أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - كيف نتصالح مع الماضي ونخوض تجربة النسيان ؟!














المزيد.....

كيف نتصالح مع الماضي ونخوض تجربة النسيان ؟!


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8366 - 2025 / 6 / 7 - 18:49
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ان فحوى هذا الموضوع يتقاطع تماما"مع كل الدعاوى التي ينادي أصحابها بضرورة إسدال ستار (النسيان) على الماضي وطيّ صفحات التاريخ القديم ، لكي يصار بمقدورنا التخلص من أعباء المواريث والتطلع من ثم صوب آفاق المستقبل دون أن نكون مثقلين بأوزار الأول ورزايا الثاني . ان زعم البعض بإمكانية إجراء عملية (النسيان) وتصفير مخزون الذاكرة ، دون خوض تجربة (استحضار) الماضي لاستكشاف ما أقصي وأهمل ، و(استنطاق) التاريخ لإماطة اللثام عما أسكت عنه وأحجم القول فيه ، لن يكون مردودها سوى تكرار حصاد الفشل الذريع والخذلان المريع ! .
صحيح ان محاولات حثّ الآخرين على نسيان الماضي والغفلة عن التاريخ ، تكون في بعض الحالات مجدية وربما نافعة على الصعيد الذاتي / الشخصي ، من حيث التخلص من التوترات والاحتقانات التي تنغص على الذات صفائها الذهني وهدوئها النفسي ، ولكنها على الصعيد الجماعي / الاجتماعي قد تكون مفضية الى تفعيل عوامل الدمار الاجتماعي والخراب الحضاري ! . ليس لأن الأحداث التي قاسى منها الإنسان / الفرد وعانى من عواقبها وتداعياتها قليلة الألم ومحدودة الضرر ، وإنما لكونها لا ترقى الى مستوى ما تخلفه من كوارث وفواجع فيما لو نظر إليها بالمنظار التاريخي والسيكولوجي للجماعات المكوّنة للمجتمع .
وفيما لو تجاوزنا مخزون ذاكرة (الأفراد) وتخطينا حصيلتها من الأحداث الساخنة والوقائع البارزة التي استبطنتها عبر التقادم الزمني والتراكم المكاني ، وذلك أثناء تعاطيها المستمر مع السرديات التاريخية المتداولة ، وانخراطها الدائم بالمجايلات الاجتماعية المتفاعلة . فإنه من المتعذر ، بلّه المستحيل – التغاظي عما تحتشد به مخزونات الذاكرة (الجماعية أو الجمعية) من خطوب جائرة وندوب غائرة لا يمكن الاستهانة بها أو تجاهلها ، فضلا"عما قد يكون ترسب في قيعانها وتغلغل بين تجاويفها من إيحاءات سيكولوجية لا تزول وتمثلات ذهنية لا تمحى . لا بل ان أية محاولة متهورة تستهدف إسدال الستار عليها أو التقليل من شأنها ، كائنة ما كانت المزاعم والادعاءات ، سوف تأتي بمردود عكسي لم يكن في الحسبان توقعه أو أخذه على محمل الجد ، بحيث لا يجعل من تلك الإيحاءات والتمثلات أكثر صلابة وأشد تماسكا"مما كانت عليه سابقا"فحسب ، وإنما كذلك سيحفز مكوناتها ويستنفر عناصرها لتصبح أسهل في التعبئة الإيديولوجية وأسرع في التجييش السياسي .
والحال إذا كان الأمر على هذه الشاكلة من التعقيد والحساسية ، كيف يمكننا الحديث عن إمكانية حمل الجماعات المتكارهة والمتصارعة ، على خلفية احتقانات الماضي والتباسات التاريخ ، (التصالح) مع هذا الكم الهائل من الجروح والآلام النفسية الممضّة ، ومن ثم إسقاط هذه التركة الثقيلة في غياهب (النسيان) هكذا ببساطة دون أي ثمن ؟! . وفي إطار البحث عن مخرج يتيح الانعتاق من هذه المتاهة ، ربما سؤال يطرح نفسه : ما العمل إذن ؟! ، وما هو السبيل أو المدخل الذي يمكن أن يحل لنا هذا اللغز المحيّر وينتشلنا من هذه الدوامات العاصفة ؟! .
الحقيقة أنه لا يمكن الإفلات من هذا (الخانق التاريخي) إلاّ بانتهاج طريق واحد صعب ومكلف ، ولكن لا بديل له ولا خيار سواه ، وهو اضطلاع كل من ينشد الخلاص من هذه الفواجع المتراكمة والمواجع المتفاقمة ، التي لم تبرح تفتك بكل ما يبعث الحياة في كيان العراق والعراقيين من مؤرخين وباحثين وأكاديميين . وذلك بتبني مشروع حضاري شامل لا يستهدف فقط (استحضار) مواريث (الماضي) و(تحيين) سرديات (التاريخ) ، بقصد تكرار أحداثها واجترار مضامينها تحت يافطة (إعادة قراءة التاريخ) ، كما حصل ويحصل لحدن الآن فحسب . وإنما بغية (تفكيك) منظومات البنى العميقة ونبش طبقات الطمى الراكدة بكل ما فيها من غثّ وسمين ، ومن ثم تعريضها لعمليات (نقد) صارم و(تعرية) جذرية لا تستثنى حقل من الحقول المحرمة إلاّ وهتكته ، ولا تعفي مضمار من المضامير الممنوعة إلاّ وانتهكته ! .
وهكذا ، وبعد هذه العملية الجريئة والاقتحامية - وليس قبلها بالضرورة - الشروع بعمليات (مكاشفة) صريحة و(محاسبة) قاسية لكل ما حوته الذاكرة التاريخية واستبطنه المخيال الجمعي من أحداث (ملفقة) ووقائع (مختلقة) ، ساهمت بتدوينها وتكريسها أنظمة سياسية طاغية ومؤسسات دينية فاسدة ، بحيث يعاد ترتيب وموضعة تلك الأحداث والوقائع وفقا"لمصادرها الأصلية دون إضافات وسياقاتها الفعلية دون رتوش . هنا وعند هذا المنعطف المفصلي يمكننا الحديث عن أمكانية حصول (مصالحة) مع الماضي ، وامتلاك قدرة التعايش مع (النسيان) . أما بغير هذا الدرب الوعر والمضني ، فلن يكون أمامنا سبيل آخر سوى المزيد من زراعة الخراب الاقتصادي ، وحصاد الدمار الاجتماعي ، وجني الانحطاط الحضاري .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا تتعصب (الأقليات) في المجتمعات الانقسامية ؟!
- ما معنى القول ان (التاريخ يعيد نفسه) ؟!
- أوزار التراث في خطاب الحداثيين العرب : بين التجاهل والتحامل
- الثروة النفطية في أتون الصراعات السياسية بين المركز والإقليم
- (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة
- الجدليات السوسيولوجية .. تركيبية لا تفاضلية
- سبل تطور الوعي التاريخي بين مفهومي (الاستمرارية) و(السيرورة)
- ملاحظات حول مقال (لجان مناقشة الرسائل الجامعية ليست لجان إغا ...
- (البرودويلية) ومنهجية البحث في تاريخ العراق
- ماركس ومجتمعات ما قبل الكونوليالية - قراءة في كتاب (ماركس وم ...
- مثقفو الطوائف وفتوحات عصر الذكاء الاصطناعي !
- الخلفيات التاريخية ودورها في المسارات الاجتماعية
- مصائر الرأسمال الرمزي في عصر الرقمنة !
- الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل
- اتهام موروثنا الأسطوري ومساءلة وعينا التاريخي : العبرة والاع ...
- انثروبولوجيا المكان بين الأصول الريفية والميول الحضرية : روا ...
- التاريخ والمؤرخ والوثيقة التاريخية : تفاعل لا تفاضل
- أخلاق الثقافة وثقافة الأخلاق
- الخطاب الثقافي والأجيال البينية : قراءة في اجتهادات أستاذ ال ...
- حدود البنية (اللوجستية) في صيرورة الهوية الوطنية


المزيد.....




- -أنفًا لأنف مع رجل-.. دب جائع يقتحم دار رعاية مسنين ويدخل غر ...
- نائب ترامب: لا أعتقد أن إسرائيل ترتكب -إبادة جماعية- في غزة ...
- واشنطن أم طهران.. من سيقدم تنازلات؟
- رجل يقود سيارة وسط مجموعة من الناس في مدينة باساو الألمانية ...
- حركة المجاهدين الفلسطينية تنعى قياديين اثنين في غزة
- مدفيديف يكشف أسباب عدم استلام كييف لجثث جنودها
- شاهد.. زلزال يهز استوديو برنامج تلفزيوني في بث مباشر
- بوتين يوقع على قانون لتشديد الرقابة على نقل البضائع
- حديث الأمير محمد بن سلمان عن -العدوان الإسرائيلي- على فلسطين ...
- صحيفة: المفوضية الأوروبية كانت تمول منظمات بيئية لتفعيل أجند ...


المزيد.....

- كتاب لمحات من تاريخ مملكة الفونج الاجتماعي / تاج السر عثمان
- كتاب تاريخ سلطنة دارفور الاجتماعي / تاج السر عثمان
- برنارد شو بين الدعاية الإسلامية والحقائق التاريخية / رحيم فرحان صدام
- الانسان في فجر الحضارة / مالك ابوعليا
- مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات ... / مالك ابوعليا
- مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا ... / أبو الحسن سلام
- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ثامر عباس - كيف نتصالح مع الماضي ونخوض تجربة النسيان ؟!