رواية حوريات البحر.. إيميليا هارت

وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8351 - 2025 / 5 / 23 - 13:58
المحور: الادب والفن
    

رواية "حوريات البحر" (The Sirens) هي أغنية قادمة من الأعماق لا تسمعها إلا النساء. إنها تحكي قصص النساء على وجه التحديد. على الحدود بين الواقعية السحرية والرواية المعاصرة، تقدم إميليا هارت نصا مبهرا. إنها قصة تعطي الأولوية للنقل والتراث والمعاناة المستمرة والمرونة. وتتناول أيضا التعويض بأشكال مختلفة للغاية. يلعب المحيط دورا أساسيا، حيث يدخل إلى أجساد هؤلاء النساء كاستعارة. هنا، تنفتح أغوار الذاكرة الأنثوية.

تملأ المكان أصوات ثلاث نساء: ماري في عام 1800، وجيس في عام 1999، ولوسي في عام 2019. تتشابك قصصهن من خلال تجاربهن الشخصية، التي تنتقل أغانيها عبر السنين. تتمحور الرواية حول الأساطير، وهي مبنية على طبقات زمنية وعاطفية. تحاول ماري وجيس ولوسي فهم ماضيهن الذي يقاوم النسيان، الهروب منه، أو ربما احتضانه. ماذا لديهن حقا لنقله إلى بعضهن البعض؟

رواية كورالية، تتناوب الأصوات فيها، وتتطلب أن يعيرها القارئ انتباهه -خاصة في البداية- والوقت الكافي للتعرف على الشخصيات ووضعها في المكان المناسب. تم بناء الرواية على شكل أجزاء متقطعة، مثل الأمواج المتتابعة فيها، مثل ذكريات كل شخصية. يسلط هذا الاختيار السردي الضوء سريعا على إمكانية وجود علاقة قرابة، حتى لو كانت ماري تعيش في عصر بعيد جدا. تحمل ثلاثتهن نفس الختم الذي ينقش في أرواحهن وأجسادهن الصمتَ والآلامَ السرية والتحولات الغريبة.

ماري، فتاة أيرلندية صغيرة أُخذت قسرا إلى سفينة، هي التي تفتتح القصة. تقضي وأختها شهورا في جوف السفينة، مما يسمح لهما بتطوير لغة خاصة مع المحيط. يوفر لهما هذا التواصل الصامت الحماية والتحول. ومن الغريب أن هذه اللغة الخاصة قد ورثتها جيس. لماذا؟ كانت أختها لوسي هي التي حاولت في عام 2019 تجميع أجزاء هذا اللغز من خلال تجميع الأدلة والآثار التي وجدت في منزل الجرف حيث تعيش أختها. يخدم البناء المتعدد الأصوات في رواية "حوريات البحر" الذاكرة والجروح الجسدية والنفسية، والشعور بالظلم، والثورة، ولم لا الانتقام المحتمل أيضا؟

تغازل رواية "حوريات البحر" الصورة الأسطورية لهذه المخلوقات البحرية -التي تمت عنونتها بها- مع رفع القوة الأنثوية إلى مستوى الرمز. تعد هؤلاء النساء المتحولات رموزا حقيقية، وقد جعلت إميليا هارت هذه الرواية قصة تحرر. وهكذا، فإن الجلد الذي ينفتح، والخياشيم التي تظهر، والأيدي المكففة تنتمي إلى مجال الشعر بقدر ما تنتمي إلى مجال البقاء، في مواجهة عالم يعامل فيه الرجال النساء بشكل سيئ. ثم تكتشف هؤلاء الضحايا قوة غير متوقعة وأخوة حقيقية. يمكن تفسير التغيرات الجسدية على أنها استجابة للوحشية الذكورية. ولهذا السبب يصبح المحيط لغة.

الرواية بأكملها مليئة بالأشياء التي لم تُذكر، ومن المثير للاهتمام بشكل خاص أن نلاحظ أن الصمت هو الذي يهيمن على قلب هذا الاضطراب. تظل جميع النساء في "حوريات البحر" صامتات بشأن العنف الذي تعرضن له. وهذا صحيح في الوقت الحاضر بالنسبة لجيس ولوسي، ولكن أيضا في الماضي بالنسبة لماري وإليزا. إن الذاكرة هي التي تربط هؤلاء النساء، وتعود إلى الظهور عبر الأجيال: ذاكرة خلوية، وراثية، تمتد عبر العصور. والمحيط هو حارسها.

تمنح اللغة التي استخدمتها إميليا هارت كل قوتها العاطفية. تشير الرواية إلى صور بحرية من الخيال الجماعي. إن قدرة القارئ على الشعور بالمياه، ورطوبة الكهوف، والملح على الجلد تأتي من استخدام المعجم البحري بأكمله. تتفوق الكاتبة في وصف الطبيعة والجسد البشري، في حين تضفي على القصة نفحة رومانسية خيالية تقريبا. كما أنها تنجح في التعبير بقوة عن الجسد الذي يعاني ويقاوم، والذاكرة التي تعود على شكل أجزاء.

لقد نجحت رواية "حوريات البحر" في أسر انتباهي، على الرغم من أنني يجب أن أعترف بأن بداية الرواية كانت بطيئة إلى حد ما. تتطلب الرواية المكونة من ثلاثة أجزاء بعض التعود والتركيز، ولكن من السهل متابعتها بمجرد وضع العصور في الاعتبار.

على الرغم من أن النص قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه رواية بوليسية، إلا أنه سرعان ما يتبين أنه يعتمد على التوتر النفسي المستمر. وهذا ما أعجبني بشكل خاص. الشخصيات محببة ومرسومة بشكل جيد. وحتى لو فهمتُ بسرعة الرابطة التي تجمع بين بعض النساء، فإن قراءتي لم تفسد، لأني استوعبت أن ما هو أساسي يوجد في مكان آخر. يتعين على القارئ أن يعرف كيفية الاستمتاع بهذا الجو السحري.

ماذا نرث دون رغبة منا؟ تتناول رواية "حوريات البحر" أيضا العلاقات بين الأم وابنتها، بالإضافة إلى انتقال الصدمات بين الأجيال. تسلط إميليا هارت الضوء على قدرة المرأة على النهوض ومواجهة أي شيء، حيث تشيد بالقوة والتضامن بين النساء من خلال منظور الخيال.

بالنسبة للقوة، فليس في وسعي إلا أن أوافق. أما بالنسبة للتضامن بين النساء، فلست متأكدا من وجوده في الحياة الواقعية. لحسن الحظ أنه لا تزال هناك روايات تمنح المدافعين عن المرأة -مثلي- الوهم بأن مثل هذه التحالفات يمكن أن توجد. هناك أمر واحد مؤكد: مهما كان العصر، فإن النساء يرفضن الغرق...

#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل