أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - -الشهيد الطبيب سعيد جودة… ذلك الذي صمد حتى النهاية، فكتبه الله في أوّل صفحات الخالدين-














المزيد.....

-الشهيد الطبيب سعيد جودة… ذلك الذي صمد حتى النهاية، فكتبه الله في أوّل صفحات الخالدين-


سامي ابراهيم فودة

الحوار المتمدن-العدد: 8556 - 2025 / 12 / 14 - 11:50
المحور: القضية الفلسطينية
    


ليس سهلاً أن تُرثي رجلاً بحجم وطن. وليس سهلاً أن تختصر حياةً امتلأت بالعطاء والصبر والفداء في كلمات، ولا أن تُلخّص صموداً امتدّ منذ طفولته في مخيم جباليا حتى لحظة ارتقائه شهيداً على بوابة مستشفى كمال عدوان.
إنه الدكتور الشهيد سعيد محمود حسين جودة، الذي لم يترك الدنيا إلا بعد أن ترك فيها سيرةً تُحكى، وعلماً يُشهد له، وبصمةً لا يمحوها الزمن.
ولد لاجئاً… فعاش كريماً… ومات عظيماً.

رثاء الشهيد ومحطات مضيئة ومشرفة في مسيرة حياته .

من أسدود إلى جباليا… بداية الحكاية

وُلد سعيد محمود حسين صالح جودة في مخيم جباليا عام 1956م، ذلك المخيم الذي حمل جراح الوطن وملامح النكبة. كانت عائلته قد هجّرتها قسوة الاحتلال من بلدة أسدود المحتلة عام 1948م، فحملوا مفتاح العودة وغرسوا في أطفالهم حلم الوطن… وكان سعيد واحداً منهم.

نشأ في بيتٍ فلسطيني بسيط، مليء بالقيم، محاطاً بإخوته، وبأمّ وأبٍ زرعا فيه الصدق والأخلاق وحب الناس.
دراسته… رحلة كفاح لا تعرف الانكسار

تفتّحت عيناه في مدارس وكالة الغوث في جباليا، فأنهى فيها تعليمه الأساسي والإعدادي، ثم حصل على الثانوية العامة عام 1976م من مدرسة الفالوجا الثانوية للبنين.
كان ذكياً مثابراً، يعرف أن طريق الطب طويل، لكنه آمن أن خدمة الناس شرفٌ يستحق التعب.

الطريق إلى مصر… وحلم الطب

ترك المخيم وذهب إلى مصر، إلى جامعة المنصورة تحديداً، وهناك درس الطب بكلّ ما في قلبه من شغف.
وفي عام 1988م عاد يحمل شهادة بكالوريوس الطب، لا ليفتح عيادة فاخرة، بل ليعود إلى غزة… إلى شعبه… إلى مخيمه.

طبيب الطوارئ… ثم أيقونة جراحة العظام

بدأ عمله في مستشفى الشفاء عام 1989م، في قسم الطوارئ وسط أصعب الظروف.
ثم تخصّص في جراحة العظام، ليصبح واحداً من أمهر أطبائها في قطاع غزة، قبل أن ينتقل إلى مستشفى كمال عدوان مديراً طبياً له، وطبيباً لا يُجارى في مهارته وإنسانيته.

كان الطبيب الذي لا يرد مريضاً، ولا يرفع صوته على محتاج، ولا يتأخر عن جريح، حتى لقّبه الناس بـ**"أيقونة مخيم جباليا"**.

نضاله الوطني… رجلٌ من رجال فتح

لم يكن سعيد جودة طبيباً فقط، بل كان من المؤسسين للمكتب الحركي الطبي، ومن أكثر أبنائه إخلاصاً وانتماءً.
تقلّد منصب أمين سر المكتب الحركي الطبي المركزي سابقاً، وكان مسؤولاً لملف العظام في العلاج بالخارج لسنوات طويلة، وعضواً في الاتحاد الفلسطيني للطب الرياضي.

كان مثالاً للطبيب المناضل، الذي يجمع بين العلم والوطنية، وبين المشرط والراية.
حياته العائلية… رجلٌ عاش للمحبّة وصنع أسرةً من نور

تزوّج رحمه الله من معلمة لغة إنجليزية فاضلة، رحلت قبل عشر سنوات، فحمل وحده عبء الأبوة والأمومة.
خلّف أبناءً وبنات كانوا جزءاً من قلبه:

محمد – طبيب أسنان (استُشهد قبل أسبوع من والدِه)

خالد – ضابط شرطة

محمود – توفاه الله صغيراً

مجد – استُشهد في الحرب قبل أسبوع أيضاً
ومن البنات: هلا – لمى – صباح – جوري

كان أباً يشبه الأنبياء في رحمته، وصديقاً لأبنائه قبل أن يكون والدهم، وعمود البيت وضياءه.

التقاعد… والعودة إلى الميدان في الحرب

تقاعد عام 2016م، لكن الحرب التي بدأها جيش الاحتلال على غزة أعادت إليه دوره الطبي والإنساني.
طلبت منه قيادته في رام الله العودة للعمل، فعاد فوراً، دون تردّد، إلى مستشفى كمال عدوان ومستشفى العودة.

رفض النزوح.
رفض الهروب.
رفض أن يترك أبناء شعبه بلا طبيب عظام واحد.

أُصيب مرتين خلال الحرب، وفقد معظم أفراد عائلته، لكنه بقي واقفاً… يداوي الناس ويداوي قلبه الجريح.

