أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - في ضيافة المدافع .. حزب البعث ومعضلة البحث عن الهوية (1)














المزيد.....

في ضيافة المدافع .. حزب البعث ومعضلة البحث عن الهوية (1)


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 18:19
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في اتجاهات أخرى لم يكن عسيراً إيجاد ما يمكن أن يحقق اقتراباً أفضل من شخصيته، وما زال الحديث هنا عن الدكتور إياد علاوي؛ فالرجل بالنسبة إلينا كان برجوازي الانحدار، مع أن ذلك لا يفترض أنه كان برجوازي السلوك. وقد يوحي ذلك بأن انحيازه إلى البعث ضد الشيوعيين لم يتم بمعزل عن تأثير محيط اجتماعي وثقافة برجوازية ودينية متأصلة.

هذا يكشف من ناحية أخرى عن حقيقة أن البعث كان خليطاً من مختلف الطبقات، لكنه لم يكن، كما الشيوعيين، حزباً طبقياً، بل كان حزباً قومياً ليس بالمعنى العنصري، وإنما بالقدر الذي يؤمن فيه بوجود تاريخي وجغرافي للأمة العربية كشرط لحماية الوجود العربي وضمان تقدمه. تأسيساً على ذلك، كان الحزب يقبل بين صفوفه بعثيين من مختلف القوميات؛ إذ وجد فيه الكردي والدرزي والتركماني، وعلى الصعيد الديني كان هناك المسيحي والصابئي.

وأجزم أن كل ذلك يحتاج إلى وقفة فكرية جدية ومسؤولة لأجل مزيد من الشرح والتوضيح، وذلك من أجل العثور على البنى التحتية للتقلبات والانشقاقات التي عانى منها الحزب أو تلك التي سيعاني منها مستقبلاً، وهو ما أدرجته سابقاً تحت عنوان "البحث عن الهوية الضائعة". وهو موضوع لا بد أن يأخذ اهتماماً كبيراً من البحث والتقصي لأجل الوقوف على أولوياته ومخرجاته. وأول ما يجب أن نهتم به هو الساحة التي نشأ فيها، وهي ساحة الصراع بين فكر طبقي ماركسي أممي وبين فكر قومي عروبي يحاذر أن تأخذه الماركسية من مهماته الوحدوية العروبية الأساسية، وكان شعاره آنذاك أن كل الانحيازات يجب ألا تسبق هذه الاهتمامات، بل لعلها تصب في خدمتها.

غير أن هذا الاحتراس المشروع أدى إلى فقدان الحزب لهوية اجتماعية واضحة؛ فكان فيه الملحد والمؤمن بالأديان، وكان فيه الرجعي والتقدمي، والبرجوازي والكادح. وقد جعله ذلك قابلاً للانفجار والتشتت والانقسام تحت عناوين اجتماعية الطابع، كما حدث في أعقاب استلام الحزب السلطة عام 1963، ولم تكن قد مضت سوى خمس سنوات على تأسيس العراق الجمهوري، وذلك بعد انهيار الحكم الملكي وسقوطه على يد جمهرة من العسكريين يقودهم الزعيم عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف.

في البداية، وبعد المجزرة التي ارتكبها الحزب ضد الشيوعيين عام 1963، الذين لم يكونوا بعيدين في الأصل عن شحذ سكاكينها، كان الصراع واضحاً بين قادة الحزب وقادة الدولة، بين مجموعة علي صالح السعدي ومجموعة حازم جواد. وفي أسرع من لمح البصر السياسي، أكلت الثورة رجالها وسقطت ساخنة في فم العقيد عبد السلام عارف الذي لبس نياشينه ونجومه وركب دباباته ليقضي على ميليشيا الحرس القومي التي خرجت إلى الشوارع لنصرة مجموعة علي صالح السعدي، وهي يسار الحزب المفترض، ضد مجموعة حازم جواد وطالب شبيب، وهي يمين الحزب المفترض.

ولم تجد مجموعة السعدي، التي كانت تقود المؤتمر القطري المنعقد في الحادي عشر من تشرين لأجل مناقشة الأزمة المتفاقمة بين رجال الدولة ورجال الحزب، سوى أن ترضخ لإرادة مجموعة مسلحة متمردة من البعثيين بقيادة المقدم محمد المهداوي، الملحق العسكري العراقي في دمشق، الذين طلبوا منهم النزول من منصة القيادة وترك القاعة لقيادة قطرية جديدة كان من بينها اللواء طاهر يحيى وطارق عزيز الصحفي المعروف، الذي كان أحد أعضاء المجموعة المسلحة.

