أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثامر عباس - (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة














المزيد.....

(المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة


ثامر عباس

الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 14:50
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


لعل سائل يسأل ؛ ما علاقة المدينة بالصراعات التي يستعر أوارها بين جماعة (السلطة) الحاكمة من جهة ، وبين جماعات المعارضة المحكومة من جهة أخرى ، حتى يمكن إقحامها في أتون تلك الصراعات الدائمة الافتعال والمستمرة الاشتعال ؟! . وللإجابة على ذلك نقول ؛ ان هناك أكثر من سبب أو دافع يجعل من (المدن) أهدفا"مرشحة لانتقام المعارضة من السلطة والتنكيل الرمزي بسلطانها ، وذلك باللجوء لتخريب أبرز معالمها العمرانية والمعمارية ، وإلحاق الضرر بشتى مظاهرها الحضرية والتاريخية ، لاسيما تلك التي تحمل دلالات تتعلق بالذاكرة الاجتماعية وتحيل الى الهوية الثقافية ، أو ما يسمى بالسرد الانثروبولوجي الفرنسي (أماكن الذاكرة) .
وإذا ما حاولنا إيجاد تفسير مقبول لهذه الظاهرة الغريبة ، وبحثنا بصورة معمقة عن الدوافع والبواعث التي تجعل منها سلوك مبرر وتصرف مشروع من وجهة نظر المعارضة ، فإننا سنكتشف ان مواقف السلطة الحاكمة وما تمارسه من أساليب ضد خصومها ومعارضيها ، هي المسؤول الأول ليس فقط عن حصول هذه الظاهرة من قبل الجماعات الموصومة بالمعارضة وحسب ، وإنما إيغار صدور مكوناتها بمشاعر الحقد والكراهية لكل ما يمت بصلة لكل ما تحويه تلك المدن من معالم حضارية وشواهد تاريخية . ذلك لأن صانع القرار السياسي في هذا النمط من المجتمعات الموبوءة بالتخلف ، لم يترك أو يخلق ثيمة ذات دلالة تشعر أفراد هذه الجماعات بكل ما يحبب لديها الانتماء للمدينة الحاضنة ، ناهيك عن كونه يسعى لتجريدهم من كل ما يشدهم للولاء الى رموزها التاريخية والحضارية والعمرانية . ولعل الباحث الانثروبولوجي (مايك كرانغ) كان على مطلق الصواب حين ذكر في كتابه المعنون (الجغرافيا الثقافية : أهمية الجغرافيا في تفسير الظواهر الإنسانية) ، أنه (( إذا تم تقويض العلاقات بالأماكن ، سيتم من ثم تقويض الجماعات وهويات الناس )) .
ولعل ما يعمق إحساس الجماعات المعارضة بالغربة المكانية ويشعرها بفقدان الهوية الإقليمية للجغرافيا الوطنية ، رغم كونها تعيش – وربما ولد معظمها فيها - داخل المدن وتمارس حياتها الأسرية والقرابية والاجتماعية منذ أجيال ، هو ان صاحب السلطة يبدو مهووس بشخصنة كل ما تحويه المدن من معالم ذات قيمة عمرانية أو حضارية ، حتى ولو كان تاريخ انجازها يقع خارج فترة النظام القائم . لا بل ان رمز هذا الأخير قد يتمادى في بعض الأحيان الى استثمار وتوظيف الرصيد الاعتباري الذي غالبا"ما تتمع به بعض النصب أو المعالم التاريخية التي سبق وأقيمت داخل المدن منذ زمن بعيد ، بحيث يراد لها أن تكون بمثابة امتداد عضوي ورابط دلالي لطموحات ورغبات الحاكم المعاصر ، كما حصل في أكثر من مناسبة ضمن إطار التجربة العراقية السابقة ، لاسيما تلك الدلالات التي حملتها مقولة (من نبوخذ نصر الى صدام حسين بابل تنهض من جديد) ، والتي كانت الرائجة في وسائل الإعلام الرسمي للنظام السابق .
وفي إطار مثل هذه السياسية التي تحاول تجيير (الذاكرة التاريخية) الخاصة بالمدينة المعينة لصالح شخصية الزعيم السياسي ، بحيث تبدو كما لو أنها بلا قيمة ولا اعتبار ما لم يصار الى اقترانها بكيانه الشخصي المشحون بمظاهر الهيبة الكاذبة والكاريزما المزيفة ، فإن سيكولوجيا الجماعات المعارضة لا تفتأ تعمل على تجريد المدينة من طابعها الجغرافي – المكاني المستقل ، مثلما سلخها عن مضامينها التاريخية والحضارية والوطنية الشاملة ، ومن ثم النظر إليها كتجسيد لجبروت الدولة المهيمنة وطغيان السلطة الحاكمة . وهكذا تشرع الممنوعات العرفية والممانعات الأخلاقية التي كانت سابقا"تلزم الأطراف المعنية على احترامها ومراعاتها بالتآكل شيئا"فشيئا"، وتحلّ محلها مشاعر فائضة بالكراهية ونوازع طافحة بالانتقام ليس فقط من شخص الحاكم الذي يمثل هرم السلطة ورمزها الأعلى فحسب ، وإنما حيال كل ما يقترن به أو يمتّ له بصلة سواء على صعيد المؤسسات أو الكيانات التي يمثلها ، أو على صعيد الانتماءات والولاءات التي يجسدها .
ولعل من أبرز مظاهر كراهية المعارضة لرموز السلطة شيوعا"، هي توجيه مشاعر الازدراء ونوازع الانتقام نحو المدينة التي تجسّد قوة الحاكم وتعكس سلطانه – غالبا"ما تكون العاصمة – بحيث ان سلوك الانتقام المتمثل بالتخريب العمراني المتعمد والتدمير الحضري المقصود ، لا يقتصر فقط على فترات الفوضى والاضطراب الناجمة عن انهيار النظام المسيطر وسقوط الحكومة المهيمنة ، كما حدث لمدينة (بغداد) عقب الغزو الأمريكي عام 2003 فحسب ، وإنما يسري كذلك على فترات الهدوء الاجتماعي والاستقرار السياسي التي يكون خلالها الحاكم في أقوى حالاته . وذلك بانتهاج كل ما من شأنه التقليل من شأن المعالم التاريخية رغم قيمتها ، والشواهد الحضارية رغم أهميتها ، والنصب المعمارية رغم جماليتها . ومن ثم تعمّد إهمالها والإساءة إليها بشتى الطرق والأساليب حتى ولو بتركها عرضة لعوامل التآكل والاندثار دون حماية أو رعاية ، مع توافر القدرات والإمكانيات على تقديم المساعدة اللازمة وإصلاح ما لحق بها من أضرار ، خصوصا"وأنها نشأت في بيئات وتربت على قيم غالبا"ما كانت توحي بانعدام أية وشيجة تربطها بها وتشدها إليها .



#ثامر_عباس (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الجدليات السوسيولوجية .. تركيبية لا تفاضلية
- سبل تطور الوعي التاريخي بين مفهومي (الاستمرارية) و(السيرورة)
- ملاحظات حول مقال (لجان مناقشة الرسائل الجامعية ليست لجان إغا ...
- (البرودويلية) ومنهجية البحث في تاريخ العراق
- ماركس ومجتمعات ما قبل الكونوليالية - قراءة في كتاب (ماركس وم ...
- مثقفو الطوائف وفتوحات عصر الذكاء الاصطناعي !
- الخلفيات التاريخية ودورها في المسارات الاجتماعية
- مصائر الرأسمال الرمزي في عصر الرقمنة !
- الاصول الماركسية للتاريخ من أسفل
- اتهام موروثنا الأسطوري ومساءلة وعينا التاريخي : العبرة والاع ...
- انثروبولوجيا المكان بين الأصول الريفية والميول الحضرية : روا ...
- التاريخ والمؤرخ والوثيقة التاريخية : تفاعل لا تفاضل
- أخلاق الثقافة وثقافة الأخلاق
- الخطاب الثقافي والأجيال البينية : قراءة في اجتهادات أستاذ ال ...
- حدود البنية (اللوجستية) في صيرورة الهوية الوطنية
- مرض عضال الثقافة العراقية : ظاهرة التكاره بين المثقفين !
- المؤرخ وتبعات انبهاره بالتاريخ
- (المثقف) حين يمتهن التجارة !
- بمناسبة الذكرى (150) لميلاد الصحافة العراقية - نقابة الصحفيي ...
- العشائر والشعائر : الفزعة القبلية والنزعة الاستعلائية !


المزيد.....




- صرخ -يحيا الشيطان-.. إيقاف معلم رياضيات أرعب طلابه بزي شيطان ...
- قصف إسرائيلي متواصل على غزة وسط وضع إنساني كارثي
- هل تمر العلاقة الأمريكية مع سوريا الجديدة عبر تركيا؟
- مصر.. الداخلية تكشف ملابسات مقتل حفيد الدكتورة نوال الدجوي ب ...
- مصر.. السيسي يوجه رسالة إلى القارة الإفريقية
- الجزائر تسترجع سفينة احتجزت في بلجيكا 3 سنوات
- السعودية.. القتل -تعزيرا- لمواطن مصري والكشف عن جريمته
- بوتين يروي تفاصيل أمره بوقف هجوم إحدى الفرق العسكرية بسبب ال ...
- ترامب يرسل وزيرة الأمن الداخلي إلى تل أبيب عقب مقتل الدبلوما ...
- مدفيديف: المنطقة العازلة ستكون على كامل الأراضي الأوكرانية ( ...


المزيد.....

- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة
- سلطة غير شرعية مواجهة تحديات عصرنا- / نعوم تشومسكي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثامر عباس - (المدينة) كهدف لانتقام المعارضة من السلطة