أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - برّاد شاي صَحراويّ في الڭرڭارات















المزيد.....



برّاد شاي صَحراويّ في الڭرڭارات


ادريس الواغيش

الحوار المتمدن-العدد: 8522 - 2025 / 11 / 10 - 00:40
المحور: الادب والفن
    


برّاد شاي صَحراويّ في الڭرڭارات
بقلم: إدريس الواغيش
......

في السّفر، قد نُحَدّدُ الوِجهَة التي نرغبُ في الذّهاب إليها، ونختارُها بعناية، وتتعدّد الأسبابُ في ذلك. ولكننا لا نُحدّد التّوقيت، خصوصًا إذا كان السّفر رغبة منّا وليس ضرورة. هكذا، اخترتُ أن تكون مرّاكش أولى مَحطاتي في رحلة طويلة ومُتعبة، ولكنها في نفس الآن جدُّ مُمتعة، مُتنوّعة وغنيّة بمناظر خلابة وسط غياهب الصّحراء. بدأت رحلتي من فاس إلى مرّاكش، وبعدها انطلقت عبر غابات وجبال صخرية وكثبان رملية، وواحات صحراوية فيها أشجار نَخل وطَحل وتَمر، قبل أن أجد نفسي في النهاية وجهًا لوجه أمام المَعبر الحُدودي في الڭرڭارات.
قبل ذلك، كنتُ قد مرَرت على عدّة مُدن، لها عندي في القلب معزّة، مكانٌ دافئ وذكريات: مكناس، القنيطرة، الرّباط، البيضاء، سطات، بن جرير، المدينة التي كنت أتناول فيها غذائي وأنا مدرّسٌ في الصّحراء. وأحيانا كنت أتصادف مع وجبات العَشاء، قبل أن أكمل الرّحلة المكّوكية إلى مراكش. المدينة الحمراء في كل هذه الرّحلات، كانت دائمًا محطة عُبور وليست إقامة. وفي جميع الأحوال، تبقى مراكش في السنوات الأخيرة مدينة عالمية بكل المُواصفات، لا يمكن العُبور منها دون أن أقضي ليلة مَبيتٍ فيها، وهو أضعف الإيمان في رحلة سياحية شاقة وطويلة.
وأنت في مراكش، ستتأكد بالعَين والفعل، من أن هذه المدينة الجميلة، أصبحت بالفعل والقول عالمية، وهذا في حدّ ذاته شيء مُفرح. ولكن بعيدًا عمّا يروج عنها من إشاعات حول الغلاء، تصادف وُجودي فيها مع نهاية الأسبوع، والتّجار والمطاعم وأرباب الفنادق يستغلون مثل هذه المناسبات، ولكنّني وجدتهم لا يزالون يحافظون على أثمنة معقولة، سواء أثمنة المبيت في الفنادق الشعبية أو ذات التصنيف المُتدنّي من نجمتين أو ثلاث، بعيدًا طبعًا عن الفنادق المُصنفة و"الهاي كلاس" التي تبقى فنادق خصّة بالنّجوم والشخصيات العابرة للقارات والخارج التصنيف والما- بينهم، ولكن المواطن البسيط مثلي، في بعض الحالات، يلزمه أن يلبس على قدر مقاسه.
من مرّاكش في اتّجاه ورزَزات:
المرحلة الأصعب في الرحلة بدأت من مُرّاكش، قصدنا صعودًا نحو ورزَزات شرقًا، سلكنا مُنعرجات تيزي نتيشكَا الوَعرة بقُرَاها وأسواقها. لم تكن وجهتي هذه المرّة أكادير جنوبًا، كما جرت العادة، كان لي شوق عارم هذه المرّة إلى اكتشاف الطريق الذي مررت منه في الثمانينات، وهي في حلتها الجديدة بمُرتفعات الأطلس الكبير وفي أناقة التواءَاتها. كان بيني وبينها أربعون سنة من الغياب، مرَرت منها قبل أن تعرف الإصلاحات الأخيرة، كما كانت لي أيضًا رغبة في رُؤية شكلها الجديد، وقد ملأت أخبارها وصوَرها النّيُو ميديَا ضجيجًا وصورًا وفيديوهات على اليوتيوب، صورٌ في ببياض ثلجها وهو يغطي قمم الأطلس الكبير، وأخرى في اخضرار غاباتها صعودًا إلى القمّة، وهبوطًا إلى واحات ورزَزات وقصباتها.
لم نكن نعرف أن الطريق يُخبّئ لنا مفاجأة من نوع آخر، عطلٌ يصيب إحدى عجلات السّيارة، والسائق لم يكن مُجهّزًا بما يكفي من مُعدّات، وغير مُتمكّن من الحرفة، وجد صعوبة في استبدال عجلة بأخرى، ولم يكن مني إلا أطلبت من الشبّان الذي رافقونا في الرّحلة، أن يساعدوه إن استطاعوا لربح الوقت، وبعد تلكئ وامتناع، اقتنعوا بالفكرة، ساعدوه في عملية استبدال عجلة بأخرى. وفيما أنا أتناقش مع أحد المُهاجرين المغاربة بفرنسا، انتهبت إلى أن جلّ ملامحه، وجهًا وشعرًا وطولا وعرضًا وابتسامة، تشبه إلى حدّ كبير المُمثل الأمريكي مورغان فيرمان. قلت له مازحًا، وكنا في اعتقادي الأقرب سنًّا: "ألم يشبهك أحدٌ بشخص ما؟" قالي ضاحكًا وكأنه يعرف ما قصدته، وسبحان الله، حتى ضحكته تشبه إلى حدّ كبير ضحكة فيرمان، سواء بتقسيمات وتعبيرات وجهه أو تركيبة أسنانه، قالي لي:
- كثير من الناس يشبهونني في فرنسا بأحد المُمثلين الأمريكيين، وحتى عندما أكون مسافرًا في بعض دول أوروبا، بعضهم يريد أن يأخذ معي صورًا، ولا أدري لماذا؟ ربما يظنونني ربما أنا هو...!!
استأنفنا الطريق، أشياء كثيرة تغيّرت، أضيفت عدة أشياء ومحطات، وغابت أخرى من المشهد القديم، أما بعض الأسواق على الطريق، فقد تغيّرت أمكنتها. الطريق الجديد فرض بعض الأشياء على المهندسين والساكنة معًا، فاستكانوا للأمر الواقع، وقبلوا بها مُكرهين. مجهودات كبيرة بُذلت في إصلاح الطريق، ومع ذلك لازال خطيرًا ومُميتًا، كما يقول السائق العَصبيّ. وجدنا جبلا قد سقط بأكمله وسط الطريق، ومن حسن حظنا أن وجدنا مسلكا نمرّ منه، ولو كان في بعض المَمرات الأخرى في الجزء الأعلى، لكان الأمر أصعب. كان إجماع في الحديث بالسيّارة، على أن النّفق يبقى هو أصعب الحلول، وهو أسهلها في نفس الوقت مع تطوّر التكنولوجيا.
الوُصول إلى ورزَزات:
حين تتجاوز مرتفعات الأطلس الكبير، عبر مُنحدرات تيشكا من الجهة الشّرقية في اتجاه ورززات، تغادر الحضارة، وتدخل إلى صفحات من التاريخ القديم والأركيولوجيا وحضارات أخرى غابرة. عالم مختلف حقيقة، ولكنه جميل: قصور، قصبات تختلف في أشكالها، وتتوحد في مضامينها وبُعدها الحضاري والتاريخي والثقافي. تحفٌ مفتوحة على مصراعيها بالمجّان أمام الزّائرين والمُهتمّين، وإن كانت المنطقة برمّتها حريصة على الاحتفاظ بأسرارها وخباياها، وإلى جانبها واحات نخيل على امتداد نهر درعة العظيم، لا يفرق إلا لكي يلتقي بك ثانية في واحة أخرى. هو الرّفيق والصّديق والصّاحب الذي يصاحبك أينما حللت على طول الطريق بين إكدز وزاكورة. وادي درعة حارس وفيّ وأمين على الواحات وتمورها. دوار آيت ساون المنعزل وسط امتداد صخري جاف، يذكرك بأنك قريب من الواحات، يتميّز بمنعرجات ومرتفعات خطيرة. عند الوصول إلى عاصمة السّينما المغربية والعربية والإفريقية، قلت مع نفسي: "فيها أستريح قليلا الليل، وألتقي بعض الأحِبّة"، وغدا أكمل الرّحلة. ولكن سيتبيّن خلال الحديث أن وجهتنا نحنُ الخمسة في الرّحلة كانت هي زاكورة.
هكذا أصبحت ورززات بدورها، غصبا عنّي، منطقة عُبور وليست مدينة إقامة. السّفر يفرض عليك أحيانًا برامجه وأجنداته. كنا خمستُنا في سيارة الأجرة نريد الاتجاه إلى زاكورة، وهناك من كانت وجهته أبعد منها إلى تاغبالت وآيت علي أوعسو وجهات أخرى. قلنا:" لا بأس، فليكن، وانطلقنا إلى زاكورة". هاتف السائق زميلا له، والتقانا بسيارته إلى مدخل المدينة. ركبنا وانطلقنا إلى زاكورة عبر هضاب حجرية، كان لونها أقرب إلى التُّراب والاصفرار. توكلنا على الله رأسًا إلى زاكورة، بعد استراحة قصيرة في عاصمة السينما. بين زاكورة وورززات، لم نكن نرى غير جبال صمّاء واقفة كالأوتاد، وطريق يستقيم أحيانًا وينعرج في أخرى. هو طريق للتأمل واستحضار الفكر الصّوفي، لا خضرة فيه ولا مناظر، ولا شيء يُرى، غير جبال مُسنّنة في قِمَمها ولونها أقرب في الغالب إلى السّواد. مع الوصول إلى مدينة أكدز، بدأت غابات النخيل في الظهور على طول امتداد حواف وادي درعة، أشجار نخيل وسلسلة جبال "كيسان" الشهيرة بالمنطقة، وحدها من تؤنس وحدة المسافرين في طريقهم.
العُبورُ من أكدز:
كانت أولى المحطات الحضرية في الطريق، هي مدينة أكدز الصغيرة، وأكدز تقع أسفل جبال "كيسان" الشهيرة بالمنطقة، تمتد بالمُحاذاة مع وادي درعة، وأكدز تعني بالأمازيغية مكان الوقوف أو الاستراحة، كما ترجمها لي راكب معي. ومن أكدز انطلقنا مُجدّدا عبر واحات تمتدّ على ضفاف نهر درعة، سمعت الناس يقولون إن غلة التُّمور جيّدة هذه السنة، وأن الخير موجود بكثرة. كنت الوحيد بين الرّكاب زائرًا وسائحًا، أما الأغلبية كانت أصولها من المنطقة، وإن كانوا قد ولدوا ونشأوا بعيدين عنها، وهم اليوم يشتغلون إما في حرف أو مهن متفرّقة، جاؤوا إليها في زيارات عابرة من أجل صلة الرّحم مع أقاربهم. الطريق ستجمعنا لاحقًا في سيّارة الأجرة مع فلاحين وسماسرة تُمور، في كل مرة ينزل راكب ويصعد آخر مكانه. كان احتجاجا منا على سائق السّيارة خفيفا، لأنّنا دفعنا ثمن المقعد السّادس سابقًا في ورززات، ولكن تسامحنا معه على أساس أن يتسامح معنا هو في أشياء أخرى في الطريق.
وهو ما حصل، أحد الشباب الأقوياء بدنيا، لم يقو على مقاومة دوران الطريق، وبدأ في كل مرة يتقيّأ، وهو ما اضطر السائق إلى التوقّف أكثر من مرّة. قلنا له هذه بتلك، وكنا في كل مرّة نضحك. كانت الرحلة تمشي في أحسن الأجواء إلى أن وصلنا زاكورة. مررنا على محلات كثيرة لتخزين التمور على الطريق، كل من سألتهم أكدوا على شيئين اثنين: وفرة في غلة التمور هذه السّنة، وآثار سنوات الجفاف السّلبية على النّخيل والواحات.
