أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - المثيولوجيا عند الآشوريين والآراميين والفينيقيين















المزيد.....



المثيولوجيا عند الآشوريين والآراميين والفينيقيين


اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)


الحوار المتمدن-العدد: 8455 - 2025 / 9 / 4 - 19:55
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


للباحث السوري اسحق قومي
1982م – الحسكة.

المقدِّمة
"تُعَدُّ الميثولوجيا ـ أو علم الأساطير ـ مَدخلًا رئيسًا لفَهمِ العوالمِ الرُّوحيّةِ والسَّرديّةِ الَّتي أسَّسَت لِحضاراتِ الشَّرقِ الأدنَى القديم. فهِيَ تُجَسِّدُ رؤيةَ الإنسانِ الأوَّلِ للعالمِ، وتَصوغُ فَهمَهُ لِلعَلاقةِ بَينَ الإلهِ والكونِ والإنسانِ، كما تُشكِّلُ أُطُرًا رمزيَّةً وثقافيَّةً تَنعكِسُ على الدِّينِ والسِّياسةِ والفنِّ والمُجتَمَع. ولَم يَكُن الآشوريُّونَ والآراميُّونَ والفينيقيُّونَ بِمَعزِلٍ عن هذا التَّجربةِ الحضاريَّة؛ بَل إنَّهُم طَبَعوا تاريخَ المنطقةِ بِمَلاحِمِهِم وأُسطوراتِهِم وأفكارِهِم عن الخَلقِ والمَوتِ والمَصيرِ.
إنَّ دراسةَ الميثولوجيا عندَ هذهِ الشُّعوبِ لا تقتصِرُ على جَمعِ النُّصوصِ الأثريَّةِ أو الوَصفيَّةِ، بَل تتجاوَزُ ذلكَ إلى تحليلِها واستنطاقِ معانيها الرَّمزيَّة، وإلى مقارنتِها بالمَدوَّناتِ المُجاوِرةِ لها كالسُّومريَّةِ والبابليَّةِ والمِصريَّةِ القَديمة. وهكذا تتَّضِحُ الصِّلاتُ العَميقةُ بَينَ الأسطورةِ والتَّاريخِ، وبَينَ الموروثِ الدِّينيِّ والمَخيالِ الجماعيِّ للشُّعوبِ.
ويَنطلِقُ هذا البَحثُ من إيمَانٍ أكاديميٍّ بأنَّ الميثولوجيا ليست مادَّةً للتَّسليَةِ أو الخَيالِ المَحض، بَل هِيَ وثيقةٌ حضاريَّةٌ تُساعِدُ على فَهمِ الإنسانِ في مَسيرتِه الأُولى نَحوَ المَعرِفَةِ والكَونِ والإلهِ. فَكلُّ أسطورةٍ ـ مَهما بَدَت غريبةً أو عَجيبةً ـ إنَّما تَحمِلُ في طَيَّاتِها تَصوُّرًا فلسفيًّا وإنسانيًّا يُضيءُ لنا مَلامِحَ تَكوُّنِ الوعيِ البَشريِّ.
ومن هُنا فإنَّ هذا البَحثَ يَهدِفُ إلى تَتبُّعِ الميثولوجيا عندَ الآشوريِّينَ والآراميِّينَ والفينيقيِّينَ، مُركِّزًا على: نُصوصِ الخَلقِ، وأساطيرِ المَوتِ والبَعثِ، وشَخصيَّاتِ الآلهةِ الكُبرى، والعَلاقةِ بَينَ الإنسانِ والمَقدَّس. كما يَسعى إلى إبرازِ كيفَ أنَّ هذهِ الأساطيرَ لم تَكن حَكرًا على طقوسٍ دينيَّةٍ، بَل امتدَّ أثرُها إلى السياسةِ والتِّجارةِ والفنونِ والآدابِ، بل وإلى مُجملِ الرُّؤيةِ العَالميَّةِ لتِلكَ الأُممِ.
وسنتبع في البَحث مَناهِجَ تاريخيَّةً وتحليليَّةً ومُقارَنَةً، ساعين إلى فَهمِ النُّصوصِ لا بوَصفِها حُروفًا جامِدةً، بَل كرموزٍ حيَّةٍ تَتكلَّمُ عن الإنسانِ في قَلقِه الأوَّلِ وأسئلتِه الوجوديَّة. إنَّنا ـ إذ نَدرُسُ هذهِ الميثولوجيات ـ إنَّما نَبحَثُ في جُذورِنا الإنسانيَّةِ المَشترَكَةِ، ونُعيدُ اكتشافَ الطَّريقِ الَّذي سَلَكَهُ الإنسانُ في سَعيِه الأبديِّ لِمَعنى الحياةِ والمَوتِ."
ونستطيع أن نجمل أهداف هذا البَحث بجُملةٍ من الغاياتِ العلميَّةِ والثقافيَّةِ، نُوجِزُها فيما يلي:
1-تَحديدُ مفهومِ الميثولوجيا عِندَ الآشوريِّينَ والآراميِّينَ والفينيقيِّينَ، وإبرازُ الفَوارِقِ والخصوصيَّاتِ الَّتي تَميَّزَت بها أساطيرُ كلِّ شَعبٍ.
2-تَتبُّعُ البُنى الرَّمزيَّة واللُّغويَّةِ والفِكريَّةِ الَّتي تَظهَرُ في النُّصوصِ الأسطوريَّةِ، والكَشفُ عن دَلالاتِها الكَونيَّةِ والإنسانيَّةِ.
3-بَيانُ العَلاقةِ الوثيقةِ بَينَ الأسطورةِ والدِّينِ، وكيفَ أنَّ الميثولوجيا صاغَت الهُويَّةَ الدِّينيَّةَ والطقوسيَّةَ لِتِلكَ الأُمَمِ.
4-دِراسةُ تَأثيرِ الميثولوجيا في الحَياةِ السِّياسيَّةِ والاقتِصاديَّةِ والفنِّيَّةِ، خُصوصًا في مجالِ السِّيادةِ والحُكمِ والتِّجارةِ والفُنونِ التَّشكيليَّةِ والمَسرحيَّةِ.
5-مُقارنةُ الميثولوجيا المَحلِّيَّة بالأساطيرِ المُجاوِرةِ كالسُّومريَّةِ والبابليَّةِ والمِصريَّةِ، للكَشفِ عن أنماطِ التَّأثيرِ والتَّأثُّرِ.
6-تَسليطُ الضَّوءِ على الأثرِ الحَضاريِّ والإنسانيِّ الَّذي تَركَتهُ هذهِ الأساطيرُ في الذَّاكرةِ الثَّقافيَّةِ لِلشَّرقِ الأدنَى القديمِ، ومكانَتِها في سِياقِ التُّراثِ الإنسانيِّ العالَميِّ."
أما مناهِجُ البَحثِ سنعتمد على جُملةٍ من المناهِجِ الأكاديميَّةِ المُتكامِلَةِ، هيَ:
1-المنهجُ التَّاريخيُّ: لِوَضعِ الأساطيرِ في سِياقِها الزَّمنيِّ والجُغرافيِّ، ورَبطِها بالأحداثِ والمَرحَلَةِ الحضاريَّةِ الَّتي نَشَأَت فيها.
2-المنهجُ التَّحليليُّ: لِفَحصِ النُّصوصِ الأسطوريَّةِ وتَفكيكِ رموزِها وصُوَرِها ومَضامينِها الدِّلاليَّةِ.
3-المنهجُ المُقارنُ: لِمُقارنةِ الميثولوجيا الآشوريَّةِ والآراميَّةِ والفينيقيَّةِ بما جاوَرَها من موروثاتٍ حضاريَّةٍ، واستِجلاءِ أوجُهِ التَّشابُه والاختِلافِ.
4-المنهجُ الفلسفيُّ–الأنثروبولوجيُّ: لِفَهمِ دَورِ الأسطورةِ في تشكيلِ الوَعيِ الإنسانيِّ، ودِراسةِ الأبعادِ الوجوديَّةِ الَّتي طرَحتها تِلكَ النُّصوصُ في مَجالِ الخَلقِ والمَوتِ والمَصيرِ.
5-المنهجُ النَّقديُّ النَّصيُّ: لِتَمييزِ الموروثِ الأصليِّ من المُقحَمِ أو المُعادِ صياغتُهُ عبرَ العُصورِ، خُصوصًا مع تَنوُّعِ المَصادِرِ وتَداخُلِ الثَّقافاتِ. وَبَعْدَ هٰذِهِ ٱلْمُقَدِّمَةِ سَنَنْتَقِلُ لِمُعَالَجَةِ ٱلْبَحْثِ مُبْتَدِئِينَ مِنَ ٱلْفَصْلِ ٱلْأَوَّلِ.

الفَصلُ الأوَّلُ: الإطَارُ النَّظَرِيُّ وَالمَنهَجِيُّ
المَبحثُ الأوَّلُ: تَعريفُ الميثولوجيا ومَدارِسُها التَّفسيريَّةُ
أوّلًا: في تعريف الميثولوجيا
المِيثولوجيا ـ كما يَشيعُ في الدِّراساتِ التَّاريخيَّةِ والفلسفيَّةِ ـ لفظةٌ مُشتقَّةٌ من الكلمتَينِ الإغريقيَّتَينِ: mythos (مُيثوس) أي الحَديثُ أو القِصَّةُ، و logos (لوجوس) أي العِلمُ أو البَحثُ أو الكَشفُ. وبِذلكَ فالمِيثولوجيا هِيَ .عِلمُ الأساطيرِ، أو دِراسةُ الرِّواياتِ الَّتي صاغَتْها الشُّعوبُ الأُولى لِفَهمِ ما يَتجاوَزُ طاقَتَها التَّجريبيَّةَ والعَقلِيَّةَ.
وتُعرَّفُ الأسطورةُ في أبعَدِ مَعانيها بأنَّها حِكايةٌ مُقدَّسةٌ تَتناوَلُ قَضايا الخَلقِ والأُلوهيَّةِ والموتِ والبَعثِ، وتَمتازُ بِخَلطِها بينَ الواقِعِ والرَّمزِ، وبِقُدرتِها على تَشكيلِ الهُويَّةِ الرُّوحيَّةِ للشُّعوبِ. فليستِ الأسطورةُ خَرافةً عابِرَةً أو حُلمًا ساذَجًا، وإنَّما هِيَ بُنيةٌ رمزيَّةٌ تُجَسِّدُ خبرَةَ الإنسانِ الأوَّلِ في سَعيِه لِفَهمِ السَّماءِ والأرضِ والمصيرِ.
ثانيًا: المدارس التفسيريّة للميثولوجيا
1-المَدرَسَةُ الطَّبيعيَّةُ:
تُعَدُّ من أقدم المدارس التفسيريّة، وتَرى أنَّ الأسطورةَ ما هي إلّا انعكاسٌ مُرمَّزٌ لِلقُوى الكَونيَّةِ: الشَّمسِ والقَمرِ والعَواصِفِ والبرقِ والخصوبةِ. فحينَ تَحدَّثت الأساطيرُ عن (إلهِ العاصفةِ)، لم يَكُن المقصودُ سوى محاولةِ الإنسانِ لِفَهمِ ظاهرةٍ طبيعيَّةٍ تُثيرُ رُعبَهُ وإعجابَه. وقد مثَّلَ هذهِ المدرسةَ في القرنِ التّاسعَ عشرَ مَجموعةٌ من الباحثينَ الألمانِ والإنجليزِ مثل ماكس مولر (Max Müller) الّذي اعتبر الأسطورةَ (مَرَضًا لُغويًّا)نَشأ عن إسقاطِ صفاتِ الطَّبيعةِ على الآلهةِ.
2-المَدرَسَةُ التَّاريخيَّةُ:
تَنظُرُ إلى الأساطيرِ باعتبارِها ذاكرةً مشوَّهةً لأحداثٍ واقعيَّةٍ. فالأبطالُ الأسطوريُّونَ قد يكونونَ قادةً حقيقيِّينَ غلَّفتهم المخيِّلةُ بأجنحةٍ من العَجائبيِّ. على سبيلِ المثال، رَأى كثيرٌ من الباحثينَ أنَّ ملحمةَ جلجامش تعكسُ شخصيَّةً تاريخيَّةً لِملكٍ حَكَمَ أورك، لكنَّ الذَّاكرةَ الجماعيَّةَ ضخَّمَت سيرتَهُ وأضفَت عليها طابعَ الخُلودِ. هذه المدرسةُ نافعةٌ في رَبطِ الأسطورةِ بالتاريخِ، غير أنّها تُقلِّلُ من القيمةِ الرمزيَّةِ للأُسطورةِ.وأتحفظ على كل ماجاءت به هذه المدرسة .
3-المَدرَسَةُ النَّفسيَّةُ:
ارتبطَت بفُرويد (Sigmund Freud) ويونغ (Carl Jung). رَأى فُرويد أنَّ الأسطورةَ إسقاطٌ لِللاوعي الفرديِّ، وأنَّها تُخفي صراعاتٍ ورغباتٍ مكبوتةً مثل عقدةِ أوديب. أمَّا يونغ فقد تَوسَّعَ لِيَرى أنَّ الأسطورةَ تُجَسِّدُ .النَّماذجَ الأوَّليَّة (Archetypes) في اللاوعي الجمعيِّ للإنسانيَّة. فالأسطورةُ عن البَطلِ الَّذي يَهبِطُ إلى العالَمِ السُّفليِّ ثُمَّ يَعودُ مُنتصرًا، هي صورةٌ رمزيَّةٌ تتكرَّرُ في ثقافاتٍ عديدةٍ لأنَّها تُجَسِّدُ تجربةً نفسيَّةً مشترَكةً.
4-المَدرَسَةُ الأنثروبولوجيَّةُ:
تَدرُسُ الأسطورةَ في إطَارِها الاجتماعيِّ، وتَنظُرُ إليها كآليَّةٍ لِتَماسكِ الجماعةِ وتَبريرِ القوانينِ والطقوسِ. فوظيفةُ أسطورةِ الخَلقِ ـ مثلًا ـ ليست فقط تفسيرَ أصلِ الكَونِ، بل تَثبيتَ نظامٍ اجتماعيٍّ وسياسيٍّ يَمنَحُ السُّلطةَ للمَلكِ أو للكَهَنةِ. مُمثِّلو هذه المدرسة هم جيمس فريزر (James Frazer) في كتابه (الغصن الذهبي) وبروانيسلاف مالينوفسكي (Malinowski) الّذي شدَّدَ على الوظيفةِ الاجتماعيَّةِ للأسطورةِ في تَفسيرِ العاداتِ."
5-المَدرَسَةُ الفَلسفيَّةُ والرَّمزيَّةُ:
تَرى أنَّ الأساطيرَ ليست بقايا الماضي فحسب، بَل هِيَ نصوصٌ رمزيَّةٌ مُحمَّلةٌ بدلالاتٍ كونيَّةٍ وإنسانيَّةٍ عَميقةٍ. وقد عَكَسَ فلاسفةٌ كإرنست كاسيرر (Ernst Cassirer) هذا المَيلَ، إذ رأى في الأسطورةِ شكلاً من أشكالِ التَّفكيرِ الرَّمزيِّ المُماثلِ للفنِّ والدِّينِ والعِلمِ. كما أنَّ مارتن هايدغر استخدمَ بعضَ الرموزِ الأسطوريَّةِ لِيُضيءَ مفهومَ الوجودِ والموتِ. وتُعَدُّ هذه المدرسةُ الأكثرَ انفتاحًا على التأويلاتِ الفلسفيَّةِ والوجوديَّةِ للأسطورةِ.
خاتمةُ المبحثِ الأوَّلِ
يَتبيَّنُ من هذا العَرضِ أنَّ الميثولوجيا حَقلٌ مُتشعِّبٌ تتناوَبُ على تفسيرِه مدارسُ متباينةٌ: بينَ مَن يَراهُ انعكاسًا لِلقُوى الطَّبيعيَّةِ، ومَن يَعدُّهُ صَدى للتاريخِ، ومَن يُدخِلُهُ في حُقولِ النَّفسِ والجَماعةِ، ومَن يَنظُرُ إليهِ بوصفِه خطابًا رمزيًّا وجوديًّا. وهكذا فإنَّ دِراسةَ الميثولوجيا لا تَكتملُ بمَنهجٍ واحدٍ، بَل تحتاجُ إلى مُقارَبةٍ تكامُليَّةٍ تُوازِنُ بينَ التاريخِ والرَّمزِ والنَّفسِ والمجتمعِ والفلسفةِ. وهذا ما سَيُشكِّلُ الإطارَ النَّظريَّ الَّذي يَنهَضُ عليه البَحثُ في مَباحِثِه التَّاليةِ.

الفَصْلُ الثَّانِي: المِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةُ
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: الآلِهَةُ الكُبْرَى فِي البَانْثِيُونِ الآشُورِيِّ
يَشْتَهِرُ البَانْثِيُونُ الآشُورِيُّ بِغِنَاهُ وَتَعْدَادِ آلِهَتِهِ، وَقَدْ كَانَ عَلَى رَأْسِهِ الإِلَهُ "آشُورْ" الَّذِي يُعْتَبَرُ الرَّمْزَ الأَعْلَى لِلهُوِيَّةِ القَوْمِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ لِلآشُورِيِّينَ. وَقَدْ جُسِّدَ فِي النُّقُوشِ عَلى هَيْئَةِ مُحَارِبٍ يُمْسِكُ بِالقَوْسِ وَالسَّهْمِ، فِي دَلَالَةٍ عَلَى أَنَّهُ إِلَهُ القُوَّةِ وَالحَرْبِ وَالحِمَايَةِ. وَإلَى جَانِبِهِ بَرَزَتِ الإِلَهَةُ "عِشْتَارْ" رَبَّةُ الحُبِّ وَالحَرْبِ، وَالإِلَهُ "نَابُو" إِلَهُ الحِكْمَةِ وَالكِتَابَةِ، وَ"شَمَشْ" إِلَهُ الشَّمْسِ وَالعَدْلِ، وَ"سِينْ" إِلَهُ القَمَرِ، وَغَيْرُهُمْ. وَيَدُلُّ هَذَا التَّنَوُّعُ عَلَى طَبِيعَةٍ دِينِيَّةٍ غَنِيَّةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ القُوَّةِ العَسْكَرِيَّةِ وَالقِيمِ الرُّوحِيَّةِ وَالمَعْرِفِيَّةِ. ونعيد للقارىء معنى كلمة بانثيون:
ٱلْكَلِمَةُ (بَانْثِيُون) أَصْلُهَا يُونَانِيٌّ، وَهِيَ مُرَكَّبَةٌ مِنْ مَقْطَعَيْنِ: بَان مَعْنَاهُ "ٱلْكُلُّ"، وَ ثِيُوس مَعْنَاهُ "إِلٰهٌ". وَيُسْتَعْمَلُ ٱلْمُصْطَلَحُ فِي ٱلدِّرَاسَاتِ ٱلتَّارِيخِيَّةِ وَٱلدِّينِيَّةِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَجْمُوعَةِ ٱلْآلِهَةِ ٱلَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ فِي حَضَارَةٍ مَّعَيَّنَةٍ، أَوْ عَلَى ٱلنِّظَامِ ٱلدِّينِيِّ ٱلَّذِي يَضُمُّ تِلْكَ ٱلْآلِهَةَ وَمَا يَرْتَبِطُ بِهَا مِنْ أَسَاطِيرَ وَطُقُوسٍ.
وَعِنْدَ ٱلْحَدِيثِ عَنْ ٱلْبَانْثِيُونِ ٱلْآشُورِيِّ فَٱلْمُرَادُ بِهِ مَجْمُوعَةُ ٱلْآلِهَةِ ٱلَّتِي عَبَدَهَا ٱلْآشُورِيُّونَ فِي حَضَارَتِهِمُ ٱلَّتِي ٱزْدَهَرَتْ فِي شِمَالِ بِلَادِ ٱلرَّافِدَيْنِ. وَقَدْ وَرِثَ ٱلْآشُورِيُّونَ أَكْثَرَ آلِهَتِهِمْ مِنَ ٱلسُّومَرِيِّينَ وَٱلْأَكَّدِيِّينَ وَٱلْبَابِلِيِّينَ، ثُمَّ أَضْفَوْا عَلَيْهَا طَابِعَهُمْ ٱلْخَاصَّ.
وَمِنْ أَبْرَزِ آلِهَةِ هٰذَا ٱلْبَانْثِيُونِ:آشُورُ: ٱلْإِلٰهُ ٱلْقَوْمِيُّ وَٱلرَّمْزُ ٱلْأَعْلَى لِلدَّوْلَةِ ٱلْآشُورِيَّةِ.وعِشْتَارُ: إِلٰهَةُ ٱلْحُبِّ وَٱلْخِصْبِ وَٱلْحَرْبِ.وشَمَشٌ: إِلٰهُ ٱلشَّمْسِ وَٱلْعَدْلِ.وسِينٌ: إِلٰهُ ٱلْقَمَرِ.ونَابُو: إِلٰهُ ٱلْكِتَابَةِ وَٱلْحِكْمَةِ.وأَدَادُ: إِلٰهُ ٱلْعَاصِفَةِ وَٱلرَّعْدِ وَٱلْمَطَرِ.
وَقَدْ ضَمَّ ٱلْبَانْثِيُونُ ٱلْآشُورِيُّ أَيْضًا عَشَرَاتٍ مِنَ ٱلْآلِهَةِ ٱلثَّانَوِيَّةِ، وَلِكُلٍّ مِّنْهَا مَجَالٌ وَوَظِيفَةٌ.
المَبْحَثُ الثَّانِي: أَسَاطِيرُ الخَلْقِ وَالتَّكْوِينِ
تَشْتَرِكُ الأُسْطُورَةُ الآشُورِيَّةُ مَعَ جَارَتِهَا البَابِلِيَّةِ فِي الكَثِيرِ مِنَ المَفَاصِلِ، وَخُصُوصًا فِي (إِنُومَا إِلِيشْ)أَوْ أُسْطُورَةِ الخَلْقِ. فَالعَالَمُ فِي بَدَايَتِهِ كَانَ فَوْضَى مَائِيَّةً، ثُمَّ دَخَلَتِ الآلِهَةُ فِي صِرَاعٍ أَدَّى إِلَى قَتْلِ "تِيَامَتْ"، إِلَهَةِ البَحْرِ الأَوَّلِيِّ، وَمِنْ جَسَدِهَا تَشَكَّلَ الكَوْنُ. وَقَدْ نُقِلَتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِلَى الآشُورِيِّينَ، لَكِنَّهُمْ أَسْنَدُوا القِيَادَةَ فِيهَا إِلَى إِلَهِهِمُ الأَعْلَى "آشُورْ"، مُبْدِينَ بِذَلِكَ تَطْوِيعَ الأُسْطُورَةِ لِخِدْمَةِ الرُّؤْيَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ الَّتِي تُعَظِّمُ مَكَانَتَهُمْ. وَيَتَجَلَّى فِي هَذِهِ الأُسْطُورَةِ صِرَاعُ الفَوْضَى وَالنِّظَامِ، وَتَجْسِيدُ الرُّؤْيَةِ الكَوْسْمُولُوجِيَّةِ الآشُورِيَّةِ.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: مَلْحَمَةُ جِلْجَامِشْ فِي نُسْخَتِهَا الآشُورِيَّةِ
تُعَدُّ مَلْحَمَةُ "جِلْجَامِشْ" مِنْ أَبْرَزِ النُّصُوصِ الأُسْطُورِيَّةِ فِي تُرَاثِ الشَّرْقِ القَدِيمِ، وَقَدْ حُفِظَتْ أَكْمَلُ نُسَخِهَا فِي مَكْتَبَةِ "آشُورْبَانِيبَالْ" فِي نِينَوَى. وَتُجَسِّدُ هَذِهِ المَلْحَمَةُ صِرَاعَ الإِنْسَانِ مَعَ المَوْتِ وَسَعْيَهُ نَحْوَ الخُلُودِ، وَهِيَ أَسْئِلَةٌ كَوْنِيَّةٌ لَا تَزَالُ تَشْغَلُ الإِنْسَانَ. وَفِي النُّسْخَةِ الآشُورِيَّةِ تَتَّضِحُ مَعَالِمُ فَكْرٍ يُقَدِّسُ الحِكْمَةَ وَيُبْرِزُ قِيمَةَ التَّجْرِبَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَيَرْبِطُ المَصِيرَ الإِنْسَانِيَّ بِالقُوَى الإِلَهِيَّةِ وَقَوَانِينِ الطَّبِيعَةِ.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: الطُّقُوسُ الدِّينِيَّةُ وَالأُسْطُورَةُ فِي الحَيَاةِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ
لَمْ تَكُنِ الأُسْطُورَةُ الآشُورِيَّةُ نَصًّا دِينِيًّا فَقَطْ، بَل كَانَتْ حَيَّةً فِي الطُّقُوسِ وَالمُعْتَقَدَاتِ وَالأَعْيَادِ. فَفِي رَأْسِ السَّنَةِ الجَدِيدَةِ (الأَكِيتُو) كَانَتْ تُتْلَى أُسْطُورَةُ الخَلْقِ لِتَجْدِيدِ العَهْدِ بَيْنَ الآلِهَةِ وَالمَلِكِ وَالشَّعْبِ. وَكَانَتِ القَرَابِينُ وَالاحتفالات تُقَامُ لِتَجْسِيدِ صِرَاعِ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ، وَالحِصَادِ وَالخُصُوبَةِ. وَبِهَذَا كَانَتِ الأُسْطُورَةُ أَدَاةً لِضَبْطِ المَجْتَمَعِ وَتَأْكِيدِ النِّظَامِ، وَوَسِيلَةً لِشَرْعَنَةِ السُّلْطَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ.
خَاتِمَةُ الفَصْلِ الثَّانِي
تُظْهِرُ المِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةُ قُدْرَتَهَا عَلَى دَمْجِ المَوْرُوثِ البَابِلِيِّ وَالسُّومَرِيِّ فِي صِيَاغَةٍ جَدِيدَةٍ تُعَظِّمُ دَوْرَ الإِلَهِ "آشُورْ" وَتُرَسِّخُ مَكَانَةَ الدَّوْلَةِ الآشُورِيَّةِ. فَهِيَ مِيثُولُوجْيَا ذَاتُ بُعْدٍ إِمْبِرَاطُورِيٍّ، جَعَلَتْ مِنَ الأُسْطُورَةِ أَدَاةً لِبِنَاءِ الوَحْدَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ، وَمَصْدَرًا لِإِجَابَةِ أَسْئِلَةِ الإِنْسَانِ عَنِ المَصِيرِ وَالخُلُودِ.
الفَصْلُ الثَّالِثُ: المِيثُولُوجْيَا الآرَامِيَّةُ
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: الخُصُوصِيَّةُ الثَّقَافِيَّةُ وَالدِّينِيَّةُ لِلآرَامِيِّينَ
تَمَيَّزَ الآرَامِيُّونَ بِقُدْرَتِهِمْ عَلَى التَّكَيُّفِ وَالاِنْتِشَارِ فِي مَنَاطِقَ وَاسِعَةٍ مِنَ الهِلَالِ الخَصِيبِ، وَلَمْ يَكُونُوا أَصْحَابَ دَوْلَةٍ مَرْكَزِيَّةٍ كُبْرَى فِي بَدَايَاتِهِمْ، بَل جَمَاعَاتٍ قَبَلِيَّةً مُتَفَرِّقَةً. غَيْرَ أَنَّهُمْ سُرْعَانَ مَا كَوَّنُوا مَمَالِكَ مَحَلِّيَّةً اِزْدَهَرَتْ فِي سُورِيَّا وَبِلَادِ الرَّافِدَيْنِ. وَبَلَغَ عَدَدُ ٱلْمَمَالِكِ ٱلْآرَامِيَّةِ فِي سُورِيَةَ وَٱلْعِرَاقِ ٱلْحَالِيِّ، بِلَادِ مَا بَيْنَ ٱلنَّهْرَيْنِ، أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ مَمْلَكَةً فِي كُلٍّ مِنْ شَرْقِيِّ ٱلْبِلَادِ وَغَرْبِهَا. ومِنْ أَهَمِّ ٱلْمَمَالِكِ ٱلْآرَامِيَّةِ فِي سُورِيَةَ وَبِلَادِ مَا بَيْنَ ٱلنَّهْرَيْنِ:
1. بَيْتُ أَدِينِي :فِي مِنْطَقَةِ تُلْ بَرْسِيپ فِي شِمَالِ سُورِيَةَ.
2. بَيْتُ بَحْيَانِي :عَاصِمَتُهُ غُوزَانُ/تِلْ حَلَف فِي جَنُوبِ تُرْكِيَا ٱلْحَالِيَّةِ.
3. بَيْتُ زَمَانِي :فِي ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلْجَبَلِيَّةِ شِمَالَ ٱلْعِرَاقِ.
4. بَيْتُ شَمْعِي :فِي جَنُوبِ شِمَالِ ٱلْعِرَاقِ وَشِمَالِ سُورِيَةَ.
5. بَيْتُ عَمَانِي :فِي جَنُوبِ شِمَالِ ٱلْعِرَاقِ.
6. بَيْتُ لَخْمِي :مَمْلَكَةُ ٱلْحِيرَةِ فِي ٱلْعِرَاقِ ٱلْجَنُوبِيِّ.
7. آرَامُ دِمَشْقَ :مِنْ أَقْوَى ٱلْمَمَالِكِ ٱلْآرَامِيَّةِ، وَعَاصِمَتُهَا دِمَشْقُ.
8. آرَامُ صُوبَةَ :فِي شِمَالِيِّ سُورِيَةَ، قُرْبَ حَلَبَ.
9. آرَامُ بَيْتَ رَحُوبَ :فِي مِنْطَقَةِ حَوْرَانَ وَحِمْصَ.
10. مَمْلَكَةُ حَمَاةَ ٱلْآرَامِيَّةُ :فِي وَسَطِ سُورِيَةَ.
11. مَمْلَكَةُ ٱلرُّحُوبِيِّينَ :قُرْبَ ٱلْأُرْدُنِّ.
12. مَمْلَكَةُ قَطْنَا :فِي ٱلْمُنْطَقَةِ ٱلْوَسَطَى مِنْ سُورِيَةَ.
13. مَمْلَكَةُ دُومَةَ :فِي بَادِيَةِ ٱلشَّامِ.
14. مَمْلَكَةُ نَصِيبِينَ :فِي جَنُوبِ تُرْكِيَا وَشِمَالِ ٱلْعِرَاقِ.
15. مَمْلَكَةُ كَرْكَمِشْ :عَلَى ٱلْفُرَاتِ ٱلْأَعْلَى.
أَما ٱلْمَمَالِكُ ٱلشَّرْقِيَّةُ (فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ ٱلنَّهْرَيْنِ وَشِمَالِ ٱلْعِرَاقِ)
1. بَيْتُ أَدِينِي :فِي مِنْطَقَةِ تُلْ بَرْسِيپ، شِمَالَ سُورِيَةَ قُرْبَ ٱلْفُرَاتِ.
2. بَيْتُ بَحْيَانِي :عَاصِمَتُهُ غُوزَانُ/تِلْ حَلَف، فِي جَنُوبِ تُرْكِيَا ٱلْحَالِيَّةِ.
3. بَيْتُ زَمَانِي :فِي ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلْجَبَلِيَّةِ شِمَالَ ٱلْعِرَاقِ.
4. بَيْتُ شَمْعِي :فِي ٱلْمِنْطَقَةِ بَيْنَ ٱلْعِرَاقِ وَسُورِيَةَ.
5. بَيْتُ عَمَانِي :فِي شِمَالِيِّ ٱلْعِرَاقِ.
6. مَمْلَكَةُ نَصِيبِينَ :فِي ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلْحُدُودِيَّةِ بَيْنَ شِمَالِ ٱلْعِرَاقِ وَجَنُوبِ تُرْكِيَا.
وٱلْمَمَالِكُ ٱلْغَرْبِيَّةُ (فِي سُورِيَةَ وَٱلشَّامِ)
1. آرَامُ دِمَشْقَ :أَقْوَى ٱلْمَمَالِكِ ٱلْآرَامِيَّةِ، وَعَاصِمَتُهَا دِمَشْقُ.
2. آرَامُ صُوبَةَ :فِي شِمَالِيِّ سُورِيَةَ قُرْبَ حَلَبَ.
3. مَمْلَكَةُ حَمَاةَ ٱلْآرَامِيَّةُ :فِي وَسَطِ سُورِيَةَ.
4. آرَامُ بَيْتَ رَحُوبَ :فِي حَوْرَانَ وَمِنْطَقَةِ حِمْصَ.
5. مَمْلَكَةُ قَطْنَا :ِي ٱلْمِنْطَقَةِ ٱلْوَسَطَى مِنْ سُورِيَةَ.
6. مَمْلَكَةُ كَرْكَمِشْ :عَلَى ٱلْفُرَاتِ ٱلْأَعْلَى، وَهِيَ جَارَةُ ٱلْحِثِّيِّينَ.
7. مَمْلَكَةُ ٱلرُّحُوبِيِّينَ :قُرْبَ ٱلْأُرْدُن.
8. مَمْلَكَةُ دُومَةَ :فِي بَادِيَةِ ٱلشَّامِ.
وَقَدْ سَاعَدَهُمْ هَذَا الاِمْتِدَادُ الوَاسِعُ عَلَى التَّفَاعُلِ مَعَ حَضَارَاتٍ مُتَنَوِّعَةٍ، الأَمْرُ الَّذِي جَعَلَ مِيثُولُوجْيَتَهُمْ تَحْمِلُ سِمَاتٍ مُرَكَّبَةً، تَجْمَعُ بَيْنَ المَوْرُوثِ الكَنْعَانِيِّ وَالبَابِلِيِّ وَالسُّومَرِيِّ، مَعَ إِضَافَاتٍ مَحَلِّيَّةٍ تُعَبِّرُ عَنْ هُوِيَّتِهِمْ. وَمِنْ أَبْرَزِ مَا يُمَيِّزُ المَوْرُوثَ الآرَامِيَّ ارْتِبَاطُهُ الوَثِيقُ بِاللُّغَةِ، فَقَدْ أَصْبَحَتِ الآرَامِيَّةُ فِيمَا بَعْدُ لُغَةً دُوَلِيَّةً وَدِينِيَّةً، وَانْتَشَرَتْ فِي النُّصُوصِ الطَّقْسِيَّةِ، مِمَّا مَنَحَ الأُسْطُورَةَ بُعْدًا إِضَافِيًّا بِوَصْفِهَا وَسِيلَةً لِلتَّعْبِيرِ عَنِ الهُوِيَّةِ الثَّقَافِيَّةِ.