يوم الاستشهاد… الرحلة الأخيرة إلى المستشفى

صباح الخميس 12/12/2024م، خرج الطبيب الجريح، الأب المكلوم، المناضل الصابر، ليتوجّه إلى عمله كما يفعل كل يوم.
لكن رصاصة قنّاص من طائرة إسرائيلية أصابته في رأسه وهو في طريقه لإنقاذ آخرين… فصعدت روحه إلى السماء.

استُشهد سعيد جودة في المكان الذي عاش لأجله: الطريق إلى المستشفى.
استُشهد بعد أسبوع من استشهاد ابنه مجد، وبعد أيام من استشهاد ابن أخيه، وبعد عمرٍ كامل من التضحية.

لقد رحل آخر أخصائي عظام في جباليا… الطبيب الذي لم يغادر شعبه، ولم يترك موقعه، ولم يرفع الراية البيضاء.
في ختام سطور مقالي:

رحمك الله يا سعيد جودة…
يا ابن أسدود الذي لم يعد إليها جسداً، لكنه عاد إليها مجداً، وعاد إليها روحاً تشبه البحر في اتساعه.
يا طبيب الشمال، وملاذ الجرحى، وسند المخيم، وأيقونة مخيم جباليا التي لن تتكرر.

لن يطويك الغياب…
ولن يمحو سيرتك الزمن…
فمن عاش كما عشت، ومات كما متَّ، لا يُدفن في الأرض، بل يُزرع في القلوب.

سلامٌ عليك يوم وُلدت،
ويوم عشت صابراً منيحاً،
ويوم ارتقيت شهيداً طبيباً مناضلاً،
ويوم تُبعث على هامة الشهداء والصدقين.

المجد لك… والخلود لروحك… والرحمة لاسمٍ يظلّ يضيء غزة مهما اشتد الظلام.



#سامي_ابراهيم_فودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العَنقاءُ لا تَنْطَفِئ
- غزة تحت زوابع الشتاء: صرخة مدوية من قلب المعاناة
- الذكرى السنوية الأولى لرحيل الصديق المرحوم عبد الجواد توفيق ...
- مهرجان غزة السينمائي للأطفال… نافذة أمل وسط الركام
- -الشمال… بين العزّ والجرح-
- صرخات تمرّد خلف الأسلاك… حكاية الأسرى بين عتمة العذابات وضوء ...
- لا تجعلوا الله شمّاعة لفشل البشر… كفى تضليلاً للناس
- قصيدة لأهل الشمال
- «البندقية المتآكلة والقيادة المكشوفة: قراءة استراتيجية لمستق ...
- «السلاح المتآكل والقيادة المكشوفة: قراءة استراتيجية لمستقبل ...
- قصيدة زهراء… زهرةُ السَّماء
- الجزائر وفلسطين… حكاية تاريخ لا تنكسر وإرادة لا تُساوَم
- -ارتفاع أسعار العطور في غزة: بين الجشع وغياب الرقابة
- قصيدة : أنين الخيام في شتاء الوطن
- تقرير خاص يكتبه: سامي إبراهيم فودة سوق سوداء تستغل حاجة النا ...
- غزة… خيامٌ تقاوم العاصفة وقلوبٌ تصمد رغم الخذلان
- المنفى بعد الحرية... وصمة العار على جبين العروبة
- قانون الإعدام بحق الأسرى الفلسطينيين... وصمة عار على جبين ال ...
- ياسر عرفات... القائد الذي لم يرحل والرمز الذي يسكن الذاكرة ا ...
- -حماس والمستوطنات: لعبة جديدة على حساب دماء الشعب الفلسطيني-


المزيد.....




- -أب وابنه-.. أستراليا تعلن تفاصيل جديدة عن مشتبه بهما والسلا ...
- وفاة إيمان شقيقة -الزعيم- عادل إمام وأرملة الراحل مصطفى متول ...
- مسلم أعزل ولا يمتلك خبرة في الأسلحة.. من هو الرجل الذي انت ...
- المغرب: قتلى جراء -تدفقات فيضانية استثنائية- في آسفي جنوب ال ...
- نيوزويك: اليابان تكشف عن سلاح ليزر سيغير قواعد الحرب
- مصر.. أسعار السيارات مُرشحة لتراجع جديد في عام 2026
- سوريا تعتقل 5 مشتبه بهم بعد مقتل جنديين أمريكيين ومترجم في ه ...
- السلطات السورية تُعلن توقيف خمسة أشخاص وتكشف خلفية منفّذ هجو ...
- -استيقظت فوجدت ضلعي مكسورًا-.. عشرات المعارضين خارج السجون ا ...
- -غير قانوني-.. حكم قضائي يُبطل قرار الحكومة الإسرائيلية إقال ...


المزيد.....

- قراءة في وثائق وقف الحرب في قطاع غزة / معتصم حمادة
- مقتطفات من تاريخ نضال الشعب الفلسطيني / غازي الصوراني
- الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والموقف الصريح من الحق التاريخي ... / غازي الصوراني
- بصدد دولة إسرائيل الكبرى / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى أسطورة توراتية -2 / سعيد مضيه
- إسرائيل الكبرى من جملة الأساطير المتعلقة بإسرائيل / سعيد مضيه
- البحث مستمرفي خضم الصراع في ميدان البحوث الأثرية الفلسطينية / سعيد مضيه
- فلسطين لم تكسب فائض قوة يؤهل للتوسع / سعيد مضيه
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ
- جبرا نيقولا وتوجه اليسار الراديكالي(التروتسكى) فى فلسطين[2]. ... / عبدالرؤوف بطيخ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القضية الفلسطينية - سامي ابراهيم فودة - -الشهيد الطبيب سعيد جودة… ذلك الذي صمد حتى النهاية، فكتبه الله في أوّل صفحات الخالدين-