أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏صناعة الثراء: بين اقتصاد المعرفة ومنظومة الهيمنة المالية















المزيد.....

‏صناعة الثراء: بين اقتصاد المعرفة ومنظومة الهيمنة المالية


محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث

(Mohammad Abdul-karem Yousef)


الحوار المتمدن-العدد: 8532 - 2025 / 11 / 20 - 01:58
المحور: قضايا ثقافية
    



‏الملخّص

‏لم يعد الثراء في العصر الحديث مجرّد نتاج للعمل أو الادخار، بل أصبح صناعة منظمة تتقاطع فيها التكنولوجيا، والأسواق المالية، والذكاء الاصطناعي، والسياسات النيوليبرالية.
‏يهدف هذا المقال إلى تحليل مفهوم “صناعة الثراء” من منظور الاقتصاد المعرفي والسياسي، موضحًا كيف تحوّلت الثروة من إنتاجٍ مادي إلى بناء رمزي ومعرفي يُدار عبر شبكات رقمية ومالية عابرة للحدود، وكيف تغيّر معنى “النجاح الاقتصادي” من الكفاءة إلى القدرة على التحكم في التدفقات المعلوماتية والمالية.


‏---

‏المقدّمة

‏في العقود الأخيرة، تغيّر وجه الاقتصاد العالمي جذريًا.
‏فبينما كان الثراء في القرون السابقة يقوم على امتلاك الأرض أو رأس المال الصناعي، أصبح اليوم يُنتج من المعلومة، والبيانات، والخوارزميات.
‏هكذا نشأت ما يُعرف بـ صناعة الثراء — شبكة من المؤسسات المالية، وشركات التكنولوجيا، والمستشارين الاقتصاديين، والإعلام المالي، التي لا تُنتج ثروة فحسب، بل تُنتج فكرة الثراء ذاتها، وتسوقها كحلم اجتماعي وكمعيار للقيمة الإنسانية.


‏---

‏أولًا: الثراء كصناعة لا كحالة

‏تُشير الدراسات الحديثة (Piketty, 2014) إلى أن تراكم الثروة لم يعد عفويًا، بل يُدار كعملية إنتاج صناعي تعتمد على:

‏استثمار رأس المال في الأصول المالية لا في الإنتاج الحقيقي؛

‏تحويل المال إلى معلومة، والمعلومة إلى أداة سيطرة اقتصادية؛

‏تسليع النجاح من خلال أسواق الأسهم والعقارات والرموز الرقمية.


‏بهذا، يصبح الثراء منتجًا ثقافيًا تُصنع صورته قبل أن تُصنع قيمته المادية، ويُغلف بخطاب التنمية الذاتية وريادة الأعمال، بينما تخفي خلفه منظومة من عدم المساواة المُمأسسة.


‏---

‏ثانيًا: اقتصاد المعرفة وتحولات الثراء

‏يرى بيتر دركر (Drucker, 1993) أن الاقتصاد المعاصر دخل مرحلة “اقتصاد المعرفة”، حيث تكون المعرفة — لا العمل اليدوي — المصدر الرئيس للثروة.
‏لكن المعرفة لا تُوزع بالتساوي؛ إذ يحتكرها من يمتلك أدواتها: التكنولوجيا، والبيانات، والذكاء الاصطناعي.
‏في هذا السياق، تُنتَج الثروة عبر:

‏تحليل البيانات الضخمة (Big Data)؛

‏التجارة الرقمية والمنصات الافتراضية؛

‏تراكم رأس المال الرمزي عبر الإعلام والشبكات الاجتماعية.


‏إنها ثروة بلا مصانع، لكنها قائمة على بنية تحتية من العقول والأنظمة الرقمية.


‏---

‏ثالثًا: الثراء والهيمنة

‏يشير ديفيد هارفي (Harvey, 2005) إلى أن النيوليبرالية حوّلت الثروة إلى آلية هيمنة سياسية، حيث تُعاد صياغة الاقتصاد لخدمة رأس المال المالي العالمي.
‏فصناعة الثراء ليست مجرّد نجاح فردي، بل منظومة تنتج تفاوتًا بنيويًا:

‏1٪ من سكان العالم يمتلكون أكثر من 50٪ من الثروة العالمية (Credit Suisse, 2023).

‏الشركات التقنية الكبرى (Apple, Amazon, Google) تملك ميزانيات تفوق دولًا بأكملها.


‏الثراء هنا لم يعد وسيلة للرفاه، بل أداة سلطة تُعيد تعريف من يمتلك الحق في صنع القرار والمعرفة.


‏---

‏رابعًا: صناعة الثراء كمنتج ثقافي

‏تلعب وسائل الإعلام والتسويق دورًا محوريًا في تطبيع الثراء، عبر صناعة رموز ثقافية تمجّد “المليونير العصامي” وتخفي البنية الطبقية خلف قصص النجاح الفردي.
‏هذه الصناعة تُغذي اقتصاد الطموح، الذي يدفع الأفراد إلى الاستهلاك والتنافس المستمر بحثًا عن مكان في “طبقة الأغنياء الرمزية”، حتى وإن لم يتحقق ذلك فعليًا.
‏بذلك، يصبح الثراء مفهومًا أيديولوجيًا أكثر من كونه حالة اقتصادية.