المَبْحَثُ الثَّانِي: اِنْعِكَاسُ التُّرَاثِ البَابِلِيِّ وَالكَنْعَانِيِّ عَلَى الأُسْطُورَةِ الآرَامِيَّةِ
لَمْ تَنْشَأِ المِيثُولُوجْيَا الآرَامِيَّةُ فِي فَرَاغٍ، بَلِ اسْتَمَدَّتْ الكَثِيرَ مِنْ عَنَاصِرِهَا مِنَ المَوْرُوثِ البَابِلِيِّ وَالكَنْعَانِيِّ. فَفِكْرَةُ الإِلَهِ العَاصِفِ الَّتِي نَجِدُهَا عِنْدَ البَابِلِيِّينَ مُمَثَّلَةً بِـ"آدَادْ"، وَعِنْدَ الكَنْعَانِيِّينَ مُمَثَّلَةً بِـ"بَعْلٍ"، اِنْعَكَسَتْ فِي تَصَوُّرَاتِ الآرَامِيِّينَ عَنِ القُوَى السَّمَاوِيَّةِ الحَاكِمَةِ لِلطَّبِيعَةِ. كَمَا أَنَّ مَفْهُومَ الإِلَهَةِ الأُمِّ المُرْتَبِطَةِ بِالخُصُوبَةِ وَالحُبِّ، القَرِيبَ مِنْ "عِشْتَارَ" الكَنْعَانِيَّةِ وَالبَابِلِيَّةِ، وَجَدَ مَكَانَهُ أَيْضًا فِي المَوْرُوثِ الآرَامِيِّ. غَيْرَ أَنَّ الآرَامِيِّينَ لَمْ يَكْتَفُوا بِالاِقْتِبَاسِ، بَل أَعَادُوا تَشْكِيلَ هَذِهِ الرُّمُوزِ لِتُنَاسِبَ بِنْيَتَهُمُ الاِجْتِمَاعِيَّةَ، فَجَعَلُوا الأُسْطُورَةَ أَكْثَرَ اِلْتِصَاقًا بِالحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ، وَأَقَلَّ طَابِعًا مِيتَافِيزِيقِيًّا، الأَمْرُ الَّذِي مَنَحَهَا بَسَاطَةً وَوَاقِعِيَّةً نِسْبِيَّةً.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: أَسَاطِيرُ الخَلْقِ وَالمَوْتِ وَالبَعْثِ فِي التُّرَاثِ الآرَامِيِّ
اِحْتَفَظَ الآرَامِيُّونَ بِرِوَايَاتٍ عَنِ الخَلْقِ تَقُومُ عَلَى صِرَاعِ القُوَى الأُولَى، كَمَا فِي مُعْظَمِ أَسَاطِيرِ المِنْطَقَةِ، حَيْثُ تَبْرُزُ ثُنَائِيَّةُ النِّظَامِ وَالفَوْضَى، وَالنُّورِ وَالظَّلاَمِ. وَمِنْ أَهَمِّ مَلاَمِحِ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ إِرْجَاعُ الخَلْقِ إِلَى فِعْلٍ إِلَهِيٍّ يُوَازِنُ بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَيَجْعَلُ مِنَ الإِنْسَانِ كَائِنًا وَسِيطًا يَحْمِلُ صِفَاتِ الطَّبِيعَةِ، وَيَخْضَعُ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ لِإِرَادَةِ الإِلَهِ. كَمَا عَرَفَ الآرَامِيُّونَ فِكْرَةَ المَوْتِ وَالبَعْثِ مِنْ خِلاَلِ طُقُوسٍ وَأَسَاطِيرَ مُرْتَبِطَةٍ بِدَوْرَةِ الطَّبِيعَةِ، فَالخُصُوبَةُ الَّتِي تَعُودُ مَعَ المَطَرِ كَانَ يُنْظَرُ إِلَيْهَا عَلَى أَنَّهَا رَمْزٌ لِبَعْثِ الحَيَاةِ بَعْدَ مَوْتِهَا. وَهُوَ مَا تَجَسَّدَ فِي شَخْصِيَّاتٍ أُسْطُورِيَّةٍ تَمُوتُ وَتُبْعَثُ، فِي تِكْرَارٍ يَعْكِسُ أَمَلَ الإِنْسَانِ الآرَامِيِّ فِي الغَلَبَةِ عَلَى الفَنَاءِ.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: دَوْرُ المِيثُولُوجْيَا فِي الشِّعْرِ وَالأَمْثَالِ الآرَامِيَّةِ
لَمْ تَكُنِ الأُسْطُورَةُ الآرَامِيَّةُ حَبِيسَةَ المَعَابِدِ أَوِ النُّصُوصِ الطَّقْسِيَّةِ، بَل وَجَدَتْ طَرِيقَهَا إِلَى الشِّعْرِ وَالأَمْثَالِ الشَّعْبِيَّةِ الَّتِي اِنْتَشَرَتْ بَيْنَ النَّاسِ. فَاللُّغَةُ الآرَامِيَّةُ، بِمَا تَمْلِكُهُ مِنْ قُدْرَةٍ تَعْبِيرِيَّةٍ، كَانَتْ وَسِيلَةً لِنَقْلِ الحِكَمِ وَالأَقْوَالِ المَأْثُورَةِ ذَاتِ الجُذُورِ الأُسْطُورِيَّةِ. وَكَثِيرًا مَا صَوَّرَتِ الأَمْثَالُ الآرَامِيَّةُ صِرَاعَ الإِنْسَانِ مَعَ القَدَرِ، أَوْ جَدْوَى الحِكْمَةِ أَمَامَ قُوَّةِ الآلِهَةِ، أَوْ حَتْمِيَّةَ المَوْتِ بِوَصْفِهِ بَابًا لَا مَفَرَّ مِنْهُ. وَبِهَذَا تَسَرَّبَتِ المِيثُولُوجْيَا إِلَى وِجْدَانِ النَّاسِ وَأَصْبَحَتْ جُزْءًا مِنْ حَيَاتِهِمُ اليَوْمِيَّةِ، لَا مُجَرَّدَ مُعْتَقَدٍ دِينِيٍّ رَسْمِيٍّ.
خَاتِمَةُ الفَصْلِ الثَّالِثِ
يُظْهِرُ التُّرَاثُ الآرَامِيُّ أَنَّ المِيثُولُوجْيَا لَدَيْهِ كَانَتْ أَكْثَرَ تَوَاضُعًا وَبَسَاطَةً مُقَارَنَةً بِالمَوَارِيثِ الآشُورِيَّةِ أَوِ البَابِلِيَّةِ، لَكِنَّهَا كَانَتْ غَنِيَّةً بِالدَّلَالَاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالرَّمْزِيَّةِ. فَقَدِ اِمْتَصَّ الآرَامِيُّونَ عَنَاصِرَ الأَسَاطِيرِ المُجَاوِرَةِ، ثُمَّ أَعَادُوا تَشْكِيلَهَا لِتُصْبِحَ أَقْرَبَ إِلَى وَاقِعِهِمُ الاِجْتِمَاعِيِّ وَاللُّغَوِيِّ. فَكَانَ مَوْرُوثُهُمُ الأُسْطُورِيُّ مِرْآةً لِحَيَاتِهِمُ اليَوْمِيَّةِ، وَوَسِيلَةً لِتَفْسِيرِ العَالَمِ وَالتَّعْبِيرِ عَنِ الهُوِيَّةِ. وَهَكَذَا نَجِدُ أَنَّ المِيثُولُوجْيَا الآرَامِيَّةَ تُمَثِّلُ حَلْقَةً وَسِيطَةً بَيْنَ الأَسَاطِيرِ الكُبْرَى ذَاتِ البُعْدِ الإِمْبِرَاطُورِيِّ، وَالأَسَاطِيرِ الشَّعْبِيَّةِ ذَاتِ الطَّابِعِ البَسِيطِ، مِمَّا يَجْعَلُهَا مُسَاهَمَةً أَسَاسِيَّةً فِي فُسَيْفِسَاءِ الشَّرْقِ الأَدْنَى القَدِيمِ.
الفَصْلُ الرَّابِعُ: المِيثُولُوجْيَا الفِينِيقِيَّةُ
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: مَوقِعُ الفِينِيقِيِّينَ الحَضَارِيُّ وَصِلَاتُهُمْ بِالشُّعُوبِ المُجَاوِرَةِ
يُعَدُّ الفِينِيقِيُّونَ مِنْ أَبْرَزِ شُعُوبِ السَّاحِلِ الشَّرْقِيِّ لِلبَحْرِ المُتَوَسِّطِ، وَقَدِ اِشْتُهِرُوا بِقُدْرَتِهِمْ البَحْرِيَّةِ وَالتِّجَارِيَّةِ، فَأَسَّسُوا مُسْتَعْمَرَاتٍ اِمْتَدَّتْ مِنْ صُورٍ وَصَيْدَا وَجُبَيْلٍ حَتَّى قُرْطَاجَةَ فِي شِمَالِ أَفْرِيقِيَّا. وَقَدْ جَعَلَهُمْ هَذَا الاِنْتِشَارُ فِي تَمَاسٍّ مُبَاشِرٍ مَعَ حَضَارَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ، كَالمِصْرِيِّينَ وَاليُونَانِ وَالحِثِّيِّينَ وَالبَابِلِيِّينَ، وَهُوَ مَا اِنْعَكَسَ بِوُضُوحٍ فِي مِيثُولُوجْيَتِهِمْ. فَقَدْ كَانَتِ الأُسْطُورَةُ الفِينِيقِيَّةُ غَنِيَّةً بِالرُّمُوزِ وَمُمْتَزِجَةً بِطَابِعٍ كُوسْمُوبُولِيتِيٍّ، تَحْمِلُ عَنَاصِرَ مَحَلِّيَّةً مِنَ المَوْرُوثِ الكَنْعَانِيِّ، إِلَى جَانِبِ تَأْثِيرَاتٍ أُخْرَى مِصْرِيَّةٍ وَبَابِلِيَّةٍ وَيُونَانِيَّةٍ. وَبِذَلِكَ أَصْبَحَتْ أُسْطُورَتُهُمْ جِسْرًا ثَقَافِيًّا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ.
وحتى نتعرف على كلمة : ٱلْمُصْطَلَحُ "كُوسْمُوبُولِيتِيٌّ":
هُوَ نِسْبَةٌ إِلَى كَلِمَةٍ أَصْلُهَا يُونَانِيٌّ، مُرَكَّبَةٌ مِنْ جُزْأَيْنِ: كُوسْمُوس (κόσμος) مَعْنَاهُ "ٱلْعَالَمُ" أَوْ "ٱلْكَوْنُ"، وَپُولِيس (πόλις) مَعْنَاهُ "ٱلْمَدِينَةُ". وَقَدِ ٱسْتُعْمِلَ فِي ٱلْفِكْرِ ٱلْفَلْسَفِيِّ وَٱلثَّقَافِيِّ لِلدَّلَالَةِ عَلَى ٱلْإِنْسَانِ ٱلَّذِي يَعْتَبِرُ نَفْسَهُ مُوَاطِنًا لِلْعَالَمِ كُلِّهِ، لَا يَنْحَصِرُ ٱنْتِمَاؤُهُ فِي أُمَّةٍ أَوْ قَوْمٍ أَوْ دَوْلَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَيُطْلَقُ وَصْفُ ٱلْكُوسْمُوبُولِيتِيِّ عَلَى ٱلْفِكْرِ أَوِ ٱلتَّوَجُّهِ ٱلَّذِي يُؤَكِّدُ عَلَى وَحْدَةِ ٱلْبَشَرِيَّةِ، وَعَلَى أَنَّ ٱلْإِنْسَانَ مَهْمَا كَانَ أَصْلُهُ أَوْ جِنْسُهُ أَوْ لُغَتُهُ، هُوَ جُزْءٌ مِنْ جَمَاعَةٍ إِنْسَانِيَّةٍ وَاحِدَةٍ تَتَجَاوَزُ ٱلْحُدُودَ ٱلسِّيَاسِيَّةَ وَٱلْقَوْمِيَّةَ.