الوُصول إلى زاكورَة:
عرف كل من كان معي في السّيارة أنها زيارتي الأولى إلى زاكورة، كيف لا وأنا أسأل في كل مرّة عن الكبيرة والصغيرة، ولذلك نصحني السائق ومعه آخرون، ونحن في الطريق، بأن آخذ فندقا لا يبتعد كثيرًا عن المحطة، حتى لا أضيع حافلة الصباح الوحيدة التي تنطلق إلى طانطان، وهو ما فعلته عند الوُصول. أخذت حمّامًا دافئًا في الفندق، وخرجت أبحث عن غذاء أسكت به احتجاج أمعائي عليّ، وقد أخذ منّي الجوع مأخذه، بعد رحلة شاقة وطويلة بين صُعود جبال وانبساطٍ صحراويّ. مدينة زاكورة، هي شارع رئيسي طويل والباقي مُجرّد تفاصيل صغيرة. شارع طويل هو كل زاكورة، فيه تتجمّع الفنادق والأبناك والمُؤسّسات العمومية، وتتفرّع عنه الأحياء والأزقة. لم يرق لي أيّ مقهى على الشارع، دخلت إلى رياض موجود على نفس الشارع، تبعني شابٌّ يُنادى عليّ:
- أستاذ، ماذا تريد...؟
قلت له مُنفعلا:
- وماذا تظنني أريد؟ هل أجد عندكم طاجين مغربي للغَذاء...؟
ردّ عليّ بنفي قاطع، دون أن يستشير أحدًا
- لا يوجد عندنا...!!
قلت له مُجدّدًا، وقد بدأ التّعب والجوع يأخذان منّي مأخذهما:
- أيّ مشروب آخر، أريد فقط أن أستريح..
قال لي في لغة المتأسّف:
- الرّياض لا يقدم خدماته إلا للزّبائن...!!
عرفت أنّ المُقاولين في السّياحة بزاكورة لا يعنيهم السّائح المغربي، وهذ الظاهرة موجودة في كثير من المُدن المغربية، وليس في زاكورة وحدها. أذكر مرّة في أكادير، ونحن في أكادير. رفض النّادل خدمتنا، قلنا له ونحن هنا قاعدون. شرح لنا متأسّفًا كيف أنه مجرّد خادم ينفّذ أوامر صاحب المطعم، وكيف أن الزّبون المغربي يتعامل بشكل أفضل، ويكون أكثر سخاء من السائح الأجنبي، ولكنها عقدنا مع العُلوج.
زاكورَة، والشارع الطويل:
لم يكن أمامي إلا أن أواصل السّير في شارع طويل، يكاد لا ينتهي. وحين أحسست بالعياء، أوقفت سيارة أجرة صغيرة، كان يقودها شاب صحراوي من أبناء المدينة، شاب لبق، مُؤدّب وقليل الكلام. طلبت منه أن يأخذني في جولة عبر أهمّ ما يمكن أن يراه زائر في المدينة، وأؤدي له ما يظهر من أرقام في العدّاد. ابتسم قليلا، وقال لي أن الأمر يختلف عن باقي المُدن المغربية الكبيرة. المسافات تكون في زاكورة أقل، ولذلك لا نستعمل العدّاد. وأضاف:
- نحن في هذه المدينة نأخذ الزّبون بـ"الكورسَة"، يؤدي سبعة دراهم لأيّ مسافة.
ركبت معه على الفور، وطلبت منه أن يدلني فورًا على مطعم مُحترم يمكنني أن آخذ فيه وجبة غذاء، أوصلني إلى أحد المطاعم، حيث يمكنني تناول وجبة الغذاء. مشيت في جوّ شديد الحرارة، حتى اقربت من بناية العمالة، بدأت تظهر قبالتي بنايتها غير بعيدة عنّي، وإلى جانبها أحد الفنادق، مبني على شكل هندسة قصبات الجنوب، مع لون بنّيٌّ داكن. لم أعرف إن كان يحمل نجمة أو غير مُصنّف. أمامه مدارة تتوسّطها نافورة يصّاعد منها ماء. كان ذلك أفضل ما يمكن أن تراه العين في مدينة صحراوية، جوّها حارّ مثل زاكورة. ولكن سرعان ما رجعت إلى مكاني الأول، على الأقل أمامه أشجار، وبداخله مكيّف للهواء. عند دخولي إلى المطعم، وجدت في الخدمة شبّانًا طيّبين ولطفاء في حديثهم، قلت لأحدهم أن يمدّني بأفضل ما لديه من وجبات محلية تُعرَف بها زاكورة. كانت عدّة طواجن مغربية جاهزة، لا تتطلب من النادل سوى تسخينها على النار قليلا. أعطاني طاجين باللحم والملوخية، وكان من ألذ الطواجن المغربية التي أكلتها.
حين خفتت حرارة الشمس قليلا، خرجت من المطعم، واصلت المشي راجلا في شارع طويل. وما هي سوى لحظات، حتى بدأت قناديل الليل تضيء جنبات شارع طويل، يكاد لا ينتهي.
دخلت إلى فندق آخر يبدو أنه مُصنّف، وجدت فيه بعض الزّبائن. انتظرت النادل أن يسألني عن طلباتي، إلا أنه كان يمرُّ بجانبي ولا يسألني كأنه لا يراني. تبيّن لي أن السّائح المغربي غير مرغوب فيه بمدينة زاكورة، ربما غير مُتعوّدين عليه في المدينة، رغم أنها معروفة بالسّياحة. وربّما تعوّدوا على السائح الأجنبي. وجدت لهم تبريرًا لا يُبرّر، وانصرفت. وفي الأخير، خرجت منه لأكمل جولتي راجلا في ليل المدينة، أتمشّى على راحتي تحت أضواء لمباتها في شارع طويل، لا تخرج منه إلا لتعود إليه.
نهار زاكورة في بداية فصل الخريف، كما ليلها حارٌّ وطويل، تتعلم منه الصَّبر ومن الناس المعروفين بصبرهم. شباب المدينة وأريافها لا يستكينون إلى البطالة، يشتغلون في أيّ شيء. ويمكن أن تلقاهم في أوراش البناء، كما في محلات بيع الفواكه الجافة ومتاجر المواد الغذائية. لا يشتكون الوقت في رأس الدرب، يشتغلون كالنمل في كل شيء وأيّ شيء. وإن كانوا يعانون من البطالة في مدينة صحراوية صغيرة في أقصى الهامش، ولكنهم جادّون ومجدّون أينما ذهبوا يشتغلون، لا يضيّعون أيّ فرصة تأتيهم من الشمال واليمين ومن حيث لا يحتسبون. قال لي نادل في مقهى، وربما يكون هو مالكها أن يدلني على أمكنة لا يمكن تفويت زيارتها في المدينة أو ضواحيها، فكر قليلا، وقال لي:
- بصراحة، لا مكان هنا. الجفاف قضى على كل شيء جميل في زاكورة وضواحيها، وهي تعاني كما شبابها وأهلها في صمت. ينتظرون قدرا ينزل من السماء، كي يُخلصهم ممّا هم فيه.
وختم بالقول متفائلا، وهو يبتسم:
- ولكن، ربّي كبير...
زاكورة وأكدز طريق القوافل التجارية:
شكلت زاكورة وأكدز طريقًا للقوافل التجارية قديمًا بين مراكش وفاس وتمبُوكتو في مالي وما وراءها من دول إفريقيا، وبين أوروبا في الأندلس. المصريون القدامى كانوا يعتبرون أن "مصرُ هبَة النّيل"، وهو الذي صنع مَجد حضارة مصر القديمة، وهي عبارة تُنسب إلى هيرودوت. وإذا كان النيل هو الذي وفّر الخُصوبة لأرض الكنانة، وسمح بقيام الزّراعة ونشوء الحضارة فيها، فإن وادي درعة وَهب الحياة للمغرب الشرقي، وزرع ملامح الحياة على طول مَجراه وصولا إلى المحيط الأطلسي قرب طانطان، غير بعيد عن مدينة الوَطية الشاطئية الصغيرة في الوسط الغربي للمملكة المغربية. كانت مدينة أكدز، بدواويرها وقصباتها بشكل هندستها الجميلة وبنائها الطيني، طريقًا للتجارة والنقل منذ القديم، ولا زالت تحتفظ إلى اليوم بهذا الدّور والصّفة. تيغيت، ارمض، تانسيخت، تمكسلت، تامزموت، أولاد عثمان، أولاد يحيى الكراير، أعكبت، أولاد مساعد، القصبة، آيت رحو، تنزولين، زاوية الفكوس المكاترة، ملال، قصر تيصركات العروميات، دواوير كبيرة أقرب ما تكون إلى مراكز حضارية صغيرة، تُصادفك في الطريق قبل الوصول إلى زاكورة في جهة درعة تافيلالت، وأغلبها ينتمي إلى مشيخة تيغومار التي تضم وحدها قرابة 20 دواوير.
كثيرا ما كنت أجد نفسي ثرثارًا يسأل دون توقّف، وكم كنت أشعر أحيانًا أن الأمر يُزعج من يجلس بقُربي من المسافرين، ولكن من حُسن حظي أنني كنت الوحيد الذي استفاد أكثر من المقعد الشاغر الذي اقتسمنا ثمنه في ورززات لربح الوقت. سمحنا للسّائق بداية في حمل امرأة مُسنّة واقفة على الطريق، وقلنا له ضاحكين ألا يتناول منها الثمن أن كانت المسافة قصيرة، ثم وافقنا بذلك، وقالنا لا بأس في أن تأخذ الثمن. وهكذا أصبح في كل مرّة ينزل شخص ويركب مكانه آخر، وكنت أجد مع كل تغيير نفسًا مُختلفًا ومُخاطبًا جديدًا. في كل مرة أطرح المزيد من الأسئلة على الوافدين الجُدد على ملء المَقعد.
استأذننا السائق في الوقوف، قرب أحد مراكز تجميع التمور في تنزولين، وهي إحدى القرى الكبيرة على الطريق، أوصى بنا أحد الفلاحين خيرًا، وأن يبيع لنا بثمن مناسب. كان ظاهر الأمر خدمتنا نحن المسافرين، في أن نتمكن من شراء التّمور الجيّدة والطرية بثمن الجُملة، وباطنه قضاء السائق حاجة له في الدوار. تبين ذلك لاحقًا وبوُضوح، وقد تبعه التاجر إلى جنب الطريق، وسمعناه يُصفّي آخر الترتيبات في معاملته التجارية مع أحد التجار. وسمعناه وهو يتحدّث معه عن السفر والليل والتّمر والثمن ثم الدار البيضاء، وختم بالقول «كُن هاني". كنت ثاني مرة أرى فيها نبتة الحِنّاء، بعد أن رأيتها أول مرّة، وهي يانعة خضراء بسفوح جبل توبقال قرب تارودانت. وكنت أول مرّة أرى فيها نبتة "الورقية" ونبتة "الملوخية" التي تباع في الأسواق، وكم تعجبني أكلة لذيذة، إن كانت صحراوية مُشبَعة بأشعة الشمس، مع اللحم أو بدونه، أما نبتة الفصّة، فإنها توجد حيث يوجد الأبقار في كل مكان، وهي تعطى للماشية طلبا للزّيادة في عطاء الحليب.
سَمَرٌ ليليٌّ في زاكورة:
بعد أن زُرت ما يمكن زيارته بواسطة الطاكسيات الصغار، ورأيت ما يمكن زيارته، عدت إلى نفس المطعم ونفس الشاب الوسيم المُؤدّب. أخذت وجبة عشاء، وقد نال منّي الجوع مرّة أخرى. مذاق الشاي في مطاعم زاكورة لذيذٌ ويُغري بشرب المزيد منه. لم يكن مُمكنًا أخذ فنجان قهوة، بعد تجربة غير ناجحة في المرّة الأولى، ولأنني كنت قد أثخنت في شرب الشاي، لأنه يهضم ما تأكله بشراهة غير عادية. قلت للشاب الجميل صاحب المطعم، وقد حصلت بيني وبينه ألفه وصُحبَة، بعد أن أديت له ثمن العشاء، وعيني على مقهى حديث جميل بأضوائه قبالتي في زاوية بالشارع. قال لي أن المقهى لا يليق بسنّي، وأنه مقهى شبابي يليق بأعمار مُحدّدة وسلوكيات معيّنة، وفعلا حين مررت بالقرب منه، قبل الدخول إلى المطعم، ورأيت شبّانًا وشابات على الرّصيف وداخل المقهى. ولكنه دلني على مقهى بالشارع، وقال لي أنّ فيه يمكنني أن شرب فنجان قهوة مُمتع، وهو مشهور ويعرفه الجميع في المدينة. مقهى أقرب إلى نادي للمُثقفين ورجال التعليم. قصدته وجلست، قلت للنادل، وكأنّني أستعطفه في حاجة:
- أريد أن أتناول فنجان قهوة رفيع هنا، كما قيل لي؟
ابتسم وقال: حاضر، حالا..
كان المقهى مُكتظًّا، الكل منشغلٌ بأطوار مباراة في كرة القدم بالدوري الإسباني. جلست قرب رجل خمسيني، وقد أخذت منه الإذن. بدأنا نتحدث في أمور عامة إلى أن وصلنا إلى ما هو خاص وثقافي. حين عرف اسمي، ابتسم وقال لي مبتسمًا:
- اسم أعرفه، ولكن صورتك وسائط التواصل، ليست كما في الواقع، إنها تختلف عن الموجودة بالمواقع.
سرعان ما التحق بنا آخرون، حدثوني عن مهرجانات زاكورة للقصّة، وعدم حضوري إليها. مهرجانات كنت أعلم بها، وأخرى لم أكن أعرف بها من جلستي معه: موسم ضريح واعزيق، المهرجان الدولي للرّحّل في امحاميد الغزلان، موسم زاوية القدرية بتيمسلا، مهرجان فيلم الصحراء، مهرجان الحنّاء، موسم سيدي ناجي وغيرها من المهرجانات. تحدّثنا عن القصّة والشعر، وحصلت بيننا ألفة وحميمية وصُحبة. أصرّوا على استضافتي ولو ليوم واحد آخر، أتمكّن فيه من رُؤية أشياء وأماكن أخرى في زاكورة لم أزرها، ولكن كان إصراري أقوى على مُغادرتها صباحًا، التزامًا منّي ببرنامج سطرته مُسبقًا. شكرتهم وانصرفت على أمل لقاء آخر إن قدر له ذلك. وَدِدت لو أنّني قضيتُ وقتا أطول في أكدز أو زاكورة، أستجوب فيه الناس والمهتمين بالتاريخ والآثار، أحاور المُتخّصصين في الأنثروبولوجيا وأزور واحات وشلالات في عُمق الصّحراء. المنطقة غنية جدًّا بمواقع أركيولوجية، وتزخر بأحداث مُهمّة في التاريخ القديم والحديث، بدءًا من ديانة الوثنية في المنطقة، وصولا إلى دخول العبرية مع اليهود، والعربية مع الإسلام وما قبله.
كان الحيّز الزّمني قليلا، والمال والجُهد أقلّ، ولذلك اكتفيت بجمع معلومات أغلبها شفهية، ولكنها من أناس مشهود لهك بانتمائهم للحقل الثقافي والتعليمي، بعضهم تحفظ وأغلبهم رفض الكشف عن اسمه وصفته. ولكنهم أفادوني في الحقيقة بمعلومات، عند عودتي إلى بعض المصادر، وجدت أن كلامهم ومعلوماتهم كانت نسبيًّا دقيقة، ولكنهم تحفّظوا من عدم تحمّل المسؤولية العلمية في كلام له ما بعده، ليس من الجانب السياسي، ولكن قد يكون له تبعات ثقافية وانتقادات على تصريحاتهم. أفادتني تجربتي الصحافية في استنطاق الناس، وانتمائي للحقل الإبداعي مكنّني من نيل ثقتهم في مُحادثتي وضيافتي، ولو في فترة وجودي القليلة معهم. البعض منهم أسرف في ضيافتي وكرمي، وإن لم يحدث ذلك لعدة اعتبارات، وحثّي على البقاء لوقت أطول وزيارة بعض الأماكن، ولكن لم يكن ذلك مُمكنًا. رحلت باكرًا في السابعة صباحًا عن زاكورة، حرصًا مني على أن أكون صارمًا في تنفيذ برنامج سفري، ومُخطّط خرجت به مُعِدّا من فاس في اتجاه الڭرڭارات.
خبرت أهل زاكورة، وجدتهم طيّبون جدًا، مضيافون، عفويّون وصادقون في كلامهم. تأكدت من عين المكان أن المغرب الشرقي ذاكرة المملكة المغربية القديمة، استوطنها الإنسان منذ آلاف السنين، وبها آثار تدلّ على ذلك. تشتهر المنطقة كذلك بظاهرة جيولوجية فريدة، وتعرف هذه التكوينات الصّخرية العملاقة والمُتجعّدة باسم "أصابع القرد"-Monkey Fingers -، ولها ما يشابهها في بومالن دادس ومضايق تنغير، وذلك لشكلها المُميّز الذي يشبه الأصابع أو الكتل الضخمة. وهي ممتدة من ورززات في اتجاه الجنوب والشرق. قد يكون الإنسان هنا فقيرًا بفعل فقر الأرض ونتيجة عوامل مناخية، وأخرى نتيجة تعاقب سياسات حكومية فاشلة، وعدم التزام المُنتخبين ببرامجهم ووعودهم الانتخابية، وإخلال الحكومات المتعاقبة بواجباتها نحو المغرب العميق والمنسيّ. ولكن مع ذلك، تبقى زاكورة غنية بنخيلها وثرواتها ورجالاتها، كما بعزيمة وصبر الإنسان فيها.
حرافيشُ زاكورَة:
في زاكورة، فرَضت عليّ الظروف أن أقضي آخر ليلة لي بها في أحد الفنادق غير بعيد عن المحطة الطرقية، كما أشار عليّ العديد ممّن استشرتهم، ونحن في الطريق قادمين من ورزَزات أو حتى بعد وصولي إلى زاكورة. السّفر إلى طاطا، يتطلب منك عدم إفلات الحافلة الوحيدة التي تنطلق على السّاعة السّابعة صباحًا، وإن فاتتك الحافلة، عليك بالرُّجوع إلى تازناخت وإتمام الرحلة. وفي مثل هذه الحالات، حين لا تكون الاختيارات كثيرة أمام أيّ إنسان، يُبالغ في الحِرْصِ على احترام الوقت. ولذلك، اخترت الإقامة في فندق غير مُصنّف على الشارع يحترم الشروط الأدنى للضّيافة، وحرصت على أن يكون قريبًا من المحطة الطرقية.
قبل أن تغيب نجوم الفجر عن سماء الليل في المدينة، حضرت وجوهٌ من مختلف الطبقات الاجتماعية إلى مقهى الفندق، دراجات نارية، سيارات تجارية، سياحية عادية وأخرى رباعية الدّفع. لا مكان للملائكة في آخر الليل في زاكورة ولا حتى في صباحها الباكر، شباب صغار السّن يطلون من الشّبابيك المُغلقة لمقهى الفندق، بعضهم يطلبون سجائر، ولم "يَطِر التّمن" بعدُ من رؤوسهم. طلبت فطورًا من الشاب الذي يعمل في المقهى، قال لي أنّ الخُبز لم يأت بعدُ. طلبت برّاد شاي، وجلست أنتظر بُزوغ ضياء الصّبح. لم أنم إلا في فترات متقطعة في الليل بالرّغم من العياء، كان حرصي شديدًا على ألا أكون عشوائيًّا وفوضويًّا في السّفر، في عدم التنظيم والانتظام تضيع على المُسافر أهدافًا مُسطرة وأشياء كثيرة.
كنت في غرفتي بالطابق الأول للفندق، وكان سهلا عيّ أن أسمع قهقهات وضحكات فتيات آخر الليل، وأنا أُصارع آخر ما تبقى لدى مُسافر مُتعب من رغبة في النوم. هرب منّي النوم المُتبقّي بين مُقلتيّ عينيّ. ظننت بداية أنهنّ فتياتٌ متسكّعاتٌ في الشارع، ولكن حين فتحت الباب ونزلت بعض السّلالم، سمعت كلامًا هامسًا وقهقهات، ورأيت في الزّوايا نورًا خافتًا. جمَعتُ حقيبتي ونزلت السلالم إلى مقهى الفندق. كانت وجوه مليحة شابّة من الجنسين يبدو عليها بعض آثار النّعمَة، وأخرى بعيدة عنها. شباب آخر لم يتخلص بعد من ثمالته، لم يُسمح له بالدخول من الشبابيك المُغلقة، كانوا يصرُخون بأعلى أصواتهم ويحتجّون، ولكنهم في الأخير يصمتون، ثم يغيبون إلى أمكنتهم.
عالم من المفارقات الغريبة في مدينة صغيرة، كنت أظن أن ليلها أهدأ من نهارها. كنت أسمع حديثًا هامسًا بالجَهر عن بعض تفاصيل سهرة بعيدة، كان يصلني دون رغبة منهم من الجوار تباعًا عبر حناجر مبحوحة أتعبها دخان السّجائر، ثم حديث عن كلام فاجر وجلسات خمر في أحد الأعراس أو المنتجعات بضواحي المدينة. همسٌ جاهرٌ وكلامٌ فاجرٌ عن سجن وبار وكونطوار، وقنينات خمر تكسّرت فوق رؤوس ضحايا الكُحول. سمعت طرائف تُروى في خفّة دم غريبة عن حفلات شيشة، وكان يغالبني الضحك أحيانًا، فأكتمه ضدّ رغبتي في إطلاق صراحه. وصف شيخات، أعراس وحفلات، شطح وردح في أعراس القرى والمراكز على أطراف المدينة. رأيت إسرافًا مبالغ فيه في الحبّ، وفي تصريف قبلات الوداع بعد الخروج من المقهى والرّكوب في السيارات أو على الدراجات.
كل ذلك سمعته ورأيته في مدينة صغيرة، تبدو في النهار كما في بداية الليل هادئة ووديعة، ولكن يبدو أن ليلها ماجنٌ وضاجٌّ بأحداث الليل، وأسرارٌ من الحياة الصحراوية، عكس ما قد يبدو في نهارها. في زاكورة أسوار وأسواق عتيقة، تحاول القبض على أهدابِ رُؤية تغوص، بعد غياب كل قرص شمس، في أمواج الليل الجليل، انتفضت من بين ضجيجهم ثمِلًا بالإلهام، كما هم ثملون بالسُّكر، أجرّب إن كنت قادرًا بعدُ على إتمام رحلة السّفر. قد ينفتح البابُ ذاتَ يومٍ على مصراعيه، تحيةً لمَن يخوضون غمار الحياة والأسفار مثلي، حتى وهم كبارٌ في السّنّ، يبحثون ببراءة الأطفال الصغار وطُموح الملائكة عن صفحة بيضاء في حياتهم، صفاء لا خدوش فيه.
ودّع شابّ إحدى الفتيات الجميلات إلى جانبي بقبلات، ومواعيد لقاء في القريب العاجل، طلبت منه أن يزيدها في الثّمن، تنهّد عميقًا ثم فعل، وعانقها من جديد حتى ظننت أنها التصقا للمرّة الأخيرة، ولن يفترقا. كانت أكبر عملية تجسيد حيّ على خشبة الحياة لثنائية الخير والشرّ، الحق والباطل، والظلم والعدل. في كثير من مدن المغرب المنسيّ الصغيرة، آلاف من محكياتٌ ومروياتٌ مُماثلة في المجتمع المغربي، وهي نماذجِ مُصغَّرِة لما يقع سرًّا في الكون كله. عشرات الحكايات سمعتها، كما وقعت فوق الرّكح بالحياة الصحراوية النائية عن الشغب المَديني في وقت وجيز، وأنا جالسٌ وحيدٌ في المقهى، أنتظر وصول الخبز لأتناول فطوري. كل حكاية من الحكايات سمعتها في ذلك المقهى، تُمثِّل جيلًا من حرافيش مغرب اليوم.