‏---

‏خامسًا: الثراء في عصر الذكاء الاصطناعي

‏أحدثت الثورة الرقمية موجة جديدة من تراكم الثروة عبر الذكاء الاصطناعي وسلاسل الكتل (Blockchain).
‏فالثروة اليوم تتكوّن من البيانات، لا من المواد الخام.
‏وهذا ما أطلق عليه شوشانا زوبوف (Zuboff, 2019) “رأسمالية المراقبة”، حيث يُستغل السلوك البشري كمصدر للربح.
‏في هذه المرحلة، تتعمق الفوارق بين من يملكون التكنولوجيا ومن يستهلكونها، فيتسع الفارق الطبقي حتى داخل المجتمعات الغنية.


‏---

‏سادسًا: الثراء الأخلاقي والعدالة الاقتصادية

‏تطرح "صناعة الثراء" سؤالًا أخلاقيًا:
‏هل يمكن بناء ثراء عادل في نظام غير عادل؟
‏يرى أمارتيا سن (Sen, 2009) أن الثراء لا يُقاس بما يملكه الإنسان بل بما يستطيع فعله بملكه (القدرات).
‏وبالتالي، تصبح العدالة الاقتصادية ليست في المساواة في الدخل بل في القدرة على تحقيق الحياة التي يختارها الإنسان.
‏الثراء الحقيقي، في هذا التصور، هو تحرر من الحاجة لا تراكم للأشياء.


‏---

‏الخاتمة

‏صناعة الثراء هي مرآة العصر النيوليبرالي، حيث تُحوَّل القيم والمعارف والعلاقات إلى أصول قابلة للتسويق.
‏هي نظام ينتج الثروة كما ينتج المعنى، ويعيد تعريف الإنسان من “كائن عاقل” إلى “مستهلك طموح”.
‏لكن الثراء المستدام لن يكون في أسواق المال، بل في بناء اقتصاد معرفي أخلاقي يُعيد التوازن بين الكفاءة الإنسانية والعدالة الاجتماعية.

‏فالثراء الحقيقي ليس ما نملك، بل ما نُطلقه من إمكانات بشرية في خدمة الحياة.


‏---

‏المراجع

‏1. Piketty, T. (2014). Capital in the Twenty-First Century. Harvard University Press.


‏2. Drucker, P. (1993). Post-Capitalist Society. HarperBusiness.


‏3. Harvey, D. (2005). A Brief History of Neoliberalism. Oxford University Press.


‏4. Zuboff, S. (2019). The Age of Surveillance Capitalism. PublicAffairs.


‏5. Sen, A. (2009). The Idea of Justice. Belknap Press.


‏6. Credit Suisse Research Institute. (2023). Global Wealth Report 2023.


‏7. Bauman, Z. (2007). Consuming Life. Polity Press.


‏8. Rifkin, J. (2014). The Zero Marginal Cost Society: The Internet of Things, the Collaborative Commons, and the Eclipse of Capitalism. Palgrave Macmillan.



#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من المنجنيق إلى الدرونات: قصة أسلحة غيرت مسار الحروب
- من إنقاذ المريض إلى إنقاذ المحصول: الطب البشري والطب الزراعي ...
- فرديناند دو سوسور والإبداع في علوم اللغة
- ‏قد يكون جيل الروبوتات أكثر حنانًا من البشر
- ‏فرديناند دو سوسور والإبداع في علوم اللغة وفلسفتها
- الفلسفة اللغوية عند نعوم تشومسكي ونظرياته المتعد
- حواراتي مع حبيبتي الروبوت
- الدبلوماسية بعين رجل أعمال: كيف حوّل دونالد ترامب البيت الأب ...
- ‏الاختراقات المخيفة للهندسة الوراثية
- ‏الظلام القادم من النور: عندما تنحرف الثورات عن مسارها – درا ...
- النص الكامل لمقابلة نورا أودونيل مع الرئيس ترامب
- مهارات في الحكمة لم نتعلمها في المدرسة
- ‏الرياضيات واللسانيات: تلاقي المنطق والمعنى
- ‏الأسلحة الجيوفيزيائية … إلى أين؟
- المرأة بين الرفض والتمرد في ديوان نزار قباني -يوميات امرأة ل ...
- ‏الأسلحة البيوتقنية... إلى أين؟ ‏
- ‏قراءة في نص نزار قباني: -حبيبتي تتعطر بالنفط-
- ‏المجتمع مرآة أخلاقية للسلطة ‏
- أنماط الدولة الحديثة: المركزية، اللامركزية، الفيدرالية، والك ...
- قراءة في قصيدة -ريتا- للشاعر محمود درويش


المزيد.....




- ديمقراطيون يدعون الجيش الأميركي لعصيان ترامب
- إسرائيل: دمرنا مستودعات أسلحة تابعة لحزب الله جنوبي لبنان
- تصريح لبوتين عن وضعه الصحي.. وحديث عن فحوصات طبية ليومين
- -الموساد- يكشف تفاصيل عملية نفذها في أوروبا ضد -حماس-
- مسعد بولس: الولايات المتحدة ملتزمة بإنهاء الصراع في السودان ...
- غزة: مقتل 28 فلسطينيا جراء غارات إسرائيلية.. و-حماس- تحذر من ...
- بريطانيا تحذر روسيا بعد رصد سفينة تجسس بالقرب من اسكتلندا
- بعد التصعيد الإسرائيلي والضغط الأميركي.. هل تنفجر الأوضاع في ...
- -فانهايم-.. مشروع عسكري أميركي مات قبل أن يولد
- اعتداء عنيف على طالب في ميلانو يسلط الضوء على تصاعد الجريمة ...


المزيد.....

- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت
- الكتابة بالياسمين الشامي دراسات في شعر غادة السمان / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - محمد عبد الكريم يوسف - ‏صناعة الثراء: بين اقتصاد المعرفة ومنظومة الهيمنة المالية