أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية 34 مترًا مربعًا.. لويز ماي














المزيد.....

رواية 34 مترًا مربعًا.. لويز ماي


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8458 - 2025 / 9 / 7 - 10:27
المحور: الادب والفن
    


تكتب لويز ماي رواياتٍ قاتمة تتناول بالأساس العنف ضد المرأة. في روايتها "34 مترًا مربعًا" 34m2، تأخذ قارئها إلى بيئة خانقة مغلقة، ذات قوة نادرة وغير مسبوقة، حيث يتشابك الخوف وإعادة البناء في مساحة ضيقة لشقة صغيرة تنبض بذكريات حميمة. تتأرجح هذه الرواية القصيرة جدًا بين وصف حياة يومية متكررة وسعيدة، وبين تصوير الصمود في خضمها. كما تتناول مواضيع السيطرة والعنف المنزلي والخوف بحساسية حادة.

يشير عنوان الرواية، "34 مترًا مربعًا"، إلى الشقة التي تعيش فيها جولييت، الأم الشابة، مع ابنتها إيناس بعد فرارها من عشيق عنيف. قد تبدو هذه المساحة ضيقة، لكنها مع ذلك تكتسي بظلال شرنقة واقية. في هذا العش الدافئ، المنعزل عن العالم، تستعيد جولييت تصرفاتها اليومية الاعتيادية، تلك التي تمارسها دون خوف. تُقدم اللطف والاهتمام لإيناس الصغيرة. لكن في هذا الجو البسيط، تعيش الأم الشابة في حالة تأهب قصوى، لأن هذه الجدران، وإن كانت تحميها، إلا أنها تشهد أيضا على يقظة متزايدة، وخوف غريزي مرتبط بالماضي.

تُجسّد كتابات لويز ماي قسوة الخوف ما بعد الصدمة ببراعةٍ مُلفتة، فالمناخ الذي تتخيله في "34 مترًا مربعًا" مُرهق، مُثقلٌ بماضٍ لا يُقهر. بعيدًا عن كونه مجرد "ذكريات"، يتسلل شبح تاريخها الشخصي المرتبط برجلٍ إلى كل حركةٍ وفكرةٍ من حركاتها وأفكارها. ورغم هروبها، لم يفارقها الرعب الذي شعرت به خلال تلك الفترة. تعيش في حالةٍ من اليقظة المفرطة: تُغلق بابها بقفلٍ مزدوج، وتحرص ألا تسكن في الطابق الأرضي، وتتأكد باستمرار من أن ابنتها تتنفس... جولييت تحمل وصمةً سببتها لها حياتها السابقة، وذلك الرجل الذي يُطاردها ليلًا ونهارًا. لحسن الحظ، أصبحت إيناس الآن جزءًا من حياتها.

إن وصول هذه الطفلة الصغيرة يجعل رواية "34 مترا مربعا" أكثر إثارة للقلق، ليس بسبب وجودها، بل بسبب خطر كامن يحيط بها. إن علاقة الأم بابنتها هي جوهر الرواية، وهي أيضًا النور الوحيد الذي ينبعث منها. تساعد إيناس والدتها على إيجاد معنى لحياتها، وعلى استعادة شعورها بالسكينة. ومع ذلك، فإن الأمومة ليست مثالية: تُظهر لويز ماي مدى انغماس جولييت في الشكوك والقلق والتعب، بالإضافة إلى الجروح العميقة التي تحملها كأكياس رمل ثقيلة. وبينما تتيح لنا الكاتبة الاستمتاع بلحظات الفرح هذه، فإنها تضع القارئ أيضًا في حالة من القلق والترقب الشديد، كما لو أن حجابًا أسود من المرجح أن يتسلل ويحجب كل هذه الأفراح اليومية.

لا تكتفي لويز ماي بوصف تأثير العنف المنزلي، بل تُحلل آلياته. تُظهر ذكريات جولييت المتلاحقة وأفكارها الخفية كيف ترسخت السيطرة خفيةً، مما أدى إلى تآكل كامل لثقتها بنفسها. وكيف تم عزلها تدريجيًا، ودفعها إلى الشعور بالذنب، والحطّ من شأنها. النمط الذي يتكشف أمام أعيننا مُرعب، ويستكشف بكثافة مُحزنة ما تمر به بعض النساء. تُظهر الكاتبة بوضوح أن الهروب الجسدي لا يعني الهروب النفسي. سجن جولييت النفسي جرحٌ يلازمها مدى الحياة. لا يزال شبح المُعتدي حيًا كعادته، وردود أفعال جولييت تشي بتوقعها خطرا مُحتملا في كل ثانية، حتى بعد إطلاق سراحها. إعادة البناء بطيئة، إن لم تكن مستحيلة، مما يزيد من أجواء القلق المُثيرة في "34 مترًا مربعًا" بدرجات مُتفاوتة.