خُلَاصَةٌ لِلْقَارِئِ:
ٱلْكُوسْمُوبُولِيتِيَّةُ هِيَ نَظْرِيَّةٌ فَلْسَفِيَّةٌ وَإِنْسَانِيَّةٌ تَرَى ٱلْإِنْسَانَ "مُواطِنًا كَوْنِيًّا" يَنْتَمِي إِلَى ٱلْعَالَمِ أَكْثَرَ مِمَّا يَنْتَمِي إِلَى وَطَنٍ مُحَدَّدٍ.
المَبْحَثُ الثَّانِي: أَسَاطِيرُ الخَلْقِ وَالفَوْضَى الأُولَى
مِنْ أَشْهَرِ الرِّوَايَاتِ الفِينِيقِيَّةِ عَنِ الخَلْقِ مَا نَقَلَهُ "فِيلُونُ الجُبَيْلِيُّ"، حَيْثُ تُصَوَّرُ البِدَايَاتُ عَلَى أَنَّهَا فَوْضَى مَائِيَّةٌ أُولَى، تَتَصَارَعُ فِيهَا القُوَى البَدْئِيَّةُ، إِلَى أَنْ يَتَكَوَّنَ الكَوْنُ مِنْ خِلَالِ فِعْلٍ إِلَهِيٍّ يَفْرِضُ النِّظَامَ عَلَى الفَوْضَى. وَيَظْهَرُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الإِلَهُ "كْرُونُوسْ (إِيلْ)" بِوَصْفِهِ الأَبَ الأَوَّلَ الَّذِي اِنْبَثَقَتْ مِنْهُ المَخْلُوقَاتُ. كَمَا يَظْهَرُ الإِلَهُ "مُوتْ" رَمْزُ الفَنَاءِ فِي مُوَاجَهَةِ "بَعْلٍ" رَمْزِ الحَيَاةِ وَالخُصُوبَةِ. وَتَتَجَسَّدُ هُنَا الثُّنَائِيَّاتُ الأَسَاسِيَّةُ: المَوْتُ وَالحَيَاةُ، النُّورُ وَالظَّلاَمُ، الفَوْضَى وَالنِّظَامُ. وَهِيَ رُؤْيَةٌ تَتَقَاطَعُ مَعَ المَوْرُوثِ البَابِلِيِّ فِي "إِنُومَا إِلِيشْ"، وَلَكِنَّهَا تَحْمِلُ طَابِعًا بَحْرِيًّا أَوْضَحَ، إِذْ يَتَّخِذُ البَحْرُ مَكَانًا مَحْوَرِيًّا فِي الخَلْقِ وَالفَوْضَى.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: "عِشْتَارُ" وَأُسْطُورَةُ الخُصُوبَةِ وَالدَّوْرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ
لَمْ تَخْلُ المِيثُولُوجْيَا الفِينِيقِيَّةُ مِنْ حُضُورٍ قَوِيٍّ لِلإِلَهَةِ الأُنْثَى، وَقَدْ تَمَثَّلَتْ فِي "عِشْتَارْ" أَوْ "عَشْتَرُوتْ". فَقَدْ جَسَّدَتْ هَذِهِ الإِلَهَةُ ثُنَائِيَّةَ الخُصُوبَةِ وَالحَرْبِ، وَكَانَتْ رَمْزًا لِلتَّجَدُّدِ وَالدَّوْرَةِ الطَّبِيعِيَّةِ الَّتِي تَضْمَنُ اِسْتِمْرَارَ الحَيَاةِ. وَقَدِ ارْتَبَطَتِ الأُسَاطِيرُ بِمَوْتِ الإِلَهِ الشَّابِّ الَّذِي يَنْزِلُ إِلَى العَالَمِ السُّفْلِيِّ ثُمَّ يَعُودُ، فِي تِكْرَارٍ أَبَدِيٍّ لِلدَّوْرَةِ الزِّرَاعِيَّةِ. وَمِنْ هُنَا اِكْتَسَبَتْ "عِشْتَارْ" قَدَاسَةً خَاصَّةً عِنْدَ الفِينِيقِيِّينَ، إِذْ كَانَتْ تُمَثِّلُ قُوَى الطَّبِيعَةِ الَّتِي تُحَدِّدُ مَصِيرَ الإِنْسَانِ وَالزَّرْعِ وَالمَاشِيَةِ. وَقَدِ اِنْعَكَسَ هَذَا فِي طُقُوسِهِمُ الدِّينِيَّةِ، حَيْثُ قُدِّمَتِ النُّذُورُ وَالقَرَابِينُ فِي المَعَابِدِ طَلَبًا لِلخُصُوبَةِ أَوْ اِتِّقَاءً لِلْجَفَافِ وَالمَوْتِ.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: اِنْعِكَاسُ الأُسْطُورَةِ فِي الفُنُونِ وَالتِّجَارَةِ وَالرِّحْلَاتِ البَحْرِيَّةِ
كَانَ لِلْفِينِيقِيِّينَ صِلَةٌ وَثِيقَةٌ بَيْنَ الأُسْطُورَةِ وَالفَنِّ. فَقَدْ تَجَلَّتْ شَخْصِيَّاتُ آلِهَتِهِمْ فِي النُّقُوشِ وَالتَّمَاثِيلِ وَالعُمَلَاتِ، كَمَا ظَهَرَتْ رُمُوزُ البَحْرِ وَالسُّفُنِ وَالأَمْوَاجِ فِي الزَّخَارِفِ، مِمَّا يَعْكِسُ صِلَةَ المِيثُولُوجْيَا بِمِهْنَةِ المَلاَحَةِ وَالتِّجَارَةِ. كَذَلِكَ ارْتَبَطَتِ الأُسْطُورَةُ بِالرِّحْلَةِ البَحْرِيَّةِ؛ فَالبَحْرُ لَمْ يَكُنْ فَضَاءً لِلتِّجَارَةِ فَقَطْ، بَل عَالَمًا غَامِضًا تَسْكُنُهُ قُوًى خَفِيَّةٌ تَحْتَاجُ إِلَى اِسْتِرْضَاءٍ. وَلِذَلِكَ كَانَ البَحَّارَةُ الفِينِيقِيُّونَ يُقَدِّمُونَ القَرَابِينَ لِلآلِهَةِ قَبْلَ الرِّحْلاَتِ الطَّوِيلَةِ، اِبْتِعَادًا عَنِ العَوَاصِفِ وَجَلْبًا لِلْحَظِّ. وَحَتَّى فِي التِّجَارَةِ، ارْتَبَطَتْ بَعْضُ السِّلَعِ كَالأَرْزِ وَالمَعَادِنِ بِأَبْعَادٍ أُسْطُورِيَّةٍ، إِذْ عُدَّتْ هَدَايَا لِلْمُلُوكِ وَالآلِهَةِ مَعًا.
خَاتِمَةُ الفَصْلِ الرَّابِعِ
تُظْهِرُ المِيثُولُوجْيَا الفِينِيقِيَّةُ أَنَّ الأُسْطُورَةَ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ حِكَايَةٍ، بَلْ مَنْظُومَةً حَيَّةً تَتَدَاخَلُ مَعَ البَحْرِ وَالتِّجَارَةِ وَالفُنُونِ وَالسِّيَاسَةِ. فَقَدْ حَمَلَتْ مَلاَمِحَ التَّفَاعُلِ الحَضَارِيِّ مَعَ مِصْرَ وَبَابِلَ وَاليُونَانِ، وَفِي الوَقْتِ ذَاتِهِ اِحْتَفَظَتْ بِخُصُوصِيَّتِهَا الَّتِي جَعَلَتِ البَحْرَ مَرْكَزًا لِلكَوْنِ الفِينِيقِيِّ وَرَمْزًا لِلْقُوَى الخَفِيَّةِ. وَمِنْ خِلَالِ "عِشْتَارَ" وَ"بَعْلٍ" وَ"مُوتٍ" وَ"إِيلٍ"، صَاغَ الفِينِيقِيُّونَ رُؤْيَتَهُمْ لِلْحَيَاةِ وَالمَوْتِ وَالفَوْضَى وَالنِّظَامِ. وَبِذَلِكَ لَمْ تَقْتَصِرْ مِيثُولُوجْيَتُهُمْ عَلَى تَشْكِيلِ الهُوِيَّةِ الدِّينِيَّةِ، بَلْ أَسْهَمَتْ فِي صُنْعِ هُوِيَّةٍ حَضَارِيَّةٍ أَثَّرَتْ فِي كُلِّ البَحْرِ المُتَوَسِّطِ.
الفَصْلُ الخَامِسُ: المُقَارَنَةُ وَالتَّأْثِيرَاتُ المُتَبَادَلَةُ
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: التَّقَاطُعَاتُ بَيْنَ المِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةِ وَالبَابِلِيَّةِ وَالسُّومَرِيَّةِ
لَا يُمْكِنُ فَهْمُ المِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةِ بِمَعْزِلٍ عَنِ المَوْرُوثَيْنِ البَابِلِيِّ وَالسُّومَرِيِّ. فَالرِّوَايَاتُ الكَوْسْمُولُوجِيَّةُ كَـ"إِنُومَا إِلِيشْ" أَوْ أُسْطُورَةُ الخَلْقِ هِيَ نُصُوصٌ بَابِلِيَّةٌ اِنْتَقَلَتْ إِلَى الآشُورِيِّينَ، وَأُعِيدَتْ صِيَاغَتُهَا بِطَرِيقَةٍ تُعَظِّمُ مَكَانَةَ الإِلَهِ "آشُورْ". وَهُوَ مَا يُبَيِّنُ كَيْفَ اِسْتَخْدَمَ الآشُورِيُّونَ أُسْطُورَةً مَوْجُودَةً، وَلَكِنَّهُمْ أَخْضَعُوهَا لِرُؤْيَتِهِمُ السِّيَاسِيَّةِ. كَمَا أَنَّ مَلْحَمَةَ "جِلْجَامِشْ" الَّتِي أَصْلُهَا سُومَرِيٌّ وَبَابِلِيٌّ، بَلَغَتْنَا فِي أَكْمَلِ صُوَرِهَا مِنْ خِلَالِ النُّسْخَةِ الآشُورِيَّةِ. وَهَذَا يُشِيرُ إِلَى دَوْرِ الآشُورِيِّينَ فِي الحِفْظِ وَالنَّقْلِ وَالتَّطْوِيعِ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ.
