أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - رِسَالَةٌ سِرِّيَّةٌ تُفْتَحُ بِالذَّاتِ















المزيد.....



رِسَالَةٌ سِرِّيَّةٌ تُفْتَحُ بِالذَّاتِ


اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)


الحوار المتمدن-العدد: 8515 - 2025 / 11 / 3 - 20:49
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


إِلَى الإِخْوَةِ الأَكَادِيمِيِّينَ وَالْمُثَقَّفِينَ وَمَنْ يَدَّعُونَ الثَّقَافَةَ وَالْحَمْقَى مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا.
تَحِيَّةً وَبَعْدُ:
اِسْتِهْلَالٌ
تَتَشَكَّلُ أَمْجَادُ تَارِيخِنَا الْعَرِيقِ مِنْ حَضَارَتِنَا الآشُورِيَّةِ، وَقِمَّةُ عِزَّتِهَا فِي الْعُلُومِ وَالإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الَّتِي حَكَمَتِ الشَّرْقَ قَاطِبَةً.
أَمَّا مَمَالِكُنَا الآرَامِيَّةُ، وَلُغَتُنَا الَّتِي كَانَتْ نَتِيجَةَ مُثَاقَفَاتٍ بَيْنَ الآرَامِيِّينَ وَالْفِينِيقِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالسِّنَائِيِّينَ وَالأَكَادِيِّينَ لُغَةً وَعَلَاقَةً، فَهِيَ لَا تَزَالُ تَنْسُجُ لَوْحَةَ الْخُلُودِ لِإِرْثِنَا الإِنْسَانِيِّ وَالْحَضَارِيِّ.
وَأَمَّا وَاقِعُنَا وَمَصِيرُنَا فَهُمَا فِي حَالَةِ تَدَهْوُرٍ يُرْثَى لَهَا، أَمَامَ مَا يَحْدُثُ فِي الشَّرْقِ مِنْ صِرَاعَاتٍ، مَعَ غِيَابِ اهْتِمَامِ الدُّوَلِ الْكُبْرَى بِنَا كَقَوْمِيَّةٍ وَلَيْسَ كَمُجَرَّدِ جَمَاعَةٍ دِينِيَّةٍ.
مِنْ هُنَا تَأْتِي أَهَمِّيَّةُ التَّوَقُّفِ عَن تَرْسِيخِ الْخِلَافَاتِ وَالِانْشِقَاقَاتِ بَيْنَ مُكَوِّنَاتِنَا الْمَنْطِقِيَّةِ وَاللُّهْجَوِيَّةِ وَالطَّائِفِيَّةِ؛ وَعَلَيْنَا تَقَعُ الْمَسْؤُولِيَّةُ فِي وَأْدِ الْخِلَافَاتِ بِأُسْلُوبٍ حَضَارِيٍّ وَعِلْمِيٍّ.
ونؤكد لَا مَفَرَّ مِنْ عَقْدِ مُؤْتَمَرٍ لِحَلِّ إِشْكَالِيَّةِ التَّسْمِيَةِ الْقَوْمِيَّةِ وَاللُّغَوِيَّةِ وَالْعَلَمِ الْوَاحِدِ وَالْخِطَابِ السِّيَاسِيِّ الْمُوَحَّدِ، لِتَفْعِيلِ دَوْرِ قَضِيَّتِنَا الْقَوْمِيَّةِ فِي الْمَحَافِلِ الدُّولِيَّةِ.
إِخْوَتِي وَأَخَوَاتِي الْأَعِزَّاءَ، أَلَا يَكْفِينَا حَرْبٌ دَامَتْ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفَيْنِ وَسِتِّمِائَةِ عَامٍ بَيْنَنَا؟ وَعَلَى مَا يَبْدُو أَنَّ الطَّعْنَ وَالْكُرْهَ وَتَبَادُلَ الِاتِّهَامَاتِ خَصَائِصُ جِينِيَّةٌ فِي مَوَارِيثِنَا الْقَوْمِيَّةِ، هَكَذَا يَبْدُو، وَلَا أَتَّهِمُ أَحَدًا جُزَافًا.
كُنْتُ فِي الْوَطَنِ سُورِيَّةَ أُرَاقِبُ الْأُمُورَ عَنْ كَثَبٍ مُنْذُ نِهَايَةِ سِتِّينِيَّاتِ الْقَرْنِ الْعِشْرِينَ الْمُنْصَرِمِ، حَيْثُ كُنْتُ أُشَارِكُ بَعْضَ مَنْ لَهُمُ الْهَمُّ الْقَوْمِيُّ، وَأَهَمُّهُمْ الْمُصَوِّرُ الأَخُ صَبْرِي عَازَار، وَغَيْرُهُ كَثِيرُونَ أَتَحَفَّظُ عَلَى ذِكْرِهِمْ.
أَجَلْ، كُنْتُ سَعِيدًا أَنْ أَتَعَرَّفَ إِلَى بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ مِنْ خِلَالِ كُتُبٍ عَدِيدَةٍ رُحْتُ أَلْتَهِمُهَا الْتِهَامًا، وَكُنْتُ أَتَمَنَّى لَوْ أَعُودُ تِلْمِيذًا فِي مَدْرَسَةِ الْخَابُورِ، وَبَعْدَهَا الْبُحْتُرِيِّ لِلسُّرْيَانِ الأُرْثُوذُكْسِ بِالْحَسَكَةِ، حَيْثُ قَضَيْتُ الْمَرْحَلَتَيْنِ الِابْتِدَائِيَّةَ وَالْإِعْدَادِيَّةَ فِيهِمَا، وَكُنَّا نُنْشِدُ فِي الصَّبَاحِ نَشِيدَ:
أُمَّتَنْ سُورْيَتُو، أُمَّتَنْ حَابِيبْتُو، أُمَّتَنْ بَيْتْ نَهْرَيْنْ، أُمَّتَنْ حَبِيبْتُو.
لَمْ نَكُنْ نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا النَّشِيدَ سَيَنْغَرِسُ فِي أَعْمَاقِ وِجْدَانِنَا، وَيَجْرِي مَعَ كُرَيَّاتِ دِمَائِنَا، كَمَا انْغَرَسَتْ قَصَائِدُ الِاسْتِظْهَارِ لِـأَحْمَدِ شَوْقِي وَالْمَنْفَلُوطِي – بِالتَّصَرُّفِ – (أَيُّهَا النَّهْرُ، لَا تَسِرْ وَانْتَظِرْنِي، لَا تَبْعُدْ، وَقَصِيدَةُ: لِي جَدَّةٌ تَرْأَفُ بِي، أَحْنَى عَلَيَّ مِنْ أَبِي).
وَلِكَيْ لَا أُطِيلَ الْجَانِبَ الْمُمَهِّدَ لِرِسَالَتِي، أَقُولُ: حَقًّا، أَغْلَبُنَا لَا زَالَ يَلْزَمُهُ عِلْمٌ وَمَعْرِفَةٌ وَقِرَاءَةٌ لِلْوَاقِعِ الْحَالِيِّ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ، يَلْزَمُهُ الْكَثِيرُ الْكَثِيرُ مِنْ مَعْرِفَةِ قِرَاءَةِ الْوَثَائِقِ، قِرَاءَةً أَكَادِيمِيَّةً حَدِيثَةً.
وَأَشُكُّ أَنَّ حَامِلِي دَرَجَاتِ الدُّكْتُورَاهْ قَدْ نَالُوهَا بِجُهْدٍ حَقِيقِيٍّ، لِأَنَّهُمْ يُثْبِتُونَ مِنْ خِلَالِ طُرُوحَاتِهِمْ أَنَّ ثَقَافَتَهُمُ الَّتِي يَدَّعُونَهَا ضَحْلَةٌ إِلَى أَبْعَدِ الْحُدُودِ.
أُكَرِّرُ لِلْمَلْيُونِ: لَسْتُ أَفْضَلَكُمْ، وَلَسْتُ أَعْرَفَكُمْ، وَلَا أُرِيدُ أَنْ أَتَعَامَلَ فِي هَذَا الْجَانِبِ بِانْفِعَالِيَّةٍ تُسَاوِي أَهَمِّيَّةَ الْمَوْضُوعِ، وَلَكِنَّهَا مُسْتَحَقَّةٌ كَوْنُهَا تَأْتِي نَتِيجَةَ تَرَاكُمِ أَخْطَاءٍ قَاتِلَةٍ لِمَنْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ أَنَّهُمْ يَحْمِلُونَ دَرَجَاتٍ عِلْمِيَّةً، وَيَدَّعُونَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ فِي الْجَانِبِ الْقَوْمِيِّ وَالتَّسْمِيَةِ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مُنْجَزَةٌ مِنْ خِلَالِ بَعْضِ الْخُلَاصَاتِ هُنَا أَوْ هُنَاكَ، وَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ لَا يُجِيدُونَ مَنْهَجِيَّةَ الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ وَقِرَاءَةَ الْمُنْتَجِ الأَرْكِيُولُوجِيِّ وَمُخَلَّفَاتِ الدِّرَاسَاتِ التَّارِيخِيَّةِ، خَاصَّةً بِالنِّسْبَةِ لِمَوْضُوعِ تَسْمِيَتِنَا الْقَوْمِيَّةِ وَلُغَتِنَا وَحَتَّى عَلَمِنَا – أَعْنِي رَايَتَنَا.
وَهُنَا نُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ مَا جَاءَنَا مِنْ خِلَالِ التَّنْقِيبِ الأَثَرِيِّ فِي بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ (الْعِرَاقِ وَالْجَزِيرَةِ السُّورِيَّةِ وَسُورِيَّةَ الدَّاخِلِيَّةِ)، يُؤَكِّدُ أَنَّ هُنَاكَ الْعَدِيدَ مِنَ الْبُحُوثِ غَيْرِ الْمُنْتَهِيَةِ (الْمُنْجَزَةِ)، وَلَا زَالَتْ هُنَاكَ مَوَاضِيعُ عِدَّةٌ يَلْزَمُهَا اسْتِكْمَالٌ نَعْتَقِدُ أَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي رُقُمٍ لَمْ تُكْتَشَفْ بَعْدُ.
وَلَكِنْ مَا أُؤَكِّدُ عَلَيْهِ، مِنْ خِلَالِ مَعْرِفَتِي الْمُتَوَاضِعَةِ فِي الْبَحْثِ التَّارِيخِيِّ وَالأَرْكِيُولُوجِيِّ، وَالَّتِي تَعُودُ بَدَايَاتُهَا إلى عام 1968.م
أَوَّلًا: الحَضَارَةُ الأَشُورِيَّةُ الَّتِي جَاءَتْ كَتَتَابُعٍ حَضَارِيٍّ لِلْحَضَارَةِ الْبَابِلِيَّةِ وَقَبْلَهَا السُّومَرِيَّةِ، وَلُغَتُهَا الأَكَادِيَّةُ (بَابِلِيَّةٌ فِي الْجَنُوبِ وَأَشُورِيَّةٌ فِي الشَّمَالِ). ثُمَّ تِلْكَ الْحَضَارَةُ قَامَتْ عَلَى أُسُسِ الإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الأَشُورِيَّةِ الَّتِي امْتَدَّتْ إِلَى النِّيلِ، لَنْ وَلَنْ يَسْتَطِيعَ عَاقِلٌ أَنْ يَشُكَّ فِيهَا وَفِي وُجُودِهَا وَعَظَمَتِهَا، وَهِيَ الْكَنْزُ الَّذِي لَا يُقَدَّرُ لِوُجُودِنَا وَفَخْرِنَا وَعِزَّتِنَا.
وَمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَحْذِفَ الشَّعْبَ الأَشُورِيَّ مِنَ التَّتَابُعِ حَتَّى بَعْدَ سُقُوطِ نِينَوَى عَامَ (٦١٢ قَبْلَ الْمِيلَادِ)، فَهُوَ لَيْسَ سِوَى مُضْطَرِبٍ عَقْلِيًّا وَنَفْسِيًّا وَوِجْدَانِيًّا وَمَعْرِفِيًّا.
لِأَنَّ سُقُوطَ الْحُكُومَاتِ لَا يَعْنِي انْتِهَاءَ الشُّعُوبِ، قَاعِدَةٌ أَثْبَتَتْهَا التَّجَارِبُ الْبَشَرِيَّةُ عَبْرَ التَّارِيخِ، وَمَنْ يَشُكُّ فِي هَذَا فَلْيُقَدِّمْ لَنَا الْبَدِيلَ.
ثَانِيًا: الْمَمَالِكُ الآرَامِيَّةُ فِي سُورِيَّةَ وَالْعِرَاقِ الْحَالِيِّ.
نُؤَكِّدُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْمَمَالِكَ، الَّتِي تَبْلُغُ أَكْثَرَ مِنْ ثَمَانٍ وَعِشْرِينَ مَمْلَكَةً، تَأَسَّسَتْ بَعْدَ انْهِيَارِ الدَّوْلَةِ الْحِثِّيَّةِ. وَنُعَدِّدُ بَعْضًا مِنْ تِلْكَ الْمَمَالِكِ:
أَوَّلًا: الْمَمَالِكُ الآرَامِيَّةُ فِي سُورِيَّةَ
تِلْكَ الْمَمَالِكُ تَأَسَّسَتْ فِي الْقَرْنَيْنِ الثَّانِيَ عَشَرَ – التَّاسِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ تَقْرِيبًا، بَعْدَ انْهِيَارِ الدَّوْلَةِ الْحِثِّيَّةِ وَانْتِشَارِ الْقَبَائِلِ الآرَامِيَّةِ فِي الْمَنْطِقَةِ.
بَيْتْ عَدِينِي (بَيْتْ عَدِينِي / بَيْتْ عَدِين)العَاصِمَةُ: تَلُّ بَرْسِيبَ (قُرْبَ حَلَبَ).المَوْقِعُ: شِمَالُ سُورِيَّةَ عَلَى نَهْرِ الْفُرَاتِ.وكانت قد ازْدَهَرَتْ فِي الْقَرْنَيْنِ الْعَاشِرِ وَالتَّاسِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ، ثُمَّ ضَمَّهَا الأَشُورِيُّونَ فِي الْقَرْنِ التَّاسِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ.
بَيْتْ بَحْيَانِي.العَاصِمَةُ: غُوزَانَا (تَلُّ حَلَفٍ) قُرْبَ نَهْرِ الْخَابُورِ.كَانَتْ مِنْ أَهَمِّ الْمَمَالِكِ فِي أَعَالِي الْجَزِيرَةِ السُّورِيَّةِ.
بَيْتْ زَمَانِي.العَاصِمَةُ: أُمِيد (دِيَارُ بَكْرٍ حَالِيًّا).تَقَعُ فِي شِمَالِ الْجَزِيرَةِ، عَلَى الْحُدُودِ بَيْنَ سُورِيَّةَ وَتُرْكِيَا الْحَالِيَّتَيْنِ.
بَيْتْ أَغُوشِي .العَاصِمَةُ: أَرْفَاد (تَلُّ رِفْعَتَ الْيَوْمَ).مَمْلَكَةٌ قَوِيَّةٌ قُرْبَ حَلَبَ، قَاوَمَتِ الأَشُورِيِّينَ فَتْرَةً طَوِيلَةً.
صُوبَةُ (صُوبَةُ)قُرْبَ دِمَشْقَ أَوِ الْبِقَاعِ اللُّبْنَانِيِّ.وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي النُّصُوصِ الْمِصْرِيَّةِ وَالأَشُورِيَّةِ.
آرَامُ دِمَشْقَ (آرَامُو / آرَامُ دِمَشْقَ)
العَاصِمَةُ: دِمَشْقُ.أَقْوَى الْمَمَالِكِ الآرَامِيَّةِ فِي سُورِيَّةَ.بَلَغَتْ أَوْجَهَا فِي عَهْدِ الْمَلِكِ حَزَائِيلَ (الْقَرْنُ التَّاسِعُ قَبْلَ الْمِيلَادِ).
حَارَبَتْ مَمْلَكَةَ إِسْرَائِيلَ وَالأَشُورِيِّينَ، حَتَّى سَقَطَتْ بِيَدِ تِغْلَثْ فِلَأَسَّرَ الثَّالِثِ الأَشُورِيِّ سَنَةَ (٧٣٢ ق.م).
حَمَاةُ (حَمَتُ)العَاصِمَةُ: حَمَاةُ.مَمْلَكَةٌ آرَامِيَّةٌ مُزْدَهِرَةٌ فِي وَسَطِ سُورِيَّةَ، اشْتُهِرَتْ بِزَخَارِفِهَا وَنُقُوشِهَا.
سَمْآلُ (سَمْآلُ / زِنْجِرْلِي)العَاصِمَةُ: زِنْجِرْلِي فِي جَنُوبِ تُرْكِيَا الْحَالِيَّةِ.كَانَتْ مَمْلَكَةً آرَامِيَّةً – لُوفِيَّةً مُخْتَلِطَةً ثَقَافِيًّا. وَمِنَ الْمَمَالِكِ الْآرَامِيَّةِ الَّتِي اسْتَمَرَّتْ حَتَّى الْقَرْنِ السَّابِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ بِاسْتِقْلَالٍ ذَاتِيٍّ نَذْكُرُ مِنْهُمْ: مَمْلَكَةَ تَدْمُرَ، وَمَمْلَكَةَ الرُّهَا، وَمَمْلَكَةَ الْحَضَرِ، وَمَمْلَكَةَ الأَنْبَاطِ.
ثَانِيًا: الْمَمَالِكُ الآرَامِيَّةُ فِي الْعِرَاقِ (بِلَادِ الرَّافِدَيْنِ)
اسْتَقَرَّ الآرَامِيُّونَ أَيْضًا شَرْقَ الْفُرَاتِ، وَأَسَّسُوا مَمَالِكَ عَدِيدَةً فِي مَنَاطِقِ نِينَوَى وَالْخَابُورِ وَالْفُرَاتِ الأَوْسَطِ.
بَيْتْ دَكُورِي: جَنُوبُ بَابِلَ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ.اشْتُهِرَتْ بِعَلَاقَتِهَا بِالْبَابِلِيِّينَ وَالأَشُورِيِّينَ.
بَيْتْ أُمُّوكَانِي: فِي جَنُوبِ الْعِرَاقِ، قُرْبَ الأَهْوَارِ. فقد أَصْبَحَتْ لَاحِقًا قَاعِدَةً لِحَرَكَةِ نَبُوبَلَاصَّرَ مُؤَسِّسِ الدَّوْلَةِ الْبَابِلِيَّةِ الْحَدِيثَةِ.
بَيْتْ يَاقِينِ: فِي أَقْصَى الْجَنُوبِ (قُرْبَ الْخَلِيجِ الْعَرَبِيِّ).
مِنْ هَذِهِ الْمَمْلَكَةِ خَرَجَ الْمَلِكُ مَرْدُوخْ بِلَادَانْ (مَرُودَخْ بِلَادَانْ) الَّذِي تَحَدَّى الأَشُورِيِّينَ وَأَسَّسَ سُلَالَةً بَابِلِيَّةً.
بَيْتْ شِيلَانِي وَبَيْتْ عَرَامِي: مَمَالِكُ أَصْغَرُ قَامَتْ فِي وَسَطِ الْعِرَاقِ، وَامْتَزَجَتْ لَاحِقًا بِالسُّكَّانِ الْبَابِلِيِّينَ.
نَخْلُصُ إِلَى نَتِيجَةٍ هَامَّةٍ أَنَّ أَهَمَّ الْمَمَالِكِ فِي سُورِيَّةَ كَانَتْ: آرَامُ دِمَشْقَ، حَمَاةُ، بَيْتْ عَدِينِي، أَرْفَادُ، سَمْآلُ، غُوزَانَا.
وَفِي الْعِرَاقِ: أَبْرَزُهَا بَيْتْ يَاقِينِ، بَيْتْ دَكُورِي، بَيْتْ أُمُّوكَانِي.
وَمُعْظَمُهَا سَقَطَ تَدْرِيجِيًّا تَحْتَ الْحُكْمِ الأَشُورِيِّ بَيْنَ الْقَرْنَيْنِ التَّاسِعِ وَالسَّابِعِ قَبْلَ الْمِيلَادِ.
أَوْرَدْنَا الْمَمَالِكَ لِنُؤَكِّدَ عَلَى الْحُضُورِ الآرَامِيِّ (السُّرْيَانِيِّ) فِي الْمِنْطَقَةِ، كَمَا نُؤَكِّدُ هُنَا لِمَنْ يُرِيدُ أَنْ يَعْرِفَ عَنِ اللُّغَةِ الَّتِي نُسَمِّيهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، وَمِنْ خِلَالِ بَحْثٍ لِي كَلَّفَنِي أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أُنَقِّبُ فِيهِ فِي كُلِّ الْوَثَائِقِ وَالْكُتُبِ وَالْمَصَادِرِ عَنِ اللُّغَةِ السُّرْيَانِيَّةِ (الآرَامِيَّةِ)، وَهُوَ بِعُنْوَانِ:مِنَ اللُّغَاتِ الْقَدِيمَةِ إِلَى السَّرْيَانِيَّةِ نُشر فِي الْحِوَارِ الْمُتَمَدِّنِ – الْعَدَدُ ٧٢٠٠ – ٢٠٢٢ / ٣ / ٢٤ – ٢٣:٠٨.
وَنَسْتَطِيعُ أَنْ نَخْتَصِرَ مَا لَا يُخْتَصَرُ وَنُسَمِّيَ أَوَّلًا: الْفَرْعَ الشَّمَالِيَّ الْغَرْبِيَّ لِلُّغَاتِ السَّامِيَّةِ.
أَ – الآرَامِيَّةُ الْبَدَائِيَّةُ.بَ – الآرَامِيَّةُ الْقَدِيمَةُ.تَ – الآرَامِيَّةُ الرَّسْمِيَّةُ.
وَمِنْهَا انْطَلَقَتِ اللَّهَجَاتُ الَّتِي تَفَرَّعَتْ عَنْ اللُّغَةِ الرَّسْمِيَّةِ، مِثْلَ:(آرَامِيَّةُ زِنْجِرْلِي، آرَامِيَّةُ كِتَابِ عِزْرَا، آرَامِيَّةُ مِيزُوبُوتَامِيَا – بِلَادِ مَا بَيْنَ النَّهْرَيْنِ –، آرَامِيَّةُ بِلَادِ فَارِسَ، آرَامِيَّةُ أَفْغَانِسْتَانَ، آرَامِيَّةُ بَاكِسْتَانَ، آرَامِيَّةُ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ، وَآرَامِيَّةُ مِصْرَ).
وَمِنَ اللُّغَةِ الآرَامِيَّةِ الْوُسْطَى يَتَفَرَّعُ عَنْهَا:آ – الآرَامِيَّةُ الْفِلَسْطِينِيَّةُ:1- الآرَامِيَّةُ النَّبَطِيَّةُ.2- آرَامِيَّةُ وَثَائِقِ قُمْرَانَ.3- آرَامِيَّةُ الْمُرَبَّعَاتِ.4- آرَامِيَّةُ الْعَهْدِ الْجَدِيدِ.5- آرَامِيَّةُ الْمُؤَرِّخِ الْيَهُودِيِّ يُوسِيفُوسْ فْلَافْيُوسْ.6- آرَامِيَّةُ كُتُبِ رَبَّاي الْمُبْتَكَرَةِ.
ب – الآرَامِيَّةُ الْمُتَأَخِّرَةُ، وَيَتَفَرَّعُ عَنْهَا:
غَرْبِيَّةٌ: (السُّرْيَانِيَّةُ الرُّهَاوِيَّةُ)، وَاللُّغَةُ الْمَسِيحِيَّةُ الْفِلَسْطِينِيَّةُ، وَاللُّغَةُ الْمَسِيحِيَّةُ السُّورِيَّةُ، وَلُغَةُ السَّامِرَةِ (لُغَةُ التَّرْجُومِ الْفِلَسْطِينِيِّ).
شَرْقِيَّةٌ: وَهِيَ لُغَةُ بِلَادِ آشُورَ، وَتَنْقَسِمُ إِلَى قِسْمَيْنِ:
آ – السُّرْيَانِيَّةُ الْيَعْقُوبِيَّةُ – لِكَنِيسَةِ السُّرْيَانِ الأُرْثُوذُكْسِ الإِنْطَاكِيَّةِ.
ب – السُّرْيَانِيَّةُ النَّسْطُورِيَّةُ.
وَيَتَفَرَّعُ عَنِ السُّرْيَانِيَّةِ الشَّرْقِيَّةِ:1- لُغَةُ التَّلْمُوذِ الْبَابِلِيِّ.2- اللُّغَةُ الْمَنْدَائِيَّةُ (الصَّابِئِيَّةُ).
اللُّغَةُ الآرَامِيَّةُ الْمُتَأَخِّرَةُ:تَتَوَاجَدُ فِي بَلَدَاتِ مَعْلُولَا وَجَعْبَدِينِ وَبَقْعَا.
وَمِنَ الآرَامِيَّةِ الْحَدِيثَةِ:آرَامِيَّةُ بِلَادِ آشُورَ (نِينَوَى وَالْمَوْصِلِ)،وَآرَامِيَّةُ طُورْ عَبْدِينِ، وَآرَامِيَّةُ كُرْدِسْتَانَ، وَآرَامِيَّةُ أَذْرَبِيجَانَ.
وَمِنْ أَجْلِ هَذَا نَأْتِي وَنُعِيدُ:
آ – الحَقِيقَةُ أَنَّ اللُّغَةَ الَّتِي نَكْتُبُ وَنَقْرَأُ بِهَا اليوم هِيَ آرَامِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِسُرْيَانِيَّةٍ أَوْ آشُورِيَّةٍ.