الطريقُ إلى فم زكيد في متاهات الصّحراء:
حافلة وحيدة تنطلق مع السّابعة صباحًا، تربط زاكورة بأغلب مدن الجنوب الشرقي، وإن تعطلت عن انطلاقها، عليك بالرّجوع ثانية إلى ورززات أو تازناخت، ومن هناك تأخذ الوجهة إلى تالوين ثم تارودانت أو طاطا شرقا وأقّا غربًا. منذ خروجنا المُبكّر من زاكورة صباحًا قبل طلوع الشمس، اختفى أولا شجر النّخيل عن الأنظار، وبدأ شجر الطّلح في الظهور مكانه. شجر جميل ورشيق كغزالة، مُقاوم لحدّة جفاف الصحراء، وهو الذي سيصاحبنا من زاكورة إلى حدود طاطا. ونحن في الطريق، عرفت سبب عدم وجود طاكسي كبير ونُدرة وسائل النقل هناك عمومًا. وأيضًا لمَ حافلة واحدة تربط زاكورة بمدن: فم زكيد، طاطا وكلميم، وصولا إلى طانطان على ما يفوق الخمسمائة كلم. قرى قليلة جدًّا على طول هذا الامتداد الصحراوي الشّاسع، لا ترى فيه دورًا ولا بشرًا سوى شجر طلح، وهو في كامل أناقته وشياكته الصحراوية واخضراره. شجر أنيق في وقفته مثل غزال صحراوي، وقليل من قوافل السياح يمرّون تباعًا بسياراتهم.
دخول فم زكيد:
السّفر من زاكورة إلى مدينة فمّ زكيد، مساحة عشق ومُتعة للتأمل، وطريق مُستقيم في انبساط لامتناهي. قصورٌ وسكان قليلون جدًّا، طبيعة صحراوية متفرّدة، وصمتٌ رهيبٌ داخل الحافلة وخارجها، وعلى جنبات الطريق بقايا آثار فيضان حديث مرّ من "وادي الفايجة"، وبقايا طمي طريّ على جنبات "وادي بوربيعة" في منطقة صحراوية شاسعة. كنا سكوتٌ في الحافلة، إلا من هدير مُحرّكها. قال لي مساعد الحافلة، وقد أنهى ترتب أوراقه وعدّها عدًّا:
- الفيضانات في هذه الوديان المُنبسطة في الصّحراء، تكون عنيفة ومُخيفة
وأضاف في نبرة تعجبيّة:
- العواصف والأعاصير تمرُّ من دون سابق إنذار، وتصبح معها الوديان أكثر تدميرًا من نظيراتها في وسط البلاد وشمالها..
مساحة مُنبسطة من زاكورة إلى فم زكيد تصل إلى 120 كلم، لا ترى فيها شيئا ألفته عيناك في الشمال. دواوير لا تشبه دواويرَنا في شيء، دوّار "ركاب النّتل"، أحد هذه الدواوير الصغيرة جدًّا، هم يسمونها "قصور" وليست دواوير، يمتهن أصحابها أنواعًا من الفلاحات تليق بتربة الصحراء ومناخها. وأغلبها يرتكز على زراعة البطيخ الأحمر، وهو ما يُعرف عند عامّة المغاربة بـ "الدّلاح" وتربية النّحل، لأن الفُرشة المائية قريبة من سطح الأرض. وأضاف محدّثي أن الطبيعة في فصل الربيع تكون مختلفة عن فصل الصيف، ربيع وأزهار ونوّار صحراء، وحتى منظر أشجار النخيل يكون مختلفا وأكثر خضرة. قصر البليدة ووادي ثم قصر آخر، يسمّى "حاسي لصفر". شجر الطلح يُعطيك من الوهلة الأولى انطباعًا بأنّ المنطقة صحراوية، وهو شجرٌ لا يعرف قيمته إلا أهل الصحراء، كما يقول محدّثي، وحده من يمنح الإنسان ظلًّا، تحت زُرقة سماء حارقة وسط أشجار شوكية.
مع الاقتراب من مدينة فم زكيد، بدأت تعابير تقول إن المنطقة كانت مأهولة منذ القدم، أطلال بنايات حجرية مهجورة أسفل الجبال الصخرية. كنت دائمًا ألتفت إلى اليمين وإلى اليسار، إلى درجة أحسست بألم في رقبتي. كل ذلك، حتى لا يفوتني رُؤية شيء وتدوينه، وقد يكون مُهمًّا في الرّحلة. وكم كنت مزعجًا وكثير السّؤال، إلى درجة أدركت أنني كنت أزعج الرّاكب إلى جانبي. وفي المقابل، هناك من كان يجدُ متعة في شرح ما أريد معرفته، تأكّدتُ من أنّ الناس معادن وطباع، يختلف بعضها من شخص إلى آخر.
السّفر في الصحراء، يُعطيك فرصة لرُؤية نباتات صحراوية نادرة أصيلة، مُتفرّدة في فرادتها على امتداد البَصر، مناظر تضاريس متنوّعة ذكّرتني بطبيعة رأيتها في صحراء "أنّيف" ذات مرور من هناك، وصحراء نيفادَا الأمريكية الشّاسعة. نباتات بلدية فريدة مُتوطّنة، قد لا تجدها في أيّ مكان آخر. الاقتراب من فم زكيد، يعني بداية ملامح زحف الرّمال على الطريق المُمتدة عبر قرى ودواوير وقصبات صحراوية عديدة: أولاد جامع، السّميرة، المحاميد، المحروك وايفتوت وغيرها، وصولا إلى المحاميد (لا يتعلق الأمر هنا بمحاميد الغزلان). فجأة ودون سابق إنذار، بدأت تظهر غابات النّخيل على جنبات الوادي، وصولا إلى مدخل مدينة فم زكيد الصغيرة. سألت الحاج مبارك، ونحن وقوفٌ في فم زكيد، بعض المسافرين يتناولون فطورهم والفضوليون أمثالي، وهم قلة، يلتقطون صورًا بعدسات كاميراتهم، ويسألون هنا وهناك. الحاج مبارك أحد الفاعلين في المجال السياحي بالمدينة، قال لي:
- وادي إحميدي، الذي عبرتموه قبل الدخول إلى المدينة، وهذا هو اسمه، ويُسمّى وادي فم زكيد كذلك، يلتقي مع وادي درعة القادم من جهة ورززات وتازناخت، وهو من أكبر الأودية بالمنطقة ومن أطولها بالمغرب. ويكون خطيرًا جدًّا عندما ترتفع حمولته المائية، والتي تصلُ غالبًا مختلطة بالحصى والحجارة، يجتمع فيه عدد كبير من الأودية بين صغير ومتوسط.
وأضاف بائع أدوات بالية مختلطة، موجّها كلامه إليّ، يفترشها على الرّصيف:
- أزيدك، هناك وادي أركياد أيضًا، وهو غير بعيد عن فم زكيد
وختم الحاج مبارك بالقول:
- وديان الصحراء عامة، تكون أخطر بكثير، عندما تكبرُ حمُولتها..
في الطريق إلى طاطا..
خرجنا من فم زكيد، بدأت أبحث عن شيء مُميّز ألتقط له صورًا، ساعدني على ذلك وجودي في المقعد الأمامي قرب السّائق، ولكن لا شيء غير الخلاء. عند وصولنا إلى دوار مغيميمة، صعد مجموعة من التلاميذ والتلميذات قدموا من مدينة تيسينت، حيث توجد مدرسة مغيميمَة الخاصة بالتعليم العتيق، يدرسون فيها الفقه والعلوم الشرعية، ويعملون على تقوية معارفهم الفقهية إلى جانب ما يدرسونه من معارف عامة في المدرسة العمومية. وغير بعيد عنها، تصادفنا مع وادي المالح القادم من "أقّا"، ويبدو هو الآخر في شكله مَهيبًا ومُخيفًا، وحمولته المائية، كما قيل لي، تكون كبيرة في فصل الشتاء، كما في العواصف الرّعدية.
فجأة، ونحن على بعد كيلومترات قليلة من تيسينت، صادفنا مرة أخرى واحة نخيل على ضفاف وادي المالح، وبدأت أشجار النخيل بالظهور ثانية. اخضرار أشجار النخيل، تنسيك في لحظات صفرة الصحراء. وجدنا أمامنا وادي أقا إكرن ثم وادي أوضاض، أودية مُقتربة في جريانها ولكنها تبدو جافة في ظاهرها، ولكن مع هطول الأمطار بشكل استثنائي، كما يقع عادة في جنوب الأطلس الصغير، تصبح حمولة هذه الأودية مُخيفة ومُرعبة.
في قرية تيسينت، جلست إلى جانبي امرأة صحراوية مُحبّة للحياة، لا تكف عن الكلام مع الرّكاب والسائق ومُساعده، وتتكلم من حين لآخر في هاتفها بشكل جهوري. أوّل مرّة أعرف أن الحسّانية عصيّة على الفهم في معاقلها. ولكنني مع ذلك، سمعت في كلامها لهجة حسانية رفيعة، وبرنّات موسيقية فريدة. وحين يرنّ هاتفها، لم أكن أسمع قرآنا ولا موسيقى عصرية أو أندلسية، ولكن موسيقى حسانية أصيلة تنبعث منه. بعد تيسينت، مررنا بأقّا نايت سيدي، تتريت، قصبة الفايجة، أقا اقايرن، أقّا إزم، قرى، قصور، قصبات وحتى لوحات تشير إلى شلالات صادفناها في الطريق، وأخيرا وجدنا أنفسنا في طاطا. فيها سنستريح قليلا، قبل متابعة الرّحلة.
الخُروجُ من طاطا..
عند خروجنا من طاطا، جلست إلى جانبي في المقعد إحدى الطالبات الجامعيات، ذكّرتني بفيضانات طاطا الشهيرة، هي التي راح ضحيّتها عدّة أشخاص، وجرف الوادي معه حافلة برُكّابها. استغربت من أن يكون وادي صغير بقنطرة أصغر منه، يمكن أن يفعل كل ما سمعناه من أخبار على الميديا والتلفزيون الرّسمي، ولكنه الله سبحانه تعالى، حين يريد بكاف ونون. قالت لي:
- لا تستهن بهذا الوادي، حتى وإن بدا لك صغيرًا، الوديان في طاطا، كما في الصحراء عموما، عبارة عن قنابل موقوتة، تدفق جريان مائها مع كثرة الأحجار، عوامل تجعل من حمولة أيّ وادي خطيرة.
قرية تيغيت الصغيرة تجاور واحة نخيل كبيرة، ووادي تظهر عليه آثار حمولة مرّت طريّة، وعلى جانبيه لا تزال آثار طمي أحمَر اللون. هناك في تلك الرّبوع، تمرُّ العواصف بشكل غير مُنتظم، ولا يمنعها فصل الصيف، لأنها لا تعرف فصلا أو توقيتًا. تسقط متى شاءت، في الشتاء والربيع، كما في الخريف والصيف، وقد لا تفعل أبدًا. وإن قدّر لها وفعلت، تجرُّ معها كل ما تُصادفه في طريقها إلى مَجاهل الصّحراء.
الطريق من زاكورة، مرورًا بمدينة فم الحصن، طاطا، أقّا، مرورا بقرى تيزونين، أكدي، آيت ويلي، تيزغي، تغجيجت، تيمولاي، وصولا إلى بويزكارن على طول أكثر من 500 كلم، لا تخلو من وادي يمرّ على أراضي صحراوية منبسطة، تربتها رملية لا تنبت شجرًا ولا نباتًا. جغرافية صحراوية مُجرّد جبال وهضاب حجرية، لا يمكنها امتصاص أيّ قطرة ماء من كمية الأمطار الاستثنائية التي تسقط مدرارًا من السّماء من غير ميعاد. ولأنها كذلك، وأيضًا ليست عميقة، يصعب احتواء كمّية التساقطات المطرية، وهو ما ينتج عنه فيضانات مهولة على شكل جريان غير منتظم في الأودية. ولكن بعد الخروج من مدينة فم الحصن، يستعيد الاخضرارُ بعضًا من عافيته، وتظهر أشجار نحيل في دوار "إيشت"، وتعود بعض أشجار الطلح في الظهور من حين لآخر.
