمن بسبب تحوّلاتٍ سياسيةٍ وكنسية. ويتبيّن أنّ اللغة والذاكرة المشتركة هما الركيزتان الأساسيتان اللتان حافظتا على وحدة الهويّة رغم جميع الانقسامات. وقد أظهرت القراءة التاريخية أنَّ الاختلافات بين هذه الجماعات ليست قومية الجوهر، بل تسمياتٌ لاهوتية–كنسية–منطقية اكتسبت لاحقًا بُعدًا قوميًّا مع صعود الدول الحديثة. كما يتجلّى أنّ المذابح والشتات قد أعادا طرح السؤال القومي بقوّة، وأنَّ بناء وعيٍ قوميّ حديث يستلزم قراءةً منفتحة للتاريخ تُحرّر الهوية من أسر الانقسامات وتعيدها إلى جذورها الجامعة. وبذلك يمهّد هذا الفصل للانتقال الطبيعي إلى الفصل الثالث الذي سيعالج الواقع السوسيولوجي والحياة الاجتماعية وتعقيدات الهوية في الشتات والمشرق. الفصلُ الثَّالثُ: السُّوسيولوجيا القَوْمِيَّةُ والواقِعُ الرَّاهِن المَبْحَثُ الأوَّلُ: الخَصائِصُ الاجْتِماعِيَّةُ لِلمُجْتَمَعاتِ السُّريانيَّةِ–الآشوريَّةِ–الكَلْدانِيَّةِ–المَاروِنِيَّةِ أَوَّلًا: البِنْيَةُ الاجْتِماعِيَّةُ التَّقْلِيدِيَّةُ يَتَّسِمُ البِنَاءُ الاجْتِماعِيُّ التَّقْلِيدِيُّ لِهذِهِ الجَماعَاتِ بِاعْتِمادِهِ على الأُسْرَةِ المُمتَدَّةِ، والقَرْيَةِ كَوَحْدَةٍ اجْتِماعِيَّةٍ، مَعَ دَوْرٍ مِحْوَرِيٍّ لِلكنِيسَةِ في تَشْكِيلِ الهُوِيَّةِ القِيمِيَّةِ واللُّغَوِيَّةِ. ثانِيًا: دَوْرُ الكنِيسَةِ في تَشْكِيلِ الهُوِيَّةِ الاجْتِماعِيَّةِ قامتِ الكنائِسُ السُّريانيَّةُ–الآشوريَّةُ–الكَلْدانِيَّةُ–المَارِونِيَّةُ بِدَوْرٍ أَسَاسِيٍّ في حِفْظِ اللُّغَةِ السُّريانيَّةِ، ونَقْلِ القِيمِ، وتَثْبِيتِ الهُوِيَّةِ الرُّوحِيَّةِ، إِلَّا أَنَّها ساهمَتْ بِشَكْلٍ غَيْرِ مُباشِرٍ في تَعْمِيقِ التَّسْمِيَاتِ المُخْتَلِفَةِ. ثالِثًا: التَّحَوُّلاتُ القِيمِيَّةُ في العَصْرِ الحَدِيثِ أَدَّتِ الهِجْرَةُ، والتَّمَدُّنُ، وتَراجُعُ سُلْطَةِ الأُسْرَةِ، إِلى تَغْيِيرٍ في المَنْظُومَةِ القِيمِيَّةِ لَدَى الأَجْيالِ الجَدِيدَةِ، مِمَّا أَثَّرَ في أَشْكالِ الانْتِماءِ القَوْمِيِّ. رابِعًا: الطَّبَقاتُ الاجْتِماعِيَّةُ وتَشَكُّلُ الهُوِيَّةِ تُساهِمُ الطَّبَقاتُ الاجْتِماعِيَّةُ المُخْتَلِفَةُ—مِنَ الفِئاتِ الفَلاحِيَّةِ إِلى الفِئاتِ المُتَعَلِّمَةِ في المَهْجَرِ—في إِنْتاجِ خِطابَاتٍ هُوِيَّتِيَّةٍ مُتَبَايِنَةٍ. المَبْحَثُ الثَّانِي: الشَّتاتُ وَالهِجْرَةُ وَتَأْثيرُهُما في الهُوِيَّةِ أَوَّلًا: مَوْجاتُ الهِجْرَةِ الكُبْرَى مَرَّت هذِهِ الجَماعَاتُ بِثَلاثِ مَوْجاتِ هِجْرَةٍ رَئِيسَةٍ: في القَرْنِ التَّاسِعِ عَشَر، ثُمَّ مَجازِرِ سَيْفو 1915، ثُمَّ الهِجْرَاتِ الحَدِيثَةِ بَعْدَ الحُرُوبِ واهمها عام 1933م مجازر سميل والتهجير عام 2015م . ثانِيًا: تَأْثيرُ الهِجْرَةِ في إِعادَةِ تَشْكِيلِ الهُوِيَّةِ فِي المَهْجَرِ، تَفَكَّكَتِ البِنْيَةُ التَّقْلِيدِيَّةُ، وَظَهَرَتْ هُوِيَّاتٌ قَوْمِيَّةٌ جَدِيدَةٌ أَكْثَرُ فِكْرِيَّةً وَأَقَلَّ ارْتِباطًا بِالقَرْيَةِ والطَّائِفَةِ. ثالِثًا: اللُّغَةُ بَيْنَ الاندِثارِ وَالانْبِعاثِ تَراجَعَتِ اللُّغَةُ السُّريانيَّةُ لَدَى الأَجْيالِ الثَّانِيَةِ في المَهْجَرِ، لَكِنَّ المَدارِسَ والمَرَاكِزَ الثَّقافِيَّةَ أَعادتْ إِحْياءَها بِنَماذِجَ حَديثَةٍ. رابِعًا: الهُوِيَّةُ في الشَّتاتِ: قُوَّةٌ أَمْ تَهْدِيدٌ؟ يَتَأَرْجَحُ الانْتِماءُ في المَهْجَرِ بَيْنَ الاندِماجِ التَّامِّ وَالمُحافَظَةِ الشَّدِيدَةِ، وَقَدْ باتَ الشَّتاتُ مَصْنَعًا لِلخِطابِ القَوْمِيِّ الحَدِيثِ. المَبْحَثُ الثَّالِثُ: الخِطابُ القَوْمِيُّ المُعاصِرُ أَوَّلًا: التَّيَّاراتُ القَوْمِيَّةُ الرَّئِيسَةُ تَشَكَّلَتْ ثَلاثَةُ تَيَّاراتٍ قَوْمِيَّةٍ: السُّريانيُّ–الآرامِيُّ، والآشوريُّ، والكَلْدانِيُّ–المَارِونِيُّ، وَكُلُّها تَسْتَنِدُ إِلى جُذُورٍ واحِدَةٍ وَلَكِنْ بِقِراءاتٍ مُخْتَلِفَةٍ. ثانِيًا: الخِطابُ السِّياسِيُّ مُقابِلَ الخِطابِ الثَّقافِيِّ يَمِيلُ الخِطابُ السِّياسِيُّ إِلى الدِّفاعِ عَنِ الحُقوقِ، بَيْنما يَسْعَى الخِطابُ الثَّقافِيُّ إِلى تَثْبِيتِ الهُوِيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ والتَّاريخِيَّةِ. ثالِثًا: مَظاهِرُ الانْقِسامِ تَبْرُزُ الانْقِساماتُ نَتيجَةَ التَّسْمِيَاتِ الكنيسِيَّةِ، والنِّزاعاتِ الحِزْبِيَّةِ، وَضَعْفِ الوَعْيِ التَّاريخِيِّ. رابِعًا: الحاجَةُ إِلى خِطابٍ قَوْمِيٍّ جَدِيدٍ يَظْهَرُ خِطابٌ حَدِيثٌ يَدْعو إِلى الوَحْدَةِ القَوْمِيَّةِ بِنَفْسٍ انْفِتاحِيٍّ يَعْتَبِرُ التَّعَدُّدَ ثَرْوَةً لا انْقِسامًا. خاتِمَةُ الفَصْلِ الثَّالِثِ يُظْهِرُ هذَا الفَصْلُ أَنَّ الهُوِيَّةَ الاجْتِماعِيَّةَ لِشعبنا قَدْ تَغَيَّرَتْ بِعُمْقٍ تَحْتَ تَأْثيرِ الهِجْرَةِ، وَالتَّمَدُّنِ، وَتَراجُعِ البِنْيَةِ التَّقْلِيدِيَّةِ. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنِ التَّشَظِّي، فَقَدْ أَنْتَجَ المَهْجَرُ خِطابًا قَوْمِيًّا جَدِيدًا يُرَكِّزُ على الفِكْرِ أَكْثَرَ مِنَ العاطِفَةِ، وَيُعِيدُ الطَّرْحَ القَوْمِيَّ بِصُورَةٍ أَكْثَرَ عَقْلَانِيَّةً وَشُمُولًا.