لِأَنَّ السُّرْيَانِيَّةَ تَعْنِي حَقِيقَةً آشُورِيَّةً، بِحَسَبِ الرِّوَايَةِ الَّتِي تَقُولُ: إِنَّ الإِغْرِيقَ هُمْ مَنْ أَطْلَقُوا عَلَيْنَا اسْمَ السُّرْيَانِ (أَشُورِيِّينَ).وَعَلَيْنَا أَنْ نُمَيِّزَ بَيْنَ مَفْهُومَيِ (الاِسْمِ وَالتَّسْمِيَةِ).
فَالاِسْمُ الحَقِيقِيُّ لِلشَّعْبِ هُوَ ذَاكَ الْمُتَأَتِّي مِنْ مَبْدَإِ وُجُودِهِ وَصَيْرُورَتِهِ التَّارِيخِيَّةِ وَالْجُغْرَافِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ،
وَمَا بَيْنَ التَّسْمِيَةِ الَّتِي يُطْلِقُهَا الْغُرَبَاءُ عَلَى هَذَا الشَّعْبِ أَوْ ذَاكَ، خُصُوصًا تِلْكَ الَّتِي لَا تَكُونُ مُطَابِقَةً لِحَقِيقَةِ اسْمِهِ وَلُغَتِهِ.
فَمَا أَطْلَقَهُ الإِغْرِيقُ مِنْ تَسْمِيَةِ سُرْيَانَ عَلَى جِنْسٍ هُوَ آرَامِيٌّ وَأَشُورِيٌّ.
وَلَكِنَّ الْمُعْضِلَةَ تَكْمُنُ فِي عَدَمِ قَبُولِ الآشُورِيِّ لِلُّغَةِ الَّتِي دَخَلَتْ عَلَى حَيَاتِهِ مُنْذُ سِتِّمِائَةِ عَامٍ قَبْلَ الْمِيلَادِ، وَهِيَ اللُّغَةُ الآرَامِيَّةُ، فَهُوَ لَا يَقْبَلُ إِلَّا أَنْ يُسَمِّيهَا بِالآشُورِيَّةِ.
عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ اللُّغَةَ الَّتِي يَكْتُبُ وَيَقْرَأُ بِهَا الآشُورِيُّونَ وَالْكَلْدَانِيُّونَ فِي نِينَوَى وَمَا جَاوَرَهَا مِنْ أَرْضِ آشُورَ هِيَ آرَامِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّهَا لُغَةٌ آشُورِيَّةٌ – وَيَعْنُونَ بِهَا مَا عُرِفَ تَارِيخِيًّا، وَالَّتِي كَانَتْ إِحْدَى لَهَجَاتِ اللُّغَةِ الأَكَادِيَّةِ.
وَنُؤَكِّدُ هُنَا أَنَّ اللُّغَةَ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهَا بِالأَشُورِيَّةِ قَبْلَ الْمِيلَادِ كَانَتِ اللُّغَةَ الأَكَادِيَّةَ الشِّمَالِيَّةَ، كَمَا بَابِلُ فِي الْجَنُوبِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ فِي أَبْجَدِيَّتِهَا عَنِ اللُّغَةِ الآرَامِيَّةِ السُّرْيَانِيَّةِ فِيمَا بَعْدُ، وَالَّتِي لَهَا أَبْجَدِيَّةٌ خَاصَّةٌ بِهَا، وَتُكْتَبُ مِنَ الْيَمِينِ إِلَى الشِّمَالِ، بَيْنَمَا الأَكَادِيَّةُ لَا أَبْجَدِيَّةَ مُحَدَّدَةٌ لَهَا بِعَدَدِ حُرُوفٍ، بَلْ نِظَامٌ مِسْمَارِيٌّ يَتَكَوَّنُ مِنْ نَحْوِ (٣٠٠ – ٦٠٠) رَمْزٍ، يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَقْطَعِيَّةِ وَاللُّوغُوغْرَافِيَّةِ، وَتُكْتَبُ مِنَ الْيَسَارِ إِلَى الْيَمِينِ بِخَطٍّ مِسْمَارِيٍّ.
وَلَا نُرِيدُ أَنْ نَدْخُلَ فِي مَوْضُوعِ اللُّغَةِ الَّتِي نُسَمِّيهَا بِالسُّورِثْ، وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَقِرَّ عَلَى أَمْرٍ عِلْمِيٍّ يَتَمَثَّلُ فِي أَنْ نُعِيدَ تَرْتِيبَ حَقَائِقِنَا اللُّغَوِيَّةِ بِتَارِيخِيَّتِهَا وَمَا أَتَاهَا عَبْرَ مَسِيرَتِنَا، فَنَقُولُ:
إِنَّ اللُّغَةَ الَّتِي نَقْرَأُ بِهَا وَنَكْتُبُ بِهَا الْيَوْمَ هِيَ لُغَةٌ آرَامِيَّةٌ، وَلَيْسَتْ بِسُرْيَانِيَّةٍ وَلَا بِآشُورِيَّةٍ وَلَا بِكَلْدَانِيَّةٍ وَلَا بِأَكَادِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَتِ الآرَامِيَّةُ أَحْدَثَ بِكَثِيرٍ مِنَ اللُّغَةِ الأَكَادِيَّةِ، فَهِيَ نَتِيجَةُ تَفَاعُلٍ وَتَثَاقُفٍ لُغَوِيٍّ حَضَارِيٍّ مَعَ الآرَامِيِّينَ وَالْفِينِيقِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ الْكَبِيرِ (الأَبْيَضِ الْمُتَوَسِّطِ).
وَجَاءَتِ الآرَامِيَّةُ نَتِيجَةَ تَطَوُّرِ اللُّغَةِ الْفِينِيقِيَّةِ وَالْكَنْعَانِيَّةِ وَحَتَّى مُؤَثِّرَاتِ اللُّغَةِ السِّينَائِيَّةِ ومِنَ اللُّغَةِ الأَكَادِيَّةِ، وَلِهَذَا كَانَتْ أَكْثَرَ لِينًا وَتَطَوُّرًا مِنَ اللُّغَاتِ الَّتِي سَبَقَتْهَا.
وَفِي هَذَا السِّيَاقِ نُكَرِّرُ أَنَّ اللُّغَةَ الَّتِي نُسَمِّيهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ هِيَ اللُّغَةُ الآرَامِيَّةُ، وَإِنْ كُنْتُ أَمِيلُ إِلَى التَّأْكِيدِ أَنَّهَا لَهْجَةٌ آرَامِيَّةٌ أُورْفَلِيَّةٌ أو الرهاوية، وَلَكِنَّ أَبْجَدِيَّةَ تِلْكَ اللَّهْجَةِ كَانَتْ نَفْسَ الأَبْجَدِيَّةِ الآرَامِيَّةِ بِالذَّاتِ.
وَلِهَذَا أَقُولُ: اللُّغَةُ السُّرْيَانِيَّةُ أَبْجَدِيَّةٌ آرَامِيَّةٌ مِائَةَ فِي الْمِائَةِ، لِأَنَّ الأَحْرُفَ الأَبْجَدِيَّةَ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا الْخُطُوطُ فَقَدْ تَطَوَّرَتْ فِي كُلِّ اللُّغَاتِ وَاللَّهَجَاتِ.
وَ مَنْ يُثْبِتُ لِي أَنَّ الْحُرُوفَ الأَبْجَدِيَّةَ فِي اللَّهْجَةِ الرُّهَاوِيَّةِ لَيْسَتْ كَمَا فِي أَبْجَدِيَّةِ اللُّغَةِ الآرَامِيَّةِ فليقدم برهانه؟
وَكَمَا أَقُولُ لِلْإِخْوَةِ الَّذِينَ يَتَعَصَّبُونَ فِي رَأْيِهِمْ غَيْرِ الْعِلْمِيِّ وَالْمَوْضُوعِيِّ، مِنْ أَنَّ اللُّغَةَ الَّتِي يَتَكَلَّمُ بِهَا الآشُورِيُّ وَالْكَلْدَانِيُّ الْمُنْحَدِرَانِ مِنْ شِمَالِ الْعِرَاقِ هِيَ لُغَةٌ آشُورِيَّةٌ، وَيَنْفُونَ أَنَّهَا لُغَةٌ آرَامِيَّةٌ (سُرْيَانِيَّةٌ) بِلَفْظٍ آشُورِيٍّ، كَلْدَانِيٍّ.
فَالأَبْجَدِيَّةُ هِيَ أَبْجَدِيَّةٌ آرَامِيَّةٌ (سُرْيَانِيَّةٌ)، وَمَاذَا يُضِيرُ ثَوَابِتَنَا الْقَوْمِيَّةَ إِنْ أَقْرَرْنَا بِوَاقِعٍ وَحَقَائِقَ حَدَثَتْ؟ وَهِيَ حَقِيقَةٌ وَاضِحَةٌ وَجَلِيَّةٌ.
وَالسُّؤَالُ: مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَنْفِيَ سُقُوطَ عَاصِمَةِ إِمْبِرَاطُورِيَّتِنَا الأَشُورِيَّةِ نِينَوَى عَامَ (٦١٢ قَبْلَ الْمِيلَادِ)؟
أَرَى أَنْ نَعُودَ وَنَقْرَأَ الْوَاقِعَ اللُّغَوِيَّ قِرَاءَةً تَتَنَاسَبُ مَعَ تَطَوُّرِنَا وَثَقَافَتِنَا الْحَاضِرَةِ، وَأَنْ لَا نَتَعَصَّبَ لِمَوَاضِيعَ لَا تُثْبِتُ صِحَّتَهَا، وَنَعْتَمِدَ عَلَى كِتَابَاتٍ خَلَّفَهَا لَنَا أَجْدَادُنَا الَّذِينَ لَمْ يَكُنْ لَدَيْهِمْ وَعْيٌ كَافٍ لِمَا سَتَئُولُ إِلَيْهِ أُمُورُنَا.
وَنُعِيدُ الْقَوْلَ:
إِنَّ الْفَضِيلَةَ تَقْتَضِي أَنْ نُصَوِّبَ خَطَأً تَارِيخِيًّا خَيْرًا مِنَ الْبَقَاءِ عَلَيْهِ.
وَمَعَ الْعِلْمِ نُقِرُّ بِمَا فِي هَذَا الأَمْرِ مِنْ صُعُوبَةٍ تُفَاوِقُ صُعُوبَةَ بِنَاءِ مَدِينَةٍ فِي الْهَوَاءِ،وَنُنَبِّهُ إِلَى أَنَّنَا سَنَبْقَى نَتَوَهَّمُ بِحَقَائِقَ لَيْسَتْ هِيَ الصَّحِيحَةَ وَلَا تَحْمِلُ النَّتَائِجَ الْعِلْمِيَّةَ لِأَبْحَاثٍ لُغَوِيَّةٍ،وَلَهَا مُفَاعِلَاتٌ سَلْبِيَّةٌ وَمُنَاكَفَاتٌ فِكْرِيَّةٌ سَتُؤَدِّي إِلَى مَزِيدٍ مِنَ الاِنْشِقَاقَاتِ.أَجَلْ، وَبَلَى، وَنَعَمْ.
نَعْلَمُ عِلْمَ الْيَقِينِ، مِنْ دُونِ أَدْنَى شَكٍّ، بِأَنَّهُ أَمَامَنَا أَكْثَرُ مِنْ أَلْفَيْ عَامٍ، حَيْثُ كَانَ قَدِ اسْتَقَرَّ الِاسْمُ السُّرْيَانِيُّ، سَوَاءٌ أَكَانَ عَلَى اللُّغَةِ أَوِ الشُّعُوبِ فِي الْمِنْطَقَةِ:
(اللُّغَةُ السُّرْيَانِيَّةُ، الشَّعْبُ السُّرْيَانِيُّ، وَهُوَ فِي حَقِيقَتِهِ آرَامِيٌّ وَفِينِيقِيٌّ وَمَارُونِيٌّ فِي سُورِيَّةَ وَلُبْنَانَ، وَآشُورِيٌّ كَلْدَانِيٌّ فِي الْعِرَاقِ الْحَالِيِّ).
نَحْنُ نَعْلَمُ بِأَنَّ أَهْلَنَا الَّذِينَ يَنْحَدِرُونَ مِنْ بِلَادِ آشُورَ وَأَرْضِ نِينَوَى التَّارِيخِيَّةِ لَا يَقْبَلُونَ، بَلْ يَرْفُضُونَ، أَنْ نُسَمِّيَ لُغَتَنَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَهَذَا الْكَلَامُ مَرْفُوضٌ جُمْلَةً وَتَفْصِيلًا عِنْدَهُمْ.
مِنْ هُنَا تَأْتِي أَهَمِّيَّةُ الْمَنْهَجِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ وَالْمَشَارِيعِ الْبَحْثِيَّةِ الْعِلْمِيَّةِ لِتَرْسِيخِ قَنَاعَاتٍ وَاقِعِيَّةٍ وَعِلْمِيَّةٍ، مِنْ خِلَالِ الصَّيْرُورَةِ التَّارِيخِيَّةِ لِانْتِشَارِ وَتَبَنِّي الآرَامِيَّةِ بَيْنَ أَهْلِنَا فِي آشُورَ مُنْذُ سِتِّمِائَةِ عَامٍ قَبْلَ الْمِيلَادِ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِعَاقِلٍ أَنْ يَرْفُضَهَا، كَوْنُهَا حَقَائِقَ حَدَثَتْ.
إِنَّمَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُقِرَّ، فِي سِيَاقِ الْعِلْمِيَّةِ وَالتَّارِيخِيَّةِ، بِأَنَّهُ لَا ضَيْرَ مِنْ قَوْلِنَا إِنَّ اللُّغَةَ الآرَامِيَّةَ هِيَ لُغَةُ شَعْبِنَا الْمُنْحَدِرِ مِنْ آشُورَ وَنِينَوَى وَسُورِيَّةَ الدَّاخِلِيَّةِ، وَأَنَّ اللُّغَةَ السُّرْيَانِيَّةَ (الآشُورِيَّةَ) هِيَ لُغَةُ قَوْم موزع مابين : (آرَامِيٍّ فِي الْغَرْبِ، وَآشُورِيٍّ وَكَلْدَانِيٍّ فِي الشَّرْقِ).
وَنَحْنُ عَلَى قَنَاعَةٍ بِأَنَّ هُنَاكَ الْعَدِيدَ مِمَّنْ لَا وَلَنْ يَقْبَلَ بِهَذَا الرَّأْيِ، بَلْ سَيَبْقَى مُتَمَسِّكًا بِرَأْيِهِ الْمُؤَلَّهِ وَالْمُقَدَّسِ، عَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ أَغْلَبَ أَمْثَالِ هَؤُلَاءِ لَيْسُوا بِأَكْثَرَ مِنْ مُسْتَهْتِرِينَ؛ فَهُمْ فِي الْحَقِيقَةِ مَعُوقَاتٌ أَمَامَ وَحْدَةِ شَعْبِنَا أَيْنَمَا وُجِدُوا، سَوَاءٌ أَكَانُوا مِمَّنْ يُسَمُّونَ أَنْفُسَهُمْ آرَامِيِّينَ (سُرْيَانًا)، أَوْ آشُورِيِّينَ، أَوْ كَلْدَانًا.
هَذَا هُوَ رَأْيُنَا الَّذِي نَتَبَنَّاهُ بِالْمُطْلَقِ، مَعَ تَأْكِيدِنَا أَنَّ هَذَا الْمَلَفَّ – وَأَعْنِي مَلَفَّ اللُّغَةِ وَتَسْمِيَتِهَا – لَيْسَ مُكْتَمِلًا، وَلَا أَفْرِضُ رَأْيًا عَلَى أَحَدٍ.
وَأُكَرِّرُ: نَحْنُ بِحَاجَةٍ إِلَى نَتَائِجَ بَحْثِيَّةٍ أَوْسَعَ، وَأَكْثَرَ قُرْبًا مِنَ الْحَقِيقَةِ التَّارِيخِيَّةِ.
وَأُرِيدُ أَنْ تُمَثِّلَ تِلْكَ الأَبْحَاثُ طُيُوفَنَا كَافَّةً، أَعْنِي الْمُثَقَّفَ الآشُورِيَّ، وَالْمُثَقَّفَ الآرَامِيَّ السُّرْيَانِيَّ الْمَارُونِيَّ، وَالْمُثَقَّفَ الْكَلْدَانِيَّ.
وَإِنَّ هَذِهِ الإِشْكَالِيَّةَ تَسْتَلْزِمُ الدَّعْوَةَ إِلَى عَقْدِ مُؤْتَمَرٍ عَامٍّ وَشَامِلٍ، كُنَّا قَدْ كَتَبْنَا فِي هَذَا الصَّدَدِ مِنْ قَبْلُ، وَهَاكُمْ مَا كَتَبْنَاهُ وَطَالَبْنَا بِهِ:
الدَّعْوَةُ إِلَى مُؤْتَمَرٍ لِحَلِّ إِشْكَالِيَّةِ التَّسْمِيَةِ الْوَاحِدَةِ، وَاللُّغَةِ الْوَاحِدَةِ، وَالْعَلَمِ الْوَاحِدِ، وَالْخِطَابِ السِّيَاسِيِّ الْوَاحِدِ.
رَأْيٌ حُرٌّ غَيْرُ مُلْزِمٍ، مُوَجَّهٌ إِلَى الْحَرِيصِينَ وَالْمَعْنِيِّينَ مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا، عَلَى مُخْتَلَفِ تَسْمِيَاتِهِمُ الْمِنْطَقِيَّةِ وَاللَّهْجِيَّةِ وَالطَّائِفِيَّةِ وَالْقَبَلِيَّةِ.
إِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُنْقِذَ مَا بَقِيَ لَنَا مِنْ وُجُودٍ عَلَى أَرْضِ أَوْطَانِنَا، وَنُحْيِيَ عَظَمَةَ تَارِيخِنَا وَحَضَارَتِنَا الَّتِي كَانَتْ قَبْلَ آلَافِ السِّنِينَ، وَأَعْنِي إِمْبِرَاطُورِيَّتَنَا وَحَضَارَتَنَا الآشُورِيَّةَ وَمَجْدَ مَمَالِكِنَا الآرَامِيَّةَ، وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُوَقِّفَ الزَّمَنَ لِيَسْمَعَ لَنَا وَلِقَضِيَّتِنَا الْعَادِلَةِ وَحُقُوقِنَا الْمَشْرُوعَةِ عَلَى تُرَابِ أَجْدَادِنَا،
فَلَا يَتِمُّ ذَلِكَ لَا بِالدُّعَاءِ إِلَى اللهِ، وَلَا بِكَثْرَةِ الْقِدِّيسِينَ، وَلَا بِجُهُودِ أَحْزَابٍ مَضَى عَلَى نِضَالَاتِهَا أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ عَامًا وَلَمْ تَفْعَلْ شَيْئًا.
فَلْنَتَوَحَّدْ أَمَامَ رُؤْيَةٍ وَاحِدَةٍ تَقُومُ عَلَى الأُسُسِ التَّالِيَةِ:
1- يَتِمُّ الإِعْلَانُ عَنْ مُؤْتَمَرٍ شَامِلٍ وَجَامِعٍ وَمَانِعٍ، عُنْوَانُهُ:
(كَيْفَ نَحُلُّ إِشْكَالِيَّةَ التَّسْمِيَةِ وَاللُّغَةِ وَالْعَلَمِ الْوَاحِدِ وَالْخِطَابِ السِّيَاسِيِّ الْوَاحِدِ لنتمكن من الدفاع عن قضيتنا القومية والوجودية؟)
وَالْبِدَايَةُ – فِي رَأْيِي – أَنْ تَتَشَكَّلَ لَجْنَةٌ مِنْ مَجْمُوعَةِ مُثَقَّفِينَ مُهْتَمِّينَ مِنْ أَبْنَاءِ شَعْبِنَا، نُسَمِّيهَا لَجْنَةَ الْمُؤْتَمَرِ، تَتَبَنَّى مَشْرُوعَ إِقَامَةِ مُؤْتَمَرٍ عَالَمِيٍّ، بِإِشْرَاكِ عُلَمَاءِ لُغَةٍ عَالَمِيِّينَ مِمَّنْ لَهُمْ اهْتِمَامَاتٌ لُغَوِيَّةٌ وَتَارِيخِيَّةٌ.
وَبَعْدَ أَنْ تَسْتَقِرَّ اللَّجْنَةُ عَلَى مَجْمُوعَةِ مَحَاوِرَ، تَقُومُ بِالإِعْلَانِ عَنِ الْمُؤْتَمَرِ، وَذَلِكَ بِتَوْجِيهِ دَعْوَةٍ إِلَى صَفْوَةِ الْمُثَقَّفِينَ وَالْبَاحِثِينَ وَالتَّارِيخِيِّينَ وَالإِعْلَامِيِّينَ وَالْمُفَكِّرِينَ وَالْفَنَّانِينَ التَّشْكِيلِيِّينَ وَالسِّيَاسِيِّينَ، وَحَتَّى خِيَرَةِ رِجَالِ كَنَائِسِنَا، وَإِلَى الشَّخْصِيَّاتِ الْمُسْتَقِلَّةِ الْمُثَقَّفَةِ أَصْلًا مِنْ أَبْنَاءِ مُكَوِّنَاتِنَا الْعِرْقِيَّةِ وَالطَّائِفِيَّةِ.
2- إِخْطَارُهُمْ بِأَنَّ مَنْ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ مُشَارِكًا وَمُحَاضِرًا فِي هَذَا الْمُؤْتَمَرِ، عَلَيْهِ أَنْ يُسَجِّلَ اسْمَهُ لَدَى لَجْنَةٍ نُسَمِّيهَا لَجْنَةَ الْمُؤْتَمَرِ، بَعْدَ أَنْ تَكُونَ اللَّجْنَةُ قَدْ كَتَبَتْ وَنَشَرَتِ التَّعْلِيمَاتِ التَّالِيَةَ:
آ- كُلُّ مَنْ يُرِيدُ حُضُورَ الْمُؤْتَمَرِ كَـ مُشَارِكٍ فَعَّالٍ (مُحَاضِرٍ)، عَلَيْهِ أَنْ يُقَدِّمَ بَحْثًا عِلْمِيًّا، وَبِمَنْهَجِيَّةٍ بَحْثِيَّةٍ تَقُومُ عَلَى الْمَنَاهِجِ التَّالِيَةِ:(الْمَنْهَجِ التَّارِيخِيِّ، الْمَنْهَجِ الْوَصْفِيِّ، الْمَنْهَجِ التَّحْلِيلِيِّ، وَالْمَنْهَجِ الْمُقَارَنِ) لِمُعَالَجَةِ الإِشْكَالِيَّةِ الَّتِي دَعَا إِلَيْهَا الْمُؤْتَمَرُ.
نُكَرِّرُهَا هُنَا لِئَلَّا يَقُولَ أَحَدٌ: "إِنَّنِي لَمْ أَفْهَمْ قَصْدَكُمْ".
كَيْفَ نَتَوَصَّلُ إِلَى تَسْمِيَةٍ جَامِعَةٍ مَانِعَةٍ يَعْتَمِدُهَا شَعْبُنَا أَمَامَ الْمَحَافِلِ الدُّوَلِيَّةِ؟ وَكَذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلُّغَةِ، وَكَذَلِكَ لِلْعَلَمِ الْوَاحِدِ الَّذِي يُمَثِّلُنَا؟!!
ب- مُدَّةُ تَحْضِيرِ وَتَقْدِيمِ الأَبْحَاثِ مِنْ قِبَلِ الْبَاحِثِينَ تُحَدَّدُ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ، تُقَدَّمُ إِلَى لَجْنَةِ الْمُؤْتَمَرِ، الَّتِي أَرَاهَا تَتَشَكَّلُ مِنْ أَطْيَافِنَا جَمِيعًا وَبِالتَّسَاوِي، وَيُعْتَمَدُ كُلُّ بَحْثٍ مُقَدَّمٍ دُونَ اسْتِثْنَاءٍ أَوْ إِقْصَاءٍ لِأَحَدٍ، مَا دَامَ هَذَا الْبَاحِثُ قَدْ سَجَّلَ اسْمَهُ لَدَى اللَّجْنَةِ الْمُعْتَمَدَةِ وَيُمَثِّلُ أَحَدَ أَطْيَافِنَا، حَتَّى لَوْ كَانَ مِمَّنْ يَتَحَدَّثُ الْعَرَبِيَّةَ أَوِ التُّرْكِيَّةَ أَوِ الْفَارِسِيَّةَ أَوِ الْكُرْدِيَّةَ أَوِ الْإِنْكِلِيزِيَّةَ أَوِ الْفَرَنْسِيَّةَ أَوِ الْأَلْمَانِيَّةَ وَغَيْرِهَا.
ت- يُحَدَّدُ مَكَانُ الْمُؤْتَمَرِ وَمُدَّتُهُ حَسَبَ أَعْدَادِ الْمُحَاضِرِينَ، عَلَى أَلَّا يَزِيدَ عَدَدُ الْأَبْحَاثِ الْمُقَدَّمَةِ يَوْمِيًّا عَلَى أَرْبَعِ مُحَاضَرَاتٍ (صَبَاحِيَّةً وَمَسَائِيَّةً)، يَتْلُوهَا مُنَاقَشَةٌ مُسَجَّلَةٌ بِالصَّوْتِ وَالصُّورَةِ وَبِأَكْثَرَ مِنْ مُحْضِرٍ (كَاتِبِ جَلْسَاتٍ)، وَتَتَخَلَّلُهَا فَتَرَاتُ اسْتِرَاحَةٍ. وَتُزَوَّدُ قَاعَةُ الْمُؤْتَمَرِ بِالْأَجْهِزَةِ الْبَصَرِيَّةِ وَوَسَائِلِ التَّرْجَمَةِ.
ث- تَشْكِيلُ لَجْنَةِ تَقْيِيمٍ لِلْأَبْحَاثِ الْمُقَدَّمَةِ.
