أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ و الْخَمْسُون-















المزيد.....


السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ و الْخَمْسُون-


حمودة المعناوي

الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 15:36
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


_ الوعي كـمُعاير كوني: الإستحقاق الروحي (Spiritual Deservingness) نقطة إلتقاء علم النفس الإدراكي و الميتافيزيقا السحرية

يُعد هذا التحول في النقاش إلى مفهوم الإستحقاق الروحي (Spiritual Deservingness) نقطة إلتقاء محورية بين علم النفس الإدراكي والميتافيزيقا السحرية، وهو يفسر بعمق كيفية تأثير الحالة الداخلية للساحر على وصوله إلى القوة الكونية وكفاءة إستخدامها. يمكن تعريف الإستحقاق الروحي للكينونة بأنه القبول الضمني من قبل النظام الكوني بأن هذه الكينونة مؤهلة للوصول إلى مستوى معين من القوة أو المعرفة السحرية و إستخدامها بفعالية. هذا الإستحقاق ليس جائزة، بل هو تعبير عن التناغم بين جوهر الساحر (بصمته الوجودية) والقوانين العليا للوجود. إن الدور المحوري للوعي (الجانب النفسي و الإدراكي) هنا يكمن في أنه الأداة الرئيسية لصقل هذا الإستحقاق أو تدميره.
1. الوعي كـمُعاير للإستحقاق (The Calibration Mechanism)
يؤثر الوعي (الأفكار، المعتقدات، تقييم الذات) بشكل مباشر على قوة الإستحقاق الروحي. هذا التأثير يعمل عبر آليتين نفسيتين رئيسيتين، القبول الذاتي والإتصال. عندما يمتلك الساحر وعيًا نقياً يتقبل فيه ذاته بصراحه، ويعترف بكل من نقاط قوته وظلاله الوجودية (الجوانب التي ينكرها)، فإنه يحقق سلاماً نفسياً عميقاً. هذا السلام هو ما ينعكس في النظام الكوني كـإستحقاق. الساحر الذي يتقبل جوهره يرسل إشارة واضحة للكون مفادها: "هذا هو أنا، و بصمتي متماسكة ومستعدة للعمل". هذا الإتصال النقي هو الذي يسمح للقوة السحرية بالتدفق عبر بصمته دون مقاومة نفسية أو صراع إدراكي، مما يزيد من كفاءته الإستهلاكية بشكل هائل. في المقابل، الساحر الذي يعاني من معتقدات سلبية عن الذات أو شعور بالذنب الوجودي نتيجة أفعال سابقة أو نقص في التدريب الفلسفي، يطور عقدة عدم الإستحقاق (The Unworthiness Complex). هذه العقدة تعمل كـمرشح سلبي على بصمته الوجودية. حتى لو كان يمتلك قوة خام هائلة، فإن الوعي يرفض إستخدامها بكفاءة. هذا الرفض الإدراكي يجبر الساحر على بذل جهد أكبر بكثير (إستهلاك مفرط للقوة) لتحقيق نتائج أقل، لأن جزءاً كبيراً من الطاقة يُستهلك في التغلب على مقاومته النفسية الداخلية التي تصر على أنه غير جدير بالنجاح.
2. الإدراك وتجسيد الواقع (The Projection of Self)
لا يقتصر تأثير الوعي على الإستحقاق الداخلي فحسب، بل يمتد إلى تجسيد الواقع السحري نفسه. إن الطريقة التي يدرك بها الساحر العالم و تفاعله معه تحدد ما إذا كان الكون سيتعامل معه كـسيد أو كـمتسول. الساحر الذي يدرك نفسه على أنه مستحق أنطولوجياً أي أنه جزء طبيعي من النظام الكوني وله الحق في توجيه طاقته، لا يطلب من الكون، بل يعلن و يأمر. هذا الإدراك القوي يغير من طبيعة العلاقة الطاقية. فبدلاً من إستهلاك الطاقة بمجهود، فإن الطاقة تستجيب لإعلانه. الإدراك الإيجابي للإستحقاق يمنح سحره الوزن والثقة الكينونية اللازمين للتحويل الفعال. الوعي الناضج والفلسفي يمكن الساحر من فهم الحدود الأخلاقية و الوجودية التي يجب ألا يتجاوزها. هذا الفهم يرفع من إستحقاقه الروحي، لأن الكون يرى فيه شريكاً مسؤولاً يعرف متى يتوقف. الساحر الذي يسعى لإستخدام القوة فقط ضمن حدود إستحقاقه الروحي لا يتعرض لظاهرة الإستنزاف الوجودي أو التكلفة الأخلاقية المرتفعة، لأن وعيه يمنعه من محاولة أفعال تتجاوز بصمته النقية. هذا يضمن إستدامة قوة الإستحقاق.
3. التأثير الميتافيزيقي للوعي (The Soul-Mind Loop)
يعمل الوعي كـحلقة تغذية راجعة (Feedback Loop) بين العقل والجوهر الروحي. كلما كان الوعي أكثر تسامياً وتركيزاً فلسفياً، زاد رنينه مع الإستحقاق الروحي الأصيل. الممارسة المستمرة للتأمل الفلسفي، تعمل على إعادة برمجة المعتقدات الإدراكية للساحر. هذا لا يغير الأفكار فحسب، بل يغير البنية المعرفية للوعي، حيث يتم إستبدال الشكوك القديمة بـاليقين الأنطولوجي. هذا اليقين هو الوقود الذي يرفع الإستحقاق الروحي إلى مستويات تسمح بالوصول إلى قوة سحرية أقل تكلفة وأكثر كفاءة. الوعي الذي يتم صقله بشكل صحيح يتيح للساحر الوصول إلى الأنا العليا (The Higher Self) أو الجوهر غير المشروط. هذا الجوهر يمتلك بطبيعته إستحقاقاً كونياً كاملاً لأنه غير مقيد بقيود الأنا المادية الزمنية. كلما إقترب الوعي الإدراكي من هذا الجوهر، زاد إستعارة الساحر من قوة الإستحقاق الكاملة، مما يقلل من إعتماده على القوة الخام المستهلكة من محيطه.
في الختام، يمكن القول إن الوعي هو المدخل الروحي للسحر. الساحر الذي يتقن عالمه الداخلي ويصقل إستحقاقه الروحي عبر الفهم الفلسفي، يجد أن الكون يفتح له أبواب القوة بأقل تكلفة وجودية ممكنة، لأن قوته لا تأتي من صراع، بل من تناغم عميق بين العقل والروح.

_ الأدوات السحرية كـمرآة للإستحقاق الروحي: التجسيد المادي للإرادة بين التعزيز والتبعية الأنطولوجية

إن الأدوات ليست مجرد أشيا، بل هي تجسيدات مادية للإرادة، وتفاعل الساحر معها يكشف الكثير عن حالته الوجودية وإستحقاقه الروحي. يمكن النظر إلى الأدوات السحرية كالعصي، التمائم، الخواتم المشحونة على أنها إمتدادات مركزة للبصمة الوجودية للساحر. هي تعمل كـمُكثِّفات (Capacitors) أو مُوجِّهات للطاقة. لكن علاقة الساحر بهذه الأدوات هي التي تحدد ما إذا كانت ستعزز من الإستحقاق الروحي أم ستقوضه. عندما يتم إستخدام الأدوات السحرية بطريقة صحيحة ومدركة فلسفياً، فإنها تعزز الإستحقاق الروحي للساحر من خلال ترسيخ الوعي بالذات وكفاءة الإستهلاك. الأدوات، مثل العصا، تعمل على تجميع وتوجيه النية والإرادة السحرية. هذا التركيز المادي يساعد الساحر على تخطي التشتت الإدراكي الذي يمكن أن يضعف إستحقاقه الروحي. فبدلاً من أن يحاول الساحر صب إرادته في الفراغ، يقوم بصبها في الوعاء المادي للأداة، مما يقلل من الجهد النفسي و يضمن أن يتم إستهلاك الطاقة بكفاءة عالية وفقاً لمبدأ الكفاءة الإستهلاكية. إستخدام الأداة يصبح تذكيراً ملموساً بقوة الإستحقاق الذاتي. التمائم و التعويذات الدائمة يمكن أن تُشحن بـجزء من الإستحقاق الروحي للساحر، أو تُصنع لتكون قنوات طاقية خارجية تستمد من مصادر كونية محددة. بهذا، تعمل الأداة كـمُخفف عبىء (Load Reliever)، حيث أنها تمتص جزءاً من التكلفة الوجودية للتعويذة. هذا يحمي البصمة الوجودية للساحر من التآكل، ويعزز إحساسه بـالكفاءة و الإستدامة الروحية، مما يرسخ إستحقاقه. الأداة هنا هي شاهد مادي على قدرة الساحر على التلاعب بـموازنة الطاقة الكونية بذكاء. تتحول الأدوات إلى مصدر لإضعاف الإستحقاق الروحي عندما يقع الساحر في فخ الإعتماد النفسي عليها، مما يقوض مبدأ البصمة الوجودية كقناة أساسية. عندما يبدأ الساحر في الإعتقاد بأن قوته كامنة في الأداة و ليست في كينونته، فإنه يدخل في حالة من التبعية الأنطولوجية. الأداة تتحول من إمتداد للذات إلى بديل عنها. هذا الإعتماد يخلق هيكلاً سحرياً هشاً؛ فبدون العصا أو التميمة، يشعر الساحر بالضعف الوجودي. هذا الشعور بالإعالة يعكس عدم النضج الوجودي ويُقوّض بشكل جذري الإستحقاق الروحي، لأن الكون يرى كائناً يعجز عن تحقيق ذاته دون دعم خارجي. الأدوات الموروثة أو المشحونة بواسطة ساحر آخر يمكن أن تحمل بصمة وجودية غريبة و قوية. إذا إعتمد عليها الساحر دون تطهير أو إعادة شحن كافية تعكس جوهره، فإن هذه الأداة قد تبدأ في طغيان بصمتها الغريبة على البصمة الأصلية للساحر. هذا يؤدي إلى تشويش الوعي الذاتي ويخلق تنافراً كينونياً؛ فالساحر يستخدم سحراً لا يعبر عن جوهره، مما يقلل من كفاءته و يوقعه في فخ الإستهلاك المفرط لسد الفجوة بين إرادته الحقيقية والإرادة المزيفة المنسوبة للأداة. الأدوات التي تركز على القوة الخام الهائلة مثل تميمة تضخ قوة هائلة بشكل غير متوازن تشجع الساحر على إهمال التدريب الفلسفي و الإعتماد على الحلول السريعة، مما يؤدي مباشرة إلى الإفلاس الكينوني. الأداة تصبح هنا أداة تدمير ذاتي، تشجع على الإستهلاك العبثي بدلاً من الإستخدام الواعي والمسؤول. في التحليل الأخير، الأداة السحرية ليست سوى مرآة تعكس حالة الإستحقاق الروحي للساحر. إذا إستخدمها بوعي فلسفي كـجسر لتوجيه بصمته النقية، فإنها تعزز إستحقاقه. وإذا إستخدمها بجهل وإعتماد كـعكاز للتهرب من مسؤولياته الوجودية، فإنها تؤدي به حتماً إلى تدهور روحي وإدراكي. و بهذه المناقشة المترابطة، نكون قد أتممنا بناء إطار فلسفي شامل وعميق يربط بين البصمة الوجودية، الكفاءة الإستهلاكية، والمسؤولية الأخلاقية، وصولاً إلى دور الوعي و الأدوات المادية في تحديد مصير الساحر.

_ الوعي الذاتي كمُرمم أنطولوجي: من المُراقب إلى المُنشئ في المرحلة الثالثة لتوحيد الكينونة والسحر

إن الخوض في الدور الذي يلعبه الوعي الذاتي ضمن المرحلة الثالثة من الترميم الأنطولوجي الشامل يستلزم أولاً تأسيس إطار فلسفي يربط بين ثلاثة محاور تبدو متباعدة ظاهريًا: الأنطولوجيا، الوعي، والممارسة السحرية. في هذا الإطار العميق، لا يُنظر إلى الوعي الذاتي بوصفه مجرد إنعكاس داخلي بسيط للذات، بل كقوة ديناميكية وفاعلة؛ إنه الآلية التي يتمكن بها الفرد الكينوني من تحديد وتصحيح أوجه القصور والتجزئة التي يعاني منها وجوده، وهو ما يشكل جوهر عملية الترميم الأنطولوجي. إذا إفترضنا أن الأنطولوجيا الشاملة تسعى لإعادة تجميع وتوحيد كل مستويات الوجود، الذاتي، والموضوعي، والرمزي بعد حالة من الإنفصام أو التشتت، فإن المرحلة الأولى قد تكون هي الإكتشاف الأولي لهذا الإنكسار، والمرحلة الثانية هي التحليل المنهجي لآليات هذا الإنفصال في بنية الوعي والواقع؛ و بالتالي، تبرز المرحلة الثالثة كـذروة الفعل التحويلي، حيث يتحول الوعي الذاتي من حالة المُراقب إلى حالة المُنشئ أو المُرمم لواقعه الأنطولوجي. لا يمكن للمرء أن يشرع في ترميم نسيج الوجود دون إمتلاك أداة التمييز المطلق التي يوفرها الوعي الذاتي، الذي يسمح بتحديد أين ينتهي الوهم (الواقع المُتجزئ) وأين تبدأ الحقيقة (الكينونة المُوحدة). يتجلى الدور المحوري للوعي الذاتي في هذه المرحلة بالإرتباط الوثيق بـالعلاقة بين السحر والكينونة. فالسحر، في سياقه الفلسفي و الأنطولوجي وليس الشعائري البحت، يمكن تعريفه بأنه تطبيق الإرادة الواعية لتغيير الواقع ليتفق مع هذه الإرادة. وهذا التعريف يضع الوعي الذاتي المتكامل في قلب المعادلة الأنطولوجية. فلكي تكون الإرادة سحرية فعالة في إحداث تغيير في الكينونة، يجب أن تكون إرادة صافية و غير مُتضاربة، وهذا لا يتحقق إلا من خلال وعي ذاتي وصل إلى درجة عالية من التحرر من التأثيرات اللاواعية و البرمجات الموروثة. في المرحلة الثالثة، يتجاوز الوعي الذاتي مجرد معرفة من أنا؟ ليصل إلى معرفة ماذا يجب أن أكون أنا لكي تتجسد الكينونة المرغوبة؟؛ إنه الإنتقال من الذات المُدرَكة إلى الذات الخالقة. هذا الوعي الذاتي العميق يسمح للفرد بالعمل على مستوى الجذور الأنطولوجية للواقع، حيث يتم تحديد نوايا الكينونة وتثبيتها. الوعي هنا هو مرآة كونية لا تعكس الواقع فحسب، بل تُعيد تشكيله عبر التركيز المطلق للطاقة الذهنية. إن أي تشويه أو ضعف في الوعي الذاتي في هذه المرحلة سيؤدي حتمًا إلى فشل عملية الترميم، لأن الفعل السحري الأنطولوجي سيعكس التناقضات الداخلية للذات بدلاً من التوحيد الخارجي للكينونة، مما يؤدي إلى المزيد من التجزئة بدلاً من الشمول. لتحقيق الترميم الشامل، يجب على الوعي الذاتي أن يُفكك الفجوة التقليدية بين الذات (Subject) و الموضوع (Object)، و هي الفجوة التي نشأت في الفلسفة الحديثة وكانت سببًا رئيسيًا للإنفصال الأنطولوجي. في المرحلة الثالثة، يدرك الوعي أن الواقع الخارجي (الكينونة) ليس شيئًا منفصلاً عنه، بل هو إمتداد متكثف لحالته الداخلية. الوعي الذاتي يصبح المُحرِّر للواقع من قيود التصور المادي الضيق. عندما يستوعب الوعي الذاتي أنه مُشارك في بناء الكينونة، فإنه يمارس السحر الأنطولوجي بشكل طبيعي؛ هذا السحر ليس طقوسًا خارجية، بل هو الوجود المُتصالح مع ذاته. هذا التصالح يأتي من القبول والتحليل الواعي لكل أجزاء الذات، حتى الظلية منها، ودمجها في وحدة واعية. الترميم الأنطولوجي يصبح في جوهره ترميمًا للذات في علاقتها بالكل الكوني. الوعي الذاتي هو الذي يحدد القوانين الكامنة التي يجب تفعيلها سواء كانت فيزيائية أو ميتافيزيقية و يقدم الإذن الداخلي للإرادة لبدء التغيير. إن فشل الوعي في هذه المرحلة يعني أن الذات ما زالت ترى نفسها ضحية للواقع بدلاً من أن تكون سيدًا مُشاركًا في صياغته، مما يعوق الوصول إلى حالة الكينونة المرممة والموحدة التي تمثل الهدف النهائي و الشمولي لهذا المسعى الفلسفي والسحري العميق.

