هجمات كبرى تتشكّل في الأفق – نظام ترامب يتحرّك نحو تجريم المقاومة السياسيّة المعادية للفاشيّة

شادي الشماوي

الحوار المتمدن-العدد: 8540 - 2025 / 11 / 28 - 00:06
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    

جريدة " الثورة " عدد 933 ، 24 نوفمبر 2025
www.revcom.us

بسرعة يتحرّك نظام ترامب ليصنّف رسميّا أنتيفا / " antifa " على أنّها منظّمة إرهابيّة أجنبيّة – نفس صنف المجموعات الأصوليّة الإسلاميّة الرجعيّة كالقاعدة و داعش ( 1). و تشخيص منظّمة على أنّها منظّمة إرهابيّة أجنبيّة يعطى الحكومة صلوحيّات واسعة و جوهريّا لادستوريّة لهدف صريح هو التدمير السريع للمجموعة المستهدفة . (2)
طوال عقد من الزمن ، رسم فاشيّو الماغا [ جعل أمريكا عظيمة من جديد ] صورة مشوّهة غاية التشويه لمنظّمة أنتيفا على أنّها عالية التنظيم ، تقريبا تنظيما عسكريّا ، بعبع يساريّ يهدّد حياة الناس العاديّين و ملكيّتهم . و على هذا ، في سبتمبر 2025 ، أصدر ترامب أمرا تنفيذيّا " مشخّصا أنتيفا على أنّها منظّمة إرهابيّة محلّية " و من ثمّة صرّح النظام بنيّته بذل " جهد حكومي شامل لتفكيك [ ما يسمّيه النظام ] الإرهاب اليساريّ ".
و في 8 أكتوبر ، عقد ترامب " ندوة حول أنتيفا " مع مجموعة من الناشطين على الأنترنت و المستفزّين الفاشيّين . و خلالها ، سُئل ما إذا كان سيصنّف أنتيفا على أنّها منظّمة إرهابيّة أجنبيّة . فأجاب ترامب : " أعتقد أنّه نوع الأشياء التي أودّ القيام بها . إن وافقتم على ذلك ، أنا أوافق . و لنفعل ذلك ." و في مقال هام ، يؤكّد موقع Just Security (3) : " لم يكن ذلك مجرّد خطاب سياسيّ . كان توجيها من القائد الأعلى لجهاز أمنه القومي ، و قد شاهد ذلك ملايين الأمريكيّين . "
دوس الحقوق الأساسيّة لكلّ شخص يعارض الفاشيّة :
من العسير المبالغة في التشديد على التبعات الخطيرة و الكارثيّة الممكنة لهذا التصنيف، و ليس على الذين يتماهون مع أنتيفا فحسب و إنّما أيضا بالنسبة للحقوق الأكثر جوهريّة و أساسيّة لأيّ شخص يعارض الفاشيّة في الولايات المتّحدة و حتّى في بلدان أخرى .
بداية ، أنتيفا ليست منظّمة – إنّها تيّار يتصدّى للفاشيّين و العنصريّين و لأشكال أخرى من الظلم . وكذلك ليست "إرهابيّة" بأيّ معنى من معاني الكلمة . إلاّ أنّ ترامب يستخدم عمدا مصطلحا ضبابيّا لتصوير أوسع صورة ممكنة ضد الذين يعارضون هذا النظام . و يستخدم ناطقون باسم النظام كلمة " أنتيفا " كمرادفة ل " يسار راديكالي " ، و يعتبرون الحزب الديمقراطي منظّمة " يساريّة راديكاليّة " . و ستيفان ميلر ذاته قال إنّ الحزب الديمقراطي " منظّمة محلّية متطرّفة " ! لذا مقام منظّمة إرهابيّة أجنبيّة يمكن أن تؤثّر مباشرة و تماما ملايين الناس .
إلى ماذا يؤدّى تصنيف منظّمة على أنّها منظّمة إرهابيّة أجنبيّة ؟ حسنا ، أوّلا ، تقديم " الدعم المادي " لمنظّمة إرهابيّة أجنبيّة أو عضو أو مساند لها جريمة فيدراليّة ينجم عنها 20 سنة من السجن . " و يشمل " الدعم المادي " التبرّعات و الغذاء و الإيواء و نصح الأخصّائيّين ، " التدريب " و ما إلى ذلك . وفق Just Security ، حكم صادر عن المحكمة العليا ( Holder v. Humanitarian Law Project ) ركّز أنّ " حتّى الخطاب الساعي للترويج لحلّ النزاع سلميّا يمكن أن يمثّل دعما ماديّا إذا قُدّم لمنظّمة معيّنة ".
الإنعكاسات الواسعة النطاق :