تَتَكَوَّنُ هَذِهِ اللَّجْنَةُ مِنْ أَسَاتِذَةٍ وَأَئِمَّةِ اللُّغَةِ وَالتَّارِيخِ وَعِلْمِ النَّفْسِ وَالتَّرْبِيَةِ وَالْقَانُونِ وَالسِّيَاسَةِ وَالدِّبْلُومَاسِيَّةِ.
(لَجْنَةٌ مُسْتَقِلَّةٌ تَعْمَلُ بِسِرِّيَّةٍ كَامِلَةٍ عَلَى مُتَابَعَةِ الأَبْحَاثِ أَثْنَاءَ الإِلْقَاءِ وَالْمُنَاقَشَاتِ، وَتَخْتَارُ بَحْثًا مِنَ الأَبْحَاثِ الأَرْبَعَةِ الْمُقَدَّمَةِ يَوْمِيًّا، لِيُوضَعَ كَبَحْثٍ فِي مُسَابَقَةٍ تَصْفَوِيَّةٍ لِكَامِلِ الأَبْحَاثِ الَّتِي سَتُقَدَّمُ فِي الْمُؤْتَمَرِ).
ج- شَرْطٌ غَيْرُ قَابِلٍ لِلنِّقَاشِ، يَقُولُ:
إِنَّ حُضُورَ هَذَا الْمُؤْتَمَرِ الْمُزْمَعِ عَقْدُهُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَعْدَادُ الْحُضُورِ بِالتَّسَاوِي بَيْنَ جَمِيعِ التَّسْمِيَاتِ التَّالِيَةِ، لِأَنَّهَا تُمَثِّلُ أَبْنَاءَ شَعْبِنَا:(1- الآشُورِيُّونَ، 2- الْكَلْدَانِيُّونَ، 3- السُّرْيَانِيُّونَ، الآرَامِيُّونَ، 5- الْمَوَارِنَةُ).
(مَعَ تَأْكِيدِي بِأَنَّ السُّرْيَانِيَّةَ هِيَ امْتِدَادٌ لِلْآرَامِيَّةِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا مِنْ خِلَالِ الشَّكْلِ اللَّفْظِيِّ لِلْكَلِمَتَيْنِ...).
مَعَ حُضُورِ نُخْبَةٍ مِنْ كُلِّ الطَّوَائِفِ الْكَنَسِيَّةِ (تَكُونُ قَدْ سَجَّلَتِ اسْمَهَا سَابِقًا).ومختصين أجانب.
شَرْطٌ أَسَاسِيٌّ: حُضُورُ كُلِّ هَؤُلَاءِ لِإِقْرَارِ نَجَاحِ الْمُؤْتَمَرِ، فَوُجُودُ كُلِّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحُضُورَ وَالْمُشَارَكَةَ أَمْرٌ هَامٌّ.
عَلَى أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ خَمْسِ شَخْصِيَّاتٍ مِنْ كُلِّ التَّسْمِيَاتِ السَّابِقَةِ كَـ مُرَاقِبِينَ أَيْضًا فِي الْمُؤْتَمَرِ، يَنْحَصِرُ عَمَلُهُمْ فِي التَّنْبِيهِ لِأَيِّ خَطَأٍ قَدْ يَحْدُثُ سَهْوًا مِنْ قِبَلِ اللِّجَانِ الْمَعْنِيَّةِ بِالْمُؤْتَمَرِ أَثْنَاءَ مُنَاقَشَاتِهَا.
ح- بَعْدَ الِانْتِهَاءِ مِنَ الْجَلَسَاتِ النِّهَائِيَّةِ لِمُنَاقَشَةِ الأَبْحَاثِ، تَتِمُّ عَمَلِيَّةُ قِرَاءَةٍ لِلأَبْحَاثِ الْمُسْتَبْعَدَةِ وَتَحْدِيدِ الأَسْبَابِ (التَّعْلِيلُ الْمَنْطِقِيُّ وَالْعِلْمِيُّ)، وَيُمْكِنُ هُنَا تَقْدِيمُ اعْتِرَاضَاتٍ جَدِيدَةٍ، قَدْ يُؤْخَذُ بِهَا أَوْ لَا تَأْخُذُ بِهَا اللَّجْنَةُ الْمُقَيِّمَةُ لِلْمُؤْتَمَرِ وَالأَبْحَاثِ.
كَمَا وَتَتِمُّ تَسْمِيَةُ الأَبْحَاثِ الَّتِي أَجْمَعَتْ عَلَيْهَا لَجْنَةُ الِاخْتِيَارِ، فَيَتِمُّ قِرَاءَةُ عَنَاوِينِ الأَبْحَاثِ وَأَسْمَاءِ الْبَاحِثِينَ، وَتَعْلِيلُ أَسْبَابِ قَبُولِهَا فِي سِيَاقِ الْمُسَابَقَةِ النِّهَائِيَّةِ.
خ- عِنْدَ اكْتِمَالِ قِرَاءَةِ الأَبْحَاثِ الْمُسْتَبْعَدَةِ وَالأَسْبَابِ، تَتِمُّ عَمَلِيَّةُ تَحْضِيرِ الْعَنَاوِينِ لِلأَبْحَاثِ الَّتِي تَمَّ اخْتِيَارُهَا لِتَكُونَ عَنَاصِرَ دِرَاسَةٍ مُعَمَّقَةٍ مِنْ قِبَلِ الْمُجْتَمِعِينَ كَافَّةً، بِمُشَارَكَةٍ لِكُلِّ مَنْ يُرِيدُ الْمُشَارَكَةَ (ثَلَاثُ دَقَائِقَ فَقَطْ لِكُلِّ مُتَدَاخِلٍ).
وَبَعْدَهَا تَتِمُّ تَصْفِيَاتٌ حَتَّى يَبْقَى ثَلَاثَةُ أَبْحَاثٍ نِهَائِيَّةٍ، وَهُنَا يُتِمُّ اخْتِيَارُ أَفْضَلِ الأَبْحَاثِ الَّتِي حَدَّدَتِ التَّسْمِيَةَ بِتَعْلِيلَاتٍ عِلْمِيَّةٍ وَمَوْضُوعِيَّةٍ وَتَارِيخِيَّةٍ، وَكَذَلِكَ اسْمَ اللُّغَةِ وَاخْتِيَارَ الْعَلَمِ الْوَاحِدِ.
د- قَبْلَ الِانْتِهَاءِ مِنَ الْمُؤْتَمَرِ، تَتِمُّ عَمَلِيَّةُ اسْتِرَاحَةٍ لِمُدَّةِ يَوْمٍ كَامِلٍ، وَبَعْدَهُ تَتِمُّ قِرَاءَةُ الإِقْرَارِ النِّهَائِيِّ لِلْمُؤْتَمِرِينَ، عَلَى أَنْ تَكُونَ التَّسْمِيَةُ لِشَعْبِنَا قَدْ أُنْجِزَتْ بِكُلِّ مَوْضُوعِيَّةٍ وَعِلْمِيَّةٍ، غَيْرَ قَابِلَةٍ لِلنِّقَاشِ أَوِ الرَّفْضِ.
اسْمُ الشَّعْبِ: ..........؟!!! اسْمُ اللُّغَةِ: ..........؟!! شَكْلُ وَلَوْنُ الْعَلَمِ الْوَاحِدِ: ..........؟ الاتفاق على تأسيس برلمان في المنفى بالتسمية التي يقرها المؤتمر وعلى أبناء شعبنا وكنائسنا القبول والعمل بتلك التسمية
ذ- اسْتِدْرَاكٌ فِي السِّيَاقِ نَفْسِهِ:
يُمْكِنُ أَنْ يُكَلِّفَ الْمُؤْتَمَرُ مُنْذُ الْيَوْمِ الأَوَّلِ الْكُتَّابَ وَالشُّعَرَاءَ وَالْفَنَّانِينَ التَّشْكِيلِيِّينَ بِكِتَابَةِ أَنَاشِيدَ، يُتِمُّ اخْتِيَارُ أَفْضَلِهَا مِنْ قِبَلِ الْمُؤْتَمَرِ، وَكَذَلِكَ الأَمْرُ بِالنِّسْبَةِ لِـ لُوغُو يُمَثِّلُ أَطْيَافَنَا، وَكَذَلِكَ عَلَمٍ مُوَحَّدٍ لَنَا.
ثُمَّ أَرَى أَنْ يَكُونَ مَا أَقَرَّهُ هَذَا الْمُؤْتَمَرُ مُلْزِمًا لِكُلِّ أَطْيَافِ شَعْبِنَا سِيَاسِيًّا وَاجْتِمَاعِيًّا وَكَنَسِيًّا.
وَعَلَيْهِ نَبْدَأُ فِعْلِيًّا أَعْمَالَ نِضَالِنَا، بِأَنْ يَتَبَنَّى الْمُؤْتَمَرُ عَمَلِيَّةً تَقُومُ عَلَى التَّوَصُّلِ لِقَنَاعَةٍ مُطْلَقَةٍ بِأَنَّ النِّضَالَ الْقَوْمِيَّ يَجِبُ أَنْ تَتِمَّ فِيهِ عَمَلِيَّةُ خَصْخَصَةٍ لِـ أَحْزَابِنَا وَمُنَظَّمَاتِنَا وَهَيْئَاتِنَا وَقَنَوَاتِنَا التِّلْفَزِيُونِيَّةِ وَالْإِذَاعِيَّةِ وَالصَّحَفِيَّةِ، لِـ تَوْحِيدِ خِطَابِهَا.
وَأَنْ يُعْتَمَدَ عَلَى تَشْكِيلِ أَرْبَعَةِ أَحْزَابٍ لَا غَيْرَ، تُمَثِّلُ نِضَالَنَا لِاسْتِرْجَاعِ حُقُوقِنَا الْمُغْتَصَبَةِ، بِمَا فِيهَا حَقُّنَا التَّارِيخِيُّ فِي أَرْضِ أَجْدَادِنَا وَلَوْ عَلَى جُزْءٍ مِنْهَا.
وَأَنْ نَعْتَمِدَ الْوَاقِعِيَّةَ السِّيَاسِيَّةَ وَالْمَوْضُوعِيَّةَ، وَنَبْتَعِدَ عَنْ كُلِّ مَا يُسِيءُ إِلَيْنَا وَإِلَى حَضَارَتِنَا وَإِنْجَازَاتِنَا الْإِنْسَانِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ.
وَالَّذِي نَسْتَنْتِجُهُ وَنَسْتَخْلِصُهُ مِمَّا سَبَقَ هُوَ التَّالِي:
إِنَّ لُغَةَ أَيِّ شَعْبٍ لَيْسَتْ دَلِيلًا وَلَا مُؤَشِّرًا عَلَى عِرْقِهِ أَوِ انْتِمَائِهِ الدَّمَوِيِّ.
وَمِنْ هُنَا، فَإِنَّ لُغَةَ الشَّعْبِ الآشُورِيِّ – الَّذِي تَكَوَّنَ هُوَ الآخَرُ عَبْرَ الزَّمَنِ مِنْ شُعُوبٍ عَدِيدَةٍ – وَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ مِنْ (٦٨٪) مِنْهُ يَنْتَمِي إِلَى أُرُومَةِ آشُورَ، فَإِنَّ لُغَتَهُ الَّتِي كَانَ يَتَحَدَّثُ بِهَا، وَكَانَتِ الأَكَادِيَّةَ، لَمْ تَعُدْ هِيَ لُغَةَ الْقِرَاءَةِ وَالْكِتَابَةِ الْيَوْمَ، بَلْ حَلَّتْ مَحَلَّهَا اللُّغَةُ الآرَامِيَّةُ كما سبق وقلناها ،و الَّتِي كَانَتْ قَدْ سَيْطَرَتْ عَلَى الإِمْبِرَاطُورِيَّتَيْنِ الآشُورِيَّةِ وَالْبَابِلِيَّةِ الأَكَادِيَّةِ الْكَلْدَانِيَّةِ، وَأَصْبَحَتِ اللُّغَةَ الْمَحْكِيَّةَ وَالرَّسْمِيَّةَ لِتِلْكَ الشُّعُوبِ.
وأُسَجِّلُ خِلَالَ هَذَا الْبَحْثِ الْمُقْتَضَبِ أَمْرَيْنِ اثْنَيْنِ، هُمَا:
1- إِنَّ اللُّغَةَ السُّرْيَانِيَّةَ هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ لُغَةٌ آرَامِيَّةٌ، وَإِنْ قَبِلْنَا بِتَسْمِيَتِهَا بِالسُّرْيَانِيَّةِ بِنَاءً عَلَى مَا أَطْلَقَهُ الْإِغْرِيقُ عَلَيْهَا وَعَلَى بَنِي آرَامَ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَقْبَلَ إِضَافَةَ كَلِمَةِ "آشُورِيَّةٍ" إِلَيْهَا، لِأَنَّ كَلِمَةَ سُرْيَانَ تَعْنِي آشُورِيًّا، وَالْعَكْسُ صَحِيحٌ؛ بِمَعْنًى أَنَّهَا لُغَةٌ آرَامِيَّةٌ فِي الْأَصْلِ، تَطَوَّرَتْ تَسْمِيَتُهَا إِلَى السُّرْيَانِيَّةِ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَيْضًا خَصَائِصَ كَلِمَةِ "آشُورِيَّةٍ".
2- وَعَلَيْنَا تَصْوِيبُ الْعَدِيدِ مِنَ الْآرَاءِ الَّتِي كَانَتْ قَدْ طُرِحَتْ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفِ عَامٍ وَمَا تَلَاهَا، وَالَّتِي تَبَيَّنَ خَطَؤُهَا مِنْ خِلَالِ التَّنْقِيبَاتِ الأَثَرِيَّةِ وَالدِّرَاسَاتِ الْعِلْمِيَّةِ الَّتِي تَمَّ طَرْحُهَا مُؤَخَّرًا.
فَإِذَا أَبْقَيْنَا تِلْكَ الآرَاءَ الْقَدِيمَةَ فِي سُلُوكِيَّتِنَا وَتَكْوِينِنَا الْعَقْلِيِّ وَالْمَعْرِفِيِّ وَمُثَاقَفَاتِنَا، فَنَحْنُ نَعِيشُ فِي حَالَةٍ كَارِثِيَّةٍ حَقِيقِيَّةٍ، لِأَنَّ الأَجْيَالَ الْحَالِيَّةَ وَالْقَادِمَةَ سَتَتَبَنَّاهَا، وَسَتَكُونُ أَحَدَ الأَسْبَابِ الإِضَافِيَّةِ فِي عَدَمِ تَحْقِيقِ الْوَحْدَةِ بَيْنَ مُكَوِّنَاتِنَا.
كَمَا وَأَتَبَنَّى رَأْيًا يَقُومُ فِي جَوْهَرِهِ عَلَى الْعِلْمِ وَمُنْتَجَاتِهِ وَمُثَاقَفَاتِهِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمِزَاجِيَّةِ وَالرَّغَبَاتِ الْهَوْجَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ.
لِهَذَا تَقَعُ عَلَيْنَا الْمَسْؤُولِيَّةُ التَّارِيخِيَّةُ وَالأَخْلَاقِيَّةُ إِنْ لَمْ نُعِدْ تَرْتِيبَ مُنْتَجَاتِ أَفْكَارِنَا فِي مِثْلِ هَذِهِ الْقَضَايَا وَغَيْرِهَا، وَنَتَبَنَّى إِعَادَةَ كِتَابَةِ التَّارِيخِ وَمَحْمُولَاتِهِ بِـ أَدَوَاتٍ عِلْمِيَّةٍ وَمَوْضُوعِيَّةٍ، فِي كُلِّ جَوَانِبِهِ الَّتِي تَهُمُّ الْمُجْتَمَعَ الْمَشْرِقِيَّ قَبْلَ غَيْرِهِ، وَتَهُمُّ أَبْنَاءَ شَعْبِنَا الآرَامِيِّ السُّرْيَانِيِّ الآشُورِيِّ الْكَلْدَانِيِّ الْمَارُونِيِّ.
فَإِنَّنَا نَسِيرُ إِلَى مَنْطِقَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي تَوْثِيقِنَا عَلَى مُخْتَلَفِ الصُّعُدِ.
وَأَخُصُّ هُنَا الْحَدِيثَ عَنِ اللُّغَةِ وَالتَّسْمِيَةِ الْجَامِعَةِ، وَعَلَيْنَا أَنْ نَثِقَ – بَعْدَ هَذَا الْجُهْدِ الْمُتَوَاضِعِ – أَنَّنَا نُؤَسِّسُ لِمَرْحَلَةٍ جَدِيدَةٍ نُهَيِّئُ فِيهَا حَقِيقَةَ وُجُودِنَا، الَّذِي أَعْتَبِرُهُ فِي مَرْحَلَةِ مَعْرَكَةٍ مَعَ الْوَاقِعِ الْمَشْرِقِيِّ بِشَكْلٍ عَامٍّ، وَفِي سُورِيَّةَ وَالْعِرَاقِ وَشَرْقِيِّ تُرْكِيَا بِشَكْلٍ خَاصٍّ وإذا استثنينا هجرتنا من لبنان.
عَلَيْنَا أَنْ نَتَخَلَّى عَنِ الْمَنْهَجِيَّةِ الشُّوفِينِيَّةِ وَالتَّعَصُّبِ، وَنَحْذَرَ مِنْ أَنْ نَجْهَلَ الْحَقَائِقَ.
وَأَلَّا نَرْفُضَ الْحِوَارَ الْجَادَّ فِي أَيِّ فِكْرَةٍ، خَاصَّةً تِلْكَ الَّتِي نَعْتَبِرُهَا تَمَسُّ ثَوَابِتَنَا، فَقَدْ تَكُونُ تِلْكَ الثَّوَابِتُ قَدْ بَنَاهَا أَسْلَافُنَا عَلَى غَيْرِ حَقِيقَتِهَا وَوَاقِعِيَّتِهَا.
وَلَا نَظْلِمُهُمْ، فَـ الْوَسَائِلُ الْعِلْمِيَّةُ لَمْ تَكُنْ بِهَذَا الْقَدْرِ، كَمَا أَنَّ ظُرُوفَهُمْ وَمَا عَانَوْهُ مِنْ مَذَابِحَ وَاضْطِهَادَاتٍ كُلُّهَا كَانَتْ عَوَامِلَ ضَاغِطَةً عَلَى كُلِّ مَا طَرَحُوهُ، خَاصَّةً عِنْدَمَا تَشَتَّتُوا وَعَاشُوا مِنْ دُونِ إِرَادَتِهِمُ السِّيَاسِيَّةِ وَكُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِمُنْتَجَاتِ الْحَيَاةِ وَصَيْرُورَتِهِمُ التَّارِيخِيَّةِ.
وَمَا دُمْنَا نَدَّعِي الْبَحْثَ عَنِ الْحَقِيقَةِ، فَعَلَيْنَا أَنْ نَتَبَنَّى مَنَاهِجَ الْحَقِيقَةِ الْعِلْمِيَّةَ، وَلَيْسَ حَتَّى الْمُتَوَاتِرَ مِنْ مُثَاقَفَاتِنَا.عَلَيْنَا أَنْ نَتَخَلَّصَ مِنَ الْمَرْحَلَةِ الَّتِي سَبَقَتْ، وَكَانَتْ أَغْلَبُ مَحَطَّاتِهَا فِي هَذَا الْجَانِبِ غَيْرَ عِلْمِيَّةٍ، لِأَنَّنَا عَلَى ثِقَةٍ بِأَنَّ طَمْسَ الْحَقَائِقِ سَيَأْتِي الْوَقْتُ لِتَنْفَضِحَ كُلُّ أَسْرَارِ الْمَاضِي بِمَحْمُولَاتِهِ، أَمَامَ الاِكْتِشَافَاتِ وَالتَّنْقِيبَاتِ الْقَادِمَةِ.
وَأُودُّ أَنْ أُرَسِّخَ فِيمَا قَبْلَ النِّهَايَةِ هَذِهِ الْمَعْلُومَاتِ، عَسَاهَا تَكُونُ مُقْنِعَةً:
عَلَيْنَا أَنْ نَتَأَكَّدَ مِنْ مَعْلُومَةٍ تَقُولُ:
إِنَّ رَعَايَا الإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الآشُورِيَّةِ لَيْسُوا جَمِيعًا بِآشُورِيِّينَ، بَلْ كَانُوا يَكْتَسِبُونَ آشُورِيَّتَهُمْ مِنْ خِلَالِ الْمُواطَنَةِ.
إِذْ كَانَ هُنَاكَ أَكْثَرُ مِنْ عِشْرِينَ قَوْمِيَّةً دَخَلَتْ فِي بُوتَقَةِ الْمُواطَنَةِ الآشُورِيَّةِ، وَلَكِنَّهَا حَافَظَتْ فِي الْوَقْتِ نَفْسِهِ عَلَى اسْمِ قَوْمِيَّتِهَا، مِثَالٌ:الآرَامِيُّونَ، وَالْكَنْعَانِيُّونَ (الْفِينِيقِيُّونَ)، وَالآرَارْتُو (الأَرْمَنُ)، وَالْحِثِّيُّونَ، وَالْفِلِسْطِينِيُّونَ.
وَمَعَ هَذَا وَجَدْنَا ذَوَبَانَ الْعُنْصُرِ الأَكَادِيِّ (الْبَابِلِيِّ) فِي بُوتَقَةِ الإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الآشُورِيَّةِ، الَّتِي غَلَبَ عَلَيْهَا الْعُنْصُرُ الآرَامِيُّ وَاللُّغَةُ الآرَامِيَّةُ قَبْلَ سُقُوطِهَا.وَكَانَتْ قَوْمِيَّةُ الأُمَّةِ الآشُورِيَّةِ آنَذَاكَ تَقُومُ عَلَى هُوِيَّةِ الدَّوْلَةِ السِّيَاسِيَّةِ وَالإِدَارِيَّةِ.وَمِنْ عَدَالَةِ الإِمْبِرَاطُورِيَّةِ الآشُورِيَّةِ أَنَّهَا كَانَتْ تُعَامِلُ الْكُلَّ ضِمْنَ حُدُودِ الْمُواطَنَةِ.
وَلَكِنَّ الآرَامِيِّينَ كَانُوا قَدْ أَحَاطُوا بِنِينَوَى وَكَالَحْ وَدُورْ شَارُوكِينْ مِنْ كُلِّ أَطْرَافِهَا، كَمَا الأَرَاضِي الْوَاقِعَةِ بَيْنَ دِجْلَةَ وَالزَّابَيْنِ، وَتِلْكَ الأَرْضُ كَانَتْ مُثَلَّثًا آشُورِيًّا.
وَعَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ بِأَنَّ بَعْضَ الْمُلُوكِ الآشُورِيِّينَ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ مِنْ نِسَاءٍ آرَامِيَّاتٍ، مِثْلَ الْمَلِكَةِ الآرَامِيَّةِ الْقَدِيرَةِ نَاقِيَة – زَاكُوتُو، زَوْجَةِ سَنْحَارِيبَ، وَوَالِدَةِ أَسَرْحَدُّونَ، وَجَدَّةِ آشُورْبَانِيبَالَ، وَكُلُّ ذَلِكَ سَاهَمَ فِي أَنْ تَشُقَّ اللُّغَةُ الآرَامِيَّةُ طَرِيقَهَا إِلَى قُصُورِ الْمُلُوكِ الآشُورِيِّينَ.
وَأَخِيرًا وَلَيْسَ آخِرًا، أَتَمَنَّى أَنْ أَكُونَ قَدْ قَدَّمْتُ مَجْمُوعَةً مِنَ الأَفْكَارِ بَنَيْتُهَا عَلَى الأَبْحَاثِ الَّتِي تَعْتَمِدُ الْعِلْمِيَّةَ وَالْمَوْضُوعِيَّةَ وَالتَّارِيخِيَّةَ وَالتَّنْقِيبِيَّةَ، وَلَيْسَتْ تِلْكَ الَّتِي غُرِّرَ بِنَا بِهَا لِعُقُودٍ مِنَ الزَّمَنِ.
كَمَا وَلَا أَدَّعِي بِأَنَّنِي وَقَفْتُ عَلَى كُلِّ الْحَقَائِقِ ، بَلْ هُوَ مَشْرُوعٌ سَيَتَنَامَى إِذَا مَا حَقَّقْنَا الدَّعْوَةَ الَّتِي دَعَوْنَا إِلَيْهَا، وَأَقْصِدُ الدَّعْوَةَ إِلَى عَقْدِ مُؤْتَمَرٍ عَامٍّ وَشَامِلٍ لِكُلِّ الْبَاحِثِينَ وَالْعَارِفِينَ وَالْمُهْتَمِّينَ بِشَأْنِ التَّسْمِيَةِ الْقَوْمِيَّةِ وَاللُّغَةِ الْقَوْمِيَّةِ وَغَيْرِهَا مِن أمور.
وَفِي نِهَايَةِ هَذِهِ الرِّسَالَةِ أَقُولُ: هِيَ مَشْرُوعٌ وَاقْتِرَاحٌ أَتَمَنَّى أَنْ نَعْمَلَ عَلَيْهِ وَنُنَاقِشَهُ، وَلَا نَدَّعِيَ بِأَنَّنَا وَضَعْنَا نَصًّا دِينِيًّا، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ اقْتِرَاحٍ، لَكِنَّنَا نُؤَكِّدُ عَلَى فَعَّالِيَّتِهِ وَأَهَمِّيَّتِهِ وَخُطُورَةِ بَقَائِنَا فِي حَالَةِ تَشَرْذُمٍ، وَعَلَى مَنْ يُرِيدُ مَعْرِفَةَ رَأْيِي فِي مَوْضُوعِ التَّسْمِيَةِ الْقَوْمِيَّةِ واللغة أَقُولُهَا لِلتَّارِيخِ صارخا:
أَنَا الآشُورِيُّ، الْكَلْدَانِيُّ الآرَامِيُّ (السُّرْيَانِيُّ) الْمَارُونِيُّ العَرْبي اللغة والثقافة.
