نوري حمدان
الحوار المتمدن-العدد: 8550 - 2025 / 12 / 8 - 13:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لم يعد القلق في العراق مجرّد شعورٍ عابر يتنقّل بين الأوساط المدنية، بل تحوّل إلى حالة عامة تسبق أي حديث عن حرية التعبير. فكلما ارتفع صوتٌ معارض، أو خرج ناشط ليمارس حقه الطبيعي في النقد، وجد نفسه أمام منظومة تضييق لا تخطئ العين ملامحها. ومن يقرأ المشهد ببروده اليوم، سيجده غدًا أكثر سخونة مما يحتمل.
إن تزايد الملاحقات ضد ناشطين وفاعلين في ساحات الاحتجاج، وما يرافق ذلك من إجراءات تُفهم على أنها عقاب للرأي المختلف، لا يمكن تفسيره إلا باعتباره اتجاهًا متعمّدًا لخنق المجال العام. من يتحدث اليوم في العراق لا يختبر حقه الدستوري، بقدر ما يختبر حدود صبر السلطة. وهذه معادلة خطيرة، تُعيدنا إلى مراحل ظنّ العراقيون أنهم تجاوزوها إلى غير رجعة.
المقلق أكثر أن هذا التضييق يجري تحت سقف دستور يُفترض أنه الضامن الأول للحريات. لكن ما جدوى النصوص إذا كان المواطن يشعر بأن الكلمات التي تُكتب في الدستور لا تصمد أمام ممارسات يومية تنتزع حقه في التعبير انتزاعًا؟ إن الناس بدأت تفقد الثقة بأن الدولة أمينة على حقوقهم، وهذه هي أولى بوادر اهتزاز الشرعية السياسية.
العراق، الذي دفع أثمانًا باهظة للوصول إلى هامش حرية يُعتدّ به، يجد نفسه اليوم أمام تراجع مقلق، إن لم نسمّه انتكاسة. فمن غير المقبول أن يُعامل الرأي المختلف باعتباره تهديدًا، وأن يُنظر إلى الناشط بوصفه خصمًا. الدولة التي تخاف من أبنائها لن تكون قادرة على إدارة مستقبلها، ولا على بناء عقد اجتماعي يحترم كرامة الناس.
إن القلق الذي يعلو اليوم ليس صراخًا في الفراغ، بل تحذير صارخ من أن البلد ينزلق تدريجيًا نحو واقع تُصادر فيه الحريات باسم "النظام" و"الاستقرار". وإذا لم تُراجع السلطات نهجها، فسنستيقظ ذات يوم لنجد أن الخوف أصبح اللغة الرسمية في العراق.
الوقت لم يعد يحتمل المجاملة. إما أن تُصان حرية التعبير بجرأة، أو نترك الساحة للظلام يعود بأسماء جديدة.
#نوري_حمدان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