أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية ضوء السعادة.. إريك إيمانويل شميت














المزيد.....

رواية ضوء السعادة.. إريك إيمانويل شميت


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8557 - 2025 / 12 / 15 - 12:02
المحور: الادب والفن
    


في الجزء الرابع من مشروعه الروائي عبور الأزمنة، يختار إريك إيمانويل شميت أن يعود إلى اليونان القديمة، لا باعتبارها متحفا للذاكرة، ولكن باعتبارها فضاء تأسيسيا تشكّلت داخله أسئلة الإنسان الأولى حول العيش المشترك، والمعنى، والسلطة، والرغبة، والحقيقة. لا تقدم رواية "ضوء السعادة" La Lumière du bonheur الماضي على هيئة زخرفة سردية، وإنما تحوّله إلى أداة نظر، وإلى جهاز نقدي يسمح بتفكيك الحاضر عبر مسافة تاريخية منتجة للفهم.

من جزيرة ليسبوس، حيث تقيم صافو بوصفها رمزا لعلاقة عضوية بين الفن والجماعة، يبدأ النص في تشييد أطروحته الأولى: ليست الثقافة ترفا، وإنما شرط بقاء. الغناء، الرقص، التنفس الجماعي، كلّها أفعال تؤسّس لشكل من الاجتماع الإنساني قوامه الإيقاع والانسجام. في عالم معاصر مثقل بردود الفعل السريعة، ومشدود إلى منطق الإثارة الدائمة، يستعيد هذا المشهد قيمة الطقس الثقافي باعتباره تمرينا على الإصغاء والتشارك. لا يزيّن الفن هنا الحياة، إنه يمنحها القدرة على الاحتمال.

غير أن هذا الضوء لا يظهر إلا وهو محاط بظل كثيف. فالسياسة، كما يصوّرها النص، تتسلل إلى العلاقات الحميمة، وتعيد ترتيب الانتماءات، وقد تنتهي إلى النفي وكسر الأصوات. تكشف اليونان القديمة عن وجه مألوف للسلطة: الارتياب، التحكم في الكلام، تحويل الخوف إلى أداة حكم. يضع هذا البعد الرواية داخل أفق نقدي واضح، يدافع عن القانون، ويشدّد على حماية الهشاشة، ويفضح آليات الإغواء الخطابي التي تتخفّى في لباس الشعبية.

تتكثف الأسئلة في أثينا. تعجّ الأغورا بالكلمات، وتملك الخطابة سحرها الخاص، غير أن الرواية ترسم حدا فاصلا بين من يقود المدينة بوصفه خادما للصالح العام، ومن يتخذها مسرحا لتضخيم ذاته. يعترف الأول بالمؤسسات وبالمعرفة، ويقتات الثاني على الضجيج الذي يصنعه. تمنح هذه التفرقة النص راهنية لافتة، إذ تُعيد تعريف الديمقراطية باعتبارها ممارسة شاقة، تتطلب تربية على الجدل، واحتراما للإجراءات، وصبرا على الزمن الطويل. لا يُدار النقاش بالأوامر، ولا تُستخرج الحقيقة بالتصفيق.

ولا يمكن للعودة إلى اليونان أن تتجاوز سقراط، لا كشخصية تاريخية فحسب، ولكن كنموذج تربوي يعلّم إعادة توجيه الرغبة. التعلم السقراطي، كما يعرضه النص، هو انتقال من سطح اللذة إلى عمق الخير، ومن السرعة إلى الدقة. لا تُفهم السيطرة على الذات كقمع، بل كتحرر من التشتت. في سياق اقتصادي وثقافي يقوم على تحفيز الدوافع الفورية، تكتسب هذه الفكرة قوة صادمة. لا تنفصل الحرية عن الانتباه، ويحتاج الانتباه إلى تعاون لغوي يعيد الاعتبار للتمييز والدقة.

ويتوقف النص عند الجسد، لا كموضوع استهلاكي، وإنما كمجال تربية أخلاقية. يظهر المسرح والرياضة بوصفهما فضاءين مزدوجين: تدريب على القياس واحترام الحدود، مع خطر الانزلاق نحو الاستعراض والنرجسية. تفتح هذه الازدواجية باب المقارنة مع عصر الأداء المفرط، حيث تُختزل القيمة في النتيجة، ويُهمّش المسار. تقترح الحكمة اليونانية، هنا، ثقافة احترام الحدود كضمان للاتزان.

ومع اندلاع حرب البيلوبونيز، يتصدع البناء. لا تدمّر الحروب الجدران فقط، ولكنها تفكك الأطر الرمزية التي تمنح المجتمعات تماسكها. يصبح السؤال الذي يطرحه النص وجوديا: ما الذي يصمد حين تنهار البنى؟ لا يأتي الجواب في صيغة شعارات، وإنما في تعداد ممارسات قابلة للنقل: اللغة، التعليم، الضيافة، الفن. عناصر لا تعتمد على لحظة استثنائية، ولكن على إرادة يومية مقاومة للتآكل. في زمن الأزمات المتراكبة، يكتسب هذا الطرح بعدا إنذاريا.

من بين الأفكار الأكثر عمقا في الرواية تلك التي تربط قيمة المجتمع بجودة محادثاته. كان الكلام العمومي عند الإغريق مؤطرًا، مضبوطا بقواعد، مرتبطا بأمكنة وأزمنة محددة. يدعو النص، ضمنيا، إلى ابتكار أغورات معاصرة تناسب الفضاء الرقمي: ساحات نقاش متعلّمة، مُدارة، تُدرَّس فيها البلاغة بوصفها أداة بحث عن الحقيقة، لا وسيلة سحق للآخر.

قد لا يبدو هذا الجزء، للوهلة الأولى، الأكثر جاذبية ضمن السلسلة، غير أن التقدم في القراءة يكشف عن نص يعيد برمجة العادات الذهنية: تحسين اللغة شرط لتحسين القرار، تهذيب الرغبة مدخل إلى الحرية، إدماج الفن ضرورة للتماسك، ووضع الحدود سبيل إلى استعادة المعنى. لا تُقدَّم أثينا، في هذا السياق، كمدينة منتهية، وإنما كاختبار أخلاقي موجّه إلى القارئ المعاصر.

ويظل حضور الشخصيات الخالدة من الأجزاء السابقة (نوام، نورة، وديريك) خيطا سرديا يربط الأزمنة، ويذكّر بأن التحول الإنساني لا يتم دون عبور مسارات وعرة. هذا الجزء أكثر فلسفة من سابقيه، وأقل اندفاعا سرديا، غير أنه يراهن على قارئ مستعد للتفكير، لا للاستهلاك السريع.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية الراية الدامية مرفوعة.. بنيامين ديرشتاين
- رواية إل كامينو دي لا مويرتي.. قويدر ميموني
- كيمياء القراءة.. لماذا نعشق نصوصا وننفر من أخرى؟
- الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحاجة إلى الانتقال من اللاهوت ...
- رواية رسائل إلى تافيت.. قويدر ميموني
- رواية ما لا يخفيه الظلام.. قويدر ميموني
- رواية البيت الفارغ.. لوران موفينييه
- مسلسل أحياء
- رواية مُحبَطات.. ماري فاراي
- رواية آخر جريمة قتل في نهاية العالم.. ستيوارت تورتون
- رواية شفق الأرملة البيضاء.. سيريل كارير
- رواية الصديق لويس.. سيلفي لو بيهان
- الذكاء الاصطناعي وهلاك الإنسان
- رواية لدغات الصمت.. جوهانا غوستاوسون
- أوروبا والمحور الأيديولوجي دوغين-يارفين
- عن الاستماع إلى الموسيقى وقت الكتابة
- ظِلُّ السنوار.. عمار بلخضرة
- إدانة نيكولا ساركوزي.. سيادة الشعب أم سيادة أوليغارشية أصحاب ...
- رواية أردت أن أعيش.. أديلايد دي كليرمون تونير
- توم.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف


المزيد.....




- السفير العماني لدى تونس: حريصون على دعم جميع المبادرات التي ...
- الداخلية تتخذ الإجراءات بحق الشاعر علي نعيم بعد تجاوزه على ر ...
- 16 رواية تترشح للقائمة الطويلة للجائزة العالمية للرواية العر ...
- الشرطة الأمريكية تحقق في -جريمة قتل- المخرج روب راينر وزوجته ...
- التقدم والاشتراكية يسائل وزير الشباب والثقافة والتواصل حول أ ...
- من هم -الحشاشون- وما صحة الروايات التاريخية عنهم؟
- مصر.. تصرف فنان مع سائقه يفجر موجة من ردود الفعل
- الشرطة الأمريكية تحقق في -جريمة قتل- المخرج الشهير روب راينر ...
- ”سينماتيك”.. خطى واثقة نحو تأسيس مرجعية نقدية
- العثور على المخرج السينمائي روب راينر وزوجته جثتين هامدتين ف ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية ضوء السعادة.. إريك إيمانويل شميت