الفصلُ الرَّابِعُ: مَعوِّقاتُ بِنَاءِ الشَّخصِيَّةِ القَوْمِيَّةِ الجَامِعَةِ المَبْحَثُ الأوَّلُ: المَعوِّقاتُ التَّارِيخِيَّةُ أَوَّلًا: الانقِسامَاتُ الكَنَسِيَّةُ وَأَثَرُها فِي الهُوِيَّةِ تَعودُ جُذُورُ الانقِسامَاتِ الكَنَسِيَّةِ إِلى القَرونِ الخَمسَةِ الأُولَى للمِيلادِ، حِينَ أدَّتِ الخِلافاتُ اللَّاهُوتِيَّةُ إِلى تَشَكُّلِ مَذاهِبَ مُتَبَايِنَةٍ. وَقَدْ أَدَّى هذَا التَّبايُنُ إِلى تَعْمِيقِ التَّسْمِيَاتِ بَدَلَ تَكْرِيسِ الوَحْدَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَالثَّقافِيَّةِ. ثانِيًا: التَّحَوُّلاتُ السِّياسِيَّةُ في المَشرِقِ مَعَ سُقُوطِ الإِمبراطُورِيَّاتِ القَدِيمَةِ، وَظُهُورِ الدُّوَلِ الجَدِيدَةِ، وَتَغَلْغُلِ القُوَى الأَجنَبِيَّةِ، تَفَكَّكَتِ البِنْيَةُ الاقْتِصادِيَّةُ وَالاجْتِماعِيَّةُ لِهذِهِ الجَماعَاتِ، مِمَّا فَرَضَ واقِعًا جَغْرافِيًّا وَسِياسِيًّا زَادَ الهُوَّةَ بَيْنَ المَناطِقِ وَالتَّسْمِيَاتِ. ثالِثًا: التَّهجِيرُ وَالصِّراعاتُ الإِقْليمِيَّةُ أَدَّتِ المَجازِرُ وَالهِجْرَاتُ القَسْرِيَّةُ—وخُصُوصًا فِي سَيْفو 1915 وَمَا تَبِعَها—إِلى تَفْكِيكِ المُجْتَمَعِ التَّقْلِيدِيِّ، وَتَبَدُّلِ الطَّبِيعَةِ الدِّيموغرافِيَّةِ، وَضَعْفِ دَوْرِ اللُّغَةِ الأُمِّ فِي الحَياةِ اليَوْمِيَّةِ. المَبْحَثُ الثَّانِي: المَعوِّقاتُ النَّفْسِيَّةُ وَالثَّقافِيَّةُ أَوَّلًا: عُقْدَةُ التَّسْمِيَةِ وَتَنازُعُ الهُوِيَّةِ تُعَدُّ مُشكِلَةُ التَّسْمِيَةِ واحِدَةً مِن أَكْثَرِ القَضايَا حَسَاسِيَّةً، حَيْثُ يُسْقِطُ الكَثِيرُونَ الهُوِيَّةَ القَوْمِيَّةَ على التَّسْمِيَاتِ الكَنَسِيَّةِ، فَيَنْتُجُ عَنْ ذَلِكَ تَنَافُسٌ وَصِراعٌ لَفْظِيٌّ وَمَعنَوِيٌّ يُعِيقُ بِنَاءَ وَعْيٍ قَوْمِيٍّ جامِعٍ. ثانِيًا: الصُّوَرُ النَّمَطِيَّةُ الدَّاخِلِيَّةُ تَرَسَّخَتْ—عَبْرَ القُرُونِ—صُوَرٌ ذِهْنِيَّةٌ سَلْبِيَّةٌ بَيْنَ أَبْنَاءِ الجَماعَاتِ المُخْتَلِفَةِ، فَأَصْبَحَ كُلُّ فَرْعٍ يُقارِنُ نَفْسَهُ بِالآخَرِ، بَدَلَ أنْ يَنْظُرَ إِلَى القَوَاسِمِ المُشْتَرَكَةِ. ثالِثًا: ضَعْفُ الوَعْيِ التَّارِيخِيِّ تَراجُعُ التَّعْلِيمِ اللُّغَوِيِّ وَالتَّارِيخِيِّ أَدَّى إِلى ضَعْفِ الفَهْمِ المُشْتَرَكِ لِلجُذُورِ، وَنَسْفِ الرَّوابِطِ الثَّقافِيَّةِ بَيْنَ الأَجْيالِ. المَبْحَثُ الثَّالِثُ: المَعوِّقاتُ المَعرِفِيَّةُ وَالسِّياسِيَّةُ أَوَّلًا: غِيابُ المُؤَسَّساتِ القَوْمِيَّةِ لا تَزالُ الجَماعَاتُ تَفْتَقِرُ إِلى مُؤَسَّساتٍ قَوْمِيَّةٍ تَعْليمِيَّةٍ، وَمَرَاكِزَ بَحْثٍ، وَمَنْصّاتٍ مُنَظَّمَةٍ لِتَدْعِيمِ الهُوِيَّةِ. وَيُعَدُّ هَذَا الضَّعْفُ واحِدًا مِن أَبْرَزِ المُعوِّقاتِ. ثانِيًا: ضَعْفُ التَّعْلِيمِ اللُّغَوِيِّ وَتَراجُعُ السُّريانيَّةِ أَدَّى غِيابُ مَناهِجَ مَنْظَمَةٍ لِتَعْلِيمِ اللُّغَةِ السُّريانيَّةِ إِلى فِقْدانِ الأَجْيالِ الشَّابَّةِ لِلهُوِيَّةِ اللُّغَوِيَّةِ، وَهُوَ ما يَقْطَعُ الصِّلَةَ مَعَ التَّارِيخِ وَالثَّقافَةِ. ثالِثًا: الانقِسامُ الحِزْبِيُّ وَتَشَتُّتُ المَشاريعِ القَوْمِيَّةِ تُساهِمُ الخِلافاتُ الحِزْبِيَّةُ وَالمَصالِحُ الشَّخْصِيَّةُ فِي تَمْزيقِ الخِطابِ القَوْمِيِّ، وَتَجْعَلُهُ أَقَلَّ تَأْثِيرًا فِي القاعِدَةِ الشَّعْبِيَّةِ. خاتِمَةُ الفَصْلِ الرَّابِعِ يُبْرِزُ هذَا الفَصْلُ أَنَّ مَعوِّقاتِ بِنَاءِ الشَّخصِيَّةِ القَوْمِيَّةِ لَيْسَتْ حَدَثًا عابِرًا، بَلْ نَتِيجَةَ تَراكُماتٍ تَارِيخِيَّةٍ، وَنَفْسِيَّةٍ، وَثَقافِيَّةٍ، وَسِياسِيَّةٍ تَشابَكَتْ لِتُنتِجَ واقعًا مُعَقَّدًا. وَإِنَّ تَجاوُزَ هذِهِ العَقَباتِ يَسْتَدْعِي رُؤْيَةً قَوْمِيَّةً واضِحَةً، وَتَعْزِيزًا لِلتَّعْلِيمِ اللُّغَوِيِّ، وَبِناءَ مُؤَسَّساتٍ مُسْتَقِلَّةٍ تُساهِمُ فِي تَشْكِيلِ الوَعْيِ الجَماعِيِّ. وَيُشارُ فِي هذِهِ الخاتِمَةِ إِلى أَنَّ التَّجارِبَ القَوْمِيَّةَ الَّتِي بَدَأَتْ مَعَ نَعُومِ فَائِقٍ وَغَيْرِهِ—عَلَى أَهَمِّيَّتِها التَّارِيخِيَّةِ—لَمْ تَرْقَ إِلى مُسْتَوَى تَبَلْوُرِ وَعْيٍ قَوْمِيٍّ مُتَكامِلٍ، بَلْ بَقِيَتْ مُتَأَرْجِحَةً بَيْنَ مَشاعِرَ قَوْمِيَّةٍ مُتَنَازِعَةٍ. فَقَدْ شَهِدْنا تَمَحْوُرًا لِلسُّريانِ فِي نْيُوجَرْسِي، وَلِلكَلْدانِ فِي دِتْرُويْت، وَلِلآشُورِيِّينَ فِي شيكاغو، وَهذَا عَلى مُسْتَوَى الوُجُودِ فِي الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ، مِمَّا يُظْهِرُ أَنَّ المَشْرُوعَ القَوْمِيَّ بَقِيَ—وَإِلى حَدٍّ كَبِيرٍ—أَسِيرَ العاطِفَةِ أَكْثَرَ مِنْ كَوْنِهِ بِنَاءً وَعْيَوِيًّا مُوحَّدًا. الفصلُ الخَامِسُ: مُتَطَلَّباتُ النَّهضَةِ القَوْمِيَّةِ وَإِمكاناتُ التَّوحِيدِ المَبْحَثُ الأَوَّلُ: الرُّؤْيَةُ القَوْمِيَّةُ المُشْتَرَكَةُ أَوَّلًا: تَعْرِيفُ الشَّخْصِيَّةِ القَوْمِيَّةِ الجامِعَةِ تُحاوِلُ الشَّخْصِيَّةُ القَوْمِيَّةُ الجامِعَةُ لِلسُّريانِ–الآشوريِّين–الكَلْدانِ–المَوارِنَةِ أَنْ تُعيدَ رَبْطَ الجُذُورِ الآرامِيَّةِ–السُّريانيَّةِ بِواقِعٍ مُعاصِرٍ، مِنْ خِلالِ تَجاوُزِ التَّسْمِيَاتِ الضَّيِّقَةِ وَتَسْوِيَةِ الخِلافاتِ التَّارِيخِيَّةِ، لِلوُصُولِ إِلى نَمُوذَجٍ مُتَكامِلٍ للهُوِيَّةِ يَقُومُ عَلى اللُّغَةِ، وَالذَّاكِرَةِ، وَالتَّراثِ المُشْتَرَكِ. ثانِيًا: نَمُوذَجُ التَّكامُلِ في إِطارِ التَّنَوُّعِ يَقْومُ هذَا النَّمُوذَجُ عَلى مَبْدَأ أَنَّ التَّنَوُّعَ التَّسْمِيَوِيَّ وَالطَّقْسِيَّ لا يُناقِضُ الوَحْدَةَ القَوْمِيَّةَ، بَلْ يُغْنِيهَا. فَالتَّعَدُّدُ الَّذِي صَنَعَتْهُ القُرُونُ لا يُمْكِنُ مُحَوهُ، لَكِنْ يُمْكِنُ تَوْجِيهُهُ لِيُصْبِحَ قُوَّةً دافِعَةً لِتَأْسِيسِ وَعْيٍ جَماعِيٍّ أكْثَرَ رُسُوخًا. ثالِثًا: القَواسِمُ المُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الجَماعَاتِ تَتَّفِقُ الجَماعَاتُ السُّريانيَّةُ–الآشوريَّةُ–الكَلْدانِيَّةُ–المَارِونِيَّةُ فِي:الأَصْلِ اللُّغَوِيِّ الآرامِيِّ،التُّراثِ السُّريانيِّ الكَنَسِيِّ،الذَّاكِرَةِ التَّارِيخِيَّةِ (نينوى ،الرُّها، نَصِيبِين، طُورِ عَبْدِين)،المَآسِي الجَماعِيَّةِ (سَيْفو، التَّهجِير، سميل ،الِاضْطِهادات)،الحَاجَةِ إِلى مَشْرُوعٍ يُؤَمِّنُ الاستِمْرارَ الوُجُودِيَّ. المَبْحَثُ الثَّانِي: مُتَطَلَّباتُ النَّهضَةِ القَوْمِيَّةِ أَوَّلًا: إِعادَةُ بِنَاءِ الوَعْيِ القَوْمِيِّ تَبْدَأُ النَّهضَةُ القَوْمِيَّةُ مِنْ تَبْنِي مَشْرُوعٍ تَعْلِيمِيٍّ وَثَقافِيٍّ يُعادُ فِيهِ تَأْسِيسُ المَفاهِيمِ القَوْمِيَّةِ عَلى أُسُسٍ عِلْمِيَّةٍ، وَتَجْرِيدِ الهُوِيَّةِ مِنَ التَّحَزُّبِ الطَّقْسِيِّ. ثانِيًا: تَعْزِيزُ التَّعْلِيمِ اللُّغَوِيِّ السُّريانيِّ/الآرامِيِّ/الأشوري . لَنْ تَتَحَقَّقَ أَيُّ نَهضَةٍ قَوْمِيَّةٍ بِدُونِ إِحْياءِ اللُّغَةِ الأُمِّ. وَيَتَطَلَّبُ ذَلِكَ:مَناهِجَ تَدْرِيسِيَّةً موَحَّدَةً،مَرَاكِزَ لِلتَّكْوِينِ اللُّغَوِيِّ،دَعْمَ الجَماعَاتِ الكَنَسِيَّةِ وَالثَّقافِيَّةِ. ثالِثًا: دَوْرُ النُّخَبِ الثَّقافِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ تَلْعَبُ النُّخَبُ الدُّورَ الأَعْمَقَ فِي تَوْجِيهِ الخِطابِ القَوْمِيِّ مِنَ المَشاعِرِ إِلى المَعْرِفَةِ. وَيُنتَظَرُ مِنَ المَفْكُرِينَ وَالأَدَبَاءِ وَالبَاحِثِينَ أَنْ يُؤَسِّسُوا لِمَرْحَلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الوعي. رابِعًا: بِنَاءُ مُؤَسَّساتٍ قَوْمِيَّةٍ مُسْتَدَامَةٍ تَحْتاجُ أبناء شعبنا إِلى مُؤَسَّساتٍ تَقُومُ عَلى:البَحْثِ العِلْمِيِّ،تَدْرِيسِ اللُّغَةِ،حِفْظِ التُّراثِ،وَتَدْرِيبِ الأَجْيالِ الجَدِيدَةِ. وَبِدُونِ هذِهِ المُؤَسَّساتِ سَيَبْقَى الخِطابُ القَوْمِيُّ مُعَلَّقًا بَيْنَ العاطِفَةِ وَرَدِّ الفِعْلِ. المَبْحَثُ الثَّالِثُ: التَّطْبِيقُ العَمَلِيُّ لِرُؤْيَةِ(المَدْرَسَةِ الإِبْداعِيَّةِ) أَوَّلًا: مَبَادِئُ النَّهضَةِ الفِكْرِيَّةِ تَقْتَرِحُ مَدْرَسَةُ (الوِلادَةِ الإِبْداعِيَّةِ) مَسارًا نَهْضَوِيًّا قَائِمًا عَلى:تَجْرِيدِ الهُوِيَّةِ مِنَ التَّعَصُّبِ،قِراءَةِ التَّارِيخِ بِنَقْدٍ وَعَقْلٍ، تَحْوِيلِ اللُّغَةِ إِلى أَدَاةِ إِبْداعٍ وَعَمَلٍ. ثانِيًا: الآلِيَّاتُ الثَّقافِيَّةُ وَالتَّرْبَوِيَّةُ لِبِنَاءِ الشَّخْصِيَّةِ القَوْمِيَّةِ يَتَطَلَّبُ ذَلِكَ:مَناهِجَ تَرْبَوِيَّةً لِتَعْزِيزِ الهُوِيَّةِ مُنْذُ الطُّفُولَةِ،بَرَامِجَ إِعْلامِيَّةً وَمَعْرِضِيَّةً تُعَرِّفُ بِالثَّقافَةِ السُّريانيَّةِ، تَنشِيطَ الدَّوْرِ الفَنِّيِّ وَالأَدَبِيِّ. ثالِثًا: مَشْرُوعُ الهُوِيَّةِ الجَامِعَةِ فِي القَرْنِ الحادِي وَالعِشْرِينَ لِكَيْ يَنْجَحَ هذَا المَشْرُوعُ، يَجِبُ أَنْ يَقُومَ عَلى:رُؤْيَةٍ قَوْمِيَّةٍ تَتَّسِمُ بِالمَعْرِفَةِ،وتَوْظِيفِ التِّقْنِيَاتِ الحَدِيثَةِ،وَتَعْزِيزِ الرَّوابِطِ بَيْنَ الدَّاخِلِ وَالمَهْجَرِ. خاتِمَةُ الفَصْلِ الخَامِسِ يَكْشِفُ هذَا الفَصْلُ أَنَّ النَّهضَةَ القَوْمِيَّةَ لَيْسَتْ مَسارًا عاطِفِيًّا، بَلْ هِيَ مَشْرُوعٌ وَعْيَوِيٌّ يَحْتاجُ إِلى تَخْطِيطٍ، وَمُؤَسَّساتٍ، وَتَعْزِيزٍ لِدَوْرِ اللُّغَةِ، وَحُضُورٍ فِكْرِيٍّ مُتَمَيِّزٍ. وَبِقَدْرِ ما يَتَشَتَّتُ الجُهْدُ القَوْمِيُّ، بَقَدْرِ مَا تَتَأَخَّرُ النَّهضَةُ؛ أَمَّا إِذَا تَكَامَلَتِ الرُّؤْيةُ وَتَوَحَّدَ الفِكْرُ، فَإِنَّ الإِمكانَاتِ القَوْمِيَّةَ كَفِيلَةٌ بِصِنَاعَةِ مُسْتَقْبَلٍ أَفْضَلَ لِكُلِّ الفُروعِ الَّتي تَنْتَمِي إِلى أَصْلٍ واحِدٍ. وَمِنَ المَحَطّاتِ المِفْصَلِيَّةِ الَّتِي تُسَلِّطُ الضَّوْءَ عَلَى عُمْقِ الأَزْمَةِ القَوْمِيَّةِ، فَشَلُ مكوِّناتِ شَعْبِنا فِي مُؤْتَمَرِ باريس لِلسَّلامِ عامَ 1919م. حَيْثُ أُرْسِلَ وَفْدٌ يَضُمُّ شَخْصِيّاتٍ بارِزَةً لِطَرْحِ المَطالِبِ القَوْمِيَّةِ، وَمِنْ أَهَمِّهِم: أوّلًا: بَطْرِيَرْكُ السُّرْيانِ في مُؤْتَمَرِ بارِيس لِلسَّلام 1919م:البَطْرِيَرْكُ إغناطيوس أَفْرام الأوّل بَرْصُوم البَطْرِيَرْكُ السُّريانيُّ الأَرْثُوذُكْسِيّ، وكان وقتَها مِتْرابُوليتًا باسم: مار أَفْرام بَرْصُوم. شارَكَ المِتْرابُوليتُ مار أَفْرام بَرْصُوم – الَّذي صارَ لاحِقًا البَطْرِيَرْكَ إغناطيوس أَفْرامَ الأوَّل – في مُؤْتَمَرِ بارِيسَ لِلسَّلامِ عامَ 1919 مُمَثِّلًا لِلسُّرْيانِ الأَرْثُوذُكْس، وسَعَى لِعَرْضِ مَآسِي شَعْبِهِم بَعْدَ الحَرْبِ العالَمِيّةِ الأُولَى و"سَيفُو" وَلِطَلَبِ حُقوقٍ قَوْمِيّةٍ وإداريّةٍ لِلسُّرْيانِ في مناطِقِهِم التَّاريخيّة. ثانِيًا: السَّيِّدَةُ سُورْمَا خانِم (سُورْمَا خانِيم) هِيَ من القِياداتِ الآشُوريّة البارِزَة، أُخْتُ القائِدِ الآشُوريِّ الشَّهيرِ مار شِمْعُون بِنْيامين. تُعَدُّ السَّيِّدَةُ سُورْما خانِم إحدى أَبْرَزِ الشَّخْصِيّاتِ الآشُوريّةِ في بداياتِ القَرْنِ العِشْرين، وقد شارَكَتْ في مُؤْتَمَرِ بارِيسَ لِلسَّلامِ عامَ 1919 مُمَثِّلَةً لِلآشُوريّين. طالَبَتْ بِصَوْتٍ واضِحٍ بِضَمانِ حُقوقِ شَعْبِها السِّياسيّةِ والقَوْمِيّة، وبِوَضْعِ حِمايَةٍ دَوْلِيّةٍ لِلآشُوريّين بَعْدَ الكوارِثِ الَّتي تَعَرَّضُوا لَها خِلالَ الحَرْبِ العالَمِيّةِ الأُولَى. المشاركون المُثبَتون في مُؤْتَمَرِ بارِيسَ لِلسَّلامِ 1919 ١ المِتْرابُوليت مار أَفْرام بَرْصُوم شارَكَ المِتْرابُوليتُ مار أَفْرام بَرْصُوم – الَّذي صارَ لاحِقًا البَطْرِيَرْكَ إغْناطِيُوسَ أَفْرامَ الأوَّل – في مُؤْتَمَرِ بارِيسَ لِلسَّلامِ عامَ 1919 مُمَثِّلًا لِلسُّرْيانِ الأَرْثُوذُكْسِ، وقَدَّمَ مَطالِبَ شَعْبِهِ السِّياسِيَّةَ وَالقَوْمِيَّة. ٢ الدُّكتور أَبْراهام يوسِف (d. Abraham Yoosuf) كانَ الدُّكتورُ أَبْراهامُ يوسِف مِنْ أَبْرَزِ المُمَثِّلِينَ الرَّسْمِيِّينَ لِلآشُوريِّينَ–الكَلْدانِ في مُؤْتَمَرِ بارِيسَ، وَقَدْ عَمِلَ عَلى عَرْضِ مَطَالِبِ شَعْبِهِ فِي الحِمايَةِ وَالحُقوقِ القَوْمِيَّة. ٣الأُسْقُف يُوحَنّون قَشّيش وَصَلَ الأُسْقُفُ يُوحَنّون قَشّيش إِلَى بارِيسَ عامَ 1919، وشارَكَ فِي النَّشاطاتِ المُتَعَلِّقَةِ بِقَضِيَّةِ شَعْبِهِ، وإنْ لَمْ يَكُنْ مَنْدُوبًا رَسْمِيًّا ضِمْنَ وَفْدِ المُؤْتَمَر. شَخْصِيّاتٌ بارِزَةٌ لَمْ تُثْبَتْ مُشارَكَتُها الرَّسْمِيَّة تُذْكَرُ كَقِياداتٍ قَوْمِيَّةٍ شاهِدَتِ الفَتْرَةَ، دون دَلائِل قاطِعَة على الحُضُورِ الرَّسْمِيِّ. ١مار شِمْعُون بِنْيامِين :يُعَدُّ مارُ شِمْعُون بِنْيامِين رَمْزًا دِينِيًّا وَقَوْمِيًّا آشُوريًّا بارِزًا، ولَكِنْ لَمْ تُثْبَتْ مُشارَكَتُهُ الرَّسْمِيَّةُ فِي مُؤْتَمَرِ بارِيس. ٢ أَغا بَطُّرْس شِمْعُون:كانَ أَغا بَطُّرْس شِمْعُون مِنَ القِوَى العَسْكَرِيَّةِ الآشُوريَّةِ البارِزَةِ بَعْدَ الحَرْبِ، إلّا أنَّ مُشارَكَتَهُ الرَّسْمِيَّةَ فِي مُؤْتَمَرِ بارِيسَ لَمْ تُسَجَّل. ٣ مالِك إسْماعيل:يُعَدُّ مالِكُ إسْماعيل مِنْ زُعَماءِ العَشائِرِ الآشُوريَّةِ، ولَكِنْ لَمْ يَرِدْ دَلِيلٌ قاطِعٌ عَلَى حُضُورِهِ فِي المُؤْتَمَر. ٤ مالِك خُوشابا:اشْتُهِرَ مالِكُ خُوشابا بِقِيادَتِهِ القَبَلِيَّةِ وَدَوْرِهِ في الفَتْرَةِ اللاحِقَةِ لِلحَرْبِ، دُونَ إثْباتٍ لِمُشارَكَتِهِ الرَّسْمِيَّةِ فِي مُؤْتَمَرِ بارِيس. ٥ الدُّكتور فَرِيدُون أَتورايا :كانَ الدُّكتورُ فَرِيدُون أَتورايَا مُفَكِّرًا وَقائِدًا آشُوريًّا مُهِمًّا فِي تِلْكَ الفَتْرَةِ، إلّا أنَّهُ لَمْ يُؤَكَّدْ حُضُورُهُ لِمُؤْتَمَرِ بارِيس. ٦المِطْران عُودِيشُو خُنانيشُو :يُعَدُّ المِطْرانُ عُودِيشُو خُنانيشُو شَخْصِيَّةً كَنَسِيَّةً بارِزَةً، وَلَكِنْ لا يوجَدُ دَلِيلٌ يَثْبُتُ مُشارَكَتَهُ الرَّسْمِيَّةَ فِي المُؤْتَمَر. الخُلاصَةُ المُشارِكون المُثْبَتون:المِتْرابُوليت مار أَفْرام بَرْصُوم.