أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية لدغات الصمت.. جوهانا غوستاوسون














المزيد.....

رواية لدغات الصمت.. جوهانا غوستاوسون


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8506 - 2025 / 10 / 25 - 14:22
المحور: الادب والفن
    


أضحت روايات الإثارة نوعا أدبيا لا يناسبني إلا إذا كانت بمثابة خلفية لبحث قضايا مجتمعية عميقة. أتوقع من كاتبة، وربما أخطئ في ذلك، التزاما بقضية المرأة واستنكارا لما يفعله العالم بها. بهذه المعايير، تتفوق رواية "لدغات الصمت" Les morsures du silence في تقاطع الألم والمناطق الرمادية والتقصير البشري.

تُبدع جوهانا غوستاوسون في أدب الإثارة ثنائي الزمن، بل تُقدم غوصا عميقا في تقلبات النفس البشرية المظلمة، وفي الصدمات الخفية التي تترك آثارا لا تُمحى. بقلمٍ ثاقب، ولكنه حساس، رقيق ودقيق، تستكشف الكاتبة مواضيع عالمية، كالذنب، الحزن، ثقل الأسرار، والأشياء غير المعلنة التي تُعيق الروابط العائلية.

لذا، لا يمكن للشخصيات أن تكون مجرد أشكال أو صور مكتوبة. بل يجب أن تكون متجسدة، مسكونة بالعيوب، والغضب المتأجج، والآمال الخافتة. وهذا هو الحال في رواية "لدغات الصمت". يحمل كلٌّ منها في طياته جزءا من ألمٍ مشترك، ألم الحداد، أو العار، أو الندم. تتطور الشخصيات في عالم تحكمه المظاهر والأعراف، لكنه يتصدع باستمرار بفعل تفجر ما لا يمكن التنبؤ به. ما أعجبني هو عمق إنسانية الشخصيات. سواء من خلال صراعاتها الداخلية أو تفاعلاتها مع الآخرين، تكشف كل شخصية عن جزء من حقيقتها، غالبا ما يكون مؤلما، وأحيانا أخرى مُنيرا. تُظهر جوهانا غوستاوسون بدقة مُربكة مدى تأثير أكثر الأحداث إيلاما على الأفراد وعلاقاتهم.

كذلك، الصمت، ذلك البطل الخفيّ الحاضر في كل مكان، يصدح في كل صفحة برقّة مثيرة ومقلقة. فهو في آنٍ واحد حصن الشخصيات من الفوضى، وبوتقة يغلي فيها الألم، يُشبه مرآة قاسية، تكشف ما تحاول كلٌّ شخصية دفنه، بينما يحبسها في كلماتها غير المنطوقة. الأسرار، والصمت المفروض أو المُختار، يمتدان كالظلال، مُؤثرين على الإيماءات والخيارات. في "لَدغات الصمت"، ينبع التوتر السردي مما لا يُقال، من غياب الكلمات الذي أحيانا يكون أثقل من الكلمات. ما الذي نتخلى عنه عندما نختار الصمت؟ وفوق كل شيء، ما الذي يبقى لنُنقذه عندما يُكسر الصمت؟

بالإضافة إلى الجانب الشخصي، تُسائل رواية "لدغات الصمت" أيضا البنى الاجتماعية المحيطة بنا. تحلل الكاتبة ديناميكيات القوة، والضغوط التي تُمارسها التوقعات الاجتماعية، عيوب النظام، وخاصةً النظام القضائي، التي تُبقي بعض الأفراد معزولين وضعفاء. تطرح الرواية سؤالا مُقلقا: كيف يتعامل المجتمع مع ضحاياه وجلاديه، وكيف تتداخل هذه الأدوار أحيانا؟

لقد أدهشني في هذه الرواية بشكل خاص اختلاف مناهج ومعالجة قضايا الاغتصاب بين النظامين القضائيين الفرنسي والسويدي. لذلك، أجريتُ بعض الأبحاث.

تكمن الاختلافات الرئيسية بين النظامين الفرنسي والسويدي في نقطتين رئيسيتين مترابطتين. الأولى: توصيف الاغتصاب. والثانية: الإثبات. في السويد، تُعدّ الموافقة على ممارسة الجنس محور النقاش بعد تعديل القانون عام 2018. يقع على عاتق المتهم، وليس الضحية (كما هو الحال في فرنسا)، تقديم إثبات الموافقة. يبدو لي أن هذا يُغيّر كل شيء. انطلاقا من المبدأ السويدي، فإن الضحية، التي تعاني من الصدمة، تتحرر من إثبات صحة أقوالها.

بعد هذه التوضيحات، من البديهي أن العقوبات ستتغير. في هذه الحالة تحديدا، أود التركيز بشكل أساسي على الحالة السويدية، حيث حسّن النظام القانوني قوانينه. منذ تعديل القانون، أدخلت السويد أيضا مفهومي "الاغتصاب غير المقصود" و"الاعتداء الجنسي غير المقصود". يتعلق هذا بالحالات التي لم يقصد فيها الجاني ارتكاب جريمة الاغتصاب (ولكنه أقدم على ارتكابها على أي حال...).

وأدى مجموع هذه التدابير إلى زيادة في الإدانات (زيادة بنسبة 75% بين عامي 2017 و2019).

