أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - ظِلُّ السنوار.. عمار بلخضرة














المزيد.....

ظِلُّ السنوار.. عمار بلخضرة


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8488 - 2025 / 10 / 7 - 12:08
المحور: الادب والفن
    


"ظِلُّ السنوار"، وعنوانها المُثير، متعةٌ حقيقية. قرأتها بتعاطف كبير، وأعترف بأنّني لو لم أجد فيها ما يشدّني إليها منذ أوّل سطر لما واصلت قراءتها ولسحبت من مكتبتي أحد الكتب التي لم أقرأها بعد. هذه المجموعة القصصية التي ما تزال مخطوطةً، هي الأولى للمؤلف. إن عمار بلخضرة قاصٌّ جادّ؛ فلقد أنفق 10 أعوام من عمره لكتابتها، ويدلّ هذا على أنّه يعتقد أنّ الكتابة مسؤوليّة وبحث عن الإضافة وليست مجرّد إظهار الاسم على غلاف كتاب يمرّ عابرا ولا يحفل به أحد.

تضمّ المجموعة 35 قصّة قصيرة وأقصوصة. والميزتان الرئيسيتان اللتان تجمعان هذه القصص تتمثّلان في التالي:

أولا، انبهار الكاتب بالنموذج البشري المتفرّد والمتميّز سلوكا وتفكيرا، أي أنّه لا يتوقّف عند النماذج التي لا تشكّل حالة استثنائيّة. بمعنى آخر، إن أبطال قصصه -ولا أقول كل شخصيات قصصه- غير مدغمين وذائبين في عالم الآخرين. والميزة الأخرى هي أن كل هؤلاء الأبطال في حالة مقاومة. يقاوم كل واحد منهم شيئا ما، أو يرفضه، كأقل تقدير، وإن كان الرفض أحد أشكال المقاومة. وكأن القصة الأولى التي تتحدث عن المقاوم الرمز الشهيد يحيى السنوار، وتحمل عنوان "ظِلُّ السنوار"، الذي هو بدوره عنوان المجموعة، تلقي بظلالها على باقي القصص. إنها مجموعة قصصية عن المقاومة، بالدرجة الأولى. يرفض أبطالها قبول ما لا يُقبل. يمكن اعتبار بعض جراحهم، عربية، وبعضها عالمية.

تبقى العاطفة في ذروتها بفضل جمال أبطال هذا العمل الأدبي، الذين قُدَّ كل واحد منهم من الليل: أحيانا من النجوم، وأحيانا من الأخيلة، لكنهم جميعا مُضاءون بجمال الحياة الهش.

يخلق الكاتب سحرًا حيث لا يوجد سوى الخراب، ويبدع جمالا في كل صفحة. يرينا الوجه الآخر للأشياء، فالهزيمة أكثر شاعرية من النصر، وبعض الجنون أكثر حكمة من العقل، ومن الغياب ما هو الحضور ذاته. هناك حس فلسفي وصوفي واضح.

يسلك عمار نهجا سرديا يكاد يكون تأمليًا. سردٌ آسر، يُمهّد الطريق لبناء الروابط بين الشخصيات.

تُقدم كتابته في مجملها، توازنا بارعا بين الشعر والواقعية المجردة. يترتّب على انبهاره بالنماذج البشرية الاستثنائية محاولته إضفاء شيء من الأسطوريّة على بعضها وإسقاط الكثير من الصفات عليها التي تبعدها إلى حد ما عن العالم اليومي للبشر.

تُبرز المجموعة آراءً أتفق معها. نعيش في عالم يُدفع فيه كل شيء نقدًا، حيث تُصبح سلطة المال كالنار التي تلتهم كل ما يعترض سبيلها، من العلاقات إلى الأخلاق. تتوفر جميع العناصر التي تُمكّن للسقوط: مدينة في حالة تدهور، مُبتلاة بالفقر والمخدرات، غياب العقد الاجتماعي، منطق الرجل القوي المُستعد لفعل أي شيء... إلخ. على الرغم من مراهنة الكاتب على الأمل في أكثر من قصة، إلا أننا نشعر أحيانا بأنه من المستحيل دحر هذه الفوضى. باختصار، هناك شرخ في كل شيء.

أؤمن بقوة الحكي وآثاره العلاجية. ويبدو أن عمّارا في مجموعته هذه يشاركني هذا الإيمان. يَستخدم الحَكيَ كذلك لاستكشاف لحظاتٍ محورية، كما يجعله حارسا للذاكرة، فعل مقاومة، ورمزا لإعادة البناء.

يتلاعب بالمعايير التي تفرضها علينا البيئة التي نعيش فيها، ويظهر أنه لا ينبغي لنا أن نستسلم لها. ومع ذلك تظل الصورة مشبعة بالظلام. لسنا ننتمي إلى العصر الذهبي للتجربة الإنسانية. إن الزمن الذي نعيشه يتوافق مع عصر قاس، فترة مبهمة بلا شكل، مراوغة وهشة، كما شَرَحَت هذا جيدا، مارغريت يورسينار في روايتها "مذكرات هادريان".

إن هذا العمل الإبداعي يشبه في كثير من النواحي العالَمَ الذي وصفه جورج أورويل في روايته 1984: "يمضي المجتمع نحو المزيد والمزيد من الفظاظة الصارخة".

يضع عمار أصالته إزاء ما أصبح اليوم المعيار والقاعدة: السطحية، التفاهة، الأنانية، الانتهازية، الوصولية، الفهم الخاطئ للدين، عدم الاهتمام بالثقافة... إلخ. في بيئة كهذه يبدو أبطاله غريبي الأطوار، غير مندمجين في الكتلة المهيمنة. ألفيتهم وحيدين وشديدي الحساسية. يجد البعض منهم نفسه أمام هاوية لا يعرف كيف يملؤها. لقد ذكروني بيوحنا المجنون، بطل جبران، وبجيمس، الطالب الذي يقف وحيدا في مواجهة ثانوية أوزبورن، في رواية "أنا ضد أوزبورن" I Against Osborne لجوي غوبل.

إن ألم الشعب الذي فقد أرضه شيء لا يوصف. لقد جعل عمار بلخضرة من صوت الفلسطيني، صوته الرئيسي، حين اختار لمجموعته عنوان "ظِلُّ السنوار"، وكان من بين ما قدمه في بدايتها استكشاف جاد وصادق لمأساة شعب، وسرد حميمي ومؤثر، يُعبّر فيه عن معاناة الفلسطينيين دون الوقوع في فخّ الشفقة. تكمن قوة هذه المجموعة القصصية في قدرتها على إلهام التعاطف العالمي، من خلال وصف حقائق مؤلمة. يُلامس الكاتب واقعًا قد يؤثر في أي إنسان. يُذكرنا بضرورة التفاعل والإنصات وعدم غض الطرف أبدا. وجدتُ طريقته في التعمق في مشاعر الشخصيات، وثيقة الصلة بالموضوعات التي يعالجها.

وبعيدا عن سحر القصص الذي لا يُنكر، تتناول "ظِلُّ السنوار" قضايا متعددة: الفقر، مشاكل المراهقة، السعي إلى الخلاص، الصمود في وجه الشدائد، المجتمع وطبيعته المزدوجة، القمع، التضحية والبطولة، دور الخيال، وقوة الفن... إلخ. تتشابك كل هذه المواضيع في سردٍ كثيفٍ ومؤثر، مما يجعل المجموعة عملًا إنسانيًا عميقًا يلامس القلب.

خلال قراءتي هذه النصوص، تأملتُ مطولاً موهبة الكاتب في نقل المشاعر الغامرة التي تتدفق فينا، وفي الوقت نفسه جعل كائناته الورقية كائنات حقيقية، من لحم ودم.

لعمّار القدرة على تجاوز حدود المرئي، والاستماع إلى تبدلات الصمت وتنهداته، ويعرف من خلال حكيه كيف يلمس الآخر عبر المسافة، ويحتضنه في الغياب.

تتركُ "ظِلُّ السنوار" كلَّ هذه الآثار فينا، لا تُمحى، وتُؤكِّدُ على القوةِ الهائلةِ للأدب.

وأخيرا، إذا كنتم تبحثون عن مجموعة قصصية تجمع بين الجمال والعاطفة والبساطة والعمق والشاعرية، والحِكَم التي تستحق أن تحفظ ويستشهد ويعمل بها، فلن تجدوا أفضل من "ظِلُّ السنوار".



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إدانة نيكولا ساركوزي.. سيادة الشعب أم سيادة أوليغارشية أصحاب ...
- رواية أردت أن أعيش.. أديلايد دي كليرمون تونير
- توم.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف
- رواية الاصطدام.. بول غاسنييه
- رواية القلب صياد وحيد.. كارسون ماكولرز
- دونالد ترامب.. أميركا أنا، وأنا أميركا
- رواية الساعات الهشة.. فيرجيني غريمالدي
- رواية 34 مترًا مربعًا.. لويز ماي
- ترامب وطموحاته الخيالية
- رواية البرية الجديدة.. ديان كوك
- أساليب الدكتاتوريات المتلاعبة في ممارستها للسلطة
- رواية وكل الحياة أمامنا.. أوليفييه آدم
- رواية الليل في القلب.. ناتاشا أباناه
- من قناعاتي
- رواية ظلال العالم.. ميشيل بوسي
- رواية برج الجرس.. آر جي إيلوري
- روايتي ذاكرة شمبانيا
- رواية أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم.. ديفيد جوي
- رواية ذات مرة كان هناك ذئاب
- رواية مكان خاطئ، زمان خاطئ.. جيليان ماكاليستر


المزيد.....




- فولتير: الفيلسوف الساخر الذي فضح الاستبداد
- دموع هند رجب تُضيء مهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ46
- توقيع الكتاب تسوّل فاضح!
- فيثاغورس… حين يصغي العقل إلى الموسيقى السرّية للكون
- العلماء العرب المعاصرون ومآل مكتباتهم.. قراءة في كتاب أحمد ا ...
- -رواية الإمام- بين المرجعي والتخييلي وأنسنة الفلسطيني
- المخرج طارق صالح - حبّ مصر الذي تحوّل إلى سينما بثمن باهظ
- -إنّما يُجنى الهدى من صُحبة الخِلّ الأمين-.. الصداقة الافترا ...
- مؤسس -هاغينغ فيس-: نحن في فقاعة النماذج اللغوية لا الذكاء ال ...
- مسرحية -عيشة ومش عيشة-: قراءة أنثروبولوجية في اليومي الاجتما ...


المزيد.....

- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - ظِلُّ السنوار.. عمار بلخضرة