أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - عندما تتغيّر سوريا... هل يتغيّر الشرق الأوسط















المزيد.....

عندما تتغيّر سوريا... هل يتغيّر الشرق الأوسط


هاني الروسان
استاذ جامعي مختص بالجيوبوليتيك والاعلم في جامعة منوبة ودبلوماسي

(Hani Alroussen)


الحوار المتمدن-العدد: 8529 - 2025 / 11 / 17 - 10:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


أنهت زيارة الرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن مرحلة من الجدل والتكهنات حول الوجهة التي ستسلكها دمشق بعد عدد من التحولات الدراماتيكية التي عاشتها دمشق منذ نحو عام. ففي المشهد الذي تلا لقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، بدا واضحًا أن سوريا قد انتقلت من موقع الخصومة التاريخية مع الغرب إلى موقع الشراكة الاستراتيجية معه. وللمرة الأولى منذ قيام دولة إسرائيل واندلاع الصراع العربي–الإسرائيلي، تقف سوريا في المعسكر الأميركي بصورة صريحة ومعلنة، وهو تحوّل لا يمكن النظر إليه بوصفه خطوة خارج السياق أو استجابة ظرفية، بل انعطافة جذرية في الهوية السياسية والإقليمية للدولة السورية.
بهذه الزيارة، أغلقت دمشق باب الغموض الذي لازم المرحلة الانتقالية منذ انهيار النظام السابق، وفتحت صفحة جديدة عنوانها «التحالف لا المواجهة». فالبيان المشترك الصادر في ختام الزيارة تحدث بوضوح عن انضمام سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش»، والمساهمة في «تفكيك شبكات الإرهاب الإيرانية والميليشيات المتطرفة». وهي مفردات لم يكن من الممكن تخيّل صدورها عن القيادة السورية قبل سنوات قليلة، حين كانت دمشق تمثّل ركيزة ما سُمّي بـ«محور المقاومة».
لكن الأهم وربما الاخطر من ذلك أن هذا التحول السوري لا يقف عند حدود الاصطفاف الأمني أو العسكري المختلف، بل يؤشر إلى إعادة تعريف للدور السوري في النظام الإقليمي. فدمشق الجديدة على ما يبدو تُقدَّم اليوم بوصفها شريكًا في استقرار الشرق الأوسط، وليست بعدُ مركز اضطرابه، ما يعني أن موازين القوى والعلاقات البينية في المنطقة مقبلة على مراجعة شاملة، لأن سوريا ليست دولة عادية في جغرافيا الصراع: فهي نقطة التقاء بين المشرق والمغرب، بين الهلال الخصيب والأناضول، وبين المتوسط وعمق آسيا.
هذا التموضع الجديد لا يمكن عزله عن إعادة ترتيب الأولويات في واشنطن نفسها. فالإدارة الأميركية التي تحاول الحد من الدور الإيراني المتضخم في الإقليم وجدت في سوريا الجديدة فرصة لتقويض هذا النفوذ، دون خوض مواجهة مباشرة معه. لذلك رُحّب في واشنطن، كما في أنقرة، بإعلان الشرع عن «التزام بلاده بالمساعدة في تفكيك الحرس الثوري الإيراني وحزب الله». الذي يأتي متزامنًا مع مؤشرات على انسحاب روسي تدريجي من بعض القواعد العسكرية في الساحل السوري، وهو ما فُهم إقليميًا على أنه بداية انكفاء لموسكو نحو أولوياتها الداخلية بعد سنوات من الانغماس العسكري في اوكرانيا.
وفي المقابل، شرعت تركيا في تنسيق غير مسبوق مع دمشق، تمخض عنه اتفاق مبدئي يقضي بإدماج «قوات سوريا الديمقراطية» في البنية الدفاعية والاقتصادية للدولة، تحت إشراف ثلاثي أميركي–تركي–سوري. وهذا الاتفاق، إن تحقق على الأرض، سيُنهي فعليًا واحدة من أكثر نقاط التوتر تعقيدًا منذ اندلاع الأزمة السورية، ويفتح الباب أمام بناء نموذج جديد للأمن الحدودي بين البلدين.