فكّروا في إنعكاسات هذا . عادة ما تعوّل المجموعات التقدّميّة على التبرّعات و التطوّع في المساعدة القانونيّة في وجه الإيقافات . في ظلّ التصنيف كمنظّمة إرهابيّة أجنبيّة ، شركات المحاماة يمكن هي نفسها أن تواجه تهم بالإجرام لتوفيرها ذلك . و كنيسة توفّر مقرّا لتنظيم ندوة أو مسيرة يتحدّث فيها أناس من " أنتيفا " يمكن أن تتعرّض للمحاكمة – و المراقبة المفتوحة و القمع . و لئن صٌنّفت منظّمة على أنّها منظّمة إرهابيّة أجنبيّة ، تمنع من إستعمال خدمات البنوك !
لكن هذا ليس سوى البداية . غير المواطنين ( بمن فيهم المقيمين بشكل مستمرّ ، و الطلبة الأجانب إلخ ) يمكن أن يقع ترحيلهم لعضويّتهم في منظّمة صُنّفت إرهابيّة أجنبيّة . و حتّى المجنّسين كمواطنين قد يخسرون مواطنتهم إذا شاركوا ، في غضون سنوات خمس من التجنيس ، في مسيرة تنظّمها " أنتيفا " ، أو التبرّع لصندوق دفاع قانوني أو حتّى التعبير على مشاعر مناهضة للفاشيّة . ( و من المناسب معرفة أنّ وزارة العدل صرّحت حديثا أنّ حالات خسارة المواطنة ستكون واحدة من أولويّاتها الخمس ) .
أيّها القرّاء : رجاء فكّروا في ما يمكن أن يعنيه ذلك !!
و هناك مسؤوليّة مدنيّة – " أيّ شخص يساعد و يحرّض على ، التقديم الواعي للمساعدات الماديّة ، أو يتآمر مع " الذين يقترفون عمليّات " إرهاب دوليّة " يمكن أن يُقاضيه أيّ شخص يُجرح أو يتعرّض إلى ضرر – و بوسعهم المطالبة بالتعويض عن الضرر ثلاثة أضعاف ! لا تنسوا ، نظام ترامب قريب جدّا من تصنيف أنتيفا على أنّها " إرهابيّة دوليّة " (4). و الآن فكّروا في هذا : القوى المناهضة للفاشيّة كانت نشيطة جدّا في الوقوف ضد هجمات الحرس الوطني في مدن مثل شيكاغو و لوس أنجلاس . و هناك عديد الأمثلة على عن زعم الحرس الوطني زورا و بهتانا أنّه تمّ " الهجوم عليه " من أنسا أو عربات كانوا يحتجّون ضدّه . و من الممكن أن يكون هذا أساس تتبّعا قانونيّا قد تشمل ليس فقط أيّ شخص مهما كان يُتّهم بالقيام بذلك ، لكن أيضا شخصا ( على سيبل المثال ) وفّر لشخص تنقّلا إلى المسيرة . و حتّى إن رفضت هذه التتبّعات ، فإنّ ذلك سيكلّف عشرات أو مئات آلاف الدولارات للردّ على مثل هذا التتبّع في المحكمة .
و أيضا المنظّمات التى يتمّ توصيفها كمنظّمات إرهابيّة أجنبيّة – و المدّعى أنّهم متعاطفين معها أو داعمين لها – يجرى منعهم من الوصل إلى منصّات الأنترنت مثل الفايسبوك ما يعنى أنّ أحد أهمّ الساحات التي تدور فيها المعارك السياسيّة في زمننا هذا ستكون خارج منالهم . و ضمن أشياء أخرى ، هذا يعنى أنّه يمكن للفاشيّين أن يملؤوا الأنترنت تشويها و أكاذيب ، لكن الناس الذين يعارضون هذه الأكاذيب يخاطرون بتصنيفهم على أنّهم " مساندون للإرهاب " .
و ثمّة ضوابط رخوة أكثر بالنسبة إلى المراقبة الحكوميّة – عندما تصنّف كمنظّمة إرهابيّة أجنبيّة ، تزعم الحكومة إمتلاك الحقّ في التجسّس عليك – بما في ذلك التصنّت على الهاتف و مراقبة التنقّلات و البحث السرّي للمساكن و المتاجر . و حينما تزعم الدولة أنّه لديك صلة ما مع منظّمة إرهابيّة أجنبيّة ، ليس عليها أن تُظهر أنّها تشكّ في إرتكاب جريمة ، و إنّما فقط التأكّد من تلك الصلة .
هدف تجميد المجتمع بأسره :
هناك تبعات " مباشرة " لذلك . لكن الآن لنفكّر في التبعات غير المباشرة . ثمّة نظام بيئي بأكمله من المنظّمات التقدّميّة ، و جمعيّات حقوق الإنسان و المنظّمات البحثيّة و مفكّرين ينهضون بدور هام في الحفاظ على جميع أصناف الحركات الإجتماعيّة . و تصنيف أنتيفا على أنّها منظّمة إرهابيّة أجنبيّة يسعى إلى إيجاد وضع أين تضطرّ كافة هذه المجموعات إلى التفكير بحذر شديد حول أيّة مجموعة أو شخص تعمل معهم أو تؤجّر لهم مكانا أو تدعمهم و ما هي أرضيّتهم لتجنّب التتبّعات القانونيّة المدمّرة إن لم يكن القمع التام .
لذا مجرّد تصنيف أنتيفا على أنّها منظّمة إرهابيّة أجنبيّة يخلّف تبعات في منتهى الإتّساع و الدراماتيكيّة على المجتمع ، وجعل مجرّد التعبير عن وجهات النظر المناهضة للفاشيّة من المحتمل أن يكون خطيرا جدّا . و فعل هذا لأنتيفا – مرّة أخرى ، مطبّقين إجراءات القمع المفترض أن تستخدم ضد المجموعات مثل داعش و القاعدة على مروحة واسعة جدّا من تيّار سياسي و جملة من الأفكار غير المنظّمين – تركيز لسابقة قانونيّة جديدة . و عندما يتمّ ذلك ، الشيء نفسه يمكن فعله لجمعيّات البيئة و جمعيّات حقوق المهاجرين و ما إلى ذلك .
نوع الجوّ الذى يهدف هذا لإنشائه علامة عن نظام فاشيّ تماما حيث ممارسة الحقوق الأساسيّة في التعبير و الاجتماع و التنظّم الو ما إلى ذلك تكفّ في جوهرها عن الوجود .
و هذا عرض مختصر غير أنّه يجب أن يكون كافيا لجميع الذين يهتمّون بالحقوق المدنيّة و حقوق الإنسان أو حقّ التعبير و المعارضة ، لينهضوا للتنديد بهذه الخطوات و معارضتها و مقاومتها – و رفض " الطاعة مسبّقا " – إن جرى تطبيقها . إنّ الشركات القانونيّة و المؤسّسات الأكاديميّة و المجموعات المهنيّة و كذلك الناس العاديّون من تيّارات سياسيّة و إيديولوجيّة يجب أن يصدحوا بصوتهم . و تحتاج منظّمات المقاومة أن تدعم بعضها البعض إزاء الهجوم عليها . و ثمّة وضع إستعجالي إلى أقصى الحدود لتجاوز نماذج فرّق – تسُد ، و توحيد كلّ من يمكن توحيدهم لترحيل نظام ترامب الفاشي من السلطة .
هوامش المقال :
1- أنتيفا Antifa ليست بتاتا منظّمة ، كما قلنا للتوّ ( و يقول عديد الآخرين ) ، إنّها تيّار يتصدّى للفاشيّين و العنصريّين و أشكال متنوّعة من الظلم . و كذلك ليست " إرهابيّة " بأيّ معنى من معاني الكلمة .
2- تصنيف منظّمة إرهابيّة أجنبيّة تركّز في 1996 كوسيلة في " الحرب على الإرهاب " التي كانت تشنّها الولايات المتّحدة ، أثناء كان المسلمون و العرب ككلّ مستهدفين و مراقبين و تقع شيطنتهم و أحيانا يقع إختطافهم و تعريضهم للتعذيب في معسكرات إعتقال في سجن غوانتانامو و كذلك في " أماكن مظلمة " عبر العالم . و يعمل الآن ترامب على إطلاق العنان لهذه الأصناف من الفظاعات – و أسوأ منها – على مجتمع الولايات المتّحدة ككلّ .
3- مقال Just Security كتبه توماس أ. برزوزفسكي ، المستشار السابق للإرهاب المحلّي في قسم مقاومة الإرهاب في وزارة عدل الولايات المتّحدة . و كجزء سابق من جهاز الدولة ، لديه خبرة حقيقيّة في فهم المنظّمات الإرهابيّة الأجنبيّة و مخاطر إستخدام هذا التصنيف ضد مجموعات سياسيّة محلّية ، و مقالنا يستند إلى ما تقوله خبرته . و في الوقت نفسه ، نختلف معه بشدّة في دعمه لممارسات الحرب على الإرهاب لمّا كانت موجّهة ضد المسلمين .
4- تعلّة هذا هي أنّ وزارة الداخليّة قد صنّفت أربع مجموعات أوروبيّة " يسارية " أو فوضويّة بأنّها منظّمات إرهابيّة أجنبيّة و يزعم ترامب بأنّها مرتبطة بأنتيفا في الولايات المتّحدة . لكن مثلما كتب توم جوسلين في Just Security : " فقط واحدة من الكيانات الأربعة تعلن بسفور أنّها جزء من حركة أنتيفا " و " من غير الواضح ما هي الصلة ، إن وُجدت ، بين هذه المجموعة و الكيانات الثلاثة الأخرى ... و أيضا من غير الواضح إن كانت للمنظّمات الثلاث الأخرى أيّ صلة مهما كانت بأنتيفا ...يبدو أنّ الإدارة ببساطة تخلط بين متطرّفين من أقصى اليسار و فوضويّين من جهة و أنتيفا من الجهة الثانية ، كما لو كانوا جميعا جزء من الشبكة ذاتها ." و هكذا تيّار أنتيفا في الولايات المتّحدة يمكن أن يصنّف الآن كجزء من مؤامرة إرهابيّة عالميّة واسعة النطاق .

#شادي_الشماوي (هاشتاغ)      

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل