أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية نلتقي في أغسطس.. غابرييل غارسيا ماركيز














المزيد.....

رواية نلتقي في أغسطس.. غابرييل غارسيا ماركيز


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8286 - 2025 / 3 / 19 - 18:54
المحور: الادب والفن
    


تهب الرياح الكاريبية بلطف، جالبة معها رائحة الصيف الأبدي المالحة والوعد بالعودة إلى العدم. يرسم غابرييل غارسيا ماركيز في هذا العالم مشهدا من الأصداء والصمت. إن هذه الرواية بمثابة النفَس الأدبي الأخير لماركيز المتأثر بهشاشة الذاكرة. رواية قصيرة تهرب من أراضي الواقعية السحرية لتغازل الحقائق الحسية والغامضة لامرأة تبحث عن الحرية.

تسير آنا ماجدالينا باخ، البالغة من العمر ستة وأربعين عاما، نحو جزيرة تحتفظ رمالها المحترقة بآثار رحلاتها السنوية التي تقوم بها. في 16 أغسطس/آب من كل عام، تتكرر نفس الطقوس: ركوب السفينة، وضع باقة من زهور الزنبق على قبر والدتها، والليل الذي تقضيه في فندق تهمس جدرانه بالذكريات. لكن، في هذا الصيف المحوري، تفعل البطلة أكثر من المعتاد: لقاء، كان يبدو عاديا في البداية، يقودها إلى ليلة من العاطفة التي تزعزع انسجام حياتها الزوجية. وهكذا يتم إنشاء طقس جديد، طقس الخيانة الزوجية، التي تتميز بعشاق عابرين مثل أمواج المحيط التي تحيط بالجزيرة، ومن هنا جاء هذا العنوان "نلتقي في أغسطس".

الجسد، هذا الوعاء الهش للعواطف والرغبات، يصبح ساحة معركة آنا ماجدالينا. يبدو أن أشواقه المسروقة من غول الزمن تعيد إحياء شباب مدفون، لكنها في المقابل تترك حرقا عاطفيا. تكتشف البطلة نفسها، أولا في موجة من الحرية الطارئة، ثم تنغمس في دوامة من الشكوك وجلد الذات والأسئلة. هل الحرية العابرة التي تمنحها لنفسها تهدد حياتها الزوجية؟ إذا كان الأمر كذلك، فلماذا المثابرة على هذا الفعل؟

إن الشهوانية التي أثارها المؤلف لا تسعى إلى إحداث صدمة، ولكنها توضح عدم التوازن بين ما نطمح إليه وما نحن عليه. يصبح هذا التناقض واضحا في الأوصاف الحميمة والخجولة لإيماءات آنا ماجدالينا. عندما تلتقي شريكها الجنسي الأول، لليلة واحدة، يتدفق شعور بالقوة من خلال العناق، وسرعان ما تحل محله مرارة غريبة بسبب ورقة العشرين دولار، مثلا، التي تركها لها كمقابل للعلاقة الجنسية، والأشد من هذا، كرمز لتسليع ضعفها.

في "نلتقي في أغسطس"، يتم التعامل مع الرغبة الأنثوية ببراعة دقيقة، حتى في الأوصاف الأكثر حميمية. تعرب آنا ماجدالينا عن رغبتها في استكشاف شهوانيتها خارج الحدود التي يفرضها دورها كزوجة وأم. يتم تقديم هذه الرغبة على أنها سعي للتحرر وتأكيد الذات.

من خلال انخراط آنا ماجدالينا في علاقات عابرة، تكتشف جانبا من شخصيتها لم تكن تعرفه من قبل، بينما تتشكك في الأعراف المجتمعية المرتبطة بجنسها وعمرها. هذه الصورة الدقيقة لامرأة تبحث عن الحرية تسلط الضوء على تعقيد وعمق الرغبة الأنثوية.

تستكشف هذه الرواية بدقة مفارقة الرغبات الإنسانية: توق النفس إلى الهروب من الحياة اليومية ورغبتها في المحافظة على شكل من أشكال الثبات والجمود، في نفس الوقت. تقيم آنا ماجدالينا في هذه الازدواجية، تسترشد خطواتها بذكرى والدتها، التي يبدو أن ظلها يثقل كاهل كل قراراتها، لأنه إذا كانت الخيانة الزوجية جوهر القصة، فهي مجرد منظور يتعامل من خلاله المؤلف مع مواضيع أعمق: ثقل التقاليد، الشعور بالذنب، الصراع بين الأجيال، والحرية في إعادة اختراع الذات في مواجهة مرور الزمن.

تقدم هذه الرواية عرضا رائعا. يسلط أسلوب ماركيز الدافئ والدقيق، الضوء على المشاعر المعقدة والتوتر الكامن في الحياة. تأخذ المناظر الطبيعية في منطقة البحر الكاريبي وشكوك آنا ماجدالينا ولحظات التفكير بُعدا آخر بالغ التأثير. يتيح لنا هذا التنسيق، الانغماس في ذهن هذه المرأة بطريقة حميمة. إن تاريخ 16 أغسطس، الذي يتكرر كالتعويذة، يضع القصة في إطار زمني أسطوري تقريبا، حيث يحمل كل عام معه ثقل الأعوام السابقة وفضول ونفاد صبر الأعوام التالية.

تكمن القيمة الحقيقية لهذه الرواية -في رأيي- في الصدى النهائي للعالم الذي أنشأه ماركيز. ليست "مئة عام من العزلة"، ولا "الحب في زمن الكوليرا"، ولكنها عمل يجسد، بإيجازه، السحر والحنان اللذين يتخللان الحياة المهنية الكاملة لهذا الكاتب الكبير.

"نلتقي في أغسطس" نص قصير، يعكس الحالة الإنسانية بكل تعقيداتها. تعني قراءته، الموافقة على السير جنبا إلى جنب مع آنا ماجدالينا، ليس للحكم عليها، بل للشعور والإحساس بها، وربما للتصالح مع الأشباح التي تقلق دواخلنا.

تجسد آنا ماجدالينا باخ السعي لتحقيق التوازن بين الامتثال والحرية. يقدم لنا غابرييل غارسيا ماركيز نظرة أصيلة ودقيقة عن المسار المعقد للإزدهار الشخصي، ودعوة للتأمل في الطريقة التي تعيد بها المرأة اختراع نفسها في مواجهة نفسها والمجتمع. إنها شهادة أدبية تذكرنا بأن الامتلاء الأنثوي رحلة، وبالتالي، هو أكثر بكثير من كونه مجرد وجهة.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دونالد ترامب وتقليده السيء لنيكسون
- أحلى من التفاؤل مفيش
- عن الكتابة والكُتّاب
- مستقبل الحرب في أوكرانيا
- لكي نفهم جيدا الحرب الروسية الأوكرانية
- مستقبل علاقة الرياض مع واشنطن وتل أبيب
- هل سيصمد النظام الكوبي في وجه ترامب؟
- أوربا وقيمها.. التحديات والحلول
- هل سيفي ترامب بوعده ووعيده؟
- تعليق عدم التصديق
- رواية الخوف من النور.. دوجلاس كينيدي
- ثلاثة كتاب كبار أدركهم الموت قبل نوبل
- وعاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض
- هل ستصبح كندا الولاية الأمريكية 51؟
- مستقبل الولايات المتحدة الأمريكية كما أراه
- رواية قبل أن تختفي.. ليزا جاردنر
- عن رواية قصة خرافية.. ستيفن كينغ
- ستيفن كينغ والأدب الخفيف
- عن رواية حجر القمر.. ويلكي كولنز
- خواطر


المزيد.....




- الشاعر حامد بن عقيل يفك شفرة العالم في -الوحدة حرّية حزينة- ...
- متحف اليمن الوطني.. صرح تاريخي طاله التخريب الإسرائيلي
- دمشق تطلق غدا أول تظاهرة سينمائية عن الثورة السورية
- جدل عالمي حول مقاطعة السينما الإسرائيلية.. ما القصة؟?
- فرقة صابرين.. تجربة موسيقية ملتزمة في خدمة الهوية والثقافة ا ...
- بانكسي فنان بريطاني مجهول يناضل بالرسم على جدرن العالم
- الموت يغيّب الفنان والمخرج عباس الحربي في استراليا
- حملة عالمية لمقاطعة سينما إسرائيل تتضاعف 3 مرات خلال أيام
- تعهد دولي بمقاطعة سينما إسرائيل يثير ضجة كبرى في العالم
- فنانون أتراك يدعمون حملة -جسر القلوب من أوسكودار إلى غزة-


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية نلتقي في أغسطس.. غابرييل غارسيا ماركيز