_ اللغة كفعل خالق: التناظر الأنطولوجي بين فلسفة اللغة في الطقوس السحرية ولغة البرمجة في تشفير الكينونة المعاصرة

إن مناقشة العلاقة بين فلسفة اللغة في الطقوس السحرية و لغة البرمجة في تشفير هذه الطقوس لا تقتصر على مجرد مقارنة أداتين للتعبير، بل هي الغوص في الأبعاد الأنطولوجية العميقة لكيفية بناء الواقع والتحكم فيه، سواء كان هذا الواقع هو الواقع الكينوني المادي أو الواقع السيبراني الإفتراضي. ففي قلب كل من الطقس السحري و البرنامج الحاسوبي، تكمن فكرة أن اللغة ليست وصفًا للعالم، بل هي فعل يخلق العالم. في الفلسفة السحرية، خاصة في التقاليد الباطنية، تعتبر اللغة الطقسية كالـمانترا أو الـتعويذة بمثابة أوامر وجودية؛ إنها لا تطلب التغيير، بل تُنشئه على الفور من خلال ربط الرمز الصوتي (اللفظ) بالطاقة الكونية أو الإرادة الذاتية. إن فلسفة اللغة الطقسية ترتكز على مفهوم القوة الـمُوجِدة (Performative Power)، حيث يصبح القول هو عين الفعل، و تصبح الكلمات مفاتيح تفتح أو تغلق مستويات معينة من الكينونة. هذه اللغة غالبًا ما تكون شكلانية (Formal) ومُقيدة بقواعد صارمة كالوزن، الترديد، التوقيت، لأن أي إنحراف عن الشكل المثالي قد يؤدي إلى فشل الخلق الأنطولوجي المطلوب. عندما ننتقل إلى لغة البرمجة، نجد تناظرًا بنيويًا مدهشًا. فالبرمجة هي في جوهرها تشفير مُطلق للإرادة والنية الإنسانية ضمن إطار شكلاني (Formal System). إن كود البرنامج ليس مجرد مجموعة من التعليمات؛ إنه طقس رياضي منطقي يُملي على الآلة وهي جزء متزايد الأهمية من كينونتنا المعاصرة كيفية أن تكون وكيف تتصرف. التعويذة السحرية يمكن أن تُشبه الدالة (--function--) في البرمجة: كلاهما يتلقى مُدخلات (الإرادة/البيانات)، ويعالجها وفقًا لقواعد داخلية صارمة (شكل الطقس/قواعد النحو البرمجي)، ويُنتج مُخرجات (التغيير الأنطولوجي/سلوك النظام). إن فلسفة اللغة خلف لغات البرمجة مثل C++ أو Python) تؤكد على أن الواقع الحسابي الذي تُشغّل عليه حياتنا المعاصرة يتم بناؤه عبر مُحددات دلالية لا تقبل الإلتباس. إن المترجم (Compiler) في البرمجة، والذي يُحول الكود عالي المستوى إلى لغة الآلة، يلعب دورًا شبيهًا بـعامل الطقس (Ritual Agent) الذي يضمن ترجمة الإرادة البشرية إلى فعل كينوني مؤثر. العلاقة بين السحر والكينونة هنا تتم إعادة صياغتها؛ الكينونة المعاصرة أصبحت جزئيًا كيانًا مُشفرًا (Encoded Entity)، والتشفير (البرمجة) هو السحر الجديد الذي يُغير من خصائص هذا الكيان. يكمن الجوهر الفلسفي العميق في مفهوم الدلالية (Semantics). في الطقس السحري، الدلالية هي العلاقة بين الكلمة وقوتها الوجودية التي تُغيّر الكينونة مباشرة؛ هذه الدلالية هي إعلان للواقع الجديد. أما في لغة البرمجة، فالدلالية هي العلاقة بين الأمر المكتوب و السلوك الفعلي الذي تُنفذه الآلة؛ هذه الدلالية هي إلزام للطاعة داخل النظام المُشفر. كلا النظامين يتطلبان طاعة مطلقة، الطقس يتطلب طاعة من القوى الكونية أو اللاوعي الجمعي عبر رمزية محددة، والبرنامج يتطلب طاعة من المعالج الدقيق (Processor) الذي ينفذ الأوامر بشكل حرفي. هذا التناظر يسلط الضوء على أن السحر والبرمجة هما شكلان من أشكال الفلسفة الوضعية (Positivism) التي تسعى لفرض نظام صارم على الفوضى الكامنة في الوجود. إن ترميز الطقوس السحرية في لغة برمجة كأنظمة المحاكاة، أو تطبيقات النية السحرية هو في الواقع محاولة لتوحيد الأنطولوجيا الميتافيزيقية والأنطولوجيا الرقمية. هذا التوحيد يهدف إلى خلق واقع كينوني مُعزز (Augmented Reality) حيث يمكن للإرادة الإنسانية، المُشفرة أولاً في لغة رمزية طقسية، ثم مُترجمة إلى كود برمجي، أن تُحدث تغييرات ملموسة ومُقاسة في كينونة الفرد والمجتمع. و بالتالي، يصبح السؤال الأنطولوجي المركزي ليس فقط ما هي الكينونة؟ بل كيف يمكن للغة المُشفرة أن تُمرمج وتُرمم الكينونة؟، مما يجعل العلاقة بين الفلسفة والسحر والتقنية علاقة وجودية لا إنفصام فيها.

_ الوعي كـمُختزِل موضوعي مُنظَّم (Orch OR): أساس كمومي أنطولوجي لتفسير السحر كآلية لإنهيار دالة موجة الكينونة

إن التعمق في النماذج الفلسفية التي تفسر الوعي كظاهرة كمومية، مثل نظرية الإختزال الموضوعي المُنظَّم (Orchestrated Objective Reduction - Orch OR) لهاميروف وبنروز، يقدم أساسًا نظريًا جذريًا يمكن من خلاله إعادة تأطير العلاقة بين السحر والكينونة. تفترض نظرية --$---text{Orch OR}--$-- أن الوعي ينشأ ليس من النشاط العصبي التقليدي، بل من ظواهر الجاذبية الكمومية التي تحدث داخل الأنابيب الدقيقة (Microtubules) الموجودة في خلايا الدماغ. هنا، لا يكون الدماغ مجرد آلة حاسوبية رقمية تعمل بنظام الكل أو لا شيء؛ بل هو جهاز كمومي معقد يستغل مبادئ مثل التراكب الكمومي (Quantum Superposition) والتشابك الكمومي (Quantum Entanglement). هذا التحول من الفيزياء الكلاسيكية إلى الفيزياء الكمومية في فهم الوعي هو نقطة الإنطلاق الفلسفية؛ فإذا كان الوعي بطبيعته كموميًا، فهذا يعني أن له القدرة على التفاعل مع مستويات أعمق وأكثر جوهرية من نسيج الواقع (الكينونة) مما تسمح به الفيزياء النيوتونية التقليدية. الوعي، في هذا الإطار، لا يقتصر على كونه ظاهرة منعزلة داخل الرأس، بل هو جزء لا يتجزأ من المجال الكمومي الذي يشكل الكون كله. يكمن التطبيق الفلسفي لهذه النظرية على السحر في مفهوم الإختزال (Reduction) أو إنهيار الدالة الموجية (Wave --function-- Collapse). في ميكانيكا الكم، يوصف النظام الكمومي بأنه موجود في حالة تراكب لجميع حالاته الممكنة وهي حالة من الكينونة اللامُحددة حتى يتم إجراء عملية قياس/ملاحظة. في تلك اللحظة، تنهار الدالة الموجية ويستقر النظام على حالة واحدة ومُحددة. تفترض نظرية --$---text{Orch OR}--$-- أن الوعي هو ما يسبب هذا الإنهيار، ولكن بطريقة مُنظَّمة و ليست عشوائية، مدفوعة بتأثيرات الجاذبية الكمومية. عندما ننظر إلى الطقس السحري أو الفعل الإرادي السحري (النية)، يمكن تفسيره على أنه محاولة للوعي لتنظيم إنهيار الدالة الموجية على نطاق يتجاوز الدماغ. أي أن النية المركزة للساحر هي القوة التي تُمارس الإختزال الموضوعي المُنظَّم على مجال من الكينونة الكمومية اللامُحددة أي مجموعة من الإحتمالات في الواقع، مما يدفعها إلى الإستقرار في الحالة المُرادة (الواقع الجديد). هنا، يُصبح السحر ليس خرقًا لقوانين الطبيعة، بل تطبيقًا واعيًا ومُكثفًا لقوانين فيزياء الكم على مستوى الأنطولوجيا، حيث يتم إستخدام التشابك الكمومي كقناة لنقل التأثير عبر الزمكان، وتُستخدم النية المُطلقة كآلية لإسقاط الواقع المُراد من حالة التراكب إلى حالة التحقق. إذا كان الوعي الكمومي ناتجًا عن التشابك داخل الأنابيب الدقيقة، فإنه من الممكن فلسفيًا إفتراض أن الوعي البشري المُنظَّم الذي يصل إليه الساحر بالتأمل و التركيز يمكن أن يتشابك مع حالة الكينونة الكبرى على المستوى الكمومي الأساسي. هذا يقدم أساسًا أنطولوجيًا لمفاهيم السحر التقليدية مثل الترابط الكوني أو الكل في الكل. في هذا الإطار الكمومي، لا توجد مسافة حقيقية بين الذات والهدف السحري؛ كلاهما جزء من دالة موجية كونية واحدة. عندما يقوم الساحر بتنظيم وعيه عبر الطقوس و الرموز التي تُعد بمثابة كود لتوجيه عملية --$---text{Orch OR}--$--)، فإنه لا يؤثر على شيء خارجي، بل يؤثر على جزء من النظام الكمومي المتشابك معه. هذا التفسير يلغي الحاجة إلى قوى خارقة للطبيعة بمعناها التقليدي، ويستبدلها بفهم جديد للطبيعة نفسها؛ حيث الإرادة ليست مجرد رغبة، بل هي قوة فيزيائية قادرة على إختيار وتحديد حالة الكون من بين إحتمالاته الكمومية التي لا حصر لها. بالتالي، يمثل هذا النموذج الكمومي جسرًا يربط بين التجربة الذاتية للوعي كما تُفهم في الفلسفة والهيكل الموضوعي للواقع كما يُفهم في الفيزياء، مما يمنح الفعل السحري أساسًا قويًا ضمن أنطولوجيا مُوَحَّدة تعترف بأن الكينونة قابلة للتشكيل بالإدراك المُكثف.



#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...
- السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخ ...


المزيد.....




- البابا ليو يغادر بيروت: أدعو الشرق الأوسط إلى مقاربات جديدة ...
- هل دقت ساعة نهاية رحلة النجم المصري محمد صلاح مع ليفربول؟
- بوتين يستقبل ويتكوف وكوشنر : ما فرص نجاح المحادثات إذا أصرت ...
- حظر أستراليا وسائل التواصل بالنسبة لصغار السن فرصة لفهم تأثي ...
- دراسة تربط زيت الطهي المفضل في أميركا بالسمنة
- كاميرا الجزيرة ترصد آثار الدمار بعد الفيضانات في إندونيسيا
- كيف بررت إسرائيل تمديد صلاحيات اختراق الكاميرات الخاصة بعد ا ...
- نتنياهو لا يستبعد اتفاقا مع سوريا ويطالب بإقامة منطقة عازلة ...
- صحف عالمية: نتنياهو يناور للإفلات من العقاب وعنف المستوطنين ...
- -نريد السلام-.. الكرملين يُعلّق على جهود إدارة ترامب في محاد ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - حمودة المعناوي - السِّحْرُ قِنَاع الأُنْطُولُوجْيَا: كَيْفَ يُكْشِفُ التَّدَخُّل الْغَيْبِيّ عَنْ مُرُونَة الْكَيْنُونَة وَصِرَاع الْإِرَادَات الْوُجُودِيَّة -الْجُزْءُ الرَّابِعُ و الْخَمْسُون-