الطريق إلى طانطان:
لم يكن في الطريق بين بويزكارن وكلميم شيئًا جديدًا، ولا جديرًا برؤيته. طريق مُنبسط من "البيار" إلى قرية "رأس أومليل" وإلى حدود مدينة طانطان، لا شيء يُغري بالنظر في كل ما مرَرنا به في الطريق. تشعر أحيانًا بالخُذلان والمَلل، لولا تشكل صُوَر من جبال وأخاديد ورمال على الجَنبات، ومنظرٌ أخّاذ لطريق صحراوي سريع، يلتوي حينًا ويستقيم في أخرى بين صُعود وهبوط، وانبساط طرُقي صحرَاوي يعبرُ كثبانًا رملية وصخرية أحيانًا، تفنّنت الآلة الحديثة والتكنولوجيا المُعاصرة في ترويضها. جعلت من المُرتفعات انبساطًا، وأصبحت مِطواعة للسّير تحت عجلات السّيارات والحافلات والشاحنات في غدوها ورواحها إلى أعماق الصحراء، وعلى الخصوص تلك الشاحنات من الحجم الكبير، وهي تحمل أو تجُرّ وراءها أحمَالا بالأطنان. شاحنات من كل الأحجام والأصناف، تحمل السلع والفواكه والخُضر مع مواد أخرى، سواء في عُبورها المُستمرّ إلى أعماق دول السّاحل في الصحراء، وكذلك عند رجوعها منها.
بدأت أعيد تشكيل المُعطيات من جديد، وأعمل على تجميعها ومقارنتها بين البارحة واليوم، وجدت أن كثيرًا من الأمور قد تغيّرت بشكل كبير، ولا تجوز المقارنة بعد أربعين سنة. لا قياس بين ما كانت عليه الطريق، ولا كيف أصبحت. القياس في هذه الحالة بالذات، هو نوع من أنواع الخيال. المدينة التي كنت أكمل دوَرانها في أقل من ساعة، أصبحت مترامية الأطراف، وفيها كل المرافق والمقوّمات التي تتطلبها الحياة المعاصرة بكل مرافقها. قد نختلف حول البطالة بين الشباب في المدينة، وغياب المعامل والأوراش الصناعية، ولكن يبقى القول بأن المدينة عرفت ثورة في العُمران والبنيات التحية، أمرٌ واقع لا يحتاج مني أو من أحد إلى أيّ شهادة.
التفكير في زيارة مدينة السّمارة:
كان الهاجسٌ الكبير عندي وأنا في طانطان، هو زيارة مدينة السّمارة، سواء في الذهاب أو الإياب. ولكن بقيَ السّؤال مُعلقًا في البال، منذ خروجي مدينة زاكورة، من أيّ طريق أمرّ إليها؟ ومن أين أبدأ الرحلة إليها؟ كانت نيّتي بداية أن أقصدها من مدينة فمّ الحِصن، ومنها اتوجّه رأسًا إلى أسّا ثم أمرّ بعدها إلى الزّاك، وهي فرصة كذلك لأزور جماعة المَحبس التي وقعت فيها بعض أشهر معارك وبطولات الجيش المغربي. ومنها أقصد مركز الفارسية، وأنا في الطريق إلى السّمارة. كنت في كل مرّة أطرح هذا الاقتراح أمام السائق أو مُساعدُه، فلا يُوافقان الرّأي بالمُطلق، وعندما بدأت ألحّ عليهما أكثر من مرّة، بدآ يعرضَان عنّي أو يُشيحَا بوَجههما، ويغيّرا الموضوع بآخر. حينها فقط، عرفت أن الفكرة غير صائبة تمامًا، ومن ثمّ عدلت عنها بالمرّة. فما كان عليّ إلا التوجّه إلى طانطان، ومن ثم أقصد مدينة السّمارة، كما جاء في نصيحتهما الأولى مع أول استشارة، ونحن ما زلنا في زاكورة صباحًا قبل طلوع الشمس.
السّمارة مدينة الزّوايا والأضرحة:
في الطريق إلى العُيون ثم الداخلة، كان لزَامًا عليّ أن أقضي ليلة في طانطان، وهي مدينة ألفتُها وتعوّدت هي كذلك عليّ، كما في زياراتي السّابقة لها. كانت أولى زيارتي لها، قبل أكثر من أربعين سنة. كلّ من سألتهم في المدينة، قالوا لي بأنّ هناك الكثير من الآثار والمَعالم الصّحراوية المهمّة، جديرَة برُؤيتها في السّمارة. ولكنّ إلحاحي قبل سؤالهم، كان كبيرًا لعدة اعتبارات ومُختلف الأسباب. خِفتُ ألاّ أجد وسائل نقل تربط بين مدينتي السّمارة والعُيون، أبقى هناك عالقًا. ولكن طمأنتني عدة آراء، البعضُ منها يعود إلى رجال الشرطة والجيش والمهنيّين، وهؤلاء طبعًا في مثل هذه الأمور أهلُ ثقة. أجمعوا لي بأن وسائل النقل متوفرة بين مدينتي طانطان السّمارة الصحراويتين، كما بين السّمارة والعيون. ولم يبق أمامي حينها إلا التوكّل على الله. أخذت مقعدي في طاكسي كبير صباحًا باكرًا مع زُمرة من المُسافرين، وبدأ المشوار الصّحراوي المُمتع للعَين الفكر. وجدنا مناظر وجغرافيا في الطريق تدعو كلها إلى التّسليم بأمر الله، والتصديق في عين المكان بشجاعة جنودنا البواسل، مناظر تدعوك إلى التأمل في أمور صوفية وأخرى ربّانية. الطريق إلى السّمارة طويل ومُنبسط وأحيانا مُملّ، يمتدّ على مسافات طويلة تُرهق رؤية العَين. صحراء قاحلة وموحشة بشكل خُرافي، وخصوصًا لمَن لم يكن مُتعوّدًا عليها. عند خُروجنا من طانطان، اتّجهنا غربًا باستعمال الطريق السريع المُؤدي نحو مدينة الوَطْيَة الشاطئية في اتّجاه طرفاية، ثم بدأنا نميلُ تدريجيًّا نحو الشرق، مُرورًا بقرية الشّبيكة، وُصولا إلى الجماعة الترابية أبطيح. عندما وصلنا إليها، بعد امتداد طويل أصفرُ اللون، مُرهق للعَين والجَسد، بدت لي قرية أبطيح الصغيرة، وهي منعزلة مثل حُلم صغير وسط صفرة رمال الصحراء.
غزَالتان في مَدخل أبطيح:
في مدخل أبطيح الشّبه مهجورة، تستقبلك غزالتان على جانبي الطريق، وهما على ما يظهر رمز الجماعة الترابية. تذكّرت معارك شرسة عرفها هذا المركز بين الجيش المغربي ومرتزقة البوليساريو. قال لي سائق السّيارة المتحمّس جدّا للحديث، كأيّ سائق مهني في بداية الطريق، وهو من سكان طانطان، أن مركز أبطيح ونواحيه شهد أكثر من أربعين معركة، خسرها المرتزقة. وما أن تدخل إلى هذا المركز القرويّ الهادئ، حتى يلفظك بسُرعة إلى خارجه. لا شيء حيٌّ رأيته في هذه القرية الوديعة، لولا أن أيقظني من حُلمي حاجزٌ أمنيّ للدرك الملكي، يتمركز الطّاح بين طانطان والسّمارة. وقال لي آخر أن الطّاح كان مركزًا للجنود المغاربة، قبل أن يتوجّهوا شرقًا نحو السمارة ثم إلى الجدار. وحين غادره الجنود المغاربة، لم تعُد فيه تلك الحركية التجارية والرّواج الذي عُرف به. ولذلك غادره التجّار، ومن كان فيه من السّكان.
في هذا الامتداد الصحراوي الموحش بين المدينتين، تعرف المعنى الحقيقي لمَقولة:" لا طيرٌ يطير، ولا وحشٌ يسير".
السائق أصَرّ من جهته انتصارًا منه للمكان، أمام همسي لصاحبي الذي كان إلى جانبي، وانبهاري واندهاشي من هذا الخلاء المُمتدّ بلا نهاية، وما رأيته بأمّ العين من انبساط قاحل، قال لنا نحن الجدُد على المنطقة، أنّ أبطيح فيها سدّ مائيٌّ صغير على نهر أبطيح. وهناك كذلك عملية تربية الجمال والماعز والأغنام بالضواحي، والناس يصطادون السّمك في مياه الوادي أثناء العطل، وكذلك في بُحيرَة السّدّ وإن كان صغيرًا. وأضاف بأن هناك فلاحة عصرية في الضواحي، وأبحاث تتطوّر مع مُرور الوقت في بعض الجهات القريبة من البحر. وغير بعيد عن مدخل مدينة السّمارة، استقبلنا وادي السّاقية الحمراء بأشجاره وقنطرته الطويلة، هو القادم من جهة الجبال في الشّرق، كما قال لي سائق سيارة الأجرة. أحسست أنّني أتعبته طيلة مشوار الرحلة ابتداء من طانطان، وقد أكثرت عليه أسئلتي واستفساراتي. كنت أشعرُ أحيانًا بانزعاجه، ولكنّني كنت مضطرًّا ولم أجد أمامي خيارات أخرى. وفي الأخير، بدأ يجيبني على استفساراتي مقاول شابّ يعمل في أحد المشاريع الخاصة بالسّمارة، تعود أصوله إلى مدينة آسفي. قال لي مازحًا:
- دع عنك السائق، قد أتعبته معك. أنا من سيتكفّل بالإجابة عن كل أسئلتك واستفساراتك. سل عمّا تريد، أسكن بالسّمارة منذ مدة ليست بالقصيرة.
وجدنا لوحة في مدخل السّمارة تشير إلى زاوية الشيخ سيدي أحمد العروسي، اعتقدت بداية أنه رجل جبليُّ الهوى، جاء من بني عروس في الشمال المغربي نواحي العرائش، استهوته أرض المنطقة وطبائع أهلها الطيّبين، وارتأى أن يستقرّ بالصّحراء، وإذا بي أتفاجأ بعكس ما توقعته تمامًا. قيل لي، وأنا جالس أستريح رفقة فنجان قهوة، بأحد المقاهي في السّمارة، وأناقش شبابًا في مواضيع كثيرة حول المدينة، أن أحفاده انطلقوا من الجنوب نحو الشمال، وفق ما تُؤكده أوراقُ ثبوتية في تاريخ المنطقة وأرشيفها، كما أكد لي ذلك أيضًا أحد الأساتذة المُهتمين بالتاريخ في المدينة. وأنا أناقش بعض الأمور مع الشباب، كان البعض منهم متحفّظًا وآخرون يجيبون بكل أريحية، وأنا بدوري، لم تكن أسئلتي متهوّرة أو طائشة، كنت أسأل في حدود ما يسمح به الوضع الرّاهن.
دخل على الخط المُباشر في النقاش بعضُ الشيوخ والأساتذة والشبّان، ونحن في مقهى بوسط مدينة السمارة، وتفرّقت الآراء بين قائل بأنّ أصل العروسي يعود إلى عليّ وفاطمة الزهراء، فيما قال آخرون أنه شاذلي، وبعضهم قال أن نسبه حُسَيني. وأمام اتّساع رقعة جغرافيا النقاش وتشعّبه، وضيق الوقت بالنسبة لمُسافر على الطريق مثلي. قلت لهم أنّنا في الأخير أبناء عُمومة وفي وطن واحد يتّسع للجميع، سواء صعدتم أنتم عندنا من الجنوب أو نزلنا نحن عندكم من الشمال، كما أفعل أنا اليوم في رحلتي. وأما ارتفاع نبرة الأصوات وتجمهُر بضع أفراد حولنا، تبعهم آخرون كلٌّ لغرض خاصّ، وقد بدأ الأمرُ بنقاش ثنائي بيني وبين شخص آخر، سألته إلى جانبي. وفي الأخير، اعتذرت للجميع وانصرفت.
