أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - الأبعاد الفلسفية والحنين في قصيدة بدوي الجبل «سيذكرني»














المزيد.....

الأبعاد الفلسفية والحنين في قصيدة بدوي الجبل «سيذكرني»


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8533 - 2025 / 11 / 21 - 02:53
المحور: قضايا ثقافية
    


(قراءة تأويلية – نقدية – وجدانية)


---

أولاً: مقدمة منهجية

يقف بدوي الجبل في هذه الأبيات القصيرة على تخوم الشعر الوجداني الخالص، حيث تتأسس التجربة على الغياب والذاكرة والحنين.
ورغم أن النص مؤلَّف من أربعة أبيات فقط، إلا أنه يحمل بنية فكرية وفلسفية كثيفة، تشبه قصائد الإيجاز الحكمي عند المتصوفة والشعراء الرومانسيين.

النص:

سيذكرني بعد الفراق أحبّتي
ويبقى من المرء الأحاديث والذكرُ
ورودُ الرُّبى بعد الربيع بعيدةٌ
ويدنيكَ منهُ قواريره العطرُ


---

ثانياً: خلفية عن تجربة بدوي الجبل الوجدانية

بدوي الجبل شاعر يتأسّس وجدانه على:

فكرة الغياب والانتفاء كحقيقة وجودية.

تمجيد الذكرى بوصفها أثراً لا تمحوه الفناءات.

استناد الذات إلى العطر والضوء باعتبارهما رمزين للجوهر الخالد.

اعتقاد رومانسي بأن الجمال يحيا في الذاكرة أكثر مما يحيا في الحضور.


هذه الخلفية تجعل الأبيات القصيرة ذات طبيعة فلسفية عميقة.


---

ثالثاً: بنية النص العامة

النص قائم على ثنائية:

1. الفراق ← التذكّر

وهي ثنائية وجودية تحكم علاقة الإنسان بمن يحب.

2. ابتعاد الربيع ← اقتراب العطر

وهي ثنائية حسّية–فلسفية بين الحضور المادي والزمني (الربيع) والحضور الجوهري غير المادي (العطر).

القصيدة كلها تتحرك حول:
كيف يبقى الجوهر رغم زوال الشكل؟


---

رابعاً: الأبعاد الفلسفية في القصيدة

1. فلسفة الوجود والغياب – Ontology

الشاعر يقرّ أن الإنسان لا يبقى بجسده أو حضوره المباشر، بل يبقى بـ:

الأحاديث

الذكر


وهذا يتقاطع مع فكرة الأثر في الفلسفة الوجودية:

> “الكائن يفنى، لكن أثره يستمر خارج زمنه.”



بدوي الجبل يضع نفسه ضمن هذا القانون الكوني:
أن نكون هو أن نترك أثراً.


---

2. فلسفة الذاكرة – (برغسون – ريكور)

برغسون يرى أن الذاكرة ليست استعادة للماضي، بل خلق جديد له كل مرة.
وهنا نجد بدوي الجبل يقول:

«سيذكرني بعد الفراق أحبتي»
إذ يدرك أن ذكره سيتحوّل إلى وعي جديد بأثره.

أما ريكور فيقول إن الذاكرة تُبنى على “الأثر الرمزي لا الواقعي”،
ولهذا تظهر الاستعارة الكبرى:

الربيع يبتعد… لكن العطر يدنو.

هذا هو جوهر الفلسفة الذاكرية:
العطر أقوى من الربيع لأنه جوهر الربيع، لا موسميته.


---

3. فلسفة الجوهر والمظهر – (أرسطو – ابن سينا)

الربيع = مظهر
العطر = جوهر

حين يزول الربيع يبقى العطر، كما حين يغيب الإنسان يبقى الذكر.

في هذا استخدام فلسفي–شعري لفكرة:
أن الحقيقة ليست في الصورة، بل في ما يفيض منها.


---

خامساً: الحنين بوصفه بنية شعورية

الحنين هنا ليس مجرد اشتياق، بل:

1. حنين أنطولوجي – حنين إلى الوجود ذاته

يشبه ما قاله محمود درويش:
“نحن نشتاق لأنفسنا في الآخرين.”

الشاعر يشتاق لنسخته التي بقيت في ذاكرة أحبابه.


---

2. الحنين كجسر بين الماضي والحاضر

البيت الثاني:
«ويبقى من المرء الأحاديث والذكر»
يحول الحنين إلى رابطة زمنية.

الماضي هنا لا يموت، بل يتداخل مع المستقبل عبر الذكر.


---

3. الحنين كإدراك لفناء الجسد وخلود الروح

العطر رمز الروح.
والربيع رمز الجسد/المشهد العابر.

والشاعر يعلن أن الحنين هو ذاكرة الروح أكثر منه ذاكرة العين.


---

سادساً: التحليل البلاغي والجمالي

1. الاستعارة الكبرى

ورود الربى ← الربيع ← الجمال الزمني
قوارير العطر ← الذكر ← الجمال الخالد

2. تشخيص الفراق والذكر

يحوّل الذكر إلى كائن يعيش بعد موت صاحبه.

3. جمالية التوازي

«بعيدة» / «يدنيك»
هذه المفارقة تمنح النص توتره الشعري.

4. الاقتصاد اللغوي

أربعة أبيات فقط
لكنها تحمل:

رؤية وجودية

فلسفة روحية

معجمًا طبيعيًا ناعمًا (ورد، ربيع، عطر، ربى)


5. موسيقى الحروف

حضور الياء والراء بكثافة يمنح القصيدة نبرة حنينية رخوة.


---

سابعاً: الرمز الصوفي في الأبيات

العطر في التصوف رمزٌ لـ:

السر

النور

الحضور الإلهي الخفي


وحين يقول الشاعر:
«يدنيك منه قواريره العطر»
فهو يشير إلى أن جوهر الجمال — كجوهر الروح — لا يزول.

هذا تطعيم صوفي رقيق في نص وجداني.


---

ثامناً: قراءة تأويلية ختامية

هذه أبيات في أثر الإنسان بعد غيابه،
وفي الحب الذي يتجاوز الجسد نحو الذاكرة،
وفي تمجيد جوهر الجمال لا شكله.

بدوي الجبل يقول باختصار:

سيزول حضوري،

وستبتعد أيامي مثل الربيع،

لكن رائحتي – عطري – ذكري – أثري
سيبقى يقترب منكم كلما ابتعدت.


إنها فلسفة الحضور الغائب، أو كما قال ابن عربي:

> “الغائبُ في حضرةِ الذكرِ أشدُّ حضورًا من الشاهد.”



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ‏الفلسفة اللغوية عند نعوم تشومسكي ونظرياته المتعددة
- ‏صناعة الثراء: بين اقتصاد المعرفة ومنظومة الهيمنة المالية
- من المنجنيق إلى الدرونات: قصة أسلحة غيرت مسار الحروب
- من إنقاذ المريض إلى إنقاذ المحصول: الطب البشري والطب الزراعي ...
- فرديناند دو سوسور والإبداع في علوم اللغة
- ‏قد يكون جيل الروبوتات أكثر حنانًا من البشر
- ‏فرديناند دو سوسور والإبداع في علوم اللغة وفلسفتها
- الفلسفة اللغوية عند نعوم تشومسكي ونظرياته المتعد
- حواراتي مع حبيبتي الروبوت
- الدبلوماسية بعين رجل أعمال: كيف حوّل دونالد ترامب البيت الأب ...
- ‏الاختراقات المخيفة للهندسة الوراثية
- ‏الظلام القادم من النور: عندما تنحرف الثورات عن مسارها – درا ...
- النص الكامل لمقابلة نورا أودونيل مع الرئيس ترامب
- مهارات في الحكمة لم نتعلمها في المدرسة
- ‏الرياضيات واللسانيات: تلاقي المنطق والمعنى
- ‏الأسلحة الجيوفيزيائية … إلى أين؟
- المرأة بين الرفض والتمرد في ديوان نزار قباني -يوميات امرأة ل ...
- ‏الأسلحة البيوتقنية... إلى أين؟ ‏
- ‏قراءة في نص نزار قباني: -حبيبتي تتعطر بالنفط-
- ‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة ‏


المزيد.....




- النيابة الفرنسية تفتح تحقيقاً في اتهام لاعب تولوز بـ -إهانة ...
- هل يُسهم تدخل الرئيس الأمريكي في الأزمة السودانية بوضع نهاية ...
- -سيناريوهات- يناقش مستقبل -قانون قيصر- بشأن سوريا
- 3 سيناريوهات تحدد مصير -قانون قيصر- في الكونغرس الأميركي
- نتنياهو يشترط للانتقال إلى المرحلة الثانية ويتحدث عن القوة ا ...
- فيديو – فلسطينيون يشيّعون قتلى الغارات الإسرائيلية في غزة
- كييف تتسلم من واشنطن مشروع خطة لإنهاء الحرب.. وزيلينسكي يستع ...
- عقوبات أوروبية على المسؤول الثاني في قوات الدعم السريع بالسو ...
- فرنسا: تهديد عصابات المخدرات يوازي الإرهاب
- ماكرون - تبون: هل يتم اللقاء في قمة العشرين؟


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - الأبعاد الفلسفية والحنين في قصيدة بدوي الجبل «سيذكرني»