أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية آخر جريمة قتل في نهاية العالم.. ستيوارت تورتون















المزيد.....

رواية آخر جريمة قتل في نهاية العالم.. ستيوارت تورتون


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8527 - 2025 / 11 / 15 - 16:56
المحور: الادب والفن
    


لطالما اشتهر ستيوارت تورتون بخلق عالم جديد مع كل رواية. في "آخر جريمة قتل في نهاية العالم" The Last Murder at the End of the World، يأخذنا الكاتب إلى مستقبل بائس، حيث يعيش 122 شخصا على جزيرة، تحت حماية ثلاثة شيوخ. إنهم الناجون الوحيدون من ضباب غريب قضى على الحضارة. خلف هذه المنطقة "المحمية"، انهار العالم. هم الوحيدون الباقون، الشهود الوحيدون على ما كانت عليه البشرية في الماضي. والخبر السار هو أن البشرية تعلمت من أخطائها. هنا، لم يبقَ سوى السلام والسكينة والحياة الجماعية. يقوم كل واحد منهم بالمهام الموكلة إليه. يتشاركون وجبات الطعام معا في فرح وروح دعابة. ينامون في نفس الوقت، في وقت حظر التجول. إطار عمل، قواعد، اهتمام بالآخرين، إنه وضع أشبه بحلم. جوهر الانسجام.

ثلاثة شيوخ وعدد قليل من العلماء يعملون يوميا للحفاظ على التقنية التي تسمح للحاجز المشيد حول الجزيرة بإبقاء الضباب المدمر بعيدا. إن هذا الضباب تهديد دائم ومرعب، معروف باجتياحه كل ما يعترض طريقه. ينتشر في جميع أنحاء الكوكب، تاركا وراءه الخراب والموت، قاتلا كل ما يلمسه من البشر والحيوانات والنباتات.

يتبدد السلام النسبي لهذا المجتمع بوقوع جريمة قتل، وانهيار الحاجز التكنولوجي الذي يحميهم من الضباب القاتل. ثم تختلط في "آخر جريمة قتل في نهاية العالم" مشاعر الألم والذعر والذهان. في هذا المكان العجيب حيث يحب الجميع بعضهم بعضا، من يجرؤ على قتل أخيه في الإنسانية؟ وهذا الضباب، الذي يتقدم تدريجيا، استعارة للحماية والخطر في آنٍ واحد، ينذر بكارثة أعظم... يكاد يكون حيا، شخصية بحد ذاتها، يطارد أبطال الرواية ويواجههم بأعمق مخاوفهم.

مقدمة الرواية غامضة للغاية. تُعرّفنا على نيما، الشخصية المحورية التي يبدو أن قراراتها تتحكم في مصير سكان الجزيرة الآخرين، الذين تُراودهم شكوك مُريعة. تُجري نيما تجارب سرية قد تغير مجرى البشرية، "إذا نجحت هذه الخطة، سنُنشئ عالما بلا معاناة. ولأول مرة في تاريخنا، ستكون هناك مساواة كاملة". أمرٌ مُثير للاهتمام، أليس كذلك؟ خاصة أنها تُحاور شخصية تُدعى آبي، التي يبدو أنها تعرف الكثير عن تنظيم الجزيرة، والتي يبدو أن نيما تُنصت إليها...

يتقن ستيوارت تورتون فن التشويق بدقة شيطانية. منذ الصفحات الأولى من رواية "آخر جريمة قتل في نهاية العالم"، يخلق جوا من التوتر المتصاعد، حيث يعلم القارئ أن أمرا فظيعا على وشك الحدوث، لكنه يعجز عن تخمين طبيعته. تكمن مهارة الكاتب في قدرته على التلاعب بتوقعات جمهوره، إذ يزرع الأدلة ويخفي الحقيقة في آن واحد. كل تفصيل له أهميته، ويبدو أنه يحمل في طياته معانٍ خفية. الرواية بأكملها مبنية كأحجية يجب على القارئ تجميع أجزائها أثناء القراءة.

يتفوق المؤلف أيضا في ضبط وتيرة الأحداث. فبينما تتأنى بعض المشاهد، وكأنها تأملية، تتميز مشاهد أخرى بسرعة إيقاعها، مع تحولات مفاجئة في الأحداث تدهش القارئ. هذا التناوب بين لحظات الهدوء والحماس يُسهم في خلق ديناميكية سردية آسرة، تجذب القارئ لمواصلة القراءة بشغف.

بنية القصة بحد ذاتها، المتخللة بمشاهد الماضي والتحولات في المنظور، تُبقي القارئ في حالة توتر دائم. نعلم أن كل شيء قد يتغير في أي لحظة، وأن الشخصيات تُخفي أسرارا قد تُزعزع استقرار الجزيرة الهش. هذا التناول المتقن للتشويق يجعل "آخر جريمة قتل في نهاية العالم" روايةً يستحيل تركها بمجرد بدء قراءتها.

ما يجعل قراءة "آخر جريمة قتل في نهاية العالم" آسرة للغاية هو متعة الانغماس في هذا العالم الغامض. أسلوب ستيوارت تورتون مؤثر، يكاد يكون شعريا في بعض الأحيان، وهو ما يتناقض مع العنف الكامن في القصة. بعيدا عن مجرد تقديم تحولات في الحبكة تجعلها سردا تقليديا، يدعونا ستيوارت تورتون إلى التأمل في أسئلة وجودية: التضحية، بقاء البشرية، والخيارات الأخلاقية التي تواجهها شخصياته.

تُعدّ بيئة الجزيرة شخصيةً بحد ذاتها، بأجوائها الفريدة، الآسرة والمُقلقة في آنٍ واحد. الأوصاف المُفصّلة للمناظر الطبيعية، التفاعلات بين السكان، وتطور العلاقات الإنسانية، تُعزّز شعور الانغماس التام في هذا العالم الغريب. ليست الحبكة وحدها ما يأسر القارئ، بل البيئة التي تتكشف فيها أيضا، مكانٌ يبدو فيه لكل عنصر من عناصر الطبيعة دلالة رمزية.

تُعزز متعة القراءة هذه بالعمق النفسي للشخصيات. فكل شخصية مرسومة بدقة، بدوافعها وعيوبها وأسرارها. تُجسد نيما، الشخصية المحورية في الرواية، الثنائية بين الخير والشر، بين المثالية والواقع القاسي. يتساءل القارئ باستمرار عن نواياها الحقيقية، مما يُضيف بُعدا آخر للحبكة.

بعيدا عن التشويق، تطرح رواية "آخر جريمة قتل في نهاية العالم" أسئلة جوهرية حول الطبيعة البشرية والمصير الجماعي. بوضع شخصياته أمام خيارات مستحيلة، يستكشف ستيوارت تورتون مفهوم المسؤولية الفردية والجماعية. يعتمد بقاء الجزيرة على سلسلة من القرارات الصعبة، وأدنى خطأ قد يؤدي إلى عواقب لا رجعة فيها.

وهكذا تُصبح الجزيرة رمزا للعالم الحديث، العالم الوحيد الذي لا يزال قائما، حيث تؤثر أفعال كل فرد تأثيرا مباشرا على رفاهية الجميع. التأمل في ترابط الأفراد، والمعضلات الأخلاقية التي يواجهونها، وهشاشة التوازن العالمي، يتردد صداه بقوة في القضايا المعاصرة. "آخر جريمة قتل في نهاية العالم" هي أيضا رواية فلسفية تُحفّز على التأمل في معنى أفعالنا وعواقبها.

