أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم.. ديفيد جوي















المزيد.....

رواية أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم.. ديفيد جوي


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 16:50
المحور: الادب والفن
    


مع "أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم" Those We Thought We Knew، يغرقنا ديفيد جوي مرة أخرى في قلب أميركا المنقسمة والمعذبة. إن ما يصوره المؤلف أبعد ما يكون عن المثالية، وهي نقطة تظهر بانتظام في رواياته. أميركا التي تتميز بالتوترات العنصرية وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية الصارخة والعنف المنتشر في كل مكان. تدور أحداث الرواية في بلدة صغيرة في ولاية كارولينا الشمالية، حيث يتجذر الصراع العنصري والتحيز بعمق في الحمض النووي الجماعي. تتطور الشخصيات في سياق تعود فيه الجروح القديمة للفصل العنصري والعنصرية إلى الظهور، والتي تفاقمت بسبب التحديات الاقتصادية الحديثة. الحلم الأميركي في مأزق.

ولمعالجة هذه المواضيع المختلفة، وإدانة الحقائق التي يفضل رجال السلطة إخفاءها تحت السجادة، يتخيل الكاتب الأميركي فنانة أميركية من أصل إفريقي تقرر العودة إلى بلدة صغيرة في جبال نورث كارولينا، حيث تنحدر عائلتها. وعندما تكتشفت نصبا تذكاريا في قلب البلدة، تظهر تطلعات جديدة: تسليط الضوء على ماضي العبودية في المنطقة.

في الوقت نفسه، وفي نفس المقاطعة، يعتقل إرني، ضابط الشرطة، أحد العنصريين البيض الذي يحمل دفترا يحتوي على بعض أسماء الوجهاء البارزين جدا. تحدث جرائم. في وعاء الضغط بالحجم الطبيعي هذا، تبدأ حوادث وأسرار مدفونة وأكاذيب وقحة ومحاولات لتسويات في الظهور.

ما يهمني أكثر -تحت ستار الرواية السوداء، وبعيدا عن القصص المتشابكة- في هذا النص لديفيد جوي هو ما يقوله ضمنيا عن بلاده. إنها الحقيقة العارية لأميركا التي تعاني من أزمة والتي تتعفن من الداخل والتي وصفها لنا باقتدار. يتم تشريح حقائق المجتمع الأميركي المعاصر بالمشرط.

أحد المواضيع الأكثر لفتا للانتباه في هذه الرواية هو التوترات العنصرية والإرث العنصري، الذي لا يزال حيا في أميركا حتى اليوم. هذه التوترات ليست مجرد آثار، بل هي حقائق تؤثر على العلاقات والمجتمع. على سبيل المثال، من خلال عيني تويا جاردنر، الفنانة الأميركية الشابة من أصل إفريقي التي تكتشف مقبرة للعبيد السابقين مخبأة تحت الحرم الجامعي، يسلط ديفيد جوي الضوء على الطريقة التي يستمر بها التاريخ العنصري الأميركي في التأثير على الحاضر. تواجه تويا نظاما أدى إلى محو مساهمات ومعاناة الأميركيين من أصل إفريقي، وهو تذكير دائم بإرث الفصل العنصري والظلم المستمر. من خلال استكشاف الماضي، يوضح المؤلف أن مكافحة العنصرية ليست مجرد مسألة سياسة أو تشريع، ولكنها أيضا معركة من أجل الاعتراف بأولئك الذين تعرضوا للتهميش والمضطهدين وإحياء ذكراهم.

في الواقع، يتم التعامل مع العنصرية بشكل مباشر، ليس فقط كموقف فردي، ولكن كنظام مؤسسي يستمر في تهميش المجتمعات الملونة. لا يُظهر ديفيد جوي أعمالا معزولة من العنصرية فحسب، بل يوضح أيضا كيفية ترسيخ التحيزات والقوالب النمطية العنصرية في الهياكل الاجتماعية والاقتصادية. تكشف الرواية أيضا التحالفات الضمنية والتواطؤات الصامتة التي تسمح للعنصرية بالازدهار. من خلال شخصيات معينة، يرى القارئ كيف يمكن أن تكون كراهية الآخرين أداة للسلطة والسيطرة. إن حقيقة استمرار هذه الشخصيات في العيش مع الإفلات التام من العقاب توضح مدى تجذر العنصرية والتسامح معها في طبقات معينة من المجتمع.

الشجرة ذات الجذور العميقة في الولايات المتحدة الأميركية هي "التفوق الأبيض". وليس من الضروري أن تكون الشخص الذي زرع تلك الشجرة أو تأكد من سقيها أو تقليم أغصانها لتكون الشخص الذي يستفيد شخصيا من الظل الذي توفره. هناك مجموعة كاملة من الناس يجلسون بشكل مريح تحت هذه الشجرة، ويعرف بعضهم جيدا أين يجلسون ولا يفعلون شيئا لأنهم يحبون هذا المكان الذي يجلسون فيه، وهناك آخرون لا يعترفون حتى بذلك. ربما لا يعترفون بذلك لأنهم لا يرونه، أو ربما لا يريدون رؤيته، لكن في النهاية، لا شيء من هذا يهم، لأنهم جميعا يستفيدون من نفس الشيء.

هناك موضوع آخر متكرر في الرواية: عدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية. لا يدخر المؤلف شخصياته لتصوير الواقع القاسي للطبقات المحرومة. في "أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم"، يعيش بعض الناس في عالم من الفرص القليلة، حيث الحراك الاجتماعي يكاد يكون مستحيلا. إنهم يكافحون من أجل البقاء. يعيشون في بيئات تفتقر إلى الدعم الاقتصادي والاجتماعي بشدة. إن الفجوة بين الأغنياء والفقراء موجودة على الدوام، وهو ما تؤكده أوصاف المجتمعات المقسمة ليس فقط على أساس العرق، بل أيضا على أساس الطبقة الاجتماعية. وتؤدي هذه التفاوتات إلى تأجيج الإحباط والغضب وخيبة الأمل بين أولئك الذين يشعرون بأن النظام قد تخلى عنهم. غالبا ما تكون الشخصيات عالقة في حلقات مفرغة من الفقر، غير قادرة على كسر قيود حالتها الاجتماعية بسبب نقص الدعم الحكومي وانتشار التمييز. يصف المؤلف المجتمعات التي ينتشر فيها اليأس وانعدام الآفاق، حيث يتم اختزال خيارات الشخصيات في كثير من الأحيان إلى السعي للبقاء. خيارات تغرقهم بشكل أعمق في البؤس. الفقر حلقة مفرغة، يغذيها نقص التعليم والموارد والدعم، ويتفاقم بسبب النظم الاقتصادية والاجتماعية غير العادلة. فهو لا يؤثر على الأفراد فحسب، بل يدمر المجتمعات أيضا. الشخصيات معزولة، ليس فقط بسبب وضعها الاقتصادي، ولكن أيضا بسبب شعورها بالخجل والعار.

تؤدي هذه التفاوتات إلى أعمال عنف منتشرة في كل مكان. ولا يكون العنف جسديا فحسب، بل نفسيا وهيكليا. ولا يتجلى في التفاعلات بين الأفراد فحسب، بل في السياسات والممارسات المؤسسية التي تديم عدم المساواة والظلم. علاوة على ذلك، تبدأ الرواية بمشهد عنف فج، حيث يقوم بعض الأشخاص بحفر القبور ليلا، وهي صورة تشير إلى الطبيعة المظلمة والقاسية لبيئتهم. تهيمن علاقات السلطة: إساءة استخدام السلطة، الإقصاء، التهميش، ووحشية الشرطة... إلخ. ويخلق العنف جوا من التوتر المستمر والشعور بعدم الأمان الذي يؤثر على حياة الجميع.

لا تروي "أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم" قصة فحسب، بل تدين أيضا حقائق المجتمع الأميركي المعاصر. مما لا شك فيه أن هذه الرؤية معروفة بالتأكيد، ولكن هنا تم فك شيفرتها جيدا، وهذا ما أسعدني. ليس الواقع الأميركي واقع المدن الكبرى، بل هو أولا وقبل كل شيء واقع المجتمعات الصغيرة حيث يشكل البقاء اليومي تحديا حقيقيا. الشخصيات، ذات طابع إنساني عميق، بما فيها من نقاط القوة والضعف، تمثل زوايا مختلفة لنفس المرآة. ما عليك إلا أن تحلل النتائج الانتخابية لتدرك أن مهد الناخبين الجمهوريين موجود هناك. يرسم الكاتب صورة قاتمة ولكن واقعية لأميركا المجزأة، لمجتمع يعاني أزمة، لمجتمع يموت من الداخل. توحي هذه الرواية بخيبة أمل كاتبها، دون أن تمحو إحساسه بالواقع أبدا. ليس لأنك تحب بلدك لا يمكنك أن تكون موضوعيا. يذكرنا بأن صراعات الماضي ما تزال حاضرة بقوة اليوم ولا يتردد في مواجهتها. إنها رواية تشجع القارئ على التفكير في القضايا الحالية وفي المستقبل أيضا.

وأخيرا، إن وصول دونالد ترامب إلى سدة الحكم من جديد، يؤكد أن أميركا تستمر في حفر قبرها بدل اللجوء إلى القصيدة الموجودة في قاعدة تمثال الحرية لإيما لازورس: "أعطني متعبيكم، فقراءكم، جماهيركم المتلهفة للتنفس بحرية، نفايات شواطئكم المزدحمة البائسة. أرسلوا هؤلاء المشردين، الذين هبت عليهم العواصف، إليّ، أرفع مصباحي بجانب الباب الذهبي!".



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية ذات مرة كان هناك ذئاب
- رواية مكان خاطئ، زمان خاطئ.. جيليان ماكاليستر
- آسيا الوسطى، المركز العصبي الخفي والحيوي للجغرافيا السياسية ...
- رواية العندليب.. كريستين هانا
- رواية بابيت.. سنكلير لويس
- رواية حوريات البحر.. إيميليا هارت
- نادي المهن الغريبة.. غلبرت كيث تشيسترتون
- رواية قتلي.. كاتي ويليامز
- مشروع إنشاء جيش أوروبي مشترك
- احتمالية حرب نووية في أوروبا
- رواية منفاخ الزمن.. كريستينا كابوني
- رواية دم واحد.. دينين ميلنر
- ومات ماريو بارغاس يوسا
- رواية كتاب الأبواب.. غاريث براون
- تأثير دانينغ-كروجر.. ترامب مثالا
- جاك لندن.. تصحيح حُكْم
- رواية كرنفال أشباح.. روجر جون إلوري
- رواية الطوفان.. ستيفن ماركلي
- اكتشافات الكلية.. فريدريك جيمسون
- دول البلطيق والخطر الروسي


المزيد.....




- -ركعت أمامها وقبلت يديها-.. تفاعل مع أسلوب عزاء ماجدة الرومي ...
- الممثلة المصرية وفاء عامر ترد على اتهامات الاتجار بالأعضاء
- لبنان: الحزن يخيم على مراسم جنازة زياد الرحباني بحضور والدته ...
- ترامب يتهم الفنانة بلا دليل.. ما حقيقة حصول بيونسيه على أموا ...
- -تاريخ استعماري-.. تصريحات وزير هندي تثير الجدل بشأن تحدث ال ...
- فلسفة الذم والشتائم في الأدب.. كيف تحوّل الذم إلى غرض شعري؟ ...
- فيديو.. أول ظهور للفنانة فيروز في مراسم تشييع زياد الرحباني ...
- التجويع يواصل الفتك بسكان غزة ومنظمات دولية تحذر من -مسرحية ...
- -أصداء الطوفان-.. حين تصير الكلمة بندقية
- رفاعة الطهطاوي (1801-1873): مُعلّم الأمة وعميد النهضة


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية أولئك الذين ظننا أننا نعرفهم.. ديفيد جوي