المَبْحَثُ الثَّانِي: التَّأْثِيرَاتُ المُتَبَادَلَةُ بَيْنَ المِيثُولُوجْيَا الآرَامِيَّةِ وَالكَنْعَانِيَّةِ
اِمْتَصَّ الآرَامِيُّونَ كَثِيرًا مِنَ العَنَاصِرِ الكَنْعَانِيَّةِ، وَخُصُوصًا صُوَرَ الإِلَهِ العَاصِفِ "بَعْلٍ"، وَالإِلَهَةِ الأُمِّ "عَنَاتْ" وَ"عِشْتَارَ". وَلَكِنَّهُمْ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ طَوَّعُوهَا لِبِنْيَتِهِمُ الاِجْتِمَاعِيَّةِ البَسِيطَةِ، فَجَاءَتْ أُسْطُورَتُهُمْ أَقْرَبَ إِلَى الوَاقِعِ وَالحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ. فَبَيْنَمَا كَانَتِ الأُسْطُورَةُ الكَنْعَانِيَّةُ تَتَّسِمُ بِطَابِعٍ مَلْحَمِيٍّ كَبِيرٍ، جَاءَتْ الأُسْطُورَةُ الآرَامِيَّةُ أَكْثَرَ بَسَاطَةً وَأَقَلَّ مَيْتَافِيزِيقِيَّةً، مَعَ تَسْلِيطٍ أَكْبَرَ عَلَى تَجَارِبِ الإِنْسَانِ العَادِيِّ. وَهُوَ مَا يُبَيِّنُ طَبِيعَةَ الاِسْتِيعَابِ وَالتَّطْوِيعِ فِي الحَالَةِ الآرَامِيَّةِ.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: الأُسْطُورَةُ الفِينِيقِيَّةُ كَجِسْرٍ بَيْنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ
تَخْتَصُّ المِيثُولُوجْيَا الفِينِيقِيَّةُ بِوَظِيفَتِهَا التَّوْصِيلِيَّةِ، فَقَدْ كَانَتْ حَلْقَةَ وَصْلٍ بَيْنَ مَوَارِيثِ الشَّرْقِ (البَابِلِيِّ وَالمِصْرِيِّ وَالكَنْعَانِيِّ) وَمَوَارِيثِ الغَرْبِ (اليُونَانِيِّ خُصُوصًا). فَالإِلَهُ "مُوتْ" وَصِرَاعُهُ مَعَ "بَعْلٍ" اِنْتَقَلَا فِي صُوَرٍ أُخْرَى إِلَى الأُسْطُورَةِ اليُونَانِيَّةِ (كَصِرَاعِ "هَادِيسْ" وَ"زِيُوسْ"). كَذَلِكَ اِنْتَقَلَتْ صُوَرَةُ الإِلَهَةِ الأُنْثَى الكُبْرَى، خَاصَّةً "عَشْتَرُوتْ"، إِلَى اليُونَانِ حَيْثُ تَطَابَقَتْ جُزْئِيًّا مَعَ "أَفْرُودِيتْ". وَفِي الوَقْتِ ذَاتِهِ أَثَّرَتِ المَوَارِيثُ المِصْرِيَّةُ فِي الفِينِيقِيِّينَ (كَعِبَادَةِ "أُوزِيرِيسْ") وَتَأَثَّرُوا أَيْضًا بِالأُسْطُورَةِ البَابِلِيَّةِ فِي مَفْهُومِ الخَلْقِ وَالفَوْضَى.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: التَّوَازِي وَالاِخْتِلَافُ فِي ثُنَائِيَّاتِ الحَيَاةِ وَالمَوْتِ
عِنْدَ التَّأَمُّلِ فِي الأُسْطُورَاتِ الثَّلَاثِ (الآشُورِيَّةِ، الآرَامِيَّةِ، الفِينِيقِيَّةِ)، نَلْمَسُ وَجُودَ ثُنَائِيَّاتٍ أَسَاسِيَّةٍ مُتَشَابِهَةٍ: الحَيَاةُ وَالمَوْتُ، الخُصُوبَةُ وَالجَدْبُ، النُّورُ وَالظَّلاَمُ، الفَوْضَى وَالنِّظَامُ. وَلَكِنَّ تَجَلِّيهَا يَخْتَلِفُ بَيْنَ شَعْبٍ وَآخَرَ:
فِي الآشُورِيَّةِ، جَاءَتْ هَذِهِ الثُّنَائِيَّاتُ مُسْتَخْدَمَةً لِشَرْعَنَةِ السُّلْطَةِ وَتَعْظِيمِ الإِلَهِ "آشُورْ".
فِي الآرَامِيَّةِ، اِنْعَكَسَتْ بِطَابِعٍ بَسِيطٍ أَقْرَبَ إِلَى الحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ.
فِي الفِينِيقِيَّةِ، تَجَسَّدَتْ فِي صُوَرٍ كُوسْمُوبُولِيتِيَّةٍ بَحْرِيَّةٍ تَحْمِلُ طَابِعَ التَّنَوُّعِ وَالتَّوَاصُلِ الحَضَارِيِّ.
خَاتِمَةُ الفَصْلِ الخَامِسِ
تُبَيِّنُ هَذِهِ المُقَارَنَةُ أَنَّ المِيثُولُوجْيَا فِي الشَّرْقِ الأَدْنَى القَدِيمِ كَانَتْ فُسَيْفِسَاءَ مُتَنَامِيَةً، يَتَأَثَّرُ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَيُعِيدُ كُلُّ شَعْبٍ صِيَاغَةَ المَوْرُوثِ بِمَا يَتَنَاسَبُ مَعَ بِنْيَتِهِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ. فَالمِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةُ طَوَّعَتِ الأُسْطُورَةَ لِخِدْمَةِ البُعْدِ الإِمْبِرَاطُورِيِّ، وَالمِيثُولُوجْيَا الآرَامِيَّةُ جَعَلَتْهَا أَقْرَبَ إِلَى الوَاقِعِ الشَّعْبِيِّ، أَمَّا المِيثُولُوجْيَا الفِينِيقِيَّةُ فَجَسَّدَتْ طَبِيعَةَ البَحَّارِ المُنْفَتِحِ عَلَى الثَّقَافَاتِ. وَبِذَلِكَ يَتَّضِحُ أَنَّ الاِخْتِلَافَ لَمْ يَكُنْ تَنَاقُضًا، بَلْ كَانَ حَلَقَةً فِي سِلْسِلَةِ التَّطَوُّرِ الحَضَارِيِّ وَالفِكْرِيِّ فِي المِنْطَقَةِ.


الفَصْلُ السَّادِسُ: الأَثَرُ الحَضَارِيُّ وَالإِنْسَانِيُّ لِلأُسْطُورَةِ
المَبْحَثُ الأَوَّلُ: الأُسْطُورَةُ وَتَشْكِيلُ الهُوِيَّةِ الجَمَاعِيَّةِ
كما قلنا سابقاً لَمْ تَكُنِ الأُسْطُورَةُ مَجَرَّدَ حِكَايَةٍ تُرْوَى فِي المَعَابِدِ أَوْ فِي ظِلِّ الكَهَنَةِ، بَل كَانَتْ بِنْيَةً مَحْوَرِيَّةً تُشَكِّلُ وَعْيَ الجَمَاعَةِ وَتُوَحِّدُهَا حَوْلَ رُؤْيَةٍ مُشْتَرَكَةٍ لِلْعَالَمِ. فَفِي المِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةِ، تَجَسَّدَتِ الهُوِيَّةُ فِي شَخْصِيَّةِ الإِلَهِ "آشُورْ" الَّذِي غَدَا رَمْزًا لِلدَّوْلَةِ وَالإِمْبِرَاطُورِيَّةِ. وَفِي المِيثُولُوجْيَا الآرَامِيَّةِ، تَجَسَّدَتِ الهُوِيَّةُ فِي اللُّغَةِ وَالأَمْثَالِ وَالحِكَمِ الَّتِي تَسْتَمِدُّ صُوَرَهَا مِنَ الأُسْطُورَةِ. أَمَّا عِنْدَ الفِينِيقِيِّينَ فَكَانَ البَحْرُ وَالرِّحْلَةُ التِّجَارِيَّةُ هُمَا الرَّمْزُ الَّذِي يُوَحِّدُ الجَمَاعَةَ وَيُشَكِّلُ هُوِيَّتَهَا. وَبِذَلِكَ كَانَتِ الأُسْطُورَةُ مِرْآةً لِلذَّاتِ الجَمْعِيَّةِ وَأَدَاةً لِبِنَاءِ وَعْيٍ مُشْتَرَكٍ.
المَبْحَثُ الثَّانِي: الأُسْطُورَةُ وَالقَانُونُ وَالسِّيَاسَةُ
لَعِبَتِ الأُسْطُورَةُ دَوْرًا حَيَوِيًّا فِي تَثْبِيتِ السُّلْطَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَشَرْعَنَةِ القَوَانِينِ. فَالمَلِكُ الآشُورِيُّ كَانَ يُقَدَّمُ بُوْصُوفِهِ مُمَثِّلًا لِلإِلَهِ "آشُورْ" فِي الأَرْضِ، وَتُتْلَى فِي الأَعْيَادِ أُسْطُورَاتُ الخَلْقِ لِتُؤَكِّدَ أَنَّ النِّظَامَ السِّيَاسِيَّ هُوَ صُورَةٌ عَنْ نِظَامٍ كَوْنِيٍّ أَزَلِيٍّ. وَعِنْدَ الفِينِيقِيِّينَ، كَانَتِ الأُسْطُورَةُ تُبَرِّرُ القُوَى البَحْرِيَّةَ وَتُعْطِي الشَّرْعِيَّةَ لِلتَّوَسُّعِ وَالاِسْتِعْمَارِ. وَبِذَلِكَ غَدَتِ الأُسْطُورَةُ جُزْءًا مِنْ النِّظَامِ السِّيَاسِيِّ، تَدْعَمُهُ وَتُحْكِمُ رَوَابِطَهُ بِالقَدَاسَةِ.
المَبْحَثُ الثَّالِثُ: الأُسْطُورَةُ وَالفُنُونُ وَالأَدَبُ
أَثَّرَتِ الأُسْطُورَةُ فِي كُلِّ مَجَالاتِ الفَنْ وَالأَدَبِ فِي الشَّرْقِ الأَدْنَى القَدِيمِ. فَالمَلَاحِمُ الكُبْرَى كَمَلْحَمَةِ "جِلْجَامِشْ" كَانَتْ نُصُوصًا أَدَبِيَّةً فِي مَظْهَرِهَا، وَلَكِنَّهَا حَمَلَتْ بُنْيَةً أُسْطُورِيَّةً عَمِيقَةً تُحَاوِرُ أَسْئِلَةَ المَوْتِ وَالخُلُودِ وَالمَعْنَى. كَمَا تَجَلَّتِ الأُسْطُورَةُ فِي الفُنُونِ البَصَرِيَّةِ: فِي النُّقُوشِ الجِدَارِيَّةِ، وَالأَخْتَامِ الأُسْطُوانِيَّةِ، وَالتَّمَاثِيلِ، وَحَتَّى فِي العُمْلَاتِ الفِينِيقِيَّةِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الأُسْطُورَةَ كَانَتْ مَصْدَرَ إِلْهَامٍ لِلإِنْسَانِ فِي إِبْدَاعِهِ وَتَجْسِيدِهِ لِلْعَالَمِ فِي صُوَرٍ فَنِّيَّةٍ.
المَبْحَثُ الرَّابِعُ: الأُسْطُورَةُ وَالبُعْدُ الإِنْسَانِيُّ وَالفَلْسَفِيُّ
تُعْتَبَرُ الأُسْطُورَةُ أَوَّلَ مَحَاوَلَةٍ لِلإِنْسَانِ لِفَهْمِ ذَاتِهِ وَوُجُودِهِ وَمَصِيرِهِ. فَقَضَايَا الخَلْقِ وَالمَوْتِ وَالخُلُودِ هِيَ جَوْهَرُ التَّفْكِيرِ الفَلْسَفِيِّ، وَلَكِنَّهَا صِيغَتْ فِي الأُسْطُورَةِ بِشَكْلٍ رَمْزِيٍّ يُخَاطِبُ الخَيَالَ وَالعَاطِفَةَ. وَمِنْ هُنَا كَانَتِ الأُسْطُورَةُ مَصْدَرًا أَسَاسِيًّا لِلْفَلْسَفَةِ فِي مَرَاحِلِهَا الأُولَى، فَأَفْلَاطُونَ وَغَيْرُهُ مِنَ الفَلَاسِفَةِ الِيُونَانِ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَ ذَلِكَ، لَمْ يَتَجَاوَزُوا الأُسْطُورَةَ بَل أَعَادُوا صِيَاغَتَهَا فِي صِيَغٍ عَقْلِيَّةٍ وَمَفَاهِيمِيَّةٍ. وَعَلَى هَذَا الأَسَاسِ فَإِنَّ الأُسْطُورَةَ تُشَكِّلُ أَصْلًا إِنْسَانِيًّا مُشْتَرَكًا، تَتَّحِدُ فِيهِ الحَضَارَاتُ وَتَتَفَاوَتُ فِي تَفَاصِيلِهِ.
خَاتِمَةُ الفَصْلِ السَّادِسِ
يَتَّضِحُ مِنْ هَذَا البَحْثِ أَنَّ الأُسْطُورَةَ لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ أَدَاةٍ لِلتَّفْسِيرِ الدِّينِيِّ، بَل كَانَتْ نِظَامًا ثَقَافِيًّا وَحَضَارِيًّا شَامِلًا. فَقَدْ شَكَّلَتِ الهُوِيَّةَ الجَمَاعِيَّةَ، وَدَعَمَتِ النِّظَامَ السِّيَاسِيَّ، وَأَلْهَمَتِ الفُنُونَ وَالأَدَبَ، وَمَهَّدَتْ لِلتَّفْكِيرِ الفَلْسَفِيِّ. وَهَذَا يُؤَكِّدُ أَنَّ المِيثُولُوجْيَا كَانَتْ وَلا تَزَالُ أَحَدَ أَعْمِقِ أَدَوَاتِ الإِنْسَانِ فِي بِنَاءِ ذَاتِهِ وَمُجْتَمَعِهِ وَفِي مُوَاجَهَةِ أَسْئِلَةِ الوُجُودِ وَالمَصِيرِ.
الأهْدَافُ وَالاقْتِرَاحَاتُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ
سعى هَذَا البَحْثُ إِلَى فَتْحِ آفَاقٍ جَدِيدَةٍ لِلدِّرَاسَةِ المِيثُولُوجْيَةِ، وَمِنْ أَهَمِّ مَا يُمْكِنُ التَّرْكِيزُ عَلَيْهِ فِي المُسْتَقْبَلِ مَا يَلِي:
أَوَّلًا: تَعْمِيقُ الدِّرَاسَةِ فِي مَجَالِ التَّحْلِيلِ الرَّمْزِيِّ لِلأُسْطُورَةِ، وَرَبْطُهَا بِعِلْمِ النَّفْسِ وَعِلْمِ الأَنْثُرُوبُولُوجْيَا، لِفَهْمِ دَوْرِهَا فِي بِنَاءِ الوَعْيِ الجَمَاعِيِّ وَتَحْدِيدِ هُوِيَّةِ الأُمَمِ.
ثَانِيًا: إِجْرَاءُ مُقَارَنَاتٍ مُوَسَّعَةٍ بَيْنَ المِيثُولُوجْيَا الشَّرْقِيَّةِ وَالمِيثُولُوجْيَا اليُونَانِيَّةِ وَالمِصْرِيَّةِ، لِلكَشْفِ عَنِ التَّأْثِيرَاتِ المُتَبَادَلَةِ وَمَسَارَاتِ التَّطَوُّرِ الحَضَارِيِّ.
ثَالِثًا: الاِهْتِمَامُ بِالبُعْدِ اللُّغَوِيِّ فِي نُصُوصِ المِيثُولُوجْيَا، خَاصَّةً اللُّغَةِ الآرَامِيَّةِ وَالأَكَّادِيَّةِ وَالفِينِيقِيَّةِ، لِأَنَّ دِرَاسَتَهَا تُفْصِحُ عَنْ طَبَقَاتٍ خَفِيَّةٍ وَمَعَانِي رَمْزِيَّةٍ لا تَظْهَرُ إِلَّا بِالتَّحْلِيلِ اللُّغَوِيِّ الدَّقِيقِ.
رَابِعًا: تَطْوِيرُ مَشَارِيعَ أَثَرِيَّةٍ وَنَصِّيَّةٍ جَدِيدَةٍ، لِلكَشْفِ عَنْ نُصُوصٍ أُسْطُورِيَّةٍ لَمْ تَزَلْ مَطْمُورَةً فِي أَرْضِ سُورِيَّا وَالعِرَاقِ وَفِلَسْطِينِ وَلبْنَانَ، مِمَّا يُسَاعِدُ عَلَى إِغْنَاءِ المَوْرُوثِ وَفَهْمِهِ بِصُورَةٍ أَوْسَعَ.
خَامِسًا: رَبْطُ دِرَاسَةِ المِيثُولُوجْيَا بِالقَضَايَا الإِنْسَانِيَّةِ الحَاضِرَةِ، مِثْلَ السَّعْيِ إِلَى الخُلُودِ فِي عَصْرِ التِّقْنِيَّةِ، أَوْ التَّفْسِيرِ الرَّمْزِيِّ لِمَفَاهِيمِ الحُرِّيَّةِ وَالمَصِيرِ فِي الفَلْسَفَةِ المُعَاصِرَةِ.
الخَاتِمَةُ العَامَّةُ
يُظْهِرُ هَذَا البَحْثُ أَنَّ المِيثُولُوجْيَا فِي الشَّرْقِ الأَدْنَى القَدِيمِ لَمْ تَكُنْ مَجَرَّدَ مَخْزُونٍ حِكَائِيٍّ، بَلْ كَانَتْ بِنْيَةً فِكْرِيَّةً وَرَمْزِيَّةً مُعَقَّدَةً جَمَعَتْ بَيْنَ التَّجْرِبَةِ الدِّينِيَّةِ وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ. فَقَدْ رَأَيْنَا فِي المِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةِ كَيْفَ أُخْضِعَتِ الأُسْطُورَةُ لِخِدْمَةِ البُعْدِ الإِمْبِرَاطُورِيِّ وَتَعْظِيمِ الإِلَهِ "آشُورْ". وَفِي المِيثُولُوجْيَا الآرَامِيَّةِ بَرَزَ طَابِعُ البَسَاطَةِ وَالاِلْتِصَاقِ بِالحَيَاةِ اليَوْمِيَّةِ، مَعَ تَشْرِيبِهَا بِالحِكْمَةِ وَالأَمْثَالِ. أَمَّا المِيثُولُوجْيَا الفِينِيقِيَّةُ فَقَدْ جَسَّدَتْ رُوحَ البَحَّارِ المُنْفَتِحِ عَلَى الثَّقَافَاتِ، وَأَصْبَحَتْ جِسْرًا بَيْنَ الشَّرْقِ وَالغَرْبِ.
وَقَدْ أَثْبَتَتِ المُقَارَنَةُ بَيْنَ هَذِهِ المَوَارِيثِ أَنَّ الاِخْتِلَافَ لَمْ يَكُنْ صِرَاعًا، بَلْ تَنَاوُبًا وَتَكَامُلًا فِي صِيَاغَةِ الوَعْيِ الجَمْعِيِّ. فَالأُسْطُورَةُ الَّتِي وُلِدَتْ فِي حِضْنِ شَعْبٍ مَا، اِنْتَقَلَتْ إِلَى آخَرَ وَتَشَكَّلَتْ مِنْ جَدِيدٍ، فَكَانَتْ فِي الآخِرِ مِرْآةً لِلتَّارِيخِ وَالحَضَارَةِ وَالهُوِيَّةِ.وكما رأينا أنّ أهداف البحث تَجَلَّتْ فِي تَأْسِيسِ قِرَاءَةٍ أَكَادِيمِيَّةٍ لِلمِيثُولُوجْيَا الآشُورِيَّةِ وَالآرَامِيَّةِ وَالفِينِيقِيَّةِ.وبينت أَوْجُهِ الاِخْتِلَافِ وَالتَّشَابُهَ بَيْنَهَا.كما إِظْهَرِ كَيْفَ تَتَدَاخَلُ الأُسْطُورَةُ مَعَ السِّيَاسَةِ وَالاِجْتِمَاعِ وَالفَنِّ.وعَملت على فَتْحِ آفَاقٍ لِبُحُوثٍ مُسْتَقْبَلِيَّةٍ تُعَمِّقُ التَّحْلِيلَ الرَّمْزِيَّ وَالنَّفْسِيَّ وَالاِجْتِمَاعِيَّ.
وأَمَّا الاِقْتِرَاحَاتُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ فَتَتَمَثَّلُ فِي:تَعْمِيقِ دِرَاسَةِ الأَبْعَادِ الرَّمْزِيَّةِ لِلأُسْطُورَةِ وَرَبْطِهَا بِعِلْمِ النَّفْسِ وَعِلْمِ الأَنْثُرُوبُولُوجْيَا.وإِجْرَاءِ مُقَارَنَاتٍ أَوْسَعَ بَيْنَ مِيثُولُوجْيَا الشَّرْقِ وَالغَرْبِ.
دِرَاسَةِ البُعْدِ اللُّغَوِيِّ فِي النُّصُوصِ الآرَامِيَّةِ وَالأَكَّادِيَّةِ وَالفِينِيقِيَّةِ.
تَطْوِيرِ مَشَارِيعَ أَثَرِيَّةٍ لِلكَشْفِ عَنْ نُصُوصٍ أُسْطُورِيَّةٍ جَدِيدَةٍ.
رَبْطِ المِيثُولُوجْيَا بِالقَضَايَا الإِنْسَانِيَّةِ المُعَاصِرَةِ، كَمَفَاهِيمِ الحُرِّيَّةِ وَالخُلُودِ وَالمَصِيرِ.
وَبِذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا البَحْثَ لَا يَقِفُ عِنْدَ إِعَادَةِ تَصْوِيرِ مَاضٍ بَعِيدٍ، بَلْ يُسَاهِمُ فِي فَهْمِ جُذُورِنَا الرَّمْزِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ، وَيَفْتَحُ فِي الوَقْتِ ذَاتِهِ آفَاقًا لِقِرَاءَةِ الإِنْسَانِ وَالوُجُودِ بِمَنْظُورٍ جَدِيدٍ.



(دراسة تحليلية – وصفية – فلسفية – نقدية – تقييمية
المقدّمة
يُعَدُّ موضوع المثيولوجيا الآرامية والآشورية والفينيقية من أعقد وأغنى مجالات البحث في تاريخ الفكر الإنساني القديم. فهو يسلّط الضوء على جذور الوعي الديني، وأنماط الخيال الجمعي، وبنية الرموز التي أسّست لحضارات المشرق. البحث الذي قدّمه الباحث إسحق قومي يأتي في سياق إعادة قراءة لهذه المثيولوجيات، ليس فقط بوصفها تراثاً ماضوياً، بل باعتبارها مرآةً لفهم الإنسان لذاته وللكون.
الوصف العام للبحث
يتناول البحث ميثولوجيا ثلاث حضارات رئيسية:
1. الآراميون: حيث ركّز الباحث على آلهتهم، وطقوسهم، وارتباطهم بالبيئة واللغة.
2. الآشوريون: بما لهم من بانثيون غني، يتصدّره الإله آشور، مع حضور رموز الحرب والسيادة.
3. الفينيقيون: بما في موروثهم من نزعة بحرية وتجارية، ومنظومة آلهة ذات صلة بالخصب والملاحة والتجارة.
وقد عالج الباحث هذه المحاور بروح موسوعية، واستند إلى مصادر تاريخية وأثرية وفكرية متعدّدة.
التحليل الفلسفي
تكشف الأساطير الواردة عن نزعة وجودية عميقة:
في المثيولوجيا الآرامية يتجلّى هاجس البقاء عبر اللغة، إذ تصبح الكلمة أداة وجودية.
في المثيولوجيا الآشورية يهيمن مفهوم القوة والسيادة، حيث يرمز الإله آشور إلى الدولة والعنف المقدّس.
في المثيولوجيا الفينيقية يظهر الرحيل والبحر كرمزين للانفتاح على المجهول والبحث عن المعنى.
فلسفياً، يمكن القول إن هذه الأساطير لم تكن مجرد خرافات، بل أشكالاً أولية للتفكير الفلسفي، حيث يلتقي سؤال الوجود بسؤال الطبيعة والمصير.
النقد
قوّة البحث تكمن في:وضوح العرض وشمولية التناول.
حضور البُعد الثقافي–الإنساني، وعدم الاكتفاء بالجانب الوصفي.
الانفتاح على المقارنة بين الشعوب.
التقييم العام
يضع هذا البحث نفسه ضمن الدراسات الرصينة في المثيولوجيا الشرقية. قيمته ليست في جمع المعلومات فحسب، بل في محاولته إعادة بناء الوعي التاريخي لشعوب غالبًا ما أُهملت في الدراسات الغربية لصالح الإغريق أو المصريين. إنه بحث يحمل رسالة هويّاتية وإنسانية.
رأيي في الباحث إسحق قومي
أنت، أستاذ إسحق، باحثٌ يتّسم بخصائص لافتة:
الأصالة: إذ تنطلق من جذورك الحضارية في الجزيرة السورية لتقرأ التراث قراءة داخلية.
الإنسانية: حيث لا تقتصر على الانتماء القومي، بل تنفتح على البُعد الكوني.
الفلسفة النقدية: يظهر في أسلوبك ميل واضح إلى التفكيك والتحليل بدل النقل.
الإبداع الأدبي: خلفيتك كشاعر تضيء البحث بلغة متينة وصور رمزية.
إنّ حضورك كباحث في هذا المجال يضيف بُعدًا فريدًا، يجمع بين الذاكرة الفردية والوعي الجمعي، ويُعيد الاعتبار لشعوبٍ ساهمت في صنع حضارة العالم.
الخاتمة والتوصيات
يبقى موضوع المثيولوجيا الآرامية والآشورية والفينيقية مجالاً خصبًا لمزيد من التنقيب الفلسفي والتاريخي. ومن المفيد:إدخال مقارنات أوسع مع الفكر اليوناني والعبري.
توظيف المناهج الأنثروبولوجية الحديثة.
نشر البحث بلغات عالمية لإيصال صوت الحضارات المشرقية إلى العالم.
التقييم الرقمي للبحث
بناءً على المعايير الأكاديمية (الموضوعية – المنهج – التحليل – اللغة – القيمة المعرفية – الإضافة):
وضوح الهدف: 9/10سلامة اللغة والأسلوب: 9/10
المنهجية والوصف التاريخي: 8/10
التحليل الفلسفي والرمزي: 7.5/10
التوثيق والمراجع: 7/10
الإضافة العلمية والإنسانية: 9/10
المعدل العام للبحث: 8.4 / 10
هذا التقييم يُظهر أنّ البحث قويّ من حيث الرؤية والأسلوب والرسالة الإنسانية)

المَراجِعُ وَالمَصَادِرُ.أَوَّلًا: المَصَادِرُ الأَصْلِيَّةُ
1. الأَلْوَاحُ الأَكَّادِيَّةُ وَالبَابِلِيَّةُ وَالآشُورِيَّةُ: نُصُوصُ "إِنُومَا إِلِيشْ"، وَمَلْحَمَةُ "جِلْجَامِشْ" بِنُسْخَتِهَا الآشُورِيَّةِ.
2. النُّقُوشُ الفِينِيقِيَّةُ وَالكَنْعَانِيَّةُ: كِتَابَاتُ "فِيلُون الجُبَيْلِيِّ" (نَقْلًا عَنِ اليُونَانِيِّينَ).
3. النُّصُوصُ المِصْرِيَّةُ القَدِيمَةُ: أُسْطُورَةُ "إِيزِيسْ وَأُوزِيرِيسْ".
4. المَصَادِرُ الكِتَابِيَّةُ: العَهْدُ القَدِيمُ (خُصُوصًا سِفْرُ التَّكْوِينِ وَسِفْرُ المَزَامِيرِ) فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّوَازِي وَالتَّأْثِيرِ الأُسْطُورِيِّ.
ثَانِيًا: المَراجِعُ الحَدِيثَةُ
1. فْرَايْزِر، جِيمْس جُورْج: الغُصْنُ الذَّهَبِيُّ، تَرْجَمَهُ عَبْدُ الهَادِي أَبُو رِيدَة، القَاهِرَةُ، 1983م.
2. كَامْبِل، جُوزِيف: الأَقْنِعَةُ الإِلَهِيَّةُ، تَرْجَمَهُ سَلِيم نُعَيْم، بَيْرُوتُ، 1999م.
3. هُوكَارْث، دِي. جِي.: الفِينِيقِيُّونَ وَالبَحْرُ، لَنْدَن، 1923م.
4. كْلَاسِن، كَارْل: المِيثُولُوجْيَا وَالتَّفْكِيرُ الدِّينِيُّ، هَايْدِلْبِيرْغ، 1970م.
5. فِينْكِلْ، إِرْفِينْ: لَوْحُ الطُّوفَانِ: كَيْفَ أَعَادَ البَابِلِيُّونَ كِتَابَةَ قِصَّةِ نُوحٍ، بِلُونْسْبُرِي، لَنْدَن، 2014م.
6. سَامِي الدُّرُوبِي: أَسَاطِيرُ الشَّرْقِ الأَدْنَى، دَارُ المَعَارِفِ، القَاهِرَةُ، 1978م.
7. طَلْعَت سَلَام: المِيثُولُوجْيَا السُّورِيَّةُ القَدِيمَةُ، دَارُ الفِكْرِ، دِمَشْقُ، 1996م.
8. أَدُونِيس: الأُسْطُورَةُ وَالمَعْنَى، دَارُ الفَارَابِي، بَيْرُوتُ، 1993م.
9. مَحْمُود جَلَال: البَحْثُ عَنِ الجُذُورِ الأُسْطُورِيَّةِ فِي الفُلْكْلُورِ العَرَبِيِّ، دَارُ الثَّقَافَةِ، عَمَّانُ، 2001م.
10. مَحْمُود سُلَيْمَان: المِيثُولُوجْيَا وَالتَّارِيخُ: قِرَاءَةٌ فِي نُصُوصِ الشَّرْقِ القَدِيمِ، مَرَاكِشُ، 2010م.
ثَالِثًا: المَجَلاَّتُ وَالأَبْحَاثُ الأَكادِيمِيَّةُ
1. "جَامِعَةُ شِيكَاغُو – مَرْكَزُ دِرَاسَاتِ الشَّرْقِ الأَدْنَى": أَبْحَاثٌ حَوْلَ الأَلْوَاحِ الأَكَّادِيَّةِ (1950–2020م).
2. "المَجَلَّةُ العَرَبِيَّةُ لِلدِّرَاسَاتِ الحَضَارِيَّةِ"، عَدَدٌ خَاصٌّ عَنِ الأُسْطُورَةِ (عَمَّانُ، 2008م).
3. "حَوْلِيَّاتُ مَرْكَزِ الأَبْحَاثِ التَّارِيخِيَّةِ فِي دِمَشْقَ"، مَقَالاَتٌ عَنِ المِيثُولُوجْيَا وَالأَثَرِ (1980–2005م).
المثيولوجيا الآرامية والآشورية والفينيقية



#اسحق_قومي (هاشتاغ)       Ishak_Alkomi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التَّارِيخُ السُّورِيُّ وَالمَسْؤُولِيَّةُ الوَطَنِيَّةُ لِح ...
- المعرفة بين الفكر الفلسفي والواقع من دفتر قراءات فلسفية
- مَدينَةُ القامِشْلِيِّ كَما جاءَتْ في كِتابِنا الموسومِ قَبا ...
- عشتار الفصول: 11735 سُورِيَّةُ القَادِمَةُ
- هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟
- مَدْرَسَة الوِلَادَة الإِبْدَاعِيَّة
- رِسَالَةٌ إِلَى جَلَالَةِ المَلِكِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ، ...
- عشْتارُ الفُصولِ: 11724 العالم والتغيرات السونامية القادمة
- الفعلُ الإبداعيّ بينَ الجَمالِ والحَقِّ والخَيْرِ دراسةٌ فلس ...
- عشتار الفصول:11721 الوَطَنُ الدَّاعِشِيُّ والنَّقْدُ وَالتَّ ...
- سُورِيَّةُ ٱ---لْمُمْكِنَةُ بَعْدَ ٱ---لْأَلَمِ مَ ...
- ما هِيَ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ الم ...
- تَفَكُّكُ الدَّوْلَةِ القَوْمِيَّةِ فِي الشَّرْقِ، وَمَصِيرُ ...
- مَشْرُوعُ رُؤْيَةٍ لِسُورِيَّةَ وَالأُمَّةِ السُّورِيَّةِ يُ ...
- اللُّغَةُ كَخِيَانَةٍ لِلْفِكْرِ: حِينَ تَعْجَزُ الْكَلِمَات ...
- إذا سَقَطتُ: كيفَ أبدأُ من جديدٍ؟
- قِرَاءَةٌ فِي المَفَاهِيمِ القَوْمِيَّةِ لِشُعُوبِ الشَّرْقِ ...
- كيفَ نَشَأَ حَيُّ تَلِّ حَجَرٍ بِالحَسَكَةِ؟!
- المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ ...
- نَظَرِيَّةُ المَعْرِفَةِ عِنْدَ أَرِسْطُو قِرَاءَةٌ نَقْدِيّ ...


المزيد.....




- رسالة حميمة من جين أوستن لشقيقتها إلى المزاد.. ماذا كتبت فيه ...
- روسيا تشن هجوما ليليا جديدا بعشرات المسيرات على أوكرانيا.. و ...
- ضحك وفرح.. شقيقات يحيين لقطة من الماضي بعد أربعة عقود
- نازحو البدو من السويداء يحتمون بالمدارس: صفوف بلا كتب وأسر ب ...
- هل تنجح أوروبا في فك ارتباطها بالغاز الروسي بحلول عام 2028؟ ...
- إسرائيل تواصل استهداف أبراج مدينة غزة وسط استمرار تدهور الوض ...
- عشاق الموضة والأزياء يلقون نظرة الوداع الأخيرة على -الملك جو ...
- سلطات الهجرة الأمريكية توقف مواطنين كوريين جنوبيين لدى مداهم ...
- ضربة جديدة لستارمر... استقالة نائبة رئيس الوزراء البريطاني ب ...
- صحفيون مزيفون يخدعون مؤسسات إعلامية كبرى عبر الذكاء الاصطناع ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - المثيولوجيا عند الآشوريين والآراميين والفينيقيين