لذا فان دخول سوريا إلى المعسكر الأميركي يعني ضرورة أن الشرق الأوسط يدخل طورًا جديدًا من إعادة التشكيل، فالمحاور التقليدية التي حكمت المنطقة طوال العقود الماضية — محور المقاومة مقابل محور التحالف الغربي — تتهاوى تدريجيًا أمام واقع جديد يقوم على تحالفات وظيفية تتجاوز الاصطفافات الأيديولوجية.
فتركيا، التي طالما اتهمت دمشق بالإرهاب، باتت اليوم شريكًا رئيسيًا لها في مشاريع إعادة الإعمار والبنية التحتية. والولايات المتحدة، التي كانت تتبنى سياسة «الردع والعقوبات»، أصبحت تطرح علنًا فكرة إلغاء «قانون قيصر» لإعطاء الاقتصاد السوري فرصة للانطلاق. وحتى إسرائيل، التي شكلت العدو الرئيسي لسوريا منذ 1948، وجدت نفسها معنية بإعادة تعريف العلاقة مع جارتها الشمالية في ضوء التفاهمات الأميركية–التركية–السورية، خصوصًا ما يتصل بترسيم الحدود في الجولان وضمان الأمن المتبادل.
هذا الانفتاح الثلاثي–المتعدد يعيد رسم خريطة التفاعلات الإقليمية على أسس جديدة. فسقوط المعادلة القديمة التي جعلت من الصراع العربي–الإسرائيلي محورًا لكل السياسات، يفسح المجال أمام نظام إقليمي متعدد الأقطاب، تُدار فيه التحالفات وفق المصالح الاقتصادية والأمنية لا وفق الشعارات القومية أو الدينية. وفي هذا السياق، تبدو سوريا أشبه بـ«اللبنة الأولى» في بناء شرق أوسط جديد، يتجاوز صدامات القرن العشرين نحو براغماتية القرن الحادي والعشرين.
وإذا قدر لهذه التحولات الكبرى ان تأخذ مجراها الى ارض الواقع فإن التحول السوري الحالي سيمثل «نقطة انعطاف جيوسياسية». فبمجرد أن تصبح دمشق جزءًا من المنظومة الغربية، يتغير ميزان القوى في المشرق برمته: فايران ستفقد أهم منفذ استراتيجي لها على المتوسط، ما يعني تراجع قدرتها على دعم وكلائها في لبنان وغزة، والعراق سيجد نفسه أمام ضرورة إعادة تعريف توازنه بين طهران وواشنطن، خشية أن يُترك وحيدًا في منطقة تُعاد هندستها دون مشاركته.اما لبنان فسيتأثر مباشرة بانكفاء الدعم الإيراني، مما قد يفتح الباب أمام إعادة صياغة معادلة السلطة فيه على أسس جديدة.
كذلك فان اسرائيل من جهتها ستعيد النظر في مفهوم «التهديد السوري»، إذ لم تعد دمشق مركز العداء القديم، بل دولة تتعامل معها واشنطن كشريك استراتيجي في إدارة ملفات الأمن الإقليمي.
هذه التحولات مجتمعة ستؤدي إلى إعادة تشكيل شامل للبنية الجيوسياسية للشرق الأوسط، حيث يتراجع فيها دور الأيديولوجيات ويُعاد توزيع النفوذ على أسس التحولات في اعادة انتشار القوة، وتتحول سوريا إلى منصة لتوازنات جديدة بين القوى الكبرى والإقليمية.
فالموقع الذي كانت تشغله دمشق كخصم للنظام الدولي تحوّل إلى موقع شريك فيه، والدور الذي لعبته كـ«جبهة متقدمة» لمحور المقاومة أصبح اليوم ركيزة لإعادة هندسة الإقليم. ومن رحم هذا التحول قد يولد شرق أوسط مختلف — أقل أيديولوجية وأكثر واقعية، أقل صراعًا وأكثر تفاوضًا، وربما أقل ضجيجًا وأكثر حسابًا للمصالح.
فقد تتحول هذه التغيرات الى لحظة فارقة لا تخص سوريا وحدها، بل تمسّ جوهر المعادلة الإقليمية التي حكمت المنطقة منذ منتصف القرن العشرين. فحين تتبدّل دمشق، لا يبقى شيء في المشرق كما كان.
ورغم هذه المؤشرات ومع أن هذا التحول يُقدَّم في واشنطن وأنقرة بوصفه خطوة نحو «شرق أوسط أكثر استقرارًا»، إلا أنه لا يخلو من مخاطر لا زالت قائمة بقوة. فالتحالف الجديد يثير قلق طهران وموسكو، اللتين قد تلجآن إلى سياسات إعاقة غير مباشرة عبر دعم فواعل محلية مسلحة أو التأثير في المشهد العراقي واللبناني. كما أن إعادة بناء الدولة السورية بعد حرب مدمرة تحتاج إلى قدر كبير من الانسجام الداخلي، وهو ما لم يتحقق بعد بصورة كاملة.
هاني الروسان/ استاذ الجيوبوليتيك والاعلام في جامعة منوبة



#هاني_الروسان (هاشتاغ)       Hani_Alroussen#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدور التركي في الترتيبات الامريكية لما بعد الحرب على غزة
- السلام الامريكي للشرق الاوسط في معادلة الصراع على الهيمنة
- بعد مرور عامين على حرب الابادة في غزة: ماذا بقي من النظام ال ...
- اذا رغبت السعودية استطاعت
- الفيتو الامريكي السادس: واقعية القوة واعادة انتاج الهيمنة
- بيان قمة الدوحة: الادانة الشديدة وانعدام الاليات
- قطر بين صدمة الواقع والرهان على الوهم
- صدقية الاعتراف بالدولة الفلسطينية رهين بحماية السلطة ووقف حر ...
- نفس الاهداف ونفس النتائج: منع تأشيرة الرئيس ابو مازن يعيد لل ...
- اسرائيل ابنة الكذبة لا تستمر في البقاء الا بقتل الحقيقة
- هل يكفي التسويق الكلامي التركي للعب دور اقليمي؟؟
- ضرورات ما بعد الاعتراف بالدولة الفلسطينية
- اسرائيل لن توقف الحرب على غزة التي تدحرجت من انتقامية الى تأ ...
- هل تكون السويداء مخبر القادم؟؟
- سوريا الشرع في اذربيجان قد لا تكون سوريا ما ثبلها .
- التحالفات الروسية بين سردية التخلي والانكفاء الواعي
- لماذا يصر ترامب على تسويق ضرباته لمنشآت ايران النووية على ان ...
- اتفاق وقف اطلاق النار بين ايران واسرائيل: هدنة الضرورة التي ...
- بين تفادي مواجهة واشنطن وتصعيد الصراع مع إسرائيل: قراءة في ا ...
- الهجوم الاسرائيلي على إيران: استنزاف استراتيجي يهدد استقرار ...


المزيد.....




- هل اتخذ ترامب قرارًا بشن هجوم بري على فنزويلا؟ مسؤولان يكشفا ...
- السعودية.. اصطدام شاحنة وقود بحافلة معتمرين من الهند قرب الم ...
- تعليق على رد تيتان: يجب أن ينعكس سعي تيتان نحو التحسّن في اح ...
- كونغو الديمقراطية.. لحظة انهيار جسر في منجم نحاس وكوبالت وسق ...
- الزواج.. عريس جزائري يترك قاعات الأفراح ويختار مشاركة فرحته ...
- جون برينان.. كيف تندّر المصريون على تصريح مدير الـ-سي آي إيه ...
- كيف تتوزع القوة البحرية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا؟ ...
- بن سلمان في البيت الأبيض بعد 7 سنوات من مقتل خاشقجي.. ما الذ ...
- صفقة رافال التاريخية: 100 مقاتلة فرنسية تدعم أوكرانيا في موا ...
- منتجع تزلج فرنسي يبدأ مبكرا صنع الثلج الاصطناعي استعدادا للش ...


المزيد.....

- رواية / رانية مرجية
- ثوبها الأسود ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- شيوعيون على مر الزمان ...الجزء الأول شيوعيون على مر الزمان ... / غيفارا معو
- حكمة الشاعر عندما يصير حوذي الريح دراسات في شعر محمود درويش / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- التاريخ يكتبنا بسبابته / د. خالد زغريت
- جسد الطوائف / رانية مرجية
- الحجز الإلكتروني المسبق لموسم الحنطة المحلية للعام 2025 / كمال الموسوي
- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - هاني الروسان - عندما تتغيّر سوريا... هل يتغيّر الشرق الأوسط