وأخيرا، وهذا بلا شك الجزء الذي أسعدني أكثر، يلعب الخيال دورا أساسيا في هذا النص. يسمح استخدام الخيال وأجواء ما بعد نهاية العالم لستيوارت تورتون باللعب بالإدراك. يمنحه خياله الجامح حرية كاملة؛ فهو لا يتردد في إدخال عناصر من الخيال العلمي والاحتمالات اللانهائية للمستقبل المحتمل الذي يتنبأ به راوٍ عليم. المشاهد التي تتخذ فيها الشخصيات قرارات حاسمة، تغرق القارئ في حالة من التوتر المستمر. هذا العالم البائس، حيث تتغير قوانين الطبيعة، حيث يمكن التلاعب بالأشياء الأساسية، يخلق ديناميكية فريدة. القدرة على دفع حدود الواقع هي ما تجعل السرد مشوقا للغاية. يُجبَرُ القارئ باستمرار على استكشاف المجهول.

"آخر جريمة قتل في نهاية العالم" رواية رائعة تجمع ببراعة بين الخيال والتشويق والتوتر النفسي والعمق الفلسفي. يُثبت ستيوارت تورتون مجددا أنه بارع في هذا النوع الأدبي، قادر على أسر قارئه ودعوته للتأمل في الأسئلة الوجودية. هذه القصة المؤلمة، التي تدور أحداثها في جزيرة غامضة، تُبقينا متشوّقين من البداية إلى النهاية، وتزداد متعة القراءة بفضل الإبداع الرائع، وذكاء السرد، ودقة الشخصيات.

عند الانتهاء من هذه الرواية، شعرت وكأنني عشت تجربة عميقة، على المستوى الفكري والعاطفي. إنها روايةٌ تأسرك من صفحاتها الأولى، وتستمر مشاعرها في التأثير عليك حتى بعد انتهائك من قراءتها.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رواية شفق الأرملة البيضاء.. سيريل كارير
- رواية الصديق لويس.. سيلفي لو بيهان
- الذكاء الاصطناعي وهلاك الإنسان
- رواية لدغات الصمت.. جوهانا غوستاوسون
- أوروبا والمحور الأيديولوجي دوغين-يارفين
- عن الاستماع إلى الموسيقى وقت الكتابة
- ظِلُّ السنوار.. عمار بلخضرة
- إدانة نيكولا ساركوزي.. سيادة الشعب أم سيادة أوليغارشية أصحاب ...
- رواية أردت أن أعيش.. أديلايد دي كليرمون تونير
- توم.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف
- رواية الاصطدام.. بول غاسنييه
- رواية القلب صياد وحيد.. كارسون ماكولرز
- دونالد ترامب.. أميركا أنا، وأنا أميركا
- رواية الساعات الهشة.. فيرجيني غريمالدي
- رواية 34 مترًا مربعًا.. لويز ماي
- ترامب وطموحاته الخيالية
- رواية البرية الجديدة.. ديان كوك
- أساليب الدكتاتوريات المتلاعبة في ممارستها للسلطة
- رواية وكل الحياة أمامنا.. أوليفييه آدم
- رواية الليل في القلب.. ناتاشا أباناه


المزيد.....




- بعد افتتاح المتحف الكبير.. هل تستعيد مصر آثارها بالخارج؟
- مصر.. إصابة الفنان أحمد سعد في ظهرة ومنطقة الفقرات بحادث سير ...
- أول تعليق لترامب على اعتذار BBC بشأن تعديل خطابه في الفيلم ا ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- من الوحش إلى البطل.. كيف غير فيلم -المفترس: الأراضي القاحلة- ...
- لقاء خاص مع الممثل المصري حسين فهمي مدير مهرجان القاهرة السي ...
- الممثل جيمس فان دير بيك يعرض مقتنياته بمزاد علني لتغطية تكال ...
- ميرا ناير.. مرشحة الأوسكار ووالدة أول عمدة مسلم في نيويورك
- لا خلاص للبنان الا بدولة وثقافة موحدة قائمة على المواطنة
- مهرجان الفيلم الدولي بمراكش يكشف عن قائمة السينمائيين المشار ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية آخر جريمة قتل في نهاية العالم.. ستيوارت تورتون