تتميز كتابة لويز ماي بدقة ملحوظة، فسلاسة السرد تتماشى مع إيقاع أفكار جولييت. تجمع روايتها بين دقة فائقة وحساسية حقيقية، فتغمر القارئ في متاهة بطلتها النفسية. من خلال جمل كثيفة ومتقطعة، تنقل إلحاح الألم وهدير الذكريات الجارحة. تُفضل كتابتها السماح للقارئ بملء الصمت والشعور بقوة المشاعر الكامنة. هذا الإتقان الأسلوبي يمنح رواية "34 مترًا مربعًا" أصالةً عميقةً وتأثيرًا عاطفيًا حيويًا.

رواية "34 مترًا مربعًا" تأسر القارئ وتغمره في توتر عاطفي يتصاعد إلى ذروته. شخصية جولييت، شعورها بالقمع، وخوفها العميق، مُجسّدة ببراعة، مما يثير في القارئ ليس فقط شعورًا عميقًا بالضيق، بل أيضًا تعاطفًا فوريًا. تتنقل رواية "34 مترًا مربعًا" بين الظل والنور، الخوف والصمود، والإرهاق والراحة. إنه نصٌّ يطبع الروح بعمق. حتى الصفحة الأخيرة، بخاتمتها الهلوسية، تُبقينا لويز ماي في حالة من التشويق، وتسمح لنا برؤية ما يحدث خلف باب مغلق من خلال نافذة نصف مفتوحة. إنها رواية آسرة... وضرورية بلا شك.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ترامب وطموحاته الخيالية
- رواية البرية الجديدة.. ديان كوك
- أساليب الدكتاتوريات المتلاعبة في ممارستها للسلطة
- رواية وكل الحياة أمامنا.. أوليفييه آدم
- رواية الليل في القلب.. ناتاشا أباناه
- من قناعاتي
- رواية ظلال العالم.. ميشيل بوسي
- رواية برج الجرس.. آر جي إيلوري
- روايتي ذاكرة شمبانيا
- رواية أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم.. ديفيد جوي
- رواية ذات مرة كان هناك ذئاب
- رواية مكان خاطئ، زمان خاطئ.. جيليان ماكاليستر
- آسيا الوسطى، المركز العصبي الخفي والحيوي للجغرافيا السياسية ...
- رواية العندليب.. كريستين هانا
- رواية بابيت.. سنكلير لويس
- رواية حوريات البحر.. إيميليا هارت
- نادي المهن الغريبة.. غلبرت كيث تشيسترتون
- رواية قتلي.. كاتي ويليامز
- مشروع إنشاء جيش أوروبي مشترك
- احتمالية حرب نووية في أوروبا


المزيد.....




- فيلم -صوت هند رجب- يفوز بـ-الأسد الفضي- في مهرجان فينيسيا
- WSJ: غزة أصبحت نقطة استقطاب في عالم الموسيقى العالمي
- الشاعر الإيطالي جوزيبي كونتي: -طوبى لعينيْك يا أَنس الشرِيف- ...
- ملحمة جديدة تجمع سوبرمان بعدوه.. جيمس غان يكشف تفاصيل فيلم - ...
- -فلسطين 36-: فيلم لفهم انعكاسات الانتداب البريطاني على تاريخ ...
- صحف عالمية: الغزيون تعبوا من النزوح وظاهرة دعمهم تمتد إلى عا ...
- معبر رفح بين الرواية المصرية الرسمية والاتهامات الحقوقية: قر ...
- صحف عالمية: الغزيون تعبوا من النزوح وظاهرة دعمهم تمتد إلى عا ...
- فيلم -صوت هند رجب- يفوز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقي ...
- فيلم “صوت هند رجب” يفوز بجائزة الأسد الفضي في مهرجان البندقي ...


المزيد.....

- الثريا في ليالينا نائمة / د. خالد زغريت
- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية 34 مترًا مربعًا.. لويز ماي