يبدو أن الحكومة السويدية ملتزمة تماما بمعالجة المشكلة برمتها وتفاصيلها الدقيقة. يجب تحرير النساء من عبء الإجراءات القانونية الهائل الذي يخشينه. لذا، ليس هناك مفر من ذلك: فمن الممكن دائما تغيير القانون وعكس مسار الأحداث من خلال إلزام المعتدين بإثبات ادعاءاتهم وإعفاء الضحايا من هذا العبء.

من خلال كتابتها رواية "لدغات الصمت"، اتخذت جوهانا غوستاوسون موقفا أخلاقيا، وعززت الوعي باختلافات القانون بين بلدين، وأثرت الوعي -وعيي على الأقل- بهذه الاختلافات وحفزت التفكير من خلال تسليط الضوء على أساليب مختلفة للقيام بالأشياء.

مع ذلك، لا بد لي من الحديث عن كتابة جوهانا غوستاوسن كتجربة حسية. فهي تُحيط القارئ بأجواء ملموسة للغاية، من برد الشمال إلى صرير الباب، ومن الصراخ الحاد إلى وطأة الصمت الخانق. هذا الإتقان في اللغة الحسية يُعزز الانغماس في القصة ويُضخّم القوة العاطفية لها. إن طريقة تعاملها مع المواضيع المؤلمة، بفضل كتابتها الرقيقة والقوية، تُظهر أنه يُمكن إيصال الرسائل القوية دون اللجوء إلى الإيماءات المبالغ فيها أو مشاهد العنف المفرط. كما تتألق الكاتبة في لحظات التأمل العميق، مُلتقطة بدقة مشاعر شخصياتها. الحوارات، الطبيعية والصادقة، تُعزز الانطباع -أو ربما الشعور- بالألفة بين القارئ والأبطال. أحببت شخصياتها بشدة.

تهدف رواية الإثارة الجيدة -بالنسبة لي- بالدرجة الأولى إلى استكشاف الروح البشرية في أحلك خباياها، حيث تتجلى الدوافع والتناقضات الكامنة في أعماقها. إنها تجذب انتباهنا، وتأخذنا إلى عالم تتجلى فيه جميع المشاعر. لكن قوتها الحقيقية تكمن في قدرتها على مواجهتنا بجوانبنا المظلمة، وعيوبنا، وربما تمنحنا فرصة للتنفيس عن أنفسنا.

تدفعنا رواية "لدغات الصمت" إلى تأمل صمتنا، وتحليل مجتمعاتنا، وإبراز جوانب التحسين الممكنة. كما تشجعنا على التواصل مع الآخرين، باطلاعهم على ما يمرون به وما يواجهونه. تتمتع جوهانا غوستاوسون بموهبة فريدة في إثارة التعاطف. لدغاتها هي أيضا مداعبات. إنها تعرف جيدا كيف تكون السم والترياق في آن واحد...



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أوروبا والمحور الأيديولوجي دوغين-يارفين
- عن الاستماع إلى الموسيقى وقت الكتابة
- ظِلُّ السنوار.. عمار بلخضرة
- إدانة نيكولا ساركوزي.. سيادة الشعب أم سيادة أوليغارشية أصحاب ...
- رواية أردت أن أعيش.. أديلايد دي كليرمون تونير
- توم.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف
- رواية الاصطدام.. بول غاسنييه
- رواية القلب صياد وحيد.. كارسون ماكولرز
- دونالد ترامب.. أميركا أنا، وأنا أميركا
- رواية الساعات الهشة.. فيرجيني غريمالدي
- رواية 34 مترًا مربعًا.. لويز ماي
- ترامب وطموحاته الخيالية
- رواية البرية الجديدة.. ديان كوك
- أساليب الدكتاتوريات المتلاعبة في ممارستها للسلطة
- رواية وكل الحياة أمامنا.. أوليفييه آدم
- رواية الليل في القلب.. ناتاشا أباناه
- من قناعاتي
- رواية ظلال العالم.. ميشيل بوسي
- رواية برج الجرس.. آر جي إيلوري
- روايتي ذاكرة شمبانيا


المزيد.....




- ايران تحرز ميداليتين ذهبيتين في الفنون القتالية ببطولة آسيا ...
- فلسفة الذكاء الاصطناعي.. الوعي بين الفكرة والآلة
- أحمد مالك أول مصري يفوز بجائزة أفضل ممثل في -الجونة السينمائ ...
- حيدر التميمي عن الاستشراق والترجمة في فهم الفكر العقدي الإسل ...
- توقف عن التسويف فورا.. 12 كتابا تكشف علاقة الانضباط بالنجاح ...
- فيلم -ضع يدك على روحك وامشِ- يفوز بجائزة في ختام الدورة الـ8 ...
- هل انتهت أزمة الفيلم المصري؟ مشاركة لافتة للسينما المصرية في ...
- صدر حديثا ؛ من سرق الكتب ؟ قصة للأطفال للأديبة ماجدة دراوشه
- صدر حديثا ؛ أنا قوي أنا واثق أنا جريء للأديبة الدكتورة ميساء ...
- صدر حديثا ؛ شظايا الذات - تأملات إنسانية للكاتبة تسنيم عواود ...


المزيد.....

- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور
- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - رواية لدغات الصمت.. جوهانا غوستاوسون