لقد سقطت جمهورية البعث الأولى بعد تسعة أشهر فقط من قيامها.

في البداية، جعل الهجوم البعثي المسلح في شباط عام 1963 الجميع يعتقدون أن البعثيين سيحكمون لقرن من الزمن، إلا أن الخلافات سرعان ما كبّلت سلطتهم ومزقت حزبهم من الداخل، وجعلتهم غرباء يتقاتلون فيما بينهم. وكان السبب أزمة الهوية وجهل المعرفة بالذات، وكأن الذي كان يجمعهم معاً هو عداؤهم للشيوعيين، الذين ما إن انهاروا بعد مقتل الزعيم حتى ظهر البعثيون كالنائمين بلا أغطية في عز الشتاء.

أما السبب فكان واضحاً؛ إذ إن فرع الحزب في العراق نما وترعرع وكبر في معركة المجابهة مع قاسم والشيوعيين، فكبرت عضلاته على حساب عقله، ولم يجد الوقت الكافي ليصوغ لنفسه هوية إلا تلك التي كانت ترسمها شعارات وبضعة أفكار وضعها القائد المؤسس ميشيل عفلق عن الأمة التي كانت، والتي يمكن أن تنبعث من جديد لأنها كانت. وبدا ذلك وكأنه نوع من الثورية السلفية المتخاصمة مع الواقع الذي يفترض أنها انطلقت منه لتغيّره. هذه "السلفية الثورية" بدت وكأنها قريبة من التيار السلفي الإسلامي الذي يسير على هدي شعار "إلى الوراء در، وإلى عصر الصحابة سر"، إلا من خلال الادعاء بأنها لا تتبع الإسلام الدين، وإنما تتبع الإسلام التاريخ والثقافة المشبعة بالانتصارات والوحدة وما يشاع عن العدالة والرسالة الإنسانية الخالدة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الديمقراطية العراقية .. حلم أن تبيض الدجاجة أسداً
- في ضيافة المدافع .. الهزيمة في الشوش
- في ضيافة المدافع بعض من الرجال الأوفياء
- قصة مدينتين
- في غرفتي طارق عزيز .. (في ضيافة المدافع)
- ما بعد تموز 1958 .. هذا ما حدث (2)
- بعد تموز عام 1958 .. هذا ما حدث
- المقاطعة المشاركة
- في ضيافة المدافع .. صمت الفرسان
- لن نمسح مساوئ إيران بمساوئ إسرائيل
- بين السيء والأسوأ منه
- صدام حسين لم يكن عميلاً
- الشاعر كأديب والشاعر كإنسان
- (الحرام الحرام) و(الحرام الحلال)
- بين الدولة المدنية والدولة العلمانية
- حوار مع الأستاذ سالم مشكور فساد في النظام مقابل نظام للفساد ...
- مقالة من سبعة سطور .. (العراقي السوري .. الصورة والمرآة)
- طوفان الأقصى وما أدراك ما طوفان الأقصى
- العقائدي السايكوباث
- الطائفية التقدمية


المزيد.....




- هل أصبح التطبيع أكثر كلفة؟ زيارة بن سلمان إلى واشنطن تكشف -م ...
- ألعاب نارية تُجبر الحكم على إلغاء مباراة أياكس في الدوري اله ...
- آخر تطورات لقاء ماكرون وزيلينسكي
- مظاهرات في إسرائيل رفضا لطلب العفو عن نتنياهو
- الحبر الأعظم يدعو للوحدة والحفاظ على الأمل خلال زيارته إلى ل ...
- معاناة المصابين بفيروس الإيدز : بين هاجس الوصم والحاجة إلى ا ...
- الأردن: فيروس الإيدز... من حكم بالموت إلى مرض مزمن يمكن التع ...
- من هو نصري عصفورة الفلسطيني الأصل الذي يقترب من اعتلاء كرسي ...
- خبير عسكري: توغل إسرائيل شمال الضفة الغربية يهدف لوأد حل الد ...
- عاجل| سي إن إن عن مصادر: سيحضر اجتماع ترامب عن فنزويلا وزيرا ...


المزيد.....

- اليسار الثوري في القرن الواحد والعشرين: الثوابت والمتحركات، ... / رياض الشرايطي
- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - جعفر المظفر - في ضيافة المدافع .. حزب البعث ومعضلة البحث عن الهوية (1)