أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - ركائز بناء الأمة : مقدمة في سوسيولوجيا الهوية العراقية















المزيد.....

ركائز بناء الأمة : مقدمة في سوسيولوجيا الهوية العراقية


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8534 - 2025 / 11 / 22 - 10:01
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


يطيب لبعض العراقيين الذين يقلقهم هاجس (الانقسام) العصبوي المسلط عليهم كسيف ديموفليس ، النظر الى أنفسهم بمثابة (أمة) واحدة موحدة تجمعها طائفة بارزة من العوامل الجغرافية - التاريخية ، والأواصر الاجتماعية – النفسية ، والرموز الدينية - الأخلاقية . بحيث يعتبرون ان تفشي مظاهر التصدع في كيان الدولة ، والتشظي في مدماك المجتمع ، والتذرر في معمار القيم ، ما هي إلاّ نتاج ظروف عابرة وحصيلة أوضاع شاذة ، لا تلبث أن تمضي وتزول إن عاجلا"أو آجلا"، دون أن تكون حائلا"يمنع التئام شمل عناصر تلك الأمة ويعيد لكيانها الانتصار ولرموزها الاعتبار .
والحقيقة أنه لا يوجد عراقي واحد لا يتمنى أن ترى هذه (الأمة) المزعومة النور ، ولا يتشوق أن تبلغ المستوى الذي تستحقه من الحضور ، بعد أن تتمكن – طبعا"- من لملمت شعث هذا الوجود الفوضوي من الكيانات المتشرذمة والجماعات المتذررة ، ومن ثم تحيله الى كتلة بشرية متراصة وطنيا"ومتماسكة اجتماعيا"ومتجانسة حضاريا". ولكن ما يتمناه المرء ويرغب فيه شيء ، وأن يرى ما تمناه ورغب فيه متحقق على أرض الواقع شيء آخر تماما". إذ إن الأمم – كما يقول المؤرخ الماركسي (إريك هوبسباوم) – (( ليست أبنية اجتماعية تزود الشعب في الظروف العادية بأبسط الحلول لأعقد المشكلات . بل هي – على العكس من ذلك – كيانات ثقافية ذات روابط حقيقية عميقة الجذور بالهوية والانتماء )) . ولذلك لا يعدو الحديث الصاخب عن وجود (أمة) عراقية أن يكون مجرد خطابات رومانسية وشعارات طوباوية صيغت لأغراض سياسية ومآرب إيديولوجية ، لا يمكن أن تنطلي على من يمتلك الحدّ الأدنى من الوعي والقدر الضئيل من الثقافة .
وفي إطار تعيين المحاور أو تشخيص الركائز الأساسية التي يمكن اعتمادها في بيان المعطيات والكيفيات ، التي يمكن من خلالها توضع الأسس البنيوية وتحدد الأطر السوسيولوجية المعول عليها بناء مدماك (الأمة العراقية) الذي عزّ خياره وطال انتظاره دون جدوى ، رغم بون التقادم في الزمان والتراكم في المكان حيث فشل التجارب وإخفاق المحاولات ، دون أن يصار الى معرفة الأسباب والاهتداء الى المعوقات التي تحول دون تحقق هذا الحلم الموغل في الطوباوية . هذا وقد ارتأت هذه المحاولة ان مشروع بناء ما يسمى ب (الأمة العراقية) لا يمكن وضع أسسه وبلوغ كيانه ، دون مراعاة بناء الركائز الثلاث التالية :
الركيزة الأولى - تشذيب (الثقافات الفرعية)
لما كان المجتمع العراقي من المجتمعات التي تحتوي على فائض سوسيولوجي وانثروبولوجي من (الثقافات الفرعية) ، التي هي نتاج تاريخ مديد من الهجرات الاقوامية والغزوات القبائلية والاحتلالات الأجنبية ، فإن الأمر يستدعي منا – حين نشرع بدراسة مثل هذه الظواهر الاجتماعية - الى مراعاة المحاذير والمخاطر التي يمكن أن تنجم عن طمس معالم تلك الثقافات وتغييب خصائصها ، لاسيما وأنها تعكس الطبيعة النوعية للجماعات والمكونات التي يتشكل منها نسيج المجتمع العراقي . ذلك لأن أية محاولة متهورة من هذا القبيل قمينة ، ليس فقط في حمل تلك الجماعات والمكونات على التمسك بأصولها الأقوامية ومواريثها القبائلية ومرجعياتها الطوائفية وسردياتها الأسطورية ، ومن ثم تحفيزها على (التعصب) في المواقف و(التطرف) في السلوكيات فحسب ، وإنما اعتبار كونها (المحاولة) صيغة تتماشى مع سياسات (إلغاء) الآخر (الجواني) من جهة ، وتتعارض وتتناقض مع حقائق ووقائع (التنوع) الانثروبولوجي في المجتمع من جهة أخرى .
والحال ما العمل لتفادي أو تجنب مثل هذه المشاكل والإشكاليات المتوقع حدوثها في حال تم تجاهل وقائع (التعدد) الاثني ، و(التنوع) القبلي ، و(التباين) الطائفي ، التي تعد من أبرز الخصائص السوسيولوجية والانثروبولوجية للمجتمع العراقي ، سواء في المراحل التاريخية السابقة أو المراحل اللاحقة ؟! . ان ضرورات المنطق ومستلزمات العقلانية تستدعينا للتعاطي مع هكذا كيانات واقعية ، أسيء استثمار دورها التاريخي في غير سياقها ، واستغلال وظيفتها الاجتماعية في غير ظروفها . بحيث تحولت – تراكم الاحتقانات وتفاقم الأزمات وتعاظم الصراعات - الى قنابل موقوتة ، لا تحتاج سوى قدحة عابرة حتى يتحوّل المجتمع الى ركام من الخراب والدمار . ولهذا فقد شدد أحد علماء الاجتماع الغربيين (سام برايك) على (( ان بناء الأمة يتكون من كتابة التواريخ القومية في شكلها الأسطوري ، وابتداع الرموز ، وتعيين الإجازات القومية ، وإحياء ذكرى معينة والاحتفاء بها ، ووضع المعايير ، وتشجيع اللغات القومية ، في المدارس والجامعات والأكاديميات ، وإنشاء شبكات للمواصلات والبريد ، وتكوين خبرات إذاعية وإنشاء الملاعب القومية )) .
ولعل من أبرز ما يشتمل عليه مفهوم الثقافات الفرعية هي : (القومية / الإثنية) ، (القبلية / العشائرية) ، (الطائفية / المذهبية) ، (الجهوية / المناطقية) ، (اللغوية / اللهجية) . والتي تشكّل الركائز الأساسية والبنى المعيارية لأي مجتمع لا زال يتخبط بدوامات مراحل تحوله ؛ من التبربر الى التحضر ، ومن التوحش الى التأنسن .
الركيزة الثانية – تهذيب (الشخصية المعيارية) ؛
حين نتحدث عن هذا النمط من الشخصية الاجتماعية ، ينبغي علينا استحضار مجموعة أخرى من (القواسم المشتركة) التي تعتبر بمثابة القواعد المؤسسة لصيرورة (الشخصية المعيارية) في المجتمع ، والتي تحتاج – باستمرار – الى بذل كل ما من شأنه حمايتها والنأي بها عن كل ما يعيق تكوينها الطبيعي من شتى أصناف النوازع الأنانية والدوافع الفئوية ، التي من المرجح أنها قد تتسلل وتتسرب إليها عبر مختلف الأنشطة الشخصية والممارسات الاجتماعية ذات الطابع العفوي والتقليدي ، بحيث يفضي إهمال عواقبها أو تجاهل أضرارها - بالنتيجة - الى انفراط عقد النسيج الاجتماعي – الوطني الهش أصلا"، الى شعث مكوناته الأولية – البدائية .
والجدير بالملاحظة ان كينونة (الشخصية المعيارية) هذه ، تحتاج حتى تكتمل بالشكل الذي يجعلها فاعلة ومؤثرة الى الاعتماد على تحقيق مضامين المزدوجات التالية ، ليس بصيغة المفاضلات والأسبقيات التي من مساوئها ترجيح هذا الطرف على ذاك ، أو تميّيز هذه الخاصية على تلك ، وإنما بصيغة التفاعل الجدلي والتكامل البنيوي والتخادم الوظيفي . ولعل في مقدمة تلك المزدوجات الواجب مراعاتها نذكر منها : (جغرافيا / انتماء) ، (تاريخ / ولاء) ، (دين / تعايش) ، (ثقافة / رموز) ، (قيم / معايير) . وبقدر ما يؤخذ هدف تحقيق هذا التكامل بصورة متوازنة بعين الاعتبار ، بقدر ما يصار الى تمتع هذه الشخصية (المعيارية) بخصائص (النضج) في التكوين و(الصلابة) في التحديات ، التي لا مفر من توقع مواجهتها باستمرار في مثل هذه المجتمعات الانتقالية ، سواء عبر سيرورات التحول السلمي في العلاقات ، أو من خلال الانتقال العنفي في التوازنات .
الركيزة الثالثة – تخصيب (الهوية الحضارية) ؛
وتعد هذه المرحلة بمثابة المحطة النهائية في مشروع بناء مدماك الهوية (الوطنية / العراقية) ، التي من شأن التعويل عليها تشجيع مبادرات (الانفتاح) على الآخر – البراني (الخارجي) ، ومن ثم تسهيل عمليات (التفاعل) مع الأمم والشعوب الأخرى من جهة ، والانخراط في أتون (التثاقف) الحضاري والإنساني من جهة أخرى . بحيث يفضي اكتمال هذه المرحلة الحضارية ليس فقط الى التخفيف من غلواء النزاعات العنصرية ، واستشراء الدوافع العصبية ، بين مختلف الجماعات السوسيولوجية والمكونات الانثروبولوجية فحسب ، بل وكذلك التجفيف لكل مصادر الاحتقانات النفسية ، والكراهيات الدينية ، والانقسامات الاجتماعية ، والصراعات السياسية .
والجدير بالملاحظة ان الوصول الى هذه المرحلة من صيرورة (الهوية الحضارية) ومن ثم بلوغ شوطها النهائي ، تحتاج ليس فقط الى تخطي الكثير من الحساسيات النفسية ، الالتباسات التاريخية ، والإشكاليات الثقافية ، بين مختلف الجماعات والمكونات على صعيد الانتماء والولاء والهوية فحسب ، وإنما الى فترات زمنية طويلة نسبيا"- ربما عدة عقود – وذلك لجسر الهوة العميقة التي تفصل بين تلك الجماعات والمكونات ، جراء استمرار (القطيعات) العديدة والمتنوعة التي كونتها الأساطير الدينية ودعمتها السرديات التاريخية ، للحدّ الذي بات متعذرا"استئصال رموزها من الوعي وإطفاء وهجها من الذاكرة .
وأخيرا"، السؤال الآن ؛ بعد كل ما تقدم من معلومات ومعطيات ، هل من الممكن أن تتحول التكوينات (الفسيفسائية) التي يتشكل منها المجتمع الى كيان (أمة) عراقية ، كما تروج له الخطابات السياسية والإيديولوجية الطافحة بالرومانسية والغارقة في الطوباوية ، بحيث ترتكز على (ثوابت) قارة وتحتكم الى (مرجعيات) معيارية لا يجوز تخطيها أو تجاهلها ؟! . الجواب على ذلك – من وجهة نظر هذه الورقة – هو (كلا) لا يمكن تحقيق هذا الحلم البعيد المنال !! .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حرية التعبير بين حدود القول وقيود الفعل
- النعرة (العراقية) لبعض المغتربين : هل هي تعبير عن (حنين) وطن ...
- الاندراس المبكر للعمارة العراقية : ظاهرة طبيعية أم ممارسة مف ...
- الايقونات والرمزيات السيميائية : متى تكون نافعة ومتى تكون ضا ...
- الوطنية (الظرفية) في المجتمعات المأزومة
- الحراك السياسي والانزياح الثقافي : قراءة في سيرورات المدى (ا ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم السادس والأخير) ال ...
- الخصائص المعيارية للخصية العراقية (القسم الخامس) الخاصية الم ...
- انكفاء الوعي النقدي : من النسق (الثقافي) الى النسق (الايديول ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الرابع) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثالث) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية (القسم الثاني) الخاصية ال ...
- الخصائص المعيارية للشخصية العراقية : مدخل تمهيدي
- احتضار الثقافة في العراق : عزوف القارئ بعد كسوف المقروء !
- كيف نتصالح مع الماضي ونخوض تجربة النسيان ؟!
- لماذا تتعصب (الأقليات) في المجتمعات الانقسامية ؟!
- ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!
- أوزار التراث في خطاب الحداثيين العرب : بين التجاهل والتحامل
- الثروة النفطية في أتون الصراعات السياسية بين المركز والإقليم
- (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة


المزيد.....




- ترامب يلتقي ممداني في المكتب البيضاوي: من الرابح؟
- مقال.. مدارس الأوقاف في القدس منارات صامدة في وجه أسرلة التع ...
- فيديو لحظة تعثّر رئيس وزراء بريطانيا كير ستارمر بجنوب أفريقي ...
- -بسم الله ما شاء الله-.. جملة قالها الأمير تركي الفيصل تشعل ...
- تفاصيل مذهلة عن فندق فاخر عمره 300 عام في النمسا ويعمل بالطا ...
- ماذا نعرف عن خطة السلام -السرّية- لإنهاء الحرب في أوكرانيا؟ ...
- وصفهم بالعصابات.. ترامب -ينهي حماية- جالية عربية في مينيسوتا ...
- -قنبلة إسرائيل المحظورة- تعود إلى لبنان بعد نحو 20 سنة
- سوريا.. حركة من أحمد الشرع مع زوجة لطيفة الدروبي تشعل تفاعلا ...
- -كون وحش مثل أبوك-.. جملة أحمد الشرع لابن -شهيد- تشعل تفاعلا ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- تقديم وتلخيص كتاب " نقد العقل الجدلي" تأليف المفكر الماركسي ... / غازي الصوراني
- من تاريخ الفلسفة العربية - الإسلامية / غازي الصوراني
- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ثامر عباس - ركائز بناء الأمة : مقدمة في سوسيولوجيا الهوية العراقية