الدُّكتور أَبْراهام يوسِف.الأُسْقُف يُوحَنّون قَشّيش (مُشارِكَةٌ غَيْرُ رَسْمِيَّة). أسماءٌ بارِزَةٌ غيرُ مُثْبَتَةِ المُشارَكَةِ:مار شِمْعون بِنْيامين، أَغا بَطُّرس شِمْعون، مالِك إسماعيل، مالِك خُوشابا، الدُّكتور فَرِيدُون أَتورايا، المِطْران عوديشو خُنانيشو. غَيْرَ أَنَّ الوَفْدَ لَمْ يَسْتَطِعْ تَقدِيمَ مَطْلَبٍ قَوْمِيٍّ مُوَحَّدٍ؛ فَقَدْ تَغَلَّبَتِ العَشائِرِيَّةُ وَالتَّسْمِيَوِيَّةُ وَتَبايُنُ الرُّؤى بَيْنَ السُّريانِ وَالآشوريِّينَ وَالكَلْدانِ، فَتَفَكَّكَ المَوْقِفُ المُشْتَرَكُ، وَضَاعَتْ الفُرْصَةُ التَّارِيخِيَّةُ لِتَأْسِيسِ كِيانٍ قَوْمِيٍّ فِي مَوْطِنِ الأجدادِ. وَيَعْتَبِرُ الكَثِيرُونَ أَنَّ مَا حَدَثَ فِي باريس كانَ مَحَطَّةً قاتِلَةً لِأَحلامِ شَعْبِنا، وَدَلِيلًا واضِحًا عَلَى أَنَّ النَّهضَةَ القَوْمِيَّةَ تَسْتَوْجِبُ إِرادَةً مُوَحَّدَةً وَخِطابًا واعِيًا يَتَجاوَزُ جِراحَ التَّسْمِيَةِ وَالعَشائِرِيَّةِ، لِيُؤَسِّسَ لِمَرْحَلَةٍ جَدِيدَةٍ مِنَ الوعيِ القَوْمِيِّ. الفصلُ السَّادِسُ: الخاتِمَةُ العَامَّةُ وَالنَّتائِجُ وَالتَّوْصِياتُ وَآفاقُ البَحْثِ المَقْدِمَةُ يَجْمَعُ هذَا الفَصْلُ الخِتامِيُّ خُلاصاتِ الجُهْدِ البَحْثِيِّ الَّذِي تَمَّ بَسْطُهُ فِي الفُصُولِ السَّابِقَةِ، مُسْتَعِيدًا المَسارَ التَّارِيخِيَّ وَالاجْتِماعِيَّ وَالثَّقافِيَّ لِلهُوِيَّةِ الآرامِيَّةِ–السُّريانيَّةِ–الآشوريَّةِ–الكَلْدانِيَّةِ–المَارِونِيَّةِ، وَمُحاوِلًا صِياغَةَ رُؤْيَةٍ نَهْضَوِيَّةٍ تَستَنِدُ إِلى الوَعْيِ لا العاطِفَةِ، وَإِلى الوَحْدَةِ فِي التَّنَوُّعِ لا التَّنافُرِ فِي التَّسْمِيَةِ. أولًا: النَّتائِجُ الرَّئِيسَةُ لِلبَحْثِ 1-وَحْدَةُ الأَصْلِ وَتَعَدُّدُ التَّسْمِيَةِ أَثْبَتَ البَحْثُ—فِي ضَوْءِ الدَّرَاساتِ التَّارِيخِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ—أَنَّ هذِهِ الجَماعَاتِ تُشَكِّلُ شَعْبًا واحِدًا مُتَعَدِّدَ التَّسْمِيَاتِ، وَأَنَّ جُذُورَهُ الآرامِيَّةَ–السُّريانيَّةَ الآشورية تُعْتَبَرُ القاسِمَ المُشْتَرَكَ الأَعْمَقَ. 2-الفَارِقُ بَيْنَ الشُّعورِ القَوْمِيِّ وَالوَعْيِ القَوْمِيِّ بَيَّنَ البَحْثُ أَنَّ الشُّعورَ القَوْمِيَّ عاطِفَةٌ جامِحَةٌ غَيْرُ مُسْتَقِرَّةٍ، بَيْنما الوَعْيُ القَوْمِيُّ نِظامٌ مَعرِفِيٌّ مُؤَسَّسٌ، وَأَنَّ الفَجْوَةَ بَيْنَهُما هِيَ السَّبَبُ الأَسَاسِيُّ فِي تَعَثُّرِ مَشَارِيعِ النَّهْضَةِ. 3-دَوْرُ اللُّغَةِ السُّريانيَّةِ – الآشورية _ كَرَكِيزَةٍ لِلهُوِيَّةِ أَظْهَرَ البَحْثُ أَنَّ اللُّغَةَ السُّريانيَّةَ لَيْسَتْ عُنْصُرًا ثَقافِيًّا فَقَطْ، بَلْ هِيَ هُوِيَّةٌ وَمِفْتاحٌ لِوَحْدَةِ الشَّعْبِ، وَأَنَّ تَراجُعَها أَدَّى إِلى تَراجُعِ الوَعْيِ القَوْمِيِّ. 4-فَشَلُ المُحاوَلاتِ القَوْمِيَّةِ الحَدِيثَةِ خَلُصَ البَحْثُ إِلى أَنَّ التَّجارِبَ القَوْمِيَّةَ الَّتِي بَدَأَتْ مَعَ نَعُومِ فَائِقٍ وَرُوّادٍ آخَرِينَ لَمْ تَتَطَوَّرْ إِلى وَعْيٍ قَوْمِيٍّ جامِعٍ؛ بَلْ تَمَزَّقَتْ بَيْنَ العَشائِرِيَّةِ وَالتَّسْمِيَوِيَّةِ وَالانقِسامِ الجُغْرافِيِّ. 5-فَشَلُ وَفْدِ مُؤْتَمَرِ باريس 1919 تَبَيَّنَ أَنَّ فَشَلَ الوَفْدِ فِي تَقْدِيمِ مَطالِبَ مُوَحَّدَةٍ يَعُودُ إِلى:انقِسامِ الرُّؤى بَيْنَ السُّريانِ وَالآشوريِّينَ وَالكَلْدانِ. غَلَبَةِ العَشائِرِيَّةِ عَلَى الِاحْتِرافِ السِّياسِيِّ.تَضارُبِ المَصالِحِ وَغِيابِ قِيادَةٍ قَوْمِيَّةٍ مُوَحَّدَةٍ. وَشَكَّلَ ذَلِكَ ضَرْبَةً قاسِيَةً أَدَّتْ إِلى فُقْدانِ فُرْصَةٍ تَارِيخِيَّةٍ لِتَأْسِيسِ كِيانٍ قَوْمِيٍّ. 6-المَهْجَرُ مِحْوَرٌ لِوِلادَةِ الخِطابِ القَوْمِيِّ الحَدِيثِ أَظْهَرَ البَحْثُ أَنَّ المَهْجَرَ—بِخُصُوصٍ فِي الوِلاياتِ المُتَّحِدَةِ وَأُورُوبَّا—أَصْبَحَ مَرْكَزًا لِصِياغَةِ الخِطابِ القَوْمِيِّ الجَدِيدِ لِدَوْرِهِ فِي:تَحْريرِ الخِطابِ مِن ضُغُوطِ الطَّائِفِيَّةِ. تَعْزِيزِ التَّعْلِيمِ وَالبَحْثِ.فَتْحِ مَسارَاتٍ جَدِيدَةٍ لِلتَّعْرِيفِ بِالهُوِيَّةِ. 7-ضَرورَةُ المُؤَسَّساتِ وَالاسْتِرَاتِيجِيَّةِ القَوْمِيَّة خَلُصَ البَحْثُ إِلى أَنَّ النَّهْضَةَ القَوْمِيَّةَ لَنْ تَتَحَقَّقَ دُونَ:مُؤَسَّساتٍ قَوْمِيَّةٍ مُتَخَصِّصَةٍ. مَناهِجَ لُغَوِيَّةٍ مُوَحَّدَةٍ. قِيادَةٍ مُشْتَرَكَةٍ تَسْتَطِيعُ إِدارَةَ الِاخْتِلافِ. ثانِيًا: التَّوْصِياتُ العَمَلِيَّةُ 1-إِنْشاءُ أَكادِيمِيَّةٍ قَوْمِيَّةٍ لِلبَحْثِ وَالدِّراسَاتِ تُعْنَى بِـ:دِراسَةِ التَّارِيخِ وَاللُّغَةِ. تَطْوِيرِ مَناهِجَ لِتعليمِ السُّريانيَّةِ. إِصْدارِ موسوعاتٍ وَمَراجِعَ قَوْمِيَّةٍ. 2-إِنْشاءُ مَناهِجٍ مُوَحَّدَةٍ لِتَعْلِيمِ اللُّغَةِ السُّريانيَّةِ تُشَرِّعُ لِوَحْدَةِ الهُوِيَّةِ وَتُقَلِّصُ الفَجْوَةَ بَيْنَ اللهَجاتِ وَالتَّقْلِيداتِ. 3- تَعْزِيزُ دَوْرِ المَهْجَرِ في تَمْكِينِ النَّهْضَةِ مِنْ خِلالِ:مَرَاكِزِ ثَقافِيَّةٍ.جَمْعِيَّاتٍ قَوْمِيَّةٍ. بَرَامِجَ تَبادُلٍ ثَقافِيٍّ مَعَ الوَطَنِ. 4-إِطْلاقُ مَشْرُوعِ "الوِحْدَةِ القَوْمِيَّةِ" القائِمِ عَلَى التَّكامُلِ الَّذِي يَسْتَنِدُ إِلى:احْتِرامِ التَّنَوُّعِ. ودَعْمِ المُشْتَرَكاتِ. وتَجْرِيدِ الهُوِيَّةِ مِنْ كُلِّ مَا يُقَوِّضُ الوَعْيَ القَوْمِيَّ. 5-دَعْمُ مَشَارِيعِ "المَدْرَسَةِ الإِبْداعِيَّةِ" وَالمُؤَسَّسَاتِ القَوْمِيَّةِ المُعاصِرَةِ تَتَطَلَّبُ النَّهْضَةُ القَوْمِيَّةُ تَثْمِينًا لِكُلِّ الجُهُودِ الَّتِي بُذِلَتْ—فِي الوَطَنِ وَالمَهْجَرِ—مِنْ أَجْلِ بِنَاءِ مَسارٍ مُؤَسَّسِيٍّ لِلهُوِيَّةِ، وَمِنْ أَبْرَزِ هذِهِ الجُهُودِ: أ. الجُهُودُ الحِزْبِيَّةُ فِي الوَطَنِ (العِراق، سُورِيَا، لُبْنان، والعالم ) لَعِبَتِ الأَحْزابُ القَوْمِيَّةُ—بِمُخْتَلَفِ تَوَجُّهاتِها—دَوْرًا فِي تَكْرِيسِ الخِطابِ القَوْمِيِّ وَالمُطالَبَةِ بِالحُقوقِ، إِلَّا أَنَّ هذِهِ الجُهُودَ تَأَثَّرَتْ بِالوَاقِعِ السِّياسِيِّ السَّائِدِ وَالصِّراعاتِ الجُغْرافِيَّةِ وَالحِزْبِيَّةِ، مِمَّا حَدَّ مِن فاعِلِيَّتِها. ب. الجُهُودُ الحِزْبِيَّةُ وَالقَوْمِيَّةُ فِي أَنْحَاءِ العالَمِ قَدَّمَتِ المُنَظَّماتُ وَالجَمَعِيَّاتُ فِي أُورُوبَّا وَأَمِيرِكا وَأُسْتِراليا أَدْوارًا مُهِمَّةً فِي تَعْزِيزِ الخِطابِ القَوْمِيِّ وَفِي إِطلاقِ مَشاريعَ فِكْرِيَّةٍ وَثَقافِيَّةٍ، إِلَّا أَنَّ غِيابَ التَّنْسيقِ بَيْنَها حَالَ دُونَ تَشكِيلِ قُوَّةٍ ضاغِطَةٍ وَمُوَحَّدَةٍ. ج. المَعْهَدُ العَالَمِيُّ لِلدِّراسَاتِ الاسْتراتِيجِيَّةِ (أَسَّسَهُ إِسْحَق قومِي فِي عامِ 1996) (1996)ألمانيا) وَهُوَ مَعْهَدٌ تمّ تأسَّيسه بِهَدَفِ:إِطلاقِ بُحُوثٍ قَوْمِيَّةٍ مُحْكَمَةٍ،وَتَأْسِيسِ مَرْكَزٍ عِلْمِيٍّ لِدِراسَةِ قَضايَا الشَّعْبِ، وَبِنَاءِ فِكْرٍ اسْتراتِيجِيٍّ يُغَذِّي النَّهْضَةَ القَوْمِيَّةَ. وَعَلَى رَغْمِ أَهَمِّيَّةِ هذَا المَعْهَدِ وَتَفَرُّدِهِ فِي مَجالِهِ، فَإِنَّ الاسْتِجَابَةَ لَهُ لَمْ تَكُنْ بِمُسْتَوَى الحُلْمِ؛ لِعَدَمِ تَوَفُّرِ الإِرادَةِ الجَماعِيَّةِ، وَسَيْطَرَةِ الخِلافاتِ التَّسْمِيَوِيَّةِ وَالانقِسامِ الحِزْبِيِّ. د. المَرْكَزُ العَالَمِيُّ بَيْت نَهْرِين الاسْتراتِيجِيّ (أَسَّسَهُ أَيْضًا إِسْحَق قومِي) في ألمانيا. يُعْتَبَرُ هذَا المَرْكَزُ امتِدادًا فِكْرِيًّا وَقَوْمِيًّا لِمَسارِكُمُ العِلْمِيِّ، وَيَهْدِفُ إِلى: تَأسِيسِ رُؤْيَةٍ قَوْمِيَّةٍ اسْتراتِيجِيَّةٍ،دَعْمِ بُحُوثِ الهُوِيَّةِ وَالتَّارِيخِ، وَتَقْدِيمِ دِراسَاتٍ عَمِيقَةٍ فِي قَضايَا الشَّعْبِ. إِلَّا أَنَّ هذَا المَرْكَزَ لَمْ يَحْظَ بالدَّعْمِ الشَّعْبِيِّ الكافِي، وَوَاجَهَ حَاجِزَ اللامُبالاةِ وَتَشَتُّتِ الجُهُودِ. وَهُناكَ جُهودٌ بارِزَةٌ في تَأْسيسِ اللَّجْنَةِ المُوحَّدَةِ لِتَأْسيسِ البَرْلَمانِ الآشُورِيِّ فِي المَنْفَى، وَهِيَ جُهودٌ قادَها الأَخُ المُهَنْدِسُ جورج نُوَيَّة مُنْذُ عامِ 2014م. وَقَدْ عَقَدَتِ اللَّجْنَةُ مُؤْتَمَرَها الأَوَّلَ فِي يَريفان، العاصِمَةِ الأَرْمَنِيَّةِ، عامَ 2019م، ثُمَّ تَلاَهُ مُؤْتَمَرٌ آخَرُ فِي مايْنْز بِمَدِينَةِ فيسْبادِن الألمانيَّةِ فِي شُباطَ عامَ 2020م. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ وُجودِ جُهودٍ لا تُحْصى وَمُؤَسَّساتٍ لا تُعَدُّ، فَإِنَّها لَمْ تُفِ بالغَرَضِ المَرجُوِّ، وَلَمْ تَظْهَرْ بِشَكْلٍ فاعِلٍ يُمَكِّنُها مِنْ إحْداثِ خَرْقٍ تَقَدُّمِيٍّ فِي قَضِيَّتِنا القَوْمِيَّةِ، خُصوصًا مَعَ التَّراجُعِ الواضِحِ لِلْمَشاريعِ القَوْمِيَّةِ فِي الأَوْطانِ وَالمُغْتَرَباتِ. إلَّا أَنَّ هذِهِ المُحاوَلاتِ تَدْخُلُ فِي إِطارِ حِوارِ اللَّحْظَةِ التَّاريخِيَّةِ، وَفِي سِياقِ اسْتِعْصاءِ الحَراكِ السِّياسِيِّ المَحلِّيِّ وَالعالَمِيِّ.
هـ. لِماذا فَشِلَتْ كُلُّ هذِهِ الجُهُودِ فِي تَحْقِيقِ نَهْضَةٍ قَوْمِيَّةٍ؟ تُشيرُ دِراسَةُ التَّارِيخِ وَالوَاقِعِ إِلى أَنَّ الأَسْبابَ الرَّئِيسَةَ هِي: 1. غَلَبَةُ الهُوِيَّةِ الطَّقْسِيَّةِ عَلى الهُوِيَّةِ القَوْمِيَّةِ. 2. سَيْطَرَةُ الخِلافاتِ الحِزْبِيَّةِ وَالشَّخْصَنَةِ. 3. ضَعْفُ الوَعْيِ التَّارِيخِيِّ وَالاسْتراتِيجِيِّ عِنْدَ القاعِدَةِ الشَّعْبِيَّةِ. 4. عَدَمُ اسْتِيعابِ أَهَمِّيَّةِ المُؤَسَّساتِ فِي صِنَاعَةِ قَرارٍ قَوْمِيٍّ مُوَحَّدٍ. و. دَرْسٌ مِن أَجْلِ المُسْتَقْبَلِ تُثبِتُ هذِهِ التَّجارِبُ أَنَّ النَّهْضَةَ القَوْمِيَّةَ لَنْ تَتَحَقَّقَ بِجُهُودِ الأَفْرادِ وَالمُبادَراتِ المُتَفَرِّقَةِ، بَلْ بِمَشروعٍ مُؤَسَّسِيٍّ جَماعِيٍّ يَتَجاوَزُ مَوانِعَ التَّسْمِيَةِ وَالحِزْبِيَّةِ، وَيُؤَسِّسُ لِوَحْدَةِ مَصِيرٍ وَهُوِيَّةٍ. خَاتِمَة عَامَّة لِلبَحْثِ تُجَمِّعُ هذِهِ الخاتِمَةُ بَيْنَ المَطالِبِ الحَقَّةِ لِأَبْناءِ شَعْبِنا فِي مَوْقِعِهِمُ التَّارِيخِيِّ عَلى أَرْضِ العِراقِ الحَديثِ، وَبَيْنَ الرُّؤْيَةِ الَّتِي تَطْرَحُهَا «مَدْرَسَةُ الوِلادَةِ الإِبْداعِيَّةِ» لِبِنَاءِ هُوِيَّةٍ قَوْمِيَّةٍ واعِيَةٍ وَمُتَماسِكَةٍ. إِنَّ الحُقُوقَ القَوْمِيَّةَ لِشَعْبِنا فِي إِقْلِيمِ نِينَوَى لا تُعْتَبَرُ مَطالِبَ اعْتِبارِيَّةً أو مُتَطَلِّباتٍ سِياسِيَّةً طارِئَةً، بَلْ هِيَ حُقُوقٌ راسِخَةٌ فِي الجُغْرافْيا التَّارِيخِيَّةِ وَنُصُوصِ الدُّسْتورِ العِراقِيِّ الفِدرالِيِّ، وَتَأْتِي ضَرُورَةً وَعَدالَةً وَاسْتِحْقاقًا لِشَعْبٍ عانى مِمَّا عاناهُ مِنِ الاضْطِهادِ وَالإِقْصاءِ وَفُقْدانِ الأَمْنِ. وَكَذَلِكَ فِي سُورِيَة، تَبْقى الحُقُوقُ القَوْمِيَّةُ وَالثَّقافِيَّةُ وَاللُّغَوِيَّةُ لِلمُكَوِّناتِ الأَصِيلَةِ—وَفِي مُقَدِّمَتِها شَعْبُنا السُّريانيُّ بِجَمِيعِ فُرُوعِهِ—حُقُوقًا لا تَتَجَزَّأُ، وَلا يُمْكِنُ أَنْ يُبْنى الاسْتِقْرارُ الحَقِيقِيُّ دُونَها. وَتَرَى مَدْرَسَتِي أَنَّ تَجاوُزَ هذِهِ الحُقُوقِ أَوِ الْتَلاعُبَ بِها يُعَدُّ سِياسَةً عَرْجاءَ، لا تَنْتِجُ إِلا مَزِيدًا مِنِ الضَّعْفِ وَالاهْتِزازِ فِي بِنَاءِ الدَّوْلَةِ وَالمُجْتَمَعِ. غَيْرَ أَنَّ المَشاهِدَ التَّارِيخِيَّةَ وَالوَاقِعِيَّةَ تُثْبِتُ أَيْضًا أَنَّ مُكَوِّناتِ شَعْبِنا التَّسْمِيَوِيَّةَ لَمْ تَقُمْ بِالدَّوْرِ المُنْتَظَرِ مِنْها؛ فَقَدْ أعاقَتْها العَشائِرِيَّةُ، وَالتَّجَاذُباتُ الطَّقْسِيَّةُ، وَغِيابُ الخِطابِ الوَحْدَوِيِّ، وَضَعْفُ البُنى المُؤَسَّسِيَّةِ الَّتِي كانَ يُفْتَرَضُ أَنْ تَحْمِلَ مَشْرُوعَ النَّهْضَةِ. وَتُؤَكِّدُ (مَدْرَسَةُ الوِلادَةِ الإِبْداعِيَّةِ) أَنَّ إِزالَةَ هذِهِ العَوائِقِ لا تَتِمُّ إِلا بِـ مَدْرَسَةٍ تُنَمِّي الوَعْيَ القَوْمِيَّ وَتُقَوِّمُ الشُّعُورَ القَوْمِيَّ لِيُوَضَعَ فِي مَسارِهِ الصَّحِيحِ؛ فَالوَعْيُ يَبْنِي، وَالعاطِفَةُ إِذَا تَغَلَّبَتْ هَدَمَت. وَمِن أَبْرَزِ المَعاضِلِ الَّتِي تُعِيقُ النَّهْضَةَ القَوْمِيَّةَ أَيْضًا: عَدَمُ تَوْظِيفِ رَأْسِ المالِ لَدَى أَبْناءِ شَعْبِنا فِي مَسارِ النِّضالِ القَوْمِيِّ؛ فَعَلَى الرَّغْمِ مِن وُجُودِ جالِياتٍ كَبِيرَةٍ وَقُدُراتٍ اقْتِصادِيَّةٍ مُعْتَبَرَةٍ، إِلَّا أَنَّ الاسْتِثْمارَ الحَقِيقِيَّ فِي مَشْاريعِ الوَعْيِ وَاللُّغَةِ وَالبَحْثِ وَالمُؤَسَّساتِ لا يَزالُ ضَعِيفًا وَمُتَرَدِّدًا. وَبِذَلِكَ، تُغْلِقُ هذِهِ الخاتِمَةُ دَوْرَةَ البَحْثِ بِالتَّأْكيدِ عَلى أَنَّ المَسارَ المُسْتَقْبَلِيَّ يَحْتاجُ إِلى:بِنَاءِ مُؤَسَّساتٍ قَوْمِيَّةٍ راسِخَةٍ، تَوْحِيدِ الوَعْيِ وَتَهْذِيبِ الشُّعُورِ، تَعْبِئَةِ رَأْسِ المالِ البَشَرِيِّ وَالاقْتِصادِيِّ، وَوَضْعِ مَصالِحِ شَعْبِنا فِي صَدَارَةِ المَشْرُوعِ القَوْمِيِّ. فَبِقَدْرِ ما نُؤْمِنُ بِالأَصَالَةِ وَالعُمقِ التَّارِيخِيِّ، عَلَيْنا أَنْ نَبْنِي مَسارًا عِلْمِيًّا واعِيًا يَنْقُلُ الحُلْمَ مِن مَساحَةِ الشِّعارِ إِلى فِناءِ التَّحَقُّقِ. فِي خِتامِ هذَا البَحْثِ، أُؤَكِّدُ عَلى احْتِرامِ جَمِيعِ وُجُهات النَّظَرِ المَوْجُودَةِ، وَالآراءِ الَّتِي سَتُخَلِّفُها قِراءَتها لهذا البحث بَيْنَ أَبْناءِ شَعْبِنا. وَلَكِنْ، مِنَ الضَّرورَةِ بِمَكانٍ أَنْ نَنْتَقِلَ مِنْ مَرْحَلَةِ العَشائِرِيَّةِ إِلى العِلْمِيَّةِ وَالمَوْضوعِيَّةِ؛ وَمِنْ مَناطِقِ الضَّرورَةِ إِلى التَّفْكِيرِ العَقْلانِيِّ؛ وَمِنَ النَّقْدِ الَّذِي لا يَمْلِكُ صاحِبُهُ أَدَواتَهُ النَّقْدِيَّةَ إِلى مَرْحَلَةِ تَأْسِيسِ النَّقْدِ المُسَلَّحِ بِالعِلْمِ وَالمَناهِجِ العِلْمِيَّةِ. وَأَنْ نَتَخَلَّى عَنْ أُساليبَ لا تَمُتُّ لِحَضارَتِنا وَجُهْدِنا العِلْمِيِّ وَالحَضارِيِّ بِصِلَةٍ. كَما يَجِبُ عَلَيْنا أَنْ نُؤْمِنَ بِأَنَّ لَدَيْنا طاقاتٍ خَلّاقَةً، وَلَكِنْ يَلْزَمُها أَنْ تَنْتَمِيَ إِلى مَدْرَسَةٍ نِضالِيَّةٍ جَدِيدَةٍ، تَقُومُ عَلى عَناصِرَ تُؤَسِّسُ لِوُجودِها وَاسْتِمْرارِها. وَأَخِيرًا، نُؤَكِّدُ: إِنْ لَمْ نَسْتَيْقِظْ، فَمَصِيرُنا الِانْدِثارُ وَالاضْمِحْلالُ، وَكُلُّ مَا سَعَيْنا إِلَيْهِ خِلالَ مِئَةِ عامٍ سَيَضِيعُ سُدًى. إِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مِنَّا جَمِيعًا الإيمانَ وَالثِّقَةَ بِعَدالَةِ قَضِيَّتِنا، وَلَكِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ مِنَّا — قَبْلَ ذلِكَ — المَعْرِفَةَ لا العاطِفَةَ؛ تَشْكِيلَ وَعْيٍ قَوْمِيٍّ راسِخٍ، لا يَكْفِيهِ ذَلِكَ الشُّعورُ القَوْمِيُّ الهَشُّ. فَلْنَتَوَحَّدْ فِي سَبِيلِ قَضِيَّتِنا، وَلْا تُفَرِّقْنا التَّسْمِياتُ اللُّغَوِيَّةُ، وَلا المَراحِلُ التَّاريخِيَّةُ، وَلا المَجازِرُ، وَلا الهِجْرَةُ وَالتَّهْجيرُ. كَما نُؤَكِّدُ أَنَّ مَضْمُونَ هذَا البَحْثِ لَيْسَ مُنَزَّلًا، بَلْ هُوَ دَعْوَةٌ وَمُقْتَرَحاتٌ لِتَطْوِيرِ واقِعِنَا المُشَتَّتِ، وَالِالتِفافِ حَوْلَ قَضِيَّتِنَا وَحَقِّنَا العادِلِ إِسْحق قوْمِيّ أَلْمانِيا – 17/11/2025م»
#اسحق_قومي (هاشتاغ)
Ishak_Alkomi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اِسْتَيْقِظُوا أَيُّهَا الْغَرْبِيُّونَ فَإِنَّ الطُّوفَانَ
...
-
رِسَالَةٌ سِرِّيَّةٌ تُفْتَحُ بِالذَّاتِ
-
المسيحية السورية في التقييم السياسي والإنساني والحقوقي في ال
...
-
دِراسَةٌ تَحلِيلِيَّةٌ وَنَقدِيَّةٌ وَتَقيِيمِيَّةٌ عَن بَحث
...
-
الهُوِيَّةُ المَعرِفِيَّةُ في الفَلسَفَاتِ مَا قَبْلَ الحَدَ
...
-
التَّعايُشُ في الشَّرقِ الأوسَطِ مُستحيلٌ دراسةٌ واقعيَّةٌ ت
...
-
قصيدة بعنوان :((فِي مَدْخَلِ الحَمْرَاءِ كَانَ لِقَاؤُنَا))
-
قصيدة بعنوان: (فِي مَدْخَلِ الحَمْرَاءِ كَانَ لِقَاؤُنَا)
-
رؤية في الماضي، لمستلزمات الحاضر، والمستقبل
-
المثيولوجيا عند الآشوريين والآراميين والفينيقيين
-
التَّارِيخُ السُّورِيُّ وَالمَسْؤُولِيَّةُ الوَطَنِيَّةُ لِح
...
-
المعرفة بين الفكر الفلسفي والواقع من دفتر قراءات فلسفية
-
مَدينَةُ القامِشْلِيِّ كَما جاءَتْ في كِتابِنا الموسومِ قَبا
...
-
عشتار الفصول: 11735 سُورِيَّةُ القَادِمَةُ
-
هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟
-
مَدْرَسَة الوِلَادَة الإِبْدَاعِيَّة
-
رِسَالَةٌ إِلَى جَلَالَةِ المَلِكِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ،
...
-
عشْتارُ الفُصولِ: 11724 العالم والتغيرات السونامية القادمة
-
الفعلُ الإبداعيّ بينَ الجَمالِ والحَقِّ والخَيْرِ دراسةٌ فلس
...
-
عشتار الفصول:11721 الوَطَنُ الدَّاعِشِيُّ والنَّقْدُ وَالتَّ
...
المزيد.....
-
مجلس الأمن يصوت لصالح الخطة الأمريكية بشأن غزة.. ماذا نعرف ع
...
-
المفاوضات السورية الإسرائيلية وصلت إلى طريق مسدود.. تل أبيب
...
-
وزير داخلية ألمانيا لـDW: حق اللجوء مكفول لكن يجب مكافحة سوء
...
-
غزة مباشر.. اعتداءات بالقطاع والضفة ومجلس الأمن يقر مشروع ال
...
-
خبير: انسحابات الجيش السوداني -تكتيكية- ولهذا يتمسك بالأُبيّ
...
-
بعد جرائم الفاشر.. ما الذي أوصل السودان إلى هذه اللحظة؟
-
نتنياهو يتوعد بمواجهة عنف المستوطنين في البلدات الفلسطينية
-
مجلس الأمن يعتمد مشروع القرار الأميركي بشأن غزة
-
أول تعليق من حماس على إقرار خطة ترامب بشأن غزة
-
ترامب: سأكون -فخورا- بضرب منشآت المخدرات في دول مثل المكسيك
...
المزيد.....
-
اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات
/ رشيد غويلب
-
قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند
/ زهير الخويلدي
-
مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م
...
/ دلير زنكنة
-
عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب
...
/ اسحق قومي
-
الديمقراطية الغربية من الداخل
/ دلير زنكنة
-
يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال
...
/ رشيد غويلب
-
من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت
...
/ دلير زنكنة
-
عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها
...
/ الحزب الشيوعي اليوناني
المزيد.....
|