ظهر لي في البداية أن المَبيت في السّمارة أمرٌ ضروريّ، ولكن قالت لي بعض الآراء أن الوقت لا زال كافيًا للوُصول مُبكّرًا، وقبل حلول الظلام إلى مدينة العُيون. ألغيت حينها فكرتي الأولى من الرأس على عَجَل، وعزمت أن أتابع المَسير.
كنتُ أعرف أنّه يتبعني مسارٌ آخر، وهو لا يقل طولا ومشقة، إنه السفر إلى ما بعد مدينة العُيون، السّفر إلى الدّاخلة ثاني كُبريات حواضر الصّحراء المغربية، وأيضًا لأن الوضع حسّاسٌ في المنطقة، وهي في غنى عن أيّ نقاشات ساخنة، حتى وإن كانت حول موضوع عادي ومُتاح، مثل الحديث عن أصل سيدي أحمد العروسي. همس لي أحدهم أنّ تعوّدت على نقاشات أسخن من هذه، أمّا العيون والبنادق مصوّبة جهة الشرق وما بعد الجدار الرّملي، ضحكنا، سلمت عليه بحرارة وضحكنا. أجهزتُ في رشفة على ما تبقى عالقًا من بُنّ في فنجان قهوتي، كنت قد استرحت قليلا بأحد المقاهي الجميلة على شارع المدينة الرّئيسي، واستأنفت جولتي بأهمّ أحياء المدينة، حديثها وقدمها، كما قمت بدورة سياحية سريعة في أهم مراكزها التجارية، استعملت فيها أقدامي مرّة، واستعنت في أخرى بطاكسي صغير أكثر مرة كلما أحسَست بالعَياء.
رجعت مرة أخرى إلى المحطة الطرقية، وهي بعيدة نسبيًّا عن مركز المدينة. كنا ونحن في الطريق، قد اشتكى بعض الرُّكاب الذين كانوا معي في سيارة الأجرة من نأيها عن مركز المدينة، وألقوا باللّوم على أصحاب الطاكسيات الكبيرة، ولكن السائق دافع عن نفسه وعن رفاقه المهنيّين، وشرح بما فيه الكفاية، أن أصحاب الحافلات والسيارات الأجرة، هم الذين امتنعوا عن الذهاب إليها. أظهروا ذلك في أكثر من جلسة مع عامل الإقليم، وأنّ الناس القريبين من المَحطة، هم الذين اشتكوا، وطالبوا بأن تكون المحطة قريبة، وغالبيتهم من أصحاب "المُخيّم."
لم أهتم بداية بموضوع المُخيّم، ولم أعطه ما يليق من اهتمام، ظنّا منّي أنّ الأمر يتعلق بمُخيّم صّيفيّ، ولكن تبيّن لي لاحقًا، وأنا في طريق العودة قرب مطار المدينة، أن الأمر مُختلف عن تصوّري. سمعت أحدهم يقول: "إنّ "المُخيّم" أصبح ساحة يلعب فيه الأطفال كرة القدم". ظننتهم في البداية يتكلمون عن المُخيّم الذي نعرف، ولكن حين سألت، تبيّن لي أن الأمر يتعلق بمُخيّم كبير، أعدّ في وقت سابق للمُلتحقين بأرض الوطن، وغالبيتهم من المُغرّر بهم في تندوف. وحين بنت لهم الدولة المغربية دورًا للسّكن على أطراف المدينة، ارتأى نظر أصحاب الحلّ أن تكون المحطة قريبة منهم، حتى يتمكنوا من خلق فرص الشغل للرّجال والشباب وأغلبيتهم عاطلون عن العمل، كما أوضح لي سائق الطاكسي الذي ركبت معه من وسط المدينة.
في اتّجاه مدينة العُيون:
بين مدينتي السّمارة والعيون صُفرة وصَفاء، رأيت علامات طرقية تشير إلى مُرور الجمال، ولكنّني لم أر جَملا ولا حَمَلا على طول الطريق. دفعني فضولي لأن أسأل السائق، وكنتُ حريضا على أن أركب في المقعد الأول دائمًا منذ انطلاقي من مرّاكش ولهذا السبب بالذّات، قلت له:" هل هناك سكان في هذه المنطقة؟ أجابني: " نعم، ولكنهم قلة قليلة جدًّا "شوَيْ- بالحسّانية"، شي جُوج عائلات تقريبًا...".
بعد ساعة من مُغادرة السّمارة، وجدنا قطيعًا صغيرًا من الماعز، سمعنا نُباح كلاب من بعيد. ذكّرني المشهد بطفولتي وأعادني إلى بداوتي في "أيلة". بعد ذلك، رأينا خيمتين لبعض الرُّحل في الصّحراء. الطريق من السّمارة إلى العيون بدوره طويل ومُمِلّ، لا حياة فيه ولا بشر تقريبًا. طريق من الإسفلت يحسبه الظمآن ماء، وإذا به أمام سراب صحراوي لا ينتهي. يظهر الإسفلت على شكل بركة ماء طويلة ومُسطحة، وكذلك صُفرة الرّمال. إنها سطوة الصحراء، وجبروت حرارة الشمس فيها. قضينا ما يقارب ساعة من السير في خلاء موحش، لولا أن مرَرنا على زاوية الولي الصالح سيدي خاطري، وجدنا بعدها مركز شبه حضاري حديث البناء. إنه طريق للصّمت والاختلاء بالنّفس وسماع صرير العَجلات، هكذا هي طبيعة السّفريات في الصحراء المغربية، تختلف كما طبائع الناس وعاداتهم، إما يثرثرون دون أن تعرف حسّانيتهم أو يستكينون إلى الصّمت في مقاعدهم. في الطريق إلى العيون، لم يكن شيء يعلو فوق صمت السّكينة. كان سفرُ صمت وشرود من بداية الرحلة إلى نهايتها، كانت رحلة صعبة وشاقة، ولكنها أيضًا مُمتعة وجميلة.
في دكان صغير يجمع بين بيع المواد الغذائية والمقهى، ساقني الفضول إلى لوحة تشوير غير بعيدة، إنه مفترق الطريق المؤدي إلى منجم بوكراع للفوسفاط. ابتداء من مفترق الطريق، بدأت تظهر لنا مرّة أخرى ملامح الحياة من جديد، أشجار طلح ومنازل وحركة سكانية. ومن هناك أيضًا، سيُصاحبنا، مسافة ليست بالقصيرة، حزامٌ ناقلٌ آليٌّ للفوسفاط، هو الأطول من نوعه في العالم بطول 102 كلم تقريبًا، وهو الحزام الذي ينقل فوسفاط بوكراع إلى مصنع المُعالجة في ميناء مدينة العُيون، ومن ثمّة يتمُّ تصديرُه إلى الخارج.
قبل الوصول إلى مدينة العيون من الجهة الشرقية بحوالي عشرين كلم، مرًرنا على مركز الدّشيرة، قرية صغيرة قريبة من مدينة العُيون، لا علاقة لها بالدّشيرة الجهادية التي تقع بالقرب من إنزكان. اشتهرت هذه القرية بما وقع بالقرب منها من احتجاجات سلمية في مُخيم "أكديم إزيك" الشهير في 2010م. كان الهدف منها تحقيق مطالب اجتماعية، وتوفير فرص الشغل للشباب، كما أكد لي أحد الرّكاب، ونحن نمرّ بالقرب من عين المكان في السيارة. ولكن تمّ استغلاله من طرف بعض الانفصاليّين، ومعهم بعض المندسّين من جبهة البوليساريو الانفصالية، أضاف راكبٌ آخر. وانتهى بأعمال شغب، امتدت فيما بعدُ إلى السّمارة ومدينة المرسى الشاطئية قرب العُيون.
العُيون مَحطة عُبور:
لم أمكث في مدينة العُيون طويلا، كمَا في زيارتي السّابقة، كانت عينيّ مركّزَة على الرّحلة المُوالية إلى مدينة الداخلة ثم الڭرڭارات. قضيتُ يومًين في مدينة العُيون، حضرت ندوة دولية حول الصّحراء المغربية رفقة صديقين عزيزين: الطالب بُويا ماء العينين ومحمد سالم عبد الفتاح، في انتظار استحقاقات أكتوبر المقبلة دوليا في الأمم المتحدة، ورأيت فيها ما لم أره في زيارتي السابقة. في المساء، تجوّلت رفقة الصديق سالم عبد الفتاح في أشهر معالم العُيون السّياحية والرّمزية، وكان حيّ "مْعْطَا الله" أحد هذه الأحياء، هو الذي اشتهر بكونه حيّ الانفصاليّين ومنبع التوتّرَات والاحتجَاجَات في المدينة، ومَعقل الناشطين الصّحراويين، هو الذي عرف كذلك بمعقل الانفصاليين، وهو الحيّ الذي احتضن الانفصالية أميناتو حيدر، وكان في يوم من الأيام أشهر رمز للانفصاليّين في العيون والصحراء المغربية.
اليوم انمحت فيه أصوات البوليساريو، وغابت عنه راياتهم وشعاراتهم، وانمَحَت منه ملامح الانفصال. لم تعُد فيه، كما قيل لي من قبل وأنا واقف أمامه بشارع السّمارة، تلك التعزيزات الأمنية المُكثّفة التي ترابط في مدخل الحيّ، كما كان من قبل. فكرت في الدخول إليه ولو من باب المُغامرة، مهما كلفني ذلك، ولكن قيل لي أنّ الدّخول لن يكلف شيئًا، وقد أصبح الحَيّ مثل باقي أحياء المدينة التي مرَرت بها. وفعلا، لم أرى فيه ما يُغري بالمُشاهدة. وجدته، وأنا أتجوّل قبالته على طول شارع السّمارة حيّا سكنيًّا هادئًا، مثله في ذلك مثل باقي أحياء المدينة.
ولكن من حسن حظ هذا الحيّ طبعًا، أن وجد نفسه دون مقدّمات إلى جانب أطول شارع بالعُيون، وهو شارع السّمارة، وقد أصبح رمزها الحضاري، بطوله وعرضه ومشاريعه الخدماتية الحالية، وما هو قادم من الاستثمارات المستقبلية القادمة إلى المدينة. غادرت الفندق مُبكرًا في الصّباح، وبعد جولة سريعة بشارع مكّة الرّئيسي، وأحد شرارين العُيون الحيوية، أخذت فطوري صُحبة صديقي الدكتور الطالب بويا ماء العينين، وهو من أوصلني بسيارته مشكورًا إلى محطة الطاكسيات الكبيرة. ومن هناك، ستبدأ رحلة أخرى طويلة نحو مدينة الداخلة. وأنا أعرف، أنه لن تقف قدميّ إلا وهي على أعتاب مَعبر الڭرڭارات الحُدودي.
في الطريق إلى الدّاخلة:
من مدينة العُيون، انطلقنا صباحًا في رحلة طويلة تقارب الخمسمائة كلم. ما أن ودّعنا مدينة المَرسى القريبة من العيون، حتى تنوّع الحديث بين الرّكاب في الطاكسي الكبير، وتشعّب بين حديث بين أكديم إيزيك وحيثياته، وآخرون بدأوا يفكّكون ويحلّلون في "حركةGen- z " وأهدافها، وما خلفته وراءها من أحداث مُؤسفة في القليعة نواحي أكادير. كان البعض يحترز في الحديث، فيما كان بعض الشباب جدُّ متحمّسين للحَركة في انطلاقتها الجديدة، وهم لا يعرفون شيئًا ونحن معهم، أهدافها الحقيقية في بداية انطلاقها. كنت أوّل مرّة أسمع بها في كلام طائش وأنا بالسّمارة، سمعت كلامًا عامًّا عن الموضوع برُمّته، وكان يدّعي بعض الشباب الرّاكب معنا في الطاكسي يدّعي مَعرفة كبيرة بخبايا الأمور. كانت حركة "زد" حديثة الظهور، ولم يكن معروفًا بعدُ أهدافها ومُؤسسها ولا أبعادها، إن كانت مطالب سياسية أو اجتماعية.
مرَرنا بقرية المسيد الصغيرة، قبل الوصول إلى مدينة بوجدور الشاطئية. و"المسيد" مؤسسة تربوية دينية تُعنى بتحفيظ القرآن الكريم، ونجده أسماء قُرى في أكثر من مكان في الصحراء المغربية تحمل هذا الاسم، كما هو الحال في طانطان وبوجدور.
منارَة مدينة بوجدُور ..
في الطريق، بدأت ملامح برج طويل في الظهور، سألت السّائق، وهو من أبناء العُيون، قال لي إننا نقترب من مدينة بوجدور. وأضاف أنّ المدينة ظهرت في البداية مُلتقى للصيّادين، وتحوّلت لاحقًا إلى ميناء، ثم إلى مدينة صغيرة. كانت هي محطتنا الأولى والأخيرة، قبل الوُصول إلى الداخلة، لا مدينة أو مركز على الطريق بينهما بَعدها. وقفنا فيها للاستراحة، قال لنا السّائق الشاب في لهجة إخبارية وتحذيرية، أن خُذوا وَجبات غذائكم قبل أن ننطلق مُجدّدًا إلى الداخلة، لا وقوف بعدها. تناولنا غذاءنا في أحد المطاعم المُمتدّة على طول شارع جانبيّ طويل، قبل الانطلاق مجدّدا نحو الداخلة.
كنت أمنّي النفس بجولة خفيفة في بوجدور، ولكن ما كل ما يتمنّى المَرء يُدركه. في مثل هذه الرّحلات، يلزم وقتًا وسيارة خاصّة، كي تقف أينمَا حللت وشئت، تلتقط صورًا وتسأل عن المعلومة التي تريدها، حين يلزم الأمر. ولكن في بعض الأحيان، تقول إن وُجود الشّيء، حتى لو كان ناقصًا، أحسن من غيابه وعدم وجوده على الإطلاق، وأنه ليس بالإمكان أحسن ممّا كان. في مدينة العيون، وجدت طاكسيات بوجدور، ولكن حذّرني البعض أنه قد لا أجد سيارات هناك إلى الداخلة، إن وصلت مُتأخّرًا.
في بوجدور، دخان مطاعم ومشاوي يملأ الأجوار في شارع طويل، سيارات وشاحنات وبعض الحافلات تقف هناك، ينزل راكبوها لتناول غذائهم. أجواء ذكرتني بوادي أمليل وسبت كزولة ومحطات أخرى. فيها يمكن أن تأكل ألذ لحمٌ، لا يُضاهيه في اللذة سوى شواء تمحضيت نواحي إفران. هناك أيضًا بعض أطباق السّمك المشوي، لا توجد في غيرها من القرى والمدن الطرقية، وهو ألذ ّسمك ذقته في حياتي، أنواع بذاتها مُختلفة عن السّرين.
في اتّجَاه الدّاخلة مُجدّدًا..
انطلقنا نسرع في الطريق، مرَرنا على عدد من المراكز الصغيرة: الحويزة، أفتيسات أو يُعرف شعبيًّا وعند السّائقين المهنيّين بـ "الكاب 7"، وهي منطقة لها خصوصيتها البَحرية والأمنيّة. مكان شاطي على شكل خليج، يتجمّع فيه "الحرّاكة" المغاربة والأفارقة استعدادا للعُبور إلى الضفة الأخرى، وتعرف عادة بحركة الهجرة السّرية. وجدنا في الطريق لوحة تشير إلى "وادي الكراع" وتعني الرِّجل- pied. عند وصولنا إلى وادي الكراع، بدأت عاصفة مطرية قوية في الهُطول. أمطارٌ أغرقت جنبات الطريق، وخلفت ماء يجري وأحواض وبرك مائية. أمطار فرح لها السّائق ومن معه من الرّكاب، كما نحن، ولم لا؟ والشتاء أصبح عملة نادرة في السنوات الأخيرة بالمغرب.
عند وصولنا إلى قرية الصيّادين، ازداد تهاطل الأمطار، وأصبحنا وجهًا لوجه أمام عاصفة رعدية حقيقة في خلاء بالصّحراء. ثم فجأة، لاحت لي لوحة تشير إلى جماعة بئر أنزرَان، ولكن هذه الجماعة لا علاقة لها بما حدث من معارك في بئر إنزران، كما قال لي رجل قليل الكلام، كان يجلس إلى جانبي في الطاكسي، سيتبيّن لاحقا أثناء الحديث أنه ضابط في الجيش مُرابط في أوسرد. وصلنا معًا إلى الداخلة، وقومنا بجولة خفيفة راجلين في أهمّ الشوارع بالمدينة. اختار فندقًا للمَبيت قريب من المحطة الطرقية الغارقة في الماء. فندقٌ اختلف عن ذوقي الخاص في مثل هذه الرّحلات، وافترقنا مُتحابّين في الله والوطن على أمل لقاء في فرصة قادمة. قال لي أنه في الغد باكرًا، سيُكمل رحلته إلى أوسرد، للقيام بواجبه الوطني كضباط مغربي.
كنّا قد مرَرنا قبل ذلك على "قرية الصيّادين"، مركز صيد تقليدي يجتمع فيها الصيّادون، ولذلك سُمّيت القرية بهذا الاسم. ثم منطقة "أعريش" المعروفة كذلك بمُزاولة الصيد التقليدي، والمشهورة بطيبة مذاق أسماكها. وأخيرًا، دخلنا في متاهة مسافات طويلة، فيها انبساط صحراوي قاحل وشاسع، لا وُجود فيه لشيء اسمه مركز أو مدينة، قبل أن تبدأ لنا في الظهور قرية "نتيرفت" التابعة إداريا إلى جماعة العركوب في وادي الذّهب. هناك، بدأت شاحنات عملاقة في الظهور. قال لي السّائق بأننا على أبواب الدّاخلة، وأنّ الشاحنات تعمل في تهيئة وبناء ميناء الداخلة الأطلسي العملاق على المحيط الأطلسي. ميناء كبير سيحلّ مُعضلة دول الساحل الإفريقي، في إطار المبادرة الأطلسية التي نادى بها الملك محمد السادس.
التّزلّج المَائي في خليج الدّاخلة:
وأخيرًا بعد تجاوز أحد المدارات، وجدت نفسي أدخل في الأمتار الأولى بخليج مدينة الداخلة. يا الله، حلمٌ راوَدني سنوات طويلة، وها هو يتحقّق اليوم. تغيرت أحاسيس نفسيّتي دفعة واحدة، وبدأت أتنفّس أكسجين جديد. كنتُ كمَن يستفيق على تحقيق حُلمه. شعرت بشتات من الأحاسيس، امتزجت فيها الفرحة بالاندهاش والانبهار، وأنا أعبرُ مقطعًا برّيًّا طويلا إلى وسط مدينة الداخلة. مدينة ساحرة وهادئة في قلب الصّحراء، لسان بريٌّ يمتدّ على شكل شبه جزيرة، يبلغ طولها أربعين كلم، تتوغّل في عُمق زُرقة المحيط الأطلسي على ثلاث جبهات مائية.
مدينة "برّمائية" تعيش أجواء البحر والصحراء في نفس الآن، بدءًا من أول إطلالة للشمس في الصباح إلى غروبها مع أول غروب لها في المساء. قضيت في الداخلة ثلاثة أيام، قضيتها بين السياحة وحضور أنشطة ثقافية. الداخلة لا تختلف عن باقي المدن المغربية في شيء: معاهد عليا، مصحات خاصة إلى جانب مستشفيات الدولة، شوارع وأضواء، وكورنيش، وبها كذلك مستشفى جامعي كبير قيد الإنشاء، يحمل معه ظهور نواة لكلية الطبّ، ومطار تحلق فوقه طائرات على مدار اليوم. ومن أكبر شوارع مدينة الداخلة: شارع "الولاء"، وسُمّيَ بهذا الاسم، لأن أهل جهة الساقية الحمراء وادي الذهب جدّدوا فيه الولاء للمرحوم الحسن الثاني، شارع محمد الخامس الذي يمتدّ بالموازاة مع البحر، وهو كورنيشها المُستقبلي الجميل، وشارع ابّا حنيني ثم شارع "تيرس" وسوقها المشهور ببيع الأزياء التقليدية.
أمُورٌ مَسكوتٌ عنهَا:
قابلتُ كثيرًا من الأشخاص في الداخلة، عاتبني بعضهم في لطف على لفظة يستعملها المغاربة دون شعور، وهم لا زالوا إلى اليوم يتحدّثون على الجنوب في مراكش وأكادير بصيغته القديمة، فيما اعتبروا أن الأصح، وهي وجهة نظر سليمة، هو أن مديني الداخلة والعيون اليوم هما الجنوب المغربي الأصحّ قولا. قال لي أحد العارفين بخبايا الثقافة الحسّانية، أنّ دراسته في مدينة السّمارة كانت عاملا مَفصليًّا مُهمًّا في حياته، كان فيها صديقًا لعدد من التلاميذ، أغلبيتهم من أصول تعود إلى الشمال المغربي، وبالتالي كانت تنشئته الاجتماعية بعيدة عن مُحيط البيت، وما يدور في داخله من طقوس الصحراء. وأضاف: "كنت أحمل كتلة من الشعر فوق رأسي، وأستمع إلى أغاني ناس الغيوان وجيل جيلالة"، وبالتالي يقول: "كسبت من أصدقائي بعض العادات المغربية في الشمال، وكان أهلي يلومونني على ذلك"، وبالتالي يضيف أيضًا "لم أنجرّ إلى أطروحة الانفصال، كما حدث مع كثير من أبناء وبنات جيلي، كان بعضهم أصدقائي في الدراسة، ولكن بعضهم اليوم يوجد على الطرف الآخر في مُخيّمات تندوف".
هذا الجيل التّائه، هو الذي رجعت منه أعدادٌ إلى أحضان الوطن في المغرب، وآخرون، ظلوا متشبثين إلى اليوم بالأوهام وأطروحات بومدين والقذافي القديمة، وعلى رأسهم كبيرهم الذي علمهم السحر الانفصالي إبراهيم غالي. وقال أحد الجُلساء، وأصوله من مدينة السّمارة، أنّ غالي ينتمي مثلنا إلى قبيلة الرّكيبات المغربية، وقبله عبد العزيز المراكشي الذي ولد بنواحي مرّاكش، وأصوله تعود هو الآخر إلى نفس القبيلة، الركيبات كبرى قبائل الصحراء المغربية.
برّادُ شايُ في الڭرڭارَات، حُلم أصبح حقيقة:
في مساء اليوم الثالث الذي قضيته بالداخلة، وضعني بعض الأصدقاء في المدينة بين خيارات. ولكنّني وجدت نفسي بين خيارين، لا ثالث لهما: أذهب في زيارة إلى معبر الكركرات أو أقوم بجولة سياحية مُنتظمة في ضواحي الداخلة. كان رصيدي المالي والبدني أوشك على النّفاذ، ونهايته أصبحت قريبة، بعد عشرة أيام من التّجوال، بدأت من فاس وصولا إلى الداخلة، قضيتها متنقلا بين فنادق، مطاعم، حافلات وسيارات أجرة. ولذلك، أخترت دون تردّد أن أزور المَعبر الحدودي.
أخذت الحافلة المُتّجهة إلى الڭرڭارَات في السّابعة صباحًا، كان في ظاهرها المغربي إلى جانب الموريتاني، وباطنها مزيجٌ من جنسيات إفريقية مُتعدّدة تعبرُ المنطقة الحدودية في الڭرڭارَات عائدة إلى أوطانها. ونحن في الطريق إلى قرية العركوب على بُعدٍ يُناهز الثمانين كلم تقريبًا، بدأ يتراءى بياضُ بناء وعمارات. وحين سألت أحد الرّكاب، قال لي أنها مدينة الداخلة تظهر لنا عبر الجزيرة المُمتدة على طول 40 كلم وسط المحيط الأطلسي. بعد ذلك، وجدنا مركز جماعة إمليلي، كثبان رملية وسط هضاب شهباء، منظر ربّاني جميل في قلب الصّحراء. ولكن حين لا تجد حولك بشر أو شجرٌ وحَجر، تشعر بالرّهبة وقليل من الخوف، مهما كانت شجاعتك ورباطة جأشك. في إمليلي، هناك مشروع سكنيّ بنته الدولة تشجيعًا على الاستقرار، ولكنه فارغ بدوره وصومعة مسجده في طبيعة مناخير صعبة، ولذلك لم يسكنه أحد من الناس. ثم قرية الصيد "لبويرَة" بكثبانها الرّملية المُترامية الأطراف، وهي على شكل كتل من الهضاب الرّملية المُنعزلة. المُقيمون في هذه القرى، على قلتهم، يشتغلون كلهم بالصيّد البحري وتربية قليل من الإبل والمواشي.