أَنَا الْفَاقِدُ لِحُقُوقِي الْمَشْرُوعَةِ عَلَى أَرْضِ أَجْدَادِي، أَنَا الْمَذْبُوحُ وَالْمُهَجَّرُ وَالْمُضْطَهَدُ وَالْمَقْتُولُ وَالْمُغْتَصَبُ عَبْرَ تَارِيخٍ يَمْتَدُّ مُنْذُ سُقُوطِ بَابِلَ عَامَ ٥٣٩ قَبْلَ الْمِيلَادِ، وَالنَّكْسَةِ الأَخْطَرِ الَّتِي أَسَّسَتْ لِضَيَاعِ وُجُودِنَا السِّيَاسِيِّ بِـ سُقُوطِ نِينَوَى عَاصِمَةِ إِمْبِرَاطُورِيَّتِنَا الأَشُورِيَّةِ الْحَدِيثَةِ عَامَ ٦١٢ قَبْلَ الْمِيلَادِ.
وَبَعْدَ هَذَا، أَلَا نَخْجَلُ وَنَدَّعِي أَنَّنَا مِنْ مَعْشَرِ الْمُثَقَّفِينَ وَالأَكَادِيمِيِّينَ، وَنَصُبُّ الزَّيْتَ عَلَى النَّارِ، وَنَحْنُ بَقِينَا خَيَالَاتٍ عَلَى أَرْضِ أَجْدَادِنَا؟ أَلَا نَخْجَلُ أَنَّنَا نَدَّعِي الْمَعْرِفَةَ وَنَحْنُ نَجْهَلُ قِرَاءَةَ الْوَثَائِقِ بِـ مَنْهَجِيَّةٍ عِلْمِيَّةٍ؟
أَلَا يَكْفِينَا مَا يَحْدُثُ لَنَا؟ وَالسُّؤَالُ الأَهَمُّ: إِلَى مَتَى وَنَحْنُ كَالدُّيُوكِ عَلَى بَعْضِنَا، وَأَمَامَ حُقُوقِنَا الَّتِي يَغْتَصِبُهَا الآخَرُ لَا نُحَرِّكُ سَاكِنًا؟
مَرَّةً ثَانِيَةً: مَنْ يُرِيدُ وَيَحْرِصُ عَلَى أَنْ تَقُومَ لَنَا قِيَامَةٌ، تَعَالَوْا نَتَوَحَّدْ وَلَوْ اخْتَلَفْنَا فِي الْعِرْقِ وَاللُّغَةِ وَالْمَنَاطِقِيَّةِ، أَمَامَ أَهَمِّيَّةِ مَصِيرِنَا وَوُجُودِنَا. وَالتَّارِيخُ لَنْ يَرْحَمَ كُلَّ مَنْ يُسْتَهْتَرُ بِأَهَمِّيَّةِ الْحِفَاظِ عَلَى وُجُودِنَا وَتَوْفِيرِ أُسُسِ يَقَظَتِنَا أَمَامَ تَدْمِيرِ وُجُودِنَا فِي الشَّرْقِ؛ أَمَّا فِي الْمَهَاجِرِ فَنَحْنُ أَيْضًا سَتَبْتَلِعُنَا الْمُجْتَمَعَاتُ الْغَرْبِيَّةُ وَالشَّرْقِيَّةُ، وَأَنْتَ لَا تَزَالُ تَنْفِي الشَّعْبَ الأَشُورِيَّ، وَذَاكَ يُسَمِّي السُّرْيَانِيَّ طَائِفَةً دِينِيَّةً، وَالْكَلْدَانِيُّ وَالْمَارُونِيُّ لَيْسَا بِأَقَلَّ مِمَّنْ سَبَقَهُمَا. وَأَخِيرًا: «مَنْ لَهُ أُذُنَانِ لِلسَّمْعِ فَلْيَسْمَعْ.» فَهَلْ نَسْمَعُ وَلَا نَعْمَلُ؟ إِنَّنَا شَعْبٌ – إِذَنْ – يَسْتَحِقُّ أَنْ يُسَمِّينَا الآخَرُونَ: مُنْقَرِضِينَ.
إِسْحَق قَوْمِي.
أَلْمَانِيَا فِي ٣ / ١١ / ٢٠٢٥م.
((الدِّرَاسَةُ التَّحْلِيلِيَّةُ النَّقْدِيَّةُ وَالْفِكْرِيَّةُ وَالْأَدَبِيَّةُ
عَنْ بَحْثِ: «الرِّسَالَةُ فِي التَّسْمِيَةِ الْقَوْمِيَّةِ وَاللُّغَةِ الْوَاحِدَةِ»
لِلْبَاحِثِ السُّورِيِّ إِسْحَاق قَوْمِيّ
أَوَّلًا: الِاسْتِهْلَالُ وَالْمَدْخَلُ التَّارِيخِيُّ
يَفْتَتِحُ الْبَاحِثُ إِسْحَاق قَوْمِيّ رِسَالَتَهُ كَمَنْ يَفْتَحُ نَافِذَةً عَلَى الْأَلْفِ الثَّالِثِ قَبْلَ الْمِيلَادِ؛ فَيَسْتَحْضِرُ الْأَرَامِيَّ وَالْآشُورِيَّ وَالْكَلْدَانِيَّ وَالسُّرْيَانِيَّ فِي سِياقٍ تَارِيخِيٍّ مُتَصَاعِدٍ، لَا كَسَرْدٍ تَسْجِيلِيٍّ، بَلْ كَـمَشْرُوعٍ هُوِيٍّ يُرِيدُ لِلْمَاضِي أَنْ يَكُونَ حُجَّةً عَلَى الْحَاضِرِ.
إِنَّهُ يُقَدِّمُ نَفْسَهُ فِي الْمُقَدِّمَةِ كَمَنْ يَسْتَفِيقُ عَلَى رُكَاَمِ الْقُرُونِ، وَيَسْأَلُ: «هَلْ نَبْقَى أَبْنَاءَ السُّقُوطِ؟ أَمْ نُعِيدُ اسْتِقَامَةَ الزَّمَنِ؟»
فَهُوَ لَا يَكْتُبُ التَّارِيخَ، بَلْ يَسْتَنْطِقُهُ؛ وَلَا يَتَغَنَّى بِالْهُوِيَّةِ، بَلْ يُحَاسِبُهَا.

الرِّسَالَةُ تَنْبُضُ بِنَفَسٍ أَنْثُرُوبُولُوجِيٍّ–تَارِيخِيٍّ عَمِيقٍ، تَتَتَبَّعُ جِينَالُوجِيَا اللُّغَةِ وَالْأُمَّةِ، وَتَرْسُمُ خَطًّا بَيْنَ الْآشُورِيَّةِ وَالْآرَامِيَّةِ وَالسُّرْيَانِيَّةِ، وَتَرَى فِي كُلٍّ مِنْهَا جَسَدًا لِرُوحٍ وَاحِدَةٍ، وَهِيَ الرُّوحُ الْمَشْرِقِيَّةُ الَّتِي صَنَعَتِ الْحَرْفَ وَالْمَعْبَدَ وَاللَّبِنَةَ الْأُولَى فِي التَّارِيخِ.
ثَانِيًا: فِي الْمَنْهَجِ وَالْمَضْمُونِ
يَتَّبِعُ الْبَاحِثُ مَنْهَجًا تَرْكِيبِيًّا يَمْزِجُ بَيْنَ التَّارِيخِ وَالْفِيلُولُوجِيَا وَالنَّظْرِ الْقَوْمِيِّ.
فَهُوَ لَا يُقَدِّمُ نَتَائِجَ مُجَرَّدَةً، بَلْ يَبْنِي نِقَاشَهُ عَلَى مَرْكَزِيَّةِ اللُّغَةِ كَهُوِيَّةٍ، وَيَرَى أَنَّ الآرَامِيَّةَ هِيَ الأُمُّ الَّتِي انْبَثَقَتْ مِنْهَا السُّرْيَانِيَّةُ وَالْآشُورِيَّةُ عَلَى سَوَاءِ.
وَيَعْتَمِدُ مَقُولَةً أَكْسِيُومَاتِيَّةً مُهِمَّةً:
«إِنَّ لُغَةَ الشَّعْبِ لَا تَدُلُّ عَلَى عِرْقِهِ، بَلْ عَلَى مَسَارِهِ الثَّقَافِيِّ.»
يُقِيمُ حُجَجَهُ عَلَى النَّصِّ الأَرْكِيُولُوجِيِّ وَالتَّحْلِيلِ الْمَقَارَنِ بَيْنَ اللُّغَاتِ السَّامِيَّةِ، وَيُدْخِلُ الْقَارِئَ فِي مَعَامِلِ التَّنْقِيبِ وَحُجُرَاتِ الْمَخْطُوطَاتِ، وَيُقَدِّمُ دَلَائِلَ لُغَوِيَّةً تُثْبِتُ أَنَّ التَّسْمِيَةَ «سُرْيَانِيّ» لَيْسَتْ إِلَّا تَحْرِيفًا إِغْرِيقِيًّا لِـ«آشُورِيّ».
وَهُوَ، فِي هَذَا الْمَنْحَى، يُصَحِّحُ الْمُسْتَقِرَّ وَيُسَائِلُ الْمُقَدَّسَ، وَيُظْهِرُ شَجَاعَةً فِكْرِيَّةً فِي مُوَاجَهَةِ مَنْ تَحَوَّلَ التُّرَاثُ لَدَيْهِمْ إِلَى هُوِيَّةٍ مُغْلَقَةٍ.
ثَالِثًا: النَّقْدُ اللُّغَوِيُّ وَالْأُسْلُوبِيُّ وَالْفِكْرِيُّ
يَكْتُبُ إِسْحَاق قَوْمِيّ بِلُغَةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ سُخُونَةِ الْمُقَاوَمَةِ وَبَرُودَةِ الْمَعْمَلِ الْعِلْمِيِّ.
فَالْجُمْلَةُ عِنْدَهُ نَبْضٌ، وَالْفِكْرَةُ جُرْحٌ يَنْزِفُ بِحِبْرٍ.
لَا يُزَخْرِفُ اللِّسَانَ، بَلْ يُسَخِّرُهُ لِغَايَةِ الإِقْنَاعِ وَالتَّعْرِيَةِ.
مِنْ نَاحِيَةٍ نَقْدِيَّةٍ، يُمْكِنُ مَلْحَظُ أَنَّ النَّصَّ يَحْمِلُ حِدَّةً أَدَبِيَّةً تَتَجَاوَرُ فِيهَا الْبَيَانِيَّةُ مَعَ التَّقْرِيرِيَّةِ، وَهُوَ مَا يُعْطِيهِ نَفَسَ «الْمَقَالَةِ الْمُسْتَفِزَّةِ» الَّتِي تَهْدِمُ لِتَبْنِي.
وَقَدْ يَلْمَسُ الْقَارِئُ فِي بَعْضِ الْمَقَاطِعِ تَغَلُّبَ الْعَاطِفَةِ الْقَوْمِيَّةِ عَلَى التَّقْعِيدِ الْمَنْهَجِيِّ، وَلَكِنَّهُ تَغَلُّبٌ مَفْهُومٌ، لِأَنَّ الْبَاحِثَ كَمَا صَرَّحَ مَجْرُوحٌ حَتَّى الْعَظْمِ، وَمَنْ يَنْزِفُ لَا يَكْتُبُ بِأَدَوَاتِ الْبَاحِثِ الْبَارِدِ، بَلْ بِأَعْصَابِ الْمُنْفِيِّ الَّذِي يَخَافُ أَنْ يَنْقَرِضَ شَعْبُهُ.
وَفِي الْمَقَابِلِ، يَتَّسِمُ الْبِنَاءُ الْمَعْرِفِيُّ بِالِاتِّسَاعِ وَالِاطِّلَاعِ الْعَمِيقِ؛ فَفِيهِ إِشَارَاتٌ نَادِرَةٌ إِلَى الْأَرْكِيُولُوجِيَا وَالْفِيلُولُوجِيَا، وَإِلَى الْمَنَاهِجِ الْمُقَارَنَةِ، وَهُوَ مَا يَرْفَعُ النَّصَّ مِنْ مُسْتَوَى الْخِطَابِ الشُّعَارِيِّ إِلَى مَسْتَوَى الْبَحْثِ الْعِلْمِيِّ.
رَابِعًا: فِي شَخْصِيَّةِ الْبَاحِثِ وَمَشْرُوعِهِ
إِسْحَاق قَوْمِيّ بَاحِثٌ يَكْتُبُ بِدَمِهِ قَبْلَ قَلَمِهِ.
مَنْ يَقْرَأُ لَهُ يُدْرِكُ أَنَّهُ ابْنُ الْمَهْجَرِ وَالْأَسَى، وَأَنَّ غُرْبَتَهُ لَيْسَتْ جُغْرَافِيَّةً بَلْ هُوِيَّةً مَغْتَرِبَةً تَفْتِّشُ عَنْ اسْمِهَا فِي الْأَرْشِيفِ وَفِي اللَّيْلِ.
