رواية مكان خاطئ، زمان خاطئ.. جيليان ماكاليستر

وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8407 - 2025 / 7 / 18 - 18:47
المحور: الادب والفن
    

"مكان خاطئ، زمان خاطئ" wrong place wrong time رواية تتحدى الزمان والمكان. وينطبق هذا على الشخصية الرئيسية، جين، التي تعود إلى ماضيها من أجل منع وقوع جريمة في الحاضر. تحاول جين إنقاذ ابنها. إنه يوم 30 أكتوبر 2022، وجين تنتظر عودة ابنها تود البالغ من العمر 18 عاما.
عندما رأت صورته الظلية من خلال النافذة، لم يكن وحيدا. ثم، وبعد ثوان طعن الرجل الذي كان بجانبه، وقال متلعثما: "كان عليّ أن أفعل ذلك. لم يكن لدي خيار آخر". كارثة عائلية. لم يكن أحد ليتوقع أن يرتكب هذا الشاب اللطيف مثل هذه الجريمة البشعة. أي والدة تواجه هذا القدر من عدم الفهم ستسعى جاهدة لفهم الدافع الدقيق لمثل هذا الفعل. وهذه هي نية جين. لكن في اليوم التالي، عندما استيقظت، كان تود في المطبخ مع والده، ولم يكن قد قتل أحدا. ثم أدركت جين أنها في يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول 2022...

ما نوع هذه الرواية الغريبة؟ رواية إثارة؟ لا أعتقد ذلك. رواية خيالية؟ ليس هذا التصنيف دقيقا. رواية سوداء مستقبلية؟ ولم لا ! على الرغم من أن "يوم جرذ الأرض" مذكور في الرواية، إلا أننا بعيدون كل البعد عن هذا العمل السينمائي الذي يتذكر فيه البطل نفس اليوم بلا كلل. في رواية "مكان خاطئ، زمان خاطئ"، لا توقف جيليان ماكاليستر الزمن. على العكس تماما. إن الزمن يتكشف إلى ما لا نهاية، ولكن دائما في الماضي، لأن هذا الماضي يبدو وكأنه يحمل مفاتيح تغيير الحاضر.

بعد اليوم الأول، لن تنتهي رحلة جين، بل تستمر حلقة الوقت إلى اليوم الثاني، ثم الثالث، وهكذا. ما الذي يحاول الماضي إخبارها به؟ هل تستطيع تغيير مجرى أحداث الحاضر من خلال الكشف عن أسرار الماضي؟ هذه هي النقطة الأساسية في "مكان خاطئ، زمان خاطئ". ومع تقدم رحلتها، تلاحظ جين تفاصيل لم ترها، ومواقف من حولها لم تلاحظها، وسلوكيات يومية مرت دون أن تنتبه لها. يكمن الشيطان في التفاصيل، وهذه التفاصيل غالبا ما تفلت من اهتمامنا. مهمة جين هي إحياء لحظات محددة، ولكن عشوائية تماما، من الماضي من أجل القيام بشيء يمنع جريمة القتل التي ارتكبها ابنها. هذا التأرجح، هذا التوتر بين الطبيعي والاستثنائي، يخلق ديناميكية مستمرة، بما في ذلك من خلال الكتابة، التي تجمع بين الكلاسيكية والحداثة، والتي تُضفي على النص لمحات من التألق، أكثر إثارة للدهشة.

لكن الماضي مؤذٍ. في طبقات الحياة التي تعيشها جين من جديد، يتعين عليها الكشف عن أدلة. يتعين عليها تجميع أجزاء لغز بالحجم الطبيعي لتاريخ عائلتها. لأن رواية "مكان خاطئ، زمان خاطئ" مبنية على كل رموز الإثارة، وتضع في مركزها قصة عائلة، وروابطها، وحياتها اليومية. هل نعرف حقا من يشاركوننا حياتنا؟ ما هو جانبهم المظلم؟ ما هو جانبهم المشرق؟ موضوع رائع أثار اهتمامي دائما، وتتعامل معه جيليان ماكاليستر بمهارة. لجين ذاكرة قوية بخصوص حياتها الشخصية: لقاؤها بزوجها، سنواتهما الأولى معا، ميلاد ابنهما، ومع ذلك، في كل فترة من الزمن، يجب عليها إيجاد شيء يسمح لها في النهاية بتغيير الحاضر. ولكي تفعل ذلك، يتعين عليها أن تعيش من جديد المشاعر الكبيرة في حياتها والتحلي بالشجاعة اللازمة لإلقاء نظرة نقدية غير مزخرفة على أحاسيسها، وخاصة وضعها كأم، ووصول ابنها إلى حياتها.

لذا، تستغل جيليان ماكاليستر الفرصة للحديث عن الأمومة، ودور الأم، والشكوك والقناعات التي تحرك قلوب الوالدات اللواتي يسلكن هذا المسار. من دون أضواء، تكشف ما حفزته الأمومة بداخلها. "لم يُحذّرها أحد من حادث السيارة الذي أدى إلى الولادة. في لحظة ما، كانت مُتيقنة من أنها ستموت، ولم يفارقها هذا اليقين قط، حتى بعد شفائها. لم تُصدّق أن النساء مُضطرّات لخوض تجربة كهذه، وأنهن يُقرّرن فعلها مُجدّدا. وأن هذا الألم موجودٌ بالفعل". تصف الحبّ الصعب أحيانا في البداية، والقلق المُستمر، والشعور بالذنب، والتساؤل المُستمر، مُلخّصةً ببراعة علاقتها بابنها: "إنهما (الأم والابن) جزآن من سحّاب ينفصلان ببطء على مرّ السنين". ربما تفسر قوة الرابطة هذا الانفتاح، هذا الخلل في الزمان والمكان الذي يجب على جين خلاله جمع تفاصيل حياتها الماضية من خلال إعادة عيشها، مما يسمح لها بوضع عينيها على التفاصيل الدقيقة التي مرت دون أن يلاحظها أحد على الإطلاق.

بعيدا عن البصمة التي تتركها الشخصيات، يكمن النجاح الكبير لهذه الرواية -من وجهة نظري- كذلك في طريقتها في الجمع بين انقلاب القيم وعالمية المشاعر. في انفجار طويل من الكلمات والصور والخيال، تدفع جيليان ماكاليستر المشاعر الرومانسية إلى أقصى حدودها وتطرح تساؤلات حول حصريتها، لا سيما داخل الأسرة. شعرت أحيانا بأن هذه الرواية ليست سوى رسالة حب وتوضيح حارة.

من خلال الاعتماد على الشخصيات القوية والعلاقات العائلية المتينة والذكريات الغامضة، تنجح جيليان ماكاليستر في جذب انتباه القارئ على الفور. تغري رواية "مكان خاطئ، زمان خاطئ" بفكرتها الأساسية، ولكن أيضا بالإيقاع الذي تعطيه الروائية لنصها. علاوة على ذلك، ذكرتني هذه الرواية برواية "ريبلاي" الشهيرة للكاتب كين جريموود... حيث تنجح جيليان ماكاليستر بمهارة في بناء الجسور بين الماضي والحاضر وتغوي القارئ بمفاجآت التحقيق. هناك الكثير من الحيل والاكتشافات والمنعطفات التي تجذب القارئ ولا تتركه أبدا.

المجال العائلي موضوع يجذبني إلى حد كبير في الأدب، لا أحد يظهر بحقيقته الكاملة أمام الناس: أسرار صغيرة محفوظة جيدا، أفعال لا تثير الإعجاب، وأقنعة مختلفة يتم ارتداؤها في مواقف معينة.

من النقاط القوية الأخرى في هذه الرواية، إتقان بناء الشخصيات. تم تصوير جين على أنها أم مخلصة، ولكن أيضا كامرأة تعاني من الشكوك والندم. إن رحلتها إلى الماضي تسمح لها بإعادة زيارة اللحظات الرئيسية في حياتها، وبالتالي مواجهة عيوبها ومخاوفها. يتم استكشاف العلاقات الأسرية بعمق، مع تسليط الضوء على التوترات والصراعات التي تميز كل عائلة.

"مكان خاطئ، زمان خاطئ" هي رحلة رائعة عبر الزمان والمكان، وقد التهمت كل صفحة منها التهاما. الفكرة الأساسية رائعة، والطريقة التي تتبعها جيليان ماكاليستر في إنهاء الحبكة ليست رائعة فحسب، بل ومدهشة أيضا. كل شيء متجانس بشكل مثالي دون الوقوع في فخ التناقض أو الاضطراب. تتمتع الكاتبة بالسيطرة الكاملة على بنية سردها. إنها رواية تسمح للقارئ بالانغماس الكامل فيها وتثيره بشكل واضح، وهذا هو الهدف، إثارة مشاعر متعددة.

تذكرنا رواية "مكان خاطئ، زمان خاطئ" بالأشياء الصغيرة التي نحنّ إليها، ولكن أيضا كيف يمكننا أن ننمو حتى في أوقات الفشل والكوارث.

توفر هذه الرواية متعة القراءة والأسئلة الشخصية. نحن دائما نفكر في المصائب التي تحدث لنا بدلا من تلك التي ينقذنا القدر منها. وأنتم، ما هي اللحظات الماضية التي ترغبون في العودة إليها؟

#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل