أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - كيمياء القراءة.. لماذا نعشق نصوصا وننفر من أخرى؟














المزيد.....

كيمياء القراءة.. لماذا نعشق نصوصا وننفر من أخرى؟


وليد الأسطل

الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 16:17
المحور: الادب والفن
    


هناك لحظات في حياة القارئ تتكوّن فيها علاقة غامضة مع الأشياء المكتوبة، علاقة تشبه مصادفة غيمة تتشكّل فوق رأسك دون أن يسبقها إنذار، ثم تنهال عليك بأمطار تغسل شيئا دفينا في داخلك. ليس كل كتاب يعقد معك هذه المصادفة، وليس كل كتاب يُفتح على صفحته الأولى فيفتح معك بابا آخر للوجود. أحيانا تقرأ كتابا أحاط الناسُ عنوانه بهالة مضيئة، يكررونه بإعجاب ويشيرون إليه كما لو أنّه كنزٌ مخبوء في قلب الزمن، فتذهب إليه وأنت تمشي بخطواتٍ مترددة، متسائلا إن كنت ستجد في صفحاته ما وجدوه هم، متوقعاً لحظة انبهار أو رجفة اكتشاف، ثم تفاجأ بأن الأبواب تظل مغلقة، والصفحات تمر أمامك كوجوه لا تتعرف عليها.

يحدث ذلك كثيرا: أن تحاول فهم السر الذي جعل جمهوراً واسعاً يتشبّث بكتاب لا يصل إليك منه شيء. تقرأ الجملة وراء الجملة، تحاول أن تُنصت إلى الإيقاع، إلى المعنى الخفي، إلى تلك اللمعة التي يتحدثون عنها، ومع ذلك لا تشعر سوى بأنك غريبٌ عن كل شيء. كأنك تمسك حجراً يريد الجميع إقناعك بأنه جوهرة، فتقلبه في يدك، تدرسه، ترفع رأسك كي ترى إن كان الضوء سينعكس عليه، لكنه يظل حجراً في عينك وذاكرتك وحسّك.

ولأن القارئ كائنٌ يحمل داخله خريطةً سرية لا يعرفها أحد، فإن الكتب التي تهزّه قد لا تكون تلك التي وصفتها الجوائز أو احتفى بها النقاد. قد يحدث أن تجد نفسك مندفعاً نحو كتاب بسيط المظهر، مهملٌ فوق رفّ بعيد، تغطيه طبقة خفيفة من الغبار، فتفتحه دون توقّع، ثم تشعر بأن الصفحات تتسع مثل نافذة تطلّ منها على عالم آخر. تشعر بأن الكلمات لا تُقرأ فقط، بل تتنفس. وأن السطور تتسلل إلى يومك مثل موسيقى تحفظها روحك أسرع مما يحفظها لسانك.

وقد يرافقك هذا الكتاب زمنا طويلا. تحتفظ به في حقيبتك كما لو أنّه تعويذة شخصية، تقرأ منه في المقاهي وفي زوايا محطات الحافلات وفي الهزيع الأخير من الليل. وربما تخشى عليه من الفقد أكثر مما تخشى على أشياءٍ أخرى في حياتك، لأنك تعلم أنّه لم يكن مجرد نص، وإنما كان مرآة رأت فيها ذاتك وجهاً لم تكن قد رأيته من قبل. وربما تتحول علاقتك بهذا الكتاب إلى شيءٍ لا يمكن تفسيره للآخرين: شيءٌ يشبه صداقة قديمة، أو وعدا سريا، أو رابطاً يصعب قطعه.

وقد ينعكس هذا الارتباط على حياتك اليومية، على قراراتك، على علاقاتك. قد يبدو لأحدهم أن شغفك مبالغ فيه، وقد يتهمك آخر بأنك تهرب إلى الكتب بطريقة مفرطة، غير مدركٍ أن المسألة ليست هرباً من العالم، وإنما بحثٌ عن عالمٍ أوسع، أرحب، أصدق.

وهنا يكمن جوهر الحكاية كلّها: إن القراءة ليست سباقاً لتتبّع آراء الآخرين، ولا امتحاناً لمقدار ما يوافق ذوقك ذوقهم. القراءة تجربة فردية خالصة، تُبنى على تاريخك الداخلي، على تجاربك، على جروحك القديمة التي لم تلتئم، وعلى أحلامك التي لم تكتمل. قد يقرأ الجميع الكتاب ذاته، لكنّهم لن يمرّوا من الباب ذاته، ولن يروا المشهد نفسه، ولن يلمسوا الشيء المخفي نفسه.

ولذلك قد تقضي عمرك وأنت تتنقل بين الكتب، محاولاً أن تستكشف ما يشبه جغرافيا داخلية لا تُرسم بالحبر، وإنما بالدهشة. وقد تحدث المفاجأة في الليلة التي تفتح فيها كتاباً لا يعرفه أحد، أو يعرفه قليلون، فتشعر أنه يكتبك أنت، وأنه يضع إصبعه على نبضك، ويقول لك ما لم يستطع أحد أن يقوله لك من قبل.

أخيرا، كل قارئ هو رحلة وحده، وكل كتاب هو احتمال لحياة إضافية. الكتب التي تلامس قلبك هي الكتب التي ستبقى، مهما تجاهلتها الجوائز، ومهما صاح حولها الصمت. وما تهجره في منتصف الطريق سيظل ما تهجره، مهما ازدانت أغلفته بالكلمات اللامعة. فالمعيار الحقيقي يكمن في تلك اللحظة الحميمة، اللحظة التي يلتقي فيها كتابٌ بإنسان، فيتغيّر أحدهما أو يتغيّران معا.



#وليد_الأسطل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والحاجة إلى الانتقال من اللاهوت ...
- رواية رسائل إلى تافيت.. قويدر ميموني
- رواية ما لا يخفيه الظلام.. قويدر ميموني
- رواية البيت الفارغ.. لوران موفينييه
- مسلسل أحياء
- رواية مُحبَطات.. ماري فاراي
- رواية آخر جريمة قتل في نهاية العالم.. ستيوارت تورتون
- رواية شفق الأرملة البيضاء.. سيريل كارير
- رواية الصديق لويس.. سيلفي لو بيهان
- الذكاء الاصطناعي وهلاك الإنسان
- رواية لدغات الصمت.. جوهانا غوستاوسون
- أوروبا والمحور الأيديولوجي دوغين-يارفين
- عن الاستماع إلى الموسيقى وقت الكتابة
- ظِلُّ السنوار.. عمار بلخضرة
- إدانة نيكولا ساركوزي.. سيادة الشعب أم سيادة أوليغارشية أصحاب ...
- رواية أردت أن أعيش.. أديلايد دي كليرمون تونير
- توم.. من مجموعتي القصصية شيء مختلف
- رواية الاصطدام.. بول غاسنييه
- رواية القلب صياد وحيد.. كارسون ماكولرز
- دونالد ترامب.. أميركا أنا، وأنا أميركا


المزيد.....




- تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية ...
- إطلالة على ثقافة الصحة النفسية في مجتمعنا
- مقتل الفنان المصري سعيد مختار في مشاجرة
- الفرنسي فارس زيام يحقق فوزه السادس في بطولة الفنون القتالية ...
- الفيلم التونسي -سماء بلا أرض- يحصد النجمة الذهبية بالمهرجان ...
- الممثل بورتش كومبتلي أوغلو قلق على حياته بسبب -بوران- في -ال ...
- -أزرق المايا-: لغز الصبغة التي أُعيد ابتكارها بعد قرنين من ض ...
- وزير الثقافة الباكستاني يشيد بالحضارة الإيرانية
- تحقيق يكشف: مليارديرات يسعون لتشكيل الرواية الأمريكية لصالح ...
- زيارة الألف مؤثر.. بين تسويق الرواية والهروب من الحقيقة


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - وليد الأسطل - كيمياء القراءة.. لماذا نعشق نصوصا وننفر من أخرى؟