أن تقوم برحلة في طريق طويل وموحش وشاقّ، انطلاقًا من فاس مع المُرور بمُدن وقرى: مراكش، ورزَزات، أكدز، زاكورة، فمّ الحِصن، طاطا، أقّا، بويزكارن، كلميم ثم طانطان، وبعدها مدن: السّمارة، العُيون، الدّاخلة وُصولا إلى مَعبر الڭرڭارات، يلزمك قليلا من العَقل وكثيرًا من الحُمق. هذا الحُمق، هو الذي جعلني أتحمّل كل الصّعاب التي واجهتني، وهو الذي رافقني من فاس إلى المَعبر الحُدودي مع موريتانيا في أقصى نقطة بالجنوب المغربي. كنت سابقًا أضربُ ألف حساب للسّفر عبر الطريق السّيار من فاس إلى الرباط، وها هي تلك الـ 180 كلم تصبح مجرّد نزهة خفيفة بين العيون والداخلة، فما بالك بالوُصول إلى مَعبر الڭرڭارَات.
قبل الوُصول إلى بئر كندوز، وقع عطل في الحافلة في صحراء شاسعة، لا شيء يُرى فيها غير صُفرة رمال الصّحراء. ركبت مع مُهاجر قويّ البنية من دولة غامبيا يعمل مهاجرًا بفرنسا في سيارته المرسيدس، كان ذاهبًا في عطلته السنوية إلى موطنه الأصلي لزيارة الأهل. رافقنا في تلك الرّحلة الطويلة، وهي رحلة طارئة لم تكن مُبرمجة على الإطلاق، مُواطن سينغالي لا يقلّ عنه قوّة وصلابة في بنيته الجسمانية، كما عُموم كل الأفارقة الشباب. كان قبل ذلك، راكبٌ معنا على متن نفس الحافلة. المواطن الغامبي الذي نسيت اسمه، لأنّني لم أدوّنه، كان لا يفهم الفرنسية جيدًا، مع أنه يعمل بفرنسا، لأن اللغة الرّسمية في غامبيا، كما قال لي، هي الإنجليزية التي تركها لهم المُستعمر الإنجليزي. أما السّينغالي فإنه لا يفهم الإنجليزية، بحُكم كونه فرنكفوني، كان بلده مُستعمرًا من طرف فرنسا، وبالتّالي أصبحت لغتهم الرّسمية هي الفرنسية. وأنا أفهم اللغتين معًا، هكذا أصبحت مُنتشيًا بالترجَمة بين اثنين من الأفارقة.
وأخيرًا، اهتدوا بعد نقاش بينهما إلى أنهما يتكلمان نفس اللهجة، وهي لهجة محلية إفريقية يتكلم بها الأهالي على الحدود بين البلدين، ويفهمانها جيّدًا، بحُكم أنهما يسكنان على حدود مشتركة. وهكذا أصبحت أنا لا أفهم ما يقوله الاثنان. كانا يتحدثان بصوت مُرتفع، يضحكان أحيانًا ويبتسمان، وفي أخرى يظهر عليهما غضب شديدٌ غير مُبرّر، ويصل بهما الحديث إلى الصُّراخ. كل هذا، وأنا صامت في الخلف لا أتكلم، وقد كنت قبل قليل مترجمًا. كل ذلك، وأنا لا أفهم شيئًا ممّا يقولانه، وخفت في بعض الفترات منهما، كأن يفعلا بي سوءًا في خلاء مُمتدّ. كنت أفرح لأتفَه الأسباب، وتعودُ الطمأنينة إلى قلبي لأتفه الأشياء، مُجرّد أن أرَى جَملا طائشًا يعبرُ الطريق، سيارة أو شاحنة تمُرُّ سريعًا في الاتجاه المُعاكس، فيطمئن قلبي قليلا. واستمر الوضع مُتوترًا في صمت بالنّسبة لي على الأقل في السّيارة، قبل أن نصل بكيلومترات قليلة إلى مركز بئر كندوز في إقليم أوسرد.
ساد صمتٌ رهيبٌ بيننا في السّيارة ونام السّنغالي، هو الذي كان الأكثر بيننا تشنُّجًا، لأسباب يعرفها هو دون غيره، وهي التي زادت من شكوكي. حمدت الله في نفسي، وقلّت لديّ حدّة الشكوك. زال خوفي نوعًا ما، ونحن في سيارة تطوي بنا المسافات طيًّا، وبسرعة جُنونية في خَلاء مُوحش وقفار مُخيف، إنها سطوة الصّحراء حقًّا وحقيقة. ندمت في كثير من اللحظات على ركوبي مع هذين الغريبين، كنت أول مرّة أركب فيها مع غريبين في سيارة واحدة، وأين؟ في خلاء الصحراء. وأنا لا أعرف عنهما شيئًا، سوى أن جُثث أجسامهما وقوّة أبدانهما، تفوق ما يملكه جسدي النّحيل والمنهك بالسّفر عشرات المرّات.
راودتني أفكار وحشية، كأن يقوما بقتلي مثلا، ويرميان جثتي هامدة تقتات منها النّسور المُحلّقة في الصحراء. هذا الأمر دفعني في التفكير بسيناريوها غريبة، بدأت أرسل صورًا بالوجه والصورة لهما إلى حسابي الإلكتروني، وكذلك من باب الحيطة إلى بعض الأصدقاء، مع أخذ فيديوهات مُسجّلة لهما معًا في السّيارة، كل ذلك من دون علمِهمَا. وزاد خوفي منهمَا وممّا أنا فيه، حين انقطع عنّا الأنترنيت فجأة، قبل عشرات الكيلومترات من صولنا إلى بئر كندوز، تساءلت حينها في حيرة: والآن بمن أتّصل يا الله، إذا وقع لي مكروه لا قدر الله؟ هذا إن تركوني أتّصل بأحدٍ أصلا.
الوُصول إلى بئر كندوز:
في مدخل مدينة بئر كندوز الصغيرة، وجدنا حاجزًا أمنيًّا للدرك الملكي، ارتكب الغامبي مُخالفة سير، لم يحترم علامة - قف، طالبوه بأداء غرامة وبشكل حضاري. أظهر له دركيّ نوع المُخالفة، فأدّاها نقدًا، وهو مُقتنع بمُخالفته. قال لي الشّاب الغامبي أنّ الأمر طبيعي في مثل هذه الأمور، وأنها تحصل معه عادة في المسافات الطويلة، كما تحصل مع السّائقين المهنيّين، حينما يسوقون لمسافات أطول. قام رجال الدرك بفحص أوراقهما الثبوتية وأوراق السّيارة، حينها استرجعت أنفاسي واطمئنّ قلبي. مَضَينا بعد ذلك رأسًا إلى المَعبر، بدأت تظهر كثير من الشاحنات قادمة من الاتجاه المُعاكس، وإن كانت تغيب من الطريق في بعض الفترات. ظننت أن بعضها يمرّ عبر ميناء الداخلة الأطلسي، منذ نزاعنا الجُمركي مع موريتانيا، وفرضها رسوما إضافية على البضاعة المغربية. ولكن تبيّن لي وأنا في المَعبر، ثم بعد العَودة منه في الدّاخلة، أن ميناءها الكبير غيرُ جاهز إلى حدود اليوم، والأشغال لاتزال فيه جارية.
خطواتي الأولى في الڭرڭارَات:
عند الوُصول إلى معبر الڭرڭارات الحدودي، وبعد استراحة خفيفة، جلست في أحد المقهى صُحبة برّاد شاي صحراوي، قمت بجولة في مرافقها دامت قرابة السّاعة، وإذا بثلاث شبّان يقتربون منّي في لباسهم المَدني، ويُسلمون عليّ في أدب. انتبهت بسُرعة إلى أنهم كانوا يركبون معي في بداية الرّحلة نفس الحافلة. سألتهم عن عملهم في المَعبر الحُدودي، وقد ظننتهم يعملون في فندق، وكالة بريدية أو بنكية، وهي منشآت إدارية وخدماتية موجودة هناك، بُنيت حديثًا إلى جانب مسجد بصومَعته المُمَيّزة مطرّزة بالزّليج المغربي في قلب الصّحراء. أجاب الشّبّان بالنّفي، قلت قد يكون عملهم بإحدى محطات الوقود، وهي كثيرة في الڭرڭارات. تبيّن في الأخير أنهم جُنود مرابطون في إحدى الثكنات العسكرية القريبة من المَعبر. قلت ساعتها مع نفسي، ربّما كان هؤلاء الشباب أو البعضُ منهم على الأقلّ، من بين الذين طهّروا الڭرڭارات من مرتزقة البوليساريو قبل بضع سنوات، فما كان مني إلا أن حيَّيتهم بحرَارة، وأنا مُنحيَ الرّأس على استحياء...!!



#ادريس_الواغيش (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مسابقة إدريس الجاي الشعرية في نسختها الأولى
- جيلُ -زِدْ- الذي يُمثّلني
- هل كان المغرب في حاجة إلى حركة gen- z..؟
- مِنَ الكُولونيل الغُجدامي.. إلى Gen-z
- في مخاطبة حكومة-Z- الرقمية بالمغرب
- الأفضلية للحَياة في رواية -أحلام مُنكسِرَة-
- مَا فائدَة صيحَة الدّيك بعدَ طلوع الشّمس...؟
- أراك بين أصابعي
- يَومِيَاتُ مُياوم في بركان
- في محبة القصة القصيرة
- مهرجان بلقصيري للقصة يحتفي بتجربة أبو يوسف طه
- أورَاقُ الرّومي المَنسِيّة
- إسرائيل وإيران.. الموت من أجل الحياة
- فاس تحتفي بمؤسس جائزتها للثقافة والإعلام عبد السلام الزروالي ...
- حُجَا وسُوء تنظيم احتفاليَة فاس الكروية
- ملتقى فكري حول جمالية البيئة بفاس
- مهرجَان السّرد يُنهي أشغاله في أبركان
- مهرجان أبركان للسرد يصل نسخته الثامنة
- الزين، في الثمانين..!!
- الكُرْهُ بالتّرَاضي في عَالم لا يُحتمَل...!!


المزيد.....




- ياسر جلال يعتذر عن معلومة -خاطئة- قالها بمهرجان وهران للفيلم ...
- التربية تعلن نتائج السادس الإعدادي بفرعيه العلمي والأدبي للد ...
- مارغريت آتوود تنقل قراءها لعالمها الداخلي في -كتاب الحيوات- ...
- مكتبة الملك عبدالعزيز تطلق فيلم الحج -على خطى ابن بطوطة-
- الجمال آخر ما تبقى من إنسانيتنا
- -ستيريا-: أول مهرجان ستاند أب كوميدي في سوريا!
- أبوالغيط يؤكد أهمية الثقافة كجسر للتواصل في العلاقات الدولية ...
- زلزال في -بي بي سي-: فيلم وثائقي عن ترامب يطيح بالمدير العام ...
- صورة -الجلابية- في المتحف تثير النقاش حول ملابس المصريين
- مهرجان -القاهرة السينمائي- يعلن عن أفلام المسابقة الدولية في ...


المزيد.....

- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ
- إخترنالك:مقال (الثقافة والاشتراكية) ليون تروتسكي. مجلة دفاعا ... / عبدالرؤوف بطيخ
- المرجان في سلة خوص كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- بيبي أمّ الجواريب الطويلة / استريد ليندجرين- ترجمة حميد كشكولي
- قصائد الشاعرة السويدية كارين بوي / كارين بوي
- ترجعين نرجسة تخسرين أندلسا / د. خالد زغريت
- الممالك السبع / محمد عبد المرضي منصور


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ادريس الواغيش - برّاد شاي صَحراويّ في الڭرڭارات