أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - البعث وأزمة الهوية الدينية*















المزيد.....

البعث وأزمة الهوية الدينية*


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 8558 - 2025 / 12 / 16 - 18:58
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الواقع أن حزب البعث في العراق كان يعيش اشكالات متعددة. فبالإضافة إلى أزمة الهوية الطبقية كانت هناك أزمة الهوية الدينية. الأولى عبرت عن نفسها بوجود تيارات طبقية متقاطعة لم تستطع نظرية الحزب الاجتماعية حل عقدها, إذ كان هناك الفقير الحافي إلى جانب البعثي من ذوي الاصول البرجوازية, حتى إذا ما استلم الحزب السلطة في شباط من عام 1963 فقد حاول علي صالح السعدي تأصيل هوية الحزب الاجتماعية في وجه التيار المحافظ الذي كان البكر أحد أبرز قياديه.

أما أزمة الهوية الدينية فقد ظلت تلازم الحزب منذ أن حاول عفلق خلق التفعيلة الثورية ما بين الموروث الإسلامي وما بين العقيدة القومية (العروبية). وهنا بالضبط فإن قوة النظرية كانت تعادل ضعفها, فالبعثيون الذين تفوقوا على الشيوعيين في صياغة خطابٍ عام تبنوا فيه الرابط الجدلي بين الإسلام والعروبة حملوا في صلب نظريتهم أزمة الهوية الدينية التي عبرت عن نفسها من خلال وجود عناصر قيادية لا تقف عند حدود الإيمان بالرابط الجدلي بين الإسلام كثقافة والعروبة كعقيدة وإنما تمارس الدين كتشريع وطقوس, لذلك لم يكن مستغرباً أن لا تكون هناك علاقة حميمة بين البكر المحافظ والقيادين المسيحيين في الحزب الذي يرون أن الروح الثقافية للتاريخ العربي الإسلامي هي ضمانة لتجديد وحتى بعث الأمة من جديد, وكان الأبرز بين هؤلاء مؤسس الحزب ميشيل عفلق نفسه الذي حاول فيما بعد من خلال كراسه (البعث والتراث) أن يضع مسافة أكيدة بين الإسلام كطقوس والإسلام كدين, وكان معه على هذا الطريق رجال آخرون من أمثال الدكتور إلياس فرح وطارق عزيز.

الواقع ان أزمة كهذه ليس مردها فقط هذا الإيحاء الخاطئ وإنما لأن الحزب في العراق كان قد نما وترعرع في حمأة الصراع مع الشيوعيين وكبر لديه وسط هذا الصراع هاجس السيطرة على السلطة بما انعكس على طبيعة تركيبته وهويته الطبقية فسعى لضم العديد من العناصر التي كان يجب أن تنتمي إلى تيار الاخوان المسلمين بدلاً من أن تنتمي إليه.

حتى صدام حسين الذي نشأ في بيئة غير دينية, ولم يمارس طقوس الإسلام في أية مرحلة من حياته, وصارت له موقعته المعروفة ضد من يمارسها علناً بين صفوف الحزب يوم رأيناه وهو يقدم على تنحية عدد من أعضاء القيادة القطرية بسبب إلتزامهم الديني وممارستهم لطقوس الصلاة في الجوامع, حتى هو نفسه رأيناه يعلن بعد مرور ليس أكثر من عقد من الزمن عن قيادته لما أسماه ب (الحملة الإيمانية) التي كان من بين انجازاتها بناء جامع شهرياً في مناطق العراق المتفرقة إضافة إلى جامعين كبيرين احتل أحدهما كامل المساحة التي كان يشغلها نادي سباق الخيول في بغداد (جامع الرحمن) وخصصت للثاني (جامع صدام الكبير) معظم المساحة المخصصة لمطار المثنى في بغداد, ثم إرتضى لبعض الدجالين شروعهم بكتابة القرآن بدمه, ومتوجهاً على مستوى آخر لتوسيع المدارس الدينية التي أنيط بها إعداد الكثير من رجال الدين, وعرض عليه الدجالون أن يعلن نفسه خليفة على المسلمين, كما ولم ينسَ كوادر حزبه فأدخلهم دورات دينية.

ونعرف أن الرئيس المصري محمد أنور السادات كان هو البادئ بإطلاق تلك الحملة الإيمانية لمواجهة التيار الناصري الذي كان ينافسه على السلطة, وكان أن إرتدت تلك الحملة ضده حينما نجح التيار الإسلامي المتطرف باغتياله في ما سمي بحادثة المنصة, ثم اتسع نفوذ الأخوان لكي يهيمنوا على السلطة المصرية ذاتها وليشرعوا مباشرة نحو تحويل الأمة المصرية العريقة إلى مجتمع ديني اسلاموي متعنت في مجتمع يشكل المسيحيون فيه نسبة كبيرة.

وفي السودان تكررت نفس القصة حينما منح (النميري) التيار الإسلامي اليد الطولى في المجتمع وكاد أن يعلن نفسه خليفة للمسلمين. وفي دولة كان فيها الجنوب مسيحياً لم يكن مستبعداً أن يمهد نظام (الخليفة النميري) انفصال الجنوب لتأسيس دولته المسيحية.

في العراق كان صدام بارعاً بما فيه الكفاية حينما وضع مسيحياً هو طارق عزيز على رأس الدبلوماسية العراقية وذلك بِنية أن يكون لسان العراق المؤثر على الغرب وخاصةً إبان الحرب مع إيران بعد أن تزعم الخميني اسقاط نظام الشاه وإعلان الجمهورية الإسلامية التي صار هدفها المباشر بناء الدولة الإسلامية على مجمل الأراضي العربية التي تدين بالإسلام, وبداية من العراق الذي يشكل الممر الرئيس نحو تلك الأراضي وذلك تحت شعار (الطريق إلى القدس يمر من خلال كربلاء).

لكن مكانة طارق عزيز قد أخذت بالتراجع بعد توقف الحرب مع إيران وكأنها استنفذت أغراضها. وبدأ بعض القريبين من دائرة القرار يطيرون بعض الأحاديث حول طارق عزيز ويشككون في نزاهته الوطنية.

ويوم انهزم العراق في معركة الكويت أمام جيوش التحالف الدولي بقيادة امريكا وبدأت تظهر إلى العلن حالات من الغضب الشعبي العام ضد مغامرات النظام المتهورة بمصير العراق والمنطقة, وبداية من المنطقة الغربية, قبل ان يبدأ الجنوب والفرات الأوسط هيجانه الرافض لإستمرار النظام, فقد بدأ صدام حسين لعبة استغلال المسألة الدينية وحتى المذهبية لحماية نظامه من خطر السقوط.

وفي كل الأحوال ليس من السهولة تسطيح الحالة السياسية التي كانت سائدة آنذاك وتعويمها جميعاً في قارب اسمه صدام حسين, فالنظام رغم الكوارث الكبيرة التي تسبب بها للعراق, وبخاصة بعد بعد مغامرة غزو الكويت لم يكن الوحيد المسؤول عن الفوضى العراقية التي أعقبت الهزيمة العسكرية, فأمام أعيننا كانت مسؤولية النظام عن الكارثة واضحة تماماً كما وكانت ردة الفعل الشعبية والعسكرية ضد النظام مشروعة جداً, لكن دخول إيران على الخط سرعان ما وضع في يد النظام أوراق التفوق ضد خصومه الداخليين الممثلين أساساً بالتيارات الشيعية المناوئة وعلى رأسها حزب الدعوة وقوات بدر بقيادة المجلس الأعلى للثورة الاسلامية برئاسة آية الله محمد باقر الحكيم.

ولقدر رأينا كيف أن السعودية التي استضافت جيوش التحالف ضد العراق هي التي اسرعت لتنبه الأمريكيين إلى أخطار تصاعد النفوذ الشيعي العراقي المدعوم من إيران ضد النظام وصارت المنطقة, وخصوصاً السعودية والبقية من دول الخليج في مواجهة أخطار (العراق الأضعف مما يجب) بعد أن أنقذتها أمريكا من اخطار (العراق الأقوى مما يجب).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*فصل من فصول (في ضيافة المدافع)



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في ضيافة المدافع .. حزب البعث ومعضلة البحث عن الهوية (2)
- في ضيافة المدافع .. حزب البعث ومعضلة البحث عن الهوية (1)
- الديمقراطية العراقية .. حلم أن تبيض الدجاجة أسداً
- في ضيافة المدافع .. الهزيمة في الشوش
- في ضيافة المدافع بعض من الرجال الأوفياء
- قصة مدينتين
- في غرفتي طارق عزيز .. (في ضيافة المدافع)
- ما بعد تموز 1958 .. هذا ما حدث (2)
- بعد تموز عام 1958 .. هذا ما حدث
- المقاطعة المشاركة
- في ضيافة المدافع .. صمت الفرسان
- لن نمسح مساوئ إيران بمساوئ إسرائيل
- بين السيء والأسوأ منه
- صدام حسين لم يكن عميلاً
- الشاعر كأديب والشاعر كإنسان
- (الحرام الحرام) و(الحرام الحلال)
- بين الدولة المدنية والدولة العلمانية
- حوار مع الأستاذ سالم مشكور فساد في النظام مقابل نظام للفساد ...
- مقالة من سبعة سطور .. (العراقي السوري .. الصورة والمرآة)
- طوفان الأقصى وما أدراك ما طوفان الأقصى


المزيد.....




- مخطط التمكين.. جوهر عقيدة الإخوان في اختراق الدول
- الإخوان يشعلون التهديدات.. والكونغرس يحملهم أزمة السودان
- بعد 11 عاما…عودة طفل عراقي خطفه تنظيم ما يُعرف بالـ-دولة الإ ...
- ماذا فعل تنظيم الدولة الإسلامية في تدمر؟
- نزلها وثبتها حالًا .. تردد قناة طيور الجنة للأطفال الجديد عل ...
- جرائم الاحتلال في غزة تزيد من الحوادث المناهضة لليهود في أست ...
- سوريا - تنظيم الدولة الإسلامية يضرب من جديد، هل تصبح محاربة ...
- الشرطة الأسترالية: منفذا هجوم بونداي استلهما فكر تنظيم الدول ...
- نتنياهو يقتحم حائط البراق في المسجد الأقصى
- مجموعة إسلامية دعوية في أستراليا تنأى بنفسها عن المشتبه به ف ...


المزيد.....

- رسالة السلوان لمواطن سعودي مجهول (من وحي رسالة الغفران لأبي ... / سامي الذيب
- الفقه الوعظى : الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- نشوء الظاهرة الإسلاموية / فارس إيغو
- كتاب تقويم نقدي للفكر الجمهوري في السودان / تاج السر عثمان
- القرآن عمل جماعي مِن كلام العرب ... وجذوره في تراث الشرق الق ... / مُؤْمِن عقلاني حر مستقل
- علي قتل فاطمة الزهراء , جريمة في يترب / حسين العراقي
- المثقف العربي بين النظام و بنية النظام / أحمد التاوتي
- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - جعفر المظفر - البعث وأزمة الهوية الدينية*