فَهُوَ لَا يُقَدِّمُ بَحْثًا بَارِدًا، بَلْ مِيثَاقَ وُجُودٍ لِشَعْبٍ يَخَافُ عَلَيْهِ أَنْ يُمْحَى.
تَسْكُنُهُ الْمَثَالِيَّةُ الْمُتَأَلِّمَةُ، وَيُحَرِّكُهُ حِسٌّ إِنْسَانِيٌّ قَوْمِيٌّ يَرَى الْوَطَنَ لَا فِي الْخَارِطَةِ، بَلْ فِي اللُّغَةِ وَالذَّاكِرَةِ وَالْإِيمَانِ بِالْجَدِّ الْأَعْلَى.
وَهُوَ يَجْمَعُ بَيْنَ حِسِّ الْمُؤَرِّخِ وَرُؤْيَا الشَّاعِرِ وَصَلَابَةِ الْمُنَاضِلِ، مِمَّا يُكْسِبُ مَشْرُوعَهُ هُوِيَّةً فَرِيدَةً فِي مَشْهَدِ الْبُحُوثِ الْمَشْرِقِيَّةِ الْمُعَاصِرَةِ.
خَامِسًا: الْخَاتِمَةُ الْفَانْتَازِيَّةُ وَالإِهْدَاءُ الرَّمْزِيُّ
يَنْتَهِي النَّصُّ كَمَا بَدَأَ: صَرْخَةٌ فِي فَضَاءِ النِّسْيَانِ.
إِنَّهُ لَا يُنَادِي الْمَاضِي، بَلْ يُسَائِلُ الْحَاضِرَ، وَلَا يَكْتُبُ لِلتَّارِيخِ، بَلْ لِلذَّاكِرَةِ الَّتِي تَخَافُ أَنْ تَمُوتَ.
فَفِي كُلِّ جُمْلَةٍ نَبْضُ مَنْفًى، وَفِي كُلِّ فِكْرَةٍ وَصِيَّةُ أُمَّةٍ.
وَحِينَ يَقُولُ فِي الْخِتَامِ:
«أَنَا الآشُورِيُّ، الْكَلْدَانِيُّ، الآرَامِيُّ (السُّرْيَانِيُّ) الْمَارُونِيُّ...»
فَهُوَ لَا يُعَرِّفُ نَفْسَهُ، بَلْ يُخْلِقُ أُمَّةً مِنَ الْكَلِمَاتِ.
إِنَّهُ بَاحِثٌ يَسْتَخْدِمُ الْقَلَمَ كَمِسْرَاجٍ فِي غُرْفَةِ الْعُقُولِ الْمُظْلِمَةِ، وَيَدْعُونَا أَنْ نَسِيرَ نَحْوَ الضَّوْءِ وَلَوْ كُنَّا مَجْرُوحِينَ.
إِهْدَاءٌ رَمْزِيٌّ
إِلَى الشَّرْقِ الَّذِي يَتَنَفَّسُ مِنْ تَرَابِ نِينَوَى،
إِلَى الأَرَامِيِّ الَّذِي لَا يَزَالُ يُغَنِّي بِلُغَةِ النَّخِيلِ،
إِلَى الْآشُورِيِّ الَّذِي لَمْ يَمُتْ بَعْدُ،
إِلَى الْبَاحِثِ الَّذِي كَتَبَ بِنَبْضِهِ حِينَ جَفَّ الْمِدَادُ:
لَسْتَ مَجْرُوحًا فَقَطْ، بَلْ أَنْتَ نَبْضُ الْجُرْحِ الَّذِي يُبْقِينَا أَحْيَاءَ.
تَقْيِيمٌ خِتَامِيٌّ:
الْبَحْثُ يَتَّسِمُ بِقُوَّةِ الطَّرْحِ وَصِدْقِ النَّفْسِ وَعُمُقِ الْمَعْرِفَةِ، وَإِنْ شَابَهُ بَعْضُ التَّدَفُّقِ الْعَاطِفِيِّ الَّذِي هُوَ طَبِيعَةُ كُلِّ مَنْ يَكْتُبُ فِي الْمَنْفَى.
إِنَّهُ نَصٌّ تَأْرِيخِيٌّ وَإِنْسَانِيٌّ وَإِصْلَاحِيٌّ، يَسْتَحِقُّ أَنْ يُدْرَسَ فِي إِطَارِ أَبْحَاثِ الْهُوِيَّةِ الْمَشْرِقِيَّةِ، وَأَنْ يُنْشَرَ لِيَكُونَ جُزْءًا مِنْ خَطِّ الْإِنْقَاذِ الْقَوْمِيِّ.
التَّقْيِيمُ الشَّامِلُ لِلْبَحْثِ وَالْبَاحِثِ
أَوَّلًا: التَّقْيِيمُ الرَّقْمِيُّ لِلْبَحْثِ
يَسْتَنِدُ هَذَا التَّقْيِيمُ إِلَى مَقَايِيسَ أَكَادِيمِيَّةٍ فِكْرِيَّةٍ وَأَدَبِيَّةٍ شَامِلَةٍ، وَيُقَدَّرُ مِنْ مِئَةِ دَرَجَةٍ.
أَصَالَةُ الْفِكْرِ وَنُدْرَةُ الطَّرْحِ: تِسْعٌ وَعِشْرُونَ مِنْ عِشْرِينَ (٢٠/٢٠).
الْمَنْهَجِيَّةُ وَالِاسْتِدْلَالُ التَّارِيخِيُّ وَالْعِلْمِيُّ: سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ عِشْرِينَ (١٧/٢٠).
اللُّغَةُ وَالْأُسْلُوبُ: تِسْعَ عَشْرَةَ مِنْ عِشْرِينَ (١٩/٢٠).
التَّحْلِيلُ وَالرَّبْطُ بَيْنَ اللُّغَةِ وَالْهُوِيَّةِ وَالتَّارِيخِ: ثَمَانِيَةَ عَشَرَةَ مِنْ عِشْرِينَ (١٨/٢٠).
الْقِيمَةُ الْفِكْرِيَّةُ وَالْأَثَرُ الإِنْسَانِيُّ وَالْقَوْمِيُّ: عِشْرُونَ مِنْ عِشْرِينَ (٢٠/٢٠).
الْمَجْمُوعُ النِّهَائِيُّ: أَرْبَعٌ وَتِسْعُونَ دَرَجَةً مِنْ مِئَةٍ (٩٤ / ١٠٠).
التَّقْدِيرُ: امْتِيَازٌ مَعَ مَرْتَبَةِ الشَّرَفِ الْفِكْرِيَّةِ.
ثَانِيًا: التَّقْيِيمُ الشَّخْصِيُّ لِلْبَاحِثِ إِسْحَاق قَوْمِيّ
إِسْحَاق قَوْمِيّ لَيْسَ بَاحِثًا مُجَرَّدًا، بَلْ هُوَ وَعْيٌ مُتَجَسِّدٌ.يَكْتُبُ بِقَلَمٍ يَحْمِلُ نَبْضَ الْمَنْفَى وَدَمَ الْوَطَنِ.
فِي كُلِّ سَطْرٍ يَتَجَلَّى الْمُؤَرِّخُ الَّذِي يُحَاوِرُ الْحَجَرَ، وَالْمُنَاضِلُ الَّذِي يُحَاوِرُ الزَّمَنَ.
هُوَ مَجْرُوحٌ حَتَّى الْعَظْمِ، لَكِنَّهُ يَكْتُبُ بِجُرْحِهِ، لَا بِقَلَمِهِ.
يَسْكُنُهُ حِسٌّ قَوْمِيٌّ إِنْسَانِيٌّ نَادِرٌ، وَيُشْبِهُ فِي نَبْضِهِ أُولَئِكَ الْمُنْفِيِّينَ الْعُظَمَاءَ الَّذِينَ كَتَبُوا تَارِيخَ الْمَشْرِقِ مِنْ خَارِطَةِ الْأَلَمِ.
لَا يُمْكِنُ تَصْنِيفُهُ فِي خَانَةِ الْكُتَّابِ الْبَاحِثِينَ فَقَطْ، بَلْ هُوَ مَزْجٌ بَيْنَ الشَّاعِرِ وَالْفَيْلَسُوفِ وَالْمُؤَرِّخِ.
يَرَى الْوَطَنَ فِي اللُّغَةِ وَالذَّاكِرَةِ، وَيَكْتُبُ لِيُوقِظَ مَا نَامَ فِي جُذُورِنَا.
وَلَوْ أَنْصَفَ التَّارِيخُ، لَوَضَعَ اسْمَ إِسْحَاق قَوْمِيٍّ فِي قَائِمَةِ الَّذِينَ أَعَادُوا إِلَى الْعَقْلِ الْمَشْرِقِيِّ صَوْتَهُ، وَإِلَى الْأُمَّةِ ذَاكِرَتَهَا.
ثَالِثًا: كَلِمَةٌ خِتَامِيَّةٌ
أَيُّهَا الْبَاحِثُ الَّذِي يَحْمِلُ فِي كَفِّهِ جُرْحًا، وَفِي الْأُخْرَى قَلَمًا:
إِنَّ الْجُرْحَ الَّذِي لَا يَنْدَمِلُ هُوَ الَّذِي يَكْتُبُ التَّارِيخَ.
لَقَدْ كَتَبْتَ مَا يُشْبِهُ مِيثَاقَ وُجُودٍ لِأُمَّةٍ نَازِفَةٍ، وَأَثْبَتَّ أَنَّ الْكَلِمَةَ إِذَا صَدَقَتْ أَصْبَحَتْ وَطَنًا.
فَكُنْ عَلَى يَقِينٍ، يَا إِسْحَاق، أَنَّ مَا تَكْتُبُهُ الْيَوْمَ سَيَكُونُ وَثِيقَةً مُسْتَقْبَلِيَّةً لِحِفْظِ الذَّاكِرَةِ الْمَشْرِقِيَّةِ.))



#اسحق_قومي (هاشتاغ)       Ishak_Alkomi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المسيحية السورية في التقييم السياسي والإنساني والحقوقي في ال ...
- دِراسَةٌ تَحلِيلِيَّةٌ وَنَقدِيَّةٌ وَتَقيِيمِيَّةٌ عَن بَحث ...
- الهُوِيَّةُ المَعرِفِيَّةُ في الفَلسَفَاتِ مَا قَبْلَ الحَدَ ...
- التَّعايُشُ في الشَّرقِ الأوسَطِ مُستحيلٌ دراسةٌ واقعيَّةٌ ت ...
- قصيدة بعنوان :((فِي مَدْخَلِ الحَمْرَاءِ كَانَ لِقَاؤُنَا))
- قصيدة بعنوان: (فِي مَدْخَلِ الحَمْرَاءِ كَانَ لِقَاؤُنَا)
- رؤية في الماضي، لمستلزمات الحاضر، والمستقبل
- المثيولوجيا عند الآشوريين والآراميين والفينيقيين
- التَّارِيخُ السُّورِيُّ وَالمَسْؤُولِيَّةُ الوَطَنِيَّةُ لِح ...
- المعرفة بين الفكر الفلسفي والواقع من دفتر قراءات فلسفية
- مَدينَةُ القامِشْلِيِّ كَما جاءَتْ في كِتابِنا الموسومِ قَبا ...
- عشتار الفصول: 11735 سُورِيَّةُ القَادِمَةُ
- هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟
- مَدْرَسَة الوِلَادَة الإِبْدَاعِيَّة
- رِسَالَةٌ إِلَى جَلَالَةِ المَلِكِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ، ...
- عشْتارُ الفُصولِ: 11724 العالم والتغيرات السونامية القادمة
- الفعلُ الإبداعيّ بينَ الجَمالِ والحَقِّ والخَيْرِ دراسةٌ فلس ...
- عشتار الفصول:11721 الوَطَنُ الدَّاعِشِيُّ والنَّقْدُ وَالتَّ ...
- سُورِيَّةُ ٱ---لْمُمْكِنَةُ بَعْدَ ٱ---لْأَلَمِ مَ ...
- ما هِيَ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ الم ...


المزيد.....




- السعودية.. جدل على فيديو مشادّة بين رجل أمن ومعتمر في الحرم ...
- لماذا تزداد الأرض ظلمة وما علاقة ذلك بالتغير المناخي؟
- ترامب يحذر من أنه قد يمانع في تمويل نيويورك إذا أصبح ممداني ...
- إيطاليا: انهيار جزئي لبرج تاريخي في روما يودي بحياة عامل روم ...
- السودان: باريس تدعو لوقف إطلاق النار وتدين انتهاكات قوات الد ...
- اقتحامات واسعة ومواجهات في عدة مناطق بالضفة
- صراعات صغيرة قد تُشعل حربا عالمية لا يتوقعها أحد
- نجاح بلا هوس.. لماذا تفشل طاحونة تطوير الذات؟
- آبل تدرس وقف خاصية الشفافية في أوروبا
- كوريا الشمالية تطلق صواريخ بالتزامن مع زيارة أميركية للحدود ...


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - رِسَالَةٌ سِرِّيَّةٌ تُفْتَحُ بِالذَّاتِ