جعفر المظفر
الحوار المتمدن-العدد: 8334 - 2025 / 5 / 6 - 17:51
المحور:
الفساد الإداري والمالي
(للاسف استاذ جعفر. حكم عصابة النشالين السابقة انتج لنا جيلاً من النشالين على كافة المستويات)
هذا ما كتبه الأستاذ (سالم مشكور) معلقاً على مقالتي التي تدين النظام العراقي الحالي الفاسد وكأنه يماشي القول (لولا تلك الغيمة لما جاء هذا المطر). أما أنا فأعتقد أن البعض الذي لا يميز بين الفسادَيْن إنما يرتكب هفوة اغفال البنى التحتية لكل فساد على حدة, وذلك عن قصدٍ أو بدونه.
إن غاية أصحاب القصد واضحة وهي لا تتعدى تبرئة النظام الحالي بحجة أن المسؤولين عن هذا النظام لم يكن بمقدورهم معالجة الفساد الموروث, الذي كان في رأيهم قد تفاقم واستفحل بشدة سواءً على مستوى قيادات الدولة السابقة أو على المستوى العامة من موظفي تلك الدولة.
إن رأياً كهذا يعني أن اللعبة ستبقى على حالها.
ولقد وجدت أن البعض قد صدق بحكاية (هذا المطر من تلك الغيمة) فإرتأيت أن اساهم بجهدي المتواضع للرد على هذا الرأي وتفنيده مؤكداً على ان الفسادَيْن مختلفان من ناحية البنى التحتية التي أنتجت كلا منهما بما يجعلهما مختلفيْن من ناحية الحجم ومديات التخريب.
وكان علي بدايةًً ان أميز بين نوعين من الحرام:
1- (الحرام الحرام) أي (الفساد العمودي) الممتد من رأس السلطة إلى كوادرها الحزبية والإدارية والعسكرية.
2- (الحرام الحلال) وهو (الفساد الأفقي) الذي تمارسه العامة من الناس اضطراراً في معظم الحالات..
وعن صلة الفساديْن بالبنية التحتية قلت إن دولة صدام كانت (دولة شديدة التفرد إلى حدود التملك الشخصي والعائلي للدولة ذاتها, أما الدولة الحالية فهي دولة محاصصة طائفية وعرقية وعائلية أيضاً.
ونتيجة لإختلاف البنى التحتية وجدت أن الفساد نفسه قد اختلف سواءً من حيث شكله أو حجمه أو من حيث مديات التخريب:
1- مركزية دولة صدام الشديدة والمتعنتة التي جعلت العراق ملكاً خاصاً لصدام حسين. في دولة كهذه لم يكن صدام حسين بحاجة إلى أن يكتب قصوره بإسمه أو أن يختلس من خزينة الدولة في السر, فهو من حيث الشكل لم يكن يملك شيئاً, لكنه من حيث المضمون كان يملك العراق وما فيه.
لذلك رأينا كيف ظل الفساد العمودي محصوراً إلى حد كبير بعائلة صدام وأقاربه, أما حكومته وقياداته الحزبية فقد ظلت إلى حد كبير بمنأى عن هذا الفساد, إذ لا يذكر على سبيل المثال أن وزيراً قد اختلس. ورأينا كيف كان الفساد العمودي, أي الحرام الحرام, كان استثنائياً ونادراً, إذ ظل الوزراء والمسؤولون القياديون يعيشون على نفس الحالة التي وجدوا عليها.
وحتى حينما ساءت أمور الدولة بسبب الحروب والحصار فإن (الحرام الحرام) ظل محصوراً بـ (مالك الدولة) وكان صدام هو الذي يمد كوادر دولته بـ (المكرمات) التي تعينهم على العيش بمستويات مقبولة. وقرأنا على سبيل المثال في الجريدة الرسمية للدولة (الوقائع) أن صدام قد منح عزت الدوري وطارق عزيز مبلغ خمسة وثلاثين الف دولار لتحسين أو ضاعهم المالية في حين ظل الوزراء الآخرون وما دونهم من المدراء ورؤساء المؤسسات يعيشون على (مكارم) صدام حسين وعلى رواتبهم الشخصية المتواضعة.
إن الحرام الحرام كان معدوماً, بإستثناء صدام وعائلته وبعض من قبيلته, وهذه صفة تحسب لنظام صدام حسين بغض النظر عن التفسير, إذ قد تكون هذه الحالة نتيجةً للخوف من العقاب الشديد, لأن السرقة من الدولة كانت وكأنها سرقة من صدام نفسه, فالدولة دولته والخزينة خزينته.
لكن الأمور لم تبق على حالها, فحينما توالت الحروب وجاء الحصار, تدهورت الحالة الإقتصادية للدولة كثيراً, وأفلست الخزينة, بمعنى عجزها عن دفع الرواتب للموظفين, الأمر الذي دفع بنسبة غير قليلة من هؤلاء إلى البحث عن مصادر اضافية لـ (الرزق) من ذلك الذي يضمن لهم الحد المتواضع من العيش, وكان من الطبيعي أن ينتشر النوع الثاني من الفساد, وهو الذي اسميته بـ (الحرام الحلال), وقد غض صدام حسين النظر عن ملاحقة هذا النوع من الفساد الذي كان يعتقد بأنه فساد محكوم بظروف المرحلة ذاتها.
إن الأخلاق ليست مطلقة وإنما هي نتاج لمرحلتها. في عام (الرمادة) تخبرنا كتب التاريخ أن عمر بن الخطاب لم يقطع يد فلاح بعد أن سرق طعاماً من مالك الأرض بل عاقب مالك الأرض على تركه يجوع. والفرق كبير بين (أبو حفصة) وبين (أبو عدي), بل لعل الإتيان بهما في جملة واحدة هو أمرٌ جائر. فالأول يمنح الحسن والحسين حصة هي ضعف ما منحه لإبنه عبيدالله احتراماً لصلتهما بنبيهِ في حين أن الثاني يذهب إلى مرأب السيارات الفاخرة جداً لإبنه عدي ويجهز عليها غضباً برشاشته بعد قيام عدي بقتل مرافقه (حنا كامل). الأول يجلد إبنه عبيدالله بالسوط أمام الناس حتى كاد أن يهلكه بسبب أنه كان يشرب الخمرة أما الفاروق صدام فعاقب إبنه القاتل عقوبة شكلية ثم أرسله إلى سويسرا لكي يرتاح ويشفى من الألم النفسي تلك العقوبة ثم عينه بعد ذلك رئيساً للجنة الأولمبية.
بالنسبة لبعض الذين يستلذون بخداع أنفسهم ما زال صدام قائداً وطنياً فذاً وفاروقاً من الطراز الرفيع.
بالنسبة لي الوطنية لا تنفصل عن النزاهة, فالسياسي حينما يسرق يوفر عليك وقت الحديث عن سيئاته الأخرى.
وهل لنا حاجة لكي نفتح سجل الكويت ونتعرض إلى رقصة الستربتيز السياسي التي مارسها صدام من أجل أن يظل في السلطة. كانت فرق التفتيش في غرفة نومه بينما كان يعلن أنه سيحرر القدس.
ويبقى أن من العدل أن أقول أن مرحلة السبعينات, التي كان من أبرز رموزها المناضل الكبير عبدالخالق السامرائي, كانت واعدة جداً, لكن صدام, الذي عوْجَن العراق بدلاً من يعرْقِّن العوجة, هو الذي قاد العراق إلى حيث بدأت صفحة مأساته الثانية المتمثلة بنظام المحاصصة الطائفية والعرقية الذي أجهز على الجمل العراقي بما حملْ.
